files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين...

33
م ي ح ر ل ا ن م ح ر ل له ا م الس ب رك ص ب رف ص ا ت ب س ل ا مان% ث ع ن ب الد / خ خ ي% س ل ا ل ض م لا ف لهده ال ه ي ن م ا، ن ل ما ع< ا ات< ن سي ا، و ن س ف ن< ور ا ر% ش ن م له ال ب وذ ع نره، و ف ع ت س ب ه و ن ي ع ت س ب مده و ح ن له، مد ل ح ل ا نS ا ى ل صوله، س ده ور ن عً دا م ح م ن< هد ا% ش< ه، وا ل ك ري% شده لا له وخ ال لاS له اS ا لا ن< هد ا% ش< له، وا هاذي لا ف ل ل ض ب ن م له، و عد: ن ما< ، ا ن عي م ح< ه ا ن ح ص له وj ى ا عل ه، و ن ل ع ارك م وب سل له و ال ه. ركات ب ه و ن م ح م ور ك ن ل ع لهم ال لا س ف:- ه< ماو س< ا ت س د ق نه وال ل خ ل خ- ه ول ق ن مً ا لاف ط ب ا- ى لا ع ن و ارك ن ت- له ال ن ذ ا ا ب ن ي ي خد ون ك ن س له ن ل ل ه ا هد ى فْ ل ُ ف{ ِ ات َ نِ مْ < وُ مْ لِ لْ ل ُ فَ وَ ونُ عَ تْ صَ ب ا َ مِ بٌ ر ي ِ بَ خَ َ اَ نِ S اْ مُ هَ ل ىَ كْ رَ < اَ كِ لَ ذْ مُ هَ ج وُ ر ُ ف وا ُ ظَ فْ حَ نَ وْ مِ هِ ارَ ضْ بَ < اْ نِ م واُ ضُ غَ نَ ن يِ نِ مْ < و ُ مْ لِ ل* } اَ هْ نِ مَ رَ هَ ظ اَ ا مَ لِ S اَ نُ هَ نَ § ي يِ رَ ن بِ دْ نُ ت لاَ وَ نُ هَ ج وُ رُ فَ نْ ظَ فْ حَ نَ وَ نِ هِ ارَ ضْ بَ < اْ نِ مَ نْ صُ ضْ غَ ن ور: ن لا[ 30 - 31 ] . ه تj لا ال ض ت تاو م هد، وع واخ و ض و م ن ع ها مل ح م ى ف% حدت ت ت ى لت ور، ا ن ل ا وره س مه ب ر لك ا وره س ل ه ا هد ن م ض ان ن تj لا ا ان هاب ف ت ح ن ه ل ور الداخ ض ل وا ى ن ا ع م ل ا ن م ة ظ ف ل ل ه ا د ه ت ح ن وي ظ ت ت ا ل م ك ب اف ق ع ل ا وره س ى ه، اف ق ع ل ر وا ي س ل ا ب، اف ق ع ل ر وا ي س ل وا رج لف ا ل ب ض ت تا ع وم م س ل وا ان س ل لر وا ص ت ل ا ب ق ل ع ت تا م م، ه< را م ل ل وا خ ر ل ا ل ب ض ت ت ما م، اف ق ع ل ا- ل خ و ر ع- ه لره ال ك ا ذ م م ره ي غ وك ل ل ذ ك، وت ن ي ل ول ا خ ذ ذاتj ا ب ق ل ع ت تا ه، وم ن ف ح نا وم ة ن ت ر ن م ه< را م ل ه ا دت ن ت وما ها. ن ف وات ظ خ اع ن ت ا ن ع ى ه ي ، و ف§ د ق ل وا ا ب ر لم اا حك< اا م ه ل ن فر ك عدما ذ ن- ى ل عا ن و ارك ن ت- له ال ما ه ر ك ذ ان ن تj لا ا ان هاب فار، ض ب< لا ا ض غ نك ل د ذ ع نر م< ، ا ان§ د< „ن ي سلا ا ن م وت ن ي ل ول ا خ ذ ذاتj ا ب ق ل ع ت تار م ك ، وذ طان ت% س ل اَ ن يِ نِ مْ < و ُ مْ لِ لْ ل ُ ف{ } ْ مِ هِ ارَ ضْ بَ < اْ نِ م واُ ضُ غَ ن رج سُ ب ا م ث ي خ ر، ص ت ل ا ق ل طُ < ا ا ذS ع ا م ث ح م ل رذ وا لف ل ق ق „ح ت ت ن< ا ن ك م ب لا ب ل ا مط ل ه ا د ه ن< ؛ لا و ه ا م ك ه ن ل ع ق ل وا ه ن ل و ق ل خ ا< ن ا ن ف ل ا كات ارب ب ن ذ< و م لك ذ نS ا ءوا ف ا% س ف ت كءوا و ا% ما س ك ها ي و ن ل ق ن م و ه ضار ب< س ا ا ن ل ا ضار. ب< لا ا ض غ ن لك عد ذ ن ر م< لاء ا ا ح ف وم، ل ع م

Transcript of files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين...

Page 1: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

بسم الله الرحمن الرحيماصرف بصرك

الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونس��تغفره، ونع��وذ بالل��ه من ش��رور أنفس��نا، وس��يئات أعمالنا، من يهده الله فال مضل له، ومن يضلل فال هادي ل��ه، وأش��هد أن ال إل�ه إال الل��ه وحده ال شريك له، وأشهد أن محمدا عب��ده ورس�وله، ص�لى الل��ه وس�لم وب�ارك علي�ه،

وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فسالم الله عليكم ورحمته وبركاته.

في هذه الليلة سيكون حديثنا بإذن الله -تبارك وتع��الى- انطالق��ا من قول��ه -ج��ل جالل��هوا من أبصارهم ويحفظ��وا ف��روجهموتقدست أسماؤه-: }قل للمؤمنين يغض

ن من ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وق��ل للمؤمن��ات يغضض��-30]النور: أبصارهن ويحفظن فروجهن وال يبدين زينتهن إال ما ظهر منها{

اآلية.[31 فهاتان اآليتان ضمن هذه السورة الكريمة سورة الن��ور، ال��تي تتح��دث في مجمله��ا عن موضوع واحد، وهو ما يتصل بالستر والعفاف، هي سورة العفاف بكل ما ينط��وي تحت هذه اللفظة من المعاني والصور الداخلة تحت العف��اف، مم��ا يتص��ل بالرج��ل والم��رأة، مما يتعلق بالبصر واللسان والس�مع وم��ا يتص��ل ب�الفرج والس�تر والعف�اف، وم��ا تبدي�ه المرأة من زينة وما تخفيه، وما يتعلق بآداب دخول البيوت، كل ذلك وغ��يره مم��ا ذك��ره

الله -عز وجل- فيها. فهاتان اآليتان ذكرهما الله -تب�ارك وتع�الى- بع�دما ذك�ر قبلهم�ا أحك�ام الزن�ا والق�ذف، ونهى عن اتباع خطوات الشيطان، وذكر ما يتعلق بآداب دخول ال��بيوت من االس��تئذان،

ارهم{أمر بعد ذل��ك بغض األبص��ار، وا من أبص�� ؛ ألن ه��ذه}قل للم��ؤمنين يغض�� المطالب ال يمكن أن تتحقق للف��رد والمجتم��ع إذا أطل��ق البص��ر، حينم��ا يس��رح الن��اس أبصارهم ويقلبونها كما شاءوا وكيف شاءوا ف��إن ذل��ك م��ؤذن بارتك��اب القب��ائح القولي��ة

والفعلية كما هو معلوم، فجاء األمر بعد ذلك بغض األبصار. وا من أبصارهم{في هذه اآلية يأمر الله أهل اإليمان ، فه��ذا}قل للمؤمنين يغض

أمر من الله، واألمر للوجوب إال لصارف، فهذا يدل على أن غض البصر عما ح��رم الل�ه -تبارك وتعالى- واجب من الواجبات؛ ألن الله أمرنا بذلك، وجاء ما ي��دل علي��ه من س��نةرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كث��يرة في تص��اريف متنوع��ة، كقول��ه -

))ال ينظ��ر الرج��ل إلى ع��ورة الرج��ل، وال الم��رأة إلى ع��ورةصلى الل��ه علي��ه وس��لم-: ، وإذا كانت المرأة منهية عن النظر إلى عورة المرأة فهي منهية عن النظ��ر(1)المرأة((

ا عن النظ�ر إلى ع�ورة الرج�ل، إلى عورة الرجل من باب أولى، وإذا ك�ان الرج�ل منهي فإنه منهي عن النظر إلى عورة الم��رأة من ب��اب أولى؛ ألن الفتن��ة به��ا أعل��ق، وك��ذلك أيضا لما سأله جرير -رضي الله تعالى عنه- عن نظر الفجاءة؟ ق��ال -ص��لى الل��ه علي��ه

، وهذا أمر، واألمر للوجوب، يجب ص��رف البص��ر، وص��رفه(2)))اصرف بصرك((وسلم-: هو غضه المأمور به في هذه اآلية، وكذلك في الحديث اآلخر في قوله -صلى الله عليه

))إن الله كتب على ابن آدم حظ��ه من الزن��ا أدرك ذل��ك ال محال��ة، فزن��ا العينوسلم-: ، والزنا حرام، ال يجوز لإلنسان أن يقاربه، أو أن يقارفه بأي ل��ون من ألوان��ه،(3)النظر((

أو شكل من أشكاله، أو صورة من صوره، فزنا العين النظ��ر، إذا: يجب غض البص��ر، ال

(.338 - أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات، برقم )1(.2159 - أخرجه مسلم، كتاب األدب، باب نظر الفجاءة، برقم )2 (، ومس��لم، كت��اب6243 - أخرجه البخاري، كتاب االستئذان، باب زنا الج��وارح دون الف��رج، ب��رقم )3

(.2657القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، برقم )

Page 2: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

يجوز لإلنسان أن يطلق بصره فذلك زنا العين، وقال -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- لعلي -النظرة النظرة، فإن لك األولى وليست لك اآلخ��رة(( ))يا علي، ال تتبعرضي الله عنه-:

، فإذا لم تكن له فهي عليه، فدل ذلك على المؤاخذة، إنما األولى التي تق��ع من غ��ير(4) قصد وهي المسئول عنها في حديث جرير -رضي الله تعالى عنه- هي نظ��رة الفج��اءة، فهذه له، وأما الثانية فعليه، بل إن النبي -صلى الله علي��ه وس��لم- نهى عم��ا ه��و مظن��ةلذلك كما في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا ل��ه -

، يع��ني: أنهم يجلس��ون(5)نتحدث فيها(( ))ما لنا بد من مجالسناصلى الله عليه وسلم-: ))ف��إذا أبيتمفي الطرقات البد لهم من ذلك، يتحدثون، فقال -صلى الله علي��ه وس��لم-:

، والح��ق ه��و الث��ابت في نفس��ه، فه��ذا ي��دل علىإال المجلس فأعطوا الطري��ق حق��ه(( ، فذكر أول م��ا ذك��ر غض البص��ر، فه��ذاقال: غض البصر(( حقه؟ ))قالوا: وماالوجوب:

من حق الطريق، وذلك يعني أنه من حق المارة في الطريق، فهذا الحق ثابت ال يج��وز ألحد أن يصادره أو أن ينتهكه فيكون واقعا فيما يستحق عليه العقوبة، وهكذا في قول��ه

))ال تباش��ر الم��رأة الم��رأة ح��تى تص��فها لزوجه��ا كأنم��ا ينظر-صلى الله عليه وس��لم-: ، إذا كان نقل ذلك للزوج بواسطة الزوجة تنقل له صفة ه��ذه الم��رأة، وتص��ف(6)إليها((

له جسدها وجمالها وصورتها، فهذا حرام منهي عنه، فكيف بنظره إليها مباشرة؟.ارهم{ثم تأملوا في توجيه هذا الخطاب وا من أبص� فوج��ه}قل للم�ؤمنين يغض�

الخطاب ألهل اإليم��ان؛ ألنهم المت��أهلون للقب��ول عن الل��ه، وذل��ك أن إيم��انهم يقتض��ي االستجابة واالنقياد والتسليم، وإال فما معنى هذا اإليمان؟، ثم أيضا نج��د في ه��ذه اآلي��ة

، وفي اآلي��ة ال��تي}قل للم��ؤمنين{أن الله -تبارك وتع��الى- ق��د ق��دم ذك��ر الرج��ال فجاء التقديم للرجال، لقائ��ل أن يق��ول: باعتب��ار أن ذل��ك}وقل للمؤمنات{بعدها:

من قبيل تقديم األشرف، ولكن يمكن أن يقال بما هو أدق من هذا المعنى مم��ا يتص��ل بالسياق والمقام والموضوع الذي تتحدث عنه اآليات، وهو أن��ه ق��دم الرج��ال في نهيهم عن النظر إلى الحرام، واألمر بغض األبصار لكون المرأة عورة، والنظر إليها يدعو إلى الفتنة أعظم من نظر المرأة إلى الرجل، فنظر الرجال إلى النساء أشد في الفتن�ة من

))اتقوا الدنيا، واتقوانظر النساء إلى الرجال، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ، وقال -صلى الله عليه وسلم-(7)النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء((

في أحاديث متعددة ما يدل على أن فتنة النساء هي من أعظم ما يتخوفه النبي -ص��لى ))ما تركت فتنة بع��دي هي أض��ر على الرج��الالله عليه وسلم- على الرجال من أمته:

، فإذا كان األمر بهذه المثابة فإن ذلك يس��تحق التق��ديم، فينهى الرج��ال(8)النساء(( منا يدفع��ه أوال عن النظر إلى النساء، فهي موضع شهوة الرج��ل، وق��د ركب تركيب��ا غريزي إلى الميل إلى النساء، وهذا يحتاج إلى مدافعة ومجاهدة؛ ولهذا ك��ان غض البص��ر ليس

باألمر السهل، وإنما يحتاج إلى جهاد لهذه النفس؛ ألنها تطلبه بقوة.وا من أبصارهم{ ، م��ا الم��راد بغض البص��ر؟ غض��ه ه��و كف��ه}قل للمؤمنين يغض

��ه فق��د غضض��ته، وله��ذا نق��ول: ه��ذا أم��ر ال تلحق��ك في��ه وخفضه، فكل شيء ق��د كففت غضاضة، يعني: ال تلحقك فيه معرة توجب لك أن تغض بصرك حياء وحرجا من الن��اس،

(، والترم��ذي، أب��واب2149 - أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر، برقم )4 (،2777األدب عن رسول الله -ص�لى الل�ه علي��ه وس�لم-، ب��اب م�ا ج��اء في نظ��رة الفج��اءة، ب��رقم )

(.7953وحسنه األلباني في صحيح الجامع، برقم ) - أخرج��ه البخ��اري، كت��اب المظ��الم والغص��ب، ب��اب أفني��ة ال��دور والجل��وس فيه��ا، والجل��وس على5

(.2465الصعدات، برقم )(.5240 - أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب ال تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها، برقم )6 - أخرجه مسلم، كتاب الرقائق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أه��ل الن��ار النس��اء وبي��ان الفتن��ة7

(.2742بالنساء، برقم ) (، ومس��لم، كت��اب5096 - أخرجه البخاري، كتاب النك��اح، ب��اب م��ا يتقى من ش��ؤم الم��رأة، ب��رقم )8

(.2741الرقائق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، برقم )

Page 3: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

ال تحلقك فيه غضاضة، يعني ال يوجب لك ضعة ونقصا وعيبا يجلب لك االنكس��ار، هك��ذا يقول الناس، هذا ال غضاضة فيه، يع��ني: ال ي��ؤثر عيب��ا، وال يجلب مع��رة وال يوقع��ك في شيء فيه حرج، إذا: غض البصر هو خفضه، هو كف��ه عم��ا ح��رم الل��ه -تب��ارك وتع��الى-،

وا من أبصارهم{ وهنا دخلت "من" وهي هنا تفيد التبعيض فدل ذلك على أن}يغض ما كل البصر يجب غضه، فمن النظر م��ا ه��و مب��اح، ومن��ه م��ا يك��ون قرب��ة لل��ه -تب��ارك وتعالى-، ومنه ما يكون محرما، ومنه ما يكون مكروها، فالنظر تارة يكون عبادة، وتارة يك��ون في موض��ع اإلباح��ة، وت��ارة يك��ون محرم��ا من المحرم��ات، أو مكروه��ا من

وا منالمكروه���ات، فهن���ا في قول���ه -تب���ارك وتع���الى-: }ق��ل للم��ؤمنين يغض�� يعني: يغضوا أبصارهم عما ال يحل لهم النظر إليه كما قال السلف كقتادةأبصارهم{

وغيره، يغضوا من أبصارهم عما ال يحل النظر إلي��ه، ومن أبي��ات القحط��اني في نونيت��هالشهيرة:

سا *** ومحاسن األحداث والصبيان واغضض جفونك عن مالحظة النسا *** مثل الكالب تطوف باللحمان إن الرجال الناظرين إلى الن

(9)إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أكلت بال عوض وال أثمان

غض البصر هذا يدخل تحت المأمور به صور وأنواع، نغض أبصارنا عن ماذا؟ األمر األول: يدخل فيه غض البصر عن عورات الناس، فإنه ال يجوز النظر إليها.

األمر الثاني: غض البصر عما في بيوت الناس، وم��ا أغلقت علي��ه أب��وابهم، وإنم��ا جع��ل االستئذان من أجل البصر، وقد جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يبيح فقأ

، من ينظر خلسة إلى ما في(10)عين الناظر من خالل شقوق الدار أو الباب أو نحو ذلكداخل الدور، فمثل هذا تكون عينه هدرا، يعني: ال دية فيها وال قصاص.

األمر الثالث: ويدخل في ذلك أيضا غض البصر عما في أيدي الناس من العرض الزائل وزخرف الحياة الدنيا، فال تمتد األنظار إليه إعجابا به وتطلعا إليه وتشوفا إلى تحص��يله،

}وال تم�دن عيني�ك إلى م�اوالله -عز وجل- يقول لنبيه -صلى الل��ه علي��ه وس��لم-: [131]ط��ه:متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم في��ه{ ، "أزواج��ا

منهم" يعني: أصنافا منهم، فه��ذا النظ��ر غ��ير محم��ود، أن اإلنس��ان يتطل��ع إلى م��ا عن��د الناس، ينظر إلى قصورهم وإلى مراكبهم الفارهة، ثم بعد ذلك يورثه ذلك إم��ا تعظيم��ا وإكبارا لهم وهو ما يريدون، أو يورثه ذلك حزنا وحس��رة وعس��رة في قلب��ه أن��ه ال يج��د مثل ما أوتيه هؤالء الناس، والمؤمن ال يكون بهذه المثابة، وسيأتي م��ا يوض��ح ذل��ك -إن

شاء الله-، مع أن هذا النوع من النظر ليس من النظر المحرم. األمر الرابع: ويدخل في ذلك أيضا غض البصر عن النساء األجنبي��ات، ومن في حكمهن من النظر إلى الصور الفاتنة أو المردان أو نحو ذل��ك مم��ا يتخ��وف من النظ��ر إلي��ه من الفتنة، وهذا باب واسع، ومن أجله عق��د ه��ذا المجلس، أم��ا النظ��ر إلى الم��ردان ونح��و ذلك فهذا ال أريد أن أطيل فيه وال أن أنقل كالم أهل العلم الكثير في ه��ذا الب��اب تكفي عبارة واحدة قالها شيخ اإلسالم -رحمه الله- تدل على غيرها من كالم أهل العلم س��لفا

،(11)وخلفا، يقول: "الصبي األمرد المليح بمنزل��ة الم��رأة األجنبي��ة في كث��ير من األم��ور" في كثير من األمور، يعني: النظر، الخلوة، اللمس، التقبيل وما إلى ذلك بمنزلة الم��رأة

األجنبية. األمر الخامس: ويدخل في ذلك مما قد يغفل عنه كث��ير من الن��اس الص��غيرة إذا ك��انت ممن ينظر إليها بشهوة، يعني: قد تكون غير بالغة لكنها تام��ة الخل��ق، وق�د يك��ون فيه�ا من الحسن والجمال ما يجذب النفوس إلى النظر إليها بشهوة، فه��ذا ال يج��وز، وإن لم

(، تحقيق: عبد العزيز الجربوع.43 - نونية القحطاني )ص: 9 ))ل��و(، بلف��ظ: 6241 - أخرجه البخاري، كتاب االستئذان، باب االستئذان من أج��ل البص��ر، ب��رقم )10

، ومس��لم، كت��اب اآلداب،أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل االستئذان من أج��ل البص��ر(((.2156باب تحريم النظر في بيت غيره، برقم )

(.247/ 32(، ومجموع الفتاوى )202/ 3 - انظر: الفتاوى الكبرى البن تيمية )11

Page 4: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

تكن بالغة، فبعض الناس يتساهلون في هذا، يتساهلون في النظ�ر ولربم�ا ق�دموها في احتفاالت وزينوها غاية الزينة، ويقولون: ص��غيرة، م��ع أنه��ا تام��ة الخل��ق، فه��ذا ال يج��وز بحال من األحوال، ولربما ق�دموها في قن��وات، ولربم�ا ك�انت منش�دة بحج��ة أنه�ا غ��ير بالغة، فهذا ال يج��وز، يق��ول محم��د بن ش��هاب الزه��ري اإلم��ام الت��ابعي المت��وفى س��نة

ه� في النظر إلى مثل هذه التي لم تبلغ يق��ول: "ال يص��لح النظ��ر إلى ش��يء منهن124. (12)ممن يشتهى النظر إليه، وإن كانت صغيرة"

األمر السادس: وأما ما يتعلق بالنظر إلى األمور األخرى كالنظر إلى ما يؤثر في القلب ويفسده، ويشوشه فإن ذلك أيضا مما ي��دخل في ه��ذه اآلي��ة، ك��النظر إلى وج��وه أه��ل الفجور والفساد، النظر إلى وجوه البغايا -أعزكم الله ومن يسمع-، فهذا كله مم��ا ي��ؤثر في القلب، ولهذا كلنا يعرف خبر جريج الراهب: "لما دعته أمه وه��و يص��لي فتح��ير بين صالته وأمه فلم يجبها في األولى وال الثانية ثم الثالثة، ف��دعت علي��ه أن ال يم��وت ح��تى يرى وجوه المومسات"، الحظ��وا ه��ذه ال��دعوة عقوب��ة، أن ال يم��وت ح��تى ي��رى وج��وه المومسات، فوقع له ما وقع من البلية التي تعرفون، "اتهمت��ه تل��ك الم��رأة البغي بول��د قد ولدته من فجور، فجاءوا إليه وهدموا صومعته وجرجروه، ولما سألهم ذكروا له هذه التهمة، فتوضأ وص��لى ركع��تين ودع��ا الل��ه -ع��ز وج��ل-، ثم ج��اء إلى ه��ذا الغالم وطعن

، نظ��ر إلى ه��ذه الم��ومس(13)بأص��بعه ه��ذا الغالم، وق��ال: من أب��وك؟ فق��ال: ال��راعي" عقوبة، اس��تجابة ل�دعوة أم��ه، فكي�ف بال��ذي ي��ذهب إلى ذل�ك اختي��ارا ويقلب القن��وات الفاسدة، وينظر هنا وهناك في الشبكة في مواقع ال يمل��ك بع��دها عقل��ه، وال قلب��ه، وال إيمانه فيكون في حال ال يحسد عليها من اضطراب الغريزة، وما يحصل من جراء ذلك من تدمير التربية التي تلقاها عبر سنين متطاولة، كل ذلك قد ينساه في تلك الس��كرة، فقد يقع في أمور ال تخطر له على بال، النظ��ر إلى وج��وه المومس��ات عقوب��ة، فكي��ف يذهب إليه المرء اختيارا؟، كيف يتطلبه ويتصفح تل��ك الص��فحات أو القن��وات ينظ��ر في وجوه أولئك الفاسدات؟، فهذا ال ينبغي أن يقدم عليه العاقل فضال عن الم��ؤمن، وأه��ل اإليمان هم أولو األلباب، وهكذا كل ما يتضرر اإلنسان بالنظر إليه، يتضرر قلب��ه فيورث��ه ذلك ألما وعسرة، وحسرة من غير فائدة تعود إليه، ينبغي أن ينص��رف نظ��ر عن��ه، وإن��ذكر، لم يكن ذلك من قبيل المح��رم، وإنم��ا أذك��ر ه��ذا من ب��اب أن الش��يء بالش��يء ي بمعنى أن اإلنسان قد ينظر إلى مشاهد مؤلمة من جراحات المسلمين وآالمهم مدمي��ة فيتتبع ذلك ويتطلبه فيرى من الصور التي تورث قلبه حسرة وألما ما يتس��بب عن��ه في المآل إلى حال من الكآبة واليأس والشعور باإلحب��اط، األم��ر ال�ذي يقع�ده عن االنتف��اع بشيء من أمر دينه ودنياه، هذا غ��ير مطل��وب ش��رعا، نعم اإلنس��ان يتع��رف على ح��ال إخوانه المسلمين ويدعو لهم، لكن ال يعني هذا أن يتتبع كل صورة وكل مشهد ولو كان هذا المشهد مؤلما غاية اإليالم، ثم بعد ذلك يتحس��ر ويت��ألم وينعص��ر قلب��ه ويتقلب على فراشه تلك الليلة ال يستطيع أن ينام، وال يستطيع أن يصلي، وال يستطيع أن ي��ذكر الل��ه -عز وجل-، الش��ريعة م��ا ج��اءت به��ذا وال تطلب��ه بح��ال من األح��وال، وكم��ا ق��ال ش��يخ اإلسالم -رحمه الله- بأن الحزن غير مطلوب شرعا، فه��و إذا تت��ابع على القلب أفس��ده وأضعف قواه فال ينتفع به في عمل دنيا وال عم�ل آخ�رة، تج��د ه�ذا اإلنس�ان يع�اني من كآبة، يعاني من ضيق، أظلمت الدنيا في عين��ه، وص��ل إلى ح��ال من الي��أس واإلحب��اط، وهذا غير مطلوب، هذا أمر يريده الشيطان، فيكون اإلنسان فقيها في النظ��ر، ال تنظ��ر إلى كل شيء، ال تنظر إلى كل مقطع يرسل إليك، هن��اك مق�اطع لربم�ا تتعل�ق بش�يء

(.10/ 11 - انظر: فتح الباري البن حجر )12 (،2482 - أخرجه البخ��اري، كت��اب المظ��الم والغص��ب، ب��اب إذا ه��دم حائط��ا فليبن مثل��ه، ب��رقم )13

ومسلم، كتاب البر والصلة واآلداب، باب تق��ديم ب��ر الوال��دين على التط��وع بالص��الة وغيره��ا، ب��رقم )2550.)

Page 5: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

من االستهزاء بآيات الله -عز وجل- ليس لك النظر إليها، وهذه بل��وى ابتلي الن��اس به��امع هذه الوسائل الجديدة في االتصال.

ارهم ويحفظ��وا ف��روجهم{ وا من أبص�� ، يغض��وا من}ق��ل للم��ؤمنين يغض�� أبصارهم عما حرم الله -عز وجل- كما عرفنا، ويحفظوا فروجهم عن م��اذا؟ ه��ذه اآلي��ة تحتمل معنيين: يحفظوا فروجهم عن نظر الناظرين إليها بالستر واالحتراز، فهذا مع��نى ذكره طوائف من أهل العلم من السلف فمن بعدهم، ب��ه ق��ال أب��و العالي��ة، وابن زي��د، وقال به أيضا اإلمام الشافعي -رحمه الله-، يقولون: "كل ش��يء من حف��ظ الف��رج في

، يحفظ��وا ف��روجهم من(14)كتاب الله فهو من الزنا إال في هذا الموضع فإنه من النظر" نظر الناظرين إليها، ويكون ذلك بالستر، وهذا الذي اختاره كبير المفس��رين أب��و جعف��ر بن جرير -رحمه الله-، وهذا المعنى صحيح، ولكن الق��ول اآلخ�ر وه��و حف�ظ الف��رج عن مقارفة ما ال يحل من الزنى وما في معناه هذا أيض��ا ي��دخل تحت ه��ذه اآلي��ة، والق��رآن يعبر به باأللفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فيكون ذلك أمرا من الل��ه -تب��ارك وتعالى- بحف��ظ الف��روج من نظ��ر الن��اظرين إليه��ا، وبحفظه��ا عن مقارف��ة م��ا ال يح��ل،

، ومن ثم فإن��ه على المع��نى[35]األح��زاب: }والحافظين فروجهم والحافظ��ات{ األول -وهو معنى صحيح يدخل في اآلية- يكون توجيهه بأن الله -تبارك وتعالى- قد أم��ر بغض األبصار عن النظر إلى ما ال يحل، وفي الوقت نفسه لم ي��ترك الفتن��ة طليق��ة في المجتمع تسرح تحت دعوى الحرية الشخصية أو غير ذلك، ثم بعد ذل��ك يط��الب الن��اس بغض البصر، والفتنة تعرض لهم في كل مكان، ال، الشريعة سدت الطري��ق على الش��ر والفتنة والمنكر والفساد، وقطعت دابره وأغلقت أبوابه، ف��المؤمن م��أمور بغض بص��ره عن النظر إلى الحرام، وفي الوقت نفسه حفظ اإلس��الم المجتم��ع من أج��ل أن يك��ون نزيها نظيفا، مجتمع فضيلة فال يبدي أحد فتنة تع��رض للن��اس في طرق��اتهم وأس��واقهم ومجامعهم وما إلى ذلك، ال، فإن أولئ��ك أيض��ا م��أمورون بالس��تر من أج��ل أن ال يك��ون التبذل سببا لالفتت��ان ويك��ون ذل��ك من الجه��تين، وه��ذا من حكم��ة ه��ذه الش��ريعة ومن محاس��نها، ومن هن��ا توج��د الفض��يلة وتتقلص الرذيل��ة بس��د مناف��ذها وطرقه��ا وأبوابه��ا، مجتمع نظيف، مجتمع نزيه، والحظوا في هذه اآلية أن الله -تب��ارك وتع��الى- ق��دم غض

ارهم ويحفظ�وا ف��روجهم{األبصار على حفظ الف��روج، وا من أبص� ؛ ألن}يغض� النظر هو بريد الزنى، وهو رائد الفجور، والبلوى -كما سيأتي- إنم��ا تتفت��ق على الم��رء من جهة النظر، فمبدأ الشر والفتن��ة إنم��ا يك��ون من ه��ذا الطري��ق، فق��دم األم��ر بغض األبصار على حفظ الفروج؛ ألنه إذا غض البصر أمكن حفظ الفرج، أما إذا أطلق بص��ره فإن غرائزه تضطرب ثم بعد ذلك ترد عليه خ��واطر الس��وء، ثم تتح��ول إلى ع��زائم، ثم

بعد ذلك يقع فيما حرم الله عليه. ، إذا}ذل�ك أزكى لهم{ثم علل ذلك لماذا أمر بغض األبصار وحف��ظ الف��روج؟ ق��ال:

حفظوا فروجهم وغضوا أبصارهم حصل لهم الزكاء الذي يك��ون منتظم��ا ألم��رين: ف��إن ا ط��اهرا أصل الزكاء والتزكية يعني التطه��ير تطه��ير المح��ل، فيك��ون القلب نظيف��ا زكي ليس فيه من هذه األوبار واألكدار والمدنسات وما يشوش فك��ره وينغص علي��ه عيش��ه، وذلك أزكى للمجتمع فيكون نظيفا من الرذيلة والف��واحش، وم��ا تجذب��ه الف��واحش من العلل واألوصاب واألمراض واللقطاء وما إلى ذلك من ضياع األنساب، وتقذير الف��رش، أزكى لهم، وكما ترون أن الزكاء هنا قد أطلق فيحمل على أعم معاني��ه، أزكى لهم في نفوسهم، في قلوبهم، في مجتمعهم من جهة التطهير، والزكاء أيض��ا ي��أتي بمع��نى آخ��ر وهو النماء، فهنا يك��ون المح��ل ق��ابال وص��الحا لينم��و في��ه اإليم��ان وتزك��و أعم��ال العب��د وإراداته، يزكو فكره، يزكو قلبه، يكون عامرا بالخير والفض��يلة، المجتم��ع يك��ون ع��امرا

وليس ذلك بأزكى للنفوس فق��ط والقل��وب، ب��ل ه��و}ذلك أزكى لهم{بهذه األمور، أزكى أيضا لألبدان؛ ألن هذه األبدان -كم��ا س��يأتي- يص��يبها من العل��ل واألوص��اب م��ا ال

(.33/ 8(، والبحر المحيط في التفسير )1137/ 3 - انظر: تفسير اإلمام الشافعي )14

Page 6: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

يقادر قدره مما يعجز عنه األطباء من أنواع الطواعين اإليدز ونح�وه، وك�ذلك م�ا ي�وهن البدن ويحطم��ه عن��د إطالق البص��ر، أو مع��اقرة المنك��ر والفاحش��ة، ه��ذا يحطم الب��دن فتكون قوى اإلنسان منهكة، وبصره في حال من الكالل، والضعف واإلجه��اد، وأعص��ابه مجهدة، وكذلك غدده، كل ذلك في طحن مس��تمر لعافيت��ه، فال ينتف��ع ال بعم��ل دني��ا والا معافى، فإن ه��ذه العل��ل تحطم الب��دن، آخرة، ينوء إذا ما أراد القيام ولو كان فتى قوي

وتنقل عافيته، فيكون في حال من االعتالل واإلجهاد. ، أزكى لقلوبهم، ألبدانهم، لنفوسهم، لدينهم، كما قيل: من حفظ بص��ره}أزكى لهم{

أورثه الله نورا في بصيرته، وقد ذكر شيخ اإلسالم -رحمه الله- هذا المع��نى، وأن زك��اة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور، فإذا حص��ل غض البص��ر ف��إن اإلنس��ان يك��ون ق��د

}ق��د أفلحأقام وحقق سببا أصيال من أسباب تزكية النفس، من أراد أن يزكي نفس��ه ، زكاها باإليمان والعم��ل الص��الح، زكاه�ا بحفظه�ا عن ك��ل م��ا[9]الشمس: من زكاها{

يدنسها، وإطالق البصر ال شك أنه يحصل ب��ه من أس��باب الت��دنيس م��ا ال يق��ادر ق��دره، بخالف التزكية، من يري�د التزكي�ة ال�تي يس�ميها الن��اس الي�وم التربي�ة بش�قيها التخلي�ة والتحلية فهذا هو الطري��ق، اإليم��ان والعم��ل الص��الح، ومجانب��ة ك��ل المدنس��ات، وبنص

، المجتمع الزكي والنف��وس الزكي��ة هم من يحقق��ون ه��ذا،}ذلك أزكى لهم{القرآن غض األبصار وحفظ الفروج، وإال فإن ذل��ك ي��ؤذن بش��رور مس��تطيرة، وله��ذا ف��إن ه��ذا الب��اب ب��اب البص��ر ال يس��تهان ب��ه، إذ ه��و الب��اب األك��بر إلى القلب، وه��و أعم��ر ط��رق

الحواس إليه، وما أكثر ما يقع السقوط من جهته، األمر خطير.لواحظنا تجني وال علم عندها *** وأنفسنا مأخوذة بالجرائر

ولم أر أغبى من نفوس عفائف *** تصدق أخبار العيون الفواجر(15)ومن كانت األجفان حجاب قلبه *** أذن على أحشائه بالفواقر

دخل عليه كل بلية ومصيبة وفاقرة تفتك بإيمانه وقلبه ونفس��ه وفك��ره، ف��النظر يص��فه الحاف��ظ ابن القيم بأن��ه: "أص�ل عام�ة الح�وادث ال�تي تص��يب اإلنس�ان، ف��النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل والبد ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على

، هذا المتنبي يقول: (16)غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده"(17)وأنا الذي اجتلب المنية طرفه *** فمن المطالب والقتيل القاتل

جنى على نفسه، هو قتيل وقاتل، واآلخر يقول: فإن لمت قلبي قال لي العين أبصرت *** وإن لمت عيني قالت الذنب للقلب

(18)فعيني وقلبي قد تقاسمتا دمي *** فيا رب كن عونا على العين والقلب

وقد كثرت شكاية الشعراء واألدباء من النظر، وإطالق البصر، هذا يقول: يا عين أنت قتلتني *** وجعلت ذنبك من ذنوبي

إلى أن يقول: تالله أحلف صادقا *** والصدق من شيم األريب

زت نوب الزما *** ن من البعيد إلى القريب لو مي(19)ما كن إال دون ما *** جنت العيون على القلوب

(.100(، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص:2/134 - انظر: نهاية األرب في فنون األدب )15(.153 - الجواب الكافي )ص:16 (،1/165(، وشرح دي��وان المتن��بي للعك��بري )701 - انظر: المنصف للسارق والمسروق منه )ص:17

(، وروض��ة المح��بين ونزه��ة3/255(، وأم��الي ابن الش��جري )2/133ونهاي��ة األرب في فن��ون األدب )(.98المشتاقين )ص:

(.110 - انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص:18 (، ونهاي��ة األرب في2/204(، والعقد الفري��د )100 - انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص:19

(.16(، ونفح األزهار في منتخبات األشعار )ص:2/135فنون األدب )

Page 7: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

والمصائب كلها دون جناية العين على القلب، فهنا النبي -صلى الل��ه علي��ه وس��لم- لم��ا ))إن الل��ه كتب على ابن آدم حظ�ه من الزن��اذكر في الحديث الذي أش��رت إلي��ه آنف��ا:

، ب��دأ ب��ه، ثم ق��ال:))ف��العين ت��زني وزناه��ا النظ��ر((، فبدأ بالنظر، أدرك ذلك ال محالة(( ، إلى آخره، هذا بعدما يحصل النظر يب��دأ يتكلم الفحش))واللسان يزني وزناه النطق((

))والف��رج يص��دق ذل��ك أووالفج��ور، والي��د تمت��د إلى م��ا ح��رم الل��ه، والرج��ل والقلب، ، ومبدأ ذلك جميعا من النظر.(20)يكذبه((

ومستفتح باب البالء بنظرة *** يزود منها قلبه حسرة الدهر(21)فوالله ما يدري أتدري بما جنت *** على قلبه أم أهلكته وما تدري

فصار نظره هذا عدوا له يجلب له البؤس والشقاء والعناء.أنا ما بين عدوي *** ن هما قلبي وطرفي

(22)ينظر الطرف ويهوى ال *** قلب والمقصود حتفي

فأكثر المعاصي إنما تتولد من فضول الكالم والنظر، هذا اللسان ال��ذي يتح��رك ال يك��اد يتوقف بالغيبة، والنميمة، وما إلى ذلك، والبصر إطالق البصر، وذلك كما قال أهل العلم كابن القيم وغيره بأنهما ال يشبعان، يعني: أن اإلنسان فيما يتصل ببطن��ه فإن��ه إذا أك��ل يشبع ويتوقف، وإذا شرب يحص��ل ل��ه االرت��واء، وال يطلب بع��د ذل��ك الم��اء أو الش��راب وهكذا، أما اللسان فإن��ه ال يش��بع ليس ل��ه ح��د ينتهي إلي��ه، والبص��ر ليس ل��ه منتهى، ال يقال: إن الشبع يتحقق بالنظر إلى صورة أو صورتين أو عشر أو مائة، ب��ل ك��ل ص��ورة تدعو إلى ما بعدها، وهذا ال حد له، وال حصر، ومن هنا كان في غاي��ة الخط��ورة، م��دخل كب��ير من م��داخل الش��يطان، ال يمأل، ال يش��بع، ال يتوق��ف، ال يس��أم بخالف غ��يره من الشهوات، فجنايته متس�عة تط��ال القلب والج��وارح واألط��راف والف��رج وم��ا إلى ذل�ك،

عب عظيمة اآلفات، ولهذا كان السلف يحذرون منه غاية التحذير. جنايته كثيرة الشكل الحوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرركم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بال قوس وال وتر

والعبد ما دام ذا طرف يقلبه *** في أعين العين موقوف على الخطر(23)يسر مقلته ما ضر مهجته *** ال مرحبا بسرور عاد بالضرر

هو يوجه سهاما إلى قلبه فيصيبه في مقاتل، وق��د ق��ال الحكم��اء: "أرب��ع ال يش��بعن من ، ويقول المروزي -رحمه الل�ه-: "قلت(24)أربع: وأول ما ذكروا في هذا العين من النظر"

ألبي عبد الله: رجل تاب، وقال: لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله إال ، ليس�ت بتوب�ة، ف�إذا ك�ان يطل��ق بص�ره(25)أنه ال يدع النظ�ر، فق�ال: أي توب�ة ه�ذه؟!"

فمعنى ذلك أنه يطلب ما وراء ذلك.في كل يوم للعيون وقائع *** إنسانها الطماح فيها يكلم

(26 )لو لم تكن جرحى غداة لقائهم *** ما كان يجري من مآقيها الدم ولذلك تجد أن بعض هؤالء الذين يبتلون بالنظر يصابون بمقاتل، فتجد الواحد منهم يعبر عن نفسه يرسم قلبا جريح��ا ي��نزف دم��ا، والس��هم ق��د تخلل��ه، هي فعال ص��ورة مع��برة

(، ومس��لم، كت��اب6243 - أخرجه البخاري، كتاب االستئذان، باب زنا الجوارح دون الف��رج، ب��رقم )20(.2657القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، برقم )

(.100(، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 67 - انظر: اإلماء الشواعر )ص: 21(.100(، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 135/ 2 - نهاية األرب في فنون األدب )22(.97 - انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 23 (، وق��ال بوض��عه2/281(، وأب��و نعيم في الحلي��ة )8266 - أخرجه الطبراني في األوس��ط، ب��رقم )24

(.763العالمة األلباني في ضعيف الجامع، برقم ) (، وذم اله��وى، البن10/320(، ومجم��وع الفت��اوى )5/276 - انظ��ر: الفت��اوى الك��برى البن تيمي��ة )25

(.85الجوزي )ص:(.99 - البيتان ألبي منصور بن الفضل في ذم الهوى، البن الجوزي )ص:26

Page 8: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

حقيقية، هو يص��ور حال�ه كم�ا هي، مج��روح مص��اب به�ذا الس�هم، ه��ذا الس��هم من أينجاءه؟ من النظر، ومن الذي صوبه إليه؟ هو صوبه إلى قلبه.

فإذا كان األمر بهذه المثابة وبهذه الخطورة فما السبيل إلى حف��ظ البص��ر، إلى غض��ه، }قل للم��ؤمنينإلى امتثال أمر الل��ه -تب��ارك وتع��الى-؛ لنك��ون محققين لقول��ه:

وا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم{ ؟. يغض فأول ذلك: هو مراقبة الله -تبارك وتعالى-، وهذا هو الطريق، وهذا ه��و ال��ذي ينبغي أن نربي أنفسنا عليه، وأن ن��ربي أوالدن��ا ومن تحت أي��دينا، ف��إن ه��ذه المنك��رات، والص��ور الفاتنة التي تدعو إلى الفاحشة والمنكر والرذيلة أصبحت أقرب من اليد إلى الفم، في متناول الجميع، وأصبحت هذه األجهزة في يد الصغار والكبار والرجال والنساء واألزواج والزوجات، واألجداد والجدات، يعكفون عليها في ليلهم ونهارهم، لربما نام الواحد ويده قد صارت متصلبة يابسة على الجهاز، هذا مشاهد، فهو إن سلم م��رة ق��د ال يس��لم من الثانية؛ ألنه قد ال يطلب ذلك ولكن يأتي��ه من غ�ير إرادة، يأتي��ه مق��اطع قرآني�ة، مق��اطع مؤثرة، خطبة وموعظة، موقف مض��حك، فيفتح علي��ه ف��يرى البالء بج��واره، ف��إذا دع��اه الفضول وغفل عن مراقبة الله -عز وجل- فإنه يفتح بابا من أبواب جهنم، وما أك��ثر م��ا س��معت من بالي��ا ومص��ائب ورزاي��ا، رأيت من يركب��ون الم��راكب الص��عبة؛ ليتخلص��وا وينتقلوا من هذه الحال ولم يستطيعوا، رأيت من يصرح بأنه قد ت�زوج الثاني�ة وق�د أدى ذلك إلى شتات في أسرته األولى -وه��و يعلم ه��ذا ابت��داء- من أج��ل التخلص من نظ��ر حرام ابتلي به، ثم لم يستطع بع��د ذل��ك، يع��ني بع��د ال��تزوج، رأيت من يتم��نى الم��وت، رأيت من يحتقر نفسه وأنه ال يصلح لشيء إطالقا ال لعم��ل دني��ا وال لعم��ل آخ��رة، وأن��ه يرى نفسه أنه صار في حال من الرجس والدنس كل هذا لماذا؟ ألنه صار أس��يرا له��ذا البالء، ينظر ثم ينظر ثم ينظر، يريد أن يتوب وقد ال يستطيع، والله -ع��ز وج��ل- يق��ول:ول إذا دع��اكم لم��ا يحييكم{ س�� تجيبوا لله وللر }ي��ا أيه��ا الذين آمن��وا اس��

وا من أبصارهم ويحفظوا ف��روجهم{، وهنا: [24]األنفال: ،}قل للمؤمنين يغضرون{وق��ال: }واعلم��وا أن الله يح��ول بين الم��رء وقلب��ه وأنه إلي��ه تحش�� ، إذا ما استجبت إلى ما أمرك الله -عز وجل- به وأمرك ب��ه رس��وله -ص��لى[24]األنفال:

الله عليه وسلم- فقد يحال بين القلب وبين مراده ومطلوب��ه من التوب��ة واإلناب��ة، يري��د أن يت��وب وال يس��تطيع، ويبقى في حس��رة إن بقي في حس��رة وإال ف��إن بعض��هم في سكرة، وال يشعر بالبالء الذي ق�د بلي ب�ه وأص�يب ب�ه وح�ل بس�احة قلب��ه -نس�أل الل�ه

دور{العافية-، والله -عز وجل- يقول: ]غافر: }يعلم خائنة األعين وما تخفي الص ، فربنا الذي نتعامل معه يعلم ه�ذا النظ�ر خلس�ة دون أن يش��عر الن�اس، ويعلم م�ا[19

يجري في الخلوات، فإذا كان هذا يخفى على الناس فهو ال يخفى على الله -عز وجل-، وخيانة األعين هي مسارقة النظر إلى ما ال يحل، وهذا من أجلى الص��ور الداخل��ة في��ه، وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هو الرجل يكون بين الرجال فتم��ر بهم ام��رأة

، ومن خائن��ة األعين النظ��ر في ح��ال(27)فينظر إليها، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره" خلوته إلى المشاهد المحرمة، هذا كل��ه داخ��ل في خائن��ة األعين، فيت��ذكر الم��ؤمن ه��ذا

المعنى أن هذا من خائنة األعين، وأن الله يراه، وأن الملك يراه.إذا ما خلوت الدهر يوما *** فال تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

(28 )وال تحسبن الله يغفل ساعة *** وال أن ما يغفل عنه يغيب

وسئل جنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: "بعلمك أن نظر الل��ه إلي��ك أس��بق من ، لو قيل ألحد من الناس: تنظر إلى هذا بحضرة أبي��ك، بحض��رة(29)نظرك إلى ما تنظر"

أخيك، بحضرة أمك، بحضرة أستاذك، بحضرة رئيس العمل، م��دير المدرس��ة؟، فإن��ه ال

(.9/ 11 - فتح الباري البن حجر )27(.374(، وأخالق الوزيرين )ص:551(، والجليس الصالح الكافي )ص:2/94 - انظر: أمالي القالي )28(.409/ 1 - جامع العلوم والحكم )29

Page 9: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

يجرؤ على هذا، بل ال يجرؤ على هذا أمام طفل صغير، فكيف جعل ربه -تبارك وتعالى- أهون الناظرين إليه؟!، وأم��ر آخ��ر يتص��ل به��ذا المع��نى وه��و الحي��اء من الل��ه، إذا ك��ان اإلنسان يستحي من الناس ويسارق النظر إلى ما حرم الله -عز وجل- أو يقص��د خل��وة

يخلو بها أو موضعا ال يراه الناس، فكيف ال يستحي من الله -تبارك وتعالى-؟!. }وإن عليكم لحافظين * كرام��ا ك��اتبين{وأمر ثالث: وه��و الحي��اء من المالئك��ة

، فينبغي الحياء منهم.[11-10]االنفطار: وأمر رابع وهو: تربية التقوى في النفوس، فإن هذه التقوى أيها األحبة هي ال��تي تحج��ز هذا اإلنسان عن مقارفة ما ال يحل، وقد قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "تق��وى الل��ه

، وهذا صحيح، ف��إذا ت��رحلت التق��وى من القلب -(30)سبب لغض البصر وتحصين الفرج" ومن أعظم ما يرحلها من القلب إطالق البص��ر في تل��ك المش��اهد المنك��رة- ف��إن ه��ذا

يغري بالفاحشة، ويهدم التقوى في قلب صاحبها.الة تنهى عنوأمر خ��امس: وه��و أداء الم��أمورات ومن أعظمه��ا الص��الة، }إن الص

.[45]العنكبوت:الفحشاء والمنكر{ وأمر سادس: وهو اإلكثار من النوافل، وكلنا يعرف قوله -صلى الله عليه وس��لم- فيم��ا

،أحب��ه(( ))وما ي��زال عب��دي يتق��رب إلي بالنواف��ل ح��تىيرويه عن ربه -تبارك وتعالى-: ))ف��إذا أحببت��هبعدما ذكر التقرب بالفرائض، إذا أحبه -عز وجل- ما الذي يحصل؟ ق��ال:

))وبص�ره، يعني: ال يسمع إال ما يرضي الله وما يحبه الله، كنت سمعه الذي يسمع به(( ، معنى ذلك أنه ال ينظر إال إلى ما أحب الله النظر إلي��ه، فه��ذا ال��ذي(31)الذي يبصر به((

ينظر إلى الفجور وصور الفجور، وأهل الفجور هذا معن��اه أن��ه لم يحق��ق ه��ذا الوص��ف، فصار بصره شاردا ينظر إلى مساخط الله -عز وجل-، أما إذا أحبه فإن الله يك��ون ه��و سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، فه��ل حققن��ا ه��ذه النقط��ة؟، إذا أردت أن تعرف أنك حققت هذه المرتبة انظر أوال إلى هذا األثر، هل صار بص��رك ن��اظرا إلى م��ا

))وي��دهيحبه الله -عز وجل-؟، هل صار سمعك مشتغال بما يحبه الله -عز وجل-؟، قال: ، الكتابة اآلن أصبحت ميسورة لكل أحد، يكتب وهو في بيته في ه��ذهالتي يبطش بها((

الوس��ائط والوس��ائل م��ا يج��ده في ص��حيفته من الش��ماتة في الن��اس والوقيع��ة في أعراضهم والقذف وألوان القبائح التي ال يعود ضررها إال عليه هو، فهذا كله مما يحصل

به غض البصر. وأمر س��ابع: وه��و المجاه��دة له��ذه النفس؛ ألنه��ا تطلب ذل��ك وق��د ركبت فيه��ا الغرائ��ز والش��هوات، فيحت��اج العب��د إلى مدافع��ة وإلى ت��رويض له��ا، والل��ه -ع��ز وج��ل- يق��ول:

، فالمجاهدة أن��واع وأب��واب[69]العنكبوت: }والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا{ منها هذا مجاهدة النفس، وقد ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الل��ه- أنه��ا أعظم األب��واب

بلنا{الداخلة تحت هذه اآلية، ،[69]العنكب��وت: }والذين جاهدوا فينا لنهدينهم س��.(32)الله(( ))ومن يتصبر يصبرهوالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:

(33)فبالء الفتى موافقة النفس *** وبدء الهوى طموح العين

فيحتاج اإلنسان إلى ترويض هذه النفس، وتنزيه هذا البصر بأنواع المجاهدات.ما ه في روض المحاسن مقلتي *** وأمنع نفسي أن تنال محر أنز(34)وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه *** على الجبل الصلب األصم تهدما

(، وذخيرة العق��بى9/109(، وفتح الباري البن حجر )2/169 - إحكام األحكام شرح عمدة األحكام )30(.27/22في شرح المجتبى )

(.6502 - أخرجه البخاري، كتاب الرقائق، باب التواضع، برقم )31 (،6470(، وب��رقم )1469 - أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب االس��تعفاف عن المس��ألة، ب��رقم )32

كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله.(.103(، وذم الهوى )ص: 166/ 1 - التبصرة البن الجوزي )33 (، وتل��بيس إبليس783/�� 3 - البيت ألبي بكر بن داود العباسي، انظر: زه��ر اآلداب وثم��ر األلب��اب )34

(.240)ص:

Page 10: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

نفسه تطلب هذه األشياء، لكنه يمنعها ويحجزها. وأمر ثامن: وهو العزم الصادق واإلرادة الجازمة على ترك النظر إلى ما حرم الله -ع��ز وجل-، أن يعزم على حفظ هذا البصر وغضه فهذا يكون سببا لتس��ديده وتوفيق��ه ب��إذن الله -عز وجل-، وله��ذا ج��اء عن أنس -رض��ي الل��ه عن��ه- وانظ��روا إلى الح��زم-: "إذا

، هذا هو الحل.(35)مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك"زال ونار الحرب تشتعل ته *** يوم الن جاع الذي يحمي مطي ليس الش (36 )لكن فتى غض طرفا أو ثنى بصرا *** عن الحرام فذاك الفارس البطل

هذا الذي ينهزم في هذه المعركة في هذا الجه��اد جه��اد غض البص��ر حينم��ا تع��رض ل��ه فتنة، هذا يحمل نفسا ضعيفة وإرادة ض��عيفة، ق��د ال تثبت قدم��ه في أل��وان من الجه��اد

وميادين أخرى غير هذا الميدان. وأمر تاسع: وهو أن العبد يحتسب ذلك عند الله -عز وجل- وتكون له في��ه ني��ة، يتق��رب إلى الله -عز وجل- بهذا بغض بصره وصرفه فيكون ذل��ك س��ببا لإلعان��ة فيق��وى عزم��ه على هذا ويتنظر ما عند الله -تبارك وتعالى- بسببه؛ ألنه خاف مق��ام رب��ه ونهى النفس

}ف��إن الجنة هي الم�أوى{عن الهوى، فمثل هذا موعود بما ذكره الله -عز وج��ل- .[41]النازعات:

وأمر عاشر: أن نستحضر أن هذا النظر نعمة من الله -عز وجل-، ومن كف��ران النعم��ة أن نصرفها وأن نستعملها فيما يسخط المنعم -تب��ارك وتع��الى-، ه��ذه نعم��ة تحت��اج إلى

}وم��اشكر، وليس من شكرها بحال من األحوال أن نطلقها في الحرام، والله يق��ول: .[53]النحل: بكم من نعمة فمن الله{

الحادي عشر: أن يتذكر المؤمن ما أعد الله -عز وجل- للمؤمنين الصابرين المتقين من الروضات والجنات والحور العين وما إلى ذلك، والحياة كلها من أوله�ا إلى آخره�ا ص�بر

ساعة، فإذا تصبر تجاوز هذه المحنة. ))ي��ا معش��رالثاني عشر: التزوج طلبا للعفاف كما قال النبي -صلى الله عليه وس��لم-:

الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحص��ن للف��رج، ومن لم.(37)يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء((

الثالث عشر: تذكر عواقب إطالق البصر من الرزايا والبالي��ا والمص��ائب واآلث��ام، أوزار، وضيق الصدر، وما إلى ذلك من الحصاد المر الذي سنشير إليه بعد قليل -إن شاء الله.

الرابع عشر: تذكر فوائد غض البصر، وسيأتي ذكر جملة منها. الخامس عشر: ترك فضول النظر؛ ألن فضول النظر يقوده إلى الحرام، هو ينظ��ر إلىيها في الدنيا واآلخرة من أم��ور ما ال يعنيه، وإلى أمور ال تنفعه وال تعود عليه بعائدة يرج

نافعة، فيعرض عن هذا، فيكون ذلك سببا لترك النظر إلى الحرام. السادس عشر: البعد عن مواطن الفتنة، ال تعرض نفسك للفتنة، فقد قيل: من ع��رض نفسه للفتنة أوال لم ينج منها آخ��را، فهن��ا ال يتع��رض اإلنس��ان لم��وارد العطب وأس��باب البالء فإنه قل أن يسلم مقارب الفتنة، فكم��ا أن الح��ذر مق��رون بالجن��اة فك��ذلك أيض��ا

))خير صفوفالتعرض للفتنة مقرون بالعطب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: ، لماذا؟ من(38)النساء آخرها، وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها((

أجل المباعدة عن الفتنة، الص��ف األخ��ير من الرج��ال يك��ون أق��رب إلى النس��اء، ص��ف(.66 - الورع البن أبي الدنيا )ص: 35(.143 - ذم الهوى )ص: 36 (،1905 - أخرجه البخ��اري، كت��اب الص��وم، ب��اب الص��وم لمن خ��اف على نفس��ه العزوب��ة، ب��رقم )37

ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن(.1400المؤن بالصوم، برقم )

- أخرج��ه مس��لم، كت��اب الص��الة، ب��اب تس��وية الص��فوف، وإقامته��ا، وفض��ل األول ف��األول منه��ا،38واالزدحام على الصف األول، والمسابقة إليه��ا، وتق��ديم أولي الفض��ل، وتق��ريبهم من اإلم��ام، ب��رقم )

440.)

Page 11: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

النساء األول يكون أقرب إلى الرج��ال، فالفتن��ة قريب��ة، فص��ار الص��ف األول ال��ذي ه��و أفضل في حق النساء صار مفضوال، صار شر صفوف النساء، مع أن النساء ل��و ص��لين في مصلى مستقل ال يراهن الرجال وال يطلع��ون عليهن ف��إن الص��ف األول أفض��ل في

، لكن كان ذلك هو األش��ر في حقه��ا؛ ألن��ه يلي ص��فوف(39)حقها كما قاله النووي وغيره الرجال، إذا كان هذا في صالة ولربما خلف رسول الل��ه -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- في أحب البقاع إلى الله -المساجد-، فكيف بمقاربة الفتنة في األسواق، أو في مواق��ع

فاسدة وسيئة؟، والله المستعان. السابع عشر: ينبغي للعبد أن يسأل نفسه، وأن يراجعها ماذا تستفيد من إطالق البص��ر إال العذاب، والشقاء واأللم والحسرة والنكد؟، لو أن اإلنسان راج�ع نفس��ه فيم��ا مض��ى من أيامه ولياليه، وفي أعوامه السابقة حينما نظر إلى ما ح��رم الل��ه -تب��ارك وتع��الى-، ماذا جنى؟ إنما هي جنايات ت��وجب ل��ه فس��اد القلب، واآلالم المتنوع��ة في قلب��ه وبدن��ه

على حد سواء، ماذا استفدت؟، ما هي المكاسب؟. إذن ما يستقبل المرء في أيامه ينبغي أن يالح��ظ في��ه ه��ذا المع��نى فيك��ون ذل��ك س��ببا

لإلعراض، والترك والتوبة. الثامن عشر: أن يستحضر أن النظر إلى تلك الوجوه هو نوع عقوبة كما ذكرنا في خبر

جريج الراهب. التاسع عشر: أن يتضرع العبد إلى الله، وأن يس��أله أن يخلص��ه وأن ينجي��ه؛ ألن الفتن��ة في هذا مستطيرة وهي في غاية الدنو والقرب من كل أح�د، فيحت�اج العب��د أن يتض��رع

إلى ربه -تبارك وتعالى- وال يسلم إال من سلمه ربه -جل جالله وتقدست أسماؤه. العشرون: اإلخالص، فإن اإلخالص يكون سببا لتخليص صاحبه، كما قال الله -عز وجل- عن يوسف -صلى الله عليه وسلم- لما استعرضت له الفتنة في أجلى صورها قال الله

اء إنه من عبادن���ا-ع���ز وج���ل-: وء والفحش��� رف عن���ه الس��� }ك���ذلك لنص��� ، ف��اإلخالص س��بب}المخلص�ين{، وفي الق��راءة األخ��رى [24]يوس��ف: المخلصين{

للخالص، فإذا علم الله -عز وجل- من العب��د الص��دق واإلخالص ف��إن ذل��ك يك��ون س��ببا لتنجيته من ه��ذه البالي��ا واألوزار واألوط��ار، إذا عرفن��ا ه��ذه األم��ور ال��تي من ش��أنها أن توصلنا إلى حفظ البص��ر وغض��ه، بع��د ذل��ك أش��ير إلى جمل��ة من ثم��رات غض البص��ر؛ ليكون ذلك داعيا إلى حفظه، فإن معرفة هذه المنافع والفوائد والثمار كل ذل��ك يق��وي

القلب ويرغب النفوس في تحقيق هذا المطلوب: فأول ذلك: انفتاح البصيرة، فهذه البصيرة التي تكون في القلب هي نور وإشراق، ه��ذا النور واإلشراق يقوى ويضعف، يقوى حتى يظهر في العين ويظهر على الوج��ه ويظه��ر على الجوارح، وإطالق البصر يورث ظلمة تظهر في الوجه وعلى الج��وارح وتك��ون في

موات واألرض{القلب، ولهذا ذكر الله -عز وجل- آية النور: ]الن��ور: }الله نور الس�� ، بعد هذه اآليات التي يأمر بها بغض البصر، كما قال ش��يخ اإلس��الم وغ��يره: إن من[35

مواتكف بصره عما حرم الله -عز وجل- عوضه الله نور البص��يرة، }الله نور الس�� ، في قلب الم��ؤمن، ه��ذا الن��ور ال��ذي يك��ون في قلب الم��ؤمنواألرض مثل نوره{

يشرق معه القلب، وتنفتح معه البصيرة، فالله يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فإذا غض بصره عما حرم الله -عز وجل- عوضه الله -تبارك وتعالى- من جنس��ه بما هو خير منه فيطلق نور بصيرته، هذا مؤدى م��ا ذك��ره ش��يخ اإلس��الم -رحم��ه الل��ه-، وذكر نحوه جماعة كعبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-، وقد ذكر جمع من أه��ل العلم قبل هؤالء وبعدهم أشياء في هذا المعنى، كما جاء عن أبي الحسين ال�وراق: "من غض بصره عن محرم أورثه الله بذلك حكمة على لسانه يهتدي بها، ويهدي به��ا على طري��ق

.(40)مرضاته"

(.159/ 4 - انظر: شرح النووي على مسلم )39(.141 - ذم الهوى، البن الجوزي )ص:40

Page 12: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

أمر آخر يتصل بإش��راق القلب ون��ور البص��يرة وه��و ص��حة الفراس��ة، فإنه��ا ال تص��ح وال تكتمل وتقوى إال إذا أشرق القلب واستنارت بصيرته، فإنها من جملة النور، أو أنه�ا أث�ر من آثاره كم��ا ال يخفى، فه��ذا القلب في ح��ال إش��راقه ك��المرآة حينم��ا تك��ون مجل��وة، وإطالق البصر في هذه المرآة يشوشها، ثم بعد ذلك ال يرى هذا اإلنس��ان األش��ياء على حقيقتها، وه�ذه هي المش�كلة، ي�رى األش�ياء مش�وهة، ال يبص�ر م�ا يبص�ره المبص�رون أصحاب البصائر والقلوب المشرقة، وق��د تنطمس ه��ذه الم��رآة بالكلي��ة فال ي��رى فيه��ا األشياء أصال، هذه مثل النظارة يرى فيها األشياء إذا كانت مجل�وة، وق��د تتك��در ح��تى الن له الباطل والمنكر وال يرى قبحه، وقد يرى الحس��ن يرى األشياء على ما هي به فيزي

ارهم كم��ا لمقبيحا، فتقلب بصيرته -نسأل الله العافية-، }ونقلب أفئدتهم وأبص��ة ونذرهم في طغيانهم يعمه��ون{ ، لم��ا تقلب[110]األنع��ام: يؤمنوا به أول مر

البصائر واألفئدة -القلوب- يبقى اإلنسان يتخبط، ويتأرجح بين أنواع الشرور والمنكرات وهو ال يبصر ذلك بل قد ال يشعر حتى يلقى الله -عز وجل-، ثم بعد ذلك يندم وال ينفع�ه

الندم. أمر ثالث من هذه الثمرات: أنه يخلص القلب من س��كر الش��هوة ورق��دة الغفل��ة، ف��إن أطالق البصر هكذا وتسريحه في ك�ل م�ا ح�رم الل��ه -تب�ارك وتع�الى- ي�وجب ل�ه غفل�ة مستديمة، وقد قال شيخ اإلسالم -رحمه الله-: "إن التعلق بالصور يوجب فس��اد العق��ل

، يصير هذا اإلنسان ال يعقل، ولذلك انظ��روا(41)وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه" إلى الذين يتعلقون بالصور فيحصل عندهم العشق من رجل أو امرأة أو نحو ذلك، تج��د هذه الفتاة أو هذا الشاب أو غير ذلك يجلس م��ع الن��اس وليس معهم، بص��ره ش��اخص، ووجهه شاحب، ثم بعد ذلك يسري من قلبه إلى وجهه وبدنه وعروق��ه، ومفاص��له، كم��ا

قال بعضهم: ن بالفتى *** شحوبا وتعرى من يديه األشاحم (42 )وللحب آيات تبي

شحوب، ذبول، بصر شاخص ال ينتفع في عمل دنيا وال عمل آخرة، وانظ��روا إلى أخب��ار أولئك أخبار العشاق مجنون ليلى، وغير مجنون ليلى كيف ك��انوا يهيم��ون بالعق��ل، ك��ل

هذا مبدؤه من إطالق البصر. وأمر رابع من هذه الثمرات: أنه يفتح له ط��رق العلم، طلب العلم، يس��هل ل��ه أس��بابه؛ ألن البصيرة مفتوحة، القلب ليس فيه م��ا يشوش��ه ويش��غله، ق��د اس��تنار، فتظه��ر في��ه حقائق المعلومات وتنكشف له بسرعة، ويرتبط بعضها ببعض، والعلم نور وال يص��لح إال في هذا القلب المستنير، أم��ا القل��وب المشوش��ة المش��غولة ه��ذه فال تجم��ع من العلم شيئا، ال تحصل منه كبير طائل، قلبه مشغول بأشياء أخ��رى، قلب��ه مش��وش ال يس��تطيع

أن يحفظ حرفا واحدا. وأم��ر خ��امس: أن غض البص��ر ي��ورث ق��وة القلب، ي��ورث ثبات��ه وش��جاعته فيجع��ل ل��ه

سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، بخالف هذا اإلنسان المهزوز. أمر سادس: أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من تلك الل��ذة والس��رور التي يجدها من نظر إلى ما حرم الله -تبارك وتعالى-، لذة االستبصار، لذة الطاعة، لذة كبح جماح النفس وما فيها من الشهوات المضطرمة، فهذه ال يعادلها لذة، ولهذا ق��الوا: "إن من زم نفسه وغلب هواها أعقبه ذلك فرحا وسرورا ولذة أكم��ل من ل��ذة موافق��ة

.(43)الهوى"وغض عن المحارم منك طرفا *** طموحا يفتن الرجل األريبا

فخائنة العيون كأسد غاب *** إذا ما أهملت وثبت وثوبا

(.292/ 1(، والفتاوى الكبرى البن تيمية )425/ 15 - مجموع الفتاوى )41(.382/ 49 - تاريخ دمشق البن عساكر )42(.89/ 1 - انظر: غذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب للسفاريني )43

Page 13: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

(44)ومن يغضض فضول الطرف عنها *** يجد في قلبه روحا وطيبا

يجد راحة ولذة وسرورا، أما إطالق البصر -كما سيأتي في الحصاد المر- فحسرة وألم، يتلذذ لحظات لكن بعدها وحشة يجدها كل أح��د يطل��ق بص��ره فيم��ا ح��رم الل��ه -تب��ارك

وتعالى. أم��ر س��ابع: وه��و أن ذل��ك يخلص القلب من ألم الحس��رة، فمن أطل��ق نظ��ره دامت حسرته، وال شيء أضر على القلب وأجلب للحسرات من إطالق البصر، ال��ذين يع��انون من ضيق ووحشة، يعانون من الكآبة يذهبون هنا وهناك متنزه��ات مط��اعم، يس��هر ك��ل ليلة في موضع، مع الرفاق مع األصحاب، لكنه ينق��ل مع��ه نفس��ا تملؤه��ا الوحش��ة؛ ألن الس��بب مس��تحكم وموج��ود، س��بب ه��ذه الوحش��ة، فه��و لم يتخلص من��ه، فال يمكن أنيحصل االسترواح بنعيم الجسد، إنما يحصل ذلك بنعيم القلب الذي يكون بتق��وى الل��ه -��ف الرائ��د كم��ا يق��ول تب��ارك وتع��الى- وحف��ظ القلب والج��وارح عن مس��اخطه، ف��إذا ك الحافظ ابن القيم: "كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب واإلرادة، فمن أطل��ق لحظات��ه دامت حس��راته، ف��إن النظ��ر يول��د المحب��ة فتب��دأ هن��ا السلس��لة الطويل��ة ال��تي بع��دها، إلى أن تص��ل إلى درج��ة أن يك��ون اإلنس��ان متيم��ا

. (45)معبدا" ولعلكم سمعتم بعض األخبار التي تنشر في بعض الصحف والمواق��ع هن��ا وهن��اك، ومن األخبار التي ربما اطلع عليها الكثيرون ممن أدركوا ذلك: خبر ذلك الشاب ال��ذي انتظ��ر طويال محبوبته التي تأخرت عليه فلما وصلت خر له�ا س��اجدا، وأم��ا أخب��ار المحتض��رين وما كانوا يقولونه في لحظات االحتضار بدال من قول ال إل�ه إال الل��ه فه�ذا تجدون��ه عن��د من تكلموا عن الخاتمة من أهل العلم، وذكروا من أحوال هؤالء المبتلين أش��ياء مذهل��ة

وعجيبة، كل ذلك كان مبدؤه من إطالق البصر. وأمر ثامن من هذه الثمرات: أن��ه يخلص القلب من أس��ر الش��هوة فال يك��ون مس��تعبدا فإن هذه هي العبودية الحقيقية، الحري��ة الحقيقي��ة كم��ا ق�ال ش��يخ اإلس��الم: هي حري��ة القلب ولو كان الجسد أسيرا، والعبودية الحقيقي��ة وال��رق الحقيقي ه��و رق القلب ول��و كان القلب طليقا، فلماذا يضع اإلنسان قلبه في أسر شهوة بسبب نظرة؟، فالعين هيمرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب ش�هواته كم�ا يق�ول الحاف�ظ ابن القيم -

، وإذا أطلق البصر أطلق القلب شهوته، هذه بهذه، نتائج متتابعة.(46)رحمه الله- أمر تاسع: أن غض البصر يكون سببا لحفظ الدين، وقد قي��ل: "من حف��ظ أربع��ة أح��رز دينه: اللحظات -النظر-، والخطرات -الخواطر-؛ ألنها تبدأ خواطر ثم تتح��ول إلى

.(47)أفكار ثم تتحول إلى عزائم" احفظ الخطرات، ادفع الخطرات السيئة واللفظات، ال تتكلم إال بما يرضي الل��ه، دع��ك من الفحش والسباب والشتائم واللعن والقبائح والوقيع�ة في أع�راض الن��اس، اش��تغل بسبحان الله، والحمد لله، وال إل��ه إال الل��ه، والل��ه أك��بر، ذك��ر الل��ه يح��يي القلب، وذك�ر الناس يفسده ويميته، ودعك من التأويالت التي تقودك إلى كل محظور، فهذه األب��واب األربعة إذا حرسها اإلنسان وضبطها وربط على ثغورها فإنه ينجو بإذن الله -عز وج��ل-،ر م��ا عال تتب��يرا، والن��بي -ص��لى الل��ه وإال دخل عليه الشيطان فيجوس خالل ال��ديار ويتب

ا من أنفس��كم أض��من لكم الجن��ة، وذك��ر منه��ا:عليه وس��لم- يق��ول: ))اض��منوا لي س��ت.(48)واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم((

(، وغذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب596/� 3 - اآلداب الشرعية والمنح المرعية، البن مفلح )44(1 /86.)(.47/ 1 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان )45(.92 - روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 46(.152 - انظر: الجواب الكافي )ص: 47 (، وقال محققوه: "حسن لغيره"، وحس��نه األلب��اني في22757 - أخرجه أحمد في المسند، برقم )48

(.1018صحيح الجامع، برقم )

Page 14: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

وأمر عاشر من هذه الثمرات: أنه يورث محبة الله -عز وجل-، وقد قال مجاهد -رحم��ه.(49)الله-: "غض البصر عن محارم الله يورث حب الله"

الحادي عش��ر: أن ذل��ك يس��د على الش��يطان مداخل��ه إلى القلب، ف��بين العين والقلب منفذ -طريق- يوجب انتقال أح��دهما إلى اآلخ��ر، ف��إذا ص��لح القلب ص��لحت العين، وإذا صلحت العين أدى ذلك إلى صالح القلب، أطلق بصره يفسد قلبه، القلب يكون فاسدا،

العين سترسل إلى الحرام؛ ألنها من رعايا هذا القلب. الث��اني عش��ر: أن�ه يف�رغ القلب للفك��رة في مص��الحه واإلقب��ال عليه�ا، فال يبقى القلب

مفرقا مشوشا.أما الحصاد المر فحدث وال حرج، فمن ذلك:

األمر األول: فساد القلب.(50)رماني بها طرفي فلم تخطئ مقلتي *** وما كل من يرمى تصاب مقاتله

فهنا إطالق هذا البصر سهم يصيب هذا القلب، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقول: "والعجب أن لحظة الناظر سهم ال يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوأ مكانا من قلب

. (51)الناظر" إذن ال ترسل هذا السهم؛ ألنه لن يصل إلى الهدف المنظور إلي��ه ح�تى يتب��وأ مكان�ا من قلبك، فارفق بهذا القلب، هو سهم ال ترمي ب��ه، يق��ول: "وأعجب من ذل��ك أن النظ��رة تج��رح القلب جرح��ا فيتبعه��ا ج��رح على ج��رح، ثم ال يمنع��ه ألم الجراح��ة من اس��تدعاء

، فتتتابع الجراح وتتكسر النصال على نصال.(52)تكرارها"(53)كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بال قوس وال وتر

يقول خال��د بن أبي عم��ران: "إن الرج��ل لينظ��ر نظ��رة فينغ��ل قلب��ه كم��ا ينغ��ل األديم، ، ف�النظرة داعي�ة إلى فس�اد القلب، ولهذا ق�الوا: "النظر(54)فيفسد قلبه حتى ال ينتفع به"

.(55)سهام سم إلى القلب"ها يصلى الفؤاد .(56)أبدا جنايات العيون *** بحر

فالشأن في هذا السهم أنه يس��ري في القلب فيعم��ل في��ه عم��ل الس��م ال��ذي يس��قاه المسموم كما قال ابن القيم، فإن بادر واستفرغه وإال قتله، والنظ��رة تفع��ل في القلب ما يفعله السهم في الرمي��ة ف��إن لم تقتل��ه جرحت��ه، يق��ول: "هي بمنزل��ة الش��رارة من

.(57)النار، ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه"يا من رأى سقمي يزيد *** وعلتي تعيي طبيبي

(58 )ال تعجبن فهكذا تجني *** العيون على القلوب

فهذه أمور مترابط��ة ومتالزم��ة، ف��إطالق البص��ر يلبس القلب ظلم��ة والب��د، يعمي��ه عنالتمييز بين الحق والباطل.

(59)ما زالت اللحظات تغزو قلبه *** حتى تشحط بينهن قتيال

فأكثر فساد القلب من تخليط العين.

(.141(، وذم الهوى )ص:394/ 15 - انظر: مجموع الفتاوى )49(.133/ 2(، ونهاية األرب في فنون األدب )98 - انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 50(.154 - الجواب الكافي )ص: 51 - المصدر السابق.52(.97(، وروضة المحبين، البن القيم )ص: 1/86 - انظر: غذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب )53(.519/ 3 - تفسير السمعاني )54(.395/ 15 - انظر: مجموع الفتاوى )55(.99 - انظر: ذم الهوى، البن الجوزي )ص: 56(.97 - روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 57(.100 - المصدر السابق )ص:58(.107 - المصدر السابق )ص: 59

Page 15: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

األمر الثاني من ه�ذه الثم�رات الم�رة: أن يفق�د اإلنس�ان حالوة اإليم�ان ول�ذة العب�ادةوالخشوع، ويكون قلبه ممتلئا بالوحشة والقلق والكآبة والضيق.

سماعا يا عباد الله مني *** وكفوا عن مالحظة المالح(60 )فإن الحب آخره المنايا *** وأوله شبيه بالمزاح

أمر ثالث من هذا الحصاد المر: أنه بريد الزنى، فه��و أص��ل البالء والش��ر والفتن��ة، يج��رةإلى هذا الهالك والمنكر العظيم الذي قال الله -ع��ز وج��ل- عن��ه: }إنه كان فاحش��

، هي هذه النهاية: فاحشة وساء سبيال. [32]اإلسراء: وساء سبيال{ ، فه��و(61)الرابع: أنه أصل الشرور، فهو السبب، كما قالوا: "النظر بالعين س��بب الحين"

قوس إبليس الذي إذا ضرب به لم يخطئ، وما حفظ أح��د بص��ره إال حف��ظ الل��ه قلب��ه، ، إلى غ��ير ذل��ك من العب��ارات للحكم��اء(62)وق��الوا: "من أرس��ل طرف��ه اقتض��ى حتف��ه"

والعلماء. أمر خامس من هذا الحصاد المر: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، ف��يرى م��ا ليس بقادر عليه، وال بصابر عن بعضه، وهذا من العذاب الذي يمنى به القلب، أن ت��رى

ما ال صبر لك عن بعضه، وال قدرة لك على بعضه.وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر

ه أنت قادر *** عليه وال عن بعضه أنت صابر .(63)رأيت الذي ال كل فهذا كله من جرائه، وقد قال بعض السلف: "إن النظر يزرع الشهوة في القلب، ورب

.(64)شهوة أورثت حزنا طويال".(65)وجاء عن الحسن: "من أطلق طرفه طال أسفه"

وقال آخر: "اللحظات تورث الحسرات أولها أسف، وآخرها تلف، فمن تابع طرف��ه ت��ابع.(66)حتفه"

م يرعى نجوم الدجى ** يبكي عليه رحمة عاذله متي.(67)عيني أشاطت بدمي في الهوى *** فابكوا قتيال بعضه قاتله

جاء عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: "م��ا ك��ان من نظ��رة ف��إن للش��يطان.(69)، وقال: "من أطلق طرفه كان كثيرا أسفه"(68)فيها مطمعا"

وأمر سادس: وهو أنه سبب لالنتكاسة -نسأل الله العافي��ة-، انظ��روا إلى ه��ذه الوق��ائع واألمثلة: ذكر ابن الجوزي -رحمه الل��ه- في كتاب��ه "ذم اله��وى": عن رج��ل اجت��از بب��اب امرأة نصرانية، فرآها فهويها من وقته، حاصل الواقعة: "أن هذا الرجل تعلق بها وأحبهاا شديدا حتى أضناه هذا الحب والعشق فمرض، وهي ق��د تعلقت ب��ه فأض��ناها ذل��ك، حب فكانت أمه تأتيه وهو في حال المرض وال يجيبها وال يكلمها، فكلمت واحدا من أص��حابه فجاء إليه وقال: إن فالنة -يعني معش��وقته- ق��د أرس��لت ل��ك برس��الة م��ع أم��ك فف��رح واستبشر فجاءت أمه فجلس يتطلع إلى ما تقول، فجلست تحدثه ح��ديثا ال حقيق��ة ل��ه،

(، ونفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن )ص:99 - انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 60101.)(.606 /2 - انظر: لطائف اإلشارات، للقشيري )61(.322 - أدب الدنيا والدين، للماوردي )ص: 62 (، وروض األخي��ار المنتخب2/194(، ومص��ارع العش��اق )868 - انظر: شرح ديوان الحماس��ة )ص:63

(.97(، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 378من ربيع األبرار )ص:(.519/ 3 - تفسير السمعاني )64(.93 - انظر: ذم الهوى )ص: 65 - المصدر السابق.66(.87/ 1(، وغذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب )97 - انظر: ذم الهوى )ص: 67 (، وذم162/�� 1(، وانظ��ر: التبص��رة البن الج��وزي )2/465 - أخرج��ه هن��اد بن الس��ري في الزه��د )68

(.91الهوى )ص: (، عن الحسن، وغ��ذاء األلب��اب في93(، وذم الهوى )ص: 162/�� 1 - انظر: التبصرة البن الجوزي )69

(، عن الحسن أيضا.85/ 1شرح منظومة اآلداب )

Page 16: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

فاشتدت علة هذا الرجل ثم ماذا قال -نس�أل الل�ه العافي��ة- في األخ�ير عن�د احتض�اره،قال:

.(70)أرجع عن دين محمد وأقول *** عيسى ومريم والصليب األعظم فمات، فذهب صاحبه إلى تلك المرأة، فوجدها معتلة مريضة بحال شديدة فماذا قالت، هو كان قد قال بأنه لم يحظ بها في الدنيا ف��أراد أن يلقاه��ا في اآلخ��رة ول��و في الن��ار، فقال مثل هذا الكالم، فلما ذهب صاحبه إلى تلك المرأة فوجدها في حال من الم��رض واالعتالل فجعل يح�دثها، فق�الت: أن�ا م�ا لقيت ص�احبي في ال�دنيا وأري�د أن ألق�اه في اآلخرة، وأن��ا أش��هد أن ال إل��ه إال الل��ه وأن محم��دا عب��ده ورس��وله، وأن��ا بريئ��ة من دين النصرانية، تريد أن تلقاه في اآلخرة؛ ألنه مس�لم، تظن��ه أن��ه م�ات على إس��المه، فق�ام أبوها فقال للرجل: خذوها اآلن فإنها منكم، فقام الرجل، فقالت: مكانك، فوقف ساعة

، الرج��ل تنص��ر وهي نطقت بالش��هادتين، نق��ول: ه��ذا من(71)ثم بعد ذاك خرجت نفسهاصرعى النظر، إطالق البصر.

وهذا أيضا ذك��ره ابن الج��وزي: "عن رج��ل ك��ان ببغ��داد يق��ال ل��ه: ص��الح الم��ؤذن، أذن أربعين س��نة وك��ان يع��رف بالص��الح، ص��عد يوم��ا إلى المن��ارة لي��ؤذن ف��رأى بنت رج��ل نصراني كان بيته بجانب المسجد فافتتن بها، فجاء فطرق الب��اب فق��الت: من؟ فق��ال: أنا صالح المؤذن، ففتحت، فلما دخل ضمها إليه، فقالت: أنتم أصحاب األمانات، ما هذه الخيانة؟ قال: إن وافقتني على ما أريد وإال قتلتك، فقالت: ال، إال أن تترك دينك، فقال: إنه بريء من دين اإلسالم، ومما جاء به محمد -صلى الل��ه علي��ه وس��لم-، ثم دن��ا إليه��ا، فقالت: إنما قلت هذا لتقضي غرض��ك ثم تع��ود إلى دين��ك، فك��ل لحم الخ��نزير، فأك��ل، قالت: اشرب من هذا الخمر، فشرب، فلما دب به الشراب -يعني سكر-، قالت: أصعد إلى السطح حتى يأتي أبي، وأغلقت على نفسها بابا، فالرجل صار يمش��ي على س��طح دارهم وهو سكران فوقع فكان حتفه، فج��اء أبوه��ا فأخبرت��ه الخ��بر، فلف��ه في ث��وب ثم

، هذا ذكره ابن(72)ألقوه في قارعة الطريق، ثم انتشر خبره بعد ذلك فرمي في مزبلة"الجوزي.

ه��� خ��بر رج��ل يق��ال ل��ه: عب��ده بن عب��د278وذكر الحافظ ابن كثير في ح��وادث س��نة الرحيم، يقول ابن كثير: قبحه الله، ثم ذكر خبر هذا الشقي: "أن��ه ك��ان من المجاه��دين في بالد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون في حال حصار لبل��دة من بالد الروم نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن فهويها فراسلها، ما السبيل إلى الوص��ول إلي��ك؟ ق��الت: أن تتنص��ر وتص��عد إلي، فأجابه��ا، فم��ا راع المس��لمين إال وه��و عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك، وشق عليهم، الشاهد أن الرجل تنص��ر وتزوجه��ا، وصار له ذرية منها، فلقيه بعضهم بعد حين، فقال له: ما صنع جهادك؟ ما فعل القرآن؟

}ربم��ا ي��ود الذينما فعلت صالتك؟ فقال: اعلموا أني نسيت القرآن كل��ه إال قول��ه: وف كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتع��وا ويلههم األم��ل فس��

.[3-2]الحجر: يعلمون{ سابعا: اعتالل البدن، األطباء ذكروا أشياء ودراس��ات -وه��ذا أم��ر مش��اهد- مم��ا يحص��ل لخاليا الدماغ بسبب النظر إلى الصور اإلباحية، ما يحصل للغدد في الجسم، ما يحص��ل للذاكرة، أعراض الشيخوخة المبكرة، ضعف جه�از المناع��ة، اإلث��ارة الدائم�ة في جمي��ع خاليا الجسم، فيبقى اإلنسان في حال من التوهج والتوتر، جسد مستفز، منهك الق��وى؛ ألنه دائم االستفزاز؛ ألنه هذا يؤثر عليه عاجال وآجال وبعد الزواج إلى غير ذل��ك مم��ا ه��و

معلوم.

(.459 - ذم الهوى )ص: 70 - المصدر السابق.71(.460-459 - المصدر السابق )ص:72

Page 17: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

بعد ذلك أقول: ينبغي أن نعالج مثل هذا األثر بما ذكر النبي -صلى الله عليه وس��لم- إذا ))إن الم��رأة إذا أقبلتنظر اإلنسان إلى محرم، يقول النبي -صلى الله علي��ه وس��لم-:

أقبلت في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة أعجبته فلي��أت أهل��ه ف��إن معه��ا مث��ل.(73)الذي معها((

أذكر لكم بعض النماذج الفذة، نم��اذج جميل��ة، نم��اذج مش��رقة في غض البص��ر، نم��اذج قديمة ونماذج معاصرة، هذا وكيع يقول: "خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد، اسمع

، ألن النس��اء(74)ماذا يوص��ي ب��ه أص��حابه: إن أول م��ا نب��دأ ب��ه في يومن��ا غض أبص��ارنا"يخرجن في العيد.

وكان األس��ود بن مكت��وم إذا مش��ى نظ�ر إلى قدمي��ه، فربم�ا اس��تقبله النس�اء، فيق�ول بعضهن لبعض: "ال يرعكن قامة األسود بن مكتوم، إذا مشى نظ��ر إلى قدمي��ه ال ينظ��ر

.(75)إليكن"��ف بص��ري، ف��أرجو أن يك��ون وعمرو بن مرة يقول: "نظرت إلى ام��رأة ف��أعجبتني فك

، تصور نظر إلى امرأة فأعجبته بحجابها فكيف بالذي ينظر إلى مش��اهد(76)ذلك جزائي"-نسأل الله العافية.

وكيع بن الجراح يقول: "مررت م��ع س��فيان الث��وري على دار مش��يدة ف��رفعت رأس��ي ، ه��ذا في الن��وع اآلخ��ر من(77)إليها، فقال: ال ترفع رأسك تنظر إليها، إنم��ا بنوه��ا له��ذا"

النظر إلى عرض الحياة الدنيا وإلى زخرفها الزائل، انظ��ر إلى الربي��ع بن خ��ثيم -رحم��ه الله- ك�ان آي��ة في غض البص��ر، م��ر ب��ه نس��وة ف��أطرق ح��تى ظن النس�وة أن��ه أعمى،

. (78)فتعوذن بالله من العمى وحسان بن أبي سنان خرج إلى العيد فقيل له لما رجع: يا أبا عب��د الل��ه م��ا رأين��ا عي��دا

، ه��و لم ي��ر ام��رأة أص��ال؛ ألن��ه(79)أكثر نساء منه، فقال: "ما لقيتني امرأة حتى رجعت" كان يغض بصره، هذا الرجل له شأن عجيب، خ��رج في ي��وم عي��د فلم��ا ع��اد ق��الت ل��ه امرأته: "كم امرأة حسناء قد رأيت؟، فقال: والله ما نظرت إال في إبهامي منذ خرجت

، العفاف.(80)إلى أن رجعت" وهذا ابن مسعود -رضي الل��ه عن��ه- دخ��ل على م��ريض يع��وده ومع��ه ق��وم وفي ال��بيت امرأة، فجعل رجل من القوم ينظر إليها، فق��ال ابن مس��عود: "ل��و انفق��أت عين��ك ك��ان

، ينظ�ر إلى ام�رأة بحض�رة ه�ؤالء، م�اذا عس�ى أن تك�ون البس�ة؟ فكي�ف بال�ذي(81)خيرا لك"ينظر إلى الباليا والرزايا؟.

��نيت بقي ثالثين س��نة لم ��ة -غرف��ة في األعلى- ق��د ب وكان في دار مجاه��د بن ج��بر علي ، ما علم بها، فأين هذا من الذي يتطلع وينظر هنا وهناك، يص��عد إلى أعلى(82)يشعر بها

إذا كان في مكان، إذا كان في فندق، إذا كان، لعله ينظر إلى ع��ورة من هن��ا أو هن��اك، ينظر إلى النوافذ أو ينظر إلى الشاشات؟، وابن سيرين انظروا إلى هذا النموذج الرائع

- أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفس��ه إلى أن ي��أتي امرأت�ه أو73 (، والترمذي واللفظ له، أبواب الرضاع عن رسول الله -صلى الله عليه1403جاريته فيواقعها، برقم )

(.1158وسلم-، باب ما جاء في الرجل يرى المرأة تعجبه، برقم )(.66(، برقم )63 - الورع البن أبي الدنيا )ص: 74(.172/ 2(، وصفة الصفوة )254/ 2 - حلية األولياء وطبقات األصفياء )75(.127(، وذم الهوى )ص: 61/ 2(، وصفة الصفوة )95/ 5 - حلية األولياء وطبقات األصفياء )76(.96 - الورع لإلمام أحمد )77(.91 - ذم الهوى )ص: 78(.88 - المصدر السابق )ص: 79(.162/ 1 - التبصرة البن الجوزي )80(.87 - ذم الهوى )ص: 81 - المصدر السابق.82

Page 18: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

النظيف الطاهر، يقول: "إني ألرى المرأة في منامي ف��أعلم أنه��ا ال تح��ل لي فأص��رف.(83)بصري"

والربيع بن خثيم يقول عنه ابن مس��عود -رض��ي الل��ه تع��الى عن��ه-: "أم��ا والل��ه ل��و رآك محمد -صلى الله عليه وسلم- لفرح بك، كان يختل��ف إلى م��نزل ابن مس��عود عش��رين سنة ال تظن جارية البن مسعود إال أن��ه أعمى؛ لش��دة غض بص��ره وط��ول إطراق��ه إلى األرض بنظره، ك��ان إذا دق الب��اب علي��ه تخ��رج جاريت��ه ف�إذا رأت��ه ق��الت البن مس��عود: صاحبك األعمى قد جاء، واستأذن مرة على ابن مس��عود فخ��رجت إلي��ه جاري��ة حس��ناء فغمض عينيه، فقالت: على الباب رجل أعمى يقول: أن��ا الربي��ع بن خ��ثيم، فق��ال: ليس

.(84)بأعمى وإنما غض بصره" هناك نماذج معاصرة من هذه النماذج: هذا رجل من المسلمين من جنوب شرق آس��يا، يعمل في بعض الدول األوربية في نيوزلندا، كان هذا الرجل يعمل في محط��ة الوق��ود، فكانت ملكة جمال نيوزلندا تمر به إلى هذه المحطة، وال ينظر إليها، فتكرر ذلك كث��يرا، فنزلت ووجهت إليه لوم�ا ش�ديدا؛ ألن�ه ال يلتفت إليه�ا، فس�ألته: من أنت، ومن تك�ون؟ فقال: أنا مسلم ال يج��وز لي إطالق البص��ر، فتعجبت، ك��ل واح��د يري��د أن يلتق��ط معه��ا صورة وأن ينظر إليها وأن يسارق النظر أو ينظر مكاش��رة، فتعجبت من ه��ذا العف��اف، فسألته عن دينه ثم بعد ذلك عرضت عليه أن يتزوجه��ا، ف��دخلت في اإلس��الم وتزوجه��ا

هذا الرجل، وهو عامل في محطة وقود. هناك أمثلة مشابهة له��ذا ال أطي��ل به��ا، لكن أق��ول: اخ��تر لنفس��ك، فه��ذه الن��واظر هي صوارم سيوف مشهورة فأغمدها في غمد الغض والحياء من نظر الله -تبارك وتع��الى-

إليك، وإال جرحك بها عدوك. فإطالق هذا البصر يورث الردى، ويوصل إلى القبائح، فينبغي على العبد أن يختار.

يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا *** أنت القتيل بما ترمي فال تصبوباعث الطرف يرتاد الشفاء له *** احبس رسولك ال يأتيك بالعطب

.(85)ترجو الشفاء بأحداق بها مرض *** فهل سمعت ببرء جاء من عطب }وق��ل للمؤمن��اتوت��أملوا أخ��يرا في قول��ه -تب��ارك وتع��الى- في ح��ق المؤمن��ات:

} ، يعني: بأال يمعن ب��النظر إلى الرج��ال ف��إن ذل��ك[31]النور: يغضضن من أبصارهن يغريهن بالفتنة، وهذا يدعونا إلى أمر: هنا أطلق في هذا األمر بالنسبة للنساء كما ق��ال

{في الرجال تماما: ارهن ن من أبص�� ، وله��ذا فهم بعض}وقل للمؤمنات يغضض�� أه���ل العلم من الفقه���اء من الش���افعية والحنابل���ة، وذهب إلى ه���ذا جماع���ات من المفسرين، وبعض العلماء المعاصرين إلى أن المرأة كالرجل في النظر، أن لها األولى وعليها الثانية، وأنها مأمورة بغض البصر، وال يجوز لها إطالقه، ومن أشهر القائلين به��ذا الحافظ ابن عبد البر، قال ذلك في كتاب "التمهيد"، وفي كتاب "االستذكار"، وق��ال ب��ه

آخرون. وقد ذكر بعض أهل العلم المعاصرين أن النظر إلى الممثلين والمنشدين وإلى مق�دمي البرامج بل إلى من يقدم بعض الدروس أو المحاضرات أو األمور المفيدة في القن��وات قد يكون النظر إليه فتنة؛ ألن الغالب أن هؤالء يخرجون بأبهى حل��ة، فه��و يحس��ب ك��ل حركة والتفاتة ونظرة عين، ويحسب أيضا حركة الش��فاه كي��ف يحركه��ا، وكي��ف يح��رك يده، وما إلى ذلك بطريقة في غاي��ة الدق��ة، فه��ذه ال��تي تطي��ل النظ��ر تنظ��ر إلى بعض هؤالء، وبعضهم قد يكون قد امتأل شبابا وحسنا ونضارة ثم لربما قارنته بمن حوله��ا من زوج ونحوه، فترى هناك فصاحة البيان واللطف في العبارات، وأناق��ة المظه�ر ونض��ارة

(.205/ 53(، وتاريخ دمشق البن عساكر )419/ 2(، وتاريخ بغداد )178/ 6 - روح البيان )83 (، والثقات للعجلي )ص:8/ 6(، والمنتظم في تاريخ الملوك واألمم )34/ 2 - انظر: صفة الصفوة )84

(.3569/ 8(، وبغية الطلب فى تاريخ حلب )154(.97 - انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين )ص: 85

Page 19: files.zadapps.info  · Web view2017-03-01 · ذلك لا محالة، فزنا العين النظر))(- أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا

الشباب، فيكون ذلك سببا للفتنة، وهنا ينبغي الحذر وأن المسألة ليست محل اتفاق أن المرأة يرخص لها بالنظر إلى الرجال من غير شهوة، أما نظره��ا إلى الرج��ال األج��انب بشهوة فإن هذا محرم باتفاق، بإجم��اع أه��ل العلم، وه��ذا ال ش��ك في��ه إذا ك��انت تنظ��ر وتتلذذ بهذا النظر، أو تتفرس في تقاطيع وجه��ه ومالمح��ه، ومواض��ع الحس��ن والجم��ال فيه، فهذا ال يجوز، وأما إذا كان نظر المرأة هو النظرة األولى فإن هذا معفو عن��ه، أم��ا إذا نظرت إلى األجنبي بحاجة كما لو نظرت لعالج اضطرت إليه أو نحو ذلك مما يتصل بشهادة أو نحو هذا فهذا من النظر المعفو عنه، وكذلك نظر المرأة إلى الخاطب، فكما ينظر إليها تنظر إليه فهذا معفو عنه ومباح، أما إذا كان يخش��ى من ه��ذا النظ��ر ث��وران الشهوة فإنه يجب كفه، لكن العلماء اختلفوا في ح�ال ك�ون الفتن��ة مأمون�ة ه�ل تك�ون كالرجل أو أن نظرها أوسع من نظر الرجل؟، هذا فيه خالف معروف، ومن ذك��رتهم أو أشرت إليهم إجماال وذكرت منهم الحافظ ابن عبد البر يقولون: هي كالرجل لها األولى وعليها الثانية، أنا أؤكد هذا؛ ألننا في هذا العص��ر أص��بحت الم��رأة تنظ��ر وهي في بيته��ا نظرا طويال يدوم ساعات إلى هذه الشاشات فهل األمر ال إشكال فيه وال غضاضة فيه،ا كان هذا المنظور إلي��ه؟، ه��ذا النظ��ر ال ت��ؤمن عواقب��ه في كث��ير من وال حرج إطالقا أي األحيان، ولهذا بعض النساء تصرح بأنها مفتونة بفالن، أو فالنة، قد يك��ون فالن ه��ذا من مقدمي البرامج، قد يكون منشدا، قد يكون داعية، قد يكون طالب علم، تعجب بكالمه، تعجب بمنطقه، تعجب بحركات��ه، تعجب بش��كله، بص��ورته، تعجب بلباس��ه وأناقت��ه، كل��ه وارد، فإذا كان هذا النظر بهذه المثابة يورث هذه النتائج فهذا ال يجوز، فينبغي االحتراز، ينبغي على األخوات أن يحفظن أبص��ارهن وأال يطلن النظ��ر إلى ه��ذه الشاش��ات، لكن يمكن أن تسمع من غير إطالق البصر، خاص��ة إذا ك��ان ه��ذا المنظ��ور إلي��ه ال يخل��و من

فتنة، فال تظن أن األمر ال حرج فيه.أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.