nosos.netnosos.net/nososMoasera/wp-content/uploads/Magazin… · Web view• السيد جعفر...

االجتهادوالتجديد

فصلية مختصة بقضـــايا االجتهاد والفقــهاإلسالمي

العدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، ربيعهـ1433م، 2012

:شروط النشرترحب المجلة بمســاهمات البــاحثين

في مجاالت الفقه اإلسالمي وأصــوله،ــات ــال، ومراجع وعلم الحديث، والرج

الكتب، والمناقشات.يشـــترط في المـــادة المرســـلة أن

ــول البحث العلمي على ــ ــتزم بأص ــ تل مختلـــــــف المســـــــتويات: المنهج، المنهجيــة، التوثيــق، وأن ال تكــون قــد نشرت أو أرسلت للنشر في كتــاب أو

دورية عربية أخرى.ــة ــادة المرســلة لمراجع تخضــع الم

هيئــة التحريــر، وال تعــاد إلى صــاحبها،نشرت أم لم تنشر.

يحــق لهيئــة التحريــر إعــادة صــياغة النصوص الــتي تــرد إليهــا إذا اقتضــت الضرورة ذلك، شرط أن ال يــؤدي إلى

اإلخالل بمقصود الكاتب.ــواد ــر الم ــادة نش ــق إع ــة ح للمجل

المنشورة منفصلة أو ضمن كتاب.

رئيـس التحـريرحيـدر حب الله

مدير التحريرمحمد عباس دهيني

المدير العام علي باقر الموسى

المدير المسؤولربيع سويدان

)الهيئة االستشارية (أبجديا

جاخرتنضيد وإpapyrus

تصميم الغالفIdea Creation

د. أحمد الريسوني

د. عبدالهادي

الفضلي

د. محمدخير قيرباش

أوغلو

د. محمد سليم

المغرب

السعودي

ة

تركيا

مصر

إيران

:المراســالتباسم رئيس التحرير

25 / 327لبنان ــ بيروت ــ ص. ب: www.nosos.net

[email protected]البريد اإللكتروني

:التنفيذ الطباعي ومركز النشر

مؤسسة دلتا للطباعة والنشر، لبنان ـ بيروت، الحدث، قرب مستشفى السان تريز،

مفرق ملحمة كساب، خلف المركز الثقافي اللبناني،

بناية عبد الكريم وعطية، 009615464520تلفاكس:

[email protected]البريد اإللكتروني:

:وكالء التوزيع لبنان ـ شركة الناشرون لتوزيع الصــحف

والمطبوعات: بيروت، المشــرفية، مقابــل

.4وزارة العمل، سنتر فضل الله، ط

:(9611)277007/277088 هاتف+25/184ص. ب:

ــة ــركة العربي ــبريس( الش ــ )س ــرب ـ المغ

ــحافة: ــر والص ــع والنش ــة للتوزي اإلفريقي

زنقة سجلماسة.70الدار البيضاء،

مصر ـ مؤسسة األهرام: القــاهرة، شــارع

.الجالء

:5786100 هاتف683/13ص. ب:

.إيران ـ مكتبة الهاشمي: قم، كذرخان

:(98251)7743543 هاتف+ــاب«، قم، ــات »بوســتان كت ــتر تبليغ ودف

چهار راه شهدا.

:(98251)7742155 هاتف+

البحرين ـ شركة دار الوسط للنشر

.والتوزيع

فصلية مختصة بقضـــايا االجتهاد والفقــه اإلسالميتصدر عن مركز البحوث المعاصرة في بيروت

كلمة التحرير اإلمام الخوئي ومآالت النهضة في االجتهاد وعلم النقد السندي

الشيخ حيدر حب اللهملف العدد

/2 الفن والغناء في الفقه اإلسالمي/ ــرآن، النظم والجاذبية ــ ــيقى الق ــ ــويز: موس ــ ــراءة في تج ــ ق

الموسيقى الهادفة11......................................الشيخ محمد هادي معرفة

مفهومه، حكمه، وحدوده: الغناء المحرم26................................... الشيخ محمد المؤمن القمي

،دراســة تأصــيلية تجديديــة في ضــوءفقه الغنــاء والموســيقى القسم األول / القرآن والسنة والمقاصد

44.................................................د. يحيى رضا جادــالمي ــه اإلس ــاء في الفق ــق ،الغن ــة المحق ــة في نظري مطالع

األردبيلي69.............................................السيد علي الحسيني

التطـــور التـــاريخي النبعـــاث البحث الفقهي حـــول الغنـــاء والموسيقى

82..............................................الشيخ رضا مختاريالعالمة الشعراني والموقف من الغناء والموسيقى

95............................................د. أكبر إيراني القميالغناء والسماع في فكر شيخ العرفاء محيي الدين ابن عربي

110..........................................د. أكبر إيراني القميمطالعة في الموقف الشرعي، الموسيقى والغناء

135........................................الشيخ يوسف الصانعيدراسات

السيد جعفر محمد حسين فضل الله•حوار مـع العالمـة الســيد، المرجعية الدينية واالجتهاد المعاصر

كمال الحيدري165.........................أعد الحوار وأجراه: أ. عماد الهاللي

إجراء القوانين الجزائية في عصر الغيبة196.......أ. مصطفى مسعوديان / د. محمد رسول آهنكران

الضرائب اإلسالمية ودورها في الحد من الفقر210....................................د. الشيخ حسن آقا نظري

الصداقة بين الجنسين في ضوء القرآن الكريم222...........................................الشيخ خالد الغفوري

دراسة مقارنة في المفهوم والمصطلح، االجتهاد237...........................السيد مهند مصطفى جمال الدين

قراءة جديدة في شروطه ومالكاته ومعاييره، حق الشفعة255........................................أ. مهدي موحدي محب

دراسة في ضرورات الوعي الفقهي التجاري ،فقه التجارة269...........................................................حسين كاويار أ. /السيد رضــا ســليمان زاده نجفي د./ علي أكبر أيزدي فرد د.

القسم األول / أحكام الشعائر الحسينية284..............................................الشيخ علي دهيني

،ــاء ــة األعض ــيد زراع ــاوى الس ــة لفت ــول االجتهادي ــل األص تحلي/ القسم الثاني الخامنئي

324.......................................د. الشيخ محمد رحماني

قراءات ــه األئمة ــام، ^فق ــه اإلم ــاب »فق ــية في كت ــة استعراض جول

«×علي347.................................الشيخ صفاء الدين الخزرجي

ــاد والتجديد4 ـــ العـــدد التاســع عشــر، الســـنة الخامســة، صــيفاالجتههـ1432م ـ 2011

نظرة في المنهج االجتهادي للفقيه المجدد المرجع السيد محمد حسين فضل •الله

اإلمام الخوئي ومآالت النهضة في االجتهادوعلم النقد السندي

الشيخ حيدر حب الله

ســأحاول في هــذه المداخلــة البســيطة التركــيز على نقطــةواحدة، وهي مآالت تجربة السيد أبو القاســم الموســوي الخــوئي)

هـــ( في المحافــل العلميــة اليــوم، وأتــرك ســائر الجــوانب1413لمجاالت أخرى.

أوال: معالم من مدرسة السيد الخوئيــيرا في&ليس من شك في أن اإلمام الخوئي قد أحــدث تغي

حوزة النجف نفســها قبــل أن يــترك تــأثيرا على حــوزة مدينــة قمالعلمية، فقد امتاز منهجه وتميزت تجربته بعدة أمور، منها:

من خاللـ اعتماده مبدأ الجرأة العلميـة المتوازنـة،1ــأثره ــدم تـ ــة، وعـ ــائج االجتهاديـ ل إلى النتـ ــ ــوحه في التوصـ وضـ بالنظريات المشهورة في الفقه اإلسالمي. وقد الحظنا نهجــه هــذا من خالل أبحاثه الفقهية. وهو منهج كان السيد الخــوئي قــد وضــع مداميكه التحتية في علم أصول الفقه؛ ليكون منهجا علميا رصينا. فقد رفض اإلجماع المنقول رفضا حاسما. كمــا ذهب إلى مدركيــةلة، أو احتمال مدركيــة أكــثر ـــ وربمــا تمــام ـــ اإلجماعــات المحصــ بمعنى أن المجمعين اســتندوا إلى مــدرك متــوفر بين أيــدينا، ممــا يجعل إجماعهم غير حجـة. وهكـذا رفض الخـوئي نظريـة الشــهرة الفتوائية، التي ترى في اشتهار فتوى بين الفقهاء مدركا لصــوابها.

ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد5هـ1433م ـ 2012

السيد جعفر محمد حسين فضل الله•

وباإلجهاز على نظريتي اإلجماع والشهرة تمكن السيد الخوئي من خوض غمار التحليل االجتهــادي الفقهي، متحــررا من هــذا الحمــل التاريخي الثقيل، ومتجاوزا تراثا فقهيا ضخما. وقد استطاع الســيدــة ــرات اآلراء الفقهيـ ــد عشـ ــذا التخطي من نقـ ــع هـ ــوئي مـ الخـ المشــهورة في أبحاثــه االجتهاديــة. وقــد تجــاوز األمــر حــد البحثــة ثالثين مســألة على االجتهــادي إلى مخالفــة المشــهور في قراب المستوى الفتوائي أيضا، إال أن جل مخالفاته األخرى للمشهور تمتغليفها على مستوى الرسالة العملية بظاهرة االحتياط الوجوبي.

ــال2 ــة علم الرجـ ــوئي ناحيـ ــام الخـ ــه اإلمـ ــ اتجـ ــ واالهتمام السندي اتجاهــا ملحوظــا مختلفــا عن الحالــة

ونرى اتجاهه هــذا قهريــا، بمعــنىالعامة في الحوزة العلمية. أن نظرياته في أصول الفقه لعبت دورا في اهتمامه هــذا. ويرجــعــار ــل المعي ذلك إلى تبنيه حجية خبر الثقة، ال الخبر الموثوق، ليجع في الحــديث الشــريف في رجــال الســند من حيث وثــاقتهم. وقــد دعم نظريتــه هــذه بذهابــه إلى نظريــة عــدم وهن الخــبر الصــحيح بإعراض المشهور عنه، وعدم جبره بعملهم به، ممـا أنقص فـرص تصحيح الروايات أو تضعيفها على أساس معــايير مخارجــة للســند ورجاله. وهذه النظريــات الخمس، وهي: نظريــة الــوهن، ونظريــةل، الجــبر، ونظريــة اإلجمــاع المنقــول، ونظريــة اإلجمــاع المحصــل عنــد العلمــاء المســاعد الــرئيس ونظرية الشهرة الفتوائيــة، تمث لتخطي معضــالت األســانيد، أو الجمــود عنــدها، بلوغــا إلى آليــات أخرى في توثيــق النصــوص والتعامــل معهــا، أو في الوصــول إلى

نتائج فقهية اجتهادية مباشرة، كالشهرة الفتوائية. ولم يقف الحال عند هذه النظريات التي فتحت أمــام الســيد الخوئي باب علم الرجــال والجــرح والتعــديل على مصــراعيه، بــل

ــاد والتجديد6 ـــ العـــدد التاســع عشــر، الســـنة الخامســة، صــيفاالجتههـ1432م ـ 2011


ذهب في اتجاهه النقدي أبعد من ذلك، حيث لوحظ عليــه التشــدد في قبول الروايات؛ انطالقا من تحفظه على العديد من النظريات الرجالية التي توثق الــرواة. فقــد رفض نظريـة أصــحاب اإلجمــاع، التي تعني تجاهل البحث في السند الواقع بين واحــد منهم، مثــل:

، وبهذا ألزم نفسه بالبحث السندي في هــذه×زرارة، وبين اإلمامــة، وهم: ابن أبي ــيل الثالث ــة مراس ــذلك رفض نظري ــدائرة. وك ال عمير، وأحمــد بن محمــد بن أبي نصــر الــبزنطي، وصــفوان، وهي تعني تصحيح كــل مراســيل هــؤالء الثالثــة، دون حاجــة إلى البحث

ــرى×السندي الواقع بينهم وبين اإلمام . كما رفض النظرية التي ت في توثيقــات أو تضــعيفات العلمــاء المتــأخرين، مثــل: ابن داوود، والعالمة الحلي، اعتبارا. وبهذا زاد من التضــييق على نفســه. كمــا

، اعتمــادا على نص×رفض نظرية توثيــق تمــام أصــحاب الصــادق .×للشيخ المفيد وغيره؛ ونظرية توثيق كــل من كــان وكيال لإلمــام

ومن النظريات الهامة التي رفضها نظرية وثاقة شيخوخة اإلجازة؛ إذ يخلق رفضها ضيقا في أمر الروايات أيضا؛ إلى جـانب نظريـات أخر، مثل: تأليف كتاب أو أصل، وكثرة الرواية، وذكر الطريق إلى

شخص في كتب المشيخة. من هنا الحظنا في اجتهاد السيد الخــوئي اهتمامــا بالغــا بعلم الرجال، تمثلت قمته بتأليف الموســوعة الرجاليــة القيمــة »معجم رجال الحديث«، وتطبيقا واسعا للموضوع السندي في الدراســات

الفقهية. ـ مــال الســيد الخــوئي في اجتهــاده الفقهي إلى3

ــا األصــوليون فياللغــة العرفيــة، ــتي انتصــر له ــة ال وهي اللغ مباحث حجية الظهور. لكن ميزة الخوئي أنه كــان ذواقــا للــدالالت



العرفية في النصوص على مســتوى التطــبيق، وقــد كــانت ثقافتــهــه امتــاز بعــرض واضــح وجلي اللغوية العربية جيــدة جــدا، حــتى أن لألبحاث العلمية، يتسم باالختصار والوضوح، مبتعــدا قــدر اإلمكــان عن الخلط بين األبحــاث العقليــة الحقيقيــة والدراســات القانونيــة

االعتبارية.

ثانيا: تأثيرات مدرسة السيد الخوئي ربما نستطيع من خالل هــذه النقــاط أن نطــل على تــأثيرات مدرسة الخوئي في الحوزات العلمية. فقــد امتــاز الخــوئي بتربيــة أجيال من التالمذة الذين أمسكوا بزمام األمور وكراسي التدريس في الحوزات العلمية في النجف وقم وغيرهما، األمر الذي ســاعد على هيمنة أفكاره ومنهجه االجتهادي على التفكــير الحــوزوي في العقود األخيرة، حيث بتنا نالحظ معالم منهجــه المشــار إليهــا آنفــاــة، من حيث متجليــة في جيــل الفقهــاء الكبــار في الحــوزة العلمي االهتمــام بالنقــد الحــديثي، ومن حيث العمــق الــذي امتــاز بــه

المتأخرون من الفقهاء، ومن حيث النزعة التحقيقية الجديدة. وفي تقديري فإن الحوزة العلمية لم تكن تشهد تطور النقــد الحديثي والفقهي بالطريقة التي قدمها السيد الخوئي. فقد كــانت تعتمد كثيرا ـ وبشكل عام ـ على نظريات الجبر والوهن في حجية الحديث، رغم التحقيقــات الرجاليــة الضــخمة الــتي قــدمها الســيد

&البروجردي ــة تطــويرا . كما لم تكن تشهد داخل المؤسسة الديني جذريا في النقد الفقهي، إذا ما اســتثنينا المحــاوالت الــتي قــدمتها

مدرسة اإلمام الخميني في هذا السياق.

ثالثا: مدرسة السيد الخوئي، مآالت وتراجعاتــاد والتجديد8 ـــ العـــدد التاســع عشــر، الســـنة الخامســة، صــيفاالجته

هـ1432م ـ 2011


لكن الذي يبدو لي أن هناك بعض التحول الذي قــد يجــر إلىــة تراجعــا نســبيا. تراجــع منهج الســيد الخــوئي في الحــوزة العلمي فالنزعة النقدية التي يمتــاز بهــا الســيد الخــوئي في مجــال الفقــهــرن ــة الســتينيات والســبعينيات من الق والحــديث تنتمي إلى حقب العشــرين، وهي الحقبــة الــتي كــانت حركــة النهضــة الشــيعية فيــديني، أوجها فيها، تقوم بنقد الموروث لصالح تحول في الــوعي ال والتأسيس ألنموذج جديــد في التــدين وفهم اإلســالم. وقــد حققت هذه النهضة منجــزات كبــيرة بعــد انتصــار الثــورة في إيــران، لكن تداعيات الحركة الفكريــة بعــد ذلــك ـــ وال ســيما منــذ التســعينياترت في ظهور حركة نقدية جديدة، أثــارت مخــاوف وإلى اليوم ـ أثــة التيار الحوزوي التقليدي والثوري معا. وقد كانت التيارات النقدي هذه تسعى لالستغالل أو لالستفادة )حســب التقييمــات المختلفــة في الموضوع( من موروث الحركة النقدية لعلماء كبار، كان منهم السيد الخــوئي. ففي مجــال الحــديث مثال تســقط ــ وفـق نظريـة الخوئي ـ اآلالف الكثيرة من األحاديث عن االعتبار، وهذا ما شــكل فرصــة ومستمســكا للناقــدين الجــدد في حملتهم على المــوروث الحديثي الشيعي. وكذلك شكلت مخالفتــه للمشــهور فرصــة لنهج نقد الموروث الفقهي. من هنا نجد في بعض األوساط اليوم بعض النقد للســيد الخــوئي في نظرياتـه، وال ســيما في مجــال الحــديث والرجال ونقد الموروث، وسعيا حثيثا إلعادة االعتبار إلى المصــادر الحديثية والروايـات الشــيعية. وهـذا مــا نالحظـه في بعض تالمــذة

السيد الخوئي، وغير واحد من جيل تالمذة تالمذته أيضا. كمــا عــاد إلى الواجهــة في الفــترة األخــيرة طــرح مقــوالت اإلجماع والشهرة والمســلمات وضـروريات الــدين والمـذهب؛ ألنــرف على الحركة النقدية أشعرت الطرف اآلخر بأن الموروث يش



االنهيــار، طبعــا بحســب تصــور الطــرف اآلخــر على األقــل. ولكيــة( يحمي اآلخر )الذي يشكل التيار الرسمي في المؤسســة الديني ــا ــا معرفي اإلســالم، بحســب وجهــة نظــره، وضــع ســياجا دوغمائي محكما، وهو مقوالت الضرورة والمســلم ونحــو ذلــك؛ كي يتحــولم فكــري، كل موضــوع تخلــع عليــه مثــل هــذه العنــاوين إلى محــرر فيه. وبذلك يتم النأي بهذه الموضــوعات فيدخل في حيز الالمفكــار عن أن تندرج ضمن الجدل والتجاذب الفكري، وهو ما يريح التيــوعات بعض ــذه الموضـ ــق في هـ ــي من البحث والتحقيـ المدرسـ

الشيء، كما يمنع الطرف اآلخر من الخوض فيها.ــال وفي هذا السياق كان السعي المتواصل عند البعض إلبط معايير النقد السندي والتــاريخي، الــتي انتصــر لهــا أمثــال: الســيدــه الخوئي، لصــالح حالــة الوثــوق بــالموروث الحــديثي عمومــا. فإنــوروث ــة على الم عندما يصار إلى إضفاء طابع السكينة والطمأنين ــا الحديثي مثال فإن درجة الوثوق به ترتفــع، ومن ثم تنحســر تلقائي فــرص النقــد التــاريخي والســندي. وقــد ســاعد على تنــامي حالــة الوثوق هذه وضع سياسي واجتماعي عام في الفــترة األخــيرة، أال وهو دخولنا في مدار العولمــة منــذ بــدايات التســعينيات، وتصــاعد حدة التوتر الطائفي في منطقــة الشــرق األوســط، وبــاألخص بين اإلمامية وما يعرف بالحركة السلفية السنية، فــإن هــذا التصــاعد ـــة. وهــذا المنطــق مع العولمة ـ يفــرض منطــق الــدفاع عن الهوي يؤجل ـ بشكل تلقائي ـ ليس طرح عناصر الضــعف في المــوروث فقط، بل حتى رؤيتها والنظر إليها ومالحظتها. وهذا ما يشبه تماما ما حصل ـ شيعيا وسنيا ـ في القرن الحادي عشــر والثــاني عشــرــة الهجريين، حيث أدى تنامي التوتر الطائفي بين الدولتين العثماني والصفوية إلى تنشيط الحركة المذهبية المنغلقة، الــتي تمثلت في

ـ العـدد التاسع عشر، السـنة الخامسة، صيفاالجتهاد والتجديد10هـ1432م ـ 2011


بعض التيــارات األخباريـة الشــيعية المتشــددة، وفي ظهــور حركــة هـــ(، الــتي بلغت األوج في1207الشــيخ محمــد بن عبــد الوهــاب)

سياستها المتشددة ضد غير واحد من المذاهب اإلسالمية. إن هــذا الســياق الســيواجتماعي يفــرض انحســارا نســبيا لمشروع السيد الخوئي. وقــد وجــدنا بعض الكتابــات في الحــديثجــه نحــو نقــد أساســيات النظريــات والرجال في الفترة األخيرة تت الرجالية لإلمام الخوئي، حتى أن بعض تالمذته، الذين شاركوا في تدوين موسوعته الرجالية الكبرى، مال في أبحاثه في كليات علم الرجـــال إلى تصـــحيح أكـــثر، إن لم نقـــل أغلب، روايـــات الكتب األربعة،مما جعله يقترب من النزعة األخباريــة في توثيــق أحــاديث

أمهات كتب الحديث اإلمامية.ر طيب على استمرار الحركة إن هذا النقد هو من جهة مؤش العلمية في المؤسسة الدينية، عبر نقد رجل عمالق، مثل: الســيد الخوئي، ويمكن ـ من جهة أخــرى، عنــدما نــدرس بعض منطلقاتــه وهواجسه ـ أن يشكل تراجعا عن المشروع النقدي عموما، الــذي عرفته الساحة اإلسالمية منذ الســتينيات. وبهــذا تظهــر بعض آثــار هذا التراجع في علم الحــديث والرجــال والنقــد الســندي، فيصــبح الوثوق بالحديث واالطمئنان النفســي النــاتج عن الســياق المشــارــارمة إليه هو البديل عن معايير كان السيد الخوئي قد افترضها ص

من قبل.ـاب ـ لقــد الحظنــا في الفــترة األخــيرة كيــف أن بعض الكتــات أو ــار بعض الروايـ ــق الكالم باعتبـ ــاحثين يطلـ ــاء والبـ والعلمـــوع إلى ــدما يتم الرج ــا، وعن ــاء تواتره ــتى ادع ــل ح ــحيحها، ب تص المصادر الحديثية والرجالية تحصل المفاجأة؛ إما بعدم وجود ســند أساسا لهذه الروايات؛ أو بعدم صحة الســند حتى عنــد االتجاهــات



الرجالية غير المتشددة في النقد الســندي. وأعتقــد أن ذلــك نــاتجعن حالة االطمئنانات النفسية المشار إليها.

ــة لنتــاج الســيد إن ما نميــل إليــه هــو تشــجيع الحركــة النقدي الخوئي، ومحاولــة التقــدم خطــوة إلى اإلمــام في هــذا المضــمار. فالمعايير الحديثية والرجالية للسيد الخوئي ال تخلــو من مشــكالت تبدت لنا في جهود غير واحد من النقاد الــذين جــاؤوا بعــده. لكننــا نتحفظ عن أن تكون منطلقاتنا في عملية النقد والتعرية هــذه هيــة والخصوصــية؛ ألن هــذا ســوف ينقلنــا من ســياق هــواجس الهوير فكري منتج إلى سياق انغالق غير سوي في األمور. فــالجمع تحرـة النقديـــة في ذاتهـــا والتخلي عن هـــذا النـــوع من ــ بين العملي المنطلقات فيها هو السبيل األصح في التعامــل مــع اإلرث الكبــير

الذي تركه لنا السيد الخوئي رحمه الله تعالى.

ـ العـدد التاسع عشر، السـنة الخامسة، صيفاالجتهاد والتجديد12هـ1432م ـ 2011

موسيقى القرآن، النظم والجاذبية: قراءة في تجويز الموسيقى الهادفة•

موسيقى القرآن، النظم والجاذبيةقراءة في تجويز الموسيقى الهادفة

(*)الشيخ محمد هادي معرفة

ترجمة: نظيرة غالب

مقدمة لقــد اقتضــت القــدرة اإللهيــة أن تجــري ســنن اللــه في هــذا الكون، واقتضت حكمته أن يغشي جالئل أســراره بأســتار ال تخلــو

هــدى|من متعــة وجمــال. فهــذا القــرآن أنزلــه على نبيــه الخــاتمعا ومرشــدا. ولم للبشرية، تجد فيه ما يحملها نحو الكمــال، مشــر تكن الكلمات والعبارات وحدها مظهر إعجــازه، بــل كــانت أنغامــه وأصواته مظهر اإلعجاز، ومظهــر القداسـة فيـه. فقــد نقــول: فيـه كلمات وأصوات فنكــون قــد أحــدثنا ثنائيــة اعتباريــة في الوصــف، لكن الحقيقــة أن ال ثنائيــة، بــل هنــاك وحــدة خارجيــة بين الكلمــة والصوت؛ ألنه ال يمكن التفكيــك بينهمــا في الوجــود، وفي الغايــة. فكمــا أن الكلمــات معجــزة في معانيهــا فهي كــذلك معجــزة في نظمها، فأصواته ونغماته، ككلماته وعباراتــه، كلهــا تحلــق بــالنفس نحو السماء، حيث الصــفاء والطهــر، حيث ال وجــود إال وجــود اللــه تعالى. كلماته ونغماته أمسكت ألســن أربــاب البالغــة والفصــحاء، فلم يجدوا قبلها سوى أن يخــروا إلى األرض، معــترفين بإعجــازه، ومقرين له بعلو وشرف المكانة. لقد تحــيرت قلــوب العــرب فيــه منذ البدء، كيف به اآلذان يصدون، وأي قول بــه القلــوب يمنعــون،

أحد أبرز علماء القرآنيات في القرن العشرين، فقيه)*( * معروف، وصاحب مؤلفات كثيرة في الدفاع عن القرآن

هـ.1427وصيانته من التحريف. توفي عام ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

13هـ1433م ـ 2012

الشيخ محمد هادي معرفة•

فقالوا: شعر، ال بل هو أعذب من الشعر، فقالوا: سحر وأي سحر ، فأبت قلــوبهم ذلــك، ليقولــوا(1)هو؟! و»إن من البيان لسحرا...«

في صمت ـ بعد أن أعيتهم المذاهب ـ: ليس بقول بشر. |القرآن وفصحاء عصر الرسول األكرم

لقد رتبت الكلمات والعبارات في القرآن، وتم نظمها، بحيث ترى فيها انسيابا، ووحدة، وانسجاما، وتآلفا، ال نظير لها وال مثيــل، بل إن حروفه وكلماته من حيث امتدادها الصوتي تسير وفق لحن وموسيقى جذابة تظهــر ـــ بحــق ـــ ســماويته، وأنـه ليس من صـنع

البشر. فــرغم تحلي القــرآن بخصوصــيات »الكالم المنثــور« إال أنــهــاب شبيه إلى حد كبير بالكالم »المنظوم«، ورغم كونه يحمل خطــه ــؤثر في النفس بحيث تنجــذب إلي ــه ي ــترهيب إال أن ــترغيب وال ال كانجذاب المسحور إلى الساحر، مع وجود الفارق؛ فاألول انجذابنحو الحق، نحو الله؛ واآلخر انجذاب نحو الباطل، نحو الشيطان .

والقرآن بما له من خصوصيات في النظم وتــرتيب الكلمــات والعبــارات قــد أدخــل على اللغــة العربيــة أنماطــا جديــدة في األسلوب وطرق النظم، حيث عرض للعالم أجمع نمطا جديدا فيــل النظم والتأليف فاق ما علموا به في النثر والشعر، وهو ما أدخ

المتكلمين بالعربية، وكل البشرية، في دوامة الحيرة والتعجب . فهذا »الوليد بن المغيرة«، وهو من أربــاب عصــر الجاهليــة، وفطاحلة لسانها، وقف عاجزا أمام ما سمعه من اآليات، فلم يجد ما يقوله ســوى إقــراره : »فيــا عجبــا لمــا يقــول ابن أبي كبشــة ـ

ـ، والله ما هو بشــعر، وال بســحر، وال بهــذا من|يقصد رسول اللهالجنون، وإن قوله لمن كالم الله«.

فلما سمعت قــريش مقالتــه في حــق القــرآن غضــبت منــه، وسألته عن سبب قوله كالما يؤلب القوم عليهم، ويعلي من شــأن

ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، ربيع االجتهاد والتجديد14هـ1433م ـ 2012


، والله| وأصحابه؟ فأجابهم: »لقد ذهبت البارحة إلى محمد|محمد لقد سمعت منه كالما مــا هــو من كالم اإلنس، وال من كالم الجن،

وإن له لحالوة، وإن عليه لطالوة، وإنه ليعلو وال يعلى عليه«. وقبل أن يحل موسم الحج ذهب صــناديد قــريش إلى الوليــد، فهم يرغبــون في بن المغيرة، يطلبون منه أن يجد لمعضلتهم حال

،|إيجاد حيلة يمنعون بها النــاس من االلتفــاف حــول النـبي األكــرم فقالوا له : ماذا نقول في ما يتفوه به محمــد من دجــل؟ مــاذا لــو تقول بأنه كالم ساحر؟ فأجابهم : لقد سمعت همهمــات الســحرة، وكالم محمد ال يشبهها أبدا، فقالوا: إذا قل: هــو مجنــون، فأجــاب: أبدا، ما رأيت فيه هيجان المجنون، فقالوا: إذا إنه ساحر، وإن هذار مليــا: خــداع الســحر أعرفــه من صنع ســحره، فقــال بعــد أن فك جيدا، فقد رأيته بأم عيني، وســمعته، ومــا ينطــق بــه محمــد أعلىــات مجنـــون أو ــون ترهـ ــحر، وأعظم من أن يكـ ــل من السـ وأجـــد، مشعوذ، فقالوا: فماذا إذا؟ فقال: كل ما تقولونه لن يصدقه أح وسيجعلكم محط السخرية واالســتهزاء بين النــاس . وإذا كــان وال بد فقولوا: إن هو إال سحر يــؤثر؛ ألن كالمــه يفعــل في النفس مــا يفعلــه الســـحر، فقــد فــرق بين األبنــاء وآبــائهم، وبين النســاءــة يمكن وأزواجهن، وفصل األفراد عن قبائلهم... ومن هــذه الزاوي

.(2)عد كالمه ـ القرآن ـ سحرا ودجالــد من مثــل هــذه المواقــف ــنزول العدي وقــد شــهد عصــر ال والتحركات، التي تكشف في الجملة عن اضطراب وخــوف عــرب الجاهلية، وكيف أنهم وقفوا عــاجزين أمــام القــرآن، ال يجــدون مــا يقابلونه به، وهم أهل الفصاحة والبالغة. فقد سجل التاريخ أسماءــار، ــعرائها الكب ــرب وش ــراف الع ــد من أش ــانت تع ــيات ك شخص والمتضلعين في صناعة الكالم ونظمه، أمثال: »طفيــل بن عمــر«



و»النضر بن حــارث« و»عتبــة بن ربيعــة«، وهــذا األخــير كــان من الكهنة، وكان يتمتع بمكانة خاصة بين عرب الجاهلية، وغــير هــؤالء

ــأن(3)كثير ، كلهم عبروا عن عجزهم، وخروا إلى األرض معترفين بال قدرة لهم على المقاومة والمواجهة بالمثل...

وقــد ذكـــر القــرآن على ألســـنتهم مـــا كـــانوا يجدونــه منــانوا يعيشــونه من االســتقرار النفســي أمــام االضــطراب، ومــا ك

ــل﴿القرآن، قال تعالى: بل قالوا أضغاث أحالم بل افتراه ب(.5 )األنبياء: ﴾هو شاعر

وقال في الوليد بن المغيرة، الذي يعبر في حقيقة األمــر في موقفه عن موقــف العديــد من صــناديد العــرب آنــذاك، ومن كــان

تكبر ﴿على ملتهم: حر*ثم أدبر واســ ال إن هــذا إال ســ فقــ(. 24 )المدثر: ﴾يؤثر

وفي تأنيبهم وتوبيخهم على عدم تــدبرهم، ومقايســتهم الــتي تكشف في حقيقتها عن افتقارهم للحكمــة والبصــيرة، وافتقــادهم

ــالى: ــال تع ــة، ق رون﴿للحج ــ ــذا أم أنتم ال تبص حر ه ــ ﴾أفساعر قليال مــا تؤمنــون﴿(،ــ 15)الطــور: ول شــ ﴾وما هــو بقــ(.41)الحاقة:

لقد تحدث الله سبحانه وتعالى عن الفيصل بين القــرآن ومــا وصفه به عرب الجاهلية وكفار قريش آنــذاك، وكــان قولــه فصــال، وقضى بأنه ليس بسحر، وليس بشعر، بل هــو شــيء آخــر، وليس بسجع الكهنة، وليس من صناعة البشر، شيء جديد أعلى وأعظم مما تعرفه اإلنسانية على مر التاريخ من أنواع الكالم والخطابات. جاذبيته تشــدهم إليــه، وتأللــؤه زرع الــرعب في قلــوبهم، فوقفــوا وجلين، وغطوا عن مشاعرهم تلك، وما يعانونــه من العجــز قبلــه، مرة بقولهم: إنه شعر؛ وأخرى سحر، وهم أكثر الناس معرفة بأنه



ال هذا وال ذاك، هــو أشــعر من الشــعر، وأســحر من الســحر، لكن كفر قلوبهم، وعمى بصيرتهم، ألجم ألسنتهم عن قــول مــا أقــرت به عقولهم، فأنى لهم ما يحكمون، وقــد عيــوا بــه وهــو منهم على

مام!! طرف الث

القرآن في عيون أدباء العصر أدباء العصر ومن يزاولون صــناعة الشــعر أو الكتابــة يتبنــون نفس رأي أســالفهم في نظــرتهم إلى القــرآن، فكلهم يــرون فيــه تناسق الموسيقى الصوتية للحروف والكلمــات، أعلى من الشــعر وأفصح من كل كالم، ال نظير له وال مثيل، إنه بحق كالم الله مبدع

كل الكون، وخالق كل لسان. وفي هــذا المضــمار يقــول األســتاذ محمــد عبــد اللــه دراز : »...دع القارئ المجود يقرأ القرآن، يرتله حق ترتيله، نازال بنفســه على هــوى القــرآن، وليس نــازال على هــوى نفســه، ثم انتبــذ منــه مكانا قصــيا، ال تســمع فيــه جــرس حروفــه، ولكن تســمع حركاتــه وسكناته، ومداتها وغناتها واتصاالتها وسكتاتها، ثم ألق سمعك إلى هذه المجموعة الصوتية وقد جردت تجريدا، وأرسلت ســاذجة في الهواء، فستجد نفسك منها بــإزاء لحن غــريب عجيب ال تجــده في د هذا التجريد وجــود هــذا التجويــد. ســتجد اتســاقا كالم آخر لو جر وائتالفا يســترعي من ســمعك مــا تســترعيه الموســيقى والشــعر، على أنه ليس بأنغام الموسيقى، وال بأوزان الشعر، وســتجد شــيئاــا أنت من ــعر...، بينم ــيقى، وال في الش ــده في الموس ــر ال تج آخ القرآن لو أن آية منه جاءتك في جمهــرة من األقــوال لــدلت على

. (4)مكانها...«ــأن: كذلك وجدنا األستاذ محمود مصطفى يقول في هذا الش



إنه قد أدرك وهــو في ســن الصــغر أن لكلمــات القــرآن وعباراتــه موســيقى داخليــة خاصــة، والــتي لعمــري هي أعظم أســرار هــذا الكتاب المقدس، فهي بادية يشعر بها كل من يســتمع آياتــه تتلى، فقد تم نظم عباراتـه وآياتـه وفـق نســيج فـني في كامـل الروعـةــة والجمال، وكانت األلفاظ ـ والتي تحمل في ذاتها موسيقى خاص بهــا ـــ قــد وضــعت إلى جــانب بعضــها اآلخــر، فتكــاملت الصــورة، وانسجم اإليقاع، وأتت الموجات الصوتية مناسبة للصــورة الفنيــة، ولمــا تحكيــه الكلمــات والعبــارات، فصــرت تقــرأ وفي نفس اآلن الصورة حاضرة أمامك كأنك تعيش األحداث في واقعيتها، فال هــو

يشبه النثر، وال هو يشبه الشعر . ويضيف: إن الفرق واضح بين تلــك »الموســيقى الخارجيــة« الــتي يتمتــع بهــا الشــعر والنــثر األدبي، والــتي هي نتــاج الصــناعة والتكلــف، حيث يتم تركــيز كــل الجهــد في إيجــاد القافيــة والنظم المناسب؛ ألنهــا المقومــات الذاتيــة للشــعر...، وبين »الموســيقى الداخلية« في القرآن، التي حصلت من جعل األلفاظ ونظمهــا في سياق خاص جعل العبارات واآليات تترنم وفق موسيقى منسجمة اإليقاع، ال تشعر فيها بأي نوع من التنافر، بل كل ما تراه وتسمعه هو التــآلف واالنســجام، وكــأن الكلمــات وإيقاعهــا صــوتي حبيــبين تعاهــدا وعــد وفــاء أن ال انفكــاك. بــذلك اختلــف القــرآن عن كــل

. (5)أشكال الكتابة األدبية... أما السيد قطب فقد أعطى للتصور الفني، ولجــانب اإليقــاع والموسيقى الداخلية للكلمات والعبارات في القرآن، معــنى آخــر،ــة تكشــف بحــق عن عمــق ــات فني ــا بموســيقى ونغم ــر عنه وعب إحساسه وتأثره بهذه النغمــات واإليقاعــات الداخليــة في القــرآن. فقــد كتب يقــول : »وصــدق القــرآن الكــريم، فليس هــذا النســق



شــعرا . ولكن العــرب كــذلك لم يكونــوا مجــانين، وال جــاهلين بخصائص الشعر، يوم قالوا عن هذا النسق العالي : إنه شعر. لقد راع خيالهم بما فيه من تصوير بارع، وسحر وجدانهم بمــا فيــه من منطق ساحر، وأخــذ أســماعهم بمــا فيــه من إيقــاع جميــل، وتلــك خصائص الشعر األساسية، إذا نحن أغفلنا القافية والتفاعيل. على أن النسق القرآني قد جمع بين مزايا النــثر والشــعر جميعــا. فقــد أعفى التعبير من قيود القافية الموحــدة والتفعيالت التامــة، فنــال بذلك حرية التعبير الكاملــة عن جميــع أغراضــه العامــة، وأخــذ في الوقت ذاته من الشعر الموسيقى الداخلية، والفواصــل المتقاربــةــني في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية المتقاربة التي تغ عن القوافي، وضم ذلك إلى الخصــائص الــتي ذكرنــا، فنشــأ النــثر

. (6)والنظم جميعا« كذلك كان رأي األستاذ مصطفى صادق الرافعي، حيث قال: »حين قرئ القرآن على العربي أدرك أن حــروف كــل كلمــة منــه وكلمات كل جملة وعبارة منه تحمل في ذاتها نغمة وإيقاعا عاليا، بحيث إنها في نظمها البديع داخل القرآن، وفي شكل وضــعها إلى جانب بعضها البعض، كأنها في نغماتها »قطعة موســيقية«، تصــعدــم. فيها النغمة وتنزل بشكل منسجم يسري في الروح كأنه البلس إن كل من من عليه من طــرف الــرحمن باستشــعار بعض أســرار موسيقى القرآن وفلسفتها يقر معترفــا بــأن ال شــيء في الوجــود مثل القرآن، بكلمات تنساب في انسجامها مع بعضها البعض، منع، تشعر كــأن المســألة دون أن تشعر أن هناك أدنى تكلف أو تصن تنساق وما تخلفــه في النفس من أثــر لتجعــل النفس تستشــعرها جزءا من طبيعتها، وشيئا ينسجم وفطرتها نحو الكمال، وأن إيجــاد هذا االنسجام مع الكيفيات النفســية ال يمكن أن يكــون من إنجــاز



البشر، وال أن يكون في مقدور البشر ـ مهمــا عال شــأنه في الفن وصناعة الكالم ـ أن يوجد مثــل القــرآن، وأن يجعــل كالمــه ينطــق بهذه النغمات وهــذا اإليقــاع العجيب والمعجــز الــذي يتعــالى على الموسيقى، وليس بالموسيقى التي نعرفها. لم يخف على العرب،ــا، ال عن تعلم، ولكن عن ــاطقين بهـ ــة والنـ ــحاب العربيـ وهم أصـ سليقة، هذا البعد الخاص بالقرآن، ولذلك هم يقرون أن ال مقاومة لهم أمامه، وأن أنفسهم تعترف بأن االنجذاب نحــو هــذا الخطــاب

.(7)السماوي نور حق ال يقبل المقاومة، وال يستطيعون له سبيال فالشـــعر شـــعر بلحـــاظ كونـــه يتحكم في الشـــعور، يوجـــد انفعاالت نفسية وهيجانا روحيا، فلــه القــوة في إيجــاد ردات فعــل نفســية وفــق مــا يريــد، ونحــو االتجــاه الــذي يريــد. فعنــدما تلقى القصيدة الشعرية بصوت دافئ، وبنغمــات رقيقــة تســحر القلــوبر بشــكل عميــق على القلــوب، وبالتــالي على وتخلــق جلبــة، تــؤث

العقول. فمن خصوصــيات الشــعر الــتي تمــيزه عن بــاقي الصــناعات الكالمية طرق نظمه وتأليفــه، ونمطــه وبنيتــه األساســية، ونغماتــهــتي يتم ــات ال ــذي يكــون للكلم ــاع ال ــة، واإليق وموســيقاه الداخلي انتقاؤهـــا، بحيث تضـــفي روحيـــة خاصـــة على أبياتـــه وعباراتـــه، فالكلمات تترنح في نغماتها بين الشدة والرقة، وكل في موضــعهــا المناسب، إلى جانب ما يتناسب معه، بحيث تجد أن الواحــد منه يطلب قرب اآلخر ووصاله... كل هذه العناصر تتواصل فيمــا بينهــا

وتلتحم، لتشكل وحدة منسجمة ال مكان للنفور بينها. ــوادي، فالشعر تنساب عباراته وكلماته كانسياب الماء نحو ال فتراه يسير كالمحتسي كأسا يترنم من الثمالة، إذا لقيـه انخفــاض أو ارتفاع المسها بعطف، كلمسة األم الحنون وجنــتي رضــيعها، أو



كأنه نسيم الصباح ينساب بين األشــجار واألغصــان فتبادلــه الوجــد بالهبوب، وتتفتح البراعم لقطرات نداه كأنها ثغــر إليــه من نشــوته يبسم، فتارة كالنسمة وتارة لعوبا، كــذلك هــو الشــعر العــذب يمأل

تلك القلوب فما يجد منها سوى الخضوع. القرآن الكريم له مثل ذلك، لكنه أســمى من الشــعر، وليس بالشعر، لكن له نظما ليس له أوزان، لكن فواصله سجدت أمامها

، وليس بالسجع، هو نثر، وهو(8)كل القوافي، وانحنت إكبارا وإجالال قصيدة نثرية، وكالم في شكل السجع، وليس بذلك، له مزايــا كــل أنواع الكالم، لكن ليس فيه قافيــة الشــعر وال تكلــف الســجع، بــل نستطيع أن نقول: هــو كــل ذاك، ويختلــف عن كــل ذاك، أخــذ من

النثر جالله، ومن الشعر جماله ومتعته. القرآن في سبكه وفي بنائه شيء جديد، وبذلك خلق طفــرة في الثقافة العربية، أبهــر عقــولهم، وأعجــز أفــواههم، وأعجــز منــل أتى بعدهم ومن سيلحق بهم. فالكل يعترف أن له جاذبية ال تقب المقاومة، يزرع في النفس االطمئنان، ويدعو الفطــرة، فتجــد لــه معها انسجام، متوافق مع كل ما في الكون، يخاطب الوجــدان فال تجده يلوح له باألسرار، بل كل شيء فيه ينفتح، فوحده القرآن له مفتاح شفرة الوجدان، كذلك النفس بمــا هي عليــه من الغمــوض واألسرار ال يملك مفتاحها سوى القرآن، وهو الوحيد الــذي يعــرفــأقرت ــبرزخ ف ــالم ال ــا في ع ــد خاطبه ــا؟ وق ــف يخاطبه أين وكي

واعترفت، ويخاطبها في عالم المادة فتنصاع وتلبي داعي الله . القرآن أكثر نظما من السجع، وأكثر سحرا من الســحر؛ ألن السحر يغالط الخيــال بالمغالطــات، بينمــا القــرآن يصــارح العقــل والوجدان بــاليقين والقطــع. لــذلك يــزول ســحر الســاحر، وخســر



هنالك المبطلون، وتســرمد ســحر القــرآن، لــيرقى باإلنســان نحــوالكمال.

أين تكمن جاذبية القرآن؟ ــبك«، ــرآن في »السـ ــة القـ يكمن العامـــل المهم في جاذبيـ و»النظم«، و»الموسيقى«. هذه العناصر الثالثــة تشــكل القاعــدة األساس و»البنية السحرية والجاذبة« للقرآن الكريم. وتتميز هــذه العناصــر القاعــدة في كونهــا متداخلــة فيمــا بينهــا، بحيث ال يمكن تفكيك بعضها عن بعض، وال يمكن الحديث عن دور كل واحدة في

هذه الجاذبية بحيث تنفرد عن األخرى . ـــ الســبك يعــني )الصــياغة( وتشــكيل )الشــكل الهندســي(1

للكالم أو الخطــاب. والقــرآن قــد أتى بســبك وصــياغة لم تعهــدها القريحة األدبية في المجتمع العــربي خاصــة، والمجتمــع اإلنســاني عموما. فصياغة الكالم في القرآن شيء جديــد امتــاز بأنــه يحمــل مزايا الشعر والسجع، لكنــه ليس شــعرا، وال ســجعا، كمــا أســلفناــوزن، وليس األوزان بمــا هي ــد أخــذ ال ــرة. ق ــثر من م ــول أك الق عروض الشعر؛ ألنــه اســتغنى عن القــوافي بالفواصــل، وجــاء في

مستوى أرقى من الشعر والسجع والنثر األدبي. ــــ النظم، وهـــو الربـــط بين الحـــروف في الكلمـــة، وبين2

ــة وفي الســورة، كنظم الكلمات في الجملة، وبين الجمل في اآلي اللؤلؤ في العقــد، وهــو أن تضــع األلفــاظ بعضــا إلى جــانب اآلخــر بـالتبع، وبشــكل يـراعي التناسـب بينهـا، بلحـاظ النغمـة الصـوتية، وبلحاظ ما تحمله الكلمات من تراتبيــة الخصوصــيات في المعــنى والشكل. ولعل القــول برعايـة النظم في الشــعر قـد يكـون أمـراــراعى طبيعيا باعتبار النظم من المقومات الذاتية للشعر، أما أن ي النظم في نثر تختلف مواضيعه وتتوسع أبعاده المفهوماتيــة، فهــذا



على الظاهر شيء في غاية الصعوبة، لكننا نرى أن القرآن، الــذيــل اختلف عن الشعر من حيث األوزان والعروض، قد أتى في كام النظم وأبهــاه. ففي كــل جملــة وفي كــل تــركيب نحن أمــام نظم وتأليف متجانس ومنساب، تتشكل في جمله الكلمات كأنـك أمـام لوحة فنية رسمت في عالم حيث ال ريشة ألوان وال أنامــل فنــان، وتسمع إلى نغمــات حــروف كلماتــه كأنــك تســتمع إلى ســيمفونيةــه ــارك الل ــان، »فتب ــالم حيث ال إنس وال ج ــا في ع ــزف أوتاره تع

أحسن الخالقين«. ـ الموسيقى هي ألحان ونغمات الكلمات والعبارات، والتي3

ــارات أوجدت االنسجام بين السبك والنظم. فصياغة الجمــل والعب في القرآن، مع مراعاة النظم المعجزة، أوجدت موسيقى ـ ونحن هنا نعبر عن النغمات واإليقاعات الصوتية في القرآن بالموســيقى تسامحا، وإال فإن ما نسمعه من أصــوات في القــرآن هي لعمــري أعظم وأجمل مما يمكن أن توحي به لفظــة الموســيقى ـــ، ونحنــة ــع بين الحماس ــد« و»اللين« تجم ــروف »الم ــف أن ح ــرى كي نــه ــتمع إلي ــق في نفس المس ــرآن، فتخل ــاء تالوة الق ــييج أثن والته النشوة واالبتهاج، وإظهــار هــذه المحاســن الصــوتية للحــروف منــاس؛ ألن ــون القــرآن على مســامع الن ــذين يتل واجب القــراء، وال

صورتها وجمالها تظهر مشافهة . وبهذا اللحاظ فإن على قارئ القرآن أن يكــون على معرفــة كاملــة بقواعــد التجويــد، وفن القــراءة، وأن يقــف على أســرارها؛

حتى يعمل على إظهار اإلعجاز البياني للقرآن بشكل دقيق . القرآن خطاب بليغ وفصيح، وبموسيقى ساحرة كــل الســحر والجمال، والواجب إخراج هــذه الخصوصــيات وإبرازهــا إلى عــالم الظهور، وأن يتمكن القارئ من خالل هذا اإلبــراز من تملــك فــؤاد



ــات ــا في قبضــة اآلي ــه، ويجعله ــه إلي ــذب روح المســتمع، وأن يج والعبارات القرآنية، وبالتالي يجعلهــا تتجــرد عن عــالم المــادة إلى عــالم المعــاني والمفــاهيم، ومن ثم يعيش بحــق مقولــة »إن من

البيان لسحرا«.

نغمات القرآن إن نغمــات الحــروف وموســيقى الكلمــات في القــرآن تبعث على خلــق الفــرح والســرور في النفس، وتــزرع فيهــا االطمئنــان واإلحســاس بــاألمن، وتــدفع عن النفس كــل مشــاعر االضــطراب الالاستقرار والخوف الذي ينتابها من المجهول، لتجعلها تحلــق في عــالم االســتقرار والثبــات، عــالم المعــاني، حيث تنكشــف حقيقــة الطريق، وتتضح معالمها، فيزول كــل ذلــك الضــباب، ويرتفــع كــل

اإلبهام والغموض. ــل في وجودهــا الحقيقي غــذاء الــروح، إن نغمات القرآن تمث تفتح أمــام النفس اإلنســانية األمــل، وتمنح اإلنســان الســعادة، وترفعه إلى مستوى الطهارة والقداسة، من دون أن يكــون مــدينا

. سوى الطاعة لها بشيءــة والموســيقى ــاذا تبقى هــذه النغمــات األبدي والســؤال: لمــدا ال يجب ــاول؟ أب الروحية مستورة عن القلوب، وخفية عن المتن أن يكون الموقف كذلك، بل يجب إظهارهــا، وإخراجهــا إلى عــالمــا اآلذان ــرقى به ــا النفس اإلنســانية، وت ــع به ــورات، أن تتمت الظه السامعة إلى حيث الكمال. إن الواجب يفــرض على الجميــع ممن لهم المعرفــة بهــا أن يجعلوهــا في متنــاول البشــرية، أن يفهموهــا

للناس، وأن يجعلوها تعيش الخلود، وهو حقها الطبيعي. والمالحظ أن األحاديث النبوية قــد كــثر فيهــا األمــر بتحســين



الصوت في قــراءة القــرآن، وأن يكــون صــوت القــارئ بــه حســنا : »لكــل شــيء حليــة، وحليــة القــرآن الصــوت|ومؤثرا، فقــد قــال

الحسن«.عر الحســن، وفي حديث آخــر: »إن من أجمــل الجمــال الشــعر« كمــا يحتمــل ونغمــة الصــوت الحســن«. وقــد قــرئت »الشــ

عر«؛ باعتبار قرينة الصوت الحسن، ولم يرغب في الصوت|»الشقا بقــراءة القــرآن . وعن اإلمــام محمــد البــاقر :×الحسن إال متعل

»ورجع بالقرآن صوتك، فإن الله يحب الصوت الحسن يرجــع فيــه.(9)ترجيعا«

بل نجد األمر يتخذ بعدا آخــر في هــذه األحــاديث والروايــات، حيث ينفي االنتماء إلى اإلسالم عمن لم يحسن صــوته في قــراءة

،(10)القرآن. ومن هذه الروايات : »ليس منا من لم يتغن بالقرآن«و»تغنوا بالقرآن، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا«.

ولعل التقنية الصحيحة هو أن يتم تعلم فنون الموسيقى قبلــع في االنتقال إلى تعلم قراءة القرآن، وهــو نفس األســلوب المتب مصر، فالقــارئ الــراغب في االنتمــاء إلى »دار القــرآن« مطــالب بالحصول على شهادة من »دار الفنون«، بمعنى أن قارئ القــرآنــد أن يكــون على اطالع كامــل بفنــون الموســيقى ونغماتهــا الب المختلفـــة، فاالســـتفادة من هـــذه النغمـــات في القـــرآن شـــيء مستحسن ومطلوب، ومن ليس له الحس الفني ال يمكن أن يجودــاز ــر المحاســن الصــوتية واإلعج ــوه بحيث يظه ــرآن أو أن يتل الق

البياني له . والسؤال الــذي يطــرح نفســه : مــا هــو المســوغ الــذي من خاللـه يتم الـتراجع عن قـراءة القـرآن بالصـوت الحســن، ويعمـل بالتالي فيـه على اسـتبعاد النغمــات الصـوتية للحـروف والكلمــات



القرآنية، ممــا جعــل مســألة قــراءة القــرآن ال تختلــف عن قــراءة باقي النصوص والكتب، ويالحظ بالفعل خروج قــراء إلى المجتمــع يقــرؤون القــرآن قــراءة ال تخضــع لــوزن أو لحن، ممــا جعــل من مسألة »اإلعجاز البيــاني« مســألة ثقيلــة على اآلذان، والقلــوب ال

تطيق االستماع إلى قارئ القرآن من دون استحسان؟!الموسيقى من وجهة نظر الفقهاء

مة لذاتها حتى نبحث عن مجوز إذا تعلق هل الموسيقى محر األمر باستثناءات مثل تالوة القرآن، والحدي، وحفالت العرس، أم أن الموسيقى ليســت محرمــة إال إذا قــرنت بمــا يجعلهــا من نــوعــراف األخالقي »اللهو« و»الباطل«، والتي هي ضمن عوامل االنح

وما يتبعه من انحراف في التدين؟ إن إطاللــة على المســائل المرتبطــة بهــذا الموضــوع تضــعنا أمام عناوين تأخذ موضع الموسيقى، وتنطلــق في توصــيف الحكم الشرعي من خالل العنوان الجديد، بدل العنوان األصــل »اللغــو«،

»اللهو«، و»الباطل«. وهــذه العنــاوين الثالثــة تعــني في حقيقتهــا االنشــغال بــأمور عبثية، خالية من كل فائدة، ال يقصد منها ســوى الترفيــه، الــذي ال يجلب مصلحة، ويشغل قلب وفكر اإلنسان عن األمور الجدية، والــذة تجلب ــوال ناف ــون في أغلب األح ــل يك ــه، ب ــرجى من ــة ت نتيج الويالت، وتســقط من قيمــة اإلنســان ومن شــرفه، كمــا أن اللهــو واللغــو والباطــل يكــون مانعــا من وصــول اإلنســان إلى الســعادة

األبدية، وحجر العقبة في طريق الترقي واالستكمال.

تفصيل المجمل أتى لفظ »الزور« في اللغة بمعنى الكــذب؛ ألنــه مائــل عن طريق الحق، وزور الشيء في نفسه...يعدل به عن طريقة تكون



.(11 )أقرب إلى قبول السامع« وقد رأينا في الروايـات أن أحـد مصـاديق »الـزور« مجـالس الغنــاء والطــرب الــتي كــانت ســائدة في زمــان دولــة العباســيين، والتي تعتبر أكــبر عامــل لالنحــراف، وعــامال في انشــغال الطــاقم الحكومي، الذي بــدل أن يســهر على خدمــة الرعيــة وحفــظ البالدــالي الحمــراء، ويمــرح في ــان يقيم اللي ــة ك ــدبير شــؤون الدول وت

مجالس الغناء والطرب. فعلى هذا النحو تكون مجالس الغناء والطرب قد اســتعملتــين، أنواع الفحشاء والمنكرات، وتجد فيها العازفين من كال الجنس ويشاركهم القينات والمغنون. وكذلك كان الملوك واألمراء الــذين تسلطوا على رقاب األمة يقيمون تلك المجالس، والتي كانت في ظل تلك األجواء تكتظ بــأنواع الفســاد والمعاصــي الــتي يهــتز لهــا

عرش الرحمن. وممــا ال شــك فيــه فــإن الموســيقى في تلــك المجــالس لنــدعو تشتمل على ما يذكر بالله وبيوم الحساب، وبشكل عام لن تــك ــع في تل ــا يق ــا ســتكون من جنس م إلى مكــارم األخالق، وإنم المجالس من فساد وفحشاء، بل ســتكون الموســيقى عزفــا على أوتار إبليس، ودعوة إلى مزيد من المجون والفجــور، وهــذا النــوع من الموسيقى محكــوم بالحرمــة بشــكل قــاطع، ومصــداق كامــل

لقول »الزور«. في روايــات أخــرى وجــدنا التعبــير عن الموســيقى بـــ »لهــوــوبيخ ــد تمت مــذمتها وت الحــديث« أو »اللهــو« أو »الباطــل«. وق

والذين ال﴿فاعلهــا في العديــد من اآليــات، ومنهــا: قولــه تعــالى: وا كرامــا ــاللغو مــر وا ب ور وإذا مــر )لقمــان:﴾يشهدون الز

ماء واألرض﴿(ـ، 72 لو*وما بينهما العبين وما خلقنا الس



اعلين ذناه من لدنا إن كنا فــ ذ لهــوا التخــ *أردنا أن نتخــإذا هــو زاهــق بل نقذف بالحق على الباطــل فيدمغــه فــ

ا تصفون (.18 ـ 17 )األنبياء: ﴾ولكم الويل مم وفي هذه الروايات نالحظ ثمانية عناوين كلها قابلة لالنطباق على الموسيقى الحرام. ومع اإلشــارة إلى هــذه العنــاوين ال يبقى مجال إلعمال التعبد أو مصــادرة أي من االصــطالحات المــذكورة، بل إن غرضنا هـو بيـان »صـحة انطبـاق العنـاوين« على الغنـاء أو

عدم صحة انطباقها . ومن هذه الروايات: : »الغنــاء مجلس ال ينظــر اللــه إلى×ـ قال اإلمام الصــادق1

ــه عــز وجــل: ومن الناس من يشتري﴿أهله، وهو مما قال الل.(12)﴾«لهو الحديث ليضل عن سبيل الله

ـ روى الشيخ الصــدوق بإســناده عن محمــد بن أبي عبــاد ـ2 عن×وكان مستهترا بالسماع ويشرب النبيذ ـ قال: ســألت الرضا

ــز السماع؟ فقال: ألهل الحجاز )أو العراق( فيه رأي، وهــو في حيوا﴿الباطل واللهــو، أمــا ســمعت اللــه عــز وجــل يقــول: وإذا مر

وا كراما .(13)﴾«باللغو مر ـ عن يـونس بن عبــد الــرحمن يقــول : ســألت الخراســاني3

( عن الغناء، وقلت: إن العباســي ذكــر عنــك×)يعني اإلمام الرضا أنك ترخص في الغناء؟ فقال: كـذب الزنـديق، مـا هكـذا قلت لـه،

(،×سألني عن الغناء فقلت: إن رجال أتى أبا جعفر )اإلمــام البـاقرز الله بين الحــق والباطــل فسأله عن الغناء، فقال: يا فالن، إذا مي

فأين يكون الغناء؟ مع الباطل، فقال: قد حكمت«.ــيقى ــات أن الموس ــذه الرواي ــوع ه ــتنتجه من مجم ــا نس وم )الغناء( حرمت في الحالة التي تقترن فيهــا بواحــدة من العنــاوين التي تم ذكرهــا مقرونــة بهــا. ويالحــظ أنــه في كــل األســئلة الــتي



طرحت في الروايـات، ومـا أعطي لهـا من جـواب، أن االسـتدالل باآليات كان لغرض إظهار »علــة الحكم«، وبيــان أن الحرمــة إنمــا تنطبق على ما كان متــداوال حينهــا من »مجــالس الغنــاء«. ووفــق القاعدة األصــولية، الــتي تقــول: »تعليــق الحكم بالوصــف مشــعر بالعلية«، »أو قاعدة »مناسبة الحكم للموضوع«، فاألجوبة ضــمنــاء الروايات المذكورة لم تكن على سبيل اإلطالق، ليكون كل الغنــاوين( ــه إحــدى تلــك األوصــاف )العن ــل إذا انطبقت علي حرامــا، ب

المحرمة . ولمزيد من التوضيح نقول : إنــه لــو قــال: »نعم، الموســيقى حرام« فإن الحرمــة الذاتيــة للموســيقى ســتكون حينهــا مســلمة، لكن الجواب لم يكن بهذا الشــكل، وإنمــا كــان بشـكل آخــر، حيث أجــاب المعصــوم عن ســؤال المتســائل: »أال تعلم أن اللــه تعـالى جعل اللهو فسق واللغو باطــل«. لــذا فــإن الجــواب بهــذا الشــكل مشعر بعلية الوصف، بمعــنى أن الغنــاء إذا تلبس بــاللهو والباطــل حكم بالحرمة، أما أن يقال بإطالق حكم الحرمة تعبدا ـ كأن يقول القائل: ولو لم يكن الغناء من نوع الباطل واللغــو أو اللهــو فــإننيدا ـ فهذا موقـف يخــرج عن عــرف التعامــل أعرض عنه مطلقا تعب مع الظهــورات، كمــا أنــه يخــالف القواعــد األصــولية والمرتكــزات

العرفية. د مــا ذهبنــا إليــه من عــدم إطالق حكم الحرمــة ولعل مــا يؤيــاء ــ ــا من الغن ــ ــتثني أنواع ــ ــتي تس ــ ــات ال ــ ــة من الرواي ــ مجموع

)الموسيقى(. ومن بينها، على سبيل المثال ال الحصر: (×ـ عن علي بن جعفر أنــه ســأل أخــاه )موســى بن جعفر1

ــاد وحفالت ــاء )الموســيقى( في مجــالس األفــراح واألعي عن الغن.(14): »ال بأس، ما لم يعص به«×الزواج؟ فأجاب

أنه ســئل عن×ـ وروى أبو بصير عن اإلمام جعفر الصادق2



ــروس، وحيث ال األجرة التي تتقاضاها المغنية في حفلة عرس الع يتواجد فيه الرجال ـ بمعنى أن المجلس ليس مختلطا بين الرجال

.(15) بأنه ال إشكال فيه×والنساء ـ فأجاب

نتيجة البحث إن الموســيقى مــتى كــانت وســيلة لتعليم المعــارف اإللهيــة العالية أو تعريف النــاس بــاألخالق اإلســالمية فهي حينهــا ال تــدخل ضمن مجال اللهو، وليســت من اللغــو والباطــل. لــذا فــإن قــراءة القــرآن وفــق ألحــان ونغمــات خاصــة يــدخل ضــمن مســاحة

المستثنيات من الحرمة، بل تجري فيه أصالة الحلية والبراءة. كذلك تستثنى من الحرمة الموسيقى التي تقرأ بهــا األشــعار العرفانية، والتي بواسطتها تــبرز الجنبــة الجماليــة لمضــامين هــذهرة بشكل إيجــابي في اســتمالة األشعار، وتصبح ذات جاذبية، ومؤث

القلوب، وجلب توجهها نحو التسامي إلى العلو والكمال. ــة جــزء من وختاما أليس الصوت الجميل والموسيقى الجذاب مواهب الطبيعــة، وواحــدة من جماليـات هــذا الكـون البـديع الــتي يعيش اإلنسان في أحضانها، فتمأل عليه دنيا، وتوجهه نحن عظمــةــبر ــعادة أك ــل في طلب س ــه األم ــل تعطي ــون، ب ــذا الك ــالق ه خ وأجمل؟! فإن موهبة بهذه الرقة والجمال كفيلة إذا استعملت في طريق الحق بأن تحمــل القلــوب إلى طلب المعــاني، والــدفع بهــا إلى طلب كمالها، باالمتثـال ألوامــر اللـه واالنتهـاء عن نواهيـه في كل مــا جــاء بــه القــرآن في آياتــه وعباراتــه اإللهيــة، الــتي ال يتقن التعبير عنها سوى الصــوت الحســن، وبــاللحن الحســن، الــذي هــو جزء من هذا القرآن، وواحدة من نقاط اإلعجاز فيــه. فــإن إعجــاز القرآن يكمن في ما تراه العين من حروف، وما تسمعه األذن من أصوات ونغمات. والموسيقى جــزء من األمــور الفطريــة في هــذا



الكون، والعقــل ال يملـك أن يحـرم الفطـرة، ومـا حكم بـه العقـلحكم به الشرع، وإال صار التسلسل، وهو باطل.

الموسيقى جزء من النعم اإللهية الــتي زين بهــا هـذا الكـون، وزين بها كتابه المجيد، كما أنهــا واحــدة من الطيبــات الــتي أحلهــا

ــه التي﴿الله لعباده، حيث قال تعالى: ــة الل م زين ر قل من حــزق ــات من الــر وأتى الجــواب اإللهي:، ﴾أخرج لعباده والطيب

ــوم﴿ ة ي ــ ــدنيا خالص ــاة ال ــوا في الحي قــل هي للذين آمنر﴿ وقال تعالى: .﴾القيامة ــ م ربي الفواحش ما ظه إنما حر

ـ32 )األعــراف: ﴾منها وما بطن واإلثم والبغي بغير الحقــات يحكم العقــل33 ــرة الطيب ــدخل ضــمن دائ ــا ي ــذا فكــل م (. ل

والشرع بحليته، وكل ما يــدخل ضــمن دائــرة الفحشــاء، الــتي هي من مصاديق القبح والظلم، فقد حرمه العقل والشرع، وال استثناء

في الموضوع.

الهوامش


الشيخ محمد المؤمن القمي•

الغناء المحرممفهومه، حكمه، وحدوده

(*)الشيخ محمد المؤمن القمي

ترجمة: حسن علي مطر

مقدمة ال شك في أن الغناء قد أضــحى متعلقــا للحكم بالحرمــة في الشــريعة اإلســالمية. وهــذا مــا يثبت من خالل النظــر في كلمــات

. وفي هـذا المقــال^الفقهاء والروايات المــأثورة عن أهــل الــبيت سنتعرض في البداية لجانب من آراء الفقهاء والمجتهدين في هذا

الشأن، لندخل بعد ذلك في بيان الروايات المتعلقة بمحل بحثنا.

آراء الفقهاء في الغناء قال الشيخ الصدوق في )المقنع(: »إياك والغنــاء؛ فــإن اللــه

.(16 )توعد عليه النار«ــات وقال الشيخ المفيد في كتاب )المقنعة(: »وكسب المغني

.(17)حرام، وتعلم ذلك وتعليمه محظور في شرع اإلسالم«ــا، ــة األجــرة على غنائه ومن الواضــح أن حرمــة أخــذ المغني وحرمة تعليمه وتعلمــه، إنمــا هــو ألجــل حرمــة الغنــاء في نفســه. وعليه ستكون حرمة الغناء هي األصــل، وأمــا حرمــة هــذه األمــور

فهي متفرعة عن حرمته. وقــال الشــيخ الطوســي في بــاب المكاســب المحرمــة من

أحد أبرز الفقهاء في إيران، له دراسات اجتهادية كثيرة في)*( *مجال مستحدثات الفقه والقانون.


الغناء المحرم: مفهومه، حكمه، وحدوده•

كتاب )النهاية(: »وكسب المغنيــات وتعلم الغنــاء حــرام«. ويتضــح من هذا الكالم ـ كما بينــا ذلــك في ذيـل كالم الشــيخ المفيـد ـــ أنــاب )النكت(، ــه. وقــال المحقــق الحلي في كت ــاء محــرم لذات الغن

تعليقا على العبارة المتقدمة: »وعليه اإلجماع منا«. وقال أبو الصالح الحلــبي في كتــاب )الكــافي(: »يحــرم آالت المالهي، كالعود والطنبور والطبل والمزمار وأمثال ذلك، وإعمالها

.(18)لإلطراب بها، والغناء كله« وقال القاضــي ابن الــبراج في )المهــذب(: »فأمــا المحظــور على كل حال فهو كل محـرم...، ومــا جــرى مجــرى ذلــك...، على

.(19)اختالف وجوهه وضروبه، وآالت الغناء« وقـــال ســـالر في )العلويـــة(: »فأمـــا المحـــرم:... وكســـب

المغنيات«. وقال المحقق الحلي في )الشرائع(: »النــوع الرابــع: مــا هــو

محرم في نفسه، كعمل الصور المجسمة والغناء«.ــاء في كتـــاب الشـــهادات من )الشـــرائع(: »وهنـــا كمـــا جـ مســـائل: ...الخامســـة: مـــد الصـــوت المشـــتمل على الـــترجيع

المطرب، يفسق عليه، ورد شهادته، وكذا مستمعه«. ومن الواضــح أن المحقــق الحلي لم يــذكر في هــذه العبــارة

عنوان الغناء. ــا نص الشــارع وقال العالمة في )القواعد(: »النوع الرابع: م على تحريمــه عينــا، كعمــل الصــور المجســمة، والغنــاء، وتعليمــه، واستماعه، وأجر المغنية. وقد وردت رخصة في إباحــة أجرهــا فيــدخل ــالمالهي، ولم ت ــل، ولم تلعب ب ــرس إذا لم تتكلم بالباط الع

الرجال عليها«. وقال ابن العالمة )فخر المحققين( في كتاب )اإليضاح(، بعــد



نقل حرمة أخذ المغنية األجرة حــتى في غنائهــا في األعــراس عن ابن إدريس الحلي: »وهو ]أي اختيــار ابن إدريس[ األقـوى عنـدي؛ ألن هذه الرواية ـ أي الرواية التي تبيح أجر المغنيــة ـــ من اآلحــاد، فال يعارض الدليل المانع ـ أي الروايات التي تحــرم أجــرة المغنيــة

وكسبها بقول مطلق ـ؛ لتواتره«.ــع ]من أقســام ــاب )اإلرشــاد(: »الراب ــال العالمــة في كت وقــا هــو حــرام في نفســه، كعمــل الصــور التجــارات المحرمــة[: م

المجسمة والغناء«. وقــال الشــهيد الثــاني في )مســالك األفهــام(: »الغنــاء عنــد األصحاب ]فقهاء اإلمامية[ محرم، ســواء وقــع بمجــرد الصــوت أم

انضم إليه آلة من اآلالت«.ــافع(: »الخــامس: ــاب )المختصــر الن وقــال المحقــق في كت

األعمال المحرمة، كعمل الصور المجسمة والغناء«. وجاء في )الريـاض(: »والغنـاء، وهــو مــد الصـوت المشـتمل على الــترجيع المطــرب، أو مــا يســمى في العــرف غنــاء، وإن لم يطــرب، ســواء كــان في شــعر أو قــرآن أو غيرهمــا، على األصــح األقوى، بــل عليــه إجمــاع العلمــاء، كمــا حكــاه بعض األجالء، وهــو

الحجة«. ثم عمــد بعــد ذلــك إلى تعــداد الروايــات الدالــة على حرمــة

الغناء. وادعى اإلجماع على أصل حرمة الغناء. وقال السيد الخوانساري في كتاب )جامع المدارك(: »ولكن

ال خالف في حرمة ذلك...«. وقــال العالمــة الحلي في )اإلرشــاد(: »وتــرد شــهادة الالعب بالقمــار كلهــا، كــالنرد و...، وســامع الغنــاء. وهــو ]أي الغنــاء[ مــد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ـ وإن كان في القرآن ـ،



وفاعله«. وقال المقدس األردبيلي في كتـاب )شـرح اإلرشــاد(: »وأمـا الغناء فال شك في تحريم فعله وسماعه عندنا، لعله ال خالف فيــه،

وتدل عليه أخبار كثيرة«. وقــال بعــد ذكــره لعــدد من الروايــات: »ولكن اإلشــكال في معناه. المشهور في ذلك ما ذكره في المتن، من أنه مــد الصــوتـد ـ ــا قي ــحاب م ــرب... وبعض األص ــترجيع المط ــتمل على ال المش

بالمطرب؛ فيكون مطلقا حراما عنده، مطربا كان أم ال«. وعلى أية حال فعلى كال الفرضين فإن جميــع المعــاني الــتي

ذكرت للغناء لم تبين في الشرع، وال في اللغة.قال في القاموس: »الغناء ككساء، من الصوت ما طرب«.

ويفهم منه أنه مطلق الصوت المطرب، وحينئذ الحوالــة فيــه إلى العرف. من هنا فإن تعريف الغناء موكول إلى العــرف، فكــل ما يعد في العرف غناء يحرم فعله وســماعه مطلقــا، في القــرآن وغــيره، شــعرا وغــيره. وبالجملــة ال ينبغي الخــروج عن التفســير

المذكور، فإنه المشهور، وفسر به المصنف والمحقق وغيرهما. ومن الجدير بالذكر أن كالم المحقق األردبيلي هنا كالصــريح، ويدل على أنه ال شك ـ بل يبدو منــه عــدم الخالف أيضــا ـــ في أن الغناء بهذا المعنى قـد وقـع موضـوعا للحكم بالحرمــة. فاإلشــكال يكمن في معـــنى الغنـــاء، ال أن الغنـــاء ينقســـم إلى العديـــد منال، أو تحتمــل األقسام، يكون في بعضها محرما، وفي األخــرى محل

فيه اإلباحة. هناك خالف في الصوت الــذي يخلــو من الــترجيع والطــرب، فإننا في الحقيقة ال نعلم ما إذا كان عنوان الغناء ينطبق على هذاــا بانطبــاق تعريــف الغنــاء النوع من األصــوات أم ال، ولكن لــو تيقن



عليه فعندها لن يكون هناك خالف في حرمته. ومن هنا فإن كالم األردبيلي هــذا يشــكل قرينــة على مــرادهــا عن ــتي نقله ــاجر، ال ــاب المت ــة في كت ــارة العالم ــرح عب من شــوت اإلرشاد، حيث يقول: »قوله: )والغناء(، قيل: هو المد، )مد ص اإلنسان المشتمل على الترجيح المطــرب(. الظــاهر أنــه ال خالفــه، ــه، وتعلم ــه، وتعليم ــرة علي ــريم األج ــه، وتح ــذ في تحريم حينئ واستماعه. ورده بعض األصحاب إلى العرف، فكل مــا يســمى بــهــترجيع، وال على ــتمال على ال ــرام، وإن لم يكن مش ــو ح ــا فه عرف الطــرب. دليلــه: إنــه لفــظ ورد في الشــرع تحــريم معنــاه، وليس بظاهر له معنى شرعي مــأخوذ من الشــرع، فيحــال إلى العــرف. والظاهر أنه يطلق على مد الصوت من غير طرب، فيكون حراما؛ إذ يصح تقسيمه إلى المطرب وعدمه، بل ال يبعد إطالقه على غير

ر في الحلق، فينبغي االجتناب«. المرجع والمكرــذي علم ــه أن ال ــل وجه ــهر. ولع ــو األش ــف األول ه والتعري تحريمه باإلجماع هــو مــع القيــدين ]الطــرب والــترجيع[، وبــدونهماــل إن يبقى على أصل اإلباحة. ولكن مدلول األدلة أعم من ذلك، ب اإلجماع على حرمة الغناء، وتخصيصه بالقيدين المـذكورين بحاجـة إلى دليـل. وربمــا أمكن القــول بـأن األخبـار ليســت بحجــة، وإنمــا اإلجماع والشهرة مع القيدين ]الــترجيع والطــرب[، فال حجــة على

غيره، واألصل ]اإلباحة[ دليل قوي. إن مــراد المحقــق األردبيلي هــو أن بعض الفقهــاء قــد أخــذ قيدي الــترجيع واإلطــراب في تحقــق مفهــوم الغنــاء، وقــد قــامت األخبار واإلجماع على عنوان الغنــاء، إال أن اعتبــار هــذين القيــدينــذان ــون ه ــاء، فيك ــوم الغن ــد بعض المجمعين في مفه ــأخوذ عن مــذا اإلجمــاع إذا القيدان محتملين. وعليه ال مندوحة لنا من قبول ه



توفر على هــذين القيــدين. ولن تكــون الروايــات حجــة في غيــاب اإلجماع أو الشهرة. وليس مراده أننا إذا قبلنا بصدق عنوان الغناء

لن تكون هناك حجة عليه. ومن خالل توضيح عبارة المحقــق األردبيلي يثبت لنــا ضــعفــك، كالم صاحب )مفتاح الكرامة( إذ قال: »وما يقال في توجيه ذل كما في )مجمع البرهان(: إن الذي علم تحريمــه باإلجمــاع هــو مــا

قيد بالقيدين، وبدونهما يبقى على أصل اإلباحة، أوهن شيء«. إن هذا اإلشكال من قبل صاحب )مفتاح الكرامة( ناشئ عن سوء فهمه لمراد المحقق األردبيلي ـــ واللــه العــالم ـــ، فقــد قــال ــاء، نقال صاحب الحدائق بعد ذكره هذين التعريفين المتقدمين للغن عن بعض الفقهـــاء: »ال خالف ــــ على مـــا أعلم ــــ في حرمـــة

.(20)الغناء« وقال صاحب )الجواهر(: »ومنه أيضا ]أي من أنــواع التجــارة المحرمة في نفســها[: الغنــاء، بالكســر والمــد، ككســاء، بال خالفل والمنقــول[ عليـه. أجده فيه، بــل اإلجمــاع بقســميه ]أي المحصــــروريا في ــه ض ــوى كون ــل يمكن دع ــه...، ب ــواترة في ــنة مت والس

المذهب«.ف والفاضل وقال أيضا: »ال خالف في الغناء، وهو عند المصنــترجيع في )اإلرشــاد( و)التحريــر( مــد الصــوت المشــتمل على الــذا مســتمعه، بال خالف، المطرب، يفسق فاعله، وترد شهادته، وك

بل اإلجماع بقسميه عليه«. وكما هو واضح فإن هــذه الكلمــات الــتي صــدرت عن هــؤالءــه، الفقهاء العظام تدل على أن الغناء عنوان أفتى الفقهــاء بحرمت ولم نعــثر على من خــالف فيــه، بــل ادعى بعض الفقهــاء اإلجمــاعــاء من عليه، حتى ذهب صاحب الجواهر إلى القول بأن حرمة الغن



ضروريات مذهب التشيع. من هنــا يبــدو أنــه ليس هنــاك من شــكقا للحكم بالحرمة. في فتوى الفقهاء بوقوع عنوان الغناء متعل

أدلة حرمة الغناء، مجموعات النصوص الحديثية من بين األدلة اللفظية فإن الكتاب الكريم لم يتعرض لحرمةــة على ــات الدال ــاك مجموعــة من الرواي ــاء، ولكن هن ــوان الغن عنــدة ــات إلى ع ــك الرواي ــيم تل ــرعا، ويمكن تقس ــاء ش ــة الغن حرم

مجموعات:

المجموعة األولىــات مستفيضــة ــارة عن رواي ــا المجموعــة األولى فهي عب أم تذهب إلى القول باعتبار الغناء من مصاديق )قول الــزور(، الــوارد

جس من األوثــان واجتنبــوا﴿في قوله تعــالى: فاجتنبوا الــرور (.30 )الحج: ﴾قول الز

ومن بـــاب المثـــال: جـــاء في صـــحيحة هشـــام بن ســـالم، ، في×المذكورة في تفســير علي بن إبــراهيم القمي، عن اإلمــام

ــوا﴿ذيل قوله تعالى: ــان واجتنب جس من األوث فاجتنبوا الــرور ــزور﴾قول الز ، قال: الرجس من األوثان الشطرنج، وقــول ال

.(21)الغناء وعن ابن أبي عمير، في مرسلته عن بعض أصحابه، عن أبي

جس من األوثــان﴿، في قوله تعالى: ×عبد الله اجتنبوا الـر فــور ــان الشــطرنج،﴾واجتنبوا قول الز ، قــال: الــرجس من األوث

.(22)وقول الزور الغناء ومن ناحيــة أخــرى فــإن إرســال هــذه الروايــة ال يــؤدي إلى ضعف سندها؛ وذلك لقول النجاشي في حق ابن أبي عمير: »لقد

أخذ أصحابنا مراسيل ابن أبي عمير بالقبول«. ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، ربيع االجتهاد والتجديد38

هـ1433م ـ 2012


ــر بن محمد عن×وجاء في رواية زيد الشحام: »سألت جعفجس من األوثان واجتنبوا﴿قول الله عز وجل: فاجتنبوا الر

ور ؟ قال: الرجس من األوثان الشطرنج، وقــول الــزور﴾قول الز.(23)الغناء«

وجاء في سند هذه الروايــة )درســت بن أبي منصــور(، وهــو واقفي، ولم يصـرح علمــاء الرجــال بوثاقتــه، ولم يـرو عنـه ســوى بعض أصــحاب اإلجمــاع، وحكي عن المحقق في كتــاب )المعتــبر(

أنه يذهب إلى القول بتصحيح روايات درست بن منصور. وشــبيه بالروايــة المتقدمــة في تفســير قــول الــزور بالغنــاء

، ومحمــد بن عمــرو بن(25)، وعبــد األعلى(24)روايــات أبي بصــير ، وهي بأجمعهـــا مرويـــة عن اإلمـــام جعفـــر بن محمـــد(26)حـــزم

، فلتراجع في مظانها.×الصادق إن االستدالل بهذه الروايات يكون بهذا الشكل: إن هذه اآلية الشريفة تأمر باجتنــاب قــول الــزور، واألمــر ظــاهر في الوجــوب، وعليه تكون اآلية ظاهرة وحجـة في وجـوب اجتنـاب قـول الـزور. وإن وجوب االجتناب هذا يعني حرمة قول الزور. ومن جهة أخرى فقد فسر قول الزور في الروايات المستفيضة المتقدمة ـ والــتيــإن ــه ف اشتملت على بعض الروايات المعتبرة أيضا ـ بالغناء. وعلي الغناء محــرم، وإن ظــاهر الروايــات أن الغنــاء من حيث هــو غنــاء

مصداق لقول الزور، وهو محرم بصريح اآلية الكريمة المتقدمة.ــة( يبدو من كلمات الشيخ األنصاري في )المكاســب المحرم أنه يذهب إلى القول بأن تفسير )قــول الــزور( بالغنــاء ظــاهر في اعتبار الغناء من مقولة الكالم. وعليــه يختص الغنــاء المحــرم بمــا كان مشتمال على الكالم والمضمون الباطــل. وبالتــالي فــإن هــذه اآليــة ليس فيهــا داللــة ـــ بغض النظــر عن الكالم الباطــل ـــ على



حرمة نفس كيفية الغناء.ــزور( ــول ال يقال في توجيه هذه الدعوى: إن اإلضافة في )ق من نوع إضافة المصدر إلى المفعــول، و)الــزور( يعــني الكــذب أو كل ما هو زائغ عن الصراط المستقيم، وإن مقــول القــول ـــ على ما يبدو ـ هو المعنى الذي أراده المتكلم. من هنــا فال مندوحــة لنــا من القول: إن ظاهر اآلية في النهي عن بيان كل ما هــو كــذب أو باطل. وعليه فإن تصنيف الغناء واعتباره من مصــاديق الكــذب أو الباطل يشير إلى أن المراد من الغناء هو الذي يكون مفاده كــذبا

أو باطال. وهذا هو مراد الشيخ األنصاري. ومع ذلك فاإلنصاف أن كالم الشيخ األنصاري مخالف لظــاهر المستفيض؛ وذلك ألن ظاهر هذه الروايات هــو أن الغنــاء بمــا لــه من معنى ومن دون قيد من مصــاديق قــول الــزور. من هنــا فــإن تقييد الغناء ببعض مصــاديقه ـــ أي الغنــاء المشــتمل على المعــنى الباطل ـ مخالف لإلطالق الظاهر من الخبر المستفيض. بل لنا أن ندعي داللة الروايـات المستفيضـة على أن الغنـاء مصــداق لقـولة، ــة خاصــ الزور مطلقا. وحيث إن الغناء صوت مشتمل على كيفيــاطال أم لم يكن وإن قوامه رهن بهذه الكيفية ـ سواء أكان كالما ب ـ فهو مصداق لقول الزور. وإن مالحظة هذا اإلطالق يدلنا إلى أن اعتبار الغناء زورا إنما هو بلحاظ الكيفية التي تقوم الغنــاء. وعليــه فإن قبلنا بأن لقول الزور ظهــورا في خصــوص المــورد الــذي هــو زور بلحاظ معناه، إال أن الغناء عــد في المستفيضــة من مصــاديق قول الزور بشكل مطلــق. وهــذا يشــهد على أن المــراد من قــول الزور ليس خصوص المورد الذي يكون زورا بلحاظ معناه، بل إنه في األقل يشــمل المــوارد الشــبيهة بالغنــاء من حيث الخصوصــية

واألداء.



وخالصة القول: إن هذه الرواية المستفيضة ظاهرة في كون المراد من )قول الزور( في هذه اآلية الشريفة هــو الغنــاء بشــكل مطلق، وإن قــوة هــذا الظهــور بحيث ال يمكن رفــع اليــد عن هــذا

الظهور، بغض النظر عن ادعاء الشيخ.

المجموعة الثانيةــذهب إلى إن روايات المجموعة الثانية روايات مستفيضــة، ت تفســير الغنـاء باعتبــاره مصــداقا للهــو الحــديث، الــوارد في قولــه

ل عن﴿تعالى: ديث ليضــ و الحــ ومن الناس من يشتري لهــبيل الله بغيــر علم ويتخــذها هــزوا أولئك لهم عــذاب ســ

(.6 )لقمان: ﴾مهين روي في كتــاب )الكــافي( عن جماعــة من األصــحاب، عن

يســأل عن×سهل بن زياد، أنه قال: »سمعت أبــا الحســن الرضاــل: ــز وج ــه ع ــول الل ــو ق ــال: ه ــاء؟ فق ومن الناس من﴿الغن

.(27)«﴾ يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل اللهــاد، ال إشكال في سند هذه الرواية إال من ناحية ســهل بن زي وهو سهل أيضا؛ وذلـك لروايتهـا في الكـافي على نحـو غـالب عن

جماعة من األصحاب، وكذلك ألدلة أخرى. أنه قال:×وجاء في رواية محمد بن مسلم عن اإلمام الباقر

»سمعته يقول: الغناء مما وعــد اللــه عليــه النــار. وتال هــذه اآليــة:بيل﴿ ل عن ســ ــ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليض

.(28)﴾الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ، أنــه×وجاء في رواية مهران بن محمد، عن اإلمام الصــادق

ومن﴿قــال: »ســمعته يقــول: الغنــاء ممــا قــال اللــه عــز وجــل: بيل الله ل عن ســ «﴾الناس من يشتري لهو الحديث ليضــ


الشيخ محمد المؤمن القمي•(29).

ــارون ــة الحســن بن ه ــة رواي ــذه الرواي ــد(30)ونظــير ه ، وعب ،×، المروية بأجمعها عن اإلمــام الصــادق(32)، وأبي بصير(31)األعلى

فلتراجع.ــو نفس ــات ه ــة من الرواي ــذه المجموع ــان االســتدالل به بي األســلوب الــذي اتبعنــاه في ذيــل الطائفــة األولى؛ إذ إن هــذه الروايات عدت الغناء من مصــاديق شــراء لهــو الحــديث من أجــل اإلضالل عن سبيل الله بقول مطلق، وقد دلت اآلية الكريمة على أن من يشتري هذا الحديث سيبتلى بعذاب شــديد ومشــين. وإنمــا قلنا باعتبار الغناء من مصاديق لهــو الحــديث مطلقــا؛ ألن الغنــاء ـة ـــ يــؤدي بالســامع إلى الضــالل عن بمعنى الصوت بكيفيــة خاصــــه ســبحانه ــه، ويعرضــه إلى الســقوط في معصــية الل ســبيل الل

وتعالى.

المجموعة الثالثة أما المجموعة الثالثة فروايات مستفيضــة تــدل على أن ثمن الجارية المغنيــة ســحت. إن لهــذه الروايــات من الناحيــة العرفيــة ظهورا في أن سر هذه الحرمة يكمن في كون الغناء غناء لجارية. وبعبــارة أخــرى: إن حرمــة الغنــاء هــو الــذي أدى إلى حرمــة ثمن

الجارية المغنية. ، في أجوبتــه عن أســئلة#كما جاء في توقيــع لصــاحب األمر

إسحاق بن يعقوب: »أما ما وصلتنا به فال قبول عندنا، إال ما طاب.(33)وطهر، وثمن المغنية حرام«

اء، في كــل من )الكــافي( و)التهــذيب( وجاء في رواية الوشــ و)االستبصار( بسند معتبر ـ باستثناء سهل بن زياد الــذي تقــدم أن



ئل أبـو الحســن قلنا عنه: إن أمره سهل ـ ال غبار عليه، قوله: »سـ عن شراء المغنية؟ قال: قد تكون للرجل الجاريــة تلهيــه،×الرضا

ــار« وما ثمنها إال ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في الن(34).

إن قول اإلمام: »قــد تكــون للرجــل الجاريــة تلهيــه« بمنزلــةــة حــال التعبير بالقول: قد تكون للرجل الجارية تغني له. وعلى أيــة ثمن ــة بمنزل ــة المغني ــة أن ثمن الجاري ــتفاد من هــذه الرواي يس

الكلب، فهو حرام. وهذا يعني أن الغناء محرم. وجاء في رواية إبراهيم بن أبي بالد قولــه: »أوصــى إســحاق بن عمـــر بجـــوار لـــه مغنيـــات أن يبعن، ويحمـــل ثمنهن إلى أبي

ــة ألــف×الحســن الرضا ــراهيم: فبعت الجــواري بثالثمائ ــال إب ، قــه: ــال ل ــك يق ــولى ل ــه: إن م ــه، فقلت ل درهم، وحملت الثمن إلي إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته بــبيع جــوار لــه مغنيــات، وحمــل

: ال حاجة لي فيه، إن هذا سحت، وتعليمهن×الثمن إليك...، فقال.(35)كفر، واالستماع منهن نفاق، وثمنهن سحت«

إن داللة هذه الرواية كداللة الروايتين الســابقتين، رغم عــدمــا. وإن ورود عبارة: »وتعليمهن كفر، واالستماع منهن نفاق« فيهم هاتين اإلضافتين تدالن أيضا بالداللة االلتزامية على حرمــة الغنــاء؛ــر عنــه بــأن تعليمــه كفــر، وســماعه وذلك ألن التغني هو الــذي عب

نفاق.ــام ــراهيم بن أبي بالد، عن اإلمـ ــرى عن إبـ ــة أخـ وفي روايـ

.(36)، أنه قال: »إن ثمن الكلب والمغنية سحت«×الرضاــدل على ــات ت ــات رواي ــذه المجموعــة من الرواي ويلحــق به حرمة أجرة الغناء، كما جاء في مرســلة الصــدوق: »روي أن أجــر

.(37)المغني والمغنية سحت«



وجاء في رواية نضــر بن قــابوس في )الكــافي( و)التهــذيب( يقــول: المغنيــة ملعونــة،×و)االستبصــار(: »ســمعت أبــا عبــد الله

.(38)ملعون من أكل كسبها« ومن الواضح أن حرمة األجر على الغناء لها ظهور في حرمةــتي ــاء هي ال ــاء عرفــا، وهــذا يشــير إلى أن حرمــة الغن نفس الغنــه، وحيث إن حرمــة األجــرة على أفضــت إلى حرمــة األجــرة عليــد بنــوع خــاص من الغنــاء، دل ذلــك على الغنــاء مطلقــة، ولم تقي

حرمة الغناء بقول مطلق.ــد ــة محم ــات رواي ــة من الرواي ــذه المجموع ــق به ــا تلح كم

، والتي جاء فيهــا: »ســأل×الطاطري، المروية عن اإلمام الصادق رجل عن بيع الجواري المغنيات؟ فقــال: شــراؤهن وبيعهن حــرام،

.(39)وتعليمهن كفر، واستماعهن نفاق« إن حرمة بيع وشراء الجارية المغنيــة يســتلزم حرمــة الغنــاء نفسه، بل إن حرمة الغناء هــو الــذي أدى إلى حرمــة بيــع الجاريــة

المغنية وشرائها.

المجموعة الرابعة أما المجموعة الرابعة فعبارة عن روايـات متفرقـة تـدل كــل واحدة منها على حرمــة عنــوان الغنــاء. ومن الروايــات الــتي تــدل على االلتزام العرفي بحرمة الغناء: صحيحة حماد بن عثمــان، عن

، إذ قال: »سألته عن قول الزور؟ قــال: منــه قــول×أبي عبد الله.(40)الرجل للذي يغني: أحسنت«

علمنـا ممـا تقـدم أن كـون الكالم مشـتمال على قـول الـزور دليل على حرمته. ومن هنا يحرم استحسان كالم المغــني بــالقول له: »أحسنت«. ومن الواضح أن منشأ حرمة هذا القول من ناحية



كونه نوعا من التشجيع للمغني على غنائه، ولــو أن غنــاءه لم يكنما لما حرم تشجيعه. محر

ومن الروايــات الدالــة على المــدعى: معتــبرة يــونس، الــتي يقول فيهـا: »سـألت الخراسـاني عن الغنـاء، وقلت: إن العباسـي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء؟ فقال: كــذب الزنــديق، مــا هكــذا قلت له، سألني عن الغناء؟ فقلت: إن رجال أتى أبا جعفر صــلوات الله عليه، فسأله عن الغناء، فقال: يا فالن، إذا ميز الله بين الحق

: قــد×والباطــل فــأين يكــون الغنــاء؟ فقــال: مــع الباطــل، فقــال.(41)حكمت«

ومثلها معتبرة ريان بن الصـلت، المنقولــة في كتـاب )عيـون أخبــار الرضــا(، للشــيخ الصــدوق، و)رجــال الكشــي(، عن اإلمــام

، فراجع.(42)×الرضا ووجه داللة هذه الروايات هو أن الغناء لــو كـان حالال لم يكنــون هناك من مبرر إلنكار اإلمام أن يكون قد رخص فيه. وعليه يك إنكار اإلمام مساوقا العتباره الغناء من الباطل، وأنه حرام. وتوجد هنا روايات أخــرى تــدل على حرمــة الغنــاء أيضــا، يمكن الوصــول

بع، وربما تعرضنا لها في البحوث القادمة. إليها من خالل التتــ وقــد ذهب البعض إلى ــيرة ـ والنتيجــة أن هنــاك روايــات كث القول بتواترها ـ تدل على أن الغنــاء إنمــا حــرم في الشــريعة من جهة أنه غناء. ومن هنا فـإن هـذه الروايـات سـتكون هي المعتمـد في فتوى الفقهاء بحرمة الغنــاء. يبقى هنــا دراســة مفهــوم الغنــاء

في هذه الروايات، وفي كلمات الفقهاء.

مفهوم الغناء عند علماء اللغة يبدو من ظاهر عبارات اللغويين أن للغناء مفاهيم عدة. ففي



)لســان العــرب(، نقال عن األصــمعي في مفهــوم الغنــاء، تعريفــه بالقصر والمد: »الغنى من المال مقصــور، ومن الســماع ممــدود.

وكل من رفع صوته ووااله فصوته عند العرب غناء«.ــع ــد الصــوت م ــو م ــواالة« ه ــراده من »الم والظــاهر أن م ترجيعه. والحقيقة أنه أراد القول: إن الغناء هو مد الصوت الرفيــع

وترجيعه. وجاء في المصباح المنير: »الغناء ــ مثــال كتـاب ــ الصــوت.

وقياسه الضم؛ ألنه صوت، وغنى بالتشديد: إذا ترنم بالغناء«. وعلى الرغم من أن صاحب المصباح المنير ـــ على مــا حكي عنه ـ فسر الغناء أوال بالصوت، إال أنه خصه في شــرحه بالصــوت

الرفيع الممدود.ــا أذن|وجاء في المصباح المنير أيضا: »قول النبي األكرم : م

.(43)الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن«ــع، عن وعن األزهري: »أخبرني عبد الملك البغوي، عن الربي الشافعي: إن معناه تحزين القــراءة وترقيقهــا، وتحقيــق ذلــك في

الحديث اآلخر: »زينوا القرآن بأصواتكم«. ونقل األزهري عن الشافعي أنه فسر الغناء بترقيق الصــوتــه( عن والقراءة بحزن. وقد نقل هذا التفسير ابن األثير في )نهايت الشافعي أيضا، حيث يقول: »وقــال الشــافعي: معنــاه ]أي معــنى الغناء[ تحسين القراءة وترقيقها، ويشهد له الحديث اآلخر: »زينوا القرآن بأصواتكم«. وكل من رفع صوته ووااله فصوته عند العرب

غناء«.ــة وجاء في )الصحاح(: »الغناء بالكسر من السماع.. والجاري

المسمعة أي الجارية المغنية«.



ر الســماع في )أقــرب المــوارد( بالغنــاء: »الســماع كما فســ مصدر، والذكر المسموع يقال له: سماع. والغناء وكــل مــا التذتــه

األذن من صوت حسن سماع. تقول: باتوا في لهو وسماع«.ــاء، من ــاء ككسـ ــط(: »والغنـ ــاموس المحيـ ــاء في )القـ وجـ

الصوت: ما طرب به«.ر في )المنجد(. وهكذا فس

وقال في )أقرب الموارد(: »الغناء من الصوت ما طرب بــه. وقياسه الضم؛ ألنه صوت. وقال في الكليات: الغناء بالضم والمــد التغني، وال يتحقــق ذلــك إال بكــون األلحــان من الشــعر، وانضــمام

التصفيق لها، فهو من أنواع اللعب«. وجــاء في )أقــرب المــوارد(: »طــرب الرجــل طربــا: فــرح، وحزن ضده... وقيل: الطرب خفة تلحقك تسرك. وقيــل: تحزنــك،

وتخصيصه بالفرح وهم«. وجاء في )المنجد(: »طــرب ـــ طربــا: خــف واهــتز من فــرح

وسرور، أو من حزن وغم«. هــذا مــا يقولــه علمــاء اللغــة في تعريــف الغنــاء. وهي رغم اختالفهــا الظــاهري ال يبعــد أن تكــون بأجمعهــا نــاظرة إلى معــنى واحــد، وهــو الصــوت المشــتمل على كيفيــة خاصــة، وكــان لهويــا

وموجبا للطرب، الذي يشتمل على شدة فرح أو حزن. وعليه فإن الغناء ـ على ما صرحت به المصادر، وأشــار إليــهــواع اللعب. ــ من أن التعريف الوارد في )الصحاح( وعن األصمعي ـــول وعلى الرغم من عدم استفادة لهوية الغناء من التفسير المنق عن الشافعي، إال أن ســائر التفاســير األخــرى تشــير إلى المعــنى الذي ذكرناه. وكيف كان فإن وضــوح هــذا المعــنى أدى بــاللغويين إلى شعورهم بعدم الحاجــة إلى مزيــد من الشــرح والتوضــيح في



بيان هذا المعنى.

تعريف الغناء عند الفقهاء ذهب العالمة الحلي في كتــاب )إرشــاد األذهــان( إلى القــولــترجيع ــتمل على ال ــوت المش ــد الص ــه م ــاء بأن ــف الغن في تعري المطرب. وقد نقــل هــذا التعريــف صــاحب )مفتــاح الكرامــة( عن كتاب )التحرير(، للعالمــة. كمــا بين هــذا التعريــف صــاحب )جــامعــب ــد نس ــدروس(. وق ــهيد األول في )ال ــد(، نقال عن الش المقاص صـــاحب )مســـالك األفهـــام( هـــذا التعريـــف إلى المحقق وبعض الفقهاء. وقال المحقق األردبيلي في كتــاب الشــهادات من كتــاب )مجمع الفائـدة والبرهـان(: »هـذا التعريـف هـو المشـهور«، وفي كتاب المتاجر من هذا الكتاب قال: إن هذا التعريــف هــو األشــهر، وعــرف الطــرب باللــذة واالســتمتاع. قــال في كتــاب الشــهادات: »لعل المراد من )الترجيع( هــو ترديــد الصــوت في الفم والحلــق، ومن )المطرب( الذي يحصل منه اللذة والحظ )للنفس إلخ(، كمــا يحصل من كثير من المالهي، مثل: الدف، والزمر، وإن حصل منه

البكاء«. وعبارته ظاهر نص )جامع المقاصد(، إذ يقــول بعــد التفســير الســابق للغنــاء: »وليس مطلـق مــد الصــوت محرمــا، وإن مــالت القلوب إليه، ما لم ينته إلى حيث يكــون مطربــا؛ بســبب اشــتماله

على الترجيع المقتضي لذلك«.ــد(: ــاب )القواع ــهادات من كت ــاب الش ــة في ب ــال العالم وقــد »الغناء هو ترجيع الصوت ومده«، ولم يأت في هذا التعريف بقي )أن يكون مطربا(. وقد حاول صاحب )مفتاح الكرامة( الجمــع بين تعريفي العالمة، بتصور أن اإلطراب هو الترجيع. وقد انخدع بمثــل



هذا الكالم من صـاحب )المصـباح المنـير(، إذ يقـول: »طـرب فيل هنــا أن المــراد صوته أي رجع فيـه ومــده«، فقــال: »فقــد تحصـ باإلطراب والتطريب غــير الطــرب بمعــنى الخفــة لشــدة حــزن أوــحابنا... سرور، كما توهمه صاحب )مجمع البحرين( وغيره من أصن فكأنــه قــال في )القــاموس(: الغنــاء من الصــوت مــا مــد وحســ

ورجع«. ومن الواضح أن اإلطراب أو التطريب يعــني إيجــاد الطــرب، وقد لوحظ فيه مفهوم الطرب. وعليه فإن تفســير التطــريب بمــدــارة الصــوت وترجيعــه تفســير بمصــداقه، وليس بمفهومــه. والعب الكاملة في المصباح المنير هي: »طــرب طربــا، فهــو طــرب، منــة تصــيبه لشــدة حــزن أو ــة، وهي خف ــاب تعب. وطــروب مبالغ ب سرور، والعامة تخصصه بالســرور. وطــرب في صــوته بالتضــعيف

]في الراء[ رجعه ومده«. والعجيب أن العالمة يعترف بأن الــترجيع يعــني التوافــق بين حركات الصوت والنفس، ومن هنا يكــون الــترجيع مالزمــا لمعــنى اإلطراب والتطريب، ومع ذلك ينســب التــوهم إلى أمثــال صــاحب

)مجمع البحرين(. ومهمــا كــان فقــد صــرح الكثــير بعــدم اعتبــار اإلطــراب فيــاء ـ المفهوم العرفي للغناء. قال صاحب )مسالك األفهــام(: »الغن بالمد ـ مد الصــوت المشــتمل على الــترجيع المطــرب، فال يحــرم بدون الوصفين ـ أعني الترجيع مع اإلطراب ـ، وإن وجــد أحــدهما. كذا عرفه جماعـة من األصـحاب. ورده بعضـهم إلى العـرف، فمــا

سمي فيه غناء يحرم، وإن لم يطرب، وهو حسن«. وقد أفــاد هــذا التفســير للغنــاء صــاحب )الحــدائق(، نقال عنــاض( المال صالح المازندراني. كما ذكر هذا التعريف صــاحب )الري



في كتاب التجارة أيضا، حيث يقــول: »والغنــاء، وهــو مــد الصــوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو مــا يســمى في العــرف غنــاء وإن لم يطــرب، ســواء كــان في شــعر أو قــرآن أو غيرهمــا على األصح األقوى، بل عليه إجمــاع العلمــاء، كمــا حكــاه بعض األجالء،

وهو الحجة«. وذلك بناء على إرجاع عبارته القائلة: »على األصـح األقـوى« إلى التعريف الثــاني؛ أي التعريــف العــرفي للغنــاء، ال إلى التعميمــا كــان فــإن هــذا بــدوره الذي ورد في عبارة: »سواء كان...«. وأي

نقل إجمالي آخر لتفسير معنى الغناء.ــد يظهر مما تقدم أن هناك بين الفقهاء اختالف في لحاظ قي اإلطراب، بل وهنــاك اختالف في لحــاظ قيــد الــترجيع في مفهــوم الغناء. وإن هــذا االختالف هــو من نــوع االختالف المعنــوي، وليس اللفظي البحت. من هنا يحتمل أن يكون تفسير العالمة في كتاب )القواعد( مفيدا لعدوله عن تفســيره األول لمعــنى الغنــاء، أو أنــه

تفسير ثالث. ــاح ــرائر( و)إيض ــاح الكرامــة(، نقال عن )الس ــاء في )مفت جــد النافع(: »الغناء: الصوت المطرب«. وهذه العبارة خاليــة من قي

الترجيع، وعليه يحتمل أن تكون تعريفا رابعا لمفهوم الغناء. وال يبعد أن نقول: إن المراد من الغناء هــو الصــوت اللهــوي، الذي يتناســب ومجــالس اللهــو واللعب والــرقص. وهــذا التعريــفــذه ــل ه ــل في مث ــاص من الصــوت الجمي ــع قســم خ يتناســب مــرقص ــل: ال ــو، من قبي ــائر أدوات الله ــحوبة بس ــالس المص المج واألوتـار والمزامــير ومـا إلى ذلـك من األمـور. فال يبعــد أن يكـون التعريف الذي ذكره علماء اللغة للغناء، وأرادته الروايــات الــواردة في هذا الباب، هو هذا القسم من الغناء؛ وذلك ألن علمــاء اللغــة،



من أمثـــال: األصـــمعي والجـــوهري، عـــدوا الصـــوت المتناســـب ومجــالس اللهــو واللعب من جملــة مصــاديق الغنــاء. كمــا قــالوا:

»باتوا في لهو وسماع«. وقد صرح صاحب )الكليــات( قــائال: »ال يتحقــق الغنــاء إال إذا كان بألحان من الشعر، وأن يكون مصحوبا بالتصدية. من هنا كان

الغناء من أنواع اللعب«. وعليــه ليس هنــاك من شــك في أن قــول الفيروزآبــادي فيــاظر إلى )القاموس المحيط(: »الغناء من الصوت ما طرب به« ن الطرب المتداول في مجــالس اللهــو واللعب. وبعبــارة أخــرى: إن في كالمه إشارة إلى كيفية خاصة من الصوت تتناسـب مـع ســائر أدوات وآالت اللهو. وهكــذا األمــر بالنســبة إلى تعريــف )المصــباح المنير(: »الغناء مد الصوت« فــإن فيــه إشــارة إلى هــذا المعــنى؛ وذلك لوضوح أن مد الصــوت بكيفيــة ال تناســب مجــالس اللهــو ال تدخل ضمن مصاديق الغناء، ال عنده، وال عند ســائر علمــاء اللغــة. كمــا أن صــوت الحمــار، رغم المــد الطويــل وترجيعــه، من أنكــر األصــوات وأقبحهــا. وعليــه فــإن مــرادهم من الغنــاء هــو الصــوت ــطرابا اللهوي المتداول، بحيث يوجد لدى السامع خفة ووجدا واض

من شدة السرور والفرح.

مفهوم الغناء في الروايات لقد جعلت أكثر الروايــات الموضــوع عنــوان الغنــاء ومفهــوم هذه الكلمة، ولكن هناك في بعضها إشارة بل داللة على أن الغناءــنف من مصاديق اللهو، وعليه يكون المراد من الغناء هو ذلك الصــو. ومن ــل الله الخاص المتداول في مجالس اللهو واللعب عند أه باب المثــال: جــاء في معتــبرة الوشــاء المتقدمــة: »ســئل اإلمــام



عن شراء الجارية المغنية؟ فقال: قد تكون للرجل جارية×الرضا تلهيه، وما ثمنها إال ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والســحت في

.(44)النار« وفي قـول اإلمــام: »قـد تكـون للرجــل جاريـة تلهيــه« داللــة واضحة على اعتبار الغنــاء من أقســام اللهــو، حيث تــوفر الجاريــة

بغنائها جوا من اللهو لمالكها، ولذلك يكون ثمنها كثمن الكلب.ــاقر ــة األعمش، عن اإلمــام الب ــذلك جــاء في رواي ، في×وك

ــه...، حديث )شرائع الدين(: »والكبائر محرمة، وهي: الشــرك باللــل والمحاربة ألولياء الله، والمالهي التي تصد عن ذكر الله عز وجــرار على صـــغائر ــار، واإلصـ ــرب األوتـ مكروهـــة، كالغنـــاء وضـ

.(45)الذنوب« وبناء على ذلك فإن هذه الرواية تشير إلى قســم خــاص من الصوت والغناء المتناسب مع مجالس اللهو واللعب. بل ال يبعد أن نقول: إن الرواية تدل على أن الغناء من الكبائر؛ ألنها عدت الغناء ضمن الذنوب الكبيرة، ثم عطف عليه اإلصرار على الصــغيرة، وال نجد وجهــا لهــذا العطــف إال إذا قلنــا: إن المــراد أن اإلصــرار على

ارتكاب الذنوب الصغيرة هو واحد من مصاديق الذنوب الكبيرة. وعليه فإن المراد من الكراهة للغنـاء في هــذه الروايـة ليس هو المصطلح الفقهي، بل المراد منها هو المعنى اللغوي الشــامل

للحرام أيضا. :×وكذلك جــاء في صــحيحة أبي بصــير، عن اإلمــام الصــادق

»أجر المغنية التي تزف العــرائس ليس بـه بــأس، وليســت بـالتي.(46)تدخل عليها الرجال«

وهذه الرواية صريحة في حرمة أجر المغنية الــتي تغــني فيــاص المجالس المختلطة؛ إذ هو من أبرز مصاديق ذلك القسم الخ



من الغناء المناسب لمجالس اللهــو واللعب. وفي هــذه الصــحيحةــوات إشارة إلى أن الغناء من مصاديق هذا النوع الخاص من األص المناسبة لمجالس اللهو واللعب. ويتضح من هذه الرواية أن روايةــا: أبي بصير األخرى ناظرة إلى هذا المعنى أيضا، حيث يقــول فيه

عن كســب المغنيــات؟ فقــال: الــتي يــدخل×»سألت أبا عبد الله عليها الرجال حــرام، والــتي تــدعى إلى األعــراس ليس بــه بــأس،

ــل: ــز وج ــه ع ــول الل ــو ق و﴿وه تري لهــ ومن الناس من يشــ.(47)«﴾الحديث ليضل عن سبيل الله

ــا أبي بصــير على عــدم حرمــة مطلــقإشــكال: دلت روايت الغناء، بل الحرام منه هو خصوص الغناء في المجالس المختلطة. وعليه فإننا لو اعتبرناهما معارضتين للروايات المطلقة كــان ذلــك خــيرا من جعلهمــا شــاهدين على أن المــراد من الغنــاء خصــوص

الصوت المناسب لمجالس اللهو واللعب. ال شــك في داللــة هــاتين الروايــتين على حرمــةوالجواب:

ــة الغناء في المجالس المختلطة، كما ال شك في جواز غناء المغني للنساء في األعــراس، إال أن داللتهــا على نفي الحرمــة عن ســائر أقسام الغناء مرفوضة. وهــذا المــدعى واضــح في الروايــة الثانيــة ألبي بصير، فقد ذكرت هذه الرواية قســمين من الغنــاء فقــط، وال تدل على أن للغناء معنيين، كما ال داللة فيها على جواز الغناء في غير هذا القسم. وأما صحيحة أبي بصير األولى فيحتمــل أن تكــون جملة »وليست« معطوفة على جملــة »تــزف العــرائس«، وصــلة ثانية لالسم الموصول »التي«. وفي هذه الصــورة إنمــا يبــاح أجــر المغنيـــة في األعـــراس إذا لم يـــدخل عليهـــا الرجـــال في تلـــك المجالس. وعليه لن يكون فيهــا مفهــوم، لتــدل على جــواز الغنــاء

في غير هذا القسم.



نعم، لو كانت هناك صيغة أخرى لهــذه الروايــة من دون )واو العطف( ـ كما هو الحال في الرواية المذكورة في )مرآة العقول( ـ يمكن فهم التعليل والداللة على الجواز من هذه الروايــة اآلنفــة.

ولكن هذا غير ثابت؛ ألن وجود )الواو( يبقى مجرد احتمال. ومن هنا فإن هذه الصحيحة ال تدل على الــدعوى المــذكورة.ــة قائمــا في الداللــة على حرمــة ويبقى إطالق الروايــات المتقدم

مطلق الغناء. إذا على فرض حرمة مطلق الغناء فإن صــحيحة وروايــة أبي بصــير تشــير إلى هــذا المطلب، وهــو أن قســما خاصــا من الغنــاء

نا ـ يشكل مفهوم الغناء. اللهوي ـ كما تقدم أن بي ومن الروايـات الـتي تســتند إليهـا الــدعوى روايـات الطائفـةرت آيــة )لهــو الحــديث( بالغنـاء، واعتبــار مطلـق الثانية، التي فســ الغناء من جملة مصاديق لهو الحديث، فإنها تشير بقــوة، بــل فيهــا داللة، على أن الغناء ـ أي الصوت المشــتمل على كيفيــة جميلــة ـ من مصــاديق اللهــو. وبالتــالي ســوف يختص مفهــوم الغنــاء بأحــد مصــاديقه، أي الصــوت المناســب لمجــالس اللهــو واللعب، واللــه

العالم.

الهوامش



فقه الغناء والموسيقى دراسة تأصيلية تجديدية في ضوء القرآن

والسنة والمقاصد ـ القسم األول ـ

(*)د. يحيى رضا جاد

مقدمة

ــاء ــر الغن ــديم في أم ــاس من ق ــازع الن ــتهر تن ــوم مش معل والموسيقى تحليال وتحريما، ولذلك انتــدبت نفســي لدراســة هــذه القضية من كافة جوانبها؛ بالنظر ـ المتسلح بالمنهجية وعلوم اآللة ـ في الكتاب والســنة واألنفس واآلفــاق، فكــان هــذا البحث الــذي

يقبض القارئ الكريم بيديه على صفحاته. ها أنا ذا أضع بين يدي القارئ ـ بنوعيــه المتخصــص والعــام ـ

ر دام ـ بحثا وقراءة واجتهادا ـ بضع سنوات ر وتدب في(48)ثمرة تفكــة، موضوع الغناء والموسيقى ـ بكافة جوانبه وأبعاده ـ. وأية مقارن ســريعة أو متأنيــة، فاحصــة أو خاطفــة، بين )مــا كتب في ذات الموضوع قديما وحديثا( و)هذا البحث( ستوضح ـ بما ال يدع مجــاال ألي ارتيــاب ـــ مــدى جــدة وعمــق وأصــالة ومتانــة الطــرح الــذي طــرحت؛ إن في المنهجيــة، أو في االســتقراء، أو في التحليــل، أوــواردة. هكــذا أزعم، في االجتهاد واالستدالل، أو في المناقشات ال وهكـــذا ســـولت لي نفســـي أن أدعي، والمقارنـــة هي الفيصـــل

.(49)والحكم أستاذ وباحث في علوم الشريعة اإلسالمية، ومتخصص في)*( *

الدراسات الفقهية، له عدة مؤلفات، من مصر. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

55هـ1433م ـ 2012


وكــل فكــرة أو اجتهــاد أو رأي أو دليــل اســتفدته من غــيريــا، أو رته هت على ذلك، حتى وإن نقحت الدليل أو الفكرة، أو حر نب أصلت لها، أو عــدلت فيهــا، أو أضــفت إليهــا، أو اســتدركت عليهــا ضبطا لها؛ فمن بركة العلم نســبة القــول إلى قائلــه ومن اســتفيد

. وما لم أنبه عليه ـ وهو كثير بحمد الله وفضــله ـــ فهــو لي(50)منهجملة وتفصيال ـ سواء وجد من وافقني فيه أو لم يوجد ـ.

تنبيه لقــد تــرددت مــذاهب العلمــاء في موضــوع بحــثي هــذا على أقاويل كثيرة ترددا واسعا، ولم أجعل من شرط بحثي هذا اإلتيــان على قائليها أو نصوص عبــاراتهم؛ إذ الــذي يعنيــني ـــ بعــد وقــوفي على اتجاهات العلمـاء وأدلتهم في الموضـوع ــ تحريـر الحكم من دليله، فلم أهدر شيئا من أدلة من أخرج الحكم عن اإلباحة ـ الــتي انتهى إليها اجتهادي، كما ستراه مفصــال في البحث ـــ بأيــة صــورة

من الصور ـ سواء ما وقفت منها عليه أو ما استنبطته لهم ـ.

أوال: مقدمات منهجية ، وال يحــل بنــاء(51)ـ ال يجوز االحتجــاج بالحــديث الضــعيف1

األحكام عليه دين، فــإذا أثبت حكم مــا|ال نزاع في أن الحــديث عن النــبي

دون اعتبار صحة|في مسألة ما بناء على حديث تدعى نسبته إليهتلك النسبة من عدمها فذلك خطر عظيم؛ ألنه:

. وهذا من أكبر الكبائر، بغض النظر عن|ـ كذب على النبي1 باب ذلك الكذب: في مسألة لهــا أصــل أو ليس لهــا أصــل، أو فيــع ــك في جمي باب إنشاء حكم جديد أو بيان فضيلة شيء ثابت؛ ألن

مــا لم يثبت أنـه قالـه، وهــذا هــو|األحوال تنسب إلى رســول الله



: »يـا أيهــا النـاس، إيـاكم وكــثرة الحـديث|عين الكذب. وقـد قـالــا عني. من قال علي فال يقولن إال حقا أو صدقا؛ فمن قال علي م

.(52)لم أقل فليتبوأ مقعده من النار« ـ تشريع لما لم يأذن بــه اللــه بالــدعاوى الباطلــة والظنــون2

نتكم﴿المرجوحــة. يقــول تعــالى: ف ألســ وال تقولوا لمــا تصــــذب ــه الك ــروا على الل رام لتفت الكذب هذا حالل وهذا حــــذب ال يفلحــون * متــاع إن الذين يفتــرون على اللــه الك

(، ويقــول تعــالى:117ـ 116 )النحل: ﴾قليل ولهم عذاب أليملوا ومــا﴿ موا ما رزقهم الله افتراء على الله قــد ضــ وحر

(.140 )األنعام: ﴾كانوا مهتدين

ـ ال يجوز تقوية الحديث بتعدد الطرق الضعيفة2 لقد راجت ـ لألسف ـ الكثير من األحاديث الضعيفة ـ وخاصة عند المتأخرين ـ؛ بسبب شيوع القول بأن تعــدد الطــرق الضــعيفة يقوي بعضها بعضــا. وهــذا أمــر في غايــة الخطــورة، وعلى خالفــهــد ــذة العمالقــة؛ إذ رووا عن عب أئمــة الحــديث المتقــدمون الجهاب

ــدي: ــرحمن بن مه ــبي»ال ــا عن الن في الحالل والحــرام|إذا روين واألحكــام شــددنا في األســانيد، وانتقــدنا الرجــال؛ وإذا روينــا في

. وكذلك روي عن اإلمام(53)فضائل األعمال تساهلنا في األسانيد« . ويقول ـ بحق ـ سفيان الثــوري: »ال تأخــذوا العلم(54)أحمد بالنص

)أي األحــاديث( في الحالل والحــرام إال من الرؤســاء المشــهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان، وال بأس بما ســوى ذلــك

. فكيــف يــدعي(55)]أي في غــير الحالل والحــرام[ من المشــايخ« البعض أن أئمة الحديث المتقدمين يثبتون حــديثا بمجمــوع طرقــه الضعيفة، في حين أن هؤالء األئمة ال يأخذون في الحالل والحــرام



إال من »الرؤساء المشهورين بالعلم«؟! وهــل يتفــق ذلــك مــع مــا روي عنهم بــأنهم »يشــددون في أســانيد الحالل والحــرام«، فهــل

من التشديد تصحيح الحديث بتعدد طرقه الضعيفة؟! |وخالصة القول: إنه ال يصــح أن نثبت حــديثا عن رســول الله

إال إذا جــاء بإســناد متصــل مسلســل بــالرواة الثقــات، دون روايــةــول الله ــديث عن رس ــروحين. فالح ــعفاء والمج ال ينبغي أن|الض

ــه|يحدث به إال عن ثقة. يقول : »من حدث عني حديثا وهو يرى أنــدل على أن كذب فهو أحد الكاذبين«. وظاهر هذا الخبر الصحيح ي

حديثا هو شاك فيه أصحيح هو أم غــير صــحيح|من روى عن النبييكون كاذبا.

وعلى ذلك نقول: إذا جاء حديث على خالف ما اشــترطنا لم نلتفت إليه، بل لم نعمل به، وخاصة إذا كان هذا الحديث المزعوم معارضا لقواطع األدلة أو صحيحها من القرآن والســنة والمقاصــد؛ ألننا إنما أمرنــا بقبــول شــهادة العــدل الثقــة الثبت دون غــيره من

.(56)الناسـ قول الصحابي ليس بحجة في دين الله3

ال شـك في أن مـذاهب أفـراد الصـحابة رضـوان اللـه عليهمــه ال ــة من مــذاهب من بعــدهم، ولكن يجب أن يعلم أن أعلى منزل حجة في رأي من جهــة جاللــة صــاحبه؛ فإنمــا الحجــة في الــدليل. ولذلك وجدنا الصحابة أنفسهم عند اختالفهم يــردون على بعضــهم

البعض بالكتاب والسنة، ال بالرجوع إلى آراء وأقوال أنفسهم.

ال يصــح تصــور|ـ مــا تعم بـه البلـوى في حيـاة الرسـول4(57)خفاء حكم الشرع فيه

ــتهم ما من تصرف أو شيء ال يكاد الناس ينفكون عن مالبس



له، أو حاجتهم إليه، أو تعرضهم له، إال وقد جاء في الشرع حكمــهـترك واضــحا بينـا جليـا معلومــا؛ إذ مثـل تلـك األمــور ال يمكن أن يــوى حكمها لالجتهاد، لتختلف فيه األنظار، وإنما عموم الحاجة والبل يوجب أن تكون تلك األمور محسومة حسما ال جدال فيه وال خفاء

.(58)وال ظن

ـ الذرائع المفضية إلى الحرام ـ في ما كان معهــودا في5(59)زمن التشريع ـ تكفلت الشريعة بضبط بابها

عنه وبابه مفتــوح ال يملــك أحــد ســده أو|فكل ما مات النبي إغالقــه. وقــد وقعت رغم ذلــك تجــاوزات كثــيرة في تــاريخ الفقــه باسم )سد الــذرائع(؛ فأصــيب بعض الفقهــاء باإلســراف في )ســد الذريعة(؛ فكلما رأوا شيئا تجاوز فيه النــاس حــد المــأذون أو قــدر المشروع قالوا: نحسم مادة الفساد، فنمنع من كل شــيء يوصــل إلى ذلك الشيء، مما أدى إلى تشويه صورة اإلسالم، وجعل أمتــه

وراء جميع األمم في كل أسباب الحياة.ــاء والموســيقى عن والحق أن »خروج كثير من النــاس بالغنــر من صــنيعهم مــا حد المباح فيها ال يبطل أصل حكمهــا، إنمــا ينك تجاوزوا به القـدر المشــروع، وال يجـوز أن يجعـل تغـير الزمـان أو سوء االسـتعمال ذريعـة لتحـريم المبـاح، وإال لحرمنـا على النـاس

طيبات ـ ال تدخل تحت حصر ـ قد أحلت لهم. وإيقاف الناس على أصل حكم الشرع أبرأ لذمة العــالم وإن

فــإن اإلثم ال يــأتي من جهــة فعــل وافق هوى عند صاحب شــهوة؛.(60)الحالل ]أو المباح[، وإنما من الوقوع في الحرام«

وأحب أن أنبه هنا ـ في اختصار ودون دخــول في التفاصــيل؛ لما سيأتي بيانه بعــد ـــ إلى أن تحــريم المبــاح اســتنادا لمبــدأ ســد

:(61)الذريعة يشترط فيه ثالثة شروط ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

59هـ1433م ـ 2012


ـ أن يؤدي المباح إلى مفسدة قطعيـة محققــة، أو مفســدة1يغلب وقوعها، ال متوهمة، وال قليلة الحدوث.

ــ أن تكـون تلــك المفســدة أرجح من المصـلحة المرجــوة،2وليس مجرد مفسدة مرجوحة.

3 ـ أن ال يكون المنع ـ بعد توفر الشرطين السابقين ـ تحريماقاطعا، بل هو بين الكراهة والتحريم حسب درجة المفسدة.

لشيء هو كراهة|ـ أقصى ما يدل عليه مجرد ترك النبي6هذا المتروك، ال تحريمه

فضال عن أن هذه الكراهة قد تكون كراهــة دينيـة مخصوصــة، وقد تكون غير مخصوصة، وقد تكون كراهة جبلية عادية. |بالنبي

فيهــا؛ ألنهــا أمــر|فإن كانت األولى فال يصــح االقتــداء بـالنبيخاص به دون بقية الناس.

وإن كانت الثانية فاألصل فيها استحباب االقتــداء بــه فيهــا، الالوجوب.

وإن كانت الثالثــة فاألصــل فيهــا أنهــا ليســت تشــريعا لألمــة،وإنما مرد األمر لألذواق والعادات والتقاليد.

(62)ثانيا: تعريفات الغناء

ـ يقول الخطابي: كل من رفع صوته بشيء، ووالى به مرة1 بعد أخــرى، فصــوته عنــد العــرب غنــاء. وأكــثره في مــا شــاق منت الحمامــة، وتغنى صوت أو شجا من نغمة ولحن. ولذلك قيل: غن

الطائر. قال مجنون ليلى:

على الغصن ماذا هيجت حينأال قاتل الله الحمامة غدوةغنت

وقال آخر: ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، ربيع االجتهاد والتجديد60

هـ1433م ـ 2012


على غصنين من غرب وبان تغنى الطائران بين سلمى

ــترنم2 ــاء هــو التطــريب وال ــ وفي المعجم الوســيط: »الغن ـبالكالم الموزون وغيره«.

ـوالى بـه مــرة بعــد مــرة بتلحين والخالصة أن الغناء صـوت ي وتطريب، فيدخل فيه الصفير والتصفيق، بل هو كصــوت ال يختص بالكائنات الحية فقط، بل إن أصــوات الموســيقى تســمى )غنــاء(،

وآالتها تسمى )آالت الغناء(.ب بــه )أي مــا أحــدث وخالصة الخالصة أن الغناء هو مــا طــر طربا( من الصــوت، ســواء كــان مصــدر هــذا الصــوت اإلنســان أو

الطير أو اآلالت.

(63)الموسيقى

في المعجم الوسيط: )الموسيقى( لفظ يونــاني يطلــق علىفنون العزف على آالت الطرب.

ــول النغم من ــه عن أصـ ــيقى( علم يبحث فيـ و)علم الموسـ حيث تأتلف أو تتنافر، وأحوال األزمنة المتخللــة بينهــا؛ ليعلم كيــف

يؤلف اللحن.

(64)المعازف

ـ عزف الشيء أي صوت )أي أحدث صوتا(، يقـال: عـزفت1الريح، وعزفت القوس.

ـ عزف فالن: أي لعب بالمعزف.2 ـ والمعازف جمع معزف ومعزفة، وهي آلة الطرب، كالعود3

والطنبور والمزهر والرباب والمزمــور والــدف. إذا فالمعــازف هي اآلالت الــتي يلعب بهــا بالضــرب عليهــا )كالــدف والطبــل والعــود



ــاي ــوق والن ــار والب ــا )كالمزم ــالنفخ فيه ــانو( أو ب ــانون والبي والقواليراع(؛ إلحداث أصوات ملحنة متناسبة متناسقة شجية.

نوه بالتمثيل دون غيره4 ـ وقد ذكر العرب )الدف( كثيرا، وعي؛ من المعازف لكثرة استعمالهم له، ولغلبته على ما كــان موجــودا

عندهم من سائر المعازف، ولسهولة اقتنائه وصــناعته. فضــال عن أن الدف ـ كما قال بعض علماء الموسيقى القدامى ـــ آلــة كاملــة تحكم على سائر المعازف، وتفتقر إليه جميع آالت الطـرب؛ إذ بـه يعرف مدى صحة الضرب وسقمه. فضال عن أنه ال تتبين النقــراتل ويقطــع، وكــل ملهــاة ال الخفاف والثقال إال به، وهو الــذي يوصــ

.(66()65)يحضرها الدف ـ كما قالوا ـ فهي ضعيفة القوة

ثالثا: مقدمات تأصيلية لمسألة الغناء والموسيقى ـــ إنهــا قضــية )عاديــة(، ال )تعبديــة(، واألصــل في العــادات1

ر في أصــول الفقــه ـــ؛ يقــول تعــالى: اإلباحة والحل ـ كما هو مقر﴿ ا في األرض جميعــا ــق لكم م ــرة: ﴾هو الذي خل (؛29 )البق

وما كان الله تعالى ليخلق لنا األشياء ثم يحرمها علينا، إنما يحــرم، أو معناه، صحيح صــريح؛ علينا الخبيث والضار، وال تحريم إال بنص

ــا﴿لقولـــه تعـــالى: م م عليكم إال ر ــ ا ح ل لكم م ــ ــد فص وق (. فما سكت عنه، أو لم يرد فيــه119 )األنعام: ﴾اضطررتم إليه

نص صــحيح صــريح، أو لم ينــدرج في معنــاه، فهــو عفــو، ال يجــوز تحريمه البتة، رحمـة من اللـه بنـا غـير نسـيان؛ فـإن اللـه لم يكن

﴿لينسى شيئا، حاشاه؛ (.64 )مريم: ﴾وما كان ربك نسيا فأين هو الناقــل عن هــذه اإلباحــة في مســألتنا محــل البحثــدا؛ حتى نذهب إليه؟! ليبرزه لنا من يجده. والحق أنه لن يجــده أب، أو معنــاه، في مــا انتهى إليــه اجتهادنــا وبعــد إذ لم يوجــد نص



اســتفراغ الوســع والطاقــة في البحث والتنقيب والنظــر، صــحيح صريح يفيد حرمة الغناء والموسيقى، بل قد وجدنا القرآن والسنة ــ بنصوصــهما ومقرراتهمــا ـــ والمعقــول على خالف مــا ادعي من

التحريم، كما سيأتي بيانه إن شاء الله. ـ إن أصل حكم الشرع في سماع األصوات الحسنة ـ سواء2

كان مصدر الصوت إنسانا أو طائرا أو آلة ـ هو اإلباحة. ومــا نطــق الشــرع فيــه بحكم ســوى ذلــك فلعلــة خارجــة عن حســنه لذاتــه، كإيجابه سماع القرآن واإلنصات له؛ لعلة التعبد، ولكونه كالم الله، فهــو خــير الســماع وأحلى وأجــل مــا يمكن أن تصــغي إليــه أذن، وكإيجابه القيام باألذان؛ لما في ذلــك من إظهــار شــعائر اإلســالم، والتنبيه على دخول وقت الصالة، وكإيجاب أو نــدب ســماع الــذكر والعلم؛ لما في ذلك من فوائـد عظيمــة جمــة، وكتحريمــه النياحــةــه، واإلشــعار على الميت؛ لما في ذلك من االعتراض على أمر الل بعــدم الرضــا بقــدره ســبحانه، وكتحريمــه التكســر والميوعــة في

الكالم؛ لما فيه من نشر للفتنة والرذيلة والتحلل واإلباحية.ــا على فــراغ، ولكنــه وقولي بأن األصل هو اإلباحــة ليس مبني مبني على عدد من األسس المحكمة، فــوق مــا ورد في المقدمــة

التأصيلية األولى، ومنها:رج﴿ـ قوله تعــالى: 1 م زينــة اللــه التي أخــ ر قل من حــ

زق ــر ــات من ال ــاده والطيب ــراف: ﴾لعب ــوت32 )األع (. والصه واسـتماعه أمـر فطـري، الحسن جمـال وزينـة، والطيب منـه حب

وتأثيره في السامع له ال يمكن أن ينكره أحد.ــه تعــالى: 2 م عليهم﴿ـ قول ر ــات ويحــ ويحل لهم الطيب

(. فال حــرام في اإلســالم إال للخــبيث157 )األعــراف: ﴾الخبـائث الضار، سواء كان خبثه وضرره ماديا أو معنويا، فرديا أو اجتماعيا،



آنيا أو مســتقبليا. وال شــيء في الصــوت الحســن ـــ ومنــه بــالطبع الغناء والموسيقى؛ لما فيهما من حسن ال ينكــره عاقــل ـــ إال أنــهــول، ــتي تســتلذها األنفس، وتســتطيبها العق ــدنيا ال ــات ال من طيب وتستحسنها الفطــر، وتشــتهيها األســماع؛ فهــو لــذة األذن كمــا أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحــة

الذكية لذة األنف. ثم إن الصوت ـــ بــالنظر إلى كــل مســتلذ ومســتعذب منــه ـ يعود إلى األصل في اللذة واالستعذاب، وهو )إدراك المالئم للطبع اإلنساني والفطرة البشرية(. وهــذا هــو معــنى )الطيبـات(، أي مــاــروب ومشــموم ــوم ومش ــه من مطع ــذ ب تســتطيبه النفس وتلت وملبوس ومرئي ومسموع، وغير ذلك ممــا يجــد لــه اإلنســان أثــرا طيبــا في نفســه، بــه يهــدأ، وبــه يرتــاح، وبــه ينشــط، وبــه تســكن

جوارحه، فتراه منشرح الصدر منبسط األسارير.وت الحمــير﴿ـــ قولــه تعــالى: 3 وات لصــ ﴾إن أنكر األصــ

(. وهــو يـدل بمفهومـه على مـدح األصـوات الحســنة19)لقمـان: ــاء ــك في أن الغنـ ــاك شـ ــة. وليس هنـ ــل والموزونـ ــة، بـ والطيبـوالموسيقى من ذلك؛ ألن مفهوم )الصوت( يشملها قطعا ويقينا.

ـ إن حب الغناء والموسيقى ـ كنوع من األصوات الحسنة ـ4 )فطرة إنسانية( و)طبيعة بشرية(؛ ألن الصوت الجميــل الحســن ـ ومنــه الغنــاء والموســيقى ـــ مــراد الســمع، ومرتــع النفس، وربيــع القلب، ومســالة الكــئيب، وأنس الوحيــد. ثم إن للصــوت الحســنــاع، واســترواح النفــوس، وجالء ــيين الطب ــأثيرا محسوســا في تل ت الهمــوم، وتخفيــف األحــزان، وتعميــق الوجــدان. كمــا أن لــه أثــرا ملموسا ـ وغير منكور ـ على عطــاء اإلنســان وتحصــيله وإســهامه

في األعمال البدنية والعقلية.



وكما أن العطلة معينة على العمــل فكــذلك اللهــو ـــ والغنــاء والموسيقى واللعب والترفيه ـ معين على الجد؛ ألنه دواء القلــوب من اإلعياء والملل، ومنقذها من جفاف الحياة وقسوة االســتمرار

في الشغل. ثم إن للـــه ســـبحانه وتعـــالى ســـرا في مناســـبة النغمـــاتــا؛ فمن ر فيها تأثيرا عجيب الموزونة للنفس اإلنسانية، حتى إنها لتؤث األصوات مــا يفـرح، ومنهــا مــا يحــزن، ومنهــا مــا ينـوم، ومنهــا مــا يضحك، ومنها ما يطرب، ومنها ما يستخرج من أعضــاء اإلنســان ـ كاليد والرجل والرأس ـــ حركــات على وزنهــا. ولــذلك قيــل ـــ في كلمات ظريفة ـ: »من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتــاره،

ــه عالج« ــو فاســد المــزاج، ليس ل ــأثر برقيــق(67)فه . و»من لم يتــار، في ظالل ــطآن األنه ــار، على ش ــان األوت ــعار، تتلى بلس األش

.(68)األشجار؛ فذلك جلف الطبع حمار«ــاء والموســيقى ليس فطــرة إنســانية وبشــرية إن حب الغن

فحسب، بل هو أيضا فطرة كونية:ــوت الطيب ــكته الص ــده يس ــيع في مه فنحن نشــاهد الرض

والنغمات الموزونة عن بكائه. ونشاهد الجمل ـ وهو الحيوان األعجمي ـ يتأثر بالحداء ـ وهو نوع من الغناء ـ تأثرا يستخف معــه األحمــال واألثقــال، ويستقصــر بسببه المسافات الطوال، فترى اإلبل تمد أعناقها، وتصغي ناصبة

آذانها، وتسرع سيرها حتى تتزعزع عليها أحمالها. وحتى األبقار عند سماعها للموسيقى تدر ـ في لين وســهولة

ويسر ـ كميات وفيرة من األلبان التي تتميز بقيمة غذائية عالية. بل وحتى النباتات تتأثر بالموسيقى، فــالحقول الــتي وضــعت في جــو موســيقي، حيث زودت الحقــول ـــ في التجــارب العلميــة



ــ بــأجهزة صــوتية قويــة يصــدر عنهــا موســيقى، أعطت العمليــة ـ محصوال أكثر جودة من المحاصيل التي نمت بدون موسيقى. كما ثبت أن الزهــور تــزداد نضــارتها وتفتحهــا على أنغــام الموســيقى،

وتنقبض شيئا ما عند سكوتها. وما قلوب البشر ـ ونفوسهم وأرواحهم ـ بأقــل من إحســاس الحيوانات والبهائم والطيــور والنباتــات واألزهــار، بــل إن اإلنســانــه وجــدان ر، مرهــف اإلحســاس، ول بطبعــه عاقــل، ذكي، متحضــ

وعاطفة ال تتمتع بها تلك المخلوقات. كيف ال يكون حب الموسيقى ـ بعد كل ذلك ـ فطرة إنسانية وبشرية وكونية؟! كيف ال وللموسيقى على األجنــة أبلــغ األثــر فيــة ــؤدي إلى تهدئ ــداني؛ حيث ت ــا العصــبي والنفســي والوج تكوينه ملحوظة في ضربات قلبــه، وتغــيرات هرمونيــة من شــأنها وقايتــه من األمراض العصبية والنفسية، ومن عيــوب النطــق والعجــز عن التعلم واكتساب المعرفــة والمهــارات عنــدما يولــد، باإلضــافة إلى

انخفاض نسبة تشوهات األجنة انخفاضا ملحوظا؟! كيف ال وللموسيقى أبلــغ األثــر على األطفــال؛ فلقــد ثبت أن

% من حــديثي الــوالدة يســكتون عن البكــاء ويســتغرقون في94ــة؟! النوم فور سماعهم للموسيقى التي كانوا يســمعونها وهم أجن ثبت أيضا أن سماعهم بوجه عام يــؤدي إلى رفــع مســتوى الــذكاء

واإلبداع والتحصيل الذهني. كيف ال وللموسيقى أبلغ األثــر على اإلنســان البــالغ الصــحيح السليم المعافى؛ فسماعه لها يحدث تغــيرات فســيولوجية تتمثــل في زيــادة القــدرة على تحمــل متــاعب العمــل وضــغوط الحيــاة؛ وتنشيط الحواس والــدورة الدمويــة والعضــالت؛ وتحفــيز عمليــات هضــم الطعــام وامتصاصــه، والتخلص من المــواد الضــارة؛ وتبعث



ــراز ــ ــاعد على إف ــ ــكينة؛ وتس ــ ــة والس ــ ــدوء والطمأنين ــ على الهــكين )اإلندروفينات(، وهي مواد كيميائية طبيعية لها فعالية في تســيط ــوة، وتنش ــداث النش ــق، وإح األلم، والتغلب على األرق والقل الجهاز المناعي ومقاومة الميكروبــات؛ وتقلــل من إفــراز الجســمر لهرمونات اإلجهاد، مما يــؤدي إلى هــدوء األعصــاب، وتقليــل تــوت العضالت، وتقليل احتمــاالت اإلصــابة بــأمراض القلب والشــرايين؛ وتهــدئ معــدل التنفس، وتخفض معــدل ضــربات القلب ومســتوى

ضغط الدم؛ فضال عن تنشيط مراكز الذاكرة بالمخ؟! كيف ال وللموسيقى فوائد جمة ونتــائج إيجابيــة ملحوظــة في

ــاعد(69)عالج عدد كبير من األمراض ـ كعالج أساسي أو كعالج مس وتكميلي في كثــير من األحيــان ـــ، كــاألرق والقلــق واالكتئــاب والفصام والشــلل الرعـاش والصـرع والبارانويـا، والربـو الشـعبي والبرد والصداع وأمراض القلب وضغط الدم ومتاعب سن اليأس، والحـــروق والتئـــام الجـــروح وتســـكين آالم الظهـــر والمفاصـــل،ــكر، ــى الس ــون ومرض ــراض العي ــاعدة في عالج بعض أم والمس وتخفيف األعراض الجانبية الناتجة عن استعمال العالج الكيميــائيــل لمعالجة السرطان، وإحداث تأثيرات إيجابية أثناء الحمل ـ بتقلي مضاعفاته ـ والوالدة ـ بتخفيف األلم والقلق ـ وتقليل فترة الوالدة

ــدءا من الشــهر4نفسها، بشرط سماع الموسيقى لمدة أسابيع ب؟!(70)الثامن للحمل

أبعد كل هذا ينكر المنكرون أن يكــون حب الصــوت الحســنوالموزون ـ من غناء وموسيقى ـ )أمرا فطريا( و)سنة كونية(؟!

ــاء ــان حب الغن ــول: إذا ك ــه نق ــدم جميع ــا تق ــاء على م وبنــة ــا أوضــحنا وسنوضــح باألدل ــ كم ــزة ـ والموســيقى فطــرة وغري المحكمة من كتاب اللــه المســطور وكتــاب الكــون المنظــور ـــ فـ



»هل جاء الدين لمحاربة الفطر والغرائز ومصادرتها والتنكيل بها ـمــون؛ بتحــريمهم للســماع ـــ أم جــاء لتقريرهــا كمــا يــدعي المحر وتهذيبها والسمو بها وتوجيهها التوجيــه القــويم الســليم لتســتخدم

في ما يرقى باإلنسان معنويا وماديا؟! إن األنبياء إنما بعثــوا بتكميــل الفطــرة وتقريرهــا، ال بتبــديلها وتغييرها. والشــريعة إنمــا جــاءت بتعاليمهــا لتوجــه اإلنســان ـــ في مقتضيات الفطرة والغريــزة ـــ إلى الحــد األوســط. فهي لم تــنزل النتزاع غريزة حب المال، وإنما نزلت بتعديلها على الوجه الذي ال جشع فيه وال إسراف وال تقتير. وهي لم تنزل كذلك النتزاع غريزة الحزن، وإنما نزلت بتعديلها على الوجه الذي ال هلع فيــه وال جــزع وال إياس من رحمة الله. كما لم تنزل النتزاع غريزة حب المناظر الطيبة والمســموعات المســتلذة، وإنمــا نــزلت بتهــذيبها وتعــديلها

على وجه ال ضرر فيه وال شر. وهكــذا تقــف الشــريعة بالنســبة إلى ســائر الغرائــز موقــف االعتــدال والقصــد والتنظيم وكبح الجمــاح عن الحــد الــذي ينســيــال اإلنسان واجباته، أو يفسد عليه أخالقه، أو يحول بينه وبين أعم أخرى ألزم وأوجب. وقفت موقف االعتــدال والتنظيم، ال اإلفــراط وال التفريــط، وال اإلماتــة وال االنــتزاع. فمــا أعظمهــا وأكرمهــا من

!!(71)شريعة« إن الشريعة اإلسالمية قد أضفت على الصــوت الحســن ثنــاء حســنا، بــل أفصــحت عن طلبهــا واستحســانها واســتحبابها لــه فيــالقرآن ــني ب ــا على التغ ــك بحثه ــام؛ وذل ــر مق ــدس كالم وأطه أق الكـــريم، وعلى التغـــني بـــاألذان؛ ألن النفـــوس بطبعهـــا تســـتلذــالقرآن باألصوات الحسنة، بل إن الشريعة ما حثت على التغــني ب

إال ألجل أثر الصوت الحسن في النفس.



: »...قم مــع بالل فــألق عليــه مــا رأيت،|أما األذان فقد قال من|. وفي عودته(72)فليؤذن به؛ فإنــه أنــدى ]وأمــد[ صــوتا منــك«

|غزوة حنين سمع أناسا يؤذنون بالصالة؛ تقليدا لمؤذن رسول الله : »قد سمعت في هؤالء تأذين إنسان|واستهزاء بالمسلمين، فقال

، وقــال لصــاحب الصــوت|حســن الصــوت«، فأرســل إليهم النــبيك ــر الحسن: »تعال«، فأجلسه بين يديه، ومســح على ناصــيته، وب

: »اذهب فــأذن عنــد الــبيت الحــرام«،|عليه ثالث مــرات، ثم قــال.(73)وعلمه األذان

؛ فــإن(74): »زينــوا القــرآن بأصــواتكم|وأما القرآن فقــد قــالــا من لم|. وقال(75)الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا« : »ليس من

: »ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن|. وقال(76)يتغن بالقرآن« . وعن عائشة أنها قالت: »أبطأت على(77)الصوت يتغنى بالقرآن«

ــال: »أين كنت؟«،|عهد رسول الله ليلة بعد العشاء، ثم جئت، فقــه قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءت

وقمت معــه حــتى اسـتمع لــه، ثم|وصوته من أحــد، قـالت: فقــام التفت إلي فقال: »هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمــد للــه الــذي

.(78)جعل في أمتي مثل هذا« ومن هنــا تعلم أن اإلســالم قــد راعى ميــل اإلنســان ـــ بحكم فطرته ـــ لســماع الصــوت الحســن، وأدرك مــا لــه من أثــر عليــه، فحث على التغني باألذان والقــرآن؛ لينســجما مــع النفــوس؛ فــإن للصوت الحسن تفاعال عجيبــا وغريبــا مــع النفــوس واألرواح، حثــه النفس، ــفو ل ــروق؛ فتص ــري في الع ــم، ويج ــري في الجس يس ويرتــاح لــه القلب، وتهــتز لــه الجــوارح. انظــر وتأمــل مــا للتغــني بالقرآن من أثر في جلب الخشــوع والســكون واألنس باللــه، ومــا للترنم بعبــارات الــذكر والشــكر للمنعم من أثــر يالمس المشــاعر



الباطنة، وما لإلنشاد بالشــعر الجميــل في الحكمــة والعلم واألدبــاء ــماع الغن ــا لس ــل، وم ــوب إلى العم ــد للقل ــير من ش وحب الخــكن ــة للس ــافير من مجلب ــل والعص ــوات البالب ــيقى وأص والموس

والهدوء وراحة البال والفكر. ألبي موسى األشعري عندما سمع قراءته: »لقــد|قال النبي

. (79)أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود« المسجد، فسـمع|وعن أبي هريرة أنه قال: دخل رسول الله

ــه بن قيس، ــد الل ــل: عب ــذا؟«، فقي ــال: »من ه ــراءة رجــل، فق ق.(80)فقال«: »لقد أوتي هذا من مزامير آل داوود«

والمقصــود من هــذه األحــاديث مــدح هــذين الصــحابيين في حسن صوتهما بالقرآن، وأن صوتهما يشبه حســنه حســن أصــوات

ر في القلـوب|المزامير، فشبه هـذه بتلـك؛ بجـامع الحسـن المـؤثــه بمــا أبغضــه وحرمــه|والنفوس. والنبي ه ما أحب يستحيل أن يشب

يبغض الغناء|وقضى بخبثه وشيطانيته ـ والمخالف يزعم أن النبيمهما ـ. والمعازف ويحر

إن تشبيه النفيس بالخسيس من سوء األدب، كما أن تشــبيه أن يفعــل شــيئا من|الحالل بالحرام ال يجــوز، وحاشــا رســول الله

ذلك. والشاهد من هــذا أن األصــوات الموزونــة الخارجــة من آالت المعازف طيبة في األسماع، حســنة في العقـول، ومن أجـل ذلـك

كـ )مقاييس( لألصوات الحســنة المحبوبــة ـــ ولــو|استعملها النبي كانت محرمة لمــا اســتعملها كمقــاييس على اإلطالق كمـا ســيأتيه الصـوت الحســن في قـراءة توضيحه إن شـاء اللــه ــ، حيث شــب القــرآن بصــوت المزامــير؛ لحســن صــوت قــارئ القــرآن وحالوة

نغمته.



وها هو ذا التابعي الجليل الكبير أبــو عثمــان النهــدي يقــول ـــارا وال|مستخدما نفس أسلوب النبي السابق ـ: »ما سمعت مزم

طنبورا وال صنجا أحسن من صوت أبي موسى، إن كان ليصلي بنا . فكأن أبا عثمان يقول:(81)فنود أنه قرأ البقرة؛ من حسن صوته«

ــان ــازف، فك سمعت أحلى األنغام الموسيقية من أحلى آالت المعه صــوت أبي صوت أبي موسى بالقرآن أحلى منها وأعــذب. فشــبر في القلــوب موســى بأصــوات اآلالت؛ بجــامع الحســن المــؤث

والنفوس.ــذة النظــر في المبصــرات الجميلــة، كالمــاء والخضــرة إن ل والوجه الحسن وسائر األلوان الجميلة. وذلك في مقابل مــا يكــره

من المبصرات القبيحة واأللوان غير المنسقة. كما أن لذة الشم في الــروائح العطــرة والطيبــة. وذلــك في

مقابل الروائح النتنة والمستكرهة.ــالحالوة ــذة، كـ ــوم اللذيـ ــذوق في الطعـ ــذة التـ ــا أن لـ كمـ

والحموضة. وذلك في مقابل المرارة المستبشعة. كمــا أن لــذة اللمس في النعومــة واللين. وذلــك في مقابــل

الخشونة. كمــا أن لــذة العقــل في العلم والمعرفــة. وذلــك في مقابــل

الجهل والبالدة. كمـا أن لـذة الســمع في سـماع األصـوات الطيبـة والرقيقــة والمنشطة للفكر والوجــدان، كســماع القــرآن واألذان والتواشــيح والحداء والغناء وصوت العصفور والعندليب والمعزف وكل آلة لها صــوت مستســاغ. وذلــك في مقابــل نهيــق الحمــار ونبــاح الكلب

.(82)ونعيق البوم والغربان فال معنى ـ بناء على ما سبق من توضيح ـ ألن تستمتع العين



بالمناظر الجميلة، واألنف بطيبات الروائح من مسك وعنــبر وورد، واللسان بالمطعومات الحلوة، واليد بالملموسات الناعمة واللينة، والعقل بالعلم والمعرفة، ال معنى ألن تستمتع كــل تلــك الحــواس واألعضاء بذلك وال تستمتع األذن بالطيب من األصوات، سواء كان هذا الصوت صادرا من إنسان أو من آلة أو من طائر أو حيوان؛ إذــل دون ــزاز والبلب ــنى على اإلطالق لالســتمتاع بصــوت اله »ال معــة صوت اآلالت ـ التي هي تقليد من اإلنسان لصنع الله في الطبيعم سماع ـ. وإذا جاز سماع صوت غفل )كصوت العصفور( فلم نحر صوت موزون صادر من آلة، مصحوبا أو غير مصحوب بكالم يفهم منه الحكمة والمعاني الجميلة. هذا صريح العقل الذي يستحيل أن

تأتي الشريعة بخالفه! إن العندليب والعصفور ـ وغيرهما من الطيور ــ لهـا أصـواتــماعها ــتلذ بس ــذلك يس ــاطع؛ ل ــالع والمق ــبة المط ــة متناس موزونمهــا إذا قلـدها اإلنســان اإلنسان. فهي موسيقى ربانية، فلماذا نحرــه بعض خلقــه؟! فإنمــا وضــعت ــه علي وهــو يحــاكي مــا فطــر الل الموسيقى ونغماتهــا على أصــوات هــذه الطيــور؛ تشــبيها للصــنعة بالخلقــة، ومــا من شــيء توصــل إليــه علمــاء هــذا العصــر وأهــلــ من الصناعة إلى تصويره أو ابتكاره إال وهو مأخوذ ـ في الغالب ـ

.(83)الخلقة التي بدعها الله تعالى« ونخلص من هذا إلى أن الموسيقى يستحيل أن تحرم لمجرد كونهــا صــوتا طيبــا موزونــا مســتلذا، وإال فلنحــرم ســماع أصــوات

الطيور لمجرد كونها أصواتا طيبة موزونة مستلذة!! إن اللذة بسماع األصــوات هي ســبب إقبــال النفــوس عليهــا واشــتغالها بهــا، ســواء كــانت قرآنــا أو أذانـا أو غنـاء أو موســيقى؛ــة في ــان، وفاعل ــول واألذه ــؤثرة في العق ــنة م فاألصــوات الحس



الطباع واألمزجة، بما ال يخفى إدراكه في واقع الحياة.ــرة؛ إذ ولذلك فاألصل في السماع هو الحل؛ جريا على الفط اإلسالم دين الفطرة. واللذة بذلك مشروعة في أصــلها؛ لموافقــة

الطبيعة اإلنسانية.ــا كــان مصــدرها ـــ ال يمكن أن يحــرم إن سماع األصوات ـ أي بمجرد كونه )صــوت آلــة( أو )صــوت إنســان( أو )صــوت طــائر أو حيوان(، وإنما يحرم الصوت إذا صــاحبه عــارض تحــريم أو اقــترنخذ وسيلة إلى الحرام، م، أو ات بمنكر؛ كما لو استعين به على محر

أو ألهى عن واجب ال يحتمل التأخير.

مين من القرآن الكريم، ومناقشتها رابعا: أدلة المحرــدليل األول: ــ و﴿ ال ــ ــ تري له ــ ــ ومن الناس من يش

ــر علم ويتخــذها هــزوا الحديث ليضل عن سبيل الله بغيهين ــديث6 )لقمان: ﴾أولئك لهم عذاب م (. وقالوا بأن لهو الح

.هو الغناء والمعازف

المناقشة ـ اللهــو في اللغــة هــو كــل شــيء شــغلك عن شــيء ]فقــد1

ألهاك[. وعلى ذلك يدخل فيه الحق والباطل، والحالل والحرام. ـ )اللهو( في اآلية لم يــأت مطلقــا، بــل جــاء باإلضــافة إلى2

)الحديث(. فخرج بهذا القيد كــل لهــو ال يوصــف بكونــه حــديثا، فالــازف ــديث( المع ــو الح ــنى )له ــون مع ــح على اإلطالق أن يك يص واآلالت الموسيقية. بل الصــحيح أن )لهــو الحــديث( عــام في كــل )كالم( يتلهى به، كالغناء والقصص واألساطير واألشعار، وغير ذلك

مما يتلهى به من )الكالم(. ـ اآلية لم تعلق أي حكم على مجرد شراء لهو الحديث، بــل3

علقت الوعيــد الشــديد والعــذاب المهين على شــراء لهوالحــديث



بقصد اإلضالل عن سبيل الله والصد عن دينه واتخاذه هزوا. فــأين هذا ممن يشتري لهو الحديث بمعزل عن هــذا المقصــد؟! ومن ذام شراء حكاية أو قصة أو ديــوان شــعر أو شــريط أغنيــة الذي يحر

.(84)ليتسلى به بقراءته أو سماعه ويروح بها عن نفسه؟! ـــ من أمحــل المحــال أن يكــون )لهــو الحــديث( هــو الغنــاء4

مون ـ ثم يقول النبي لعائشة: »أمــا|والمعازف ـ كما يدعي المحر!!(85)كان معكم من )لهو(؛ فإن األنصار يعجبهم )اللهو(«

ـ والخالصة أن اآلية لم تــذم )مجــرد( اشــتراء اللهــو، وإنمــا5ــه، ويصــد عن ( عن ســبيل اللــه ودين ل ــ ــ )يض ــذم من يشــتريه لـ ت

.شريعته، ويسخر بها ويتخذها هزوا

ــه﴿ الــدليل الثــاني: وا عن معوا اللغــو أعرضــ وإذا ســالم عليكم ال نبتغي وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمــالكم ســ

(. وقالوا بأن الغنــاء من اللغــو، فــوجب55 )القصص: ﴾الجاهليناإلعراض عنه.

المناقشة ـ اللغو في أصـل اللغـة هـو الكالم الـذي ال فائـدة منـه، فال1

ينفعك إذا سمعته، وال يضرك عــدم ســماعه. فهــل يصــح بعــد هــذا البيان أن نقول بأن الغناء لغو؟! ليس كل غناء لغوا، كما أنــه ليس كل كالم لغـوا، بـل إن من الغنـاء والكالم ــ من حكايـات وقصـص وشعر...إلخ ـ ما يؤخذ منه الحكمة واألدب والعلم. ولنفترض جــدال أننا ال نأخذ من الغناء أيا من ذلك، وإنمــا هــو مجــرد االســتماع إلىــك حرمــة أو حــتى شــبه ــل في ذل ــو طيب شــجي، فه صــوت حل حرمة؟!. من نوى باالستماع إلى الغناء ـ ولو لم يفده ذلك حكمــة



أو علما ـ ترويح نفسه ليقوى على طاعـة اللـه عـز وجــل وينشــط نفسه فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق؛ ومن لم ينو طاعة وال معصية ففعله هذا لغو معفو عنه، وذلــك كخــروج اإلنســان إلىجــا، وغـير ذلـك من هـا، وقعـوده على بـاب داره متفر حديقته متنزــواهب مها عاقل، فكيف ب سائر األفعال ـ وجميعها يستحيل أن يحر

العقل ـ!! ـــ في اللغــة هــو الطيش﴾ال نبتغي الجاهلين﴿ـ الجهل ـ 2

والسفه والتعدي بغير حق. وهو أيضا عدم المعرفة. وهذا المفهوممون بأن اللغــو في اآليــة هــو للجهل ال يتناسب مع ما يدعيه المحر الكالم الذي ال فائدة منه؛ ألن من يأتي بكالم ال فائدة منه ـ ال ينفع سامعه وال يضره تركه ـ يستحيل أن يوصف لغة بـ )الجاهل(؛ ألنــه إنما أتى فعال مباحا، ومن يفعــل المبــاح ال يوصــف بالجهــل، فضــال عن أن يطلق عليه أنــه )جاهــل(. وبنــاء على ذلــك فــإن المقصــود باللغو في اآلية ـ حتى يستقيم معناها، ويناسب آخرها أولها ـ سفهــون ض القول من سب وشتم واستهزاء ونحو ذلك من الكفار، يتعر

به للمؤمنين.ــون الباطــل، من3 ـ فمعنى اآلية: وإذا سمع عباد الله المؤمن

سب وشتم واســتهزاء من الجــاهلين، انصــرفوا عن اإلتيــان بمثلــهها وترفعا، وقالوا: لنا أعمالنا الحقة، من إيمان بالله وعبادة له، تنز ال نحيد عنها، ولكم أعمــالكم الباطلــة، من كفــر باللــه وشــرك بــه وسب وشتم لنا واستهزاء بنا وبديننا، ووزرهـا عليكم، ال نشـارككم في اإلتيان بها؛ ألننا ال نريد صحبة الجــاهلين الطائشــين الســفهاء،

متعدي الحق والصواب إلى الباطل والخطأ. فاللغو في اآلية هو لغــو الكفــار المعرضــين عن الحــق. وهم



المرادون بالجاهلين؛ ذلك أن لغوهم كان لسب المؤمنين وإيذائهمبالقول، والتشويش به على سماع المؤمنين للذكر والقرآن.

ويتأكــد لــك صــحة تفســيري هــذا من خالل قراءتــك للســياق (؛ حيث إنــه مقابلــة بين57 ـ 46الذي وردت فيه اآلية )القصــص:

ــان صفات عباد الله وحزبه المؤمنين به وصفات الكفار عبدة األوثوأتباع حزب الشيطان والخسران.

وعباد﴿ إن هذه اآلية الكريمــة من نفس بــاب قولــه تعــالى:ــا وإذا خــاطبهم حمن الذين يمشون على األرض هون الر

رني63)الفرقان: ﴾الجاهلون قالوا سالما (. وجميــع ذلــك يــذكبقول اإلمام الشافعي:

إذا نطق السفيه فال تجبه جت عنه فإن كلمته فر

فخير من إجابته السكوت يته كمدا يموت وإن خل

وا﴿ الدليل الثالث: ور وإذا مر والذين ال يشهدون الز وا كرامـا (. وقــالوا بــأن )الــزور( هــو72 )الفرقــان: ﴾باللغو مر

الغناء والموسيقى.المناقشة

ـ الزور لغة هو كل ما خــالف الحــق. فحصــره في )الغنــاء(1قول عاطل باطل مخالف للسان العربي.

ــر صــفات2 ــاءت في ســياق ذك ــتي ج ــ ال ــة ـ ــنى اآلي ــ فمع ـ المؤمــنين كمــا أوضــحنا قبــل ســطور في نهايـة مناقشــتنا للــدليلــان الثاني ـ: والذين ال يحضرون كل ما خالف الحق من باطل وبهتــزور وزور وإثم، وإذا مروا ـ مصادفة ـ باللئام ـ في مجال اللغو والــل ال والكالم الباطل الذي يصادم الحق ـ فإنهم ال يلتفتون إليهم، ب

يشاركون معهم.



تطعت منهم﴿ الـــدليل الرابـــع: ــ تفزز من اسـ ــ واسـاركهم في ــ ــك وش ــك ورجل وتك وأجلب عليهم بخيل ــ بص يطان إال األمــوال واألوالد وعــدهم ومــا يعــدهم الشـــ

(. وقالوا بأن )صوتك( في اآليــة هــو الغنــاء64 )اإلسراء: ﴾غروراوالمعازف.

المناقشة ـ إن الله تعــالى يقــول إلبليس: واســتفزز من بــني آدم من1

ــ بصــوتك. فلم استطعت ـ أن تستفزه وتستنهضه لالنضمام إليك ـ يخص الله من ذلك صوتا دون صــوت؛ فصــوته هــو كــل داع يــدعو

إلى معصية الله ومخالفة شريعته ودينه. فالصوت هنا )بذاته( ليس موضع الذم، وإنما ذمه واستقباحه

ــ وال لكونه يستخدم في الدعوة إلى الشيطان وحزبه. فاألصوات ـ ريب في أن منها الغنــاء والمعــازف ـــ ال ينالهــا الــذم إال أن تكــون وسيلة شيطانية تستخدم في الدعوة إلى معصــية اللــه والفســوق عن أمره ونهجه. أمــا إذا اســتخدمت في غــير ذلــك فــإن اآليــة لم

تتعرض لذلك على اإلطالق، ال باللفظ وال بالفحوى. وأجلب عليهم﴿وتأمل معي ـ فضال عن ذلك ـــ بقيــة اآليــة:

؛ فهاهنا ال وجــه مطلقــا لتعليــق الــذم بالخيــل أو﴾بخيلك ورجلكــق باســتخدام الخيــل واألرجــل في باألرجل؛ فالذم هنا إنما هو معل

معصية الله. ومثل ذلك يقال في )األصوات(، بال شك وال فرق.ــتطعت،2 ــني آدم من اس ــتفزز من ب ــة: واس ــنى اآلي ــ فمع ـ

واخدعهم بوسوستك وصوتك الشرير ـ سواء كان هذا الصوت من جنودك من األبالسة أمثالك، أو من جنــودك من شــياطين اإلنس ـ



وبكل ما تستطيع من قوة وإغراء ووسائل شيطانية. فالمقصود هنا أن يقال إلبليس: اشحذ كل أســلحتك إلضــالل بني آدم، واجمــع عليهم مــا تقــدر عليــه من كيــدك وجنــدك، ولكن

اعلم بأنك لن تستطيع أن تضل المخلصين منهم أبدا.

ــامس: ــدليل الخ ــون ﴿ ال ديث تعجب ــ ــذا الح *أفمن ه (.61 ـ 59 )النجم: ﴾ وأنتم سامدون*وتضحكون وال تبكون

م؛ ألن اللــه عــاب على وقالوا بأن )السمود( هو الغناء؛ وهــو محــرالكفار الغناء في هذه اآلية.

المناقشة ـ )سمد( في اللغة غفل وسها. أو لها ولعب. أو رفع رأســه1

ونصب صدره. إذا فالســمود يفيــد إمــا الغفلــة أو اللهــو أو التكــبر. وهذه الصفات الثالثة يصح أن يوصف بهــا الكفــار؛ فهم بين غافــلر عليــه. أمــا تخصــيص عن تــدبر القــرآن، واله عن ســماعه، ومتكبــاء )السمود( بالغناء وقصره عليه فهذا من أفحش الخطأ؛ فما الغن إال )وسيلة( من وسائل الكفــار الــتي يســتخدمونها في التشــويش

؛ يقــول(86)على من يسمع القرآن، وفي شغل الناس وصدهم عنهــالى: رآن﴿تع ذا القــ ــ معوا له ــ روا ال تس ال الذين كفــ ــ وق

(.26 )فصلت: ﴾والغوا فيه لعلكم تغلبون ـ لنفترض جدال أن المقصود حصرا هو الغناء فكــان مــاذا؟!2

إن اآليــة إنمــا تنعي على الكفــار أنهم كــانوا إذا دعــوا إلى القــرآنوا أعرضوا عنه بلهوهم ولعبهم؛ فإنهم كانوا إذا ســمعوا القــرآن تغن ولعبوا حتى ال يســمعوا. فـأين هــذا من اســتماع )المســلم( للغنـاء

والموسيقى ترويحا عن النفس وترفيها وتجديدا للنشاط؟!



ـ إن معنى اآلية: يا أيها الكفار، أفمن هذا القــرآن تعجبــون؛3 إنكارا وتكذيبا، وتضحكون؛ ســخرية واســتهزاء، وال تبكــون؛ خشــيةرون وغــافلون من الله وخوفــا من عذابــه، وأنتم عن القــرآن متكبــ كمــا والهون والعبون ومشتغلون بأشياء أخرى، حيث إن الكفار ـ سبق التوضيح ـ كانوا إذا سمعوا القرآن يتلى تغنوا ولعبـوا حــتى ال

يسمعوا.ــو منطــق4 ــا ه ــ كم ــة ـ ــا بنص اآلي ــاء محرم ــان الغن ــ إذا ك ـ

ــدم ــوا )الضــحك( و)ع ــه يجب عليهم أن يحرم مين ـــ فإن ــر المحــون﴿البكاء(؛ ألن اآلية تشــتمل عليــه !! فــإن﴾تضحكون وال تبك

قالوا بأن هذا مخصوص بالضحك على المســلمين، وأن المقصــودــان ــا ك ــه، قلت: فم ــتخفاف ب ــالقرآن واالس ــتهزاء ب ــو االس ــه ه بدا(، وإنمــا دا(، وال كان )غناؤهم( غناء )مجر )ضحكهم( ضحكا )مجر المقصود بضحكهم وغنــائهم هــو االســتهزاء باإلســالم والصــد عنــه وعن القرآن، حيث يضحكون على القرآن ويستهزئون به، ويغنــون

.(87 )ويلهون ويلعبون عنده!!

﴿ الدليل السادس: التهم عنــد البيت إال ــان صــ ومــا ك )األنفال:﴾مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

(. وقالوا بــأن اللــه عــاب على المشــركين المكــاء والتصــدية ـ35 وهما الصفير والتصفيق ـ، وذمهم على ذلــك، ولــو كــان جــائزا مــا ذمهم عليــه. والغنــاء والموســيقى أشــد في أصــواتها من الصــفير

والتصفيق، فهما أولى بالتحريم والذم.

المناقشةــذاتهما،1 ـ إن الله تعالى لم يعب أو يذم الصفير والتصفيق ل



ــد ــا صــفة لصــالتهم عن ــا عــاب على المشــركين أن جعلوهم وإنمدهم( ـــ )صــالتهم( ـ المســجد الحــرام. فلقــد ذم اللــه تعــالى )تعب

بالتصفير والتصفيق، كما هو واضح في نص اآلية. إن الصالة خشــوع وخضــوع وعبــادة للــه تعــالى، واستحضــار لعظمته وجالله. ولكن كفار قـريش مــا كــانت صــالتهم إال تصــفيراــه ــادة( لل وتصفيقا. فكيف يتفق هذا )اللهو واللعب( مع مقام )العب و)الخشوع( و)الخضوع( لــه ســبحانه؟! إن اللــه ينعي عليهم عــدم

قيامهم بالعبادة الحقة والصالة المطلوبة.ــة: لمــا كــانت صــالتكم من قبيــل اللهــو واللعب فمعــنى اآلي فــذوقوا العــذاب األليم المعــد لكم؛ بســبب كفــركم وشــرككم

وابتداعكم في العبادة، وعدم خضوعكم ألمر الله.ــو2 ــه، الله ــة: التنبي ــ إن للتصــفير والتصــفيق مقاصــد أربع ـ

واإلطراب، التقدير واالستحسان واإلعجــاب، التعبــد. ومــا ذم اللــه شيئا من هذه المقاصد إال المقصد األخير، كما شرحنا في النقطــة

السابقة.ـ يتبع ـ

الهوامش


الغناء في الفقه اإلسالمي، مطالعة في نظرية المحقق األردبيلي •

الغناء في الفقه اإلسالمي مطالعة في نظرية المحقق األردبيلي

(*)السيد علي الحسيني


مقدمة عرف التغــني والعــزف على آالت الموســيقى رواجــا واســعا بين جميع أطياف المجتمع البشري، منــذ الظهــور األول للحضــارة وتشكل المدنية، وظل على مساحة تـاريخ اإلســالم من المواضــيع المبتلى بها، والــتي لقيت اهتمامــا كبــيرا بين طبقــات العلمــاء. إن تداخل الحدود والموضوعية بين الغناء والموسيقى وحدود الصوت الحسن واللحن المطرب ـ مــع العلم أن اللحن والصــوت الحســن مرغوب وممدوح في تجويد وقراءة القرآن ـ قد أضــفى نوعــا من اإلبهام على الحكم والموضوع، مما جعل من القضية في صــورتها الموضــوعية مثــارا للجــدل، األمــر الــذي دفــع فقهــاء الشــيعة إلى العمــل الجــاد للتميــيز بين أبعــاد الحكم والموضــوع في الغنــاء والموسيقى، والقدر الذي يتداخل فيه مع الصوت الحســن واللحن المطرب. لذا فإن البحث في هذا الموضوع يتطلب قدرا عاليا من

الدقة واإللمام الواسع بجميع أبعاد الموضوع. يعتبر المحقق األردبيلي من العلماء العظــام المتضــلعين فيــة بمواضــيع الفقه، ومن الذين امتازوا ببعد النظر واإلحاطة الكامل

باحث وكاتب في الحوزة العلمية.)*( * ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

81هـ1433م ـ 2012

السيد علي الحسيني •

البحث والتحقيق، وقد ترك بصماته واضحة في مــا يخص موضـوع الغناء الذي شمله بالبحث من مختلف أبعاده، بل أبدع فيه بطرحه آلراء جديـــدة كـــانت المنطلـــق بالنســـبة إلى من أتى بعـــده من المحققين والفقهاء. وضمن هذا المقال سنســتعرض آراء المحقق

األردبيلي وأبحاثه بالنسبة إلى موضوع الغناء.

تعريف الغناء اختلف علماء اللغة في تحديد معنى الغناء، وهو األمــر الــذي ســاهم بشــكل كبــير في إيجــاد معــاني مختلفــة ومتعــددة، منهــا:

؛ الصوت(89)؛ الصوت واللحن المطرب(88)الصوت الجميل والرقيق المحرك للعواطف والملهب للمشاعر، وقد يكون مع العزف على

النغمـــة الحســـنة، اإلنشـــاد، ؛(90)آلـــة موســـيقية أو خاليـــا منها .(92)؛ و...(91)التطريب

ومن خالل قــراءة متأنيــة لهــذه التعريفــات اللغويــة، وغيرهــاكثير، يالحظ أمران:

ــوماألول: ــدل أن يوضــح حــدود ومفه ــويين ب إن بعض اللغ الغناء ذهب إلى الكالم عن بعض جوانبه أو بعض مصاديقه، وبهــذاــبر اللحاظ إما أن يكون قد أورد التعريف اللغوي ناقصا؛ أو أنه اعت

ذكر المصداق كافيا في تحديد المعنى. إن البعض قــد خلــط بين المعــنى اللغــوي والمعــنىالثاني:االصطالحي.

ــاء بين ــول الغن ــر ح ــات النظ ــر االختالف في وجه ولم يقتصــنراقي في اللغــويين، بــل األمــر كــذلك بين الفقهــاء؛ فالعالمــة ال

، وذكــر اإلمــام الخميــني في(93))المستند( أورد اثني عشر تعريفــا )المكاسب( اثنين وعشرين تعريفا بين اللغــوي والفقهي، وأضــاف

. ونشــير إلى أن الفقهــاء قبــل المحقق(94)إليهــا تعــريفين آخــرين ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، ربيع االجتهاد والتجديد82

هـ1433م ـ 2012


ولعــل الســبب ؛ (95)الحلي لم يكونوا يرون ضرورة لتعريــف الغنــاء أنهم كانوا يكتفــون بــالتعريف العــرفي المشــترك، وكــان المحقق

ــا وفي االصــطالح676الحلي) ــ( أول من عــرف الغنــاء لغوي ،(96)هـونقل المحقق األردبيلي ثالثة معان للغناء.

التعريف األول ــترجيع ــتمل على ال ــوت المش ــد الص ــه: »م ــه أوال بقول عرف

.(97)المطرب، وإن كان في قرآن«ــة الحلي في ــرائع(، والعالم من المحقق في )الش ــد كال ونج

ـــ مجمــع الفائــدة والبرهــان شــرح عليــه ــ( 98))متن اإلرشــاد( ، والمحقق الكركي(100)، والشهيد األول في )الدروس((99)والتحرير

، قــد قبلــوا جميعــا بهــذا التعريــف، كمــا(101)في )جــامع المقاصــد(. (102)اعتبره العديد من فقهاء الشيعة ضمن المشهور

وقد اعتبر المحقق األردبيلي هــذا التعريــف مشــهورا، وذلــك في كتاب البيع والشهادات، لكنه في باب الــبيع ـــ وكــان قــد كتبــه قبل الشهادات ـ لم ير فيه قوة، ولذلك صدره بلفظ )قيل(. وبعــد

، أمــا في كتــاب(103)ذكر تعريف آخر رأى أنه أكثر شهرة من األول الشهادات فقــد كــان لــه رأي آخــر، حيث وجــدناه يــدافع عن ذلــكــة ال ينبغي ــول: »فبالجمل ــة، فكتب يق ــثر دق ــراه أك ــف، وي التعري الخروج عن التفسير المذكور؛ فإنه المشهور، وفسر بــه المصــنف

.(104)والمحقق وغيرهما«

تفسير الرأي المشهور دا بشرطين: بناء على هذا التعريف يصبح الغناء المحرم مقي

ـــ أن يصــدر الصــوت مصــحوبا بنغمــة )ترجيــع الصــوت في1الحنجرة وداخل الفم(.



ــرح2 ـ أن يكون الترجيع مؤديا للتطريب )موجدا لمشاعر الفأو الحزن(.

ويوضح المحقق األردبيلي القيدين، فيقول: »لعل المراد من »الترجيع« هو ترديد الصوت في الفم والحلــق، ومن »المطــرب«ــير من المالهي، الذي يحصل منه اللذة للنفس، كما يحصل من كث مثل: الدف، والزمر، وإن حصــل منــه البكــاء، فإنــه ليس لآلخــرة، فإن البكاء أقسام، فافهم الفرق. ويمكن كون المراد به المطــرب عرفا، وبالنسبة إلى أكثر الناس، فيحــرم على من لم يكن مطربــا له أيضا. والظاهر اختصاص التحريم بالذي يكون مطربا له، وبعض

.(105)األصحاب لم يذكر قيد المطرب فيكون مطلقا حراما عنده«

االستدالل على الرأي األولــا اســتدالل المحقق األردبيلي على التعريــف ــح لن حــتى يتض األول البد في البدء من عرض التعريف الثاني للغناء، حيث يقول: إن الغناء هو مد الصوت مع الترجيع، سواء أطــرب أم لم يطــرب، بل الظاهر أنــه يطلــق على مــد الصــوت من غـير طــرب، فيكــون حراما؛ إذ يصح تقسيمه إلى المطرب وعدمه، بل وال يبعد إطالقــه

فلفظتـــا. وعليـــه (106)على غـــير المرجـــع والمكـــرر في الحلـــق«»مرجع« و»مطرب« زائدتان.

ويقول في الدفاع: إن أهم دليل يعتمد عليه في تحريم الغناء وفق التعريف األول هو اإلجماع، فقد حصــل اإلجمــاع على أن مــد الصوت مع الترجيع والتطريب حرام، لذا فإن حصول مــد الصــوتــه أصــل ــا يجــري علي ــدين يشــكك في الحرمــة، مم من دون القي

. أمــا مــا اســتدل بــه على حرمــة(107)اإلباحة، وبالتــالي تثبت حليته الغنــاء من الروايــات، مثــل: الروايــات الــواردة في تفســير قولــه



ــالى: ديث﴿تع و الحــ ور﴿، أو ﴾لهــ ول الــز ــل من﴾قــ ــة ك ، وروايــر بن ــاطري، ونص ــد الط ــعد بن محم ــراهيم بن أبي البالد، وس إبــا يجــري حكم ــاء، مم ــق الغن ــة، وتحــرم مطل ــاموس، فهي عام ق الحرمة فيهــا على مــد الصــوت، وبــذلك يصــبح داخال تحت عنــوان الغناء حتى مع انعدام الترجيع التطريبي فيــه. وبعبــارة أخــرى: إن ما استدل به على حرمة مطلـق الغنـاء هي هـذه الروايـات، الــتي تمدد من معنى الغنــاء ليشــمل تمديــد الصــوت وإن لم يطــرب أو

. وفي رده لهذا اإلطالق يقــول: إنــه لم يــر(108)يؤدي إلى التطريبــريحة في التحــريم، ولعــل الشــهرة تكفي، ــحيحة وص ــة ص رواي باإلضــافة إلى األخبــار الكثــيرة، مــع العلم أن اإلجمــاع واقــع على التحريم، مما يعني أن التخصيص يحتــاج إلى دليــل، كمــا يمكن أن يقــال بــأن األخبــار الــواردة في الموضــوع ليســت حجــة، ويكتفى باإلجمـــاع والشـــهرة على وجـــوب تـــوفر القيـــدين )الـــترجيع والتطريب(، فال حجة على غـيره، واألصـل في اإلباحــة قـوي، وإن

.(109)االحتياط واضح في األمرــذا ــرأي وه ــذا ال ــة وجــدناه يشــكك في صــحة ه وفي الجمل التعريف ضمن كتاب البيع، لكنه أضـحى متشــددا في الــدفاع عنــه ضمن كتاب الشهادات، بل ذهب إلى القول بأن العدول عنه ليس

صحيحا.

التعريف الثاني ــي ــدد الرئيسـ ــو المحـ ــرف هـ ــاء أن العـ ــرى بعض الفقهـ يـ والمفصــلي في تعريــف الغنــاء، وتعــيين مواصــفاته. وكثــيرون هم الفقهاء الذين قالوا بهذه النظرية، كالشهيد الثــاني في بــاب الــبيع

، والشــيخ محمــد(110)والشــهادات ضــمن كتابــه )مســالك األفهــام(



، والبحــراني في )الحــدائق((111)حسن النجفي في )جواهر الكالم(والفاضــل المقــداد في )التنقيح الرائــع( ،(113)، وفي )المناهــل((112)(114) .

وذهب الفقيه والبــاحث الحســيني العــاملي إلى أن التعريــفــاء ــع الفقه األول يرجع في نهايته إلى هذا التعريف؛ وذلك ألن جميــا مشتركون في اعتبار المعنى المشهور الذي يحدده العرف، وإنمــرف في ــان الع ــهم مك ــاء أنفس ــب الفقه ــف األول نص في التعريــة، تعريف الغناء، وهو يحمل في نفسه تجاوزا لالستعماالت العرفي فمن ضــمن القواعــد الفقهيــة أن الشــارع إذا لم يحــدد معــنى للمفهــوم فــإن العــرف موظف للقيــام بهــذه المهمــة، وذلــك ألن الخطابات الشــرعية ملقــاة للعــرف، والغنــاء واحــد من المفــاهيم التي أدلى الشارع بالحكم فيها، لكنه ترك مجــال تعريفــه للعــرف. وقد كتب يقول في توضــيح هــذه القاعــدة: واإلحالــة إلى العــرف، كالفاضــل المقــداد، والشــهيد الثــاني، بــل قــد نقــول: إن المعــنى المشهور ال يحكم العرف بســواه، ويرشــد إلى ذلــك جماعــة ممنفــه، كــالمحقق في شــهادات الشــرائع، والمصــنف في الكتــاب عر والتحرير واإلرشاد، ولم يذكروا له إال المعنى المشهور، ومــا ذلــك إال ألنه هو الذي يحكم به العرف، وإال لكان الواجب عليهم اإلحالة على العــرف كمــا تقتضــيه قواعــدهم؛ ألنــه لفــظ ورد من الشــرع تحريم معناه، ولم يعلم له معنى شرعي، فيحــال على العــرف.... فكيف يفسرونه بمعــنى يخــالف العــرف؟! إن ذلــك لمســتبعد في

. (115)غاية البعد ويعزو اإلمام الخميني ســبب اختالف تعريــف الفقهــاء للغنــاء إلى العرف الذي وكل له تعريفه، وبما أن فهم العرف متغير بتغير الزمن والمكان فإن هذا التغير أضفى على المعنى العرفي للغنــاء



اختالفــه وتنوعــه، وكــان ســببا موضــوعيا في إلحــاق التعدديــة.(116)بالمعنى

ر عن هذا المعنى في باب كذلك وجدنا المحقق األردبيلي يعب الــبيع، وكــذا في بــاب الشــهادات، وحيث نســب القــول إلى بعض األصحاب، فقد كتب في باب البيع قائال: ورده بعض األصحاب إلى العرف، فكل ما يسمى به عرفا فهو حــرام، وإن لم يكن مشــتمال

. ويرجع الدليل المعتمد في مــا(117)على الترجيع، وال على الطرب ذهبوا إليه بقوله: دليلــه أنــه لفــظ ورد في الشــرع تحــريم معنــاه، وليس بظاهر له معــنى شــرعي مــأخوذ من الشــرع، فيحــال على

.(118)العرفح المحقق األردبيلي هــذا المطلب بشــكل آخــر، حيث ويوضــ يبين أن موضــوعات األحكــام الشــرعية على نــوعين: قســم منهــا تكفل الشرع نفسه بتوضيحها وبيان حدودها المفاهيمية، كالصالة، الصوم، الزكاة، الحج، وغيرها؛ بينما هناك قســم آخــر تحــدث فيــه عن الحكم، لكن ترك مساحة للعرف في تعــيين حــدوده والجــانب المفهــومي فيــه. والمحقق األردبيلي يريــد من وراء اإلتيــان بهــذه القاعدة أن العرف وحــده المرجــع في تعــيين الجــانب المفهــومي

للغناء، وبالتالي وحده المشخص لحدوده العينية.

التعريف الثالث هناك قسم آخــر من الفقهــاء اعتــبروا قيــد التطــريب خارجــا موضوعا من معنى الغناء، واعتبروا أن الغنــاء هــو تمديــد الصــوت مع الترجيع )ارتعاش الصوت داخل الحنجرة(. وقد أشــار إلى هــذا المحقق األردبيلي في كتاب الشــهادات، حيث كتب يقــول: وبعض األصحاب ما قيد بالمطرب، فيكــون مطلقــا حرامــا عنــده، مطربــا



.(119)كان أم ال ويعيد اإلشارة إلى نفس المطلب ضمن كتــاب الــبيع، فيكتب قائال: ورده بعض األصحاب إلى العرف، فكل ما يســمى بــه عرفــا فهو حرام، وإن لم يكن مشــتمال على الــترجيع، وال على الطــرب. دليله أنــه لفــظ ورد في الشــرع تحــريم معنــاه، وليس بظــاهر لــه معنى شرعي مأخوذ من الشــرع، فيحــال على العــرف. والظــاهر

فيكون حراما؛ إذ يصــح، أنه يطلق على مد الصوت من غير طرب تقســيمه إلى المطــرب وعدمــه، بــل وال يبعــد إطالقــه على غــير

.(120)المرجع والمكرر في الحلق، فينبغي االجتناب وكأنه يريد أن يشير ضــمنا إلى مــا جــاء على لســان العالمــةــع ــاء: »ترجي فــا الغن في )القواعــد(، حيث يقــول هــذا األخــير معر

. وكما هو ظاهر فقيد )المطرب( غير وارد في(121)الصوت ومده«هذا التعريف مطلقا.

ويـــذهب المحقق األردبيلي في تقويـــة مذهبـــه في تعريـــفــواردة في نفس ــات ال ده الرواي ــاء تؤك ــاء إلى أن تحــريم الغن الغن األمر، وهناك بعض الروايات التفسيرية، وعلى العموم فإن الحكم بالحرمــة وارد في جميــع الروايــات الــتي تحــدثت عن حرمــة بيــع القينات والمغنيات أو شرائهن، فجاء تحريم مطلــق الغنــاء، بــدون

إحضار أي قيد من القيود المذكورة آنفا )التطريب أو عدمه(. ويرد على من ادعى أن ال رواية صحيحة وصريحة في حرمة الغناء حتى يتم تعميمهــا، وتصــبح حجــة في الموضــوع، بقولــه: إن دليــل حرمــة الغنــاء مطلقــا مــرده اإلجمــاع، أو الشــهرة بضــميمةــق ــاع المطل ــاع، وتخصــيص اإلجم ــبر اإلجم ــط يعت ــة، أو فق الرواي بالموارد التي يكون فيها الغناء مطربا، وبحصــول الــترجيع، مفتقــد

إلى دليل، وهي سالبة بانتفاء المحمول.



ويختم هــذا المبحث بطــرح إلشــكال آخــر مفــاده: إذا كــانت الروايات الــواردة في الغنــاء غــير صــريحة وغــير صــحيحة فيكــون المرجع في التحريم هو اإلجماع والشهرة، وقــد وردا مــع القيــدينــاط )التطريب والترجيع(، ومع عدمهما ال حجة على غــيره، واالحتي

.(122)واضح

نظرية حرمة الغناءــرن الســادس الهجــري اقتصــر عمــل ــة نصــف الق إلى نهاي الفقهاء على استظهار حكم الجــواري المغنيــات في تبــيين الحكم

، والصدوق(124)، وعلي بن بابويه(123)في الغناء. فها هو: فقه الرضاــد في )المقنعــة((126)، وفي )الهداية((125)في )المقنع( ،(127)، والمفي

،(129)، وابن البراج في )جــواهر الفقــه((128)والطوسي في )النهاية(، والراوندي في )فقــه القــرآن((130)والكيدري في )إصباح الشيعة(

، قد تحدثوا جميعـا عن حرمـة أجـرة المغنيـة، مـع قـولهم في(131) ، كمــا تحــدثوا عن(132)بعض األحيان بجوازه إذا كان عنــد العــروس

، وفي والمقابــل نجــد الطوســـي في(133)حرمـــة تعلمـــه وتعليمه، وابن زهرة في )الغنيــة((135)، والحلبي في )الكافي((134))الخالف(

ـــ مقتــديا بالطوســي( 137)، وابن إدريس الحلي في )الســرائر((136) في )الخالف( ـ، قد أفتوا بحرمة الغناء. وبعد هذا قال ابن إدريس،

بحرمة الغنــاء، واقتـدى جميـع،(138)والمحقق الحلي في )الشرائع( علماء الشيعة ـ إال القلة ـ به، واســتمروا جيال بعــد جيــل يثبت كــل

واحد منهم الحرمة، وال شيء سواه. وذهب المحقق االردبيلي إلى القــول بحرمــة الغنــاء، ويقــول في هذا المضمار: أما الغنــاء فال شــك في تحــريم فعلــه وســماعه

ــه ال خالف فيه ــدنا، لعل ــة ال شــبهة في(139)عن . ويضــيف: وبالجمل تحريم سماع الغناء وفعلــه عنــد علمائنــا، بــل ورد في البعض أنهــا



ــو ــني بله ــه المع ــار، فإن ــه الن ــه علي ــد الل ــا وع ــه مم ــيرة؛ ألن كب .(140)الحديث

مستندات نظرية حرمة الغناء تمثل الروايــات الــدليل األصــلي المعتمــد في االحتجــاج علىــاء. فلكي يثبت الفقهــاء هــذه الحرمــة اســتدلوا بهــذه حرمــة الغن الروايــات. كــذلك اعتمــد المحقق األردبيلي على هــذه الروايــات،

واكتفى بنقل مجموعة منها، مــع التأكيــد على( 141)التي عدها كثيرةــنى خــاص في هــذا الموضــوع، وهــو ــه مب أن المحقق األردبيلي ل مشــهور بين المحققين والفقهــاء، مفــاده أننــا ال نملــك أيــة روايــة صــحيحة وصــريحة في الحكم بحرمــة الغنــاء. من هنــا فــإن هــذه الروايات المستدل بها في الباب إمــا أن تفتقــد إلى ســند صــحيح،

، وروايــة إبــراهيم(143)، ورواية أبي أسامة(142)مثل: رواية أبي بصير ، وروايــة(145)، ورواية سعيد بن محمــد الطــاطري(144)بن أبي البالد

، وغيرها؛ وإما أن سندها صحيح، لكن داللتهــا(146)النضر بن قابوس ،(147)غير تامة أو غير صريحة في الحرمة، مثل: صحيحة أبي صباح

ال﴿، التي فسرت لفــظ الــزور في قولــه تعــالى: (148)ورواية حسنور بــأن المــراد بــه الغنــاء، ومثــل: صــحيحة أبي﴾يشهدون الــز

، الــتي جــاءت في الغنــاء في مجلس العــروس )الخــاص(149)بصير بالنساء(، مع غض النظــر عن بعض مــا يعتريهــا من مشــكالت في

. (150)السند والسؤال الملح بعد كل هــذا العــرض: مــا هــو دليــل المحقق

األردبيلي الذي استند إليه في القول بحرمة الغناء؟ لقد أشرنا إلى دليله في ما سـبق، وقلنـا: إنـه يقـول: حرمـة الغنــاء مســتندة إلى اإلجمــاع، أو إلى اإلجمــاع والشــهرة بضــميمة



ــل المحقق األردبيلي لم يكن ــ ــه قب ــ ــير إلى أن ــ ــات. ونش ــ الرواي االستدالل على حرمة الغناء سائرا وفق نظرية المحقق، بحيث إذا قالوا بدليل اإلجماع كانوا يضمون إليــه الروايــة، ولم يكن اإلجمــاع دليال بنفســه. وكمثــال على ذلــك الشــيخ الطوســي في )الخالف(، حيث كان أول من قال بدليل اإلجماع ـ ومبنى الشيخ هو اإلجمــاع

ــارهم« .(151)اللطفي ـ فقد كتب يقول: »دليلنا إجماع الفرقــة وأخبيعني أن دليل حرمة الغناء إجماع الشيعة والروايات.

ــا عنهمــا ــنى األردبيلي يواجــه إشــكالين ال نجــد جواب لكن مبضمن كالمه: هــل فعال وقــع اإلجمــاع بين الفقهــاء على تحــريماألول:

ــد ــه يري ــاع، فلعل ــاه في اإلجم ــد من البحث عن مبن ــ الب ــاء؟ ـ الغناإلجماع االمدركي ـ.

على فرض أن اإلجمــاع قــد حصــل واقعــا ـــ والــذيالثاني:ــذا يحتمل أنه قام من خالل الروايات ـ فهل يمكن االعتماد على ه

اإلجماع، ومن ثم الفتوى بناء عليه؟ الغناء المستثنى من حكم الحرمة )الغناء الجائز(

لقد استثنى العديد من فقهاء الشــيعة بعض المــوارد الــتي ال يعتبر فيها الغناء حراما. ولعل أشهر هذه المــوارد الــتي وقــع فيهــا

ونجــد المحقق . (152)االســتثناء غنــاء النســاء في مجلس العــروساألردبيلي قد حقق في أربعة موارد مستثناة من الحرمة:

ـ النواح على الميت. 1. ^ـ رثاء وندب اإلمام الحسين وأهل البيت2ـ الغناء واإلنشاد عند العروس في محفل النساء. 3ـ الحداء.4

فقد قال في كتـاب التجــارة: إن النــواح على الميت إذا كـان ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

91هـ1433م ـ 2012


على شــكل الغنــاء جــائز؛ وذلــك لصــحيحة أبي بصــير، واإلجمــاع،وسيرة المتشرعة.

ــرم ــبي األك ــاس زمن الن ــان الن ــد ك ــور|فق ، وفي زمن حضــا ــه إلى يومن ــوا علي المعصــومين، ينوحــون على أمــواتهم، وال زال

، مع اإلشارة إلى أن الغناء ال يمكن أن يتم بدون أن يكــون(153)هذاــاء ــورة الغن ــواح(154)على ص ــواز الن ــة على ج ــاءت األدل ــد ج ، وق

باإلطالق، لدرجة تشمل ما جاء منه على شكل الغناء.

×الغناء في مجالس عزاء الحسينــاء ــأن الفقه ــال المحقق األردبيلي ب ــاب الشــهادات ق في كت

، واســتثنوه من×اعتبروا حلية الغناء في مجــالس عــزاء الحســين الغناء الحرام. وضمن كتــاب التجــارة، ومن دون أن يســند القــول بالحليــة إلى أحــد من الفقهــاء، اعتــنى بعــرض األدلــة الدالــة على

الجواز، وكانت على الشكل التالي: ـــ دليــل حرمــة الغنــاء اإلجمــاع؛ وذلــك لعــدم وجــود روايــة1

صحيحة وصريحة في الحرمة، فتجري قاعدة األصل، ليكون الغناء حالال إال في المــوارد الــتي ثبتت فيهــا الحرمــة بالــدليل. واإلجمــاع الذي يمثل الدليل على حرمة الغناء لم يشــمل الغنــاء في مجلس

، فيكون األصل فيه الجواز والحلية. ×عزاء اإلمام الحسين من×ـــ قــراءة العــزاء في مجــالس الحــزن على الحســين2

مصاديق النوح، وال يوجد اختالف في وجهــات نظــر الفقهــاء حــولــا في ــا كونه حلية النواح على الميت، بل إن اعظم مصداق لحليته

، واألدلــة المعتمــدة في الحليــة قــد×مجلس عزاء ســيد الشــهداءتمت اإلشارة إليها.

×ـ الدليل أو المؤيد اآلخر كون البكاء على اإلمام الحســين3



ع من إيجاد هذا األمر، بل عمال مطلوبا، وثوابه عظيم؛ والغناء يوســاء في هــذا المجلس(155)يعتبر أحد معداته . وبعبارة أخرى: إن الغن

.(156) عبادة×هو الذي يجيش البكاء، والبكاء على الحسين لقد كان المحقق األردبيلي سباقا بامتياز في االستدالل علىــه أحــد. ــاء في المــورد المــذكور، بحيث لم يســبقه إلي جــواز الغن وبطبيعة الحال فإن الجواز في المورد المذكور يبتني على قاعدته جواز آخر يشمل كل ما يكــون في مــدح اللــه ســبحانه وتعــالى أو قراءة القرآن أو الشعر الديني أو مـدح بيت النبـوة والعصـمة، مــا دامت كلها من أجل ترقيق القلوب وحملهـا إلى مزيـد من التعلـق بالله سبحانه وتعالى، والتوجه الخالص إليه، فــإن تحريــك القلــوب وتوجيهها نحو الخالق األوحد أمر في حد نصاب العبادة، وكل غنــاء كانت هذه أهدافه، وهو في ذاته طريق إلى تلك المــوارد، البــد أن

يكون جائزا وممدوحا. ـــ ســيرة المتشــرعة، حيث إن الغنــاء في مجــالس العــزاء4

الحسيني كـانت تجـري في العديـد من البلـدان اإلسـالمية بشـكل. (157)علني، بحيث ال يمكن إنكارها أو ادعاء خالفها

ويمكن إضافة دليل آخر على الجواز، وهو أن الغنــاء بحســب ×الظاهر مجلبة للطرب، وهو حرام، لكن الغناء في رثاء الحسين

ليس فقط أنه ال يجلب الســرور والطــرب، بــل أنــه يجلب الحــزنر المطــرب في كتــاب(158)ويدخل الغم ، لكننا وجدنا المحقق يفســ

ــزن ــذا جلب الح ــرور، وك ــرح والس ــمل جلب الف ــهادات ليش الش. (159)والغم

: جــوازاألولوبالجملة فــإن األردبيلي يخلص إلى مــوقفين: ،×الغناء إذا كان المقصود بـه رثـاء وبكـاء ونـدب اإلمـام الحســين

. (160)وفي غير هذه الصورة يكون حراما



إنــه في كتــاب الشــهادات، ورغم كــل هــذه األدلــة،الثاني: ــاء في ــول بجــواز الغن ــاطؤ في الق ــل والتب ــوع من التأم يالحــظ ن المجــالس الحســينية، ويقــول: »واالســتثناء مشــكل مــع الصــدق،

. (161)واألحوط االجتناب«ــه نوعــا من وفي خصــوص اســتثناء مــوردين آخــرين نجــد ل التأمل، وال يتضح لــه حكم قــاطع وصــريح فيهــا. ومن يهمــه األمــر

ـ59:ــ 8نرجعه إلى مباحث المحقق األردبيلي في مجمع الفائــدة .337: 12؛ 60

الهوامش

التطور التاريخي النبعاث البحث الفقهي حول الغناء والموسيقى

(*)الشيخ رضا مختاري


تمهيدــة من لقد تميز الفقه عن باقي العلوم؛ لما له من مكانة هام مختلف األبعاد والحيثيات. فحيــاة الفــرد المســلم والمجتمــع تــدور

باحث وأستاذ في الحوزة العلمية، من أبرز المختصين)*( *بالتراث الديني، له كتابات وتحقيقات عدة، من إيران.



مدار ما يستنبطه الفقيه من أحكام تشريعية. لــذا فعــدل المنطــق أن نقول: إن إحيــاء وتجديــد البحث الفقهي ليس من مقــدور أحــد ســوى علمــاء الحــوزة العلميــة والمــدارس المختصــة في العلــوم الدينية، بل إن إحيــاء البحث الفقهي وتجديــده يجب أن يصــبح من أولويات هذه المدارس والحوزات العلمية، فمهمتها اليــوم تنطلــق من رفع موانع تجديد هذا العلم، وانتزاع ما يعترض هذه الطريــق، والعمل على استيعاب مشكالت المجتمع وتحديات العصر؛ حتى ال يبتعــد المجتمــع والفــرد المســلم عن الحــدود الشــرعية، ويطلب

اإلجابات عن كل التحديات اليومية من غير الشرع. لن يكون البحث في الموروث الفقهي عملية سهلة ويسيرة؛ نظرا لكون الفقه من العلوم القديمة. فقد ظهــر علم الفقــه قبــل ألــف سـنة. لــذا فـإن األمــر يســتدعي اإلحاطــة التامــة بـالموروث الفقهي، كما أن إعمــال النظــر في هــذا المــوروث، والتعــرض لــهرا إال من خالل االطالع على بالنقـــد أو التزكيـــة، لن يكـــون ميســـ المراحــل الــتي قطعهــا الفقــه في مــراتب التطــور واالســتكمال، والظواهر التي واكبت هذا التطور، أو كــانت ســببا في اتخــاذ علم الفقــه لمنحى دون آخــر. كــل هــذا يصــبح ممكنــا من خالل قــراءة

الموروث الفقهي. ومن المهم اإلشــارة إلى كــون مقــاطع مهمــة من المــوروث الفقهي ال زالت ضـــمن المخطوطـــات الـــتي تنتشـــر في أرجـــاء مختلفة من المكتبات الخاصة أو العامــة، ممــا لم يــؤمن للبــاحثين والمهتمين االطالع على مكامنها. وما ظهــر منهــا فهــو في صــورة صعبة أو غير محققة. مع مالحظة أن العديــد من العلمــاء العظــام ممن دونوا كتبا في الفقه أو في بعض أبوابه كانت لهم إلى جانب ذلك رسائل متعــددة في مســائل مختلفــة من المواضــيع الفقهيــة كتبوها بشــكل مســتقل، كصــالة الجمعــة في زمــان الغيبــة، تقليــد



المرجع الميت، تقليــد األعلم، خــراج األراضــي، الغنــاء، الرضــاعة، إرث الزوجة، العدالة، القبلة، ثبوت الهالل، الطهــارة والنجاســات، ذبائح أهل الكتــاب، إلى غــير ذلــك من المواضــيع المتفرقــة. وقــد تحـــدث العالمـــة حســـن زادة آملي عن أهميـــة هـــذه الرســـائلــبر رســائل المســتقلة في مواضــيع الفقــه المختلفــة، قــائال: »تعت العلماء ذات مكانــة كبــيرة في الــتراث العلمي، فقــد عملــوا فيهــا على إفـــراد بعض الموضـــوعات الفقهيـــة بـــالبحث والتـــدقيقــثر وتخصيصها بطول النظر والتحقيق. لذا جاءت في مضــمونها أكــة«. وإن غنى من األبحاث المبسوطة في الكتب والمؤلفات العام تصحيح ونشر إحدى عشرة رسالة فارسية كانت بمثابــة فتح كبــير في التعرف على هذا الموروث، وإن ترتيب هــذه الرســائل وجمــع مواضيعها الواحد إلى جــانب اآلخــر يفســح المجــال لإللمــام التــام بالموضــوع، وبالتــالي يحــدد الحكم الشــرعي واألدلــة المســتنبطة منها، مما يعود على الفكر اإلسالمي، وخاصــة الجــانب التشــريعي

منه، بالفائدة. ــاء، ــام الفقهـ ــتي حظيت باهتمـ ــة الـ ــيع الفقهيـ من المواضـ وخصصوا لها أبحاثا منفردة في رسائل متعددة، موضوع »الغناء«، وخصوصــا أنــه من المواضــيع الكبــيرة المبتلى بهــا، ومن تحــديات العصر والمرحلة. ولحسن الحــظ فــإن العديــد من الرســائل الــتيــلت إلى كتبت في »الغناء« بقيت مصونة من حوادث الدهر، ووص أيدينا سالمة. وقد تقدم صاحب هــذا المقــال بعــرض اقتراحــه فيــاحثين، نشر هذه الرسائل إلى ذوي االختصاص من المحققين والبــاالت إلى المحققين والمهتمين وذلك قبل ست سنوات، ضمن مق

، مهـــر وآبـــان55 ـ 54:ـــ 3وهش، العـــدد پـژفي مجلـــة »آيينـــه هــ.ش. وقـد عهـد إلينـا، إلى جـانب مجموعـة من الــزمالء،1369

تصحيح وعرض نمــاذج أولى من هــذه الرســائل. وقــد كنــا طرحنــا ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، ربيع االجتهاد والتجديد96

هـ1433م ـ 2012


ــذا الموضــوع على ســماحة الشــيخ صــادق ــل ثالث ســنوات ه قبــد أبــدى قبولــه، بشــرط أن يبــدأ العمــل ضــمن الريجــاني، وق

«،#التحقيقــات الــتي تجــرى في المدرســة العلميــة »ولي العصر وأن يكون موضوع الغناء الخطوة العملية األولى في هذا الميدان، وإن شاء الله سيتم عما قــريب نشــر أول نمــوذج لهــذا المــوروث الفقهي في أكثر من ألفي صفحة. وســنعمل ضــمن هــذه المقالــة على عرض تعريف مجمل؛ حتى ترتسم للقارئ صورة عن طريقة العمل وخطوطه العريضــة. إذا فهــذه الســطور هي مجــرد رؤوس أقالم، والتفصيل فيهــا ســيكون في مقدمــة المــيراث الفقهي إلى

جانب التوضيحات الكافية. يشتمل ملف: الموروث الفقهي / الغناء على خمسة أقسام،

مرتبة بالشكل التالي:القسم األول: رسائل الغناء.

القسم الثاني: كلمات متفرقة حول باب الغناء. ــاء القسم الثالث: ببليوغرافيا الكتب التي تتناول موضوع الغن

من الناحية الفقهية. القسم الرابع: األحاديث التي جاءت في الغناء.

القسم الخامس: الغناء في فكر مدرسة أهل السنة.وهذا عرض مختصر لما تحت هذه العناوين الخمسة.

القسم األول: الرسائل المصنفة في الغناء هذا القسم، الذي يعد أهم األقسام وأكثرها تفصــيال، يشــتمل على حوالي ثالثين رسالة فقهية في الغناء، وهي من تأليف فقهاء بارزين، مصححة، وقد رتبت وفق تاريخ وفاة مؤلفيها، وتم نشرها.ــاء تفــوق وتجدر اإلشارة إلى أن فقهاءنا قد ألفوا رســائل في الغن هــذا العــدد بكثــير، لكنننــا لم نتوصــل إال إلى هــذه الثالثين، وضــاع



ــذا ــأليف في ه ــا أن الت ــد أن ظنن ــدة. فبع ــباب عدي ــاقي؛ ألس البــع ــق والبحث ووض ــبين؛ ومن خالل التحقي ــان قليال ت ــوع ك الموضــواريخ وفــاة الرســائل إلى جــانب بعضــها البعض، مــع مالحظــة تفيها، واعتبــارات أخــرى، أن الكتابــة في هــذا الموضــوع كــانت مؤل كثيرة، وانكشف لنا وجود ثالثين رسالة مخطوطة. مع التنبيه علىــترتيب أن تصــحيح وتنقيح، ومن ثم نشــر هــذه الرســائل وفــق ال التاريخي، مجلبة للفائدة الكثــيرة، نــذكر اليســير منهــا في النقــاط

التالية: ــانوا1 ـ يظهر السجل الذاتي للعديد من العلماء الكبار أنهم ك

دائمي البحث والتحقيــق، وقــد بــذلوا مجهــودا كبــيرا في مناقشــةـا من ـ العديد من المواضيع المبتلى بها. وبعد الفحص والبحث تمكن الحصول على عدد من الرسائل حول موضــوع الغنــاء. وبمالحظــة هذه النسخ تبين لنا أن ما كتبــه هــذا الســلف الصــالح من الفقهــاء والعلماء حــول موضـوع الغنـاء هــو في واقـع األمـر أكـثر من هـذاــر. فبعض العدد بكثير، الشيء الذي لم نكن نتصوره في بادئ األمــف الحجب ــل: كش ــا كمصــادر، مث ــاد عليه ــتي تم االعتم الكتب ال واألســتار، وأهم منــه »الذريعــة«، للعالمــة الطهــراني، لم تعــرف سوى بثلث عدد هــذه الرســائل، ولم يكن لصــاحب الكتــاب اطالع كامل على الرسائل األخرى، وهذا في حد ذاتــه يــبين أن االعتمــاد على هذه المصادر غــير كــاف في التعــرف الكامــل على موروثنــا الفقهي القديم. وللمثال: فإن هذه الكتب المصــادر األم لم تعطنــا أيــة معلومــة عن رســالة الشــيخ الحــر العــاملي في الغنــاء، وهــذا يدعونا إلى البحث في هذه الرسائل المتبقية نفسها، وبالفعل فإن

ما أفرزته من معلومات هام جدا. ـ إن معرفة المرحلة التاريخيــة النشــغال الفقهــاء والعلمــاء2



القدامى بأحد الفروع الفقهية، ومعرفة المراحل التي قطعهــا في مجال التطور، عمل يفســح الكثــير من الفــرص أمــام االســتنباط، وهذا ال يتيسر إال في ضوء ما نقوم به من دراســة لهــذه الرســائل

المخطوطة. إن أول رســالة كتبت في الغنــاء تعــود للمحقق الســبزواري)

هـ(، ولم نصل إلى رسالة أقدم من هــذا التــاريخ، لكن عــدد1090 الرسائل التي كتبت في الغناء بعد المحقق السبزواري وإلى يومنا هذا كبــير جــدا، وهــذا يكشــف عن أن موضــوع الغنــاء لم يكن من

ســنة من تاريخنــا، وبالتــالي لم1000المواضيع المبتلى بهــا قبــل تكن هناك من ضرورة فقهية تدفع إلى أن يفرد علماؤنــا القــدامى رسائل لهذا الموضوع. ولعلنا نستطيع حصر األسباب الموضــوعية

لوفرة التأليف في الغناء بعد المحقق السبزواري في عاملين: أــ نمـو التفكـر الصــوفي واتســاع مسـاحته داخـل المجتمـع، وذلك في أواخر الحكم الصفوي، فأصبحت أدبياته وأساليبه، والتي كان السماع والغناء يمثل ركنا مهما فيها، تستقطب أفئدة النــاس بشكل كبير، مما حدا بالعلماء؛ ومن موقع حفظ الدين وحراســته، إلى التأليف حول التصــوف. وقــد كــان القــدر الكبــير منصــبا على أدبياتهم وشطحاتهم، وبالتالي كثرت الكتابــة في الغنــاء والموقــفــا ــر: »االثن ــال، ال الحص ــبيل المث ــذكر على س ــه. ون ــرعي من الش

، و»الســهام المارقــة« للشــيخ&عشرية«، للشــيخ الحــر العــامليــاملي ــتي&علي الع ــائل ال ــد من الرس ــافة إلى العدي ــذا باإلض . ه

اختصت بباب الغناء، وأفردته بالتحقيق والبحث. ــل من: الفيض ــة ك ــاني نظري ــداعي الث ــون ال ــد يك ــ وق ب ـ الكاشاني في باب الغناء، الــتي أدلى بهــا ضــمن كتبــه: )الــوافي(، و)المحجــة البيضــاء(، ومفــاتيح ومقــدمات )تفســير الصــافي(؛



والمحقق السبزواري صاحب )الكفاية(، الــتي تحــدث عنهــا ضــمن هذا الكتاب، وضمن رسائل مستقلة، حيث قال باســتحباب التغني بالقرآن. وقد كانت هــذه النظريــة ســابقة تاريخيــة، جــرت تبعــات وردات فعل كثيرة، حيث شــمر العديــد من العلمــاء للــرد عليهمــا، ونقد هذه النظرية، ضمن رسائل خاصة بالغناء، من بينها: رســائلــالم؛ كل من: الشيخ علي العاملي حفيد الشيخ حسن صاحب المع المال إسماعيل الخواجوئي؛ المير لوحي؛ والشــيخ الحــر العــاملي.ــالك ــيته على »مس ــاني في حاش ــد البهبه ــيح وحي ــد كتب الش وق األفهام« يقول: »وصـاحب )الكفايـة( اسـتثنى الغنـاء في القـرآن. وسمعت أن الفضالء كتبوا رسائل كثيرة، أزيد من عشرين رسالة،

ردا عليه«. وتجدر اإلشارة إلى أنه قــد كتبت رســائل أخــرى في الغنــاء،

مؤيدة لنظرية التغني بالقرآن، ومدافعة عنها. وحاول آخرون كتابة رسائل تدافع عن العزاء الحسيني، وترد على الشبهات التي أثــيرت حولــه، مبينــة أن عــزاء ســيد الشــهداء

ال يدخل ضــمن الغنــاء، وال يجب إخضــاعه لحكم الغنــاء×الحسينمطلقا. ـــ إن أســلوبنا في دراســة الرســائل الــتي كتبت في الغنــاء3

تكشف لنا عن قيمــة اجتهــادات الفقهــاء في هــذا الموضــوع، ومــا ابتكروه من نظريات جديدة مستنبطة من أدلتهــا التفصــيلية. كمــا تفسح المجال أمامنا لمعرفة الكتب أو الشخصيات العلمائية الــتي كان لها تأثير على الفقهاء ضمن هذه الرسائل. وفي موازاة ذلــك تكشف لنــا عن مــدى تــأثير هــذه الرســائل على األوســاط العامــة والمقلدة. فهذه الرسائل هي مجال الستخراج العديد من األبحاث والمواضيع الـتي تجعلنـا في الحـد األدنى نفقــه مـراد الفقهــاء في

ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد100هـ1433م ـ 2012ربيع


الموضوع، وتجعلنا ندرك صدر وذيل كالمهم والقرائن الحافة به. ـ كما أن طريقة العمل هذه تجعــل مســاحة المصــادر أكــبر4

ــد المـــدرس والفاضـــل ــاحث، أعم من المجتهـ ــام البـ ــثر أمـ وأكـ والطالب، بحيث إنه بعيــدا عن اإلرث الفقهي وعمــا يفتحــه عملنــا من مجال للحصول عليه واالطالع عليه بشكل كبير لن يكــون في وســع هــؤالء البــاحثين الظفــر بــأكثر من رســالة أو رســالتين فيــأنهم قــد ال يكــون لهم أي اطالع أحسن األحوال، هذا إذا لم نقل ب

على وجود هذه الرسائل من األساس.5 ـ كما سبق وقلنا فــإن جمــع هــذه الرســائل وترتيبهــا ترتيبــا

خاصا وإلى جانب بعضها البعض يكشــف لنــا عن معلومــات كثــيرة في الموضوع، وإن كــان مجــرد إحيــاء الــتراث في حــد ذاتــه عمال عظيما وجم الفائــدة في معرفتــه، إلى جــانب كــون التعــرف على هذه النسخ، وإخراجها إلى جمهور القراء والبــاحثين، يفتح أمــامهم آفاقـــا جديـــدة في التعـــرف على مـــؤلفين ربمـــا لم يســـبق لهمــكاالت معرفتهم، ومن ثم تصحيح الفهارس، ويعمل على رفع اإلشــات النســخ ــتي توجــد في بعض فهــارس وببليوغرافي واألخطــاء ال الخطية التي توجد في المكتبــات وغيرهــا من األمــاكن المختصــة. ونحن في عملنا إنما نكتفي بالرســائل الــتي تتحــدث عن موضــوع الغناء، وقد ال يكون هناك جديد فقهي في الموضـوع، ولكن عملنــا كان تجميع هذه الرســائل، ومن ثم تحقيقهــا وتصـحيحها. وقـد عــد عملنا هذا شاقا؛ بلحاظ ما قمنا به من البحث عن هــذه الرســائل،ــيرة والمنتشــرة على وتجميعها من المكتبات الخاصة والعامة الكث طول أرجاء إيران، وهو العمــل الــذي تطلب جهــودا كبــيرة كثــيرة وزمنا تجاوز السنتين، ولعــل العــدل واإلنصــاف يطلب القــول بــأن

هذا العمل بهذه الصفات البد وأن يسفر عن الجديد.



نعم، قد تكون ضمن هذه الرسائل بعض الفقرات المتكررة، كتلك التي اهتمت باستحضار معاني الغناء في اللغــة واالصــطالح، لكن ليس من العدل القيام بحذف هذه القطعات تحت أية ذريعة؛ ألنها جزء من تلك الرسائل، وال يجوز لنا إجراء أي بتر، أو إخضــاع هــذه الرســائل للجــرح أو التعــديل، فهي جــزء مــوروث من كبــار

علمائنا، وجزء هام من الموروث الفقهي. وهذا القسم من عملنا يشــمل العديــد من الرســائل الهامــة، والبحث فيه مهم وشيق للغايــة، مثــل: رســائل كــل من: المحقــق الســبزواري، والشــيخ الحــر العــاملي، ومحمــد رســول كاشــاني، والمولى حبيب اللــه الكاشــاني، والشــيخ محمــد هــادي الطهــراني حفيد الوحيد البهبهاني، والشهرستاني، والكشميري، وغيرهم كثر.

وسيكون ضمن السطور القادمة فهرس كامل لهذه الرسائل. وتجدر اإلشارة إلى أن هناك رسائل أخرى لعلمــاء وفقهــاء ال زالوا على قيد الحياة. ولتعميم الفائدة واإلحاطة الكاملة بمــا كتب في موضــوع الغنــاء ســنتحدث عن هــذه الرســائل والكتب ضــمن القسم الثالث لهذا المقال، الذي خصصــناه لببليوغرافيــا الرســائل

التي كتبت في الغناء.

القسم الثاني: أقوال متفرقة في باب الغناء باإلضافة إلى الرسائل المســتقلة، والــدوريات الفقهيــة الــتي تشــمل كــذلك أبحاثــا في الغنــاء، أدرج علماؤنــا بعض األقــوال المتفرقة حول الغناء ضمن آثــارهم األخــرى، وذلــك إثــر تعرضــهم لمبحث الغناء. وقد غــابت عن العديـد من طالب الفقــه والفقهــاء؛ إما ألنهم لم يسمعوا بها؛ أو إنهم سمعوا بهم ولكن لم يتمكنوا من الحصول عليها. من هنا فعملنا يتيح االطالع على هــذه اآلثــار الــتي



تعرضت لمبحث الغناء، والتعريف بهــذه الــدوريات والكتب، وذلــك في القسم الثالث من بحثنا، وفي القسم الثاني سنقوم بعرض ما قيـــل في الغنـــاء خـــارج الكتب المختصـــة والـــدوريات الفقهيـــة. وبالمناسبة فإن بعض هذه األقوال ما زال في صورة مخطوطات، ولم يتم نشره قبل هذا، من قبيل: بعض استفتاءات حجة اإلســالم

الشفتي، وكتاب »حديقة الشيعة«، للرضوي. وكمثال عمــا ســنقوم بعرضــه ضــمن القســم الثــاني: خطب الســيد المرتضــى علم الهــدى المتعلقــة بالغنــاء، الــتي جــاءت في كتابــه »األمــالي«. كــذلك خطب كــل من: العالمــة الشــعراني في حواشـــيه على )الـــوافي(، والعالمـــة المجلســـي األول، والســـيد الشفتي في بعض استفتاءاته، واألســتاذ جالل الــدين الهمــائي في تعليقاته على )مصباح الهدايــة(، وخطب اإلمــام الخميــني الخاصــة بموضــوع الغنــاء، وســنعرض عن عــرض خطب الكتب والــدوريات الفقهية التي يسهل الحصول عليهــا أو الــتي تم االطالع عليهــا من لدن شريحة عريضة من طلبة الفقه والفقهاء؛ وذلك منعا للتكرار. وسنقوم بإعطاء فهرس كامــل يغطي كــل الكتب والــدوريات ومــا

شاكلها حول الغناء. القسم الثالث: ببليوغرافيا الغناء

يشتمل هذا القسم على ثالثة فصول، وهي:اآلثار المستقلة.الفصل األول: اآلثار غير المستقلة.الفصل الثاني:

اآلثار التي تم نشرها. الفصل الثالث: وفي الفصل األول نعرض بإجمــال جميــع الرســائل، أعم منــخص التي لها نسخ أو ليس لها نسخ. ومن خالل هذا القسم سنش عدد الرسائل التي كتبت في الغناء، التي ضاعت أو لم نتمكن من



الحصول عليهــا، ومــا هــو عــدد الرســائل الــتي وصــلتنا، والــتي تمنشرها.

وفي الفصل الثاني سندرج عنـاوين الــدوريات الفقهيــة الـتي تشتمل على مباحث في الغناء، ونعــرض بالتــالي مواقــع موضــوع

الغناء فيها.ل ـــ بالرســائل وفي الفصل الثالث سنعرف ـ وبشــكل مفصــوالكتب التي كتبها المعاصرون لنا حول الغناء، والتي تم نشرها.

ويالحظ أننا في الفصل الثالث سنقدم للباحثين وطلبة الفقه مجموعة من الكتب والدوريات التي لم نتعرض لهــا في الفصــلين األول والثاني، سواء بلحــاظ كــون هــذه األخــيرة تتضــمن مطــالب أكــثر ممــا عليــه الرســائل أو بلحــاظ كونهــا خارجــة تخصصــا عن المجموعة األولى والثانية؛ بلحاظ كوننا نقتصر فيهــا على مــا كتبــه

الفقهاء والمختصين، الذين ال زالوا على قيد الحياة.

القسم الرابع: أحاديث الغناء ونورد ضــمن هــذا القســم جميــع األحــاديث الــتي جــاءت في الغناء، مع ذكر ســندها ومتنهــا. وهي األحــاديث الــتي اســتخرجناهاــا. باإلضــافة من الرسائل التي كتبت في الغناء، وتم االستشهاد بهــالكتب ــة، ك ــاءت ضــمن المصــادر الحديثي ــتي ج ــاديث ال إلى األح األربعة، والبحار، والوافي، والوسائل، والمســتدرك، وكتب أخــرى، مرفقة بجميع التوضيحات الالزمــة، مــع عرضــها في نظم وتــرتيب خاص؛ وذلك لتسهيل البحث أمام الباحثين والمشتغلين باألحــاديث

الفقهية حول الغناء. ونلفت نظر الفضالء إلى أن عملنا هــذا في تجميـع الروايــات التي وردت في الغناء، وترتيبهــا بنفس الشــكل الــذي ذهبنــا إليــه،



عمل جديد في حــد ذاتـه، ولم يســبق إليـه، وإال لـو وجــدناه لكــانحسبنا؛ ألننا في عملنا هذا ال نروم التكرار أبدا.

القسم الخامس: أهل السنة والموقف من الغناء لقــد خصصــنا األقســام األربعــة الســابقة لمدرســة الشــيعة،ــك ــني؛ وذل ــه الس ــاء في الفق ــاب الغن ــم لب ــذا القس ــنا ه وخصص العتبارات خاصة، أهمها: ما أدلى به السيد الــبروجردي حين قــال:ــل حاشــية على الفقــه الســني، وإنــه مــا لم إن الفقه الشيعي يمث يطلع الفقيه والمجتهــد على الفقــه الســني فــإن عمليــة اســتنباط الحكم الشرعي تصبح عمليــة صــعبة، وقــد تخطئ في العديــد من

ــح إال^المواطن؛ ألن العديد من أحاديث أئمتنا المعصومين ال تتضبالنظر إلى مذهب العامة وكالمهم.

ــاحث من هنا ارتأينا أن نأتي ضمن هذا الفصل بخالصــات لمب الغناء وفق المذهب السني، تشبه ما جئنا به في األقسام األربعة، بحيث نطرح نماذج لقســم الرســائل، فنـأتي برسـالتين في الفقـه حول الغناء؛ واحــدة تقـول بـالتحريم؛ وأخــرى بالحليـة، حــتى نـتيح للباحث الشــيعي االطالع على األســلوب الفقهي الســني، وكيفيــة تناولهم للموضوع من خالل االســتدالل واالســتنباط، باإلضــافة إلى أن بعض علمائنـــا قـــد عمـــدوا إلى النقـــل من آثـــار العامـــة في

استداللهم على الحكم الشرعي في موضوع الغناء. كما سنعمل ضمن هذا القسم على درج ببليوغرافيا للرسائل

المستقلة حول الغناء، وكذا الدوريات الفقهية.ــاء، ومن ثم وفي الختام سنعمد إلى تجميع أحاديثهم في الغن

درجها بشكل منظم. وفي ختام هــذه الصــورة المجملــة عن العنــاوين والمواضــيع التي سنعمل عليها ضمن مشروعنا الفقهي هــذا البــد من التــذكير



باألمور التالية: ـ إن هدفنا من هذا المشروع الفقهي يكمن في عدة أمور:1

ــة إحياء الموروث الفقهي، وتعبيد الطريق أمام الباحثين من الطلب والفقهاء؛ للظفــر بالمصــادر واالطالع على طــرق اســتنباط الحكم الشرعي في الغناء، وإبداع أسلوب جديد في إحياء هذا الموروث، وجلب أنظار طالب العلوم الدينية وعلمائها نحو آثــار أســالفنا. من هنا نحن في هذا المشروع العلمي لسنا في صدد طرح الفتوى أو ترجيح أحد الموقفين: الحلية أو الحرمة، على اآلخر، بل عملنا هــو في كبراه ملتزم بعرض هذا الموروث الفقهي كما هــو، وتجميعــه، وتصحيحه. وبمعــنى آخــر: عملنــا ينحصــر في عــد هــذا المــوروث، وترتيبــه بشــكل ينســجم ومعطيــات الموضــوع والحكم الشــرعي. وإجمــاال فعملنــا يقــوم على هــدف خــدماتي، بحيث نهــيئ أرضــية االستنباط للباحث والفقيه، وعموما فمشروعنا خارج تخصصــا عن

دائرة القول بالحرمة أو بالحلية. ـ نود أن نشير إلى أن عدد الرسـائل الـتي تم طبعهـا حــتى2

% من العـدد الكلي للرسـائل لم90اآلن قليل جدا، وأن ما يعادل يتم طبعه، أو أنه تم طبعه طباعة حجرية تكاد ال تخلو من األخطاء

واألغالط الكثيرة. ـ إن العديد من هذه الرسائل ليس له سوى نسخة واحدة،3

وقد تم تصحيحها، ممــا يعــني أن عملنــا في التعامــل معهــا يصــبحمضاعفا، بحيث نصحح النسخة األصلية، ونصحح ما تم تصحيحه.

ــة، لم يتم4 ــة، كالذريع ــة المهم ــ ضــمن الكتب الببليوغرافي ـ التعريف سوى بثلث مجموع الرسائل التي كتبت في الغناء، وأمــاــق ــل والتنقيب العمي ــا البحث الطوي ــا أجرين ــثين اآلخــرين فإنن الثل للحصول عليهــا، واســتخراجها من الكتب المتنــاثرة بين المكتبــات

العامة والخاصة على طول مساحة إيران.



ــة5 ــل في عملي ــا األفاض ــد من زمالئن ــاهم العدي ــد س ــ لق ـ التصــحيح، والتعريــف، وإعــداد النســخ والمطبوعــات. لكن الجهــد األكبر والمســاهمة الكــبرى كــانت لســماحة األخ الفاضـل محســن

صادقي. ومن يروم المزيد من التوضيحات حول مشــروعنا، وطريقــة عملنا، فإننا نحيله إلى مقدمــة »المــوروث الفقهي«، حيث ســيجد

فيها ما يجيب عن تساؤالته واستفساراته.

ــاء ــول الغن ــوروث الفقهي ح ــع الم ــروع جم ــرس مش فهوالموسيقى

ولمزيد من المعلومات هذا فهرس القسم األول والثاني منمشروعنا العملي »الموروث الفقهي / الغناء والموسيقى«:

ـ الرسائل المفردة المستقلة1 ـ رســالة الشــيخ2هـ(. 1090ـ رسالة المحقق السبزواري)1

ــ(. 1103علي العــاملي) ــ رســالة الشــيخ الحــر العــاملي)3هـ ـ ـ5هـــ(. 1113ـــ رســالة المــير لــوحي الســبزواري)4هـــ(. 1104

ــدارابي) ــد ال ــالة محم ــ(. 1130رس ــد6هـ ــيد ماج ــالة الس ــ رس ـ ـــ رســالة المال إســماعيل7هـــ(. 1152 البحراني)عاش خالل سنة

هـ(.1208ـ رسالة السيد حسين القزويني)8هـ(. 1173خواجوئي) ـــ رســالة المــيرزا10هـــ(. 1216ـ رسالة عبد الصمد الهمــداني)9

هـــ(.1258ـ رسالة محمد رســول كاشــاني)11هـ(. 1231القمي) ـ رســالة آغــا13هـ(. 1260ـ رسالة محمد جعفر الشهرستاني)12

ــاهي) ــود كرمانش ــ(. 1269محم ــود14هـ ــيد محم ــالة الس ــ رس ــــ رســالة المال نظــر علي الطالقــاني)15هـ(. 1291الخوانساري)

ــ(. 1306 ــميري)16هـ ــوي الكش ــدي موس ــيد مه ــالة الس ــ رس ـ



هـــ(.1319ـ رسالة الميرزا عبد الغفار تويســركاني)17هـ(. 1309 ـــ منظومــة19هـــ(. 1320ـ رسالة محمد إبــراهيم األنجــداني)18

ـــ رســالة الشــيخ هــادي20هـــ(. 1321الشــيخ هــادي الطهــراني)ــراني) ــ(. 1321الطه ــنقري)21هـ ــين س ــيرزا حس ــالة الم ــ رس ـ

ـــ رســالة23هـــ(. 1339ـ رسالة يوســف األردبيلي)22هـ(. 1322 ـــ رســالة الســيد24هـــ(. 1340المال حبيب الله شريف الكاشاني)

ـ رسالة محمد الحســيني25هـ(. 1346مهدي رضوي الكشميري) ــ رســالة الشــيخ محمــد26هــ(. 1355المرعشي)عاش في سنة

ــا النجفي) ــ(. 1362رض ــيي)27هـ ــاغي األروم ــرب ب ــالة ع ــ رس ـهـ(.1378 ـ رسالة الشيخ محمد علي سنقري)28هـ(. 1369

ـ األقول المتفرقة 2ــوال الشــيخ الصــدوق)1 ــ أق ــ(. 381ـ ــوال الســيد2هـ ــ أق ـ

ـــ أقــوال4هـــ(. 726ـ أقوال العالمــة الحلي)3هـ(. 436المرتضى) هـــ(.974 المير صدر الدين )الصغير( محمد الدشــتكي)عــاش في

ـ أقــوال المال6هـ(. 1070ـ أقوال العالمة محمد تقي المجلسي)5 ـ أقوال الســيد محمــد المــير7هـ(. 1078محمد علي السبزواري)

ــ(. 1085لــوحي)عــاش في ــني)8هـ ــ أقــوال المال خليــل القزوي ـ ـــ أقــوال10هـــ(. 1090ـ أقوال المحقق السبزواري)9هـ(. 1089

ـــ أقــوال الشــيخ علي العــامي)11هـــ(. 1091الفيض الكاشــاني) ـ أقــوال13هـ(. 1104ـ أقوال الشيخ الحر العاملي)12هـ(. 1103

ـــ أقــوال الســيد علي14هـ(. 1110العالمة محمد باقر المجلسي) ــــ أقـــوال عبـــد الحي الرضـــوي15هــــ(. 1120خـــان المـــدني)

ـــ أقــوال المال إســماعيل16هـــ(. 1152 الكاشاني)عاش في سنة ـ18هـــ(. 1180ـ أقــوال حــزين الالهيجي)17هـ( 1173خواجوئي)



ـــ أقــوال المال19هـــ(. 1216أقوال آغا محمــد علي كرمانشــاهي) ــ أقـوال الســيد كـاظم20هــ(. 1259محمد مهــدي اإلســترآبادي)

هـــ(.1260ـ أقوال حجة اإلسالم الشــفتي)21هـ(. 1260الرشتي) ـــ أقــوال المال محمــد23هـــ(. 1297ـ أقوال المال آغا دربنــدي)22

ـ أقوال الشيخ محمــد حســين اإلصــفهاني)24هـ(. 1297النراقي)ــ(. 1308 ــدارني)25هــ ــدين المازنـ ــيخ زين العابـ ــوال الشـ ــ أقـ ـــ أقوال المــيرزا أبـو الفضــل الكالنـتري الطهــراني)26هـ(. 1309ــ(. 1342ـ أقوال السيد عبد الحســين اآلري)27هـ(. 1316 ـ28هـ

ـــ أقــوال الشــيخ29هـــ(. 1344أقوال محمد معصــوم الشــيرازي)ــ(. 1355الحــائري الــيزدي) ــي)30هـ ــل كروس ــوال الفاض ــ أق ـ

ـــ أقــوال الشــيخ محمــد حســين كاشــف الغطــاء)31هـــ(. 1365 هـــ(.1386 ـ أقوال السيد هبة الدين الشهرستاني)32هـ(. 1373

ـــ أقــوال األســتاذ34هـــ(. 1393ـــ أقــوال العالمــة الشــعراني)33ــري) ــ(. 1399الشــهيد مطه ــدين35هـ ــوال األســتاذ جالل ال ــ أق ـ

ـــ أقــوال الشــيخ محمــد رضــا الطبســي)36هـــ(. 1400الهمــائي) ــ أقـوال38هــ(. 1409ــ أقـوال االمــام الخميــني)37هــ(. 1405

ـــ أقــوال الســيد الكلبايكــاني)39هـــ(. 1413الســيد الخــوئي)هـ(.1415ـ أقوال الشيخ األراكي)40هـ(. 1414

وكما أشرنا في مقدمة الموضــوع فــإن بــاب الغنــاء هــو أولــوروث موضوع أخذناه في إطار التجميع والبحث ضمن »طرح الم الفقهي الكبــير«. وقــد نظمنــاه في خمســة أقســام، بلغت مــا مجموعه ألفا صفحة. وإن المواضيع التي سوف نختارهــا ســتكون على نفس الطراز المتبع في موضوع الغناء، مع اإلشارة إلى تنوعقا وذا المواضيع ضمن هذا الموروث، ممــا يجعــل البحث فيهــا شــي

فائدة كبيرة.



فهرس مشروع التراث الفقهي العام ـ والية األب والجد.3ـ والية الفقيه. 2ـ الغناء، الموسيقى. 1

ـ الحــدود، القصــاص، الــديات،7ـ القضاء. 6ـ االرتداد. 5 ـ الربا. 4 ــ العدالــة )المعتـبرة9ـ الحق والحكم. 8التعزير، التبعيد، الحبس.

ــي والمفــتي والحــاكم و...(. ــ األمــوال، الــدرهم10في القاض ـ ـ13ــ الضـرائب. 12ـ األرض )أراضـي الخـراج و...(. 11والدينار. ــاة. 14الخمس. ــ الزك ــاحهم،15ـ ــائحهم، نك ــاب )ذب ــل الكت ــ أه ـ

ـ18ـــ تقليــد األعلم. 17ـــ البلــوغ )البنت والولــد(. 16طعــامهم(. ـــ الضــرر22ـــ التقيــة. 21ـ القبلــة. 20ـ الوقت. 19تقليد الميت.

ـ اللباس25ـ قاعدة اليد. 24ـ قاعدة ال تعاد. 23والعسر والحرج. ــ أخـذ األجــرة على28ـ الكفـارات. 27ـ النية. 26المشكوك فيه.

ـــ الموســع31ـ صالة المســافر. 30ـ صالة الجمعة. 29الواجبات. ــ إرث المــرأة. 34ـ االرث. 33ـ مناسك الحج. 32والمضيق. ـ35ـــوة. ــة. 36الحبـ ــ المتعـ ــل37ــ ــريض )في مقابـ ــ منجزات المـ ــ

ـ39ــــ األمـــر بـــالمعروف والنهي عن المنكـــر. 38المعـــذرات(. ـ العقود واإليقاعات.40الوقف.


العالمة الشعراني والموقف من الغناء والموسيقى•

العالمة الشعراني والموقف منالغناء والموسيقى

(*)د. أكبر إيراني القمي

ترجمة: نظيرة غالبمقدمة

ــاب ــة أبي الحســن الشــعراني على كت ــد حواشــي العالم تع )الـــوافي( من المطـــالب العلميـــة القيمـــة، ومن التحقيقـــات واالجتهادات األصولية من العيار الثقيــل بامتيــاز. وقــد كــان الغنــاء واحدا من المواضيع الهامة التي تعرض لها ضمن هذه الحواشــي،ن ضــعف حيث عمــل على نقــد آراء بعض الفقهــاء في الغنــاء، وبي تحــاليلهم وآرائهم في الميــدان، وخصوصــا في مــا يتصــل باعتبــار

العرف مالكا في تشخيص الغناء الحرام. إن طرح هذه اآلراء واالجتهادات في موضوع الغناء من شأنه المساهمة الفعلية في توسيع دائرة البحث، من خالل النقــد الــذيــام ــال أم ــح المج ــد، ويفس ــنع الجدي ـه يص ـ ــاره أن ــون أولى ثم تك اســـتخالص آراء حديثـــة، بشـــرط أن تنطلـــق من المعطيـــات االجتماعيــة والثقافيــة لزمانهــا، بمعــنى أن يكــون البحث وفــق

الشروط الموضوعية الجديدة والعصرية.

الشعراني ونقد رأي الشيخ األنصاري في الغناء ن العالمة الشعراني وجهة نظــر الشــيخ األنصــاري &ابتداء بي

أستاذ جامعي متخصص في الفلسفة اإلسالمية، وخريج)*( *الجامعة اإلسالمية في لندن، ناشط في مجال تحقيق التراث.


د. أكبر إيراني القمي•

في الغناء، ليعرض بعدها وجهة نظره الشخصية، ويفسر ما تفيــده الروايــات الــواردة في الموضــوع. فقــد كتب يقــول: »لقــد اجتهــد

أثناء تعرضه لموضوع الغناء في&المحقق الكبير الشيخ األنصاري طرح مطالب غنية وشاملة قل لها النظير والمثل. فهــو قــد ينظــر إلى شــجو الصــوت بحيث يكــون لغــرض اللهــو، وفي هــذه الحــال يكــون حرامــا، ســواء تضــمن فعال حرامــا أو ال، فتكــون األصــوات

اللهوية حراما«. لكن العالمة الشــعراني، وباســتناده إلى روايــة كــان الســائل

: »الــتي×فيها يسأل عن كسب المغنية؟ وكــان جــواب المعصــوم يدخل عليها الرجــال حــرام، والــتي تــدعى إلى األعــراس ليس بـه

ــال(162)بأس« ، كتب يقول: »يعني أن غناء المرأة في محضر الرج األجــانب حــرام، أمــا كســب الــتي تــدعى إلى أعــراس النســاء فال إشكال فيه«. يقــول العالمــة الشــعراني: إن ظــاهر هــذا الحــديثر عن الشــهوة، ــة الــذي يعب ن أن صوت المــرأة األجنبي الشريف يبي ويؤدي إلى الريبة، وشجو الصوت في حد ذاته، ســواء كــان قبيحــا وغير موزون أم كان حسنا وموزونا، من نــوع الغنــاء الحــرام، وأن

االستماع إليه حرام. ومن تلــك الروايــات مــا روى علي بن جعفــر، نقال عن أخيــه

ــراح×موســى بن جعفر ــاء في مجــالس األف ، عن الحكم في الغن : »ال بــأس بــه، مــا لم يعص×وعيد الفطر واألضحى؟ وقــد أجــاب

. فال إشكال فيه إذا لم يكن موجبا للمعصية أو مقرونا بمــا(163)به«يوجبها.

الشعراني وتبني القول بنفي الحرمة الذاتية للغناء يرى العالمة الشعراني أن الحديث يبين أن الصــوت لذاتــه ال



.(164)يحتمل الحرمة، وهو بذلك يخالف نظر الشيخ األعظم ، حيث سئل عن كسب×والحديث الثالث عن اإلمام الصادق

،(165)المغنية؟ فأجاب: »ليس به بأس إذا لم يدخل عليها الرجــال«ــذا يعني أن الغناء حالل بشرط أن ال يدخل عليها رجال أجانب. وهد ما ذهبنا إليــه في أن حرمــة كســب المغنيــة ليس حرامــا في يؤيــرف ــوتها من ط ــماع ص ــر بس ــرم حين تعلق األم ــا ح ــه، وإنم ذات األجانب، وقد استثني الغناء في مراســم العــرس؛ من جهــة كــون األجانب ال يحضرونه، وليس ألنه يقع في العرس، فــالعرس هنــا ال موضوعية له في االستثناء. أما إذا صار األمــر على العكس، بحيث صار االختالط واقعا في حفالت األعراس، وغــير واقــع في غيرهــا،بع، فيصبح حراما في األعراس، وجائزا في ر بالت فإن الحكم سيتغي غيرها. وبالتالي فإن أجرة المغنية بقصد اللهو في مجالس الرجال األجانب يكــون حرامــا، أمــا إذا كــان في مجلس النســاء، كمجلس

العروس )حفلة الزفاف(، فهو حالل وجائز. ويالحظ عــدم ذكــر الروايــات لحكم غنــاء الرجــل؛ وذلــك ألن المرأة عادة هي التي تمارس الغناء. وإلى يومنــا هــذا فــإن نســبة المرأة في ميدان الغناء أكبر مقارنة مــع الرجــال المغنين، وال يتم دعوة الرجل إلى مجالس اللهو إال إذا كــان مشــهورا بتمرســه في

فنون السماع والغناء وعرف بصوته الحسن، وهي حاالت نادرة. وبناء عليه فإذا كان غنــاء الرجــل في مجــالس الرجــال، ولم

عبــارات ومعــاني الكفــر والفســق، يكن كالمه مما يدعو أو يحمل ولم يكن فيه هجاء أو مســاس بــاألعراض، ولم يقــترن بموســيقى

، فإن صوته ال يكون من الغنــاء الحــرام، مــع وجــود(166)آالت اللهو اختالف في اآلراء في المســـألة. ويشـــمل هـــذا الحكم األناشـــيد الحماسية التي تقال في حالــة الحــرب؛ لتشــجيع الجيــوش، ورفــع



معنوياتهم، واألشــعار الداعيــة إلى رفض العصــبيات بكــل ألوانهــا،الدينية والعرقية و...، والمناهضة لكل دعوات التفاخر واالستعالء.

ويالحظ في كل الروايات أن السؤال كان موجهــا إلى أشــياءمتعلقة بالغناء، وليس إلى الغناء بذاته.

ــو الحســن الرضا ــال: ســئل أب اء ق عن شــراء×وعن الوشــ المغنية؟ فقال: »قد يكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إال ثمن

.(167)الكلب، وثمن الكلب سحت، والسحت في النار«ــة التركيب اللفظي المنظوم والصوت الشجي ال يحمــل قابلي اللهو، حتى لو كان المغني قادرا على تحويله إلى لهــوي، بقراءتــه ــا وفق الوزن المناسب واإليقاع الجيد، والسيما أن اإليقاعــات غالب مــا تــدفع إلى الرغبــة في الــرقص. أمــا إذا كــان الصــوت مطربــاــو ــرقص، وتناســب ومجــالس الله ــه إيقاعــات ال ــا، ورافق وموزونــا ــ أو م ــات ـ ــا من اإليقاع ــد المغني نوع ــنى أن يوج واللعب، بمع يسمى في لغــة الموضــة بـــ )الــريتم( ـــ والهــزات الصــوتية، الــتي يستطيع من خاللها إعطــاء غنج ودالل لصــوته، وخصوصــا إذا كــان ضمن ما ينشده من أشعار عبارات مبتذلة طابعهــا العــام مناشــدة الشــهوة، فــإن هــذا كلــه قــادر على التــأثير الســلبي على نفســيةــتقرار ــزان واالس ــة االت ــه من حال ــادر على إخراج ــتمع، وق المســة، العاطفي إلى حالة تشبه ما يكون عليه السكران إلى حد الثمال بحيث تصبح كل قوى النفس في قبضة الشهوات، وال يعود للعقل

قدرة على تنبيه النفس من غفلتها. إذا فإن مــا اســتنبطه العالمــة الشــعراني من روايــة علي بن جعفر، ورواية حرمة كســب المغنيــة، أن مجــرد الصــوت ليس لــهــا يكــون موضوعية في الحكم بالحرمة، لكن إذا كان الصــوت لهوي

مصداقا للغناء الحرام.



ويضيف الشعراني، معقبا على مفهوم الروايتين: الظاهر أنــة ــع الجاري ــة حكم شــراء وبي ــان معرف صــرف ســؤال الســائل كــاجر في ــال من يت ــا، فح ــوتها وغنائه ــول ص ــة، ولم يكن ح المغني الجــواري المغنيــات أنــه يســهر الليــالي ذوات العــدد في تعليمهن الغناء بالصوت الحسن والمــدلل، كمــا يعمــل على تعليمهن كيفيــةــك من أجــل أن العزف على آالت العود وغيرها من اآلالت، كل ذل يزيد من ثمنها، لذلك كان سؤال السائل عن الحكم في ما يكسبه

من وراء عمله، ولم يكن يستفسر عن الحكم في غنائها.

علة تحريم الغناء عمــا يعقــد في×في حديث آخر سأل رجــل اإلمــام الصــادق

.(168)بيت جاره من مجالس الغناء...ن أن ســبب اعتبــار الغنــاء حرامــا هــو كونــه وهذا الحديث يبي سببا في االستماع إلى صوت المرأة األجنبية. وربما يرجع هذا إلى كون صوت المرأة ـ كما بدنها ـ عورة، ويحرم االستماع إليــه، كمــا يحرم النظر إلى بدنها، وقد جاء األمر بــأن ال يخضــعن في القــول، أو لعله راجع إلى كون صوتها في الغنــاء موجبــا لتحريــك الشــهوةــا، ووفــق لحن وموســيقى ن عنــد الرجــل، وخصوصــا إذا كــان ملح

لهوية، وفيه رقة ودالل. وبالطبع فإن حضور الرجال ورؤيتهم للمرأة المغنيــة ال يمكن

أن يكون هو سبب إيجاد الحكم بحرمة الغناء.ــة ــة على حرم ــل دالل ــديث يحم ــذا الح ــد البعض أن ه ويعتقــة، ولم يكن االستماع إلى الغناء، ولو لم تتغن به المــرأة أو الجاري موجبا لتحريــك الشــهوة. ووفــق هــذا الــرأي يصــبح ســماع صــوتــذه ــمن ه ــا ض ــية ونحوه ــعار الحماس ــه باألش ــاء تغني ــل أثن الرج



ــني أســتبعد أن يكــون الحكم م. لكن المجموعــة من الغنــاء المحــرموجها إلى الغناء بهذا الشكل.

موقف الشيخ الطوسي والفيض الكاشاني ذهب الشيخ الطوسي في كتابه )االستبصار( إلى جواز الغناء في حالة عدم تضمنه لكالم باطل، ولم يرافقه العزف على اآلالت الموسيقية اللهوية، لكن إذا تضمن الغناء العزف على آالت اللهــو، وكانت كلماته مبتذلة، وتــدعو إلى الباطــل والمفســدة، أو اســتفاد من األمــور الــتي تكــون عــادة في اللهــو، أصــبح حرامــا. وقــد بين الفيض الكاشاني أن ما يسـتفاد من كالم الشـيخ أن حرمــة الغنـاء جاءت بســبب اســتعماله في اللهــو والعمــل القــبيح، وليس الغنــاء

حراما لذاته. قــا على هــذا الــرأي: إن وجهــة وكتب العالمة الشعراني، معلــيخ ــر الش ــها نظ ــاني هي نفس ــن الفيض الكاش ــر المال محس نظــا البعض الطوسي، وقد اعتبرها البعض وقبل بها، بينما لم يقبل به اآلخر. وأما من قال بحرمة الغناء في نفسه فقد رأى أن األصوات

الحالل خارجة موضوعا عن مبحث الغناء.

الغناء، السماع، القول: الغناء والسماع الصوفي أســـفر البحث عن كـــون الغنـــاء في كالم العـــرب ولغتهمــق على وأشعارهم، كما هو عند الفقهاء وأهل األدب والبالغة، يطل مطلق الصوت، أو على كل صوت عال، مــع وجــود الــترجيع فيــه، حـــتى ولـــو لم يكن جميال وحســـنا، ولم يكن ينم عن الرغبـــات

والشهوات. ومن هنا يصبح »القول والسماع« غناء. ويطلق القول ويراد بــه الكالم عمومــا، وقــد يــراد بــه الغنــاءــالس ــمع في مج ــوال« على المس ــق لقب »الق ــرب. ويطل المط

الصوفية. وأما السماع فقد يراد به مطلــق االســتماع إلى كــل خطــاب



فــه بأنــه الغنــاء، وقــد قيــل: »رب ســماع وصــوت، وهنــاك من يعرحسن سمعته من حسن«.

م فكــذلك وكما أن القول والسماع في اللغة أعم من المحــر الغناء وتمديد الصوت وترجيعه أعم من الصوت الحــرام، فمطلــق

الغناء ومد الصوت ال يكون حراما. ــنى الشــرب، ومثاله: لفظ الشراب. فالشراب في اللغة بمع وفي هذه الصورة ليس حرامــا، لكنــه في االصــطالح أصــبح يعــنيــذلك هي ــاءت في الشــراب المســكر. وك ــة ج المســكر، والحرم كلمات الغناء والسماع والقول، فإنها ـ مثل الشراب ـ تنقسم إلى الحالل والحرام، لكن لكثرة اســتعمال القســم المــذموم والحــرامــاء ذهب في لسان الشرع أصبحت له الغلبة، وصار إذا أطلــق الغنــا يخص البدعــة، فهي إلى الحرام منه. ونفس الشيء نجده في م في األصل بمعنى الشيء المحدث والحادث، لكن لغلبة استعمالها في الجانب السلبي والمذموم أصــبح كلمــا أطلــق لفــظ )البدعــة( انصــرف إلى الجــانب المــذموم والســلبي، دون غــيره. وقــد قــال

الشاعر يصف حمامته:ت أبهت الناس إذا هي غن

حسنها وأطرق إجاللها كل

(169)حاذق

ن ويالحظ أن الغناء أطلق هنا على هــديل الحمــام، وهــذا يــبي أن المراد بــه االســتعمال اللغــوي للفــظ، وليس هنــاك حرمــة في االستماع الى أصوات الطيور والحيوانات وااللتذاذ بما تصــدره من نغمات وتغريد. وكذلك يطلق الغنــاء بمعنــاه اللغــوي على النياحــةر على الشــهوة أو يكــون مجلبــة والمراثي، وال يالحظ فيها مــا يــؤث

للرذيلة والفسوق.

الغناء وفق ألحان مناسبة ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

117هـ1433م ـ 2012


يذكر أن إبراهيم الموصلي ـ موسيقار هارون الرشيد ـــ قــاليت بالمــديح ــاختالف موضــوعه: »إذا تغن يصــف اللحن المختلــف ب ففخم، أو بالنســـيب فأخضــع، أو بــالمراثي فــاحزن، أو بالهجـــاء

فشدد«. أي إنه في حالة المدح يكون اللحن واإليقــاع غليظــا مفخمــا، وفي النســيب يرقق اللحن واإليقــاع كأنــه فيــه انخفــاض، أمــا في المراثي فاللحن يكون حزينا، وأما في الهجاء فــإن وزنــه واإليقــاع

. (170)الشعري فيه يفرض أن يكون اللحن فيه ثقيال غليظا ويقول أرباب الموســيقى وفنانوهــا: إن الغنــاء هــو مــا أيقــظ فيك الوجد، ومأل نفسك طربا، وجعل فؤادك يهفــو شــوقا وفرحــا، أو أن يشغل وقتك ويمأل فراغك، أو أن يجعل عبرة الحــزن تغــرق عيناك، وتحبس أنفاسك عن الخروج؛ من شــدة الحــزن والشــعورــاء ال يختص بإيقــاظ ــا أن الغن ضح لن بألم الفراق واألسى. وهكذا يت نار العشق والبكاء على المعشوق، كما ال يكون في اللهو والهزل، بل كذلك يكون في المراثي والمــآتم ومجــالس العــزاء، يســتعمل

لتهييج اإلحساس بالحزن، وتعبيرا فنيا عن الحزن واألسى.

العالج بالموسيقى لقد قيل الكثير عن فوائد الموسيقى، وتأثيرهــا اإليجــابي في عالج العديد من األمراض النفسية باألخص. وذهب العديد يســتخبرـة، ــاء يخفف العلـ ــوال، ليخلص إلى أن الغن ــذه األق ــة ه عن حقيق ويقوي الطبيعة. ومن األمثلة على ذلك: ما جاء في أحوال يعقوبــابين ــزف على بعض المص ــرب الع ــدي، حيث ج ــحاق الكن بن إسن أن نغمة العــود كــان لهــا تــأثير باألمراض العقلية السريرية، وتبيــل ضيهم، واســتجابوا لك فعال، حيث أبدى المرضى تجاوبا مع ممر ما يطلب منهم، لكن ما إن كف العود عن العزف حتى عــادوا إلى



ــوا في نــوم عميــق، ملجمين عن الحركــة، حالتهم الســابقة، ليغط. (171)كأنهم ينتمون إلى عالم غير هذا العالم

الثناء على الصوت الحسن نستطيع القول ـــ وبشــكل مختصــر ـــ: إن المــزج بين الغنــاء والعــزف على اآللــة الموســيقية محــدث ألصــوات ونغمــات توجــدر فيها بشكل ملحوظ، وفي المقابــل فإننــا تفاعال في النفس، وتؤث ال نســتطيع الحكم على مطلــق الصــوت الشــجي والنــبرة الجيــدة

×والجذابة بالحرمة، حيث تــذكر لنــا الروايــات أن اإلمــام الســجاد كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، وقد كان الناس يتركون أعمالهم

.(172)ويجتمعون إلى حائط بيته يستمعون إليه لما اســتمع إلى رجــل يتلــو القــرآن،|ويروى أن النبي األكرم

ــير داوود«، ــارا من مزام ــد أوتيت مزم ــه: »لق ــال ل ــه، ق ويتغنى ب قد أوتي مزمارا من مزامير داوود، أي إن|بمعنى أن النبي األكرم

الله سبحانه وتعالى قد وهبــه صــوتا ملكوتيــا، لكن النــاس لم تكنلهم القدرة على سماعه.

أنه قال: »من لم يتغن بالقرآن فليس منا«.|وروي عنه بقســط من مالــه لمن ينوحــه في×وقد أوصى اإلمام الباقر

أيام الحج في مــنى بعــد مماتــه، وغــير خفي مــا يمتلئ بــه صــوت النائحات من نغمات الحزن واألسى، وما المآتم إال إلظهار الحــزن واألسى. وكذلك األمر بالنســبة لصــوت الحــادي، حيث يعمــل علىر من نغمات صوته وألحانه، فقد يرجع ويمــد في إيجاد تركيب مؤثــوت ــة ص ــال بحرم ــرين ق ــد من األولين وال اآلخ ــوت، وال أح الص

الحادي أو صوت النائحة. وبلحاظ تلك المصــاديق، الــتي يصــدق عليهــا الغنـاء والتغني،



نميل إلى عــدم قبــول نظــر الشــيخ في )االستبصــار(، حيث جعــلــيين مالك ــد من تع ــل الب ــا، ب ــاء منحصــرا في الصــوت مطلق الغن التحريم، ومن خالل هذا المالك يتعين لدينا أي األصوات تدخل فيهــا خارجــة موضــوعا منــه. فالصــوت ليس هــو ســاحة الحرمــة وأي المالك الذي يحدد به النوع الحرام من غيره، لكن موضــوع الغنــاء واألجواء التي يكون فيهــا هي العامــل األولي والنهــائي في تحديــدك الشــهوات، فيجعلهــا تتحــرك نحــو الحرام منه. فالغناء الذي يحرــة الحرام والرذيلة والفساد، أو يوقظ روح العصبيات القبلية، الديني أو المذهبيــة، حتى تشــتعل فيهــا النفس الشــيطانية، فتقــدم على قتل النفس المحترمــة أو انتهــاك عرضــها، كــل هــذا يشــكل مالكــوت حكم ــاء والص ــدت في الغن ــتى وج ــتي م ــه، ال ــريم وعلت التحضــح أن مالك التحــريم كونهــا ســببا في فعــل بالحرمة. ومن هنا يت

الحرام، فتشملها أحاديث التحريم وفتاوى الفقهاء.

الغناء الباعث على الحزن أو الفرح إن الصوت واللحن الذي يدفع باإلنسان إلى التوجه نحو ربه،ع وتصــفية ويقوي فيــه الرغبــة في الخلــوص إليــه بالتوجه والتضــر الروح له في العبادة، ويبعد النفس عن االنغماس في متــاع الــدنياــات اإلنســان، فتجعلــه يشــعر وبهرجتهــا الفانيــة، بــل يرفــع معنويــا أصــابهم، ــالحزن واألســى لم ــوة، فيشــعر ب ــة بيت النب بمظلوميــرقى ــاة لهم، وي ــوع العين مواس ــل دم ــوع القلب قب ــذرف دم ويــذه ــل ه ــدي شــمائلهم، ك ــاقبهم، وتهت ــل من ــالنفس إلى أن تمتث ب المواضيع خارجة عن دائرة الحرمة، وتكون عقالئيا في نفس رتبة

القراءة الحسنة للقرآن، ولها حكم التغني به، والترغيب فيه. نقل الراغب في كتاب )المحاضرات(، وقــد بكى ماســرجويه



من قراءة أبي ـ رضي الله عنه ـ فقيــل لــه: كيــف تبكي لكتــاب ال.(173)تصدق به؟ فقال: أبكاني الشجا...

ــا يســر وقال إبراهيم الموصلي: »أمر الصوت عجيب، منه م سرورا يرقص، ومنه ما يبكي، ومنه ما يكمد، ومنه ما يزيل العقل حتى يغشى على صــاحبه، وليس يعــتري ذلــك من قبــل المعــاني؛ــه، ــوس إلي ألنهم في كثير من األحوال ال يفهمون، وقد تسكن النف وذلك موجود في أكثر البهائم والــدواب، إذا غنى المكــاري صــرت

. (174)آذانها« وبالتأكيد فإن الغناء الذي يكون الغرض منه إشعال نار الفتنةــة، في النفس، والدفع بها نحو ممارسة بعض السلوكيات المنحرف

،(175)كالرقص أو معــاقرة الخمــرة أو االرتمــاء في أحضــان الرذيلة هو المقصود بالغناء اللهوي، الذي جاءت فيه األحاديث والروايات، كمــا أنــه يشــكل مصــدر رزق المغنيــة أو المغني، بمعــنى أن هــذا النوع من الغناء حرفة لمن يتعاطاه. أما حين يكــون الغنــاء موجبــا للبكاء، كبكاء العشاق )عشق مجازي(، وبكـاء من خمـر عقلـه من كثرة الشرب، فهذا الغناء هو اآلخر يدخل في الحرمة، وال يستثنى منه سوى ما يكون في مجالس العزاء والمراثي، أو في الموعظة وذكر الجنة والنار، فهــذا خــارج عن دائــرة الحرمــة موضــوعا، ولم

تشمله الروايات التي جاءت في حرمة الغناء. ونظرا إلى شمول لفــظ الغنــاء لكال النــوعين فقــد تســتعمل بعض ألحان الحالل في مجالس اللهو والفسق والفجــور، كمــا قــد تســـتعمل بعض ألحـــان أهـــل الفســـق في مجـــالس الموعظـــة والمــراثي، فتكــون األولى حرامــا، وتكــون الثانيــة حالال؛ ألن مالك الحرمة والحليــة هــو الموضــوع ومــوارد االســتعمال، وليس اللحن

في ذاته .



ــوز ــا، وال يج ــا مطلق ــون حرام ــان تك ــاك بعض األلح لكن هن اســـتعمالها في تالوة القـــرآن أو في المواعـــظ والمـــآتم، كتلـــكــتي اســتعملت خصيصــا لتتناســب ــالرقص، ال ة ب ــان الخاصــ األلح وحركات الــرقص. واألمثلــة على هــذا النــوع كثــيرة، فــرغم كوننــاــوع من ننطلق من االعتقاد بعدم حرمة اللحن لذاته، إال أن هذا الن األلحان حــرام، وال ينظــر إلى موضــوعه، فال يجــوز اســتعماله في

موارد العبادة مطلقا. ولعل السبب في هذا االســتثناء األخــير أنــه لــو اســتعمل فيــا ــ ــة، أدى الى توهينه ــ ــرآن أو الموعظ ــ ــراءة الق ــ العبـــادات، كق والمســاس بقدســيتها، والســيما أنهــا قــد عــدت ألحــان وإيقاعــاتــاء اللهــوي. الــرقص والشــهوة حرامــا، ومن جملــة مصــاديق الغن وتستعمل موسيقى الرقص في مجــالس الــرقص واللهــو واللعب، ويختار لها إيقاعات خاصة ـ مع اختالف هذه اإليقاعات بين الشرقــد ــهوات، وتغليب البع ــارة الش ــر إث ــا عنص ــ روعي فيه ــرب ـ والغ الحيواني في اإلنسان على البعد العقالني واإلنســاني. وال تنحصــر هذه الموسيقى الحرام في ذاتهــا في الموســيقى المســتعملة فيــر عنهــا بموســيقى وألحــان الــرقص ألنهــا أبــرز الــرقص، ولكن عب مصاديقها، وإال فإن الموسيقى في بعض الثقافــات تحمــل معــاني في التجسيم أو الشرك واالنحراف، والظاهر أن نطــاق اســتعمال مصطلح الموسيقى أكبر من أن يحصر الحرام منها في موســيقى

الرقص أو اللحن الغنائي. ــتي وإذا رجعنا إلى مجالس تالوة القرآن أو مجالس العزاء ال

ــين بن علي ــام للحسـ ــومين من بيت|تقـ ــة المعصـ وبـــاقي األئمـ فإن األلحان والنغمات التي تتم بها خالية من كل ما يالزم^النبوة

الموسيقى واأللحان المثيرة للشهوة، أو التي تجــري في مجــالس



اللهو واللعب والفسق والفجــور. كمــا أنهــا ليســت عــامال أو باعثــا على الفساد واالنحراف، بل هي ـ على العكس من ذلــك ــ عامــل في اســتجالب الحــزن اإليجــابي، الــذي يســتتبعه التفكر في اللــهــذلك ــه. وك سبحانه وتعالى، والرغبة في التزام ذكره والخلوص إلي

عامــل في التــبري من’هي في مجــالس عــزاء الحســين بن علي الظلم، وما يستتبعه من مالزمة طريق الحق. لذا فــإن هــذا اللحنــزاء تجــرأ ــارئ الع ــو أن ق ــذا التغني يصــبح أمــرا مســتحبا. ول وه واستعمل بعض ألحان أهل الفسق أو ألحان الــرقص لغــدا مــدعاة

، كما أن أهل الفسوق(176)لالستهزاء وموضعا لسخرية المستمعين قد يتغنون ببعض اآليــات القرآنيــة أو بعض شــعر الرثــاء، مــرفقين ذلــك بــالرقص أو الضــرب أو التصــفيق وغــيره، وكــل هــذا حــرام.

دا. فقراءة القرآن باأللحان واإليقاعات اللهوية حرام مؤك

الشعراني ونقــد نظريــة اإلرجــاع إلى العــرف في مســألةالغناء

لقــد قــام العديــد من الفقهــاء األجالء في تشــخيص موضــوع الغناء باإلرجاع إلى العرف، وهو األمر الــذي قوبــل بــرفض شــديد

من العالمة الشعراني، ووجده أسلوبا خاطئا. يقول في نقد وتحليــل هــذه النظريــة: جــاء لفــظ التغني في

. وكتب ابن(177))المصــباح المنــير( بمعــنى الصــوت، ومــد الصــوتــراد بــه كــذلك األثير في )النهاية( أن الغناء عنــد العــرب يطلــق وي

ع(178)الصــوت المرتفع . هــذا التفســير لقي القبــول لــدى أهــل التتب والتحقيق، لــذلك اعتــبر حجــة في موضــعه. لكن بعض المتــأخرينــترفوا حصل لهم التوهم، فحكموا على مطلق الغناء بالحرمة، واع في المقابل بأن مجرد الصوت أو مد الصوت ال يكون حرامــا، لــذا لم يســتطيعوا إعطــاء تعريــف تــام لمفهــوم الغنــاء )خصوصــياته،



مالكه، وتشخيص موضوعه(، ولم يســتطيعوا قبــل هــذه المعضــلة تفهيمه لآلخرين. وللتغطية على عجزهم تجدهم يرجعــون الســائل

ــة، فكيــف نطلب(179)إلى »العرف« . وهذا اإلرجاع غير صــائب البت من الناس الذين يعجزون كل العجــز عن تحديــد معــنى الغنــاء أن يعطوا مراد غيرهم منه، وهم في هــذا وذاك النحــوي الــذي يرجــع تفسير الرفع أو النصــب والجــر إلى العــرف ســواء! وغــير معلــومــان أخص من المعنى العرفي للغناء في زمن صدور األخبار، هل كــرفي ــنى الع ــه على المع ــتطيع حمل ــتى نس ــوي، ح ــنى اللغ المع

المتداول آنذاك، أم ال؟ لكن القدر المطمأن إليه أننا ال نستطيع حمل تلــك األحــاديث

.(180)على المعنى العرفي للغناء في زماننا الحاضرــكله ــاء في ش ــتعملون الغن ــوم يس ــالعرب الي ــبة ف وبالمناس المطلق واألعم، وهو االستعمال الذي يتوافق ونظر ابن األثير في

)النهاية(.عة، أعم ويرجع بعض الفقهاء معنى الغناء إلى عرف المتشــر

من أن يكونوا عجما أو عربا.عة يتبعون الفقهــاء، والفقهــاء وهو إرجاع خاطئ؛ ألن المتشر هم أولى الناس بمعرفة االستعماالت اللغوية لأللفــاظ، ممــا يعــنيعة سـيكونون روا في أمــر من األمـور فالمتشــر أن الفقهاء إذا تحيعة؛ بع، وكذلك إذا حسم الفقهــاء في أمــر فــإن المتشــر مثلهم بالتبعية، سيحسمون فيه، وهكذا دواليك. وال يكــون الرجــوع لعالقة الت إلى العرف إال في الموارد المستقلة، وغير التابعة للفقهاء، أو من

اختصاصهم. ويقــول الفاضــل التــوني، في حاشــيته على الروضــة: »ليس للعرف قانون مشخص، وال يستطيع دفع اإلشكال عن جميع أفراد



الغناء وأشكاله، لـذا العمــل باالحتيـاط في كــل الوجــوه المحتملــةعلى اللهو، فنتجنبها تبرئة للذمة«.

وقد أصاب الفاضل التوني في القول: إن العرف لم يشخص لنا تعريفـا محـددا للغنـاء، وبهــذا تثبت عـدم صـحة إرجــاع تعريـفعة . مــع اإلشــارة إلى أن عــرف العــرب الغناء إلى عرف المتشــر في زمن األئمة لم يكن بهذا التعقيد والحيرة، بــل كــان الغنــاء في اللغة يعني مطلق مــد الصــوت. ورغم كــون االحتيـاط بــالترك في الشبهات أمرا مستحسنا، لكن عمل العلماء في مثل هذه الشــبهة لم يكن االحتيــاط بــالترك واالجتنــاب، وإنمــا كــان العمــل بأصــالة

. لـذا ففي الحـرام وجب االجتنـاب، لكن(181)البراءة وأصالة الحلية حين يحصــل الشــك في الموضــوع )الشــبهة الموضــوعية( يكــون

العمل بأصل عدم الوجوب، وليس العكس. الغناء اللهوي

ن كتاب )الرياض( في باب الغناء أن الصــوت اللهــوي كــان بي يعرف بالغناء، لكن ليس كل صوت يشــمل الــترجيع والتغريــد هــو غناء. وهكذا يكون الصوت اللهوي هو المراد بالغنــاء الحــرام، لكن الغناء في اللغة أطلــق على اللهــوي وغــيره، ولم يختص بالصــوت

اللهوي. ومع ذلك فالغناء اللهوي حرام، وغــير اللهــوي جــائز، وإطالق الغناء في اللغة شامل لكليهمــا. والمالحــظ أن الغنــاء اللهــوي قــد أصبح هو الغالب في زماننا الحاضر، بل أصبح ضـمن قائمـة أنـواع الشــغل، مــورد كســب المــال والشــهرة الدنيويــة، وحرفــة للبعض اآلخر، ومورد كسبهم اليومي، هذه الموارد هي أفضل مثال للغناء

اللهوي المنهي عنه. غناء الحــادي للجمــال والنــوق، ونــوح النائحــات في المــراثيــة والحث على ــع الحماسـ ــعراء في مواقـ ــاء الشـ ــآتم، وغنـ والمـ



ــاه في ــر المي ــور وخري ــد الطي ــارم األخالق، وتغري ــجاعة ومك الش الوديان والسواقي، كل هـذه المـوارد ليس الغنـاء فيهـا جـزءا من

م الفقهاء الفونــوغراف فقــد نظــروا(182)المعني بالحرمة . وإذا حر إلى ما يصدره من أصوات لهوية، وليس كل مــا يســجل األصــوات فهو لهوي، وبالتالي االستماع إليـه حـرام. ومن هنـا فـإن مـا قالـه صاحب )الرياض(، من أن الغنــاء اللهــوي حــرام، أمــر صــحيح، والــداول من اللهــوي ينصــرف ــه؛ ألن المعــنى المت اختالف في حرمت

إليه، وليس كل غناء لهو. لكن ما لم يذكره صاحب )الريــاض( هــل أن تحــريم الصــوت اللهوي كان بلحاظ حرمة اللهــو المقــرون بالغنــاء، كمــا ذهب إلى

، أم أن التحــريم قــائم بلحــاظ(183)ذلــك العالمــة الفيض الكاشــانيــك الشــيخ الصــوت في هــذه الحــاالت نفســها، كمــا ذهب إلى ذل

األنصاري؟ والظاهر أن الرأي الثاني هو المراد، وهو األصح. دور النية والقصد في تحديد الصوت اللهوي

المبحث اآلخــر ضــمن موضــوع الغنــاء نــاظر إلى الفــرق بين الغناء والصوت اللهوي وغير اللهــوي، بلحـاظ النيـة والقصــد. مثال: قد يقصد المستمع من سماعه للغنــاء أو الصــوت اللهــو، من دون

. وقــد يعقــد أهــل العبــادة(184)أن يكون المقصــود هــو معــنى اللهو والصالحون مجالس للــذكر، فيقــوم الواعــظ أو الــذاكر أو المــادحــذه ــل ه ــا ال يمكن أن نحم ــجي. وهن ــوت ش ــعار بص ــراءة األش بقلهــا، حــتى لـو صـدر المجـالس حكم الحرمـة؛ ألن الباطــل لم يتخل الصوت فيها على شكل ألحان لهوية. وال نهي في هذه المواضــيع.

إذا فموضوع الحكم هنا هو النية والقصد.



الهوامش



الغناء والسماع في فكر شيخ العرفاءمحيي الدين ابن عربي

(*)د. أكبر إيراني القميترجمة: نظيرة غالب

مقدمة لقد كان السماع في ساحات العرفــان والتصــوف، وقبــل أن يتشكل ويتلون بــألوان وأهــواء فــرق الصــوفية، مــرآة تتجلى فيهــا المشاعر والتفاعالت الباطنية لإلنسان، وذلك على مدار المســيرة

. يقال: إن فيثاغورس الحكيم اليوناني )القرن(185)التاريخية للبشر الخامس قبل الميالد( سمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغماتــول ــة أص ــودة فطري ــتخرج بج ــواكب، فاس ــات األفالك والك حرك الموســيقى ونغمــات األلحــان، وهــو أول من تكلم في هــذا العلم،

. وتــوالت األيــام، فاكتســت(186)وأخبر عن هذا الســر من الحكمــاء الموسيقى وسماع األلحــان واألشــعار بكســوة المــذاهب واألديــانن أهلهــا في عرضــها بــألوان والثقافات واألفكار التي تنــوعت وتفنــان النظــري ــا في أحضــان العرف ــغ كماله ــة، لتبل ــاف مختلف وأطي

لها وفق مبانيه وأصوله. والسلوك العملي، الذي شك وقــد أضــفى الــراهب المســيحي الشــهير »يوحنــا كســيان« )القرن الخامس قبــل الميالد( صــبغة الرهبانيــة على آداب محفــل السماع، وذلك في كتابه »النظم«. ومنذ ذلك الوقت بــدأ الرهبــان

أستاذ جامعي متخصص في الفلسفة اإلسالمية، وخريج)*( *الجامعة اإلسالمية في لندن، ناشط في مجال تحقيق التراث.


الغناء والسماع في فكر شيخ العرفاء محيي الدين ابن عربي•

يظهــرون ضــمن المشــاركين في مجــالس الســماع، بحيث تلتقي جموع من الرهبان، ويحومون حول بعضهم البعض، ويبــدأ شــخص ذو صوت صداح وبنغمات شجية ومحزنة يقرأ المزامــير واألناشــيد المقدسة، وكذلك األشعار الدينية الــواردة في الديانــة المســيحية. وكانوا يختارون مقاطع من المزامير تتوافق والحاجة واستعدادات المستمعين الروحيــة. ويرافــق هــذه المجــالس الصــالة، مــع بعض الحركات البدنية، إلى جانب البكاء والصـراخ، في محاولـة إلظهـار

ر. وهي مجالس لقيت القبول بعد مد وجزر . (187)التأث ولعل التأريخ للبدايات األولى لفن الســماع ومعرفــة المــروجــة ــه في التصــوف اإلســالمي أمــر صــعب، لكن في مقارب األول لــير »ذو تاريخية لبعض األحداث والمستندات يظهر أن العارف الكب النــون المصــري« هــو أول من وضــع تعريفــات للوجــد والســماع والمقامات العرفانية، وذلــك في بــدايات القــرن الثــالث الهجــري،

.(188)وكان اليونانيون يعرفونه باسم »توبوليس« وقد كانت لـ »ذي النون المصري« عالقة قوية مــع القــديس »فليمــون«، الــذي كــان أول من وضــع حجــر األســاس للــدير في العــالم الشــرقي والغــربي. وقــد انطلــق البعض من هــذه العالقــةهم ذا النون المصــري بأنــه نقــل ســلوك الرهبــان إلى اإلســالم، ليت وابتــدع في الــدين مــا ليس منــه. وهي التهمــة الــتي ألبت فقهــاء العصر ضده، وأدخلته في مواجهــة عنيفــة معهم، أفضــت بهم إلى

.(189)اتهامه بالزندقة، والوشاية به عند حاكم العصرموقف الشرع اإلسالمي من الموسيقى

لقد أجاز الشرع قراءة القرآن في الصالة بــالخفض والجهــر.ــد د على تحسين الصوت في قراءته في غير الصالة، وتجوي كما أك الصوت فيه مع مراعاة ألحان العرب. ومن هنا فإن تعدد الروايات



على تالوة^الــتي يحث فيهــا النــبي األكــرم واألئمــة المعصــومونرة عن القرآن بصوت حسن شجي، ووفق موســيقى لطيفــة ومعب انسجام معانيه مع الفطرة في اإلنسان. وتحريك مشــاعر الحــزن والشوق إفصاح بأسلوب المعنى المفهومي عن أصــالة موســيقى

. وقــد كــانت موســيقى القــرآن ونغماتــه(190)القــرآن في اإلســالم الملكوتية في صدر اإلســالم ســببا مباشــرا في إســالم العديــد من المشركين وأهل الكتاب، الذين انجذبوا إلى ألحانه الملكوتية. وقد |كثرت الروايات عند الفريقين )الشيعة والسنة( عن النبي األكــرم يخبر فيها أن األنبياء جميعهم قــد وهبــوا الصــوت الحســن والنــبرة

، بمعــنى(191): »أوتيت مزمــارا من مزامــير داوود«|الشــجية. قــال قد بعثه الله بصوت شجي ونبرة عذبة. كمــا قــال في موضــع|أنه

آخــر: إن النــاس ليس لهم طاقــة على ســماع صــوته في تالوةــة؛ القرآن، لذلك لم يكن يقرأ لهم مرتال، وإنما كان يقطعــه آيــة آي

كــان أحســن×. ويذكر أن اإلمــام علي بن الحســين(192)رحمة بهم الناس صــوتا بــالقرآن، حتى أن الســقائين كــانوا يمــرون فيقفــون ببابه يستمعون قراءته، وقد كان صوته شجيا لدرجة أنه ال يفقدهم اإلحســاس بثقــل مــا يحملــون من القــرب فحســب، بــل إنهم لــو

ون .(193)قطعت أيديهم وأرجلهم ما كــانوا سيشــعرون بهــا أو يحســ وقد شرع األذان في نفس الفترة من تــاريخ اإلســالم، كمــا رخص |لقراءة شعر المدح وذكر المصائب والرثــاء. وكــان النــبي األكــرم ×أول من رخص للبــواكي على عمــه حمــزة. وورد عن المعصــوم

األمر بتحسـين الصـوت في النـوح على الميت؛ اسـتجالبا للحـزن،. (194)وأمرهم بأن ينوحوا بالشكل الذي يتقنونه ويعرفونه

ــل ومن الجدير باإلشارة أن تلك المجالس، سواء شكلت ألج المديح في األفــراح أو للمــراثي في المــآتم ومجــالس العــزاء، لم



يكن يتخللها ما يمس باألخالق واآلداب اإلســالمية. وكــل مــا كــانتــوب على الســير إلى ــة القل ــو تنشــيط النفس وتقوي تســتهدفه ه المقامات العليـا، وإشـعال مشــاعر الحـزن واألســى والبكـاء على شهداء صدر اإلسالم، وســيدهم حمــزة، ولم يكن يتخللهــا حركــاترة منها عن الطرب أو االضــطراب. ووفــق في البدن، سواء المعب

فقد أمر بالتبــاكي وإظهــار الحــزن لمن|ما روي عن النبي األكرم لم يحــظ بالفيوضــات الرحيميــة، فقلت فيــه الدمعــة، وبخــل عنــه القلب بالخشوع؛ ألن الخشــوع والســكينة والطمأنينــة في التوجه،ع، شرط القبول، وعالمة على كمال واإلخالص إلى الله في التضر العبـادة، ونجـاح الطلبـة والنجـوى. وعلى النقيض من ذلـك الريـاء والظهور بمظهر العارف الــورع والزاهــد الســالك، الــذي أصــبحت الدمعة واآلهات واألنين ســالحه، يــروج بهــا لبضــاعته في مجــالس السماع، وجزءا من آدابه وشــروط ولــوج ســلكه وميدانــه، لدرجــة جعلت بعض كبار الصــوفية يتــبرأ من هــذه اآلداب ويشــذبها. فهــذا الجنيد البغدادي، وما أدراك ما الجنيد!، وهذا أبو يزيد البســطامي،فقون جميعهم على ذم والقشيري، والعارف القطب ابن عربي، يت هــذا الســلوك، واعتبــاره ســدا منيعــا أمــام العــروج بــالنفس نحــو

الكمال، ومانعا في طريق السير والسلوك. ومن جملة البدع التي وقف منها العرفاء موقفــا حاســما في الــرفض وعــدم الرضــا دخــول آالت ووســائل الموســيقى، كالــدف والشبابة، إلى ما يتعــارف عليــه بينهم بمجــالس الــذكر، بحيث يتمــل ــا، ب ــا ونغماته ــذكر( على إيقاعه ــدائح )ال ــعار والم التغني باألش يتجــاوز ذلــك إلى قــراءة اآليــات القرآنيــة على أوتــار الموســيقى،ه ممســوخ بســلوك ويتغنى بهــا على أوزانهــا وألحانهــا. وهــو تشــبــون بمزامــير الكتــاب المقــدس الرهبان في الكنــائس، الــذين يتغن



ــرا. وقــد خــدع بعض على نغمــات آالت الموســيقى وألحــان األوبــوا األمــر، ولم مغفلي الصوفية فأخذوا الجمل بما حمل، ولم يفقهــنن. ــادات موضــع الس رين، فوضــعوا الع ــدب ــه من المت ــوا في يكون فضــرب األرض باألقــدام، والــرقص باألكمــام، وكشــف الــرؤوس،د، ويحصــل لــه وتخريق الثياب، عندما تبلــغ بــه النشــوة حــد التجــرــان االنجذاب، كلها من سلوكيات الرهبان. وأول من ابتدعها الراهب »بوس« و»أنطوان«، فقد ذهبا إلى القول: إن المســتمع )الواجــد والمجــذوب( لمــا يصــل إلى مرحلــة األوج يبــدأ بحركــة الــدوران، لينتقل إلى مرحلة خلع العمامة أو الرداء، واإللقاء بها إلى األرض.ــات ــات من شــعرهم أو من الرباعي ــوال في التغني بأبي ــدأ الق ويبر عن العشق للـه، ويتبعــه اآلخــرون الـذين يتحلقــون والغزل المعب حوله في شكل دائري، ويتحركون وفق حركات خاصة، وذلــك في اعتقاد منهم أن الله سبحانه وتعالى يعتني عناية خاصة بالشــخص الواجد، الذي وصــل مقــام الوجــد، ويحــل على ردائــه من بركاتــه.ــة وهي األفكار الــتي تتبناهــا الصــوفية مــع اختالف قليــل. وعلى أي حال فإن كبــار العرفـاء قـد أنكــروا هــذه المعتقــدات، ونهــوا عنهــا

. (195)بشدة وقــد تعــرض ابن عــربي لهــذه الفرقــة من الصــوفية ضــمن رسالته »روح القدس«، ونعتها بالمتظاهرة بالتصــوف، وقــد ذمهــاــادي كثيرا وطعن في أفكارها وسلوكياتها. أما عن السماع الذي ين به ابن عربي فهو السماع الخالص والخالي من كل تلك الشــوائب والعــادات واالقتــداء األعمى برســوم وعــادات الرهبانيــة، ويتجلى

خلوصه في كونه سماعا لكالم الحق وللقرآن.

ظهور العالم والسماع لكالم الحق



ــا ــربي باب ــدين ابن ع ــيى ال ــبر مح ص الشــيخ األك ــد خصــ لق مبسوطا للسماع، وذلــك ضـمن كتابـه »الفتوحـات المكيـة«، كمـا جعــل ثالثـة أبــواب أخــرى للوجــد والتواجــد والوجــود. ولم يقتصــر حديثه عن السماع ومتعلقه على هذا الكتاب، بــل كــان لــه حــديث متناثر في كتبه األخرى. وســنحاول في هــذا المقــال عــرض آرائــه

ومواقفه من السماع، وطروحاته العرفانية. يرى ابن عــربي أن االعتقــاد المطــابق لمــا جــاء في القــرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أنه ما من شيء في عالم الوجــود

ح لله تعالى، مصداقا لقوله تعالى: يءإال وهو يسب وإن من شــبح بحمــده يســ ــل شــيء في هــذا44 )اإلســراء: إال (. وألن ك

ــه العالم يسير وفق نظام وحركات موزونة، وفواصل متناسبة، فإن وبشوق وعشق يطوي المسافات ويقطع المنازل نحــو مقصــوده:

كل في فلك يسبحون :ح في فلـك40)يس (. وكونهــا تســبر عنه ابن عربي يعني أن لها نغماتها وإيقاعاتها الخاصة، أو كما يعب نفسه: إن الكل صنع قول الله وإيقاعاتــه الملكوتيــة، وفقــط أهــل اللــه، أهــل صــفاء القلب وأصــحاب الكشــف والشــهود، يســمعون

.(196)وينظرون هذه الحقائق اإللهيةــاء ــوت دوالب الم ــاء فيكفي ص ــق وفن ــك عن عش ألن عبادت

ليسقيك كأس الوجد، ويغيبك حتى السكر. بل يذهب ابن عربي إلى القــول: إن تحقــق الوجــود والخلــقــه منــوط بســماع كالم الحــق تعــالى. ويستشــف هــذا من أبيات

:(197)الشعرية، التي يقول فيها



لوال سماع كالم الله مابرزت

إلى الوجود، ولوال السمعما رجـ

فنحن في برزخ، والحقيشهدنا

ليس التكون ممن ال كالمله

أعيننا وسعت منه علىقدم

ـعت على مدارجها لحالةالعدم

بين الحدوث وبين الحكمبالقدم

إن التكون عن قصيدوعن كلم

أي لو أن قلوبنا لم تسمع نداء وكالم الحق تعــالى لمــا تحقق لنا وجود في عالم الوجود، ولما سلكنا خطــوة في ســاحة الوجــود وعالم اإلمكان. فوجودنــا منــوط التحقق بالســماع لكالم وقصــيدة الحــق. فنحن في عــالم الــبرزخ، وهنــاك يتســاوى وجودنــا بين الحــدوث وبين القــدم، وخروجنــا من عــالم الــبرزخ نحــو الحــدوثــه ــه وحكمت متوقف على السماع لكالم الحق، والذي يتحقق بإرادت

األزليتين.ــاهوينطلق من قوله تعالى: يء إذا أردن إنما قولنا لشــ

( ليقول: متعلق الوجــود40)النحل: أن نقول له كن فيكون ومتعلق األمر التكويني كالم الحــق. والكالم مشــتق من الكلم من حيث أثره في المتجلي له. فعندما يحدث األمر بكالم الحق، وحين يسمع أهل الله هذا الكالم بأذن القلب، وحين يفهمونه ببصــيرتهم، ينتقلون من حالة الوجد إلى حالة الوجود... فالتعلق به منا: القولــا، فكــان عنــه الوجــود. وكــذلك نقــول في هــذا منــه، والســماع من الطريق: كل سماع ال يكــون عنــه وجــد، وعن ذلــك الوجــد وجــود، فليس بســماع. فهـذه رتبـة الســماع، الــتي يرجـع إليهــا أهـل اللـهــراه ــذي ي ويسمعون، فقوله تعالى للشيء قبل كونه: »كن« هو الــؤ المقــول لــه »كن« للتكــوين أهل السماع في قول القائــل. وتهي



بمنزلة الوجد في السماع، ثم وجوده في عينه، لينتقــل أمــره إلى »فيكون«. ونجد العــارف الكبــير شــمس المغــربي قــد نظم هــذه

الحقيقة في أبيات نذكر منها قوله:ــول الحــق: فمن سماع قول الحق: »كن«، ومن نغمة يوم قت تصــرخ »ألست« في عالم الشهود، كل األرواح وكل الخالئق هب

.(198)وتلبي بصوت العهد والميثاق »قالوا: بلى«

أنواع السماع: السماع المطلق؛ والسماع المقيد م الشيخ األكبر ابن عــربي الســماع إلى: ســماع مطلــق؛ قس

وآخر مقيد. ــه أهــل اللــه، ولكن ــذي علي فأمــا الســماع المطلــق فهــو القــوا بين قــول يحتــاجون فيــه إلى علم عظيم بــالموازين، حتى يفر االمتثال وبين قول االبتالء. ولهذا السماع موسيقاه وإيقاعاته الــتي هي في حقيقتهــا مظهــر للحــق تعــالى، فموســيقاه ربانيــة، وكــذا ألحانه وإيقاعاته ملكوتية، فالوجود كلــه رق منشــور، والعــالم فيــه كتاب مسطور، فاألقالم تنطق، وآذان العقول تسمع، وهو السماع من كل شيء، وفي كل شيء، وبكل شيء. فالوجود كلــه كلمــاتــل كــل هــذا ال تنفــد، الله، وكلماته ال تنفد، وكذلك األســماع في قب تحدث في السرائر كما تحدث في العلن. ويفرق السماع المطلقــلة من م الحاص ــترن ــات وال ه عن النغم ــنز ـه م ـ ـد في أن ـ عن المقيــإن قلب الطرب المعتمد على الصناعات. ووفق نظر ابن عربي فــار العارف السالك ال ينصاع لقالب الموسيقى، وال لما تصــدره أوت آالتها، وإنما يجــد بغيتــه في مــا يســمعه من عــالم األفالك، وعــالم العقول، وما تحدثه الكائنات في عالم األرض من أصوات التسبيح

والتهليل. قلبه متعلق بها، ونفسه تهفو إليها.



ــه أما السماع المقيد أو السماع الطبيعي، أو ما يصــطلح عليد بالنغمات المستحسنات في الفقه بالغناء والموسيقى، وهو المقيد بــأن فهم المعــاني التي يتحرك لها الطبع بحسب قبوله، فهو يتقي ليس شـرطا فيـه. فحصــول حالــة الوجــد واالنســجام بين الحركــة الحقيقيــة والباطنيــة إنمــا تكــون في الســماع المطلــق؛ ألنــه فهم المعـــاني شـــرط تحقق الوجـــود والحركـــة فيـــه، وهـــذا اإلدراك واإلشراق الباطني للمعاني أفاض على النفس والــروح أشــعة من النور، لينعكس هذا النور في العلم والوصــول إلى معرفــة حقــائق األمور. فمن خالل نــوع الحركــة الحاصــلة ينكشــف نــوع الســماع، وهل هو مطلق أو مقيد. فلو كانت الحركة دورية فهذا عالمة علىــد؛ ألن الحركــة الدوريــة إنمــا هي للــروح أن السماع طبيعي ومقي الحيوانيــة، الــتي هي تحت الطبيعــة والفلــك، فال فــرق بينــه وبين

. وحسب قول ابن العربي: كيــف(199)الحيوان أو النفوس الحيوانية لنــا االطمئنــان إلى صــدق من ليس قــادرا على التميــيز بين نــوع

فهمه وبين نوع الحركة والوجد الذي حصل له؟ ــارف الحقيقي من هنا فابن العربي يذهب إلى القول بأن العــاد عن ــق، ويوصــي أصــدقاءه باالبتع ــول إال بالســماع المطل ال يقــيقية سماع األلحان والنغمات الموزونة الصادرة من اآلالت الموســاطع كة بالطبع للمزاج، التي ترافق عادة قراءة أبيات ومق والمحر من الشــعر الوصــفي والخيــالي، الــذي ال تجــد لمحتــواه معــنى أو فائدة، وأن يتنعموا بالسماع لكالم الحــق، ويملــؤوا أوقــاتهم بــذكر

الله. وأنشد قائال:



خذها إليك نصيحة منمشفق

واحذر من التقييد فيهفإنه

إن السماع من الكتاب هوالذي

إن التغني بالقرآنسماعنا

والله يسمع ما يقولعبيده

ليس السماع سوىالسماع المطلق

قول يفند عند كل محققيدريه كل معلم ومطرق

والحق ينطق عند كلمنطق

من قوله، فسماعهبتحقق

السماع ومسألة وحدة الوجود وفق نظر العارف الكبير محيي الدين ابن العربي، المؤسســة »وحــدة الوجــود«، فــإن حقيقــة الوجــود هي أصــل األول لنظري

ومنشأ كل اآلثار. فالوجود خير محض، ومطلق عن كــل القيــود، حتى عن قيــد اإلطالق. وال وجود حقيقيا إال وجود اللــه تعــالى. والحقيقــة واحــدةــورات ــات وظه صرفة. وهذه الحقيقة لها شؤونات، وتعينات وتجلي تظهــر في األعيــان الثابتــة وفي األذهــان والموجــودات الخارجيــة. وظهورها هــذا يــوحي بــالكثرة الــتي تبــدو ظــاهرة في العــالم. إذا فالحق موجود، والخلــق موجــود، فتكــون بــذلك الوحــدة والكــثرة.ل الحق تعــالى ـــ نعــوذ باللــه ـ وليست الكثرة اعتبارية، بحيث يتنز إلى مســتوى الخلــق الــداني، أو حلــول وتعطيــل ومــا يلزمهــا من أحكام، ولكن الحق حق، والخلق خلق. ولو لم تكن هــذه الحقيقــة الحقـة بســيطة لمــا كــان لهــا ظــل وخيـال. فـإذا نظرنـا إلى هـذه الحقيقة بلحاظ الوحدة كانت هي الحق تعالى، وأما إذا نظرنا إليها بلحاظ الكثرة كانت هي الخلق. والحق باعتبــار ظهــوره في صــور



األعيان والموجودات، وقبولــه لألحكــام المرتبطــة بهــا، خلــق، أمــا باعتبار أحدية الــذات حــق. واألســماء الذاتيــة في مرتبــة األلوهيــة

. (200)ليست خلقا، بل هي الحق المتعالي عن الخلق.(201) وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه

ــدة ــه في وح ــر بين الســماع ونظريت ــط في موضــع آخ ويربالوجود قائال:

فما نظرت عين إلى غيروجهه

فكل وجود كل فيه وجوده

وما سمعت أذني خالفكالمه

وكل شخيص لم يزل في(202)منامه

فابن العربي ينظــر إلى الســماع من خالل نظــره إلى وحــدةــرجح فه، ويقيم له الوصف. ولهذا وجدناه ي الوجود، ومن خالله يعر حا السماع المطلق على السماع المقيد، ويقول في أبيــات، موضــ

هذا الموقف: إن التغني بالقرآن

سماعنا والحق ينطق عند كل

منطق

ويرى ابن عربي أن كل موجود حين يسمع كالم الحق ويفهم أوامــره فإنــه يبلــغ الوجــد، ومن ثم يخــرج للوجــود. وألن الســماعــه يجعلهــا ــة من روح اإلنســان فإن ــة نازل ــاء( مرحل الطــبيعي )الغن مقيدة ومحدودة، وال يكــون نصــيب النفس اإلنســانية من الســماع الطبيعي سوى االلتذاذ بنغمته، وحسن ألحانــه، وال يجتمــع حصــول فهم المعاني والسماع الطبيعي والمقيد. والعارف من أهل الله ال يــترك الســماع المطلــق، والــذي يتركــه األكــابر إنمــا هــو الســماع

المقيد، وهو المتعارف عليه بـ )الغناء(. ويروي لنا ابن عربي موقف أستاذه أبي السعود ابن الشبلي



ــو على ــال: ه ــماع؟ فق ــه في الس ــئل عن رأي ــدادي، حيث س البغ المبتدئ حرام، والعارف المنتهي ال يحتاج إليــه، وإنمــا يحتــاج إليــه

.(203)القوم المتوسطين أصحاب القلوب

أنواع السماع المطلق ـ السماع اإللهي 1

و هو السماع لألسرار اإللهية. وهــو عين درك وفهم المعــنى. السماع من كـل شـيء، وفي كـل شـيء، وبكــل شـيء. والوجــود عندهم مظهــر ألســماء اللــه على كثرتهــا، ال تقبــل الفنــاء مطلقــا. ولكل اسم لسان، ولكل لسان قول، وفي مقابل كل قــول ســمع. والعين واحد من القائل والسامع. فإن كان نداء أجبنا، وكــان مثــل

تجب لكمقوله تعــالى: (، فأعطانــا60 )غــافر: ادعـوني أسـ قوة الكالم، وأمرنا بالدعاء، فنقول، ويسمع منا: »فالله عند لسان كل قائل«. وبما أنــه ليس في الوجــود إال اللــه كــذلك ليس هنــاك قائل وال ســامع إال اللــه. وحين يصــل العــارف إلى مرتبــة الكمــالل فيه قوله تعالى: »كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يتمث يبصر به، ولسانه الذي ينطق به«. هــذا هــو الســماع اإللهي، وهــوــوع من ــأثير هــذا الن ــع المســموعات. وأمــا عن ت يســري في جميــل إلى ــه يص ــذلك أن ــق ف ــارف الح ــماع على روح ونفس الع الس مرحلة العلم، ويطلع على األسرار اإللهية، وال يظهــر في الحركــة،أو ما يصطلح عليه عند الصوفية بـ )الحال(، وإنما حاله السكون.

والفــرق يكمن في مــا يجب لكــل واحــد منهــا. فليس الــوارد اإللهي للقلب كــالوارد الطــبيعي، فــالوارد الطــبيعي إذا ورد وارده في قلب اإلنســان تظهــر آثــاره من خالل تحريــك الجســم تحريكــا دوريا، وإنمــا التحريــك للــروح الحيــواني الــذي هــو تحت الطــبيعي والفلك، يتحــرك إلى أن يصــل حالــة الهيــام، وهي الوجــد الشــديد



ط كمن يتخبطه الشــيطان من المس. فعلم والجنون، وتجعله يتخب أن الوارد الطبيعي تحركه الحركة الدورية. بينما الوارد القلب من السماع اإللهي إذا ورد وارده فعليه في الجسم أن يضجعه ال غير، ويغيبه عن إحساسه، وال تصدر منه حركة أصــال، وإنمــا تتجلى فيـه السكينة، وكأنه قد تجرد عن عالم المادة، وأصــبحت روحــه تحلــق في أجواء األرواح والعقول. وسبب ظهــور هــذه الحــال يرجــع إلى

منها خلقناكم وفيهاقوة عنصر التراب فيه، فقد قال تعالى: (. وفي مقــام55)طــه: نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى

ى عنــد الله كمثــل آدمالتمثيل قــال تعــالى: إن مثل عيســ (. فــالطين العنصــر األعظم59 )آل عمــران: خلقه من تـراب

واألعلى من كل العناصر األخرى. وما دام أصــله الــتراب فــإن مــا يصدر عنه من الحركة، من قيام وقعود وركــوع وغيرهــا، إنمــا هي بالعرض. وأما تفسير ما يظهــر أثنــاء الســماع اإللهي، حيث يظهــرــة حركــة وكأن المستمع قد التصق باألرض، ولم تعد تصدر منــه أي سـوى السـكون، فـذلك مــرده إلى أن ورود الـوارد اإللهي ــ وهـو الذي يحمــل صــفة القيوميــة، وهي في اإلنســان من حيث جســمه بحكم العرض، وروحه المــدبر هــو الــذي يقيمــه ويقعــده ـــ يشــغل الروح المدبر عن تدبيره بما يتلقــاه من الــوارد اإللهي من العلــوم اإللهية، وتحصل له حالة التجرد، ولم يبق للبــدن من يحفــظ عليــه قيامه وقعوده، فيرجع إلى أصله، وهو ركونه إلى األرض. فإذا فرغ التلقي، وصدر الوارد إلى ربه، رجع الروح إلى تدبير جسده. وهــذا هو سبب اضطجاع األنبياء على ظهورهم عند نزول الوحي عليهم.ط عنـد نـزول الـوحي، وال اهـتز، وال وما ثبت عن نبي قط أنـه تخبره عن دار، وال غاب عن إحساسه، وكذلك فإن الوارد اإللهي ال يغي

،×حاله، وال إحساسه. هذا إذا كان الوارد اإللهي بواسطة جبرائيل



فكيــف بــه إذا كــان من دون حجــاب. وكــذلك إذا كــان الــوارد عن طريق اإللهام فإنه ال يحدث تغييرا في الحالة النفسية أو الخياليــة

. (204)التي تظهر عادة من ضعف اإلحساس عند اإلنسان

ـ السماع الروحاني2 أمــا الروحــاني من الســماع فهــو ســماع صرصــارة وصــريف ونغمات األقالم اإللهية على اللوح المحفوظ أثناء المحــو واإلثبــات والتغيير والتبديل. فــالوجود كلــه رق منشــور، والعــالم فيــه كتــاب خطت ســطوره من لــدن الــرحمن الــرحيم. تنطــق األقالم في تخطيطهــا، وتســمع العقــول بآذانهــا، ومــا رقم من كلمــات شــاهد بينهمــا. وعين شــهودها عين اإلدراك واســتيعاب المعــنى فيهــا. وال يرقى إلى هذا السماع إال ما اكتمل من العقول. وكما أن الســماع اإللهي قائم على مبان أربعة: ذات، ونســبة، وتوجــه، وقــول، فــإن السماع الروحاني مبني على: ذات، ويد، وقلم، وصــرير. قلم حين يخط على لوح القلوب بالتقليب والتصريف، وهكــذا يكــون ســماع أهل الله. وفي السماع الروحاني ـ والذي هو من السماع المطلقــة. ــة بالجمل ــتمع العلم والفهم والمعرف ــارف المس ــل للع ــ يحص ـ والســماع اإللهي إنمــا يحظى بــه من األفــراد من وجــدت فيــه القابلية، ويتفاوت فيهم تفاوت األشدية، كما تتفــاوت في األشــدية القابلية واالستعداد. ومن ظفر بالقدرة والبلغة اجترع منه جرعته، واحتسى من كأس شرابه، وطرب بنغماته. وإن ما تحدثه الحقائق اإللهية إذا عزفت على أوتار النغمات اإللهية في روح العارف أكثر مما يفعله سماع الحقــائق الــتي تصــدر بالطريقــة العاديــة للكالم. فقــد يقــرأ القــارئ آيــات، وينشــد الشــاعر أبيـات، بطريقــة تفتقــد للحســن، فال تحــدث تفــاعال أو أثــرا، وال ترشــد إلى إيجــاد حركــة



االنسجام بينها وبين السامع، بل يكون الحــال على العكس، بحيث يضجر المستمع، ويتكــدر خــاطره؛ وذلــك ألن القــراءة كــانت علىــوزن الطــبيعي، ــاع واللحن الصــحيح، ولم تكن على ال خالف اإليق لكن إذا قرئت نفس اآليات أو أنشدت نفس األبيات بصوت شجي ونغمة عذبة ووزن يتوافق مع الطبيعة فإنه يحــدث الوجــد، ويوجــد الحركـة. هكـذا هـو المـيزان في المحسوسـات، أمــا المــيزان في المعقوالت فهو حكمة الترتيب والترتب اإللهي في العالم. فإن كنا من أهــل الســماع اإللهي ننظــر تــرتيب األســماء اإللهيــة، فيكــونبع من هناك؛ وإن كنا من أهل السماع الروحاني ننظــر سماعنا بالت ترتيب آثار تلك األسماء في العالم األعلى واألســفل. ووفــق نظــر أهل السماع الروحاني فإن لكل المسموعات نغمــا، غايــة مــا في األمر أن بعض النغم تكون لها حركة محسوســة، والبعض اآلخــر الــرورة، بحيث تتوجه تكون له. لكن الحركة الروحانية موجودة بالض في حركتها من حركة الوجد الروحاني نحــو حركــة الوجــد اإللهي. وال يمكن حصـــول هـــذا التكامـــل إال ألهـــل الســـماع الحقيقي

والمطلق.

السماع المقيد )الغناء أو سماع العوام من الناس( سبق أن أشرنا إلى أن محــيي الــدين ابن عــربي يــذهب إلىــالنغم واللحن ــر ب ــماع منحص ــد س ــماع المقي ــأن الس ــاد ب االعتق الطبيعي، من دون أن يحمــل الفــرد إلى فهم المعــاني. وغايــة مــال الســامع فيــه بغيتــه الشــهوية. يحدثه حالــة من الهيجــان، ويحصــ ورغم إطالقه اسم الغنــاء على هــذا النــوع من الســماع فقــد رهن الحكم بالحرمة أو الوجوب فيه بنوع السامع، ونوع الكالم المقروء

برفقة تلك األلحان.



ويعتقــد ابن عــربي أن الســماع الطــبيعي يقــوم على أربعــة أمور، والطبيعة قائمة على فاعلين ومنفعلين. وتظهر في المقابل ــا النشأة الطبيعية على أربعة أخالط وقوى، وكل خلــط يطلب ذاتيــا العــدم. من يحركــه وال يتركــه ســاكنا؛ ألن الســكون يعــني تلقائي ولــذلك لمــا ســمع الحكمــاء )العلمــاء( صــريف وصرصــارة األقالم ابتكروا لتلك األخالط األربعة نغمات، وكل نغمة في آلة موسيقية، فكانت أربع آالت: الزيــر، والمثــنى، والمثلث، والبم. وكــل واحــدة منها تتناسب مع واحد من العناصر األربعة، الــتي تقــوم بتحريكهــا، وتحــدث في اإلنســان أحاســيس مختلفــة مــا بين الفــرح والبكــاء )الحــزن( وأنــواع الحركــات األخــرى. مــع العلم أن هــذه النغمــات وألحــان اآلالت ال تــرقى إلى مســتوى جلب العلم أو حصــول فهم للمعــاني، وإنمــا حــظ الســامع لهــا ينحصــر في حصــول الطــرب واإلحساس بالنشوة اللحظية من خاللــه. فهي ال تصــل إلى مرتبــة إغداق أو إفاضة العلم، فال تفهم معنى، وال تحدث شــيئا. وكــل مــا يجده صاحب السماع الطبيعي هــو الطــرب أو الحــزن في نفســه تبعا لنوع النغمات. ويرى ابن عربي أن هذا إنما هو سماع العــوام،ــة الوجــد. فال هــو يوصــل إلى حــال الفهم الصــحيحة، وال إلى حال والعارف السالك في الجملة ال يحتاج هذا النوع من السماع، رغم اعتقاده بأن كل العالم له نغمات موزونة، يسمعها بقلبــه ويطــربمهــا، بــل يــذهب إلى أكــثر من ذلــك في قولــه: إن النهي عن بترن السماع المقيد ال يختص بالعارف الســالك، بــل كــذا المريــد، ومن

هم في طور التلمذة والمبتدئين بشكل عام. ولعـــل موقـــف ابن عـــربي من الســـماع الطـــبيعي ينم عن معرفته الكاملــة بــاآلالت الموســيقية، وكــل مــا يرتبــط بهــا. وكــذا

اطالعه التام على كل مباحث الفالسفة في خصوصها.



إن الســماع الطــبيعي، أو المصــطلح عليــه بالمقيــد، والــذي يطلق عليه ابن عربي اسم الغناء ـــ والظــاهر أن هــذا االســم هــو الرائج في زمانه ـ، أمر مباح. لكن الشيخ األكبر محــيي الــدين ابن عربي يرى أن الغناء أو السماع الذي يترافق والعزف على اآلالت الموســيقية، مثــل: الــدف والنــاي، في مجــالس طابعهــا الفســق وارتكاب المحرمــات، حــرام. وهــو بالتــالي خالف اآلداب واألخالق

. (205)الدينية يظن ابن عربي أن السماع الطبيعي مكون من شكل وقالب لقراءة األشعار. أما السماع اإللهي والروحاني فهو لالســتماع إلىل ابن ــ الــتي فصــ القرآن. وكما جاء في »رسالة الروح القدس« ـ عــربي فيهــا القــول، وصــب كامــل ذمــه على هــؤالء المتشــيخين المتطفلين على التصوف، والمتظــاهرين بــألوان أصــحاب الحــال،ــق ــة من طري ــام الوجــد والحرك ــولهم إلى مق ــدعون وص حين ي السماع الطبيعي، فرأى عملهم خالف الشرع، بل هو بدعة قبيحــة ومذمومة ـ فإن ابن عربي يــرى أن الحركــة الحاصــلة من نغمــات الموسيقى حركة دورية، وناشــئة من البعــد الجســماني. ونظريتــه الثابتة أن العارف إنما يصل حالة الوجد بالســماع لآليــات القرآنيــة ولكالم الحق، ال بســواهما، وتنبعث عن هــذا الوجــد حركــة باطنيــة

.(206)تتناسب وهذا الوجد اإللهي، وتفتح طريقها إلى قلبه وما يشجبه العــارف الكبــير محــيي الــدين ابن عــربي أن تتم قراءة القرآن على نغمــات آالت الموســيقى، وليس وفــق ألحانــه

، وكــذا األئمــة|وموسيقاه الداخلية، التي رغب فيهــا النــبي األكــرمــذا^المعصومون ــارف، وك . وما ذهب إليه ابن عربي من ترفع الع

ــزف على اآلالت ــ ــة الع ــ ــعار برفق ــ ــماع األش ــ ــدئ، عن س ــ المبت الموسيقية، وأنها إنما تناسب العــوام، رأي خالفــه فيــه الكثــير من العرفــاء أو علمــاء الصــوفية. فهــذا أبــو حامــد الغــزالي في كتابــه



ن أدلــة تجــيز »إحياء علوم الدين« وفي »كيمياء الســعادة« قــد بي للعرفاء سماع األشعار ســماعا طبيعيــا، غــير أنهــا لم تلــق القبــول

لدى ابن العربي، وعدها أدلة باطلة.

السماع من خالل المشاهدة من أنواع السماع المقيدة األخرى التي لم تلـق القبـول عنـد ابن العربي، بل وجــدت من لدنـه إعراضـا وتقبيحــا وشــجبا الذعـا،

السماع بالمشاهدة. ورغم تكرار المنع من طرف ابن عــربي لســماع المريــدين ـ والذي يتم بالمشاهدة ـ فإن عدم تحسس المســؤولية من طــرف بعض المشايخ، وعدم وعيهم بمــا فيــه الكفايــة، جعلهم يســمحون لمثل هؤالء بالحضــور في مجالســهم، بــل تعــدى األمــر إلى تجــرؤــوا ــايخ، فروجـ ــؤالء المشـ ــعيفة على هـ بعض ذوي النفـــوس الضـ لسلوكيات تخالف كــل األعــراف واآلداب واألخالق الســوية. ولكير األفالطــوني، بحيث يســتجلبوا يسندوا أعمالهم تلك قــالوا بــالتفك إلى مجالسهم بعض الفتيان حديثي العهد بالبلوغ، فيتوجهون إليهم بالنظر أثناء السماع، وقالوا بأن النظر إلى هؤالء الفتيان من ذوياءة والســـمة اللطيفـــة يقـــوي فيهم التغلب على الوجـــوه الوضـــ شهواتهم الجسمانية، وهــذا مــوجب لظهــور الفضــائل في النفس، وبالتالي يجلب مرضاة الله. وقد شن ابن عربي على هذه األفكــارــة، ومشــابهة ومن يعمل بها حملة عنيفة، ووجدها مجرد بدع مبتذل لتلك البدع التي كانت من محدثات الراهب »كسيان المســيحي«، الذي ابتدع الرقص، واعتبره من آداب السماع، وجزءا مهمــا فيــه. وهكذا ظهرت العديــد من المحــدثات في التصــوف. وكــان العديــد منها مــورد ســخط كبــار العرفــاء والمشــايخ، أمثــال: ابن العــربي،

والجنيد البغدادي، والقشيري، وأبي يزيد البسطامي. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

145هـ1433م ـ 2012


الوجد الصوفي وأقسامه

إذا أفناك عنك ورود أمرله حكم وليس عليه حكم

وذا من أعجب األشياءفيه

فذاك الوجد ليس بهخفاء

نعم، وله التلذاذوالغناء

فإن مزاجه عسل(207)وماء

ــة لــه إن الوجد عبارة عما يصادف القلب من األحــوال المغني عن شهوده وشهود الحاضرين. وقد يكون الوجد عندهم عبارة عن

ثمرة الحزن في القلب. ويرى البعض أن الوجد يحصل بحزن القلب المعنوي، ونتيجةــذي ــأتي من الســماع اإللهي يحصــل العلم ال ــذي ي هــذا الوجــد الة. وفي يفهمه، ويرشد به نحو التعالي، ويغدق عليــه نورانيــة خاصــ غير هذه الصــور يكــون بــاقي الوجــد مجــرد وهم، ونتيجــة للخيــالــوارد اإللهي، بمعــنى كونــه من ل؛ ألن الوجد الحاصل من ال والتخي جانب الحضرة اإللهية المتعاليــة، ال بــد وأن يفيض العلم، وبــالطبع يشترط في حصول الوجد الطهارة، وحصول صفاء الباطن. وهــذا ليس شرطا في الوجد العام والمقيد، رغم ما يظهره أصحابها من الوجد، فإنه وجد غير صادق ومجرد كذب. وهم من المهارة بحيث ال يمكن التميـــيز بين الوجـــد الحقيقي وغـــيره، فأهـــل الريـــاءــدق ــ ــادقين، وهم من الصـ ــ ــاس الصـ ــ ــتطيعون التلبس بلبـ ــ يسـ

. (208)بعيدون كتب الشيخ الكبــير محــيي الــدين ابن عــربي في رســالة »ال يعول عليه«، يصف هذا النوع من الوجد: الوجد الذي يكون حاصال من التواجد عديم الفائدة، وما يترتب عنه من وجود هو اآلخر غــير



مستحق لكل عناية، والحال الذي يأتي من هذا الوجد وما يرافقــه من حركة وتمايل رغم كونه مورد جلب توجه اآلخرين ال يعد حــاال. فالحركة التي تــأتي من الطــرب الحاصــل من ســماع الموســيقىــك ــا ذل واأللحان الجيدة ال فائدة ترجى من ورائها. وحتى لو اعتبرن الحال إلهيا، وما صدر من حركة هو نتيجة لحصــول الوجــد اإللهي، ولكن بما أنه وجدت معه تحوالت حسية وجسمية فهو باطل. وكذا الســـماع الـــذي يكـــون نتيجـــة الســـماع لنغمـــات وألحـــان آالتــعف ــربا من النقص والض ــد ض ــن يع ــوت الحس ــيقى والص الموس

. (209)للعارف

الحركة الناتجة عن السماع، وأقسامها الرأي الثابت عند محــيي الــدين ابن العـربي، أو كمــا يســميه البعض: الشــيخ األكــبر، أن الحركــة الناتجــة عن الســماع نوعــان:

حركة حسية؛ وحركة قلبية.ــد، وهي أمــر والحركة الحســية تحصــل نتيجــة الســماع المقي باطل، والوجد الذي ينشأ عنها إنما هو نتــاج التواجــد. وتــأتي هــذه الحركة عند سماع النغمــات الموســيقية الموزونــة والوصــول إلى الطــرب، وليس لصــاحبها حــظ ســوى التمــرد الظــاهري، وادعــاء

الحال، وما هو بحال. أما الحركة القلبية فهي تعبــير واقعي عن االنتقــال من حــال إلى حال، وهو ناتج عن الوجد الصادق، هـذا الوجــد الــذي يصـاحبهــول ــذي يتجلى في حص ــور ال ــه الن العلم اإللهي، ويفيض من خالل الفهم واالتصــال الحقيقي بمعــاني الكالم. ولعلنــا نســتطيع القــول بلغــة أكــثر وضــوحا: إن علــو درجــة هــذا الوجــد متعلــق بمســتوى اإلدراك والفهم للســامع؛ فمــتى كــان مســتوى إدراكــه عاليــا كــان



وجده كذلك في مرتبة عالية، وتتحقق فيه الحركــة بــذلك المقــدار من الفهم لمعاني الكالم. ورغم تأثير األوزان واأللحان الموســيقيةــة في الوجــد والحركــة ــا يكــون عل ــروح إال أن م الشــجية على الــة والمعــاني القدســية وحصــول العلم هــو تلــك المضــامين العالي والنورانية، التي يكون الوجد الصــحيح عــامال فعليــا في اســتجالبها

والفوز بعبقها. ويرى ابن عربي أن ظهور الممكنـات والموجــودات إنمــا هــو بفعل هذا الفهم الذي هو نتاج ســماع الخطــاب المولــوي لحضــرة الحق المتعال. فالذي ســمع كالم الحــق، ووصــل من خاللــه مقــام العبودية، يحظى بمقام يكون الحق تعالى سمعه الذي يســمع بــه، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الــذي يبصـر بـه. كــذلك كــان حــال

، فحين كلمه الحــق تعــالى بالخطـاب بواسـطة×موسى كليم الله في الحقيقــة هــو الحــق×الشجرة المباركة فإن ما سمعه موسى

.(210)تعالى؛ ألن الحق تعالى كان سمع موسى الذي يسمع به

التواجدليس التواجد حاال فتحمده

يزري بصاحبه في كلطائفة

وال مقام له حكموسلطان

وما له في طريق(211)القوم ميزان

ة في التبــاكي، فــيروي أن عمــر بن ويحكي ابن عــربي قصــ ، وكان معــه أبــو بكــر، فــرأى|الخطاب دخل يوما على رسول الله

يبكي، وكذلك أبو بكر، فقال لهما: ما يبكيكما؟ لعلي|النبي األكرم : إنمــا أبكــاني تــذكر|أبكي معكما أو أتباكى؟ فأجابه النــبي األكــرم

شهداء وأسرى بدر.



فالتباكي يعني إظهــار حالــة البكــاء والوجــد كالبكــاء، بمعــنى إظهــار حالــة الوجــد الخياليــة. وألن األمــر المتخيــل وجــودي فإنــه يتطابق مع الواقع في نفس األمر. ومن هنا يعمــل المتواجــد على إبراز تواجده حتى يصدق الحاضرون أنه صاحب وجد حقيقي، وهو في الحقيقــة لم يكن من زمــرة الواجــدين، وإنمــا يتظــاهر بــذلك.

والبون شاسع بين الحقيقة والظهور بلباس تلك الحقيقة.

الوجود . (212)إن الوجود وجدان الحق في الوجود

فحالة الوجود أعلى من حالة الوجد مرتبة، رغم ظهورها في حالة الوجد. في الوجود يظهــر الشــاهد والمشــهود ينتقــد بعضــهم بعضا، من غير أن يحدث نسيا وتغيرا في الحال والقول. والسماع

مع حالة الوجــود والشــهود. والوجــود^يكون عند األنبياء واألولياء هو حالــة من الثبــات واالســتقرار، كمــا أن الوجــد يوجــد حالــة من االضطراب والتفاعل الداخلي. وبين مستوى هذا الوجدان وشــهود الحق واستعداد نفس الواجد وكل من الصــفات واألســماء اإللهيــة عالقة وترابط. وقطعا من الممكن أن ال يطلع صاحب الوجــد علىــه من ــة ب حقيقة وجود الحق، ولكن العارف الحقيقي يأخذ المعرف

خالل وجد صاحب الوجد.

أقسام السامعين ــتمع ــرف المسـ ــعدي: األولى أن أعـ ــارف السـ ــول العـ يقـ

وخصوصياته، وبعد ذلك يكون السؤال عن السماع. ويقول أوحدي مراغي: إنما هــذا الســماع هــو حالل للعــارف الذي وصل إلى حقيقــة الحـال، وحـرام على غـيره ممن لم يصـل

إلى معرفة حقيقة الحال. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

149هـ1433م ـ 2012


،(213)وكتب أبو القاسم القشيري، نقال لقول أستاذه أبي علي يقول: السماع حرام على عوام الناس الذي يستمعون بأنفاســهم،ــاد، ومســتحب ألصــحابنا )العرفــاء( الــذين يســتمعون ومبــاح للزه

بقلوبهم. م أبو عثمان الحيري السماع إلى ثالث مجموعات :(214)ويقس

ـ المريـدون والمبتـدئون، الـذين ال يكـون السـماع بالنسـبة1إليهم سوى عامل فتنة وزيغ.

ـ الصادقون، الذين إنما يستمعون إذا وصلهم الحال.2 ـ العارفون أو العرفاء، الذين هم أهل االستقامة والمقاومة3

واالستقرار. وفي هذا الباب يقــول أبــو ســليمان الــداراني، أســتاذ محــيي الدين ابن العربي: إن من تقع النغمة واللحن الموسيقي في قلبــهــه شــيئا إنســان ضــعيف، وهــو في أمس الحاجــة إلى وتحــدث فيــيف إلى ــيقية ال تض ــة الموس ــك ألن اللحن والنغم ــداواة؛ وذل الم

كه .(215)القلب شيئا، بل عملها إن وجــدت في القلب شــيئا أن تحروهذا هو رأي الجنيد البغدادي أيضا.

ــامعين: البعض ــام الس ــاب أقس ــربي، في ب ــول ابن الع و يق يسمع بنفسه، وهم العــوام من النــاس؛ والبعض الثــاني يســمعون بعقولهم، في كل شيء، ومن كل شيء، وبكــل شــيء، يســمعون فينتهي سمعهم إلى العقل، فيسمعون به كل ذلــك، وهــو الســماعــول بالله، حيث يكون الحق سمعهم الذي يسمعون به، مصداقا لق

. وهؤالء الــذين(216): »كنت سمعه الذي يسمع به...«|النبي األكرم يســمعون بأنفســهم ال يســتطيعون أن يســمعوا شــيئا إال إذا كــان مقترنا بالنغمــات واأللحــان واألصــوات الحســنة، كمــا أن حــركتهمــل الوجــد والحــال ــة، وفارغــة من ك ية، وتكــون دوري تكــون حســ



ــد العلم الصحيح. وعلى العكس من ذلك من يسمع بعقله فإنه يفي ويؤدي إلى الطاعة، ال يضيف الحركة إلى ظــاهر بدنــه، بــل يكــون إلى حد كبير من السكينة والوقار، وهم هــؤالء الــذين يظــل قلبهم مفتوحا لنداء الحق، ويكون مجذوبا نحــو باطنــه، وفي حركــة نحــوــه ــة أن تلك الجاذبية، ليصل إلى حالة الوجد والشهود والعلم، لدرج

.(217)قد تحدث له غيبوبة، فيخرج عن طور الحس بعالم المادة وضمن باب »مقام ترك السماع«، وبعد أن قسم السامعين،

ــائال:...وهــو(218)قال: إن حكم السماع منوط بالمستمع . وأضاف قــيء عن ــه ش ـه لم يثبت في تحريم ـ ــاح على اإلطالق ألن ــدنا مب عن

ــد ال يفتنــه وال يجلبــه،|رسول الله ؛ فإن كان عارفــا فســماع المقيــه، ــه في لألغيار، وسماعه بنفسه، ويجد قلب لكن من كان قلبه محال وجب عليه تركه، فهو إنمــا يجــد قلبــه فيــه، وحالــه يتلـون بــأحوال لسماعه. أما العارف الــذي يســمع بعقلــه، وعين ســمعه عين، والــو يســمع يكون هذا إال لمن أوتي جميع األسماء وجوامع الكلم، فه جوامع الكلم واألسماء سماعا إلهيا وروحيا، وليس هناك فــرق بين

. والعارف(219)روحه التي يسمع بها وبينه هو، بل هما وحدة واحدةــاني ــيز بين ســماعه اإللهي والروح ــا بالتفصــيل، فيم ــون عارف يك والطــبيعي، فال يلتبس عليــه أمــرهم، بــل هــو قــادر على الفصــل بينهم، ويعرف الحال في كل واحد منهم. ولذلك أبيح لــه الســماع،

وأصبح في حقه مباحا. ــول البن الســعود ــرأي في ق ــاء نفس ال ــل شــيخ العرف وينق الشبلي، الذي قال فيه بحرمة الســماع للمبتــدئ، والمنتهي )يريــد العارف السالك( والعارف ليســت لــه حاجــة إليــه، وإنمــا الســماع

للمتوسطين أصحاب القلوب. وفي كتاب »تهذيب األخالق« ينصح شيخ العرفــاء ابن عــربي



ــد، وأن ال الذين يقصدون قمع الشهوات أن يــتركوا الســماع المقيــاألخص ــوات، وب ــات من األص ــات والمغوي ــمع للمغري ــوا الس يلقــدالل؛ ألن ــاالت ب ــات والمخت ج ــاء المغن ــاث من النس ــوات اإلن أص

.(220)الخضوع لهن بالسمع يسحب القدرة على مقاومة الشهوة وفي ختام مبحث »حضــرة الجمــال« يقــول ابن العــربي: إن المؤمــنين قــد نهــوا عن االشــتغال بــاألمور اللهويــة، وقــد ذم منــاي يجلس في مجالس تضرب فيها الدفوف، ويعزف فيها على الن وآالت الموســـيقى والعـــزف. وإنمـــا المطلـــوب منهم ــــ أي من المؤمنين ـ أن يفتحوا آذان قلـوبهم لسـماع كالم الحـق المتعـالي؛ حتى يتمكنــوا من الوصــول إلى مقــام الشــهود. وقــد اســتنكر ابن عربي واستقبح من قالوا بــأن صــناعة الموســيقى جــزء من أمــور وآداب الدين، واعتبرها من التقول على الله بغير علم. ويعتقــد أن ليس في اإلسالم طريق للوصول إلى مقام الوجد والشــهود بغــير سماع كالم الحق تعالى، فوحده سماع الحــق يجعــل الــروح تفــنى في معشوقها، وبه تصل إلى الشهود. وإن ما يجب أن يكون عليــه العارف من وقار وآداب تتناســب وآداب وســلوك المــؤمن تتنــافى كليا مع الســماع آلالت الموســيقى، أو الطــرب أللحانهــا، بــل إنهــا تضرب حجابا على القلب، فال ينظر الحق مطلقا. وقد وصف هذه

المعاني في أبيات قائال: ما الدين بالدف والمزمار

واللعب لما سمعت كتاب الله

حركني حتى شهدت الذي ال عين

تبصره

لكنما الدين بالقرآنواألدب

ذاك السماع وأدنانيمن الحجب

إال الذي شاهد األنوار(221)في الكتب



مالمة المتظاهرين بالسماع والوجد كتب ابن عربي رسالة إلى أبي محمد عبــد العزيــز القرشــي )مقيم تونس( ـ وقد نعته بوليه ـــ يصــف لــه فيهــا أوضــاع وأحــوال أهل التصوف وخانقاه )صوامع الدراويش ومشايخ الصوفية( مصر

. ومما جاء فيها قوله: لمــا وصــلنا هــذه البالد أول مــا(222)والقاهرة سألنا عنه كان أهل الطريقة والسير والسلوك، فقالوا لنا: إن أهلــة، ال ــة، وهم أهــل طريق ــة، ال طريق بالد المغــرب هم أهــل حقيق حقيقة. وكفى من هذا الكالم أنــه يحمــل من الفســاد الكثــير؛ إذ ال وصول إلى الحقيقة إال بعد تحصيل الطريقــة. وقــال أبــو ســليمانــوا ــول، فحرم ــييعهم لألص ــول بتض ــوا الوص ــا حرم ــداراني: إنم ال الطريقة، وشهدوا على أنفسهم بفراغهم من الحقيقة. وهؤالء هم تلك المجموعة من الصوفية الــذين أخــذوا من التصــوف القشــور، فلبسوا الصوف، وتظــاهروا بالريــاء، وعظمت الــدنيا في قلــوبهم، فال يرون دونها مطلبا، وصغر الحق في نفوسهم فال تجــد لــه فيهــاــام ــانوا كاألنع أثرا، فكان الحالل والحرام عندهم وفق أهوائهم، فك بل هم أضل. وقد نظم أبو القاسم الجنيــد أبياتــا يـذم فيهــا حــالهم

لما عاينهم، فقال: أهل التصوف قد مضوا

صار التصوف ركوة صار التصوف صيحة

كذبتك نفسك، ليس ذي

صار التصوف مخرقةسجادة ومدلقة

وتواجدا ومطبقة سنن الطريق الملحقة

ــذم ــه ي وبعــد أن ذكــر ابن عــربي في رســالته تلــك مــا ألجل المتظاهرين بالتصوف والعرفان عرج على ذكر أحاديث ومأثورات عن كبار الصحابة ومشايخ الطريقة، وبعــد ذلــك التفت إلى نفســه

ليتبادل معها الحديث والكالم.



ة عن ســلمان الفارســي، فكتب ــل ابن عــربي قصــ ــد نق وق يقول: في الفترة التي كان فيهــا ســلمان واليــا على المــدائن ذاع في يوم خبر بأن سلمان جالس في المســجد يتلــو القــرآن، فــأتى

، ولم×إليه الناس جماعات جماعــات، وكــان يقــرأ ســورة يوسف يمكثوا إال قليال حتى تفرقوا، وتركوا المسجد، فتوجه إليهم سلمانــعر ــا من الش ــرأ عليكم أبيات ــني أن أق ــرون م ــا: أكنتم تنتظ معاتب اللهوي؟ ليتوجه ابن عربي إلى نفسه بالســؤال ـــ على عادتــه في هذا الكتاب ـ، فقال: فأخلو بنفسي حيث مسكني، فأزن المــواهب التي أنا عليها بالحال، فال أجد بينهما نسبا يربط، وال ســببا يضــبط،ــاي، فخلـوت فخفت واللــه يــا ولــيي مكـر اللــه بي، واســتدراجه إي بنفسي وقد داخلني من ذلك ما ال يعلمه إال اللــه المتعــالي، فقلت لها: يا نفس، وعزة من جبلك على المخالفــة، لمــاذا حين تكــونينــر أو في مجلس الحق، وتسمعين كالم الله، ال يظهــر عليــك أي أثــأثر رين، وتبدو عليك مالمح الت تغيير، بينما حين تسمعين شعرا تتأث فاضحة، فتأخذك نشوة الطرب، ويأخذك الحــال، وتقــولين بكامــل األسف: أنا والله مدمنة على هذه الحــال، وهــذه أضــعف الحــاالت التي لدي، وال أعرف لمــاذا حين أســتمع إلى القــرآن ســرعان مــاــالتعب والضــجر؟! أيتهــا النفس مــا بالــك غــير كالم اللــه أشــعر ب تسمعين وتنصتين، وتدلين باإلعجاب واالنبهار، تشاركين، تترنمين، وتطــربين، وال تبــدين التعب أو الضــجر، لكن عنــدما تتلين القــرآن تستثقلين وتملين، بفتور تــرتلين، وبالتحــدير تقــرئين، وهــذا حالــك كذلك في الذكر وقراءة األوراد واألدعيــة؟! فوجــدتها قــد انطــوت

على مكر وخداع.ــالى أتراه هكذا يكون حال المؤمن؟ ال والله، بل كالم الله تع للمؤمن ألذ وأشوق إلى سماعه من الظمآن للماء العذب الــزالل. فإنا لله وإنا إليه راجعون على نقص اإليمان، بل والله على ذهابه.



يا شؤم نفسي، ويا حسرتي، كم مرة واللــه ســمعت آيــة من كالمــة اللــه فثقلت علي ومججتهــا، وتــبرمت منهــا نفســي، وكم من رنــه شعر سمعتها فاستطربت إليها، واستعذبتها في نفسي. إني واللــنين إلى ــوان المؤم ألخــاف على نفســي أن ينقــل اســمي من دي

ــق فيهم: تديوان من قال الح مأز وإذا ذكر الله وحــده اشــ قلوب الذين ال يؤمنون باآلخرة وإذا ذكر الذين من دونه

.إذا هم يستبشرون وابؤســاه! حين يقــول القــوال زخــرف القــول أهــتز، وأقــوم، وأقول: هذا والله قول حسن، فال يزال الشيطان اللعين يرقصني، حتى إذا أخذ حاجته مني صــفعني، ليســلط علي النــوم والنعــاس،ــام حتى ينــادي المــؤذن: أن حي على الفالح، فأضطجع، وما إن أن حي على خير العمل، فأقوم ألصلي، وأكتفي من الوضوء في أقل ما يطلق عليــه الوضــوء، وأكتفي في الصــالة بقصــير الســور، من

، وألن القنــوت ليس واجبــا أتركــه،إنا أعطيناك الكوثرمثل: وأنقر الصالة نقر الديكة للحبة. فإن حالفني التوفيــق خــرجت إلىــاس وتمت الجماعــة، فال المسجد، فيقول الناس لي: قد صلى الن أجد في نفسي لذلك حزنا، وأمني نفسي فأقول: إن النية أبلغ من العمل، فلنا أجر الجماعة وثوابها، وأنا في قرارة نفسي مستبشر، فقــد خلصــني اللــه من تطويــل اإلمــام وطــول وقوفــه في التالوة والقنوت، أما إن وفقت فأدركت الجماعة فليس لي منها سوى ما أرى الناس يفعلونه، أقوم حين قــاموا، وأســجد مــتى مــا ســجدوا، وكل فكــري إمــا مشــغول بمــا كــان مني طــوال الليــل من األنس بالصوت الحسن والنغمــة الشــجية، أو يكــون النــوم قــد أخــذ مني مأخذه، أو ينشغل قلبي بإمام الجماعة، فأغتابه في نفسي: ما لنــا

قد أوصى|والقراءة بالحشر أو الواقعة؟ أال تدري أن النبي األكرم



اإلمام أن يرأف بحال من يؤمهم، فال يطيل القــراءة فيــؤذيهم. مــاــأغرق أثقله من إمام مبتدع قد خالف السنة. ويطيب لي الخيال ف فيه، وأقول مع نفسي: لقد كنت البارحة وإلى منتصــف الليــل مــعــه وصــلت. الله، وفي الله، وقمت لله، في الله شطحت، وإلى الل وقد زين لي الشــيطان ســوء عملي، وألبس علي حــالي، فتخيلتــني من مصــاديق قولــه تعــالى: أنني محســن العمــل، ولم أدرك أن

ادلوكم وإن ــائهم ليجــ ياطين ليوحون إلى أولي وإن الش.أطعتموهم إنكم لمشركون

ثم ينتقل ابن عــربي بعــد هــذا إلى ســرد حكايــة عن شــيخه، ويصفه بأنه من أهــل الكشـف والشـهود، حيث يـروي أن رجال من الصالحين فقد نور البصر حضــر مجلســا في الســماع، وبينمــا هــو جــالس إذ دخلت مغنيــة للمجلس، فقــال األعمى: هــذا إبليس قــد حــل ضــيفا على مجلســكم، وأراه يشــم الجماعــة واحــدا وحــدا، ووصف األعمى كل فرد من تلك الجماعة واحدا واحدا، ومــا كــانوا عليه من اللباس والهيئــة، وقـال: أرى الملعــون ينظــر إليكم فـردا فردا، وأراه قد وقف عند واحد منكم عليه عباءة حمــراء، فــالتفت الكل إلى الرجل، فرأيناه يستجلب الحال، ويظهــر الوجــد، ليقــولــان أن ــه، فك األعمى: أرى أن إبليس ينطحه بقرنه، وقد تغلب عليــام من هوســه إلى ــه، وق ــل صــيحة، وانقلب حال صــاح ذاك الرج الشطحات، وهو ينشــد أشــعاره، وقــام المجلس لقيامــه، وغرقــوا

في شطحاتهم... وصدق سلمان الفارسي حين قال: »الحــق أحــق أن يتبــع«.ورحم الله ابن مدين حيث قال: »المريد مريد ما عمل بالقرآن«.

ــير ســماع فكيف للعارف السالك أن يصل ويعرج إلى ربه بغوامتثال كالم الحق؟!



الحال المنبعث من سماع القرآن، ومن الشعر لإلنسان حاالت مختلفة باختالف الظــروف. ومن جملــة تلــك الحاالت: حالتا االنقباض واالنبساط، وبمعــنى آخــر: حالتــا الخــوف والرجاء، الوحشة واألنس، الهيبة واألنس، وهلم جرا. فكلما تمكنــد ــك ق العارف من هذه الحال أو تلون بلونها يستحيل أن يكون ذل حصل بدون موجب وعامل. لهذا ترى أهل التحقيــق يتخوفـون من حصول القبض والبسط دون أن يكــون الســبب معلومــا، ويجــدون في ذلـــك نوعـــا من المكـــر االلهي المخفي. من هنـــا وجب على السالك أن يكون على علم بسبب حصول حالتي القبض والبســط له، فإذا تبين له أن السبب كان آية من آيات القرآن فحاله صحيح وموافق للقرآن؛ وذلك ألن النفس ال تستطيع تحمــل القــرآن؛ ألن القرآن يحوي كل الحقائق، ونفس اإلنســان إحــدى تلــك الحقــائق، لهذا فهو إنما يــدرك جــزءا من القــرآن، وليس كلــه. وكــذلك فــإن النفس محل نفوذ الشيطان وتلبيســاته؛ ألنهــا أخــذت على عاتقهــا أن تحمل القرآن وتحميه. لذا فالشيطان يعمل جاهدا ليحول بينهــا وبين سماعه، وأن تصل إلى الحال من سماعه، والحــال إنمــا هــو في العقل، والعقل في الروح، وليس في النفس. والروح من هذا الموقع هي الــتي تملــك وتتملــك، والتملــك يكــون لصــاحب العلم،

والفراسة، واإللهام، واآلخرة، والذكر، والحق، واليقين. ويضيف شيخ العرفاء ابن عــربي قــائال: أمــا إن اتضــح لــه أنــإن مرجع حاله الشعر والسماع، والتصفيق، واأللحان والنغمات، ف حاله إنما كان من هــوى نفســه. والنفس منشــأ الهــوى، كمــا أنهــا محل تلبيسات إبليس وشيطنة الشــياطين. والشــعر كــذلك يكــون من الشيطان إال ما استثني منـه، بـأن كـان ناصـرا للحـق أو نابعـا



ومستلهما من كالم الحق، فحمد ووصف بالحسن، وكــان مرغوبــا. والشــيطان من النفس كمــا الــروح من النفس، فحيث إن الــروح ملك على النفس، فالشيطان يتملك النفس، مــع فــارق يكمن في أن الروح مالك أمين، وصاحبة أوصــاف في الكمــال والخــير، لكنــد في الشيطان على طرف النقيض، صاحب أوصاف فاقت كل ح الخبث والشر، فهو صاحب الجهل، والوساوس، والــدنيا، والغفلــة،

والباطل، والشك، والمصائب، والتشبيه، والشرك. وكلما كان الحال منبعثا من القرآن كلمــا كــان ســماعه يزيــد صاحب الحال علوا وشرفا، وتوافق حاله وحال القــرآن، والســامع له المدرك لحقائق معانيه ال ينحرف عن الصراط المستقيم، حتى في خياله تجده ال ينجــذب إلى عشــق غــير اللــه، وال تــزداد الــدنيا

عنده إال صغرا. ــده يتلبس ــماع فتج ــعر والس ــه الش ــان مبعث حال ــا إذا ك أم بأوصـــافها في االنحطـــاط والســـوقية. ففي حين يكـــون الحـــال المنبعث من القرآن مرده الكالم المقدس والمنزه عن كل باطــلــال المنبعث من ــ الح ــك ـ ــ وعلى العكس من ذل ــون ـ ونقص، يكــراف ــالنقص واالنح زا ب ــ ممي ــوق ـ ــو من كالم مخل ــ وه ــعر ـ الشــنزر اليســير، فتكــون ــه الطــاهر إال في ال والباطــل، وال يكــون من طهــارة الشــعر ناقصــة ومشــوبة بالباطــل، وكــذلك يكــون الحــال

بع مشوبا بالباطل والخبث... المتأتي منها بالت وهذا كالمي ـــ يقــول ابن عــربي ـــ إنمــا أوجهــه إلى العرفــاء والسالكين، أما المدعين من المريدين، والــذين حــالهم في درجــة أقل وأضعف، فليس لي كالم معهم. وهذا هــو الســبب الــذي حــدا بأبي يزيد البسطامي ألن يقول في سماع العرفاء: هؤالء أصــحاب الكد والتسول، وأنا أستعيذ بالله منهم، وما طيهم لألرض ومشيهم



على الماء أو طيرانهم في الهواء إال للتوسل والشحاذة.ــد وفي خصوص المريدين يقول: إذا وجدت المريد يتمايل عن

السماع فاعلم أن جزءا من الباطل ال زال يخالطه. وأخيرا يقــول ابن العــربي: كمــا ســبق أن أوضــحنا: الســماع بالنسبة للعرفاء كد، وهذا مــا نقلنـاه عن المتقــدمين من العرفـاء، حتى ال تؤخذ علينا صغيرة، ونتهم بتبعية وتقليد المتأخرين في ذكر ما يلحقه الســماع من نقص في الســير والســلوك والوصــول إلى

المقامات. وقد صرح الشيخ األكبر محيي الدين ابن العربي، في مواضع متفرقة ضمن رسائله، بقوله: وفــق نظرنــا مطلــق الســماع ليســده بــه ــد بمــا قي حراما، بل هو مباح، وكذلك الشعر والغناء ـ المقيل ومجمــل الشــرع المقــدس ـــ مبــاح. وقــد عرضــنا بشــكل مفصــ تفاوت السماع باختالف مــراتب ومقامــات األفــراد والمســتمعين،

الذين يختلف حالهم بين هذا وذاك.

الهوامش


الشيخ يوسف الصانعي•

الموسيقى والغناءمطالعة في الموقف الشرعي

*(*()الشيخ يوسف الصانعي

ترجمة: السيد حسن مطر الهاشمي

مقدمة.(223)جاء في الحديث: »إن الله جميل يحب الجمال«

لقــد دعــا اللــه ســبحانه وتعــالى اإلنســان إلى التــدبر في مــاــداع يحيط به من بديع الخلق وجميل الصنع؛ ذلك أن منشأ هذا اإلب والجمال وهذا الصنع والنظم هو الله عز وجل، فهو تعــالى مظهــر

الجمال وصاحب الجمال، بل ذاته.ين والخــبراء في إن الميول السامية من وجهة نظر المختصــ علم النفس على أربعة أنواع، والنوع الثــاني منهــا عبــارة عن حب الجمــال. فاإلنســان بطبعــه وفطرتــه ينجــذب إلى الجمــال، وتهــتز عاطفته إلدراك كل ما هو جميــل، فيحــدث لديــه انشــراح وابتهــاجــتي خاص بتأثير من شعوره بالجمال. كما تثبت التنقيبات األثرية ال قام بها علماء اآلثار أن حب الجمال لدى اإلنسان ضـارب بجـذوره

في أعماق التاريخ، وما قبل التاريخ أيضا. يقول األستاذ الشهيد مرتضى مطهري: »إن الذي يحتاج إلىــد اهتم بحث ملح أكثر من أي شيء آخر هو ما إذا كان اإلســالم ق بالبعد الرابع من وجــود اإلنســان، ونعــني بــذلك اســتعداد اإلنســان

أحد مراجع التقليد في إيران اليوم، تلميذ اإلمام الخميني)*( *( والسيد البروجردي، عضو سابق في مجلس خبراء القيادة، لهآراء فقهية مخالفة لمشهور العلماء، وال سيما في فقه المرأة.


مطالعة في الموقف الشرعيالموسيقى والغناء، •

الفطري وحبه للفن وانجذابه إلى الجمال، أم ال؟ هناك من يــذهبــود ــديد الجم ــاف وش ــالم ج ــأن اإلس ــاد ب ــور إلى االعتق ــه التص بــارة أخــرى: إن اإلســالم يميت ب من هــذه الناحيــة، وبعب والتخشــ الذائقة، ويقتل الشعور. وبطبيعة الحال فإن مسـتند الـذين يـذهبــدعوى هــو أن اإلســالم لم ــل هــذه ال بهم التصــور إلى إصــدار مثــر ــثى، والعنص ــف األن ــع من توظي ــيقى، ومن ــع الموس ــل م يتفاع

النسوي، والرقص، والنحت، وما إلى ذلك. بيــد أن إصــدار األحكــام على هــذه الشــاكلة ال يبــدو صــائبا. وعلينــا أن نــدقق النظــر في األمــور الــتي وقــف اإلســالم ضــدها وحاربها، لنرى ما إذا كان موقف اإلسـالم السـلبي منهـا يعـود إلىــة أو جمالها، أو إلى اقترانها بــأمور أخــرى تخــالف الفطــرة الفردي االجتماعية لإلنسان؟ ولنرى أيضـا مــا إذا كـان اإلسـالم ــ في غـير

.(224)هذه الموارد ـ قد عارض أو حارب فنا من الفنون األخرى؟ وقال في موضع آخر: »إن الفن منبثــق عن فطــرة اإلنســان في حب الجمال. فاإلنســان منجــذب بطبعــه نحــو الجمــال، ســواء على مستوى االنجذاب فقط أو العمــل على إبــداع الجمــال الــذي

.(225)نطلق عليه تسمية )الفن(«ــدية ــائص الجسـ ــع الخصـ ــماوية تتالءم مـ ــاليم السـ إن التعـ والروحية لإلنسان. وإن حب الجمال ـ بشهادة علماء النفس ـ يعد واحدا من األبعاد الروحيــة األربعــة المودعـة في اإلنســان. واللـه ـ الذي هو مظهر الجمال ـ يحب الجمال، وهو الخــالق لكــل مــا هــو جميل، وقد أودع في وجودنا حب الجمال لنستدل بــه عليــه. قــال

ــالى: ــبحانه وتع ــه من روحيس ــر: ونفخت في (.29)الحج وعليه فقد كان اإلنسان يشاهد الجمال ويالحظ حب هــذا الجمــالــة بمــا يتناســب ــدي ردة فعــل تلقائي ــدء الخليقــة، وكــان يب ــذ ب من



والجمال الــذي يمثــل أمامــه، في أي مكــان أو زمــان أو موضــوع.ــة وبطبيعة الحال فإن حب الجمال ومعرفته من المشــاعر الفطري التي ال تقبل اإلنكار، وهي الــتي أودعهــا اللــه في وجــود اإلنســان؛

كي ينمي عنده الشعور بالنزوع إلى التكامل. من هنا يعد االهتمام الخــاص الــذي يوليــه أبنــاء البشــر تجــاه الجمــال، بمــا يتناســب وطــبيعتهم الفطريــة، وتــوظيفهم للجمــالــة بوصفه مظهرا من مظاهر جمال الله، يعد من االحتياجات األولي والفطرية لكل إنسان، والهــدف منــه إشــباع الرغبــة إلى الكمــال،

وهي رغبة مودعة في جبلة كل فرد منا.ــاء والموســيقى« همــا من أبــرز مصــاديق الجمــال إن »الغن ومظــاهره وأكملهــا، بحيث إنــك تجــد تأثيرهمــا العميــق على كــلــه، إنسان، أيا كان انتماؤه أو عقيدته، وأيا كان سنه وثقافته وجنس

وبشكل ال يمكن إنكاره أو توصيفه.ــا أو فقــيرا أو من فمهما كان الوضــع المــادي لإلنســان ـــ ثري الطبقة المتوسطة ـ فهو يتعاطى مع »الغنــاء والموســيقى« بنحــو من األنحاء، خالفا للتصور السائد. فاالستفادة منهما غير مقصــورة على طبقة السالطين والملوك واألمراء والخلفاء فقــط، وإن كــانــاء ــتفادة من الغنـ ــة واالسـ ــرح والقصـــف والصـــخب والمتعـ المـ والموســـيقى تبلـــغ ذروتهـــا في إطـــار تحقيـــق أهـــداف الـــدول

والسالطين.ــا في العــالم المعاصــر، ومــع ونظرا إلى الوضـع الســائد حاليــات ــف طبق ــل مختل ــير من قب ــال الكب ــار اإلقب ــذ بعين االعتب األخ المجتمعات، وخاصة طبقة العامة، على الغناء والموسيقى، فإنهماــتي باتا يعدان من أهم وسائل استثمار السلطات؛ لبلوغ أهدافها ال

تقف ضد القيم الثقافية والسياسية واالقتصادية والعسكرية.



واليوم يتم إنفاق الجزء األكبر ـ أو جزء كبير في الحــد األدنى ـ من الدخل أو الوقت على هذا الموضوع. كمــا تعمــد الــدول إلى تخصيص جزء من نشاطها ووقتها وميزانيتها لتأســيس المنظمــات والمؤسســات في هــذا الســياق؛ من أجــل الوصــول إلى أهــدافها

المنشودة. وكما تقدم فقد كان »الغناء والموسيقى« منتشرين منذ بــدء الخليقــة، وبين جميــع القبائــل واألمم، بنحــو من األنحــاء. غايــة مــاــذا ــا. ونحن في هـ ــدار تأثيرهمـ ــاك أن االختالف يكمن في مقـ هنـ المقال ال نسعى إلى البحث عن الجذور والمسار التــاريخي لهمــا،ــبة إلى ــة بالنس ــير أهمي ــوي على كب ــانب ال يحت ــذا الج ــا أن ه كم

ــك(226)بحثنا . نعم، تعاطي اإلسالم ـ منذ ظهوره وانتشاره، وبعد ذل ـ مع هذه المقولة له تأثير كبير في^في عصر األئمة المعصومين

استنباط الحكم الشرعي. أما الروايات الـواردة في مصـادرنا فـإن عـددا ليس بالقليـل

.(227)منها يحث على تالوة القرآن بصوت حسنــاس وعلى الرغم من ذلك فإن سالطين بني أميــة وبــني العب

قد عمــدوا إلى توظيــف »الغنــاء والموســيقى«^في عصر األئمةــوى. إن في إطار اللهو ومجالس الخمور والفحشاء والفســاد واله هؤالء السالطين كانوا ينفقون في بعض األحيان أمواال طائلة على الموسيقيين والمطربين، وكانت مجالســهم مصــحوبة في الغــالبمــات والموبقــات. وهــذا مــا بشرب الخمور وغــير ذلــك من المحرة أبـــو الفـــرج خين في كتبهم، وخاصـــ يـــذكره الكثـــير من المـــؤرا بموضــوع اإلصفهاني في كتاب »األغاني«، الــذي يعــد كتابــا خاصـ الغناء والعازفين والشعر واألدب، وقد تعرض للكثــير من القصــص

. بل إن بعض الروايــات الــواردة عن(228)التي تعكس هذه الحقيقة



في هذا المجال تشير بوضوح إلى هــذه المجــالس.^المعصومين وعلى أية حال فإن الغناء وإن أسيء استغالله على هذا النحو من قبل هــؤالء األمــراء والســالطين، إال أن توظيفــه لم يكن مقصــورا

على هذا الصنف من السالطين، وهذا النوع من المجالس. وفي العصر الراهن ـ كما في العصور الغابرة ـ يتم التعــاطيــداف. ــكال واأله ــف األش ــاء بمختل ــيقى والغن ــة الموس ــع مقول م وبالتناسب مع هذه األهداف والدوافع يتم عرض وإنتاج الكثــير من

أنواعهما، وتقديمها إلى المخاطبين. إن هــذه األنــواع المختلفــة تــؤدي أحيانــا إلى تخــدير روحــا ــه، وتعمـــل على توظيفهـ ــائه وجوارحـ ــع أعضـ ــان، وجميـ اإلنسـ واســتخدامها في األهــواء والشــهوات، والتشــجيع على العنــف، والدعوة إلى العنصرية والكراهية وما إلى ذلك؛ بينما يعمل البعض اآلخــر على العكس من ذلــك تمامــا، حيث يــدعو المخــاطبين إلى المحبة والتعاطف مع اإلنسانية، والحث على الشجاعة، ومقارعــةــز روح ــالمين، وتعزي ــة الظ ــومين، ومحارب ــرة المظل الظلم، ونصــد، وإشــاعة التضحية واالستشهاد، واإليثار، بل والدعوة إلى التوحي

.(229)األحكام، وما إلى ذلك إن هـــذا التشـــتت واالختالف في األنـــواع المـــذكورة يـــتركــدا ودون أدنى المكلف في حيرة من أمره. أجــل، يعلم الجميــع جي تردد بأن بعض أنواع الغناء والموسيقى هو بالوجدان من مصاديقــتي ــرعية، وال ــة الش ــة من الناحي ــيقى« المحرم ــاء والموس »الغن تستوجب لذلك سخط الرب. ولكن في الوقت نفسه هنــاك أنــواع أخرى من الموســيقى والغنــاء ذات طــابع مختلــف تمــام االختالف عن القســـم األول، بـــل إنهـــا ذات أهـــداف هي غايـــة في النبـــل والرفعة، وعليه ال يمكن أن تدخل في مــا يــوجب ســخط الشــارع



المقدس وغضبه.ــل ســائر ــاء والموســيقى« مث ــدم: إن »الغن ــا تق وحصــيلة مــو، والتلفــاز، المقوالت األخرى ـ من قبيل: الحاسب اآللي، والرادي واألقمار الصناعية، وشبكة اإلنترنت ـ لهمــا أبعــاد وحــدود مختلفــة ومتعددة. فيمكن توظيفهما في إطار األهداف الهدامــة والمضــلة، وتسفيه األحالم، وإهدار الطاقات الشــابة والفاعلــة في المجتمــع،ــل: كما يمكن االستفادة منهما في بلوغ األهداف السامية، من قبيــة ــة والعاطفي ترويج العلم والفكر، وخلق الحوافز والدوافع الروحي

ــومين ــف بالمعصـ ــحيح، والتعريـ ــار الصـ ــجاياهم^في المسـ وسـومناقبهم ومكارم أخالقهم.

ويبــدو في هــذه اللحظــة الراهنــة ـــ الــتي شــمر فيهــا أعــداءــنيف، اإلسالم عن سواعدهم من أجل تشويه الدين اإلســالمي الح ــا وإظهــار اإلســالم المحمــدي األصــيل والناصــع بوصــفه دينــا رجعي يخالف مظاهر الجمال ـ أن الــواجب يــدعونا إلى تقحم االحتيــاط، وبــذل جهــود مضــاعفة ودقيقــة الســتنباط األحكــام الشــرعية المتناسبة وحاجــة المجتمعــات المعاصــرة، والنظــر إلى النصــوص والمصادر الدينية برؤية جديدة يتم فيها تجنب ما يســتجلب ســخطــدعو إلى الله على نحو القطع واليقين؛ إذ من غــير المنطقي أن ن نبذ ذلك القسم من »الموسيقى والغناء« الذي ال يشتمل على أيب عليــه أهــداف ســامية، من أثــر من الضــالل والفســاد، بــل تــترت قبيل: الــدعوة إلى الصــالح، واالبتعــاد عن القبــائح؛ لمجــرد الشــك

والشبهة في حليتها وإباحتها. واألهم من ذلك أن هذه هي الوسيلة التي يعمد أعــداؤنا إلى توظيفها ضدنا. وعليه يتعين علينا محاربتهم بنفس السالح، وتوجيه الجانب اإليجابي منه إلى ذات المخاطبين، وبذلك نرد كيد األعــداء



إلى نحورهم.ــكل ال إرادي ــاس بش ــع الن ــاة جمي ــط حي ــوم، حيث ترتب والي باألدوات واألجهــزة الحديثــة، ووســائل اإلعالم والتواصــل، ارتباطــا وثيقا، فتطرح تساؤالت وشبهات متعددة من قبل العدو والصديق،ــة ــرة واعي ــا من خالل نظ ــدر بن ــوي، يج ــود أو عف ــكل مقص وبش ومتعمقة تتناســب وحاجــة العصــر والمجتمــع أن نعمــل على رفــعــة الكثير من الغموض، والعثور على حلول جذرية للمشــاكل الدينيــنة ــريم والسـ ــرآن الكـ ــوع إلى القـ ــية من خالل الرجـ المستعصـ الشريفة، وتقديم إجابات مناسبة وواضحة وعلمية عن هــذا النــوععة في مـا يتعلـق من التســاؤالت، بحيث تقنـع المكلفين والمتشــر بهذا النوع من الشــبهات. وإننــا نجــد نمــاذج من هــذه األســئلة من خالل نظرة عابرة نلقيهــا على ركــام االســتفتاءات المرفوعــة إلىــئلة من ــاء«. وهي أس ــيقى والغن ــأن »الموس ــاء األعالم بش العلم

قبيل:ـ ما هو مفهوم الغناء؟1ـ ما هو مفهوم الموسيقى؟2ـ ما هي نقاط االشتراك واالختالف بين الموسيقى والغناء؟3ــاء4 ـ هل يمكن توظيف الغناء في تجويد القرآن الكريم، ورث

؟^ وسائر األئمة من أهل البيت×اإلمام الحسينـ هل الغناء حرام بقول مطلق؟5 ـــ إذا لم يكن الغنــاء حرامــا بقــول مطلــق فمــا هي حــدود6

المحرم منه؟ـ ما هو الحكم عند الشك في مصاديق الحرمة ومواردها؟7ــو8 ــاء« ه ــيقى والغن ــة »الموس ــان المالك في حرم ــ إذا ك ـ

اشتمالهما على اللهو واللعب والضالل فما هو حكم الغناء الــذي ال



يشتمل على شيء من ذلك؟ ـ ما هو حكم االستماع إلى االبتهاالت والتواشــيح والمــراثي9

والقصائد الجميلة التي تقال في التوحيد ومنــاقب وفضــائل النــبي؟^األكرم وأهل بيته

ــة على جميــع10 ـــ مــا هــو حكم الكثــير من الــبرامج التعليمي المستويات ـ األعم من الصغار واليــافعين والشــباب، وحــتى كبــارــع ــدافع رف ــا ب ــاء« فيه ــيقى والغن ــدخل »الموس ــ حيث ت ــن ـ الس

المستوى الكيفي في عملية التعليم؟ ـ هل يمكن لما يتم بثـه من اإلذاعـة والتلفــزة المحســوبة11

على الجمهورية اإلسالمية أن يكــون مناطــا ومالكــا لحليــة وإباحــةهذا النوع من »الموسيقى والغناء« أم ال؟

وحيث إننا نجد اإلجابة عن المســائل المســتحدثة والمشــاكلــرعين من أهم نين والمتشـ ــدي ــال المتـ ــغل بـ ــتي تشـ المعقدة الـــة نســعى في هــذه الواجبــات الملقــاة على عــاتق الحــوزة العلميــذه ــتدلة عن ه ــة ومس ــات متقن ــور على إجاب ــلة إلى العث السلس

التساؤالت والشبهات المطروحة. وفي هذا اإلطار فإن األمر الواضح الذي ال يمكن إنكــاره هــوة في الرجــوع إلى مصــادر االســتنباط الفقهي من الحاجــة الماســ القرآن الكريم والسنة المطهرة، والنظر فيهــا نظــرة مغــايرة عن النظرة السابقة، والحصول على استنباطات عصرية مســتندة إلىــري ــه الجعف ــاظ على الفق ــار الحف ــالح في إط ــلف الص آراء الس

وصيانته. ومن الجدير بالذكر أننــا رغم اعتبارنــا المبالغــة في االحتيــاط والجمـــود على اآلراء المتقدمـــة منافيـــا للتفقه الحقيقي، وعلى الرغم من قولنا بأن الخشية من الجهر باآلراء الجديــدة تــؤدي إلى



اإلحباط، والظن بعدم إمكان تطبيق الدين اإلسالمي الحنيف على جميع األزمنة واألمكنـة، ال نسـعى أبـدا إلى تـبرير مـا يـوجب وهن

الدين ورموزه.

تعريف الموسيقىــال تعرض المغفور له األستاذ »محمد علي تربيت« ـ في مق

ــران« ـ(230)له تحت عنوان »الموسيقى وخبراء الموســيقى في إيــة للموســيقى، إلى ذكر مطــالب قيمــة في شــأن الجــذور التاريخي

ومعانيها اللغوية والعرفية، ننقل جوانب منها بتلخيص شديد:ب من كلمــتين، همــا: »موســي«، »الموسيقى مصطلح مرك و»قى«. وكلمــة »موســي« في اللغــة اليونانيــة تعــني النغمــة والنشيد، وأما كلمة »قي« فتعني المنسجم والموزون والمتنــاغم.ــق وهناك من قال بأن »الموسيقاقيا« عنوان أطلقه علمــاء اإلغري على الفلــك األعظم، ونســبوا فن النغم إلى ذلــك الفلــك؛ لشــرفه وعلو منزلته، فدعوه بـ »الموسيقى«. وجاء في »مصطلحات بهار العجم«: تطلق كلمة »الموسيقى« في اللغــة الســريانية على فن

الغناء.ــيقى ــنيف فن الموس ــفة إلى تص ــدامى الفالس ــد ذهب ق وق

ضمن أقسام الرياضيات، واعتبروه جزءا من أجزاء الحكمة. وبناء على تعريف المتأخرين من العلماء تعد الموســيقى من الصناعات الجميلة والمســتظرفة، بمعــنى أنهــا من جملــة الفنــون المنسوبة إلى الظرافة واللطافة والجمال، والتي تنجذب النفوس

والطبائع البشرية إلى سماعها ورؤيتها.ــدأ ــيقى ومبـ س الحقيقي لفن الموسـ ــ ــع والمؤسـ إن الواضـ ظهورها ـ كسائر الصناعات األخرى ـ مجهــول، فبــدايتها التاريخيــة



غير معلومة، وتعمد كــل أمــة وطائفــة إلى نســبة الموســيقى إلىأحد مشاهيرها، مختلقة لذلك القصص واألساطير.

ــوع ــوالدة ن ــدت ب ــنعة ول ــعر، ص ــل: الش ــيقى، مث إن الموس اإلنسان، وتكاملت مع تكامله، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه فيــة من األصــوات الوقت الراهن. فكما أن جميع لغات البشــر مؤلف الطبيعية فإن صناعة الغناء واأللحان قد تــألفت من االســتماع إلى

أصوات الطبيعة. قال أبــو نصــر الفــارابي في كتــاب »الموســيقى«: »كمــا أن األصوات الطبيعية بمنزلة األدويــة والعقــاقير الــتي تشــفى بســببــة ــزة بمنزل ــوات الناش ــإن األص ــتمعين ف ــة المس ــماعها أمزج س الســموم الفتاكــة؛ إذ إنهــا تصــم آذان الســامعين وتقــربهم من حتـــوفهم، من قبيـــل: أصـــوات جالجـــل المصـــريين، وبعض آالت الروميين، من قبيل: األرغنون، واآلالت المصــوتة لــدى اإليــرانيين،

. (231)التي ال تستعمل إال في الحروب فقط« هــذا وقــد تم تعريــف الموســيقى بتعــابير من قبيــل: علم األصوات، أو األصوات المشتملة على اإليقاع واللحن أو النغم. إن

في اللغــة اليونانيــة، ويعادلهــا(Mousike)الموسيقى تعــريب لكلمــة .(Music)في اللغة اإلنجليزية

ــد ــة بع وقــد تســرب مصــطلح الموســيقى إلى اللغــة العربيــة ــاع رقع ــي، واتس ــر العباس ــة« في العص ــيس »بيت الحكم تأســة. كمــا جــاء الترجمة، فحلت محــل كلمــة الغنــاء في اللغــة العربي التعبير بمصطلح »الموسـيقى« في مؤلفـات الفـارابي وابن سـينا والخوارزمي ورســائل إخــوان الصــفا، فقيــل: »الموســيقى معنــاهـــة«. والتـــأليف هـــو الـــتركيب )تـــأليف األلحـــان واللغـــة اليوناني

Composition) ــع لحن ــان جمـ ــا: »إن(Melody)، واأللحـ ــل أيضـ . وقيـ



الموســيقى هي الغنــاء«. وإن مصــطلح الغنــاء في العربيــة يعــني ( النــاظر إلى الموســيقىSong واإلســمي )(Sing)المفهــوم الفعلي

المنغمة. »وفي العصــر الــراهن، يطلــق مصــطلح »الموســيقى« علىــاء على ــق الغن ــيقية، ويطل ــادرة عن اآلالت الموس ــوات الص األص اإلنشاد المصحوب بالموســيقى. ومن بين الكلمــات المشــتقة من الموســيقى: الموســيقور والموســيقار، الــتي اعتبرهــا الخــوارزمي

(Musician)»ســـمي المطـــرب ومؤلف األلحـــان« أي الموســـيقي والملحن. كما ذهب إخوان الصفا في رسائلهم إلى تعريــف أدوات

الموسيقى وآالتها بـ »الموسيقات هي آلة الغناء«. وقيل في تعريف الموســيقى أو اللحن: »تطلــق الموســيقى على مجموعة من النغمات المتالحقــة والمتعاقبــة بشــكل منتظم،ــة للحــروف وطــات الموازي ــا على مجموعــة من الن ــق أحيان وتطل واأللفاظ والكلمات الشعرية المؤلفــة لغايــة بيــان مفهــوم ومعــنى خــاص. بيــد أن المحققين في الــوقت الــراهن يطلقــون مصــطلحــترن ــاد المق ــاء على اإلنش ــوت اآلالت، والغن ــيقى على ص الموس)باللحن. واإليقاع والضرب هو ما يعبر عنه في اللغة اإلنجليزيــة بـ

Rhythm)ويمكن اعتبار الموســيقى مزيجــا من األلحــان والنغمــات . والنوطات المشتملة على اإليقاع الموزون والمنسجم.

إن العنصر الرئيس في الموسيقى هو الصــوت ومــا يشــتمل عليــه الصــوت من الحركــات والســكنات وحــروف المــد، وهــو مــا يظهر بفعل النسب الرياضية. ومن جهة أخرى فــإن جميــع قواعــد الموسيقى ترتبط بذوق وقريحة الموسيقار أيضا، ومن هنــا يطلــق

.(232)على الموسيقى عنوان الفن«



الجذور التاريخية لبحث الغناء في كتب الفقهاءــة الهامــة، رغم أن مسألة الغناء تعتبر من أهم الفروع الفقهي ولكنها حتى القرن الحادي عشــر للهجــرة، أي في نهايــة المرحلــةن على ــبي ــذكر بوصــفها فرعــا غــير مبتلى بــه، وت الصفوية، كــانت ت هامش سائر البحوث الفقهية بشــكل غــير مســتقل. فتعــرض مثال في طيات بحوث بيع وشراء آالت اللهو واللعب، والجارية المغنية،مـة، أو في كتـاب الشــهادات، وكتـاب أو في باب المكاسب المحر

. ولكن يبـدو أنـه منـذ ذلـك الحين، حيث(233)الحدود، وكتاب النكاحــاتهم ومفــرداتهم، ومنهــا: شــاعت ثقافــة الصــوفية وانتشــرت أدبيــات المعروفــة مســألة الســماع والغنــاء من جهــة، وظهــور النظري للفيض الكاشــاني والمحقق الســبزواري في هــذا البـاب من جهـة أخرى، فتح الباب أمام تدوين العديــد من الرســائل المســتقلة في

.(234)هذا االتجاه كمــا عمــد بعض الفقهــاء الكبــار إلى معالجــة هــذا الموضــوع برؤية مستقلة في كتبهم، إلى جــانب المســائل األخــرى، وبشــكل تفصيلي. ومن بين هؤالء الفقهاء يمكن لنا أن نذكر الشيخ النراقي في كتابــه »مســتند الشــيعة«، والســيد جــواد العــاملي في كتابــه »مفتـاح الكرامــة«، والســيد علي الطباطبـائي في كتابـه »ريـاض المسائل«، والشيخ محمد حسن النجفي في كتابه »جواهر الكالمــاب ــاري في كتـ ــيخ األنصـ ــالم«، والشـ ــرائع اإلسـ ــرح شـ في شـ

»المكاسب«.ل من خالل الرجــوع إلى هــذا الكم الكبــير ومع ذلك ال نتوصــفق جميع من الكتابات والرسائل إلى مفهوم واضح للغناء؛ إذ لم يت علماء اللغة والفقهاء على معنى واحــد واضــح وملمــوس لمفهــوم الغناء، وبذلك كان »مفهوم الغناء« أحــد أبــرز مصــاديق المفــاهيم

المجملة.ــات ــتعراض بعض تعريف ــد إلى اس ــوف نعم ــا يلي س وفي م



الغناء المنقولة عن اللغــويين، وكــذلك بعض كبــار الفقهــاء، ليقــفالقارئ بنفسه على اإلجمال والغموض في هذا الشأن:

تعريف الغناءـ الغناء لغة1

ــاهير ــف بعض مش ــذكر تعري ــا أن ن ــب هن ــرى من المناس ناللغويين أوال، لنعمد بعد ذلك إلى البحث فيها.

قال فخر الــدين الطــريحي في »مجمــع البحــرين«: »الغنــاء ككساء: الصوت المشتمل على الترجيع، ســواء كــان في شــعر أو

.(235)قرآن أو غيرهما«ــدود في ــاء: مم ــدي: »الغن ــد الفراهي ــل بن أحم ــال الخلي وق

.(236)الصوت« وجاء في تعبير الفيومي في »المصباح المنير«: »الغناء مثل

ــه صــوت« (237 )كتاب: الصــوت، وقياســه الضــم؛ ألن ، أي إنــه طبقــا لقواعد الصرف مضموم الغين )غناء(؛ ألن القيــاس والقاعــدة في

أسماء الصوت أن تأتي على وزن فعال. وقــال الزبيــدي في »تــاج العــروس«، والفيروزآبــادي فيــا طــرب ــاء: من الصــوت م ــاء ككس ــط«: »غن ــاموس المحي »الق

.(238)به«ــر من ــاء بالكسـ ــحاح«: »الغنـ ــوهري في »الصـ ــال الجـ وقـ

.(239)السماع« وقال األزهري في »تهــذيب اللغــة«، في مــادة )غــني(، على هامش الحديث النبوي الشــريف الــذي أذن فيــه بــالتغني بــالقرآنــيين: ــا على معن ــال: »التغني هن ــه ق ــاس أن ــريم: عن أبي العب الك

: الغنــاء والطــرب... ثموالثاني: االستغناء وعدم االفتقار؛ األول أضاف قائال: فمن ذهب به إلى االستغناء فهو من الغــنى مقصــور،



ــوت ــ ــاء، الصـ ــ ــو من الغنـ ــ ــريب فهـ ــ ــه إلى التطـ ــ ومن ذهب بـ.(240)الممدود«

ــاه ــافعي: معن ــال الش ــة«: »ق ــير في »النهاي ــال ابن األث وق تحسين القراءة وترقيقها، ويشهد له الحديث اآلخر: »زينوا القرآنــرب ــد الع ــع صــوته ووااله فصــوته عن ــل من رف بأصــواتكم«، وك

.(241)غناء« وقال ابن فــارس في »معجم مقــاييس اللغــة«: »الغنــاء من

.(242)الصوت«ــارة »المصــباح ــه عب وجــاء في »أقــرب المــوارد«، بعــد نقل المنــير«: »وقــال في الكليــات: الغنــاء بالضــم والمــد: التغني، وال يتحقق ذلك إال بكون األلحان من الشــعر وانضــمام التصــفيق لهــا،

.(243)فهو من أنواع اللعب« وهكذا الحال في ما ذكره ابن منظور األفــريقي في »لســان العرب«، فإنه عين عبـارات متقـدمي اللغـويين؛ حيث ذكـر عبـارة األزهري والجوهري وابن األثير، ونقــل كالم األصــمعي بالواســطة،ل إلى مفهــوم ومعــنى واضــح من مجمــوع هــذه ــه لم يتوصــ وكأنــا ذهب الكلمات والنقول لمفردة الغناء، ولكن يحتمل أنه يوافق مــائال: إليه الجوهري في الصحاح، وذلك حيث يروي عن األصمعي ق

.(244 )»الغناء بالكسر من السماع«ــح ــة وأســاطينها يتض ــر عن أعمــدة اللغ ــا ذك من مجمــوع م للمتأمل عدم بيان معــنى واحــد لهــذه الكلمــة. وبااللتفــات إلى أنــات من قبيـــل: »الطـــرب« ــثر هـــذه التعريفـــات تـــذكر كلمـ أكـ

و»الترجيع« يجدر بنا إيضاح هاتين المفردتين أيضا. قال الجوهري في شأن »الطرب«: »خفــة تصـيب اإلنســان؛

، ثم اســتطرد قــائال: »التطــريب في(245)لشــدة حــزن أو ســرور«



.(246)الصوت: مده وتحسينه« وقال أيضا في شأن الــترجيع: »ترجيــع الصــوت: ترديــده في

.(247)الحلق«ك كــل واحــد منهم في يبدو أن أهل اللغة والفقهاء قــد تمســة، وقــد ســعى الجميــع إلى تعريف الغناء بعبارات أو كلمــات خاصــ بيان معنى واحد وواضــح لتلــك الكلمــة، وإال فإنهــا بأجمعهــا تحكي عن حالــة واحــدة في الشــخص المكلف، كمــا التفت إلى ذلــك

، وأشار إليه بشكل جيد.(248)المحقق السبزواري

ـ الغناء في كلمات الفقهاء2 قــال العالمــة الحلي في تعريــف الغنــاء: »وهــو مــد الصــوت

ــرآن« ــان في الق ــترجيع المطــرب، وإن ك .(249)المشــتمل على ال . وقال في كتــاب(250)وذكر شبيه هذه العبارة في كتاب »التحرير«

»القواعد«: »والغنــاء حــرام يفســق فاعلــه، وهــو ترجيــع الصــوت.(251)ومده«

وأما الفاضل المقداد، فقال: »المــراد بالغنــاء مــا ســمي في العرف غناء، وقيل: هــو مــد الصــوت المشــتمل على الــترجيع مــع

.(252)اإلطراب، واألول أولى«ــاني: »وهــو مــد الصــوت المشــتمل على وقــال الشــهيد الث الترجيع المطرب، أو ما ســمي في العــرف غنــاء وإن لم يطــرب؛

. وقــد ذكــر هــذه(253)ســواء كــان في شــعر أم قــرآن أو غيرهمــا« العبارة عينهــا، من دون »أو غيرهمــا«، في كتابـه »غايـة المــرام«

.(254)أيضا مــا(255)واســتعرض المحقق الحلي في كتــاب »الشــهادات«

يشــبه هــذا التعريــف، في معــرض تعــداده الــذنوب الــتي يرتكبهــا



الفاسق.ــف وقد ارتضى المحقق الكركي في »جامع المقاصــد« تعريــه على ــدروس الشــرعية«، وعمــد إلى بيان الشــهيد األول في »ال النحــو التــالي: »والمــراد بــه على مــا في الــدروس: مــد الصــوت

.(256)المشتمل على الترجيع المطرب«ــو وقال السيد علي الطباطبائي في »رياض المسائل«: »وه مد الصوت المشــتمل على الــترجيع المطــرب، أو مــا يســمى في العــرف غنــاء وإن لم يطــرب، ســواء كــان في شــعر أو قــرآن أو

. وهو عين التعريف الذي أورده الشهيد الثاني.(257)غيرهما« وقد عمد المحقق البحــراني في تعريــف الغنــاء الحــرام إلىــاني في نقل الكالم التالي، الذي اختاره بعد نسبته إلى الشهيد الث »المسالك«: »الغناء بالمد ككساء، قيل: هو مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، فال يحرم بدون الوصــفين، أعــني الــترجيع

.(258)واإلطراب« وقــال صــاحب الجــواهر، بعــد نقــل كلمــات اللغــويين وبعض األصحاب في تعريف الغناء: »فيعلم كون المراد كيفية خاصة منها

.(259)موكولة إلى العرف، كما هي العادة في بيان مثال ذلك« في »تحريــر الوســيلة«: »وليس هــو&وقال اإلمام الخميني

ــة مجرد تحسين الصوت، بل هو مده وترجيعه بكيفية خاصة مطرب تناسب مجالس اللهو ومحافل الطــرب وآالت اللهــو والمالهي، والــدعاء فــرق بين اســتعماله في كالم حــق، من قــراءة القــرآن وال والمرثية، وغيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لــو اســتعمله

.(260)في ما يطاع به الله تعالى« وقــال في »المكاســب المحرمــة« أيضــا: »فــاألولى تعريــف الغناء بأنه صــوت اإلنســان الــذي لــه رقــة وحســن ذاتي، ولــو في



.(261)الجملة، وله شأنية إيجاد الطرب بتناســبه لمتعــارف النــاس«ــر ــاه تظه ــا ذكرن ــائال: »وبم ــهور ق ــف المش ــكل على تعري ثم أش الخدشــة في الحــد المنســوب إلى المشــهور، وهــو مــد الصــوت المشتمل على الترجيع المطرب، فــإن الغنــاء ال يتقــوم بالمــد، وال

.(262)الترجيع، ففي كثير من أقسامه ال يكون مد وال ترجيع« وقال السيد الخــوئي: »والتحقيــق أن المســتفاد من مجمــوع الروايات ـ بعد ضم بعضها إلى بعض ـ هو مــا ذكــره المصــنف منم عبارة عن الصــوت حيث الكبرى. وتوضيح ذلك: إن الغناء المحرع فيه على سبيل اللهو والباطل واإلضالل عن الحق، ســواء المرجــق في كالم باطــل أم في كالم حــق، وســماه في الصــحاح تحقــرود(، بالسماع، ويعبر عنه في لغة الفرس بكلمة: )دو بيت(، و)س

.(263)و)بسته(، و)آواز خواندن(«ــاب »مســتند الشــيعة«: »إن ــنراقي في كت وقــال الشــيخ ال كلمات العلماء من اللغويين واألدباء والفقهاء مختلفــة في تفســيرره بعضــهم بالصــوت المطــرب؛ وآخــر بالصــوت الغنــاء. ففســ المشتمل على الترجيع؛ وثــالث بالصــوت المشــتمل على الــترجيع واإلطــراب معــا؛ ورابــع بــالترجيع؛ وخــامس بــالتطريب؛ وســادس بالترجيع مع التطريب؛ وسابع برفــع الصــوت مــع الــترجيع؛ وثــامن بمد الصوت؛ وتاسع بمــده مــع أحــد الوصــفين أو كليهمــا؛ وعاشــر بتحسين الصوت؛ وحادي عشر بمد الصوت ومواالته؛ وثاني عشــر ـ وهو الغــزالي ـــ بالصــوت المــوزون المفهم المحــرك للقلب. وال دليل تاما على تعيين أحد هــذه المعــاني أصــال. نعم، يكــون القــدرفق عليه في الصدق ـ وهــو: مــد الصــوت المتيقن من الجميع المتــترجيع المطــرب، األعم من الســار والمحــزن، المشــتمل على الــو لم المفهم لمعنى ـ غناء قطعا عند جميع أرباب هذه األقوال، فل



فق عليه غناء قطعا« .(264)يكن هنا قول آخر يكون هذا القدر المت أما المحقق السبزواري في »كفاية األحكام« فقد عمد ـ كما صنع الشيخ النراقي ـــ إلى اســتعراض التعريفــات المختلفــة الــتي

.(265)ذكرها العلماء لمفهوم الغناء مما تقدم ذكــره من تعريفــات الفقهــاء لمفهــوم الغنــاء يثبت عدم إمكان تعيين مفهوم الغناء بشكل محدد. ولكن يمكن القــول بأن عناصره المكونة له عند الفقهاء عبارة عن: الصوت، والصوت الممدود، والكالم المــوزون والمنغم والجميــل، والكالم المطــرب،مــات األخــرى، والمناسب لمجالس اللهو المقترن بالباطل والمحر

وما يعتبره العرف من الغناء. بيد أنه من خالل التدقيق في التعريفات المطروحة من قبــلــاء إلى الفقهاء يمكن القول بأنهم انقسموا في تعريف مفهوم الغن

قسمين، وهما: ـ المجموعة التي تدخل إحدى خصائص الصوت في تعريف1

الغناء، من قبيل: المد، وتدويره في الحلق، مع ذكــر قيــد الــترجيعــة ــرائع، والعالم ــؤالء هم: المحقق الحلي في الش ــراب. وه واإلط الحلي في إرشاد األذهان والتحرير، والشــهيد األول في الــدروس،

والمحقق الكركي في جامع المقاصد، و....ــه إلى2 ـ المجموعة التي تركت تحديد مصداق الغناء وتعريف

ــاني في مســالك األفهــام، وفي شــرح العــرف، وهم: الشــهيد الث اللمعة، والشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكالم، والفاضــلــاض، المقداد في التنقيح الرائع، والسيد علي الطباطبائي في الري

و.... وحيث إن الغناء ظاهرة عرفية واجتماعية بالكامل ـ ويحتمــل قويا أن هذا هو السبب في عدم تصريح الروايات بتعريفــه ـــ يبــدو



ــان أن حكمه يختلف باختالف الشرائط والظروف، ومن بينها الزموالمكان.

من هنا يمكن لنا أن ندرك بوضوح سبب عدم إمكــان العثــورــكلون ــذين يش ــويين، ال ــل اللغ ــه من قب ــع علي ــف مجم على تعري المصدر الرئيس لكلمات الفقهاء في تعريف الغناء. ولهذا الســبب أيضا نجد بعض الفقهاء في تعريف الغنــاء قــد أضــاف اإلحالــة إلىحوا باإلحالة إلى العــرف كــانوا العرف، وحتى أولئك الذين لم يصرــا، وهــذا هــو الســبب الــرئيس في في صــدد تعريــف الغنــاء عرفي

رجوعهم إلى اللغويين، واالختالف في هذه التعريفات. قال الســيد جــواد العــاملي في »مفتــاح الكرامــة«: »إن مــا ذكره الفقهاء في تعريــف الغنــاء بـــ )مــد الصــوت المشــتمل على الترجيع المطرب( إنما هو من باب التعريف العــرفي؛ ألن العــرف ال يفهم من الغناء إال ذلك. وعليه فإن التعريف األول يعود إلى هذا التعريف الثاني، الذي ذكره الفاضل المقداد والشــهيد الثــاني، بــل قد نقول: إن المعنى المشهور يحكم العرف بســواه، ويرشــد إلىــالمحقق في شــهادات الشــرائع ــه، ك ف ــك أن جماعــة ممن عر ذلف في الكتاب والتحرير واإلرشاد، لم يذكروا له إال المعنى والمصن

.(266)المشهور، وما ذلك إال ألنه هو الذي يحكم به العرف«

حكم الغناءينقسم الفقهاء في هذا المجال إلى قسمين، وهما:

ـــ الجماعــة الــتي ذهبت إلى تحــريم الغنــاء بقــول مطلــق،1 كالشهيد الثاني، والمحقق الكــركي؛ إذ تعتقــد هــذه المجموعــة أن جميع أنواع الغناء حرام، وأن الحكم واقـع على الغنـاء في نفســه، سواء اقترن بشيء آخر أو كان على كيفية خاصة أم ال. وهــذا هــو



القول المعروف والمشهور، بل ادعي اإلجماع عليه. ـ أمــا المجموعــة األخــرى، كــالمحقق الســبزواري والفيض2

الكاشاني، فقد ذهبت إلى القول بالتفصيل، عبر تحريم قسم منه، وإباحة قسم آخر. ولم تذهب هــذه المجموعــة إلى القــوم بحرمــة الغناء لذاته، وإنما ألمر عارض عليه، معتقدة أن طريقة أداء الغناء

واقترانه بالمحرمات هي التي تؤدي إلى حرمته.م أو ومن هنــا إذا اقــترن الغنــاء بمــا هــو في مضــمونه محــر

اشتمل على حرام كان حراما، دون أن تكون حرمته ذاتية. وباعتقادنا فإن الصناعة الفقهية تقتضي الحرمة المضــمونية،

دون الذاتية.

األصل العملي في المسألةــ الــتي ــة للغنــاء ـ بااللتفــات إلى قصــور أدلــة الحرمــة الذاتي سنخوض في بحثها ـــ فإننــا في مــوارد الشــك في الغنــاء الــذي الم، نــرى أن م، ولم يقترن بمــا هــو محــر يحتوي على مضمون محر األصل يقتضي القول بإباحتــه؛ ألن القــدر المــتيقن من داللــة أدلــةم، أو أن يكــون مضــمونه حرامــا؛ الحرمة هو أن يقترن بفعل محر ألن مقتضى األدلة العقلية، بل اإلجماع والكتاب والسنة، هو أصــلــا البراءة في موارد الشبهات الحكمية. وفي هذا المورد أيضا ـ كمــة، سنذكر ـ نجد األدلة التي تساق لبيان حرمة أصل الغناء غير تام وعليه يحكم بالبراءة في الموارد التي ال يقترن فيهــا الغنـاء بفعــل

م. محر وعلى هذا األساس الذي اخترنــاه لــو مــارس المكلف الغنــاء

مين، هما: م يكون في الواقع قد أتى بفعلين محر ـ الغناء؛1المحر



ـ الفعل الحرام الذي اقترن بالغناء.2و وقبل الدخول في بيان أدلة الطرفين من الضــروري التــذكير بأن أدلة القول المختار ـ وهو عدم حرمة الغناء لذاته ـ سوف تـردــة تلقائيا في سياق ردنا على أدلة القول األول ـ وهو الحرمة الذاتي

ـ.أدلة القائلين بالحرمة الذاتية للغناء

استند القائلون بحرمة الغنــاء لذاتــه في إثبــات ادعــائهم إلى القرآن الكريم، والروايات الشــريفة، واإلجمــاع، والعقــل، ذاكــرين

دليال من كل واحد من هذه المصادر األربعة.ــا، وفي ما يلي نتعرض إلى هذه األدلة، وطريقة االستدالل به وقصورها عن إثبات المدعى. ومن ثم نبين كيفية داللة هذه األدلة

على القول المختار.

ـ العقل1ــالي: حيث كــان يمكن تقريــر دليــل العقــل على الشــكل التمة قطعا فكل ما يستوجب الفسق يكون الفسق من األمور المحر

حراما، من باب حرمة مقدمة الحرام.

مناقشة االستدالل إن هذا االستدالل غير تام؛ ألن ذا المقدمة هنــا هــو )الفســق حرام(، وليس لدينا دليل على حرمة المقدمة لكونها مقدمة؛ إذ لو كــانت مقدمــة كــل حــرام حرامــا لكــان مــرتكب كــل فعــل حــرامــل، في حين أن ــك الفع مستحقا للعقاب بمقدار جميع مقدمات ذل

األمر ليس كذلك أبدا.ــة ــا مقدم قــال المحقق الخراســاني في هــذا الشــأن: »وأمــا ــا م الحرام والمكروه فال تكاد تتصف بالحرمة أو الكراهة؛ إذ منه



ــا ن ــان متمك يتمكن معه من ترك الحرام أو المكروه اختيارا، كما ك قبله، فال دخــل لــه أصــال في حصــول مــا هــو المطلــوب من تــركح من طلبــــه طلب تــــرك الحــــرام أو المكــــروه، فلم يترشــــ

.(267)مقدمتهما«

ـ اإلجماع2 أن اإلجمــاع بقســميه: المنقــول؛(268)ذكــر صــاحب الجــواهر

والمحصل، يدل على حرمة الغناء.

مناقشة االستدالل باإلجماع ال يمكن اعتبــار اإلجمــاع هنــا دليال كافيــا أيضــا؛ وذلــك لكــونــة المسألة مصبا لالجتهاد واختالف اآلراء. نعم، قد يكون في الجمل وفي أحسن الحاالت ـــ أي في القــدر المــتيقن من الغنــاء ـــ قــابال لالعتماد. وعالوة على ذلك فإن هذا اإلجماع مــدركي؛ الحتمــال أنــذا ــورد البحث. وه ــات م ــات والرواي ــه هــو هــذه اآلي يكــون مدرك االحتمال يبــدو قريبــا ـــ بــالرجوع إلى كتب الفقهــاء ـــ لكــونهم قــد استدلوا بالروايات أيضا إلى جــانب ذكــر هــذا اإلجمــاع. ومن بــاب المثال: نجد صاحب الجــواهر يقــول: »الرابــع: مــا هــو محــرم في نفسه...«، ثم يستطرد قائال: »الغناء بالكســر والمــد، ككســاء، بال خالف أجده فيه، بل اإلجماع بقسميه عليه، والسنة متــواترة فيــه،ـه من اللهــو واللغـو والــزور المنهي عنهـا في وفيها مـا دل على أن

.(269)كتاب الله« وعليه فهذا اإلجماع ال يمكن أن يكون حجة؛ ألن اإلجماع إنما يكــون حجــة في مــورد »ليس للنقــل فيــه دليــل، وال للعقــل إليــه

سبيل«.

ـ اآليات الكريمة3



ــريم. استند القائلون بحرمة الغناء لذاته إلى آيات الكتاب الك وحيث إن الروايــات التفســيرية في هــذه اآليــات هي الــتي تتم دراستها ومناقشتها أكثر من مناقشــة اآليــات نفســها فإننـا ســوفــة االســتدالل بهــا، ضــمن البحث نتعرض للبحث في اآليــات، وكيفي

عن الروايات المستدل بها.

ـ الروايات الشريفة4تنقسم الروايات بدورها إلى عدة أقسام:

أـ الروايات التفسيرية وردت الروايات التفسيرية التي استدل بها على حرمة الغناء

لذاته في سياق آيات ثالثة من آيات القرآن الكريم، وهي:

و: أـ قوله تعالى ذلك ومن يعظم حرمــات الله فهــ مــا يتلى عليكم خير لــه عنــد ربه وأحلت لكم األنعــام إالور ول الــز ــوا قــ ــان واجتنب جس من األوث اجتنبوا الــر فــ

(.30)الحج: ونقتصر ـ من بين الروايات التي وردت في تفسير هذه اآلية

ـ على ثالث روايات؛ العتبارها من الناحية السندية، وهي: عن×ـ صحيحة زيد الشــحام، قــال: »ســألت أبــا عبــد الله1

جس من األوثان واجتنبواقول الله عز وجل: فاجتنبوا الرور ؟ فقال: »الــرجس من األوثــان: الشــطرنج، وقــولقول الز

.(270)الزور: الغناء«قة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله2 عن قول الله×ـ موث

ولعز وجل: جس من األوثــان واجتنبــوا قــ فاجتنبوا الــرور .(271)؟ فقال: »الغناء«الز



، في قول×ـ مرسلة ابن أبي عمير، قال: عن أبي عبد الله3جس من األوثان واجتنبواالله تبارك وتعالى: فاجتنبوا الر

ور ، قال: »الرجس من األوثان هــو الشــطرنج، وقــولقول الز.(272)الزور: الغناء«

إن التعبير بـ »اجتنبوا« يدل ـــ بمادتــه وهيئتــه ـــ على وجــوباالجتناب، وإن »قول الزور« قد تم تفسيره بالغناء بشكل صريح.

لكن ال شك في وضـوح وصـراحة داللــة هــذه الروايـات على حرمة الغناء، ولكن المشكلة تكمن في المصداق الذي حمل عليه هــذا الحكم الصــريح والواضــح. وبعبــارة أخــرى: إن موضــوع هــذا الحكم غير واضح. فهل المراد منه مطلق الغناء أم هــو يشــير إلى

موارد خاصة؟ــام ــات إلى أن اإلم ــذه×بااللتف ــدة من ه ــل واح ــان في ك ك

ــان ــة عن ســؤال الســائل، وك ــام اإلجاب ــة في مق ــات الثالث الرواي »الغناء« في جميع هذه الموارد محلى بـ »ال«، يفترض أن يكون معناه ومفهومه واضحا حتى للسائل نفســه، والــدليل الــذي يمكن افتراضه هنا هــو رواج ذلــك النــوع الوحيــد والمتعــارف للغنــاء في فرض السؤال، والذي كان متداوال في لسان الروايــات في عصــر صدورها، ومن هنـا كـان اإلمـام يســتعمل الغنـاء معرفـا بــ »ال«.ــا ــوارد هي م ــذه الم ــراد من »ال« في ه ــون الم ــل أن يك ويحتم يستعمل للعهد الذهني أو العهد الخارجي. وعليه يكون المــراد هــو

ذلك النوع من الغناء المعهود في ذهن السائل. وقــد ســبق أن ذكرنــا أن الغنــاء الــذي كــان شــائعا في زمن صدور هذه الروايات هــو إقامــة مجــالس الشــرب واللهــو واللعب وغناء الجواري وما إلى ذلك، واألماكن المعدة ألمثال هذه األمــور، فتكون »ال« العهدية ناظرة إلى هذا النوع من المجــالس والغنــاء



السائد في ذلك الحين، وعليه ال يكون له إطالق يشــمل غــير هــذا النوع من الغناء. كما أنه لو اعتبرنا المراد من »ال« هو اســتغراق الجنس يمكن القول: إن هذه الروايات كانت تعني هــذا النــوع مند الغناء أيضا، وعليه فإنها تنصرف انصرافا كامال عن الغنــاء المجــر

عن سائر المحرمات. وبعبارة أخرى: هناك دليالن على الــدعوى القائلــة بــأن هــذه

الروايات في مقام بيان حرمة نوع خاص من الغناء، وهما:ــاء1 ــوع خــاص، وهــو الغن ــاظر إلى ن ــاء« ن ــ إن لفــظ »الغن ـ

مات األخرى. المقرون بالمحر ـــ إن لفــظ »الغنــاء« منصــرف عن نــوع خــاص من الغنــاء2

مات. د عن سائر المحر المجر ــا ــاره قوي فكيف يمكنك التخلي عن هذا االحتمال، وعدم اعتب أو مظنونا وظاهرا عرفا، في وقت تعــرض لــه المحققــون الكبــار، من أمثال: السبزواري والفيض الكاشاني، في كتبهم على أحســن

وجه؟! في هــذا الشــأن: »المــذكور في&قال المحقق الســبزواري

تلك األخبار الغناء. والمفــرد المعــرف بــالالم ال يــدل على العمــومــة على إرادة ــه ال قرين ــتنبط من حيث إن ــا يس ــه إنم ــة، وعموم لغ الخاص، وإرادة بعض األفراد من غير تعـيين ينـافي غـرض اإلفـادة وسياق البيان والحكمة، فالبد من حمله على االستغراق والعموم.ــبيل وهاهنا ليس كذلك؛ ألن الشائع في ذلك الزمان الغناء على س اللهــو، من الجــواري المغنيــات وغــيرهن في مجــالس الفجــور والخمور، والعمل بالمالهي، والتكلم بالباطل، وإسماعهن الرجال، وغيرها، فحمل المفرد على تلك األفراد الشائعة في ذلك الزمــان

.(273)غير بعيد«



وعلى أية حال فلب كالمه وجوهره هــو أن اســتفادة العمــومــور اللفظي، ــ »ال« لم يكن من خالل الظه ــظ المحلى بـ من اللفــود وإنما من مقدمات الحكمة، وإن إحدى تلك المقدمات عدم وج قرينة على عــدم إرادة بعض األفـراد. وفي موضــوع بحثنـا يشــكل شيوع قسم وفرد خــاص من الغنــاء ـــ أي الغنــاء اللهــوي ـــ قرينــة حالية على عدم العموم فيه، واختصاصه بــالفرد الشــائع والســائد؛

بسبب االنصراف. وقـال الفيض الكاشـاني في »الـوافي«: »والـذي يظهـر منــق بــه مجموع األخبار الواردة فيه اختصاص حرمة الغنــاء ومــا يتعل من األجر والتعليم واالستماع والبيع والشــراء كلهــا بمــا كــان على النحو المعهود المتعــارف في زمن بــني أميــة وبــني العبــاس، من دخول الرجــال عليهن، وتكلمهن باألباطيــل، ولعبهن بــالمالهي من العيدان والقضيب وغيرهمـا، دون مــا سـوى ذلــك، كمـا يشـعر بـه

.(274): ليست بالتي يدخل عليها الرجال«×قوله ثم استطرد، بعد نقــل كالم الشــيخ وتفســيره، قــائال: »وعلىــار، ــة والن هذا فال بأس بسماع التغني باألشعار المتضمنة ذكر الجنــار، وذكــر والتشويق إلى دار القرار، ووصف نعم اللــه الملــك الجبــو ــات، ونح ــد في الفاني ــيرات والزه ــترغيب في الخ ــادات وال العب

، و»المحجة(275)ذلك«. وهو شبيه بما ذكره في »مفاتيح الشرائع« أيضا.(276)البيضاء«

رأي الفيض الكاشــاني،&وقد اختار السيد مهدي الكشميري معتبرا إياه أفضل األقوال في المسألة، قائال: إن أحــد األدلــة علىــود في زمن ســالطين ذلك هو انصراف الروايات إلى الغناء المعهــة الغنــاء إلى مــا كــان الجــور. وإليــك نص كالمــه: »النصــراف أدل متعارفا في زمن خلفــاء الجــور، من كونــه مشــتمال على المالهي،



ومقترنا بالمعاصي. والظاهر أن هذا هو المنشأ لتفصيل المحــدث، ومن ساق مساقه في هذه المسألة، بين أفـراد الغنـاء...، معترفـا بعدم داللة دليل على حرمة الغناء على إطالقه ومن حيث هو، بــلمــات المســتقلة الخارجيــة، م من المحر من حيث عنوان آخر محر

حد معه في مصداقه الخارجي« .(277)متـة للغنـاء من اســتدل وهناك من القائلين بعدم الحرمــة الذاتيــات، أي إنهم ــاء في زمن الرواي ـة للغن ـ ــة عرفي ــود حقيق على وج يدعون شيوع الغنـاء اللهـوي في ذلـك الـزمن على شــكل حقيقـةــة، بحيث يكــون للنهي الــوارد في الروايــات ظهــور في تلــك عرفيــذه ــه في ه ــا تم النهي عن ــون م ــه فال يك ــة. ومع ــة العرفي الحقيق الروايات مطلق الغناء، بل خصوص الغناء اللهوي الذي تحول إلى

حقيقة عرفية. في هذا الشأن: »وبالجملة فإن&قال السيد ماجد البحراني

شيوع التغني بالملهيات من األصــوات بلــغ حــدا حــتى صــار إطالقع التواريخ الغناء على هذا الفرد حقيقة عرفية. وهذا يظهر لمن تتبير. فالمراد من الغناء في األحاديث التي وردت في ذمه إنما والس هو الغناء العرفي، أعني األصوات الملهية، التي يزينها ضرب آالت

.(278)اللهو والتصدية والرقص« يسعى هنا في الحقيقة إلى لفت انتباه مخالفيه إلى أن&إنه

قد تحــول إلى^الغناء المقترن بسائر المحرمات في عصر األئمة حقيقة عرفية، وبذلك فهو يدعي أن ظهور الروايــات إنمــا هــو في هذا النوع من الغناء. وهو بعــد صــفحات من ذلــك يــذكر أمــرا في تأييد هــذه العبــارة المتقدمــة، األمــر الــذي يعكس عمــق اهتمامــه الكبــير بمــدعاه ومبنــاه الــذي هــو اختصــاص الحرمــة ـــ من بــاب

الحقيقة الثانوية )العرفية( ـ بالغناء اللهوي.



: »نحن معاشــر القــائلين بالتفصــيل في هــذا الغنــاء&يقــول ندعي أن الغناء المنهي عنه هو األصــوات الملهيــة، الــتي تتصــداهاــدان. ــدفوف والعي ــا ضــرب ال ــال، ويزينه اق الرج ــات، وفســ الفتيــة ولكثرة إطالق الغناء على هذا الفــرد األخص صــار حقيقــة عرفي

.(279)فيه« إن الشيخ محمــد حســين كاشــف الغطــاء من القــائلين بنفي الحرمة الذاتية، بل هو يــرى أن أحكــام الغنــاء على ثالثــة أقســام: فمنه المحرم؛ ومنه المباح؛ ومنه المســتحب أيضــا. فــالحرام منــه هو ما عبر عنه الشرع في بعض النصوص بـ »ألحان أهل الفســق والكبائر«، قال: »والخالصة أن مد الصوت وتحسينه وترجيعــه هــوــة الغنــاء مطلقــا. ولكن قســما منــه حــرام، وهــو مــا يــوجب الخفــرع بـ ــارة في الش ــه اإلش ــوازن العقلي، وإلي ــد الت والطيش وفقــل ، وهو ك »لحون أهل الفسق والكبائر«؛ وقسم مباح أو مستحب ــا ما لم يبلغ تلك المرتبة، وإن أوجب سرورا وارتياحا، أو جلب حزنــه مستحســن مطلقــا، وال ســيما في وبكــاء وموعظــة وعــبرة، فإن

القرآن والدعاء والشعر، كل مقام بحسب ما يناسبه. عبد اللــه بن رواحــة|وعلى هذا ينزل ما ورد من تقرير النبي

ــاء ــواز غن ــا ورد من ج ــوت؛ وم ــن الص ــان حس ــداء، وك على الح المغنيات في األعراس واألفراح. وال يكون من بــاب االســتثناء منــه من الحــرام أو حرمة الغناء، كما ذكــره الفقهــاء. والمشــكوك أن

.(280)المباح تجري فيه أصالة اإلباحة«

ور وإذا: ب ـ قولــه تعــالى هدون الــز والذين ال يشــوا كراما وا باللغو مر (.72)الفرقان: مر

فعلى الرغم من أنهم قد ذكــروا العديــد من المعــاني لكلمــة



، فإن(281)»الزور«، من قبيل: الكذب، والشرك، وأعياد أهل الذمةــال: أبي الفضــل الطبرسي ــ من أمث رين ـ ــاك من المفســ ،(282)هن

ـــ من ذهب إلى القــول بــأن معــنى(283)والعالمــة الطباطبــائيــل ــاديق الباط ــل، وأن من بين مص ــالس الباط ــو مج ــزور« ه »ال مجالس الغناء. وقد جاء في رواية صحيحة السند تفسير »الزور« بالغناء. فعن محمد بن مسلم وأبي الصباح الكنــاني، عن أبي عبــد

ور، في قول الله عز وجل: ×الله ــز ،والذين ال يشهدون ال.(284)قال: »هو الغناء«

وعليــه فمــع األخــذ بعين االعتبــار المعنــيين األخــيرين لكلمــة»الزور« يمكن استنباط حرمة الغناء من هذه اآلية.

ـرة على حرمــة الغنـاء لكن رغم أن داللة هذه الروايـة المعتب تبدو قطعية فإنه تـرد عليهـا نفس الوجــوه الـتي وردت على اآليـة

ورالسابقة: (. مضــافا إلى أن30)الحج: واجتنبوا قول الــزــد ــاد الــرحمن، وال ب هذه اآلية في مقام بيان صفات المؤمنين وعبــوب. ــرقى إلى الوج ــتحبة، ال ت ــفات مس ــون بص أن يتحلى المؤمنــة بالنســبة إلى وعليه ال يمكن لنا أن نستفيد الوجوب من هذه اآلي

مورد خاص من هذه الموارد.

ــالى ــه تع ــ قول و: ج ـ ــ تري له ــ ومن الناس من يش ــر علم ويتخــذها هــزوا الحديث ليضل عن سبيل الله بغي

(.6)لقمان: أولئك لهم عذاب مهين وقد جاء في بعض الروايات تفسير »لهــو الحــديث« بالغنــاء.

ــلم، عن أبي جعفر ــد بن مس ــول:×فعن محم ــمعته يق ــال: س ، ق ومن»الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النـار، وتال هـذه اآليـة:

بيل الله ل عن سـ ديث ليضــ و الحــ تري لهـ الناس من يشــ



.»(285)بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين

كيفية االستدالل، ومناقشته نظرا الشتمال اآليــة على الوعيــد بالعــذاب لمن يــرتكب لهــو الحديث فإنها تدل على حرمة الغناء. غير أن هذه اآلية فيهــا داللــة

ــك حيث تقــول: بيلصريحة على ما ندعيه، وذل ليضل عن ســ . فهذه الجملة تثبت أن العلة والســبب الحقيقيالله بغير علم

لحرمة الغناء هو اإلضالل عن سبيل الله، وأن حرمة الغناء ليســت ذاتية. فتكون هذه الرواية المفسرة في مقام بيان مصاديق الغناء الذي يضــل عن ســبيل اللــه ومــوارده، وهــو الغنــاء المعــروف في

.^زمن المعصومين واإلشكال اآلخر الذي يرد على داللة هــذه اآليــات الثالث هــو أن »الغناء« من مقولة الصوت، فيمــا »الــزور« و»لهــو الحــديث«

من مقولة الكالم.

ب ـ روايات مجالس الغناءاستدل هنا بجملة روايات على الحرمة الذاتية للغناء، وهي:

ـ مرسلة إبراهيم بن محمد المــديني، عمن ذكــره، عن أبي1 ، قال: سئل عن الغنــاء وأنــا حاضــر، فقــال: »ال تــدخلوا×عبد الله

.(286)بيوتا الله معرض عنها« ـ رواية علي بن جعفر قال: سألته عن الرجل يتعمد الغناء،2

.(287)يجلس إليه؟ قال: »ال« : »بيت الغنــاء ال×ـ صحيحة زيد الشحام: قال أبو عبــد الله3

.(288)تؤمن فيه الفجيعة، وال تجاب فيه الدعوة، وال يدخله الملك«

طريقة االستدالل



ــراهيم بن ــه ســبحانه وتعــالى في مرســلة إب إن إعــراض الل محمد دليل على حرمة الغناء. وهكذا األمر بالنســبة إلى العبــارات النافية في الروايتين األخيرتين؛ فإنها تدل على حرمة الغناء حرمة

ذاتية.

مناقشة االستدالل يبدو أن كلمة »بيت الغناء« تركيب مشابه لــ »بيت المــال«، و»بيت األحــزان«، وأمثالهمــا، وأنــه يســتعمل في موضــع ومكــان للمضــاف إليــه. وعليــه فــالمراد هنــا هــو المكــان والموضــع الــذي خصص لهذه الغاية، وليس كل موضع. وحــتى لــو كــان مــراد هــذهــة، وال الرواية كل بيت يغنى فيه فإنها ال تدل على أكثر من الكراه

يستفاد منها الحرمة. ففي مــا يتعلق بالروايــة األولى ـــ وهي مرســلة إبــراهيم بنــا ــاء، وإنم محمد ـ ليس في إعراض الله أي ظهور في حرمــة الغن

هي ظاهرة في مرجوحيته وكراهته. وفي ما يتعلق بالرواية الثانية والثالثة، اللتين ورد فيهما حكمــثر من ــتفيد أك ــة، فال يمكن أن نس ـة نافي ـ ــة خبري ــألة بأجوب المســام اإلنشــاء في الكراهة؛ ألن ظهور الجملة الخبرية النافية في مق الحرمة موضــع بحث وإشــكال. والمحقق الــنراقي من بين الكبــارــة ال ظهــور لهــا في الــذين ذهبــوا إلى القــول بــأن الجمــل الخبري الوجوب والحرمــة، وال يمكن لنــا أن نســتفيد غــير االســتحباب من الموجبة منها، والكراهــة من الســالبة كــذلك، نــاقال التصــريح بهــذاــدارك، والعالمــة ــاحب الم ــنى عن المقــدس األردبيلي، وص المع

.(289)المجلسي في بحار األنوار

ــات )أجــرتهن، وشــراؤهن، ــات الجــواري المغني ــ رواي ج ـ ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد190هـ1433م ـ 2012ربيع


وبيعهن(طريقة االستدالل ومناقشتها

إن هذه الطائفة من الروايات منعت من شراء وبيع الجواريحتا. وحيث إن أصــل شــراء المغنيات، واعتبرت ثمنهن حرامــا وســــة من ســبب الجواري وبيعهن جائز بال إشكال لم يكن لهذه الحرم آخر غير الغنـاء. وعليـه يجب أن يكـون الغنـاء حرامـا حتى يـوجب

حرمة هذه المعاملة.ومن هذه الروايات:

ئل أبــو الحســن1 اء قــال: ســ ـ رواية الحســن بن علي الوشــ عن شــراء المغنيــة؟ فقــال: »قــد تكــون للرجــل الجاريــة×الرضا

تلهيه، وما ثمنها إال ثمن كلب، وثمن الكلب سحت، والســحت في.(290)النار«

قة سعيد بن محمد الطاطري، عن أبيـه، عن أبي عبـد2 ـ موثــال:×الله ــات؟ فق ــواري المغني ــع الج ــل عن بي ــال: ســأله رج ، ق

.(291)»شراؤهن وبيعهن حرام، وتعليمهن كفر، واستماعهن نفاق« ، قــال:×ـ رواية معمر بن أبي خالد، عن أبي الحسن الرضا3

ــنزل بــئر ــا أريــد داوود بن عيســى بن علي، وكــان ي »خــرجت وأنــا ــوزا ومعه ــرأة عج ــرأيت ام ــان، ف ــان غليظ ــون، وعلي ثوب ميم جاريتان؛ فقلت: يا عجــوز، أتبــاع هاتــان الجاريتــان؟ فقــالت: نعم،ــة، ولكن ال يشتريهما مثلك، قلت: ولم؟ قــالت: ألن إحــداهما مغني

.(292)واألخرى زامرة« وطبعــا فــإن هــذه الروايــة إنمــا تكــون دليال على الحرمــة إذا كانت العجوز البائعة قــد تكلمت بهــذا الكالم عالمــة بحرمــة عمــل الجواري المغنيات، وإال فلو كان هــذا الكالم منهــا نــاظرا إلى علــو شأن اإلمام ومنزلته وترفعــه عن مثــل هــذه األمــور لمــا كــان في

كالمها ما يدل على الحرمة. ـ رواية إبــراهيم بن أبي البالد قــال:...فقلت لــه: إن مــولى4



لك يقال له: إسحاق بن عمر قد أوصى عنــد موتــه بــبيع جــوار لــه مغنيات، وحمل الثمن إليك، وقد بعتهن، وهذا الثمن ثالثمائــة ألــف

: »ال حاجة لي فيه، إن هذا سحت، وتعليمهن كفــر،×درهم، فقال.(293)واالستماع منهن نفاق، وثمنهن سحت«

ــح ــريح وواض ــتملت على حكم ص ــة وإن اش ــذه الرواي إن ه بحرمة الغناء، إال أن اإلنصاف يقتضي أن موضوع الغناء ومصــداقه فيها غير واضح أبدا، وأن ما ذكرنــاه في ســائر الروايــات يــرد هنــا

أيضا. لمســألة شــراء^هذا مضافا إلى أن أســلوب مواجهــة األئمة

وبيع الجواري المغنيات، واشتهارهم في النهي عن هذه المعاملــة،ــرا، يحكي وتشبيه ثمن المغنيات بثمن الكلب، واعتبار تعليمهن كف بأجمعه عن نوع من المواجهة المتكافئة من قبلهم لما كان ســائدا في عصرهم، وهو الشيء الذي كان بنو العباس في صدد الــترويج

له وإشاعته من التحلل والفسق والفجور وما إلى ذلك.ــة على الحرمــة ومن ثم فإننا إذا أخذنا بإطالق الروايات الدالــة على الحــل واإلباحــة. سيقع التعارض بينهــا وبين الروايــات الدال وعليــه يجب الجمــع بينهمــا. وخــير طريقــة للجمــع بين هــاتين الطائفتين من الروايات هو ما ذكرناه من حمــل الروايــات الناهيــةــائر ــهوة وسـ ــاللهو والشـ ــة بـ ــيقى المقترنـ ــاء والموسـ على الغنـمات، وأما الطائفة األخرى فتحمل على المصــاديق األخــرى المحر

منهما، وال يحكم بحرمتها. ومن الجدير بالذكر أن الروايات الــواردة في بــاب »الغنــاء«ــة الســند ــا اقتصــرنا على أقواهــا من ناحي ــر، ولكنن ــا ذك ــثر مم أك

والداللة.

االستثناءات طبقا لما توصلنا إليه من الروايات، أي انصراف أدلة الحرمة



إلى نــوع خــاص من أنــواع الغنــاء، أو الغنــاء المقــرون بســائرمات، ال يبقى هناك معنى لالستثناء في الغنــاء؛ ألن مــا ذكــر المحر من مصاديق المستثنيات في هذا البــاب، من الحــداء، والغنــاء في األعراس، وساحات القتال، والعيدين، وتالوة القــرآن وتجويــده، أو الرثاء الحسيني، إما أن يكون مقرونا بالمحرمــات أو ال، وفي كلتــا

الصورتين يكون الحكم واضحا. ولمزيد من االطالع على موارد االســتثناء في بــاب »الغنــاء« نحيل القارئ الكريم إلى الموسوعات الفقهية، فكل فقيـه تعـرض

.(294)لمسألة الغناء تحدث عن مستثنياته أيضا

النتيجةــل يحب ــ ــه جمي ــ ــريف: »إن الل ــ ــديث الش ــ ــاء في الح ــ ج

. وقد اهتم اإلسالم بموضوع الجمــال اهتمامــا كبــيرا،(295)الجمال«ر في محاربة اإلسالم ولم يقتل الذائقة الجمالية. وعليه يجب التدب للغناء بشكل دقيق. فهل كانت مخالفة النصوص الدينية اإلسالميةــة أم الشــتماله على أمــور أخــرى لمقولة الغناء من ناحيته الجمالي

تقتل الطاقات الفردية واالجتماعية في اإلنسان؟ إن »مفهوم الغناء« أحد أبرز مصاديق المفاهيم المجملة في الفقـــه اإلســـالمي. فإننـــا من خالل الرجـــوع إلى علمـــاء اللغـــة،ل إلى تعريــف واضــح والتعريفــات الــتي أبــداها الفقهــاء، ال نتوصــ وحاســم في هــذا الشــأن. بيـد أن بعض الفقهــاء الكبــار أحــال في تعريــف الغنــاء إلى العــرف. وإن الفقهــاء إنمــا يراجعــون أصــحابــرف اللغة؛ لفهم ما يريده العرف، باعتبارهم اللغويين من أهل الع

أيضا. ومن بين المصـــادر األربعـــة المـــذكورة الســـتنباط الحكم



ــل، ال يمكن االســتناد الشرعي، أي الكتاب والسنة واإلجماع والعق في استنباط حكم مسألة الغنــاء إلى غــير الســنة والروايــات؛ ألنــاع في ــل. واإلجم ــاال للرجــوع إلى العق ــاء ال تبقي مج ــة الغن ماهي المسألة هو في أفضل حاالته ال يدل إال على القدر المتيقن؛ وذلك ألن المســـألة محـــل نـــزاع واختالف بين المجتهـــدين، فضـــال عنــة احتمال كونه مدركيا. أما القرآن الكريم فالبحث فيه في الحقيقــاء. ــة على حكم الغن ــات الدال رة لآلي ــ ــات المفس بحث في الرواي

وعليه يعود البحث في شأنها إلى الروايات أيضا. وقد انقسـم الفقهــاء في اســتنباط الحكم بحرمــة الغنــاء من هذه الروايات إلى طــائفتين: فمنهم من ذهب إلى القــول بحرمــة مطلق الغناء؛ بينمــا ذهب آخــرون إلى التفصــيل، والقــول بحرمــة

مات. خصوص الغناء اللهوي والشهوي والمقترن بسائر المحر ويبدو أن جميع هذه الروايات ـــ عالوة على اإلشــكاالت الــتيــة ـ تـرد على كــل واحــدة منهــا في مقــام اســتنباط الحرمــة الذاتي منصـــرفة إلى نـــوع خـــاص من الغنـــاء الـــرائج في زمن صـــدور الروايـــات. وإن النمـــاذج الموجـــودة في الكتب التاريخيـــة وكتبير تشهد على هذه الحقيقة. وإن الروايات الدالة على استثناء الس بعض مصاديق الغنــاء، من قبيــل: الغنــاء في األعــراس، والحــداء، والعيدين )الفطر واألضحى(، وقراءة القرآن، تــدل على أن الغنــاءم منه نوع خاص؛ وذلك لم يحرم لذاته، وبقول مطلق، وإنما المحر

مة أخرى. القترانه بأمور محرــاني، وقد ذهب كل من: المحقق السبزواري، والفيض الكاش والسيد ماجد البحراني، والسيد مهدي الكشميري، إلى القول بأن الروايات الدالة على الحرمة تشير إلى نوع خاص من الغنــاء كــان سائدا في زمن صدور الروايات، وكان الغرض منه إشاعة الفســاد



مـــات ك، أي الغنـــاء اللهـــوي المقـــرون بالمحر والفحشـــاء والتهتاألخرى.

ــرم ــاء المح ــوع الغن ــ من خالل وق ل ـ ــ ــا يمكن أن نتوص كم مصداقا لـ »الزور«، و»قول الــزور«، و»لهــو الحــديث« في بعض الروايــات ـــ إلى القــول باســتنباط حرمــة الغنــاء إذا اقــترن بهــذهــرة ع في تنقيح المناط، وتوسيع دائ األمور، وذلك عن طريق التوس

المالكات.

الهوامش


أ. عماد الهاللي •

المرجعية الدينية واالجتهاد المعاصرحوار مع العالمة السيد كمال الحيدري

*(*()أعد الحوار وأجراه: أ. عماد الهاللي

يعد العالمة السيد كمال الحيدري أحد أبرز الشخصيات العلمائيــة المعاصــرة عنــد الشــيعة اإلمامية، وقد عرف واشــتهر بحضــوره العلمي في الحوزات العلمية، وله تجربـة طويلــة تمتــدــذه ــ ــدريس في ه ــ ــدرس والت ــ ــود في ال ــ لعق ــير جــدا الحوزات، حيث تخرج على يديه عدد كب

من الطالب. ويمتــاز العالمــة الحيــدري بغــزارة إنتاجــهــد العلمي، الذي يقارب حتى الساعة مائــة مجلــه ــ ــة، من الفق ــ ــة مختلف ــ ــادين علمي ــ في ميــفة ــ ــيرة والكالم والفلسـ ــ ــول والسـ ــ واألصـ والعرفان والتفسير واألخالق والمنطــق وغــير

ذلك.را طـرح العالمـة الحيــدري مرجعيتـه ومؤخ الدينية مصدرا رسـالة عمليــة لمقلديـه، والقت طروحاته حــول المرجعيــة وشــروطها ودورهــا

كاتب وباحث في الفكر اإلسالمي، وطالب مرحلة)*( *( الدراسات العليا في جامعة األديان والمذاهب في إيران، من

العراق. ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد196هـ1433م ـ 2012ربيع

المرجعية الدينية واالجتهاد المعاصر، حوار مع العالمة السيد كمال •الحيدري

جدال في الساحة الفكرية والمحاضر العلمية. بدورها تتشرف مجلة »االجتهاد والتجديد« بإجرائها هذا الحوار مع السيد الحيدري؛ لمزيـدــاد ــول االجته ــه ح ــالم نظريت ــتجالء مع من اس والفقه واألصول والمرجعيــة وقضــايا العصــر، وتشــكر المجلـة معــد الحــوار ومجريــه األسـتاذ

عماد الهاللي.)أسرة التحرير(

االجتهاد والتجديد: تقتضي متطلبات هذا العصر أن يعاد تقويم كثــير من المســائل، وال نكتفي بالتقويمــاتــذه ــاح. ومن ه ــنذهب في مهب الري ــة، وإال فس القديم المتطلبات: االجتهاد والمرجعية الدينية وما يتعلق بهما. وقد أولى اإلسالم هـذا األمـر أهميـة كبـيرة، سـواء في الفكر أو التجارب الرسالية أو تشــريعاته. واليــوم وبعــد هذه الصحوة المباركة نرى أن هناك تحديا حضــاريا على جميع األصعدة، حيث يدخل االجتهــاد وتــدخل المرجعيــةــة ــراع الحضــاري في مواجه الدينيــة في معــترك الصــة الدينيــة واحــدة من التيارات األخرى. وقضية المرجعيــيرا، يســتدعي ــديا حضــاريا كب ــه تح ــتي تواج ــور ال األم التحرك اإلسالمي والتصــدي بكــل موضــوعية؛ من أجــل توضيح معالم التصــورات اإلســالمية في هــذه القضــية، ورســـم آليـــة تطـــبيق النظريـــة في الواقـــع من خاللــديني الوسائل الحضارية العلمية والثقافية. وللمرجع ال السيد كمال الحيدري بحوث واســعة واهتمامــات كبــيرةــة الدينيــة في العصــر حــول قضــية االجتهــاد والمرجعي



الحاضر، ويقدم رؤية إسـالمية متكاملـة، من خالل كتبــه الصادرة في شتى مجاالت المعرفــة الدينيــة. لهــذا رأت

مجلة االجتهاد والتجديد أن تجري هذا اللقاء معه. سماحة السيد، ما هي صــفات المرجــع في العصــر

الحاضر؟ وما هي مؤهالته؟

النبوة واإلمامة، الدور والوظيفةــائم على هــذهالعالمة الحيدري: في المقدمــة أشــكر الق

المجلة، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم إلعطاء المزيد منمثل هذه األبحاث أهمية وعناية خاصة في مجلتكم.

ــة في في اعتقادي لكي تتضح الصورة في الشروط المطلوب المرجع الذي يتصدى إلدارة شؤون أتباع مدرســة أهــل الــبيت في عصر الغيبة الكبرى البــد أن نســتعرض المســؤوليات الــتي ألقيت

في عصــر حضــوره؛ ألننــا نعتقــد في مدرســة×على عاتق اإلمــام أئمة أهل البيت أن المرجع في عصــر الغيبــة الكــبرى يقــوم بــدور أسس له أئمة أهل البيت في عصر حضورهم. وعنــدما نرجــع إلى

، نجـــد أن^، وإلى دور األئمة|تـــاريخ اإلســـالم وإلى أدوار النـــبي كان يقوم بعدة أدوار:|النبي

الـــدور األول دور مختص بــه، وهــو تلقي الــوحي من اللـــهــوحي|سبحانه وتعالى. وهذا ما أغلق بابه بعد رحلته . فغلق باب ال

وباب النبوة وباب الرسالة إنما كان باعتبار أن النبي خاتم األنبيــاءوالمرسلين.

االجتهــاد والتجديــد: يعــني انقطــع جبرائيــل عنالبشرية؟

ــالوحيالعالمــة الحيــدري: ــط ب ــا يرتب نعم، انقطــع في م



التشريعي وغير ذلك، أما ما يتعلق بمسألة التحــديث فلــذلك بحث آخر. هذه وظيفة كان يقوم بها، وهذه الوظيفة كانت مختصــة بــه،

وانتهت.ــدين|وهناك وظائف أخرى كان يقوم بها النبي ، ومنها بيان الــا﴿وتفسيره، وفقا لما نص عليه القرآن الكريم: لتبين للناس م

ل إليهم . إذا ليســت وظيفــة الرســول األعظم بيــان الــوحي﴾نزفقط، وإنما تفسير هذا الوحي أيضا، وتبيينه.

إقامــة هــذا|ومن األدوار األخرى التي كــان يقــوم بهــا النــبي الدين في حياة الناس. وهو ما يتعلق باإلمامة السياسية، يعني أن النبي لم يكتف ببيان الوحي وتفســير الــدين، وإنمــا ســعى إلقامــة دولة على أسس دينية في المدينة. هذا الذي لم يحصــل في مكــةــة ــ ــذه مجموع ــ ــورة. ه ــ ــة المن ــ ــل في المدين ــ ــة، وحص ــ المكرم

المسؤوليات. وعندما أقول: الدولــة أعــني الدولــة بكــل أبعادهــا، من إدارة الحروب، وإدارة المجتمع، والقضــاء بين النــاس. هــذه هي األبعــادــا التي تحتاجها كل دولة بما يتناسب مع زمانها، وكلها كان يقوم به

.|النبي اآلن عنــدما ننتقــل إلى عصــر األئمــة بعــد الرســول األعظم

وانتهــاء باإلمــام×، ابتداء باإلمام علي بن أبي طالب^نعتقد أنهم ــاني عشــر الحادي عشر من أئمة أهل البيت، باعتبار أن اإلمام الث غاب عن األنظار، هؤالء األحــد عشــر إمامــا من أئمــة أهــل الــبيت ليس لهم الدور األول؛ باعتبار انقطاع الوحي، ولكن الــدور الثــانيــة األولى لهم: والثالث كان أيضا ملقى على عاتقهم، يعني الوظيف تبــيين الــدين، والوظيفــة الثانيــة: إقامتــه في حيــاة النــاس. وهــذه الوظيفة الثانية لم تتوفر شروطها إال نــادرا، كمــا في زمن اإلمــام



ــدة علي بن أبي طالب لبضع سنوات، وفي زمن اإلمام الحسن لع أشهر، وأمــا مــا عــدا هــذين اإلمــامين فــالظروف لم تتهيــأ لهم أنــول ــدث في زمن الرس ــا ح ــة كم ــس ديني ــة على أس ــوا دول يقيم

. وهذا بعد سياسي نــود أن ال نتكلم فيــه كثــيرا. فينحصــر|األعظم األمر في بيان الدين وتفسيره، وفي إعطاء رؤية كاملة عن جميــع

على خير وجه. ^المعارف الدينية. وهذا ما قام به األئمة أما وقد انتهينا إلى عصر اإلمام الثــاني عشــر فــأنتم تعلمــون أن هذا اإلمام قــام أيضــا في فــترة الغيبــة الصــغرى بــإدارة وضــع الشــيعة، أمــا في فــترة الغيبــة الكــبرى فقــد انقطــع الشــيعة عن

إمامهم الثاني عشر.

المرجعية الدينية، الوظيفة والدورــيعة ــة إدارة الش ــروح: إلى من أوكلت مهم ــؤال المط والس وشؤونهم في عصر الغيبة الكــبرى؟ هــذه هي القضــية األساســية،ــذا ــد أن نســتخلص شــروط من يتصــدى له ــا الب ــتي من خالله وال

الموقع.ــادة ــع قيـ ــدى لموقـ ــروط من يتصـ ــرف على شـ ولكي نتعـــد أن نرجــع ومرجعية شيعة أهل البيت في عصر الغيبة الكبرى الب إلى ما كان يقوم بــه األئمــة. ومن الواضــح أن دور األئمــة لم يكنــة، وهي المرتبطــة ــارف الديني ــزء من المع ــان ج منحصــرا في بي بالحالل والحرام، أو المرتبطة بالفقه األصغر، وإنما كان أئمة أهل البيت يتصدون لبيان منظومة المعارف الدينية كاملة، يعني في ما يتعلق بالقرآن، وفي ما يتعلــق بالتفســير، وفي مــا يتعلــق بأصــول العقائد، وفي ما يتعلق باألخالق، وفي ما يتعلق بــالحالل والحــرام،ــة. وفي ما يتعلق باألمور الفردية، وفي ما يتعلق باألمور االجتماعي



هذه كلها كان أئمة أهل البيت يتصدون ـ بقدر ما يمكنهم ـــ لبيانهــالشيعتهم، وللمسلمين جميعا.

إذا ما هي الشروط الــتي البــد أن يتــوفر عليهــا المرجــع فيعصر الغيبة الكبرى؟

الجواب: إن نفس الدور الذي كان يقوم به اإلمام المعصــوم البد أن يقوم به المرجع أو المجتهد. ونعبر عنه بـ )المرجع( باعتبار

لم×أنه هو المتصدي لهــذه القضــايا، وحيث إن اإلمــام المعصــومــني ــة فقــط، يع ــان الحالل والحــرام في األمــور الفردي ــف ببي يكت بمقــدار رســالة عمليــة، وإنمــا كــان متصــديا لبيــان كــل منظومــة

المعارف الدينية.االجتهاد والتجديد: ورد الشبهات.

نعم، ورد الشبهات، وحفظ ثغور الــدين،العالمة الحيدري: ــذه ــل ه والوقوف أمام الهجوم الفكري والثقافي والعقدي، فإن ك

األدوار انتقلت إلى المرجع في عصر الغيبة الكبرى.بين المرجعية الدينية والمرجعية الفقهية

ولذا نحن نعتقد أن من يريــد أن يتصــدى لشــؤون المرجعيــة العامة في عصر الغيبة الكبرى البد أن يكــون مرجعــا شــموليا في مجموعة المعــارف الدينيــة، وال يكتفى منــه أن يكــون مرجعــا في

خصوص الحالل والحرام. ومن هنا نحن في هذا المشــروع الجديــد الــذي طرحنــاه فيــة ــة والمرجعي ــة الفقهي ــا بين المرجعي زن ــمولية مي ــة الش المرجعي الدينية. ومرادنا من الفقه الفقه األصغر، حيث قلنــا: إنــه ال يكتفى من المرجع أن يكون ملما ومتخصصا، وأعلم ـ بحسب االصطالح ـ في مسائل الحالل والحرام فقط، وإنما البد أن يكون أعلم، أو أن يكــون متخصصــا على درجــة عاليــة من التخصــص، في مجموعــة



ومنظومة المعارف الدينية جميعــا. وهـذا مــا عهـدناه في مراجعنـاــه. ــا يقرب السابقين، هذا ما عهدناه في عصر الغيبة الصغرى، أو مــان ــا ك فأنتم تجدون أن الشيخ الطوسي لم يكن فقيها فقط، وإنمرا، وكان متكلما أيضا. عندما نراجع تراث الشيخ فقيها، وكان مفس الطوسي نجد أنه لم يكتب لنــا في الفقــه واألصــول فقــط، وإنمــا كتب في العقائد، والتفسير، ورد شبهات وإشكاالت اآلخرين أيضا. بل قبل ذلك نجــد أن الشــيخ المفيــد كــان متكلمــا قبــل أن يكــون فقيها، وهــذا يكشــف عن أن المرجعيــة بطبيعتهــا وبإطارهــا العــام كانت ألولئــك الشــموليين في المعــارف الدينيــة. واســتمرت هــذه الحالة ـ في عقيدتي ـ إلى زمن ليس بالبعيــد، إلى مــا قبــل مئــتي ســنة. ومنــذ ذلــك الحين بــدأت الحــوزات العلميــة، وخصوصــا في النجف األشرف، باتجاه أحادي البعد، وأصــبحت المرجعيــة لألعالمــني في الحالل والحــرام ــه األصــغر، يع ــذين تخصصــوا في الفق ال فقط، من غير أن يعتنى بالشؤون ودوائر المعرفة الدينية األخرى. أنا ال أقول: إن هؤالء لم يكن لهم اطالع، ولكني أريد أن أقول: إن عنايتهم واهتمــامهم وكتبهم وتــراثهم ودرســهم الرســمي كــان في بعد معرفي واحد، في الفقه واألصول فقط. وأتصــور أن هــذا قــد أدى إلى أننا عنــدما نرجــع إلى بعض حواضــرنا العلميــة، كــالنجف، نجد أن الدرس الفقهي والدرس األصولي ـ وعنــدما أقــول: فقهي فمرادي هو الفقه األصغر، يعني الحالل والحرام ـ قــد نمــا بشــكلــر ــرى، أو دوائ ــارف أخ ــأتي إلى مع ــدما ن ــد وواســع، ولكن عن جي معرفية في الدين، كدوائر التفسير، والعقائد، ورد الشــبهات، نجــد أن القضية لم تأخذ دورها األساسي كما أخذ الفقــه واألصــول، إن

لم نقل بأنها قد أغفلت تماما. وبعبارة أخرى: إنني أعتقد أن الشروط الــتي البــد أن يتــوفر



عليها المرجع في عصـر الغيبـة الكـبرى هي نفس الشــروط الـتي ، مع الفارق الموجــود بين العــالم المجتهــد×أوكلت إلى المعصوم

. إذا ال نكتفي بمرجعيــــة فقهيــــة بــــالمعنى×وبين المعصــــومالمصطلح، وإنما البد أن تكون مرجعية دينية، أو مرجعية شمولية.

مستند أطروحة المرجعية الدينية الشمولية االجتهاد والتجديد: أشرتم إلى بعض النقاط، وأرجو أن توضحوها للقارئ الكريم. مثال: هل هذه الصــفات أو الخصال التي طرحتموها، وهي الشــمولية، الــتي كـانت موجودة إلى ما قبل مئتي سنة، هل أشار إليهــا األئمــةفي عصرهم أم أنتم استنبطتموها من خالل طريقهم؟

ــرالعالمة الحيدري: عندما يتحدث القرآن الكريم عن النف يقولــون: »العلمــاء^للتفقه في الدين، وعندما نجــد المعصــومين

ورثــة األنبيــاء«، أو »إن العلمــاء حصــون اإلســالم«، فهــل ينحصــر الدين في اآلية واإلرث في الحديث بالحالل والحرام. عنــدما تــأتي

ة﴿إلى القرآن الكريم تجــده يقــول: ر من كــل فرقــ فلوال نفــهوا في الدين ــدين في﴾منهم طائفة ليتفق ، فهل ينحصــر ال

خصوص الحالل والحرام؟ يعني هل يبدأ الدين من كتــاب االجتهــاد والتقليد، وينتهي بكتاب اإلرث أو الديات، أم أن الدين هو منظومة المعارف الدينية، التي تشمل العقائد واألخالق والفقه األصغر؟ أي

منهما؟ وبعبارة أخرى: نحن عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجــد أن نصف آياته الشريفة ـ على األقل ـــ تكلمت عن األمــور العقائديــة، يعني تكلمت عن التوحيد، والنبوة، والمعاد، واإلمامة، وصفات الله

سبحانه وتعالى. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

203هـ1433م ـ 2012


االجتهــاد والتجديــد: التوحيــد هــو أســاس المعــارفالدينية.

ــدري: ــة الحي أنـــا أتكلم عن منظومـــة المعـــارف،العالمل نصــف القــرآن، والتوحيد أساسها. ولكن منظومــة المعــارف تمث يعني حدود ثالثة آالف آية، ولكن عنــدما نــأتي إلى الفقــه األصــغر،ــك ــتي تكلمت عن ذل ــات ال يعــني الحالل والحــرام، ال تتجــاوز اآلي خمســمائة إلى ســتمائة آيــة. إذا لمــاذا هــذا االهتمــام الكبــير بهــذا الجزء، الصغير نسبيا إلى مجموع اآليات، وعــدم االهتمــام الكــافي بباقي منظومة المعارف الدينية؟ انظروا إلى كتاب )الكافي(، هل تجــدون فيــه فــروع الكــافي فقــط أو يوجــد فيــه أصــول الكــافي وفروعــه؟ فلمــاذا االهتمــام بفــروع الكــافي فقــط وتــرك أصــول الكافي والمعارف التي عرض لها األئمة فيه، مع أننـا بحاجـة إليهـا

اليوم في حوزاتنا العلمية.ــمولي؛ ــد الش ــذا البع ــك ه ــد أن يمتل ــع الب ــالم المرج إذا الع

في عصر الغيبة الكبرى. فكمــا أن×ليستطيع أن ينوب عن اإلمام المنوب عنه، وهو اإلمام، كان شموليا، وكــان إمامــا في مجموعــة المعارف، في منظومة المعارف الدينية، فالبد أن يكون من يقــوم

مقامه في عصر الغيبة الكبرى بنفس المواصفات. االجتهاد والتجديد: إذا أنتم اسـتنبطتم فكـرتكم عنــاريخي ــ ــياق الت ــ ــع من خالل الس ــ ــفات المرج ــ مواص

والمعرفي؟ــك منالعالمــة الحيــدري: ــة،األهم من ذل ــات القرآني اآليوالروايات الموجودة أيضا.

المراد من الفقه األصغر والفقه األكبر



ــبر ــه األك ــية الفق ــرتم قض ــد: أث ــاد والتجدي االجتهوالفقه األصغر، فما هو المراد؟

عندما يطلق الفقه األصــغر في كلمــاتالعالمة الحيدري: األعالم، وكاصطالح بين علماء الكالم، يراد منه مــا يتعلــق بــاألمور العملية في اإلنسان، ما يتعلق بالحالل والحــرام، مــا ينبغي ومــا ال ينبغي، أما عندما يطلق الفقــه األكــبر فــالمراد مــا يتعلــق بــاألمور اإليمانية، يعني ما يجب على المسلم أن يــؤمن بــه أو أن ال يــؤمن

به. فذاك البعد اإليماني، وهذا البعد العملي. إذا ما يتعلق بالبعد اإليماني، كاإليمان بالله، واإليمان بالمعاد، هذه ال توجد فيها أبعاد عملية، وإنما توجد فيهــا أبعــاد إيمانيــة. أمــا عندما نــأتي إلى الصــالة والصــوم والحج نجــد فيهــا أبعــادا عمليــة. كاصــطالح يقــال: الفقــه األكــبر ويعــني تلــك األبعــاد المرتبطــة، أوــة المصطلح عليها بأصول الدين، وأنا أصطلح عليها باألمور اإليماني التي يجب اإليمان بها، أما الفقه األصغر فيعني فروع الدين، أو ما

أصطلح عليه باألمور العملية. االجتهــاد والتجديــد: أنتم قلتم بــأن إحــدى وظــائف األئمــة هي إقامــة الدولــة الدينيــة، هــل تعتقــدون بــأنــة ــة الدول ــر إقام ــر الحاض ــة المرجــع في العص وظيف

الدينية؟ وهل تؤمنون بإقامة دولة دينية؟ نعم، هذا في األصل. وال أريد أن أدخــلالعالمة الحيدري:

في هذا اآلن؛ ألن له بحثه المستقل. نعم، البد للمرجــع في عصــر الغيبة الكبرى أن يسعى ضمن القواعد والشروط المتاحة لتحقيق هذا الموضوع، ولكن ما هي الشروط المتاحة؟ يعني هل يستعمل السالح إلقامة الدولة أو يستعمل الطرق المدنيــة إلقامــة الدولــة؟

أفضل تأجيل الحديث في هذا الموضوع إلى وقت آخر. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

205هـ1433م ـ 2012


المعرفة الدينية بين الترابط والتفكيكــر ــدثوننا عن دوائ ــو تح ــد: حبذا ل ــاد والتجدي االجته

المعرفة اإلسالمية التي على المرجع اإلحاطة بها. ــا،العالمة الحيدري: في اعتقادي ينبغي أن أبين أصال مهم

وبعد ذلك أنتقل إلى بحث آخر. أنا أعتقد أن الدين منظومة واحدة مترابطة، تشــكل لوحــة واحــدة. وليســت المعــارف الدينيــة جــزرا مستقلة منفصلة عن بعضها، وإنما هي لوحــة واحــدة، هي حقيقــةــا واحدة. نعم، نحن؛ ألغراض علمية وتدريسية وتدوينية في حوزاتن العلمية، بعضنا أجزاء الدين، فقلنا: هذا أصول الدين، وهــذا فــروع الدين، وهذا كتاب الصالة، وهذا كتــاب الصــوم، وهــذا كتــاب الحج، وهذه أمور فرديــة، وتلــك أمــور اجتماعيــة. ولكن مــا هــو الواقــع؟

الواقع هو أنها مجموعة واحدة غير مجزأة. ألضرب مثاال؛ حتى يتضــح للقــارئ الكــريم: انظــروا إلى أيــة ظاهرة طبيعيـة، ســواء كــانت فلكيـة أو بيولوجيـة. هــذه الظـاهرةــد أن ــل الب الطبيعية لكي نفهمها ال يمكن أن نقرأ الكيمياء فقط، ب نقرأ الكيميـاء والفيزيــاء والرياضـيات والفلــك؛ ألن هــذه الظــاهرة فيهـا أبعــاد متعـددة، ولكن عنـدما تـذهب إلى الجامعـة تقـرأ هـذهئت هذه العلوم إلى العلوم مرة واحدة أو تتخصص فيها؟ لماذا جزــاء، مــع أنهــا في الواقــع الخــارجي ــاء والكيمي الرياضــيات والفيزي واحدة؟ الجواب: ألغراض علمية، ألغراض درســية وتدريســية، وإالــيات ــ ــة إلى الرياض ــ ــاهرة الطبيعي ــ ــاج في فهم الظ ــ ــأنت تحت ــ ف

والطبيعيات والفلك والكيمياء والفيزياء.ــه ــاقر الصــدر في كتاب ــذا يقــول أســتاذنا الســيد محمــد ب ول )اقتصادنا(، »االقتصاد اإلسالمي جزء من كل«. ما معنى جزء من



كل؟ يعني أنت إذا أردت أن تفهم العدالة االجتماعية في االقتصاد اإلســـالمي ال يمكنـــك ذلـــك من دون اإلحاطـــة ببـــاقي منظومـــة المعــارف الدينيــة. ال يمكن أن تفصـــل العدالـــة االجتماعيـــة في المعــارف الدينيــة عن بحث المعــاد وبحث التوحيــد وبحث التقــوىــد ــاد والتوحي ــدما تنظــر إلى بحث المع ــه عن ــد، مــع أن وبحث الزه والزهد والتقوى تجد أن واحدا منها مرتبط بأصول الــدين، وواحــدا مرتبط بــالتقوى، وواحــدا مرتبــط بــاألمور الفقهيــة. إذا نحن نــأتي ونفصل هذه ونجعلها جزرا مســتقلة، ولكنهــا في واقعهــا منظومــة

واحدة.

المعارف التي يجب توفرها في المرجعــا لم يلم ــان م ــد أن اإلنس ــا أعتق ــذلك فأن ــر ك ــان األم إذا كــة ــا في أي ــة ال يســتطيع أن يعطي رأي ــارف الديني ــة المع بمجموع مسألة دينية، يعني عندما يريــد أن يعطي رأيــا في الفقــه األصــغر فال بد أن يكـون مطلعــا على بـاقي دوائـر المعرفـة الدينيــة، ال أن يقول: ما هي عالقة الفقــه بالتفســير؟ أو مــا هي عالقــة التفســير بعلم الكالم؟ أو ما هي عالقة علم الكالم باألخالق؟ هــذه منظومــة واحـــدة، البـــد لمن يريـــد أن يعطي رأيـــا في مفـــردة من هـــذه المفردات أن يكون واقفا على مجموعة هــذه المنظومــة. أمــا مــا هي أصول هذه المعارف التي البد من أن يتوفر عليها؟ في الواقع

أصول المعارف التي يجب أن يتوفر عليها:ــبيتأوال: ــل ال ــريم؛ ألن أه ــرآن الك ــارف الق ــوه^ مع جعل

األساس، وقالوا: »اعرضــوا كالمنــا على كتــاب ربنــا، فــإن وجــدتم ــه«. إذا عليه شاهدا أو شاهدين فخذوا به، وإال فهو زخــرف لم نقل كيف يمكن ألحد يريد أن يعطي رأيا في أية مســألة كــانت، ســواء



ــا على ــون مطلع ــالفروع، أن ال يك ــد أو ب ــة بالعقائ ــانت مرتبط كمنظومة المعارف القرآنية؟!

البد أن يكون مطلعا على مجمل المعارف التي وردتثانيا: قال لنا: »إني تارك فيكم|؛ ألن الرسول األعظم^عن أهل البيت

ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب اللــه؛ وعــترتي أهــل بيتي«. إذا ال يمكن ألحــد أن يقــول: حســبنا كتــاب اللــه، بــل البــد، باإلضافة إلى فهم الكتاب الكريم، من أن يفهم منظومة المعارفــبي وعلي ــا ورد عن الن ــني م ــبيت، يع ــل ال ــة أه ــواردة عن أئم ال والحسن والحسين إلى آخر إمام من أئمتنا. هــذه المنظومــة البــدــألة أن يكون واقفا عليها، عند ذلك يحق له أن يعطي رأيا في مس من المسائل الدينية، سواء كانت هذه المســألة مرتبطــة بالعقائــد

أم باألخالق أم بالفروع، أي الحالل والحرام. ومن هنا طرحت هذه المسألة التي أشرت إليهــا قبــل ذلــك، وهي المرجعية الشمولية. وهذه هي المرجعيــة الدينيــة، يعــني أن يكون مرجعا في مجموعة المعــارف الدينيــة، ال أن يكــون مرجعــا

في خصوص الحالل والحرام.

االجتهاد الديني ومنطق الحاجة إلى العلوم المقدميةــاد وعليه، البد لمن يريد أن يحصل الشروط األساسية لالجته أن يكون واقفا على منظومة أو مجموعة دوائــر المعرفــة الدينيــة في القرآن، ومجموعة دوائر المعرفة الدينية في الســنة، وبعبــارة أخرى: العترة »عترتي أهل بيتي«. الســنة بــالمعنى العــام عنــدنا،

. باإلضــافة إلى هــذين المحــورين^يعني ما جاء عن النبي واألئمة األساسيين البــد أن يتــوفر على مجموعــة من األبحــاث الــتي تعــد

كمقدمات.



ــروري، ولكن ــه ض ــروا اآلن الفق ــال: انظ ــبيل المث وعلى س تعرفون أنه اآلن في حوزاتنا العلمية يقولون: ال يمكن لإلنسان أن يكون فقيها إال إذا درس علم األصول، مع أن علم األصول لم يــرد عندنا بشكل واضــح في كلمــات األئمــة، ولكن نحن وجــدنا أنــه إذا أردنا أن نفهم كلمات األئمة البــد أن نؤســس لهــا قواعـد، وبتعبــيرر عن علم س لهــا منطــق، ولــذا عب الســيد الصــدر: البــد أن نؤســ أصول الفقه بـ »منطق علم الفقه«. وفي اعتقادي، كما أن الفقهــق األصغر احتاج إلى تأسيس علم هو علم أصول الفقه، وهو منطــد، إلى تأســيس علم علم الفقه األصغر، فنحن نحتاج؛ لفهم العقائ أصول العقائد. وكذلك أعتقــد أن كثــيرا من األبحــاث الــتي تــدرســا بـ ــبر عنه ــتي يع ــة، وال ــا العلمي ــة في حوزاتن ــاث عقلي اآلن كأبح )الفلسفة(، يمكن لكثير من مسائلها أن تكــون مقــدمات أساســية لفهم العقائد. أي كما أن الفقه احتاج إلى علم أصول الفقه كذلك العقائد تحتاج إلى علم أصول العقائــد، وعلم أصــول العقائــد نجــد

كثيرا من مفرداته في األبحاث الفلسفية. وعليه فالذي يريد أن يجتهد في المعــارف الدينيــة، باإلضــافة إلى القرآن، والسنة بالمعنى العام، البد أن يكون على دراية بعلم ال أصول الفقه، ولوازم علم أصــول الفقــه، والبــد أن يكــون محصــــتي من ضــمنها لعلم أصول العقائد، ولوازم علم أصول العقائد، ال

األبحاث الفلسفية.

الفلســفة والعرفــان، بين الموقــف اإليجــابي والتعــاطيالسلبي

االجتهــاد والتجديــد: أنتم تــذكرون العلــوم الــتي يعتبرهـــا البعض غريبـــة أو غـــير إســـالمية، كـــالمنطق



والفلسفة والعرفان أو التصوف.العالمــة الحيــدري: ــا أعتقــد أنهــا تمثــل جــزءا أساســيا أن

كمقدمات لفهم المعارف الدينية. وعلى ســبيل المثــال: نحن في علم أصــول الفقــه نطــرحــة. عشرات المسائل الفلسفية والمنطقية؛ لفهم المســائل الفقهي والذين تابعوا مســائل علم أصــول الفقــه يعرفــون بــأن كثــيرا من مســائل علم أصــول الفقــه مســائل فلســفية، أخــذت من مبــاحث فلسفية أو أخذت من مباحث كالمية، لماذا احتــاجوا إليهــا؟ قــالوا:

ألن فهم كالم المعصوم يتوقف على فهم هذه المقدمات. وبمثال أوضح: القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، فهــل يمكن ألحد أن يفهم القــرآن وهــو ال يعــرف العربيــة؟ أين ورد عن أهل البيت أنهم قالوا: تعلموا العربية حــتى تفهمــوا القــرآن؟ هــذه مقدمة عقلية واضحة؛ ألن القــرآن نــزل بلســان عــربي مــبين، إذا البد أن تتعلم اللغة العربية، بل ال يكفي تعلم اللغة العربيــة فقــط، بــل تتعلم اللغــة العربيــة، وقواعــدها، والصــرف، والنحــو، وقواعــد البالغـة، و..، كلهــا. هــذا على مســتوى األلفـاظ أمــا على مســتوى المحتــوى والمضــمون فأيضــا كــذلك، هنــاك كثــير من المضــامين تحتاج؛ لكي تفهمها، إلى قواعد في علم أصول الفقه، وقواعد في علم أصول العقائد، وقواعــد فلســفية، وقواعــد منطقيــة، وقواعــد عرفانية. هذه هي منظومــة المعــارف الــتي يحتاجهــا من يريــد أن

يقول رأيا في المعارف الدينية.

انتخاب المرجع، السبل واآلليات والمقترحات االجتهاد والتجديــد: نــدخل إلى محــور آخــر ســماحة الســيد، مــا هي آليــات معرفــة المرجــع الــديني في الحوزات العلمية؟ وكيف يتم انتخابه؟ وهل هناك آليــات



ــيرت بعض ــد أث ــون فق ــا تعرف ــه؟ وكم ــدة النتخاب معتم القضــايا مثــل: قضــية األعلميــة، وهي بحســب مــا أظنرة، أثارها بعض الفقهــاء، فهــل لهــا واقــع؟ قضية متأخ

وما هي آلياتها؟ حبذا لو توضحون لنا ذلك.ــانت فيالعالمــة الحيــدري: ــتي ك ــات ال ــع اآللي في الواق

حوزاتنا العلمية تتمحور حول األمور التالية: : كتاباتــه وتراثــه. يعــني أنت تنظــر إلى تراثــهاآللية األولى

الــذي كتبــه، ومن خالل ذلــك تتعــرف على علميتــه. وعلى ســبيل المثال: ما هي طريقنا لمعرفــة أن الشــيخ المفيــد كــان علمــا منــل شــيخ الطائفــة؟ أعالم هــذه الطائفــة، وشــيخا من شــيوخها، ب الجواب: من خالل هذا التراث الذي بين أيدينا. لماذا ال نناقش في أن الشــيخ المفيــد هــو أحــد كبــار أعالم هــذه الطائفــة؛ ألن هــذهــا ــتيح لن مؤلفاته، وهذا تراثه، وهذه كتبه، التي يمكن مراجعتهــا، وت التثبت من أنه كان علما من أعالم هذه الطائفة. تعالوا إلى الشيخ الطوسي تجدون األمــر كــذلك، وهكــذا األمــر مــع العالمــة الحلي،

والعالمة المجلسي، وغيرهم من األعالم. وفي زماننا المعاصــر تعــالوا إلى الســيد الخــوئي، بــأي دليــلــذه ــرنا؟ به ــاء في عص ــد أعالم الفقه ــوئي أح ــيد الخ ثبت أن الس المجموعة الضخمة الفقهية التي كتبها. بــأي دليــل ثبت أن الســيد الخوئي أحد أعالم الرجاليين في عصرنا؟ بهذه المجموعة الكبــيرة الــتي كتبهــا في علم الرجــال، وهكــذا. بــأي دليــل ثبت أن الســيدــلمين؟ الطباطبائي يعد واحدا من كبار أعالم المفسرين بين المس من خالل تفسيره »الميزان«. بأي دليل ثبت أن السيد محمد باقر الصدر يعــد علمــا من األعالم في علم المنطــق؟ انظــر إلى كتابــه



ــا من أعالم ــد علم ــل يع ــأي دلي ــتقراء. ب ــة الس ــس المنطقي األس األصوليين؟ انظروا إلى الدورات األصولية الثالثة التي خرجت لــه،

وهكذا.ص والقــدرة على المرجعيــة إذا اآللية األولى لمعرفـة التخصــ

العلمية في عصر الغيبة هي النظر إلى تراثه. مقدار تدريسه في الحوزات العلمية.اآللية الثانية:

االجتهــــاد والتجديــــد: تقصــــدون حضــــوره فيالحوزات...؟

ليس الحضور فقط، بل التــدريس؛ ألنــهالعالمة الحيدري:قد يكون حاضرا وال يدرس، وهذا ال نستطيع أن نتعرف عليه.

فال بد أن نتعرف على مقـدار حضـوره العلمي في الحـوزات العلمية. وهذا مــا وجــدناه أيضــا في أعالم معاصــرين، ســواء على

ــوئي ــيد الخ ــوا أن الس ــف. افرض ــتوى قم أو النج لم يكتب&مس شيئا، ولكن عندما ننظر إلى تالمذته على مــدى ســتين عامــا نجــد أنهم من كبار أعالم هذه الطائفة. وهذا يكشف عن أن هذا الرجل

كان متخصصا، بل من كبار أعالم هذه الطائفة. إذا الطريق الثاني هو مقــدار تدريســه وحضــوره العلمي في

الحوزات العلمية. وأنا أعتقد أن هاتين اآلليتين همــا األســاس للتعــرف على أن

لهذا الرجل مرجعية علمية في عصر الغيبة، أو ليست له.

قيمة الشياع واالشتهار في إثبات المرجعيةــذي ــياع ال ــول: أين ذهب الش ــأل وتق ــك أن تس اآلن من حق

يذكرونه في الرسائل العلمية؟ الجواب: ليس المراد من الشياع الشياع بين عمــوم النــاس؛



ألن عمــوم النــاس ليســوا من أهــل الخــبرة والتخصــص في هــذا المجال، بــل المــراد الشــياع بين أهــل الخــبرة والمتخصصــين فيــبرة ــل الخ ــإذا شــاع بين المتخصصــين وأه ــة. ف ــوزات العلمي الحــار المتخصصــين فال والعلماء في الحوزات العلمية أن فالنا من كب إشكال وال شبهة أن هذا الشــياع يــدل على مرجعيتــه. ولكن مــتىع على اآلليــة األولى أو على يحصــل هــذا الشــياع؟ الشــياع متفــرــه فاته وتراثه يتعرفون على أن اآللية الثانية. يعني إما من خالل مؤلــا من ــين واألعالم، وإم ــار المتخصص ص األول، أو من كب ــ المتخصــاتين خالل حضوره العلمي. وال قيمة للشياع الذي ال يرتكز على ه

اآلليتين. : األولىإذا أنــا أعتقــد أن من أهم اآلليــات هــاتين اآلليــتين:

ــه العلمي؛ و ــدار حضــوره العلمي في الحــوزاتالثانيةتراث : مق العلمية. ويترتب على هاتين اآلليتين آلية الشياع، فإذا كان الشــياع ناشئا من هاتين اآلليتين تكون له قيمة، أما إذا كان الشــياع ناشــئا من اإلعالم، أو من أسباب أخرى، فإن مثــل هــذا الشــياع ال قيمــة

علمية له.

المرجعية وإدارة الشيعة في العالم، واقع وإشكاليات االجتهــاد والتجديــد: كيــف تتم إدارة الشــيعة في العــالم، حيث إن الشــيعة موزعــون على أغلب بلــدان العالم، وهناك خمس دول ذات أغلبية شيعية كما يقال؟ وأحب أن أســأل ســؤاال آخــر: هنــاك بعض الطوائــف الشـيعية األخـرى، كالزيديـة واإلسـماعيلية، هـل لنـا أن ننفتح على هذه الطوائف؟ وهل نســتطيع إدخــالهم في

دائرة الشياع؟



ــدري: ــة الحي ــاتهمالعالم ــك لهم مرجعي ــدا؛ ألن أولئ ال أب الخاصة بهم، ومرجعياتهم ليست تابعة. اإلسماعيلية لها مرجعياتهاــة لهــا ــة لهــا مرجعياتهــا الخاصــة بهــا، العلوي الخاصــة بهــا، الزيدي مرجعياتها الخاصة بها، هم ال يســتمعون إلينــا حــتى نــدخل عليهم. نعم، البد أن يطرح هــذا الســؤال، الــذي هــو غــير ســؤالكم، وهــو: كيــف نتعامــل مــع اآلخــر، أعم من أن يكــون ذلــك اآلخــر زيــديا أو إسماعيليا أو علويا أو من أية طائفة شيعية أخرى، أو سنيا، أو من أتباع األديان األخرى، من اليهود أو النصــارى، أو لم يكن من أتبــاع

األديان المعروفة، كالبوذية وغيرها؟ وحديثنا اآلن عن شروط المرجعية التي يرجــع شــيعتنا إليهــا، أما الزيدية فهم ال يرجعون إلينا، لكن كيف نتعامــل معهم؟ وكيــف يكون خطابنــا لهم؟ نســتطيع أن نقــول: ذاك اآلخــر إمــا أن يكــون متفقــا معنــا في بعض األئمــة، كالشــيعة، أو ال يكـون متفقــا معنــا، كالسنة. وذلــك حــديث آخــر غـير مســألة إدارة الشــيعة. اآلن نحنــون إليهم، ــذين يرجع ــيعة ال ــني الش ــيعة، يع نتكلم عن إدارة الش

ويقبلونهم كمراجع لهم. بعد هذه الثالثين سنة من انتصار الثورة اإلسالمية في إيران، وبعد هــذه الحكومــات المســتبدة الــتي حكمت جملــة من البلــدان العربيــة، وجــدنا أن هنــاك جاليــات كبــيرة من الشــيعة انتقلت إلى عشــرات البلــدان في العــالم، ومن مختلــف البالد اإلســالمية، من العــراق وإيــران ولبنــان وبلــدان أخــرى، تجــدون اآلن ماليين، بــل عشرات الماليين من الشــيعة منتشــرين في عشــرات الــدول في

العالم.ــدة أساســا الشــيعة هم ــاك دول عدي وفي النتيجــة توجــد هن

األكثرية فيها، كالعراق وإيران، فكيف يدار وضع الشيعة؟



لعله إلى ما قبل خمسين إلى مائة سنة كان بإمكان المرجــع أن يكتفي بمجموعة صغيرة حوله، وتكــون هــذه المجموعــة الــتي في بيتــه أو من المحيطين بــه هي الــتي تــدير وضــع الشــيعة فيــون ــة، خمســة، عشــرة، يعين العــالم. اليــوم هــؤالء المراجــع، ثالث مجموعة من الوكالء في هذه البلدان، فيديرون وضع الشــيعة من خاللهم. ولكن بعد توسع وضع الشيعة هذا التوسع، وهــذه النقطــة أصــلية؛ ألنــه قبــل مائــة ســنة لم يكن هــذا التوســع الموجــود اآلن

للشيعة. إذا هذا التوسع أصل أول. : إن هؤالء الشيعة بدأوا يكونــون ويؤسســوناألصل الثاني

عشرات المراكز في تلك البلدان.ــةاألصــل الثــالث ــل منطقـ ــيعة في كـ ــؤالء الشـ : إن لهـ

ــيعة ــتطيع أن نتعامـــل مـــع الشـ خصوصـــيات. يعـــني نحن ال نســـة في ــون إال خمس ل ــذين ال يمث ــد الفالني، ال ــودين في البل الموج المائة أو ثالثة في المائــة أو عشــرة في المائــة، كمــا نتعامــل مــع الشيعة الذين يعيشــون في بلــد يمثلــون فيــه ســبعين في المائــة. ضوابط هذه المجموعة السياسية واالجتماعية، وعالقتها مع اآلخر،

البد أن تكون ضمن تلك الشروط التي تعيشها. والســؤال المطــروح واقعــا: هــل ال زالت اآلليــة القديمــة والطريقة القديمة إلدارة وضــع الشــيعة كافيــة إلدارة الشــيعة في

العالم، أو أن تلك اآللية ال تفي بذلك؟

»المرجعية الرشيدة« ومشروع إدارة الشيعة في العالم من هنا طرحت المرجعية الرشيدة، الــتي أســس لهــا الســيد محمد باقر الصدر، وهي أن إدارة الشــيعة في العــالم ال يمكن أنح المســألة بنحــو تكون بتلك الطريقة القديمة. وإذا أردنــا أن نوضــ



أكثر فعلينا القول: إن الدولــة الــتي أسســها الرســول األعظم في المدينة دولة، ولكن بالقياس إلى الدولة الحديثــة في عصــرنا نجـد الفارق كبيرا جدا؛ ألن الحياة تعقدت؛ ألن االحتياجــات كــثرت؛ ألن المشاكل ازدادت، ونحو ذلك. وتتغير بطبيعة الحــال طبيعــة الحكمــانت اإلدارة ــة ك ــة إدارة هــذه المجموعــة، وإال ففي المدين وطبيعــة. واآلن افرضــوا ــا الدول ــه من خالله ــود رســول الل ــة يق مجموعــاج هــذا ــران فهي تحت ــة في إي ــد إدارة الدول مجموعــة أخــرى تريــتي لم يكن ــة، ال ــة والحربي ــور الدفاعي ــد الموجــود في األم التعقيــور ــذا في األمـ ــان، وكـ ــك الزمـ ــا في ذلـ ــه يحتاجهـ ــول اللـ رسـ

االستخباراتية، والمالية، واالقتصادية، واالجتماعية. أنــا أتصــور أن المرجعيــة هي دولــة مصــغرة، المرجعيــة في عصر الغيبة ـ وإن لم تتوفر لها إقامة دولة ـ عنــدما تريــد أن تــدير مئة مليون، مئتي مليون، ثالثمائة مليون، منتشرين على عشــرات الدول فـإن إدارتهم واقعـا أصـعب بكثـير من أن يكـون هـؤالء فيــدة نســتطيع من دولة واحدة وأنت تديرها. إننا نحتاج إلى آلية جدي خاللها إدارة أمور الشــيعة في العــالم. لعــل اآلليــة المتبعــة كــانت كافية إلى زمان، ولكن في زماننا هذا تغيرت الظروف والشــروط والزمــان والمكــان واإلمكانــات واالحتياجــات، وعشــرات العوامــل األخــرى دخلت على الخــط، وأدت بنـا أن نفكـر بشــكل جــدي فيــدير ــالم. ال يمكن أن ن إيجاد آلية مؤسساتية إلدارة الشيعة في الع التشيع ـ الذي يبلغ مئات الماليين، في عشرات الـدول في العـالم ـ كما كنا ندير الشيعة قبل مائة سنة أو مئــتي ســنة، وإنمــا نحتــاج إلى مرجعية مؤسساتية. ما معنى مرجعيــة مؤسســاتية؟ إذا أردنــا أن نقرب الفكرة إلى ذهن القارئ نضرب مثاال: انظروا إلى وزارةــتي ــة، ال ــدفاع، وزارة الخارجي ــاد، وزارة ال ــة، وزارة االقتص المالي



روا عنها بمجموعــة وكالء تمتلك مجموعة سفارات في العالم، وعب موجودين إلدارة وضع الدولة، للتعريف بالدولة وإمكاناتهــا، وإيجــاد العالقة مع اآلخر، وهذا هو الدور الــذي يقــوم بــه الوكيــل بالنســبة إلى المرجع. عندما يتبــدل وزيــر الخارجيــة فهــل تتبــدل كــل هــذه المؤسسات والوكاالت والمدراء العامين واإلمكانـات؟ ال أبـدا، قـد يتبدل منها بتبدل الوزير ثالثة في المائة، خمسة في المائــة، ولكن أصل النظام والمراكــز والمؤسســات تبقى على حالهــا. ولكن مــعــدما يرتحــل مرجــع من ــة عن ــا العلمي األســف الشــديد في حوزاتن المراجع ينتهي كل شيء معه، وعندما يــأتي المرجــع الجديــد يبــدأ من الصفر. وهذه قضية خطيرة جدا. ولــذا تجــدون أننــا لم نتقــدم في مسألة إدارة الشيعة في العالم. نحن نحتــاج إلى آليــة جديــدةساتية. قد يقول لي قائل: أنت تدعو إلى أن تكون مثل البابــا مؤســا في الفاتيكان أو ... أقول: ال أبدا، نحن لنا خصوصياتنا، لنا تجربتن الخاصة، لنا فكرنا الخاص، لنا آلياتنا الخاصة، ولكن البد أن يجلس المتخصصون في الشأن الشيعي ليجدوا ما هي الطريقة الفضــلى إلدارة وضع الشيعة في العالم، وإلدارة وضــع الــوكالء في العــالم،ليات في العالم، وإليجــاد العالقــات مــع اآلخــر. وإلدارة وضع الممث هنا يأتي ســؤالكم، وهــو: إن واحــدة من أهم وظــائف الوكيــل هــو كيف يتعامل مع اآلخر؟ كيف يوجد عالقـة طبيعيــة مــع اآلخــر؟ ألن المرجــع جــالس في مكــان معين وفي نقطــة معينــة، أمــا وكالؤه فمنتشــرون في كــل العــالم. هنــا كــل وكيــل البــد أن يقــوم بــدور

السفير، بدور القائم باألعمال؛ إليجاد العالقة مع اآلخرين. أنا أعتقد أنه بعد أن توسع الشيعة هذا التوسع المبارك بحمد الله تعالى في مختلف بقاع األرض ـ حتى أنك ال تجد اآلن بلــدا إال ويوجد للتشيع فيه موطئ قدم، بل بحمد اللــه تعــالى اآلن التشــيع



ــير اإلمــام ــدأوا يعرفــون، وبتعب في امتــداد مســتمر؛ ألن النــاس بفوهم محاســن كالمنــا؛ فــإن النــاس لــو عرفــوا×الرضا قال: »عر

التبعونا« ـ فإن هذه الطريقة ما عادت كافية إلدارة وضع الشــيعة،بل نحتاج إلى تأسيس شكل جديد إلدارة وضع الشيعة في العالم. االجتهاد والتجديــد: ومــا الضــير ســماحة الســيد لــو اســتخدمنا طريقــة بابــا الفاتيكــان؛ إلدارة الشــيعة في

العالم؟ اآلن ال أريــد أن أدخــل في التفاصــيل.العالمـة الحيـدري:

نعم، إذا وجدنا هناك إيجابيات نأخذها. المهم هذه اآللية المتبعة ماــاج إلى ــذا يحت ــدة؟ فه ــة الجدي ــا هي اآللي ــا م ــة، أم ــادت كافي ع متخصصين؛ ألن هذه قضــايا إداريــة، وليســت قضــايا علميــة حــتىــأتي أعطي فيها رأيا جازما، وإنما هي قضايا إدارية، يعني البد أن ن بمتخصصين وعلماء وفالسفة علم اإلدارة، ثم نقول: هــذا وضــعنا، هذه معطيات وضعنا في العالم، فكيــف نــديرهم؟ فيعرفوننــا على

أفضل طريق إلدارتهم.

مشاريع اإلصالح والتجديد الفقهي، قراءة وتقويم االجتهاد والتجديد: تتوالى حمالت النقــد والتشــويه للمشــاريع التجديديــة في الفقــه اإلســالمي، فكيــف تقيمـــون مشـــاريع التجديـــد واإلصـــالح الفقهي الـــتي طرحت حتى اآلن؟ وما هي قراءتكم التجديدية في هــذا المجال؟ ومــا هي الســبل الــتي يمكن اتباعهــا إلحــداث

تجديد في الفقه اإلسالمي؟ هــذا ليس ســؤاال واحــدا، بــل خمســةالعالمــة الحيــدري:

أســئلة، ونحن نتكلم بشــكل عــام، وإال لــو دخلنــا في كــل مفــردة



فسنحتاج إلى وقت طويل.ــية ــارف. وقض ــو المتع ــا ه ــاد على م ــه معت ــان بطبيعت اإلنس التجديد واإلصالح والتغيير هذه واجهها األنبياء منذ اليوم األول. هل يوجد نبي جاء بشريعة ولم يواجه؟ ومن واجهه؟ لم يواجهه عموم الناس، وإنما واجهه أولئك الذين لهم مصالح مرتبطة بهــذا الوضــعــذي يعيش على ــربي ال ــع الغ ــروا في المجتم ــوم انظ ــائم. الي الق أســاس الحريــة والديمقراطيــة وغيرهــا، ففي الواليــات المتحــدةــوا إلى ــاس خرج ــات اآلالف من الن ــرات ومئ ــدون عش ــوم تج الي الشارع يعترضون على طريقة إدارة األمــوال في مجتمعــاتهم، أي

الطريقة الرأسمالية. والسؤال هو: كيف واجهتهم األنظمة القائمة، مع أنهــا قائمــة على أســاس الحريــة والديمقراطيــة؟ لقــد واجههم أولئــك الــذين لديهم مصــالح في أن يبقى الوضــع القــائم بهــذه الطريقــة. وهــذه قاعدة عامة، وليست مختصة بمجتمع دون آخــر، وال بجماعــة دون أخرى. عندما توجد جماعة لهــا أســس ومصــالح، وطبقــات خاصــةــذه مستفيدة من هذه المصالح، فإذا جاء شخص وأراد أن يمس ه المسلمات سوف يحــارب ويواجــه. أنــا ال أريــد أن أقــول: إن كــل الدعوات اإلصالحية كانت دعــوات صــحيحة مئــة في المئــة، وإنمــا أريد أن أقــول: إن طبيعــة اإلنســان أنــه عنــدما يوجــد وضــع معين يقوم على أسس معينة، وله مصالح معينــة، ويســتمر هــذا الوضــع لجيل أو جيلين أو قــرن أو قــرنين، وتــأتي دعــوة تجديديــة ودعــوة إصالحية وتغييرية، فإنه بطبيعة الحال سوف تواجه من قبل أولئك

الذين ترتبط مصالحهم بأن يبقى هذا الوضع على حاله القائم. إذا من الوهم أن نتصور أننا ندعو إلى حركــة إصــالحية، وإلىــذا وهم، ال ــرين. ه ــه من اآلخ ــة، وال نجاب ــة وتغييري ــة تجديدي حرك



يحصل عندنا، وال يمكن حصوله. نعم، البد للمصلح والمغير، والذي يدعو إلى حركة تغييرية وإصالحية وتجديدية، بقدر ما يمكنــه، أن ال يصطدم مع القواعد الشعبية. هذه مهمة عندي، لمــاذا؟ ألنــه يريــد أن يتحرك من خالل هؤالء، وبإمكان الطبقات المتنفذة والطبقــات المستفيدة من هذا الوضع أن يحركوا الشارع والنــاس والشــعوب أن تقف أمام هذه الحركات اإلصالحية والتجديدية، كما فعلــوا من قبل بالنسـبة إلى كثـير من الحركـات. وقـد كـان القـرآن واضـحا، ففرعون يقول: أنا أخشى أن يبدل موســى دينكم، يعــني يريــد أن يحرك العواطف والمشاعر وأحاسيس النــاس؛ حــتى يقفــوا أمــام

حركة موسى التجديدية والتغييرية واإلصالحية. إذا على هــذا األســاس أنــا أعتقــد بــأن هــذه ســنة من ســنن التغيــير، والبــد أن نلتفت إليهــا، وهي ســنة من ســنن اإلصــالح والتجديد، وهي أنك عنــدما تطــرح فكــرة جديــدة؛ لخدمــة النــاس، سوف تواجــه من طبقــات أخــرى لهم مصــالح في أن يبقى وضــع الناس على تلك الحالة التي هم عليها. وال تستثنى حوزاتنا العلمية من ذلك. مثال: اآلن هناك مجموعة من الكتب الدراســية الرســمية التي تدرس في الحوزات العلمية، على مســتوى أصــول الفقــه أو الفقه نفسه، وقد وجدنا أنه في المئة أو الخمســين ســنة األخــيرة هناك كتب جديدة وأعالم جدد حاولوا أن يجددوا في هذه المناهج،ــا ــا أعتقــد أن القضــية ليســت ناشــئة من ســوء نواي لمــاذا؟ أن بالضرورة، بل إن هذه الطبقة الــتي تــدرس هــذه المــواد إذا صــار البناء أن ننتقل إلى دراسة كتب أخــرى فإنهــا ســوف تفقــد دورهــا في الحوزات العلمية. وعلى سبيل المثــال: من كــان كــل وجــوده مبنيا على تدريس )كفاية األصول( في الحوزات العلمية، وهـو قـد



نظم حياتــه على أســاس أن يبقى يــدرس )كفايــة األصــول(، فــإذا صار البناء أن نحذف كتاب )الكفاية( من الحوزات العلمية فسوف يقف حتما أمــام هــذا التبــديل والتجديــد؛ ألنــه ســيفقد دوره. ليس بالضــرورة أن يكــون هــذا إنســانا فاســدا، بــل إن طبيعــة وضــعه

تقتضي أن يجابه العمل التجديدي أو العمل اإلصالحي. والحــوزات العلميــة قائمــة اليــوم على أنــه بمجــرد أن يقــرأ عشرين سنة، أو ثالثين سنة، أو أربعين سنة، فقها وأصــوال، يكــون مرجعا، فإذا جاءت دعوة تجديدية ـ كما أنـا أدعـو لهـا ــ، وهي أنـه البــد أن يقــرأ في التفســير والعقائــد وأصــول العقائــد والفلســفة

كذلك، فلن يوافق عليها طبعا. إذا القانون العام هو أن أي تجديد سوف يجابــه، ســواء كــان

ذلك التجديد على مستوى علمي أم على مستوى إداري.

الخلفيات الكامنة خلف نقد المشــروع المــرجعي للعالمــةالحيدري

االجتهاد والتجديد: إن هنــاك من يتحــدث عن وجــود خلفيات قومية تارة، وفكريــة تــارة أخــرى، تقــف خلــف نقد مشروعكم المرجعي، ويتركز الحــديث عن موضــوع المرجعية العربية الممنوعــة من الظهــور في المجتمــع الشـــيعي تـــارة، وعن خطـــر وصـــول أنصـــار االتجـــاهــرى، الفلسفي والعقالني إلى منصب المرجعية تارة أخــداول في ــتي تت ــار ال ــذه األفك ــل ه ــون مث ــف تقيم كي

الساحة اآلن؟ في الواقع سـؤالك ينحـل إلى سـؤالين:العالمة الحيدري:

: الخلفيــات الفكريــةالثاني: الخلفيات القومية للمسألة؛ واألول ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

221هـ1433م ـ 2012


والعقائدية والفلسفية ونحو ذلك. أما في ما يتعلق بسؤال الخلفيــات الفكريــة والعقائديــة فأنــا أعتقد بأن لمدرسة أهل البيت قراءتين: قراءة قائمة على أســاس كالمي؛ وقـراءة قائمـة على أســاس غــير كالمي، أو فقــل: قـراءة قائمة على أساس فقهي؛ وقراءة قائمة على أســاس غــير فقهي. والمتعارف في الحوزات العلميــة أن القــراءة القائمــة هي قــراءة المذهب بكل أطره ومعارفه على أساس فقهي. وأتصور أن كثيرا من األعالم هم في هذا االتجاه، ويرون أنه إذا صــار فقيهــا بالفقــهــة في عصــر األصغر فهو الذي يحق له أن يتصدى للمرجعية الديني

الغيبة. أنا أدعو إلى أن تكون القراءة األخرى هي الحاكمة. فمــا هي تلك القراءة األخرى؟ هي القراءة التي تكون قائمة على التفسير، والعقائــد، ومقــدمات التفســير والعقائــد، أي الفلســفة والعرفــان

وعلوم القرآن وغير ذلك.ــادي ــا. وفي اعتق ــتمرة إلى زمانن ــة مس ــة قديم إذا فالمعرك

الــتي قــدمها لمــذهب&الشخصي إن رؤية السيد اإلمام الخميــني أهل البيت لم تكن قائمة على األســاس األول؛ ولــذا تجــدون هــذه التجديدات كلها، التي جاءت على أساس تلك القــراءة. إن نظريــة والية الفقيه المطلقة لم تصدر من علماء محسوبين على القراءة الفقهية، وإنما صدرت من علماء يحسبون على القــراءة العقالنيــة الفلســـفية العرفانيـــة القرآنيـــة ونحـــو ذلـــك. واآلن تجـــدون في الحوزات العلمية، وخصوصا في حوزة قم، تجدون بــأن الــذين هم

يــدعون إلى هــذه&ضــمن االتجــاه الــذي بــنى لــه الســيد اإلمــامالقراءة أيضا.

إذا هذه القضية قضية منهجيــة في الرتبــة الســابقة، قبــل أن



ــراءة ــدم ق ــد أن يق ــد لمن يري ــة. والب نصــل إلى مســألة المرجعي ألصول المذهب أن يحدد في الرتبة السابقة المنهج الذي يريــد أنــد أن يعتمده. هل يريد أن يعتمد على منهج القراءة الفقهية أو يريــائج ــوا أن النت ــة و...؟ واطمئن ــراءة العقالني ــد على منهج الق يعتم

واآلثار والمعطيات تختلف، والتعامل مع اآلخر يختلف.ــا أقولهــا بشــكل واضــح ــة جــدا. وأن إذا هــذه القضــية طبيعيــة وصريح: أنا لست من أولئك الذين يقرؤون المذهب قراءة فقهي أحاديــة، وإنمــا أعتقــد أنــه البــد أن تقــرأ أصــول المــذهب قــراءة شمولية ضمن هــذه الرؤيــة العامــة، ومن الــداعين إلى أن يعتــنى بأصول العقائد على حد االهتمام بفروع الــدين. فــأنتم اآلن عنــدما تأتون إلى فروع الدين، إلى الفقه ـ على ســبيل المثــال ـــ، عنــدما نسأل عن أية مسألة فقهية فأنت ال تنقل لي رأي الشــيخ المفيــد، وال رأي الشيخ الصدوق، وال رأي الشيخ الطوسي، وال رأي العالمة الحلي، وال رأي المحقـــــق الحلي، وال رأي المجلســـــي، وال رأي صاحب الكفايـة، الـذي كـان قبـل مئـة سـنة، وال رأي األصـفهاني، وإنما تنقل آراء الفقهــاء الحاضـرين. أقــول: لمــاذا ال ترجعــني إلى النــائيني؟ تقــول: ال؛ ألنــه بعــد النــائيني طــرحت نظريــات فقهيــة جديدة، هذا معناه أن الفقــه عنــدنا في تطــور مســتمر، وفي نمــو مستمر، وفي تفاعل مع معطيات الحياة. ولكن عندما أســألك عن مسألة عقائدية تقول: »قال الشيخ المفيد«. هذا يكشــف لــك عن

ماذا؟ االجتهاد والتجديد: عن أنه ال يوجد هناك تجديــد، أو

أن هناك تجديدا قليال.

ضرورة االجتهاد والتجديد في علمي الكالم والتفسير



ــا في علمالعالمــة الحيــدري ــه إلى اآلن نحن تأخرن : أو أن العقائد ألف سنة. كان ينبغي ـ على قــدم المســاواة ـــ أنــه عنــدما نتطور في علم أصــول الفقــه أن نتطــور في علم أصــول العقائــد أيضا، وعندما نتطــور في الفقــه نتطــور في العقائــد. وهــذا مــا لم يحصل. أنا أعتقد بهذه الحقيقــة. عنــدما أســألك مــاذا تقولــون فيــذهبون إلى مسألة طهارة أهل الكتاب؟ تقول: جملة من الفقهاء يــدم ــذهبون إلى ع ــاء ي ــة من الفقه ــاب، وجمل ــل الكت ــارة أه طه طهارتهم، أما عندما أسألك عن مسألة عقائدية، هل لإلمــام واليــة تكوينيـة أو ليســت لـه واليـة تكوينيــة؟ فإنـك ترجعـني إلى الشــيخ المفيـــد. والصـــحيح أنـــه البـــد أن تقـــول: إن جملـــة من األعالم المعاصرين يــذهبون إلى إثبــات الواليــة التكوينيــة لإلمــام، وجملــةــية في بحث ــك من حقهم؛ ألن القض ــك، وذل ــون ذل ــرى يرفض أخ مستمر، هذا يؤيد هــذا االتجــاه، وذاك يؤيــد ذاك، وثــالث قــد يــأتي بثالث، ال هذا وال ذاك. أنا أدعــو إلى مســألة التجديــد في العقائــد،ــد ــد التجدي ــد، على ح ــاد في العقائ ــد، واالجته والبحث في العقائ والبحث واالجتهاد في الفقه. وهـذا الــذي ــ مــع األســف الشــديد ـ نفقده في حوزاتنا. وهكذا على مستوى التفسير. انظــروا اآلن إذا ســألنا ســائل: افترضــوا أن الســيد الطباطبــائي لم يكتب لنــا هــذا التفســير العظيم »المــيزان«، فمــاذا يوجــد عنــدنا من التفســير؟ نقول: قــال الشــيخ الطوســي في )التبيــان(، قــال الطبرســي فيــان(، ولكن أين آراء األعالم المعاصــرين؟ نعم، بحمــد )مجمــع البي الله، في اآلونة األخيرة قام السيد عبد األعلى الســبزواري وأعالم آخرون، كالشيخ ناصر مكارم الشــيرازي والشــيخ جــوادي اآلملي، بكتابــة تفاســير أخــرى، ولكن لقــرون متعــددة كــان علم التفســير راكدا. أنــا أدعــو حوزاتنــا العلميــة إلى أن تتقــدم في القــرآن كمــا



تقدمت في الفقه واألصول. أنا أدعو إلى تأسيس أصول مذهب مدرسة أهــل الــبيت على أســس غــير فقهيــة، على أســس عقالنيــة، وعلى أســس قرآنيــة، وعلى أسس عرفانية، أي أن نقــدم قــراءة على هــذه األســس، ال

على أسس فقهية صرفة.

مديات التجديد في الفقه اإلسالميــد في ــرى التجدي ــاك من ي ــد: هن ــاد والتجدي االجته الفقه اإلســالمي على مســتوى بعض الفتــاوى، وهنــاك من يــرى التجديــد كــامال في األصــول االجتهاديــة، هــل تعتقدون أن أصول الفقــه واالجتهــاد اإلســالمي بحاجــة

إلى تجديد؟ وأين؟ وكيف؟ــاب االجتهــاد فيالعالمــة الحيــدري: ــا أعتقــد أن فتح ب أن

مدرسة أهل البيت ال لتغيير بعض الفتاوى، وإنما كما قررت وبينت قبل قليل، أنا أعتقد أن باب االجتهاد مفتوح على مستوى األصــول العقدية، فضال عن أصول الفقه، فضال عن الفقه. وبعبــارة أخــرى: إن الرؤية التي يحملها المجتهد تتــأثر بعوامــل كثــيرة، ومن خاللهــا يـأتي إلى النص الـديني. ولـذا أنـا أعتقـد أن النص الـديني بمعنـاه العام، أي الكتاب والسنة، فيه قابلية أن يلبي جميع متطلبات حياة اإلنسان إلى قيام الساعة؛ باعتبار أنــه خاتمــة الشــرائع، وال توجــد شريعة بعد ذلك حتى نقول: إن هذه الشريعة استنفدت أغراضــها، واستنفدت قدرتها على االستجابة لمتطلبات الحياة، إذا نحتاج إلى شريعة جديدة. ما هي فلسفة تجدد الشــرائع وتعــدد الشــرائع؟ إن الشريعة السابقة كانت تســتنفد قــدرتها على إدارة الحيــاة، وعلى االستجابة لألسئلة التي تطرح عليها، إذا نحتاج إلى تجديد الشريعة



وتجديد النبوة. ولكن لما كنــا قــد آمنــا بــأن اإلســالم هــو الشــريعةــا القــدرة على الخاتمــة فــإن معــنى ذلــك أن هــذه الشــريعة فيه االستجابة لكل متطلبات اإلنسان إلى قيــام الســاعة، ولــو لم تكن فيهــا هــذه القــدرة إذا الســتنفذت أغراضــها، ولمــا اســتطاعت أن تستجيب لمتطلبات الحياة، إذا نحتــاج إلى شــريعة جديــدة، وحيث

إنها شريعة خاتمة إذا ال توجد شريعة أخرى.ــديني إذا األصل الكالمي الذي نبني عليه هو أن هــذا النص الــا، الذي بأيدينا بمقدماته، بالقرآن والسنة والعلوم التي أشرت إليه ال خصوص الفقه، أن هذه الشريعة فيها القدرة، أن هذه المعارف وهــذه المنظومــة كنص ديــني فيــه القــدرة على االســتجابة لكــل المتطلبات، ولكن هل أن القراءة التي يقرأ بها هــذا النص الــديني واحدة أو متعددة؟ الجواب: إنه قبل ألف سنة كــانوا يقـرؤون هــذا النص الــديني بقــراءة، ولكن عنــدما تــأتي إلى هــذه القــراءة فمن

حقي أن ال أوافق على كثير من مفرداتها.

تعدد القراءات الدينية االجتهـــاد والتجديـــد: أنت تـــؤمن بتعـــدد القـــراءة

الدينية؟ نعم، أؤمن بالتعــدد، ولكن ضــمن منهجالعالمة الحيــدري:

متقن ومحكم. يعني ال أوافق أن يأتي كل إنسان ليقول: أنا أقــدم قراءة، بل البــد أن يقــول لي مــا هي األســس الــتي ينطلــق منهــاــدم ــه أن يق لقراءة هذا النص. وبعد أن نتفق على األسس من حقــا أعتقــد بتعــدد ــديني. ولــذا أن ــتي يرتئيهــا عن النص ال القــراءة ال القراءة واقعا، ولكن بهذا المعنى من تعدد القــراءة. وعلى ســبيل المثال: تعدد القراءة على معنيين: مرة تــأتي قــراءة تميــع أصــول



هذه العقيــدة أصــال، فهــذه ليســت قــراءة، وإنمــا هي إنهــاء للنصــد والتثليث ــأتي قــراءة تقــول: ال فــرق بين التوحي ــديني، مثال: ت ال المسيحي. هل هذه قراءة أو أنها إنهاء للتوحيــد اإلســالمي؟! هــذهــبيت فــإن ليست قراءة. يعني نحن عندما جئنا إلى مدرسة أهل ال من أصول مدرسة أهل البيت أن األئمة فيها اثنا عشر، وأن اإلمام معصوم، وأن اإلمام الثاني عشر حي. فعنــدما يــأتي أحــد ويقــول: أريد أن أقدم قراءة عن التشيع أن األئمة ليسوا اثني عشر، وأنهم ليسوا معصومين، وأن الثاني عشر غير مولود، فهــل هــذه قــراءةــا في المذهب أو أنها خروج عن المذهب؟! هذه قراءة ال عالقة لهــول: إن العصــمة ــك أن تبحث، ذاك يق بالمــذهب. إذا أنت من حق معناها كذا، فتقول: ال، ليس هذا هو المراد من العصــمة، بــل هــذاــه أن يقــول: إن اإلمــام لم يكن مســؤوال عن هــو المــراد. من حق إقامة الدولة، فتقــول: ال، إن اإلمــام كــان مســؤوال. هــذه قــراءات متعددة، وال مشكلة فيها، لكن بشرط أن ال يلزم من القراءة التي

تقدمها محو األصول الموجودة في تلك الدائرة، مذهبية أو... مثال: السيد اإلمام الخميني عنــده نظريــة في واليــة الفقيــه، فقد يأتي أحد ويقول: أنا أقــدم قــراءة في واليــة الفقيــه، وإذا بهــا تنتهي إلى عدم وجــود واليــة الفقيــه، فهــل هــذه قــراءة في واليــة الفقيه أو أن هذا رد لوالية الفقيــه. إذا فــرق بين أن تقــدم قــراءة في النص الديني وبين أن تقــدم قــراءة لنفي النص الــديني. كثــير من هذه القراءات المعاصرة ليس قراءات في النص الــديني، بــل هي قراءات لنفي وحيانية النص الديني. وفي النتيجة البد أن نقبل أن هذا النص يختلف عن نص يقوله أي إنسان آخر. أنا ال أريــد أن أدخل في بحث تعدد القراءات، ولكن بنحو اإلجمال أنا أشرت إلى هذه المقدمة حتى يتضح للقارئ العزيز أنني مؤمن بتعدد القراءة،



ولكن ضمن ضوابط، وضمن شروط، وضمن منهجية خاصة. ولــذا إذا قالوا لي: إن الشيخ المفيد قدم قراءة عن التوحيــد، أو قــراءة عن المعاد، أو قراءة عن اإلمامــة، فهــل أنت موافــق؟ فمن حقي كمجتهد في هذا المجال أن أقول: ال، وأقدم قــراءة أخــرى، ولكن في إطار مدرسة أهل البيت، ال أنــني أقــدم قــراءة تنفي مدرســة أهل البيت. فعندما أقدم قراءة مفادها أن األئمة ليسوا معصومين فهذه نظرية خارجة عن نظرية أهل الــبيت، وليســت نظريــة أهــل

البيت. إذا هذه القضية مهمة جــدا، وهي أننـا نــؤمن بتعــدد القــراءة، ولكن ضمن شروط وأسس وضوابط خاصــة البــد أن نلتفت إليهــا جيدا. والبد أن تحفظ للنص الديني وحيانيتــه، ال أن تــؤدي القــراءة إلى أن يكون هذا النص الديني كنص بشري، كأي نص آخــر صــادر من فالن. ال أبدا، إذا كان هكذا فما الفرق بين القرآن وبين غيره؟ عنــدما تصــدر نظريـة من فالن فإنـك تناقشــها، فـإذا النظريـة في القرآن أيضا فهل تقول: أقدم فيها قراءة، وكأنك تتعامــل مــع نص بشــري؟ ال، البـد أن تحفـظ حـدود وقواعـد النص الــديني. مـا هي حدوده؟ هو أنه نص وحياني، هذا النص صادر من الله، له ضوابط، وله قواعد، وله ثوابت. هذه كلها تحفظ، وبعد ذلك تقــدم القــراءة

التي تريد.الرسالة العملية واالحتياط الوجوبي

االجتهاد والتجديد: ينتقد الكثيرون ظاهرة االحتياط الوجوبي في الرســائل العمليــة، ويرونهــا تضــييقا على عامة الناس، ما هي نظرتكم إلى هذا الموضوع؟ وكيفــالتكم ــتفتاءاتكم ورس ــتوى اس ــه على مس ــاملتم مع تع

العملية؟ ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد228هـ1433م ـ 2012ربيع


ــدري: ــة الحي أعتقـــد أن لالحتيـــاط الوجـــوبي فيالعالم الرســائل العمليــة بعــدا إيجابيــا وبعــدا ســلبيا. فبعــده اإليجــابي أن المرجع يكتب في المقدمة أنه في االحتياطــات الوجوبيــة يعطيــك قــدرة على الرجــوع إلى غــيره، وهــذه ليســت نقطــة ســلبية فيــا لم أســتطع الرسالة، بل نقطة إيجابية؛ ألنه يريد أن يقول لك: أن أن أصل إلى وضوح حتى أفتي بشــكل واضــح في هــذه المســألة، ولذا أعطيك المجال في أن تنتقل إلى شخص آخـر. ومن الواضـح أن هذا أمر إيجابي. إذا أصل وجود االحتيــاط الوجــوبي ليس أمــرا ســلبيا بالضــرورة. ولكن ال ينبغي أن تكــون الرســالة مملــوءة من أولها إلى آخرها باالحتياطات الوجوبية، فإن هــذا يكشــف لــك عن

% من30% أو 20أن ذلك الشخص إذا لم يكن عنــده وضــوح في المسائل فكيف اجتهد؟ إذا كثرة االحتياطات تكشف لــك أن الــذي

كتب الرسالة العملية كان كثير التردد، ولم تتضح له المباني. نعم، هنا يوجد عامل آخر يؤدي بالبعض أن يزيد في االحتياطــني في الرسالة العملية، وهو أنه ال يريد أن يتحمل المسؤولية، يععندما يقول: )احتط( لعله لو سألته يقول: الفتوى واضحة أمامي.االجتهاد والتجديد: كما طرحت من بعض التالمذة.

أنا أناقش هذه وال أوافق عليها؛ ألن هذاالعالمة الحيدري: معناه أنك ال تريد أن تتحمل المســؤولية عن المكلف، وإنمــا تريــدــيري. أن تحمله المسؤولية. تقول: أنا ال أفتيك، وأنت اذهب إلى غ فــإذا كنت ال تريــد أن تفــتي فــاجلس في بيتــك، وال تكتب رســالة عملية. أنت عندما تتصدى لشؤون الناس، وألمور الناس، ولإلجابة عن تســاؤالت النــاس، البــد أن تتحمــل مســؤوليتهم الدينيــة، فــإذا وضــحت عنــدك الفتــوى اكتبهــا في رســالتك العمليــة. نعم، إذا لم

تتضح واقعا من حيث األدلة والمباني فمن حقك أن تحتاط. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

229هـ1433م ـ 2012


ــدي بعض ــد عن ــه توج ــني وبين الل ــاذا فعلت؟ بي ــا م ــا أن أمــد أن االحتياطات في الرسالة العملية، ولكن نادرة جدا؛ ألني أعتق الرسالة العملية، خصوصا في مــا يرتبــط بالعبــادات، هنــاك نســبة عالية منها متفق عليها بين علماء الشــيعة، منــذ الشــيخ الطوســيــا ــان فيه ــاط اإلنس ــاج إلى أن يحت ــذا. وهي ال تحت ــا ه وإلى زمانن باإلضافة إلى ذلك حــاولت ـــ بقــدر مــا يمكن ـــ أن أحــذف تعــابير: األظهر؛ األقوى؛ األولى، و...، من الرسالة العملية؛ ألن هذه تشير إلى نكــات علميــة مرتبطــة بــالبحث العلمي. هــذه نكتــة يســألنيــدليل الطالب عنها وأجيب، وأما عموم الناس فال عالقة لهم بأن ال كان أقوى، أو أن الدليل كان أظهر، ولذا حاولت بقدر ما يمكن أن

أتجاوزها في الرسالة العملية. وعلى هذا األساس البد أن يكون أصــل التســهيل حاكمــا في

الرسالة العملية، ال أصل التعقيد والتصعيب واالحتياط. االجتهاد والتجديد: فالشريعة سهلة سمحة.

هــذا واحــد من األدلــة على أنــه البــد أنالعالمة الحيدري:تقوم على أساس التسهيل، ال على أساس التعسير واالحتياط.

نماذج من فتاوى العالمة الحيدريــل لكم أن ــيد، ه ــماحة الس ــد: س ــاد والتجدي االجتهــدرتموها، ــتي أص ــدة ال ــاوى الجدي ــدونا ببعض الفت ترف

والتي تمتاز ببعض الجدة والتميز، فتنفرد بها مجلتنا؟ــا، وال أتكلم علىالعالمة الحيدري: ــا اآلن نظري أنا أطرحه

البعد العملي لهــا. من المســائل الــتي أعتقــد أنهــا مهمــة جــدا أن دائرة األحكام االضطرارية أو دائرة أحكــام التقيــة ضــيقة النطــاق

جدا.



فعلى سبيل المثـال: يقـال: إن اإلنسـان إذا كــان هنـا يصـليــد بطريقته، أو يضع التربة، عندما يذهب إلى المسجد النبوي، ويري أن يصــلي، كيــف يصــلي؟ هنــا جملــة من األعالم يقولــون: إنــه إذا كانت تقية فيصلي مثلهم. أنا أعتقد أن األمر ليس تقية، وإنما أئمة أهل البيت أعطونا نمطين للصالة، أي إن الشارع قــال: لــديك فيــتي هذه الشروط والظروف نمط من الصالة، وهي هذه الصالة ال نصليها، أما إذا صرت في تلك الشروط فعليك بصــالة أخــرى غــير هذه الصالة. تلك ليست تقية عن هذه، بل هي صالة أخــرى، وأنت

وظيفتك أن تصلي تلك. على سبيل المثال: إن اإلنسان إذا كان مطمئنا يصلي صالة، أما إذا كــان خائفــا فمــا هي كيفيــة صــالته؟ صــالة الخــوف. صــالة الخوف بطبيعتها تختلف عن الصالة العادية؛ ألن الشــارع قــال: إذا كنت في ظروف عادية فصل هذه الصــالة، وإذا كنت في ظــروف الخوف فصل صالة أخرى، أي أعطاك نمطا آخــر وطريقــة أخــرى للصالة. أنا أعتقد أن الصالة هناك ليســت تقيــة عن هــذه الصــالة،ــبيت. ال، حتى إذا استطعت أن تخفيها فأنت تخفيها وتــذهب إلى ال الشــارع قــال لــك: أنت إذا كنت هنــاك فصــالتك تصــلى بهــذه

الطريقة.االجتهاد والتجديد: أي وجه آخر للصالة.

العالمة الحيــدري: نعم، وجــه آخــر للصــالة. وهــذه كــامال تختلــف عن النظريــة الموجــودة اآلن. ولــذا أنــا أعتقــد أن الســيد اإلمام الخميــني عنــدما أفــتى بأنــك إذا كنت في المســجد النبــوي فصل على )السجاد( فإنـه ال يريـد أن يقــول هـذا تقيــة، ال أبـدا، ال تقية محاباتية، وال تقية مداراتية، أبــدا ليســت تقيــة، وإنمــا وظيفــة المسلم ضمن هذه الظروف أن يصلي هــذه الطريقــة. وللتوضــيح



أكثر: اإلنسان إذا كان حاضرا في بلــده يصــلي صــالته تمامــا، وإذا كان مسافرا يصلي قصرا، فما هو هذا؟ الجــواب: الشــارع يقــول: أنت وظيفتك هنا كذا، ووظيفتك هناك كذا. هنا أيضا كــذلك. وهــذه ليست هنا فقط، وإنما في كثير من األحكام الشــرعية. أنــا أعتقــد أن القضية ليست قضــية تقيــة، وإنمــا هي قضــية تبــدل للظــروف والشروط، وتشخيص ذلك عائد إلى المرجع العارف بزمانه، حيث البد لــه أن يشــخص أن هــذا الظــرف يقتضــي الطريقــة األولى أو

الطريقة الثانية من الصالة. االجتهــاد والتجديــد: يعــني ليس المكلــف من يحــدد

الظرف؟ــدري: ــة الحي ــة؟العالم ــة أو مك ــدث في المدين ــاذا يح م

يسألني أحدهم فأقول: اشرح لي الظروف، يقول: الظــروف كــذا وكذا وكذا، أقول: إذا كان األمر كذلك فوظيفتك أن تصــلي هكــذا. ولذا نحن في مسألة الحج استفدنا من هذا األصل كثيرا؛ ألننا نجد أن القــائمين على أمــور الحج يقومــون بتنظيمــات إلدارة شــؤون الحج. فعلى ســبيل المثــال: لــو أنــه في زمن من األزمنــة جــاءتــون السلطات الخاصة وقالت: إن الصالة خلف مقام إبراهيم ال تكــا؟ الوظيفــة هي إال على بعد خمسين أو مئة متر، فما هي وظيفتن تلك، ال أن أتسلل بأي طريق كان، وأقف وســط الحجيج، وأخــرب طواف الناس؛ حتى أصلي. أنا أعتقد أنه حتى لو قال الشارع فإنه يقول ضمن شروط، وهذا الذي اصـطلحت عليـه بمســألة الزمـان والمكان، وأن الشــارع أعطى شــكال ونمطــا لألعمــال لكــل زمــان يختلف عن الزمان اآلخر، ولكل ظرف يختلف عن الظرف اآلخــر، ولكل شروط تختلف عن الشروط األخــرى. البــد أن نتعــرف على الشروط أوال حتى نقول: وظيفتك )أ(، وإذا تبدلت الشروط نقول:



وظيفتك )ب(.هذا أصل مهم أنتهجه في كثير من فتاواي.

االجتهــاد والتجديــد: ســماحة الســيد، دائمــا عنــدماــرى ــرد أن ن ــر بمج ــع الطــرف اآلخ ــوار م ــدخل في ح ن

اختالفا نقول: هناك تقية.ــان ال توجــدالعالمة الحيدري: ــير من األحي أساســا في كث

تقية؛ ألنه ال يوجد خوف. نحن اآلن بحمد الله نذهب إلى الحج، وال يوجد عندنا خوف، ولذا اضــطر بعض الفقهــاء القــائلين بالتقيــة أن يقولوا: إن هذه تقيــة محاباتيــة، تقيــة مداراتيــة. وال حاجــة لنــا إلى ذلك، بل أساســا قــال الشــارع لــك: أنت في هــذه الظــروف وفي هذه الشروط هذه وظيفتك، وفي شـروط أخــرى وظيفتـك شـيء

آخر، فال حاجة إلى عنوان التقية، وال إلى شيء آخر. هذا أصل.

دور الزمان والمكان في فهم تعارض النصوصه كثـيرا في كتـبي وفي أبحـاثي الفقهيـة وهناك أصل آخر أثبتــام ــان في فهم األحكـ ــان والمكـ ــأثير الزمـ ــو تـ ــولية، وهـ واألصـ

. فعندما آتي إلى حكم صدر من^والتشريعات الصادرة من األئمة اإلمام أمير المؤمنين، وأجد أنه صدر حكم يخالف ذلــك الحكم من

ســنة، فــإن علم أصــول200اإلمام الهادي، والفاصلة بينهم حدود الفقه المتعارف والمشهور عندنا يقــول: يقــع التعــارض بين النص الصادر عن أمير المؤمنين وبين النص الصادر عن اإلمــام الهــادي،ــوء إلى ــرفي أو اللج ــع الع ــد الجم ــتناد إلى قواع ــد من االس فالب

المرجحات السندية أو التساقط. أنا أقول: ال. في كثــير من األحيــان يكــون ذلــك الحكم الــذي صــدر من أمــير المؤمــنين قــد صــدر ضــمن الظــروف الــتي كــان



يعيشها أمير المؤمنين، فلو كان أمير المؤمنين في ظروف اإلمــام الهادي لصدر منه هــذا الحكم الــذي صــدر من اإلمــام الهــادي. إذا اإلمام الهادي صدر منه حكم ضمن هــذه الظــروف، واإلمــام أمــيرــأين ــك الظــروف، ف ــك الحكم ضــمن تل ــه ذل ــنين صــدر من المؤم التعــارض؟ نعم، أنــا علي أن أذهب ألتعــرف على الظــروف الــتيــروف كانت محيطة بأمير المؤمنين، حتى إذا كنت أعيش تلك الظــه علي بن أبي طــالب، وإذا عشــت أقــول: إن الحكم هــو مــا قال الظروف التي هي ظروف اإلمــام الهــادي أقــول: الحكم مــا قالــه

اإلمام الهادي. وهنا أضرب مثاال مهما جدا: نحن نجـد أن اإلمـام الحسـن لم يحــارب، ودخــل في هدنــة مــع معاويــة، واإلمــام الحســين حــاربــير متناقضــين؟ إذا واستشــهد. هــذان موقفــان متناقضــان أو غــا؛ ألن أحــدهما هــادن، دتهمــا عن ظروفهمــا تجــد بينهمــا تنافي جر واآلخر لم يهادن؛ أما إذا قرأتهما ضمن ظروفهما فال يوجــد بينهمــا تناف؛ ألن اإلمام الحسين لو كــان يعيش ظــروف اإلمــام الحســن لفعـل مـا فعلـه اإلمـام الحسـن، واإلمــام الحســن لـو كـان يعيش ظروف اإلمام الحسين لفعل ما فعله اإلمــام الحســين. إذا عنــدما تقرأ الحدث منعزال عن ظروفه فسوف يقع التضاد، أمــا إذا قرأتــه ضمن ظروفه فال يقع التضاد والتعارض. وأنــا أعتقــد أن كثــيرا من األمور التي قال العلماء: يوجــد فيهــا تعــارض، وكتبــوا هــذه الكتبــذه ــا؛ ألن ه ــارض بينه ــع ال تع ــارض، في الواق لة في التع ــ المفص صدرت في ظروف، وتلــك صــدرت في ظــروف أخــرى. ومن هنــاــراءة ــتي، أن ال يكتفي بق ــد أن يف ــذي يري ــه، وعلى ال على الفقي الرواية في )وسائل الشيعة(، البد أن يرجع ليقــرأ ظــروف صــدورــا اآلن الرواية في )وسائل الشيعة(. هذه نقطة أساســية. يعــني أن



أقرأ في وسائل الشيعة هــذه الروايــة عن اإلمــام الصــادق: يقــول خذوا الخمس، ونأتي إلى اإلمام الجواد يقــول: ال تأخــذوا الخمس، فتقول: هذا تعارض. وعلى المنهج المشهور يقولون: هــذا تعــارض أيضا، واحد يقول: خذوا الخمس، وواحد يقول: ال تأخــذوا الخمس. والجواب: ال؛ ألن اإلمام الصادق قال: خــذوا الخمس؛ ألن ظــروف الشيعة المادية كانت جيدة، فقال: خذوا منهم الخمس؛ أما اإلمام الجواد فصريح الروايات عنــه تقــول: إنهم كــانوا أصــيبوا بمصــائبدنــا كالم اإلمــام الصــادق وحكمــه وبضــيق مــالي. ولكن عنــدما جردنــا كالم اإلمــام الجــواد عن والبيــان الــذي بينــه عن ظروفــه، وجر ظروفه، قلنا: وقع بينهما تناف وتنــاقض، أمــا عنــدما قرأناهمــا في ظروفهما وجدنا أنه ال يوجـد ذلــك. وهـذا أصـل أعتمــده كثـيرا في

عملية االستنباط الفقهي. هذان أصالن أساسيان الســتنباط األحكــام الشــرعية، وحــتى

العقائد أنا أفهمها كذلك.ــق بــالرمي من الطوابــق ومن هنا أفتيت بالجواز في مــا يتعل

في الحج. وفي ما يتعلــق بتوســعة مــنى، وفي مــا يتعلــق بالــذبح: كلهــاــك في جــائزة؛ ألن هــذه يقتضــيها أمــر الحج أوال، كمــا ذكــرت ذل

منتخب مناسك الحج والعمرة. ومن فتاواي التي أؤكد عليهــا، أن اإلنســان إذا عــاش في أي مجتمع كــان، وكــانت هنــاك قــوانين لتنظيم الحيــاة االجتماعيــة، ال يجوز ألحد مخالفتها؛ ألن هذه القوانين كلهــا وضــعت لتنظيم حيــاة الناس، فال معنى أن ال تنسجم معها، وإال لو سمحنا لكل شخص ال ينســجم القــانون مــع متبنياتــه العقديــة أو الدينيــة أو الفكريــة أن يخالفها لصار المجتمع فوضى. ال تقل لي: هـذا القــانون وضـع من



فالن، وأنا لست مقلدا له، إذا أخالف قوانين المرور، فليس األمــر كذلك. فال تجوز المخالفة ليس فقط في دولة دينيـة، كالجمهوريـة اإلسالمية، بل في أية دولة أخرى. وهكــذا فتــاوى من هــذا القبيــل

كثيرة جدا.

األعمال الفقهية واألصولية للعالمة الحيدري االجتهاد والتجديد: السؤال األخــير ســماحة الســيد، يؤخذ عليكم عدم وجــود دراســات فقهيــة منشــورة لكم تتمتع بالبحث الفقهي االســتداللي، وكــذلك في مجــال علم أصــول الفقــه، والحــديث، والرجــال، وأمثــال هــذه

العلوم، ما السبب في ذلك؟ــه ليسالعالمة الحيدري: في ما يتعلــق ببعض الــذي ذكرت

األمر كــذلك. يعــني مــا صــدر لي في علم األصــول حــتى اآلن منالدراسات كثير .

ــدان: وفي ما يتعلق ببحوث الخارج فقد صدر حــتى اآلن مجل )القطــع(؛ و)الظن(، وكــذلك في مــا يتعلــق بــالكتب األصــولية

األخرى. وفي ما يتعلق باألبحاث الفقهية أشرت في المقدمة إلى أنــه ليس بالضرورة أن يكتب اإلنسان، وإنما البد أن يكــون لــه حضــور علمي في األبحاث الحوزوية. وأنا أتصــور أن األبحــاث الــتي قلتهــا في الفقه واألصول إن لم تكن أكــثر ممــا قالــه اآلخــرون فليســت بأقل مما قالوه. وعلى سبيل المثال: وصلت أبحــاث خــارج الفقــه

( درس حتى اآلن؛ وبلغت أبحاث خــارج األصــول700 ـ 600إلى ) 1000( درس. وقد بلغت أبحاث السطوح العالية )600إلى اآلن )

( درس، فقها وأصوال. أما لماذا لم تطبع؟ فهذا بحث آخر.1100ـ



ز؟ باعتبــار أنــا وجــدنا أن الحاجــة منصــبة على لمــاذا لم نرك البحث العقائدي، وعلى البحث التفسيري، وعلى البحث األخالقي، وعلى البحث الفلسفي، فلهذا وضعنا كــل اهتمامنــا في ذلــك؛ ألن حاجة الناس، وحاجة الحوزة اآلن، وحاجة المتخصصــين، في هــذه

المجاالت أكثر من تلك المجاالت. االجتهاد والتجديد: شكرا جزيال لكم ســماحة الســيد

على إتاحتكم هذه الفرصة للحوار مع هذه المجلة. ــدري: ــة الحي ــة،العالم ــذه الفرص ــة ه ــكرا لكم إلتاح وش

وجزاكم الله خيرا.


د. محمد رسول آهنكران / أ. مصطفى مسعوديان•

إجراء القوانين الجزائية في عصرالغيبة

دراسة في النظريات واألصول

*(*()د. محمد رسول آهنكران

*(*)أ. مصطفى مسعوديان

مقدمة يعتبر وجود النظام الجــزائي أمــرا ضــروريا في كــل مجتمــع؛

لمواجهة الظاهرة اإلجرامية ومنع حدوثها. وفي هــذا اإلطــار وضــعت الشــريعة المقدســة في اإلســالم السياسات الجزائية الخاصة للمجتمــع البشــري. ومن جملــة هــذهــل: السياسات إجراء العقوبات الحدية؛ لمواجهة بعض الجرائم، مث

الزنا، اللواط، السرقة، والمحاربة، و... نهاية كل شيء، والفصل بين الشــيئين،»والحد في اللغة هو

. وال يبعـــد هـــذا المعـــنى عن المعـــنى(296)«وجمعـــه الحـــدوداالصطالحي، وهو الجزاء الشرعي المعين.

ومن هنا قيل في تعريف الحــد: الحــد عقوبــة مقــدرة شــرعا.(297)لجريمة معينة

يتبين من خالل األدلة التي سوف نــذكرها فيمــا بعــد أن اللــه ^ واألئمــة المعصــومين|سبحانه وتعالى قــد فــوض النــبي األكــرم

عضو الهيئة العلمية في جامعة طهران )پرديس قم(.*( )*( طالب دراسات الماجستير في قسم فقه المباني الحقوقيــة )**(*

اإلسالمية في جامعة طهران )پرديس قم(. ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 238هـ1433م ـ 2012ربيع

إجراء القوانين الجزائية في عصر الغيبة، دراسة في النظريات واألصول•

والية إجراء هذه الحدود. إال أن من جملة األســئلة المطروحــة في المحافل العلمية الفقهية: هل يمكن إجراء هــذه الحــدود لمواجهــةــارة أخــرى: الســؤال هــذه الجــرائم في عصــر الغيبــة أم ال؟ وبعب األساسي الذي نبحث عن إجابة علميـة لــه هــو: هــل يجـوز إجـراء الحدود في زمن غيبة اإلمام المعصوم أم ال؟ وإذا كان جــائزا فمن

هو الشخص المكلف بإجراء هذه الحدود؟ ويمكن تقســيم مجمــل اآلراء الــتي ذكرهــا الفقهــاء في هــذا المجال ـ طبقا للمباني المختلفة ـ إلى ثالثــة: ذهبت مجموعــة منــل؛ الفقهاء إلى جواز إجراء الحدود؛ في حين قال آخــرون بالتعطي أمــا الطائفــة الثالثــة فقــالت بــالتوقف في الحكم. وســوف نقــوم بطرح الــرأي الصــحيح في هــذه المســألة من خالل دراســة اآلراءرات الحادث في المذكورة، والمباني، مع األخذ بنظر االعتبار التغي

النظام الجزائي.

أدلة القائلين بجواز إقامة الحدود تمسك هــؤالء الفقهــاء غالبــا بمبنــيين: عقلي؛ ونقلي؛ إلثبــات

مدعاهم، وهما:

أـ األدلة العقلية من أهم األهــداف الــتي يتوخاهــا اإلســالم في إقامــة الحــدودــاد ــوع الفس ــة دون وق ــو الحيلول ــة ه ــات الجزائي ــريع العقوب وتش

والفسوق والفجور، وانتشارها في المجتمع. وقد التفت هؤالء إلى هدف الشــارع المقــدس والحكمــة من التشريع، وأن تقييد إجراء الحدود بزمن خاص ـــ أي زمــان حضــور اإلمام المعصوم مثال ـ ينافي ذلك الهدف، فالحكمة الــتي اقتضــتــام ــة اإلم ــدود في زمن غيب ــراء الح ــي إج ــدود تقتض ــريع الح تش

أيضا.×المعصوم ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

239هـ1433م ـ 2012


...وبــأن تعطيــل»وفي هذا السياق يقــول صــاحب الجــواهر: الحــدود يفضــي إلى ارتكــاب المحــارم، وانتشــار المفاســد، وذلــك مطلوب الترك في نظر الشارع؛ وبأن المقتضى إلقامة الحد قائم في صــورتي حضــور اإلمــام وغيبتــه، وليســت الحكمــة عائــدة إلى مقيمـــه قطعـــا، فتكـــون عائـــدة إلى مســـتحقه أو إلى نـــوع من

.(298)«المكلفين، وعلى التقديرين البد من إقامته مطلقا... ومن الفقهاء الذي ذكــروا هــذا المبــنى؛ إلثبــات جــواز إقامــة

،(300)، فخــر المحققين(299)الحدود في عصر الغيبة: العالمــة الحلي.(302)، السيد الخوئي(301)الشهيد الثاني

ب ـ األدلة النقلية ـ إطالق األدلة1

إن القائلين بجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة يعتقدون أند ــات مطلقــة، ولم تقي األوامر الشرعية الواردة في اآليات والرواي بأي قيد ـ أعم من أن يكون القيــد زمانيــا أو مكانيــا ـــ، ولــذلك فال يمكن أن يقال؛ إن إجــراء هــذه األوامــر مختصــة بمكــان خــاص أو زمان خاص، كزمان حضـور اإلمـام المعصـوم مثال. ومن هنـا قـال السيد الخوئي: »إن أدلة الحــدود ـــ كتابــا وســنة ـــ مطلقــة، وغــير

ــه ســبحانه: ــدة بزمــان دون زمــان؛ لقول اني﴿مقي انية والــز الزنهمــا مئة جلــدة د م (، وقولــه2 )النــور: ﴾فاجلــدوا كــل واحــ

ــديهما﴿تعالى: ارقة فــاقطعوا أي ارق والس ــدة:﴾ والس )المائ (. وهذه األدلة تدل على أنه البــد من إقامــة الحــدود، ولكنهــا ال38

.(303)تذكر شخصية المتصدي إلقامتها...« ومن الفقهاء اآلخرين الذين استندوا إلى إطالق األدلة لجــواز

،(304)إقامة الحدود في عصر الغيبة يمكن أن نذكر صاحب الجواهر.(305)والفيض الكاشاني

ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 240هـ1433م ـ 2012ربيع


يتبـــادر إلى الـــذهن ألول وهلـــة؛ من خالل مالحظـــة بعض الكلمات: )فاجلدوا( و)فــاقطعوا(، أن وظيفــة إجــراء الحــدود يقــع

على عاتق جميع المسلمين.د ببعض األدلــة في ولكن الظـاهر إن إطالق هـذه اآليــات مقيــول: مقام إجراء الحدود. ومن هنا فال يصح التمسك باإلطالق، فنق بما أن العبارة )فاقطعوا( أو )فاجلدوا( مطلق فــإن تنفيــذ وإجــراء الحدود يقع على عاتق جميع المسلمين؛ ألن العمل باإلطالق إنمــاــدت هــذه األدلــة يصح فيما إذا لم يرد دليــل على التقييــد. وقــد قي ببعض الروايــات، مثــل: روايــة حفص بن غيــاث، قــال: ســألت أبــا

قلت: من يقيم الحــدود الســلطان أو القاضــي؟ فقــال:×عبداللهــه الحكم ــدود إلى من إلي ــة الح ــوم(306)إقام ــإن عم ــا ف . ومن هن

ــذه ــا له المســلمين ال يســتطيعون إقامــة الحــدود الشــرعية طبق الرواية، بل يختص بمن كان الحكم بيــده فقــط. ومن جهــة أخــرى إذا كان جميع المسلمين مكلفين بــإجراء الحــدود فــإن هــذا يــؤدي

إلى اختالل النظام، وشيوع الهرج والمرج في المجتمع.ــا هــو: من هم هــؤالء ــذهن هن ــادر إلى ال والســؤال الــذي يتب

. ومــع«من إليــه الحكم»األشخاص الــذين أشــارت إليهم العبــارة ﴿مالحظــة بعض األدلــة، من قبيــل اآليــة: ا الذين آمنــوا يــا أيهــ

ول وأولي األمــر منكم ســ ﴾أطيعــوا اللــه وأطيعــوا الرــاء: ــة: 59)النس وله والذين﴿(، واآلي ــه ورســ إنمــا وليكم الل

ـاة وهم ــ ك ــون الز الة ويؤتـ ــ ــون الصـ ــوا الذين يقيمـ آمنـــدة: ﴾راكعــون ــبي األكــرم55 )المائ ــة الن ــة ووالي |(، تثبت حاكمي

في إجراء األحكام اإللهية، وخصوصا الحدود^واألئمة المعصومينب األئمة بعض األفــراد في منــاطق مختلفــة؛^الشرعية. وقد نصــ

للقضاء وإجراء الحدود الشرعية. وفي الحقيقة فإن المقصــود من



ــذكورة هم ــة الم ــه الحكم« في الرواي ــابقة »من إلي ــارة الس العب خاصة. ولكن السؤال المهم المطروح^المنصبون من قبل األئمة

من إليــه الحكم«؟ وبعبــارة»هنا هو: من هــو المقصــود بالعبــارة: ــف بــإجراء األحكــام اإللهيــة في عصــر غيبــة أخرى: من هــو المكل

، ومن جملتهــا الحــدود الشــرعية؟ يمكن القـول^اإلمام المعصوم إجمــاال: إن المكلف بهــذه الوظيــف هــو الفقيــه الجــامع لشــرائط اإلفتاء، عند القــائلين بجــواز إقامــة الحــدود. ومن هــذا المنطــق ال يوجد لدينا دليل لتعطيل إجراء الحدود اإللهية بســبب الغيبــة. ومن

في رواية حفص هو«هنا فإن المقصود بالعبارة: »من إليه الحكمالفقيه الجامع لشرائط اإلفتاء، وذلك في زمان الغيبة.

ـ الروايات2ــومين ــل المعص ــددة من قب ــات متع ــاب^وردت رواي في ب

)الحدود(، إال أن الروايات التي استدل بها القــائلون إلثبــات جــواز إقامة الحدود قليلة. وقبل التعرض لتلــك الروايــات من الضــروري أن نذكر أن هدف الفقهاء من االستدالل بهذه الروايات هو اإلجابةــدود عن سؤال تعرضنا له سابقا، وهو: من هو المكلف بإجراء الح

ــة اإلمــام المعصــوم ؟ فالقــائلون بجــواز×الشــرعية في زمن غيب إقامة الحدود في عصر الغيبــة من قبــل الفقيــه الجــامع لشــرائط الفتوى يستندون إلى هــذه الروايــات. ومن جملـة هـؤالء الفقهــاء:

،(309)، وكاشـــف الغطـــاء(308)، والعالمـــة الحلي(307)الشـــيخ المفيد.(310)والشهيد األول

ومن هذه الروايات:

أـ مقبولة عمر بن حنظلة محمــد بن يحــيى، عن محمــد بن الحســين، عن محمــد بن»



عيسى، عن صفوان بن يحــيى، عن داوود بن الحســين، عن عمــر عن رجلين من أصــحابنا،×بن حنظلــة، قــال: ســألت أباعبدالله

بينهمــا منازعــة في دين أو مــيراث، فتحاكمــا إلى الســلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما حتا، وإن كــا حقــا تحاكم إلى طاغوت، وما يحكم له فإنما يأخــذ ســ ثابتا له؛ ألنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به، قال

ــالى: ــه تع د﴿الل ــ اكموا إلى الطاغوت وق ــ ــدون أن يتح يريروا بــه (، قلت: فكيــف يصــنعان؟60 )النســاء: ﴾أمروا أن يكفــ

قال: ينظران إلى من كان منكم، ممن قد روى حديثنا، ونظــر في حاللنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما؛ فإني قد جعلته

.(311)عليكم حاكما...«

داللة الحديث بقرينة كلمة )الطاغوت(، الذي منــع المســلمون من الرجــوع

الفقهاء بدال عنهم. فاألعمــال الحكوميــة الــتي×إليه، نصب اإلمام كان يقوم بها الطاغوت البد أن تجرى عن طريق الفقهاء العدول،ــا ــة إمــا أن يتصــدوا له وموضــوع القضــاء وإجــراء األحكــام اإللهي مباشرة أو بواســطة قضــاة منصــوبين من قبلهم. والشــاهد اآلخــر هي الجملة التي ذكرها اإلمام كتعليل إلرجاع النــاس إلى الفقهــاء، فعلى الرغم من أن السائل قد سأل عن التنازع في مسألة الدين أو الميراث، إال أن اإلمام قــال: فــإني قــد جعلتــه عليكم حاكمــا... ومن البديهي إن كلمة )الحاكم( استعملت هنا بمعــنى )القاضــي(،

.(312)وأن أحد شؤون القاضي هو إجراء األحكام الصادرة

ب ـ رواية إسحاق بن يعقوب »عن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقــوب، قــال: ســألت



محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابــا قــد ســألت فيــه عن :#مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط موالنا صاحب الزمــان

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي.(313)عليكم، وأنا حجة الله...«

داللة الحديث في«الحوادث»يرى الشيخ األنصاري أن المقصود من كلمة

ــا أو هذه الرواية هو )مطلق األمور التي البد من الرجوع فيها عرف . ولذلك فإنها تشمل بيان األحكــام(314)عقال أو شرعا إلى الرئيس(

الشرعية، والتحقيق في الشكاوى، والتصدي لألمور االجتماعية. وكذلك يحتمل احتماال كبيرا أن المراد بـ )الحوادث( في هذه الرواية هي المسائل الشرعية، والمشــاكل الــتي تحصــل للنــاس، ولذلك سوف يختص إرجاع األمــر إلى الفقهــاء عن طريــق اإلمــام بالمسائل والمشــاكل الشــرعية، طبقــا لهــذا االحتمــال. أمــا أمــورــل ــاء من قب التصدي لألحكام اإللهية الوالئية فلم تفوض إلى الفقه

.×اإلمامــدا أن المقصــود وقد رد الشيخ األنصاري هذا االحتمال، معتق من الحوادث في هذه الرواية هو إرجاع النــاس إلى رواة الحــديث في األمــور االجتماعيــة والحكوميــة، ال المســائل الشــرعية في

أرجع النــاس إلى الفقهــاء في×ألن اإلمامأوال: الحالل والحرام؛ أصل الحـوادث، ال في حكمهــا، فـإذا كــان اإلمــام قـد قـال: يرجــع الناس إلى الفقهاء في )أحكام الحــوادث( يمكن حينئــذ أن نقــول:

ــرام،#إن الفقهاء حجة وخليفة إمام الزمان في بيان الحالل والح ال في األمور السياسية واالجتماعية، ولكن الناس قــد أرجعــوا في

ــارة. ــة:ثانيا: نفس الحوادث في هذه العب ــه يســتفاد من جمل ألن )فإنهم حجتي عليكم( أن عمل الفقهاء المنصوبين من قبل اإلمام

هي مســألة اإلمامــة وأمــور االجتمــاع؛ ألنــه إذا كــان×المعصــوم ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 244هـ1433م ـ 2012ربيع


الفقهــاء منصــوبين لبيــان األحكــام اإللهيــة فقــط لكــان المناســب حجــة×التعبير بـ )فإنهم حجج الله(، ال )حجــتي(، فكمــا أن اإلمــام

نا لألحكام اإللهيـة، فالفقهـاء هم حجج اللـه أيضـا الله؛ باعتباره مبي من هذه الجهة، ال حجة إمام الزمان، وحينئــذ يكونــون حجــة إمــام الزمان، والبد أن يتصدى لقضايا المجتمع إذا كان حاضرا، وبما أنهــاء في مســائل الحالل ــور إلى الفقه ــك األم ــول تل ــد ح ــائب فق غ

والحرام. وبيان األحكــام من المســائل الشــائعة بين المســلمين، ومن المؤكد أن مثــل هــذه المســائل الواضــحة ال يمكن أن تخفى على شخص مثل: إسـحق بن يعقــوب، بحيث تسـتوجب منـه أن يســأل

اإلمام إلى من يرجع المسلمون في مسائلهم الشرعية.ــة ال ــة والمصــالح العام ــور االجتماعي إال أن الرجــوع في األم تحظى بذلك الوضوح؛ ألنها ربمــا أوكلت إلى شــخص أو أشــخاص، كما هو الحال في زمان الغيبة الصغرى. ومن هنا فإن كــل ســؤال في هذا المجال كان في محلــه، واإلمــام في معــرض اإلجابــة قــد

.(315)حول األمور العامة للمسلمين إلى الفقهاء أيضا

ـ رواية حفص بن غياثجــد الله»عن ــا عب : من يقيم×حفص بن غياث، قال: سألت أب

ــه الحدود، السلطان أو القاضي؟ فقال: إقامة الحــدود إلى من إلي.(316)«الحكم

استنبط السيد الخوئي ـــ كغــيره من الفقهــاء ـــ جــواز إقامــة : فإنها&الحدود في عصر الغيبة باالستفادة من هذه الرواية. يقول

ــة هم ــه الحكم في زمــان الغيب بضــميمة مــا دل على أن من إلي.(317)الفقهاء دلت على أن إقامة الحدود إليهم ووظيفتهم


د. محمد رسول آهنكران / أ. مصطفى مسعوديان•مناقشة مستندات القائلين بالجواز

ــة ــة من جه ــر بن حنظل ــة عم ــكل على بعض رواة مقبول أش السند. فعلى سبيل المثال: ضعف الشــيخ الطوســي في )رجالــه(ــذه ــناد ه ــلة أس ــوارد في سلس ــى ال ــد بن عيس ــه محم ــا يروي م

ــد جــبر بعمــل صــحابة(318)الرواية ــة ق . إال أن ضــعف هــذه الرواي . ومن هنا أصبحت موضع قبول األصــحاب، فاشــتهرت(319)^األئمة

بهــذا االســم )مقبولــة(. ومن هنــا يمكن االســتدالل بهــذه الروايــةللقول بجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة.

أما )التوقيع الشريف( فقد شــكك أحــد الفقهــاء المعاصــرين في داللته قائال: وأما التوقيع فلعدم معلومية المراد من الحوادث؛ الحتمال كون الالم للعهد في كالم السائل، وهو إشــارة إلى نفســإن الحوادث المذكورة في الرسالة، ولعدم علمنا بهذه الحوادث ف

ــذا(320)التمسك بهذه الرواية إلثبات المدعى غير مفيد . ونرى أن هــة( هي ــوادث الواقع ــير وارد؛ ألن المقصــود من )الح ــال غ االحتم

الوقائع االجتماعية التي تحصل للناس والمسلمين. ومن جهــة أخــرى فــإن الســائل لم يســأل اإلمــام في حادثــة خاصة، بل عن مطلق الحوادث، فإجابة اإلمــام بــالرجوع إلى رواة

. ومن هنـــا فـــاأللف والالم(321)أحاديثنـــا )الفقهـــاء( بصـــورة عامةــع الموجودة في )الحوادث الواقعة( هي لالستغراق، وشاملة لجمي

الحوادث والمشاكل االجتماعية. ومن هــذا المنطلــق يمكن القــول بــأن هــذه الروايــة تــدل ـ وبصورة واضحة ـ على جواز إقامة الحدود من قبل الفقيه الجـامع

للشرائط. يــرى الســيد أحمــد الخوانســاري أن روايــة حفص بن غيــاث تواجه إشكاال دالليا؛ ألن الوارد في الروايــة المــذكورة هــو اإلجابــة



عن ســـؤال يقـــول: من هـــو الـــذي يقيم الحـــدود، الســـلطان أمــا ال القاضي؟ فجاء الرد: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم. من هن يمكن أن نســتنتج فيهــا أن القاضــي يجــوز لــه إقامــة الحــدود؛ ألن

.(322)القاضي له الحكم من طرف المعصوم، وال يقال: إليه الحكم والمقصود من اإلشكال الوارد على داللة هــذا الحــديث ليس واضحا. والظاهر أن المقصود من )إليــه الحكم(، مــع األخــذ بنظــر االعتبــار األدلــة المــذكورة في عصــر الغيبــة، هــو الفقيــه الجــامع للشرائط، والمفوض إلدارة المجتمع اإلسالمي. والفقيــه في زمن

، إال إذا دل^ واألئمة|غيبة اإلمام المعصوم له جميع وظائف النبي دليــل خــاص على اســتثناء بعض الشــؤون الــتي تختص بــالنبي أو اإلمام؛ ألن الفقيه هو النائب العــام للمعصــوم، والزم ذلــك أن لــه حق التدخل في جميع ما ينوب به، وبما أن أحد شــؤون الحكومــة، بل من أهمها، إجراء األحكام اإللهية في المجتمع فالفقيــه الجــامع

للشرائط موظف بإجراء األحكام والحدود الشرعية. ومع ضم هذه الرواية إلى الروايات األخــرى الــتي تــدل على أن إجراء األحكام اإللهية في زمن الغيبة هي بيد الفقهاء يمكن أن نستنتج أن الفقيه الجامع للشرائط يمكنه إقامة الحــدود الشــرعية

في زمن الغيبة.

أدلة القائلين بتعطيل الحدود إلى هنا تناولنا بحث ودراسة المجموعة األولى القائلة بجــواز إجراء الحدود في عصر الغيبـة، ومبـانيهم العقليـة والنقليـة. إال أن هناك طائفة أخرى من الفقهاء لم تجز إجــراء الحــدود اإللهيــة في عصر غيبة اإلمــام المعصــوم؛ ألن ذلــك يختص باإلمــام المعصــوم.ــرائر(، حيث ومن جملة هؤالء الفقهاء: ابن إدريس في كتاب )الس



يقول: »وأما إقامة الحدود فليس يجوز ألحد إقامتها، إال لســلطانــام به اإلم ــ ــالى، أو من نص ــه تع ــل الل ــوب من قب ــان المنص الزم

.(323)إلقامتها...« ومن الفقهاء المتقدمين الذين ذهبوا إلى هذا الرأي أيضا ابن

، والمحقق الحلي في كتاب )الشرائع(، الذي قال بأنه ال(324)زهرة يجــوز إقامــة الحــدود في زمن حضــور اإلمــام إال لــه، أو للشــخص المنصب من قبله، وفي تتمة الحديث نســب القــول بجــواز إقامــة الحدود في زمن الغيبة إلى جماعة، دون ذكر االسم، قائال: وقيــل:

. ومن(325)يجوز للفقهــاء العــارفين إقامــة الحــدود في حــال الغيبة خالل التعبير )قيــل(، وعــدم ذكــر القائــل، إضــافة إلى مخالفتــه أو

على األقل ترديده، يتضح أنه يرى أن القول بالجواز شاذ ونادر. ومن الفقهــاء اآلخــرين الــذين ذهبــوا إلى أن إقامــة الحــدودــدود في زمن ــل الح ــائلين بتعطي ــوم، والق ــام المعص مختص باإلم الغيبة، الســيد أحمــد الخوانســاري، حيث يقــول في كتــاب )جــامعــافع(، ــر الن ــاب )المختص ــوجز على كت ــرح م ــو ش ــدارك(، وه المد ما ذكر بأن تعطيل الحدود يفضــي إلى للمحقق الحلي: »وقد يؤي ارتكــاب المحــارم، وانتشــار المفاســد، وذلــك مبغــوض في نظــر الشارع، وبــأن المقتضــي إلقامــة الحــد قــائم في صــورتي حضــور

وغيبته، وليست الحكمة عائدة إلى مقيمه قطعــا، فتكــون×اإلمام عائدة إلى مستحقه أو إلى النــوع من المكلفين، وعلى التقــديرين البد من إقامته مطلقا. ويمكن أن يقال: الزم ما ذكر وجوب إقامة الحدود في كل عصر من دون حاجة إلى نصــب المعصــوم، فقبــل صدور المقبولة والمشهورة وصدور التوقيع الشريف كـانت إقامــة الحدود الزمة، من دون حاجة إلى اإلذن، بل الالزم تصــدي عــدول المؤمنين، بل فساقهم، مع عدم التمكن للمجتهدين، كما يقال في



حفظ مال القصر والغيب. وهذا كما ترى، فال يبعــد أن يكــون هــذا األمــر أيضــا من األمــور المخصوصــة بالمعصــومين صــلوات اللــهــار، عليهم، أو المنصوبين بالخصوص من قبلهم، كالجهــاد مــع الكف

.(326)غير المجوز لغيرهم وغير المنصوبين من قبلهم«ــل وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه على فرض القول بالتعطي البد من تبديل الحد بالتعزير، بمعــنى أن الحكومــة تــراعي مســألة

.(327)الزمان والمكان والشخص، فتقوم بتعزير المذنب

المناقشة تمسك القائلون بتعطيل الحدود باإلجمــاع. فقــد ذهب الســيدــول ــو ق ــدود ه ــل الح ــول بتعطي ــاري إلى أن الق ــد الخوانس أحم المشهور، بل إنه اعتبر أن هذا القول هو قول مشهور الفقهاء. بلــألة. ــذه المس ــاع في ه ــد ادعى اإلجم ــاء ق ــال: إن بعض الفقه ق

. وقــد ظهــر في(328)والظاهر أن المراد هو ابن إدريس وابن زهرة ذكر الفقهاء القــائلين بــالجواز أن مشــهور الفقهــاء قــد ذهبـوا إلى جواز إقامة الحدود، ال تعطيلهـا، وهــذا مــا ذكــره صـاحب الجــواهر قائال: إن كالم ابن زهرة وابن إدريس ال يظهــر منــه عــدم الجــواز،

.(329)بل إن قولهم موافق لإلجماع على جواز إقامة الحدود والذي نــراه أنــه ال يمكن اســتنباط اختصــاص إجــراء الحــدود

باإلمام من ظاهر كالم ابن زهرة؛ لسببين: ـــ إن إجــراء الحــدود في رأي الفقهــاء هــو وظيفــة اإلمــام1

ب من قبلــه. وكمــا ثبت ســابقا فــإن المعصوم أو الشخص المنصــــة ــواب األئم ــة هم ن ــرائط في زمن الغيب ــامعين للش ــاء الج الفقه

، ومــأذونون من قبلهم في إجــراء األحكــام اإللهيــة.^المعصــومين ومن هنــا فال يفهم من كالم هــؤالء الفقهــاء هــذا عــدم االختصــاص



فقــط، بــل إن كالمهم يؤيــد القــول بجــواز إقامــة الحــدود عن طريقهم؛ باعتبارهم نواب اإلمام المعصوم، في عصر الغيبة أيضا.

ـــ ذهب ابن إدريس ـــ وبصــورة واضــحة ـــ إلى أن وظيفــة2 الحكم والقضاء بين الناس في زمن الغيبة هي بيد الفقيــه الجــامع

ــاء(330)للشرائط . ومن البديهي أن من يقبل بمنصب القضاء واإلفتــا؛ لتالزم في زمن الغيبة سوف يقبل بمنصب اإلجراء والتنفيذ أيض القضاء مع اإلجراء؛ ألن القضــاء وحكم القاضــي كفتــوى المجتهــد، ليس من جهة بيان الحكم فقــط، بــل إن حكم القاضــي يــراد منــه

فصل االختالف، وهذا ال يتيسر بدون القوة اإلجرائية والتنفيذية.ــر بـــ )قيــل( عن أما المحقق الحلي فعلى الــرغم من أنــه عب جواز إقامة الحدود عن طريق الفقهاء في كتاب )الشرائع(، إال أن رأيه في تفويض أمر الحكم والقضــاء للفقهــاء جــامعي الـــشرائط يمكن أن نستنتج منــه أن المحقق يقبــل بــإجراء الحــدود من قبــل الفقهاء في عصر الغيبة إلى حد ما؛ للسبب الــذي ذكرنــاه ســابقا،ــة وهو أن من يقبل بمنصب الفتوى والقضاء للفقيه في زمن الغيب عليه أن يسلم بمنصب التنفيذ للفقيه أيضــا؛ وذلــك من بــاب تالزم مسألة القضاء مـع التنفيـذ؛ ألن القضـاء بـدون تنفيـذ ال ثمـرة لـه.ــه من القــائلين بجــواز إقامــة الحــدود ومن هنا فالحق أن نقول: إن

من قبل الفقيه الجامع للشرائط. أما ما ذهب إليه السيد الخوانســاري فال يخلــو من نقــد؛ ألنــه وإن كانت أدلة إقامة الحدود مطلقة، ولم تقيد بزمن خاص، ولكن كما قلنا سابقا فـإن عامــة المســلمين ال يمكن أن يكونـوا مكلفين بإقامة الحــدود؛ ألن مثــل هــذه األمــور تــؤدي إلى اختالل النظــام،

وشيوع الهرج والمرج.د بوجــود ــة الحــدود مقي ومن هــذا المنطلــق فــإن إطالق أدل



المنفذ الصالح، وهو ـ كما قلنا ـ الفقيه الجامع للشرائط في عصرالغيبة.

ومن هنـــا ال يمكن القـــول: إن أدلـــة الحـــدود غـــير نـــاظرةلشخصية القائمين بالتنفيذ؛ باعتبارها أدلة مطلقة.

ــ على فــرض القــول ــالتعزير ـ ــديل الحــدود ب أمــا القــول بتبــة من بتعطيل الحدود ـ فال يخلو من إشكال أيضا؛ ألن هذه الطائف الفقهاء ترى أن الحدود مختصة باإلمام فقط، أما إقامة التعزيرات فإنها فاقدة لهذا الشرط. ثم إن إقامــة الحــدود والتعزيــرات ليســذا ــاإلجراء. ومن هـ ــائم بـ ــاوت من حيث المنفذ والقـ ــا تفـ بينهمـ المنطلق فإذا قلنا: إن الفقهاء ال يمكنهم إجراء الحــدود في عصــرــه ال يمكنهم إجــراء التعزيــرات أيضــا. ــد أن نقــول: إن ــة فال ب الغيبــون والحقيقة أن سلب صالحية الفقيه في إجراء الحدود سوف يك

في نهاية األمر سلبا لصالحيته في إجراء التعزير أيضا.

اتجاه التوقف في المسألةــدم اختار بعض الفقهاء القول بالتوقف في مسألة جواز أو ع جواز إقامة الحدود في عصــر الغيبــة. ومن هــؤالء: العالمــة الحلي في كتاب )منتهى المطلب(، فقد قال: ضمن نقل رواية حفص بن

: جــزم الشــيخ الطوســي والمفيــد في×غياث عن اإلمام الصــادق العمل بهذه الرواية، فحكما بإقامة الحدود، ثم قال: »وعنــدي في

.(331)ذلك التوقف« قال المقدس األردبيلي في بيــان وجــه توقف العالمــة: ربمــا يكون وجه التوقف هو عدم صـحة الروايـة، أو ربمـا يكـون المــرادــوم، أو من عبارة: »من إليه الحكم« في الرواية هو اإلمام المعص

.(332) تقية×أن الحديث صدر عن اإلمام



ومن الفقهــاء المعاصــرين يمكن ذكــر المــيرزا القمي، الــذيــد في زمن ــق المجته ــدود عن طري ــراء الح ــواز إج ــف في ج توق

.(333)الغيبة، وجوز التعزير فقطــه القطعي في هــذه ن رأي إن الظاهر أن العالمة الحلي قد بي

، ومختلــف(334)المســألة في ســائر آثــاره، ومنهــا: قواعــد األحكــام . وبما أنــه قــد اختــار القــول بجــواز إقامــة الحــدود في(335)الشيعة

عصر الغيبة عن طريق الفقهاء في هــذين الكتــابين البــد أن نعــدهــيرزا ــدود. ويفهم من رأي الم ــة الح ــواز إقام ــذاهبين إلى ج من ال القمي أن الحــدود يختص إجراؤهــا باإلمــام المعصــوم فقــط، أمــاــي التعزيرات فهي فاقدة لمثل هذا الشرط، مع أن الشيخ الطوس

.(336)يقول: »التعزير إلى اإلمام بال خالف«ــراء ــه في إج ــالحية الفقي ــإن نفي ص ــق ف ــذا المنطل ومن ه الحــدود ســوف يــؤدي في نهايــة المطــاف إلى نفي صــالحيته في إجــراء التعزيــرات أيضــا، مــع أن االختالف بين الحــد والتعزيــر أنــاني فموكــول األول له حد وميزان معين من قبل الشارع، أمــا الث إلى اختيار الحاكم اإلسالمي. وطبقا لرأي مشهور الفقهاء فإن كل ما له جزاء معين فهــو حــد، وكــل جــزاء ليس لــه تعــيين من قبــل

.(337)الشارع فهو تعزير ومن هنا ـ وكما يقول صاحب الجواهر ـــ ال وجــه للتوقف في

.(338)مسألة إقامة الحدود مع وجود األدلة العقلية والنقلية إلى هنا يتضح أن الحكم األولي في هذا الموضــوع هــو جــواز إجـــراء الحـــدود في زمـــان الغيبـــة عن طريـــق الفقيـــه الجـــامع للشــرائط، أمــا إذا أدت إقامــة الحــدود بكيفيــة خاصــة في برهــة زمانية معينــة إلى نفــور النــاس من اإلســالم وأحكامــه، وتضــعيف أســاس الــدين، فالظــاهر أن الحــاكم اإلســالمي يمكنــه حينئــذ أن



ــة يعطل إجراء تلك الحدود بصورة مؤقتة، ريثما تتهيأ األفكار العام ×لقبولها ومعرفة علة وضعها. وقــد وردت روايــة عن اإلمــام علي

في هذا المجال، حيث قال: »ال أقيم على رجل حدا بــأرض العــدوــة فيلحــق بالعــدو« .(339)حتى يخرج منها؛ مخافــة أن تحملــه الحمي

ويفهم من هذه الرواية أنه إذا تعارض إجراء الحدود مــع المصــالح العليا لإلسالم فالبد من ترجيح األهم، وهو حفظ مصــالح اإلســالم، على المهم، وهو إقامــة الحــد. يقــول الفاضــل المقــداد في كتــاب

ة من﴿)كنز العرفان(، في ذيل اآلية: وليشهد عــذابهما طائفــ (: إن العلة في تقييــد )الطائفــة( بــالمؤمنين2 )النور: ﴾المؤمنين

أنه ربما يكون مشاهدة إجراء الحد من قبل الكفار مانعــا لهم منــد إقامــة الحــد بــأرض العــدو غــير مرغــوب اإلســالم. ومن هنــا ع

.(340)فيهد أن التعطيل المؤقت للحد ال يعني رفع القــانون ومن المؤكــد واألحكام اإللهية، بل هو توقف في كيفية إجرائه، وأن الحاكم الب

أن يستبدل الحد بعقوبة أخرى. ويمكن اإلشارة إلى أن من الفقهاء المعاصرين الــذين ذهبـوا

.(342)، والشيخ صانعي(341)إلى هذا الرأي: الشيخ منتظري

النتيجة من خالل دراســـة ومناقشـــة اآلراء المختلفـــة للفقهـــاء فيــائج ــة يمكن الخــروج بالنت مســألة إجــراء الحــدود في عصــر الغيب

التالية:ــة1 ــواز إقام ــو ج ــوع ه ــذا الموض ــ إن الحكم األولي في ه ـ

الحدود في عصر الغيبة من قبل الفقيه الجامع لشرائط الفتوى.ــه2 ـ ال يحظى القول بتعطيل الحدود في عصر الغيبة، وإبدال



ــة ــو مخــالف لألدل ــل ه ــنى منطقي أو علمي، ب ــأي مب ــالتعزير، ب بوالموازين الفقهية والحقوقية.

ـ ال وجه للتوقف في حكم إقامــة الحـدود في عصــر الغيبـة3مع وجود األدلة العقلية والنقلية في هذه المسألة.

ـ إذا أدت إقامة الحدود في برهة زمانية وبكيفية خاصة إلى4 نفور الناس من اإلسالم وأحكامه، ومن ثم تضعيف أساس الــدين، فيمكن حينئذ للحــاكم الشــرعي أن يعطــل ذلــك الحــد مؤقتــا، من بــاب العنــوان الثــانوي، إلى أن يحين الــوقت المناســب، من خالل

تهيئة أفكار الناس لقبول مثل هذه األحكام.

الهوامش

الضرائب اإلسالمية ودورها في الحدمن الفقر

)*()*(د. الشيخ حسن آقا نظريمقدمة

يعتبر توازن الدخل في نظرة عامة المكانة المناسبة لتوزيــعــثروة والفــرص بين أفــراد جماعــات المجتمــع. ومن ــدخل أو ال ال

.(343)الواضح أن مفهوم المكانة المناسبة يختلــف بــاختالف الــرؤى أستاذ في الحوزة والجامعة، وعضو الهيئة العلمية لمركز)*( )*(

بحوث الحوزة والجامعة، متخصص في االقتصاد اإلسالمي، منإيران. ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 254هـ1433م ـ 2012ربيع


إال أن أغلب النظريـــات تســـعى إلى رفـــع المســـتوى المعيشـــي للطبقات الفقيرة من خالل نفقــات الطبقــات المرفهــة في توزيــع

الدخل والثروة. ــة عن ــديم صــورة عملي ــة لتق ــا تســعى هــذه المقال ومن هن التعاليم اإلسالمية إلى حــد مــا في مــا يرتبــط بتوزيــع الــدخل، من دون التوجه إلى األسس الفلســفية للعدالــة؛ ليتضــح بــذلك مكانــة

النظام الضريبي اإلسالمي في إيجاد توازن الدخل.

ـ أسس توزيع الدخل1ــالم ــثروة في اإلس ــدخل وال ــع ال ــس توزي يمكن تلخيص أس

بصورة عامة بالشكل التالي: أـ المبادلة وسيلة إيجاد الدخل والثروة.

ب ـ الحاجة.

ـ المبادلة 1ـ1 وفقا ألصل المبادلة فإن كل شخص يتقاضــى بمقــدار مــا لــه من سهم في إيجاد الدخل والثروة. وتلعب المبادلة دورا كبيرا في المفهوم اإلنساني للعدالــة، باعتبارهــا أساســا للتوزيــع؛ وذلــك ألن هذا األصل يربط الجزاء بالجهد. إال أن من الضروري االلتفات إلى أن مسار إيجاد الدخل وطرق توزيعه تختلف باختالف الرؤى. ومن هنا فـإن الحصــول على الــدخل في اإلســالم يحــد بحــدود شــرعية وقانونية. وكما هو الحال في عــالم اليــوم أيضــا إنمــا يمكن قبــول نتيجة المبادلة إذا كـانت ضـمن إطــار القــوانين المقـررة. وقـد تمــة في ــير المشــروع في المكاســب المحرم ــدخل غ البحث عن ال

. (344)الفقه اإلسالميــؤدي كما أن منع الربا واالحتكار واإلجحاف في القيمــة و... ي



إلى أن يفقد المســتثمر ـــ باعتبــاره أهم عامــل في التمــايز ـــ فيكسب الدخل تفوقه إلى حد ما في أسواق النظام الرأسمالي.

إن كســب الــدخل يحــد أيضــا بعنــاوين حكوميــة، من قبيــل:ــة، كـ ــاوين ثانوي ــلمين(، وعن ــالمي والمس ــام اإلس ــلحة النظ )مص )قاعدة ال ضرر(. وهكذا األمــر بالنســبة إلى نظــام كســب الســهم وفقــا للقــوانين اإلســالمية )العقــود اإلســالمية، مثــل: المضــاربة،

، كمــا(345)الشركة و...(، فإنه يلحظ هو اآلخر حدودا لكسب الدخل يحــد توزيــع الــدخل والــثروة بقــوانين الحقــوق الشــرعية )الزكــاة

والخمس و...(، واإلرث. ومن الجدير بالذكر أن أصل المبادلة ذو جدوى ألغلب أفــراد المجتمع، سوى األطفــال والعــاجزين. ومن الممكن قبــول نتائجــهــالم في صورة رعاية األحكام الشرعية والقانونية. فكما يؤكد اإلس على حفــظ كرامــة اإلنســان يؤكـد على حفــظ أموالــه، وال يســمح

بالتعرض لها.

ـ الحاجة أساس آخر للتوزيع2ـ 1 وفقا لهــذا األصــل فــإن بإمكــان كــل فــرد أن يتمتــع بالــدخل والثروة في المجتمع بمــا يتناســب وحاجتــه. وينقســم المحتــاجون

عموما إلى قسمين: ويشمل المعاقين، والشيوخ، والصــغار الــذين ال ولياألول:

لهم، والمرضى الذين ال يتسنى لهم الحصول على الــدخل بشــكلمن األشكال. من ال يمكنهم تلبية حاجاتهم رغم وجود مصدر دخلالثاني:

لديهم. ــة أقســام: كمــا تنقســم االحتياجــات بصــورة عامــة إلى ثالث



الضروريات، والحاجات، والكماليات. وتشمل الضروريات كل ما ال تقوم مصــالح الــدين والــدنيا إال بها، فلو فقدت الختل نظام المجتمـع. وتـدعى الحاجيــات الحياتيـة

. (346)أيضا وتتضمن الحاجات ما يحتاج إليه اإلنسان للتوسعة في حياته. وأما الكماليات فتضــم الحاجــات الــتي يمكن التعبــير عنهــا بـ

)البضائع( و)الخدمات الجمالية(. والسؤال الذي يتبادر هو: ما هو مستوى الحاجات الــذي يعــد معيارا لتوزيع الــدخل؟ ومن الضــروري هنــا التفكيــك بين واجبــات األفراد والدولة اإلسالمية، وكذلك بين المطلــوب من األفــراد على

نحو الوجوب أو االستحباب تجاه الفقراء. ــا؛ إن إحدى تعاليم الحقوق اإلسالمية ضمان الفقراء اجتماعي ألن اإلسالم كدين شامل وواقعي يعد الفقر من أهم موانــع بســط

القيم اإللهية، ومنها: الكرامة اإلنسانية.

ـ الضمان االجتماعي2 يعتمد الضمان االجتماعي على أصــلين، همــا: أصــل التكافـلــاركة العام، ويعني مسؤولية األفراد بعضهم إزاء بعض؛ وأصل مشســم األفراد في الدخل الحكومي. وكل واحد من هذين األصلين يتة، من حيث نــوع الحاجــات الــتي البــد أن تــوفر بمالحظــات خاصــ

اعتمادا عليهما، وتعيين الحد األدنى للقمة العيش.

ـ التكافل العام1ـ 2 تدل اآليات والروايات على أن المسلمين مســؤولون مقابــل المحتاجين ونظــرائهم في الخلــق، وال ســيما إخــوانهم في الــدين،

على مستويي الوجوب واالستحباب، وذلك من قبيل: ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

257هـ1433م ـ 2012


ا﴿ـ 1 ة وال ينفقونهــ ــزون الــذهب والفضــ والذين يكنرهم بعذاب أليم (.34 )التوبة: ﴾في سبيل الله فبش

إن هــذه اآليــة تــدل على وجــوب اإلنفــاق. ولئن حصــر أغلبرين اإلنفـــاق في اآليـــة بالزكـــاة الواجبـــة فـــإن العالمـــة المفســـ الطباطبائي يعتقد بأن المقصــود من اإلنفــاق فيهــا ال يقتصــر على الزكاة، وإنما يعم متطلبات المجتمع الضرورية، كالجهاد، والدفاع،

. (347)وحفظ األرواح من الهلكة، وأمثالهاــدين ﴿ـ 2 ــذب بال ــدع*أرأيت الذي يك ــذلك الذي ي فكين*اليتيم ــام المســ ــاعون: ﴾ وال يحض على طع ـ1 )الم

3.)قر ﴿ـ 3 ــ لككم في سـ ــ ــا سـ ــك من*مـ الوا لم نـ ــ قـ

(.34 ـ 41 )المدثر: ﴾ ولم نك نطعم المسكين*المصلين لوه *خـــــذوه فغلوه ﴿ـ 4 ثم في* ثم الجحيم صـــــ

لكوه بعون ذراعــا فاســ ا ســ لة ذرعهــ إنه كــان ال*سلســكين*يـؤمن باللـه العظيم ﴾ وال يحض على طعـام المسـ

(.34 ـ 30)الحاقة: ويستفاد من هذه اآليات أن إطعام المســكين من الواجبــات. وليس المقصود من الطعام نفس الطعام، وإنمــا باعتبــاره عنوانــا لضرورات األفراد المحتاجين. وهو من قبيل مــا يقــال: أنــا بحاجــة

إلى رغيف الليل، والمقصود بيان شدة احتياج الفرد. ــد الله ــا عب ــال: »ســألت أب : قــوم×وفي صــحيح ســماعة ق

عندهم فضول، وبإخوانهم حاجــة شــديدة، وليس تســعهم الزكــاة، :×أيسعهم أن يشبعوا ويجوع إخوانهم، فإن الزمان شــديد؟ فقــال

المسـلم أخــو المســلم، ال يظلمـه، وال يخذلـه، وال يحرمـه، فيحـق على المسلمين االجتهاد فيه، والتواصل والتعاون عليه، والمواساة



ألهل الحاجــة، والعطــف منكم، تكونــون على مــا أمــر اللــه فيهم،. (348)رحماء بينكم متراحمين«

والمقصود من الحاجة هنــا الحاجــة الشــديدة )الضــروريات(؛ألن رفع الحاجات غير الضرورية ال يعد وظيفة اجتماعية عامة.

ويعتــبر صــاحب الجــواهر دفــع حاجــات من ال يمكنهم توفــيرــانت ــبة إلى من ك ــا بالنس ــا، وخصوص ــا كفائي ــة العيش واجب لقمــر ــة أم ــظ أنفســهم كنفس محترم ــإن حف أنفســهم في خطــر، ف ضروري. ومن هنا يبين عدم وجود حاجة لدليل خــاص، غــير دليــل

. (349)ضرورة حفظ النفس المحترمةــان ــالمي على اإلنس ــه اإلس ــات في الفق ــا أن من الواجب كم المسلم نفقــة أقربائــه، من قبيــل: األب، واألم، واألجــداد، واألوالد واألحفاد، وإن كان الوجوب مشروطا بقدرة الفرد وحاجة الطرف

. وهكـذا تجب(350)اآلخر، بحيث ال يملك نفقة حياته في ذلك الوقت هذه النفقة إذا زاد عن نفقة الشخص وزوجته. ومقدار هذه النفقة طعام اليوم والليلة، والثياب المناسبة، وجميع أدوات وأثاث الــبيت الالزمة. ولم يحدد الحد األدنى للنفقة الواجبة على األقرباء، وإنمــاــام والملبس والمســكن بمــا يناســب شــأنه يجب أن يكــون الطع

. (351)والزمان والمكان وبالمقدار الكافي نعم، يســتحب اإلنفــاق على بقيــة األقربــاء. وقــد تم التأكيــد عليهم بشــكل أكـبر بالقيـاس إلى غـيرهم. وهنـاك آيـات وروايـات

كثيرة ترغب المؤمنين في اإلنفاق والمواساة والمساواة. ــالى: ــال تع ﴿ق يئا ــ ــه ش ركوا ب ــ ــه وال تش ــدوا الل واعب

اكين وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتــامى والمســــالجنب احب ب ار الجنب والصــ ربى والجــ ار ذي القــ والجــــه ال يحب من ــانكم إن الل ــا ملكت أيم بيل وم ــ وابن الس



(. 36 )النساء: ﴾كان مختاال فخوراويكم﴿وقال: لحوا بين أخـ وة فأصـ إنما المؤمنـون إخـ

(.10 )الحجرات: ﴾واتقوا الله لعلكم ترحمونــاكم﴿وقال: ا رزقن وا مم ــوا أنفقــ ﴾...يا أيها الذين آمن

(.254)البقرة: ائل﴿وقــال: ــوم * للســ عل والذين في أموالهم حــق م(.24 ـ 23 )المعارج: ﴾والمحروم

: »أمسـك المـال بقـدر ضـرورتك، وقـدم×وقال اإلمام عليالفضل ليوم حاجتك«.

: »ما حــق×ويقول أبو المأمون الحارثي: قلت ألبي عبد الله. (352)المؤمنين على المؤمن؟ قال:...والمواساة له في ماله«

ــافك|ويقول النبي : »يا علي، سيد األعمال ثالث خصال: إنص الناس من نفســك؛ ومواســاة األخ في اللــه؛ وذكــر اللــه على كــل

. (353)حال« : »فليعطــه مــا يأكــل ويشــرب ويحج×ويقول اإلمام الصادق

. (354)ويتزوج ويتصدق و...« ويتضح من خالل ما جاء في اآليــات والروايــات من تعبــيرات أن األحكام المرتبطة بالكفاية تنشأ من عالقــة األخــوة، والعضــويةــاون في المجتمع البشري الصالح. وهو ميدان آخر إليجاد روح التع والمحبة في المجتمع اإلسالمي، ليزيد المؤمنــون في إيمــانهم من

خالل سلوك هذا الطريق. ــو ومن الطبيعي أن اإلسالم قد أوجب التكافل العام على نحــديهي ــراء. ومن الب الوجوب الكفائي؛ لضمان ضروريات حياة الفق أن الدولة اإلسالمية؛ بما أنها الضامن لتطــبيق التعــاليم اإلســالميةــتوى على القادرين من أبناء المجتمع، عليها إلزام توفير هذا المس



من المعيشة. وعلى هذا األساس فهي تفرض على من يتملصــون من الواجبات الشرعية والتكاليف اإللهية اتباع القــانون. فهي كمــاــام بالضــمان ــاء القي ــرض على األغني ــاد تف تعبئ المســلمين للجه

. (355)االجتماعي للمعوزين ومن الجدير بالذكر أن المؤمنين يتحملون القسط األكبر من نفقات رفع الفقر في المجتمع اإلســالمي؛ ليقومــوا، وانطالقــا من روح اإليمان واألخوة، بالسعي لتأمين الحيـاة الكريمـة والمتعارفـةــدل على لنظرائهم في الخلق، وال سيما أقربائهم وجيرانهم، كما ت

ذلك سيرة المسلمين. ــة اإلســالمية رســم السياســات ومن الواضــح أن على الدول والتطبيقــات للتفكــير بحلــول إليجــاد أرضــية اإلنفــاق والصــدقات والخيرات في المجتمــع. فمثال: ينبغي أن تنظم قــوانين الضــرائب

بحيث ال تمنع عن أعمال الخير، بل تؤدي إلى زيادتها.

ـ مسؤولية الدولة اإلسالمية 2ـ 2 إن الدولــة اإلســالمية ملزمــة بتوفــير حيــاة مناســبة لألفــراد، باإلضــافة إلى اإلشــراف وضــمان تطــبيق األصــل األول )التكافــل العام(، كما أنها مسؤولة بشــكل مباشــر وفقــا لألصــل الثــاني، أيــة( وضــمان ــثروة )دخــل الدول مشــاركة المجتمــع في مصــادر ال

اإلعالة. تكون إعالــة الفــرد بتوفــير أدوات ومتطلبــات حياتــه بمقــدار الكفاية. والكفاية من المفاهيم المرنة، التي تتغــير بحســب درجــة

الرفاهية العامة. وعليه فإن على الدولة توفــير الحاجيــات األساســية والعامــةــالمطعم والمســكن والملبس. وينبغي أن يكــون ــط ب ــا يرتب في م



إشباع هذه الحاجات كافيا والئقا، من حيث الكمية، والكيفية. ومن الممكن أن يشمل الحاجات غير األساسية، والتي توجد

في ظل أعلى المستويات الحياتية. إن في اإلســالم قــوانين كثــيرة تــدل على مســؤولية الدولــةح فيـه وحــدودها. ففي حــديث عن اإلمــام موســى بن جعفــر يوضـ

: »وهو وارث من ال وارث له، يعول×حقوق اإلمام وواجباته يقول. (356)من ال حيلة له«

وتعتبر الزكاة أحــد مصــادر بيت المــال. والمقــدار المســموح . ويجــيز الفقهــاء صـرف(357)بدفعه منه إنما هو حد الغنى كمــا ذكر

الزكاة في توفير المنزل، والخادم، ووسيلة النقل الضــرورية، بمــا يتناسب وشـأنه االجتمـاعي، وكـذلك الملبس المناسـب، من حيث

. إذا فالحاجــة هي من(358)الفصل والســفر، وحــتى مــا كــان للزينة المعايير في توزيع الــدخل في اإلســالم إلى حــد الكفــاف، وتوفــيرــذين ال ــراء ال ــإن الفق ــا ف ــة. ومن هن مســتوى المعيشــة المتعارف يتمتعون بمستوى من الحياة الكريمة ـــ مهمــا كــان الســبب ـــ هم شركاء في مصادر الــثروة، ويجب أن يســتفيدوا من ســهمهم، من

دون مالحظة مقدار مشاركتهم في الدخل الوطني. ومن الممكن اآلن تحديد التوزيع المطلــوب للــدخل والــثروة

من منظار االقتصاد اإلسالمي. إن جميع من كان لهم مشاركة في أمر اإلنتاج بالمعنى العامــادالتهم، ــائج مب ع بنت في إطــار القــوانين اإلســالمية لهم حــق التمتــذين ليس وذلك وفقا للمعيار األول، أي المبادلة. كما أن األفراد ال لهم سهم في المبادالت المذكورة؛ بسبب فقــدان عوامــل اإلنتــاج )المعدمون والشــيوخ(، أو الــذين يشــاركون في المبــادالت، ولكن حاصل عملهم ال يكفيهم، فإنهم شركاء في نتائج المبادالت، وذلـك



وفقا للمعيار الثاني، أي الحاجة. وعليه يمكن ادعاء أن توزيع المصــادر األوليــة عــادل، وعمــل

االقتصاد سالم، في ظروف تتحكم فيها الحالة اإلسالمية. إن التعريف العملي للعدالة االقتصــادية هــو أن يكــون جميــع األفراد في مثل ذلك المجتمــع في مســتوى حياتيــة متوازنــة، رغم

أن اختالف دخلهم وثروتهم أمر طبيعي. ــاء، بحيث ــد األغني ــثروة بي ــراكم ال ولكن ينبغي أن ال يكــون ت

. (359)يتداول المال بينهم فقط إن هذا يمكن أن يكون معيارا للتمايز، إال أن تحديد المستوى الجائز لتمركز دوران النقد بين األثرياء أمر صعب جــدا. ومن هنــا، وبدال من المعيار المــذكور، نضــع األصــل التــالي: »إذا كــانت آثــارــك ــرجيح تل ــروروي ت ــابهة فمن الض ــاديتين متش ــتين اقتص سياس

السياسة التي تقلل تمركز الدخل والثروة«. إن لهذا األصل انعكاسات عملية كثيرة للسياسة االقتصــادية، ومنها: إنه عندما يتم تدوين سياســة إليجــاد الــدخل البــد أن تكـون األهمية أقل لزيــادة دخــل تلــك المجموعــة من المواطــنين الــذين

. (360)يتجاوز دخلهم األساسي حد المتوسط العام في المجتمعــثروة ســيكون ــدخل وال ــذكر أن مســتوى ال ومن الجــدير بالــالمي على االقتصــاد ــأثير االقتصــاد الع ــير؛ بســبب ت عرضــة للتغي

الداخلي. إن األحكام األولية للمبادالت وحقوق المالكيــة و... ال يمكنهــاــير ــدخل في الظــروف غ ــثروة وال ــوازن لل ــير المســتوى المت توف الطبيعية أيضا. فالتعريف المذكور نــاقص من هــذه الجهــة. إال أننــا في الجمهورية اإلسالمية؛ ونظرا لوجــود فاصــلة كبــيرة بيننــا وبينــار ــه تعريــف مناســب لتقــويم اآلث هــذا التعريــف على األقــل، فإن



التوزيعية للضرائب في الدول ذات الهيكليــة المشــابهة في توزيــع الدخل والثروة. وفي النتيجة فإن الضرائب التي تهدف إلى إيجــاد مستوى واحــد للمعيشــة ســتكون ذات أثــر تــوزيعي إيجــابي. ومن الممكن دراسة اآلثار التوزيعية للضرائب اإلســالمية من خالل هــذا

المعيار.

ـ دور الضرائب اإلسالمية في توزيع الدخل3ــتين: يمكن تقويم األثر التوزيعي للضرائب اإلســالمية من جه رفع المستوى المعيشي للمحتاجين )الضمان االجتماعي(؛ وخفض التمايز )تــوازن الــدخل والــثروة(. وفي النتيجــة تــوازن المســتوى

المعيشي في المجتمع.

ـ األثر التوزيعي على صعيد الضمان االجتماعي1ـ 3 إن توفير متطلبات الفقراء أهم فلسفة لتشــريع الزكــاة، من حيث البعد االجتماعي. وقد بين القــرآن الكــريم مصــارف الزكــاة،

اكين والعــاملين﴿فقــال: راء والمســ دقات للفقــ إنما الصــاب والغــارمين وفي قــ عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرن اللــه واللــه عليم ة م بيل فريضــ سبيل اللــه وابن الســ

(. 60 )التوبة: ﴾حكيم ووفقا لــرأي الفقهــاء فــإن مصــرف في ســبيل اللــه ـــ وكمــا مضى ـ أعم من مصارف الجهــاد والــدفاع عن اإلســالم. ومن هنــا يمكن االستفادة منهــا في بــرامج القضــاء على الفقــر، من قبيــل: إيجاد فــرص العمــل، والخــدمات العامــة، وال ســيما في المنــاطق

المحرومة، و... ويذهب جميــع الفقهــاء إلى أن نصــف الخمس )ســهم قرابــة الرسول( هــو لرفــع فقــر أبنــاء رســول اللــه الفقــراء. وهنــاك من



الفقهاء من يذهب ـ كما مر ـ إلى أن الخمس ســهم واحــد، وليس ســهمين، ويتصــرف فيــه الحــاكم اإلســالمي )الــولي الفقيــه( فيــراء، مصالح اإلسالم والمسلمين. ومن المعلوم أن رفع حاجة الفق

وتوفير حياة كريمة، من أولويات المجتمع اإلسالمي.

ـ األثر التوزيعي على صعيد توازن الدخل والثروة2 ـ 3 إن تــوازن المعيشــة في المجتمــع يــؤدي إلى رفــع مســتوىــروة معيشة الطبقات الفقيرة من جانب، وحفظ مستوى دخــل وثــتوى ــط بخفض مس ــة يرتب ــر. وفي النتيج ــانب آخ ــاء من ج األثري

معيشتهم. يمكن لدراسة سعر الضرائب أن توضح آثار توزيع الضــرائب في إيجاد توازن من هذا القبيل. فالضرائب التصــاعدية لهــا قــدرةــال الضــرائب ــذا هي ح ــة. وهك ــة النظري ــة من الناحي ــثر تعادلي أك التناسبية والنزولية، مع قطع النظر عن كيفيــة إنفاقهــا، فلهــا آثــار

توزيعية بترتيب صفر وسالب.

أـ سعر ضرائب الدخل ــاة ـ إن سعر ضرائب المحصوالت الزراعية المشــمولة بالزك

ــ بين %،10% إلى 5وكما جاء في الفصل األول من هذا القسم ـ وبصورة تناسبية. نعم، إن أصــحاب الــدخل األقــل من حــد نصــاب الزكــاة ـــ في مــا يرتبــط بهــذه المحصــوالت ـــ معفــوون من دفــعــالخمس، وســعرها ــدخول فهي مشــمولة ب ــة ال ــا بقي ــاة. وأم الزك

%.20النهائي ولكن السعر الضريبي المتوسط ـ في غير المعادن ـ يساوي

ATr = 2% - 2% Ai/Yi. وكما مر في بحث الجدوى العملية فإن السعر المذكور، وإن



كــان تصــاعديا، إال أنــه؛ وبســبب قــرب الرغبــة النهائيــة الســتهالك العوائل، يتسم بتصاعد محدود، ممــا يجعــل ســعر متوســط قليلي الدخل أقــل من كثــيري الــدخل، وذلــك بمالحظــة شــمول نفقــاتــيرا عن المعيشة باإلعفاء، كما أن األسعار المذكورة لن تختلف كث

سعر الزكاة. ــدخل الحاصــل ويتعلق أعلى سعر للضرائب على الدخول بال

%.20عن طريق المعادن، حيث تصل إلى

ب ـ سعر ضرائب الثروةــا، ثم تصــبح إن سعر ضرائب األنعام الثالثة تنازلية إلى حد مــر والغنم، تناسبية تقريبا. والسعر التناسبي في اإلبل أكثر من البق

%2وسعر زكاة البقر أكثر من الغنم، ولكنــه مهمــا يكن ال يتعــدى %(.2,5)وفي بعض الحاالت

،30فإذا كــان عــدد الغنم أقــل من أربعين، والبقــر أقــل من ، ال يتعلق بها الزكاة. نعم، هي مشــمولة بخمس5واإلبل أقل من دخل الكسب.

وهكذا هي الحال بالنسبة لألنعام الواقعــة بين نصــابين، فهي وإن كانت فاقدة لشــروط الزكــاة، فال تتعلــق بهــا الزكــاة، إال أنهــا

مشمولة بقانون الخمس. وعلى هذا األساس إذا كانت زيــادة الــثروة أكــثر من نفقــات

حياة األسرة فستكون جزءا من ضرائب الدخل، وفيها الخمس.

ج ـ سعر زكاة النقدين إن سعر زكاة النقدين ـــ وكمــا مضــى في الفصــل الســابق ـ

%.2,5تناسبي تقريبا، ويعادل ــذهب المســكوك ) إن هذا السعر صفر إلى أن يبلغ نصاب ال



مثاقيل عادية(.105 مثقاال عاديا(، ونصاب الفضة المسكوكة )15 وهكذا يــترتب الحــد األدنى من الزكــاة إذا كــان المقــدار بين

النصابين. ومن هنا يقترن السعر المتوسط بمقدار من التذبذب في ماــر ملحــوظ بين نصاب وآخر، إال أن هذا التذبذب لن يــؤدي إلى تغي في السعر التناسبي. وعليه فــإن تــأثير زكــاة النقــدين على توزيــع

الدخل صفر تقريبا. ولكن باعتبار أن زكاة النقدين تتكرر في كل سنة فــإن عــدم تداولها عند الضرورة يــؤدي إلى انخفــاض ثــروة أصــحابها. وبــذلك

ر على توزيع الثروة. تؤثــة ــادية للدول ــإن أحــد أهم األهــداف االقتص ــير ف ــا أش وكمــاة ــير حي ــرض توف ــاعي، وهي تف ــدل االجتم ــة الع اإلســالمية إقام متعارفة ألبناء المجتمع اإلسالمي، دون أن تحــد مصــادرها الماليــة بالضرائب الثابتة. ويمكن للدولة االستفادة من األموال العامة في

هذا السبيل. ــارف ــمن مص ــاكين من ض ــريم المس ــرآن الك ــد الق ــا ع كم

. وورد في الرواية أن الخراج وما شابهه إنما هــو لتلبيــة(361)الفيء . وهكــذا إذا لم تكــف الزكــاة لســد حاجــات(362)حاجات المسلمين

الفقراء كان على ولي األمر سد الحاجة من األموال األخرى الــتي.(363)تدخل ضمن صالحياته

خالصة واستنتاج إن ما يمكن استنتاجه من مجموع هذا البحث ما يلي:

ـ إنمــا يكــون توزيــع الــدخل والــثروة مناســبا في االقتصــاد1 اإلسالمي عندما تكون معيشة أفراد المجتمع في مستوى متعارف



ــدد أو متقارب، وتنخفض سيطرة تداول الثروة والدخل من قبل عخاص. ـ ترفع األموال الشرعية الواجبة )الضرائب الثابتة( مستوى2

معيشة المحتـاجين، من خالل توفــير المتطلبــات الضــرورية وغـير األساسية لهم، كما ينخفض مستوى التمــايز في الــثروة والــدخل، وذلك بإعفــاء هــذه الطبقــة في الغــالب من الضــرائب المــذكورة، وأخــذ الضــرائب من الطبقــات ذات الــدخل الكبــير. ولكن بمــا أن سعر هذه الضرائب تناســبي تقريبــا، وصــعودي إلى حــد مــا، فــإن

مقدار هذا االنخفاض لن يكون كثيرا. ــات3 ــير الحاج ــرورة بتوف ــد الض ــون عن ف ــاس مكل ــ إن الن ـ

األساسية للفقراء. وتتحمل الدولة مسؤولية تفعيل ذلك، باإلضافةإلى ما يدفعون من أموال شرعية واجبة.

ـ يظهر أن اإلسالم يستفيد بصورة أكبر من زيادة النفقــات4ــة ــاد العدال ــة إيج ــدال من الضــرائب، في عملي ــام(، ب ــدخل الع )الــد من أخــذ نفقــة ــه الب ــثروة(. وعلي ــوازن الــدخل وال ــة )ت العمودي االستفادة من الخــدمات العامــة، كالصــحة، والتعليم، من األثريـاء. ومن الالزم أن يتم تسديد الرسوم أو الضرائب على أساس قدرة

المسددين. ــدود والنتيجة أنه يجب تدارك فقر الطبقات ذات الدخل المح من خالل التسديدات االنتقاليـة، وذلـك في صـورة وجـود مشــاكل

تطبيقية في رعاية هذا األصل. ـ إن تأكيد التعاليم اإلسالمية وترغيبها باإلنفاق، والصــدقات5

ن المستحبة، والخيرات، واألوقــاف، والمســاعدات االختياريــة، يــبي أهمية دور الناس في إيجاد تــوازن الــثروة في اإلســالم. ومن هنــا فإن على الدولة مالحظة هذه النقطــة في سياســاتها وتصــميماتها



بشكل متناسب.

الهوامش


الشيخ خالد الغفوري•

الصداقة بين الجنسين في ضوءالقرآن الكريم

*(*()الشيخ خالد الغفوري

تمهيد هذه الدراسة تستهدف معالجة ظاهرة اجتماعيــة في عالمنــاة. كمــا المعاصر، تهم المجتمع بصورة عامة، والمرأة بصورة خاصـ أن هذه الدراسة تدور حول أحد العنــاوين الــتي وردت في اآليــاتــل إقامــة العالقــة بين القرآنيــة، وهــو )اتخــاذ األخــدان(، الــذي يمثــا الجنســين. وال يخفى أن هــذه الظــاهرة قــد أصــبحت في واقعن الـــراهن إحـــدى المســـائل الـــتي هي محـــل لالبتالء في أكـــثر المجتمعات في العالم، وقد ألبسوه عنوانـا بريئـا إنسـانيا، أال وهـو عنوان )الصداقة(. وقد خضنا في هذا البحث من أجل بيان موقف القرآن تجــاه هــذه القضــية المعاصــرة والمســتحدثة، وقــد ســلكنا المنهج الفقهي، ولم نتعرض إلى بحث هــذه الظــاهرة من الناحيــة

االجتماعية، واألخالقية، وغير ذلك. ويمتاز هــذا البحث بكونــه إثــارة جديــدة في المجــال الفقهي أصال وفروعا. وقد اشتمل ـ في أقل التقادير ـ على مــا يربــو على عشرة فروع فقهية، والعديد من اإلثارات العلمية، وربمــا الثقافيــة

أحيانا. وننبه على أنه لــو لم يكن هــذا البحث جديــدا ومن المســائل

أستاذ في الحوزة العلمية، ورئيس تحرير مجلة فقه أهل )*(*(، من العراق.^البيت ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 270هـ1433م ـ 2012ربيع

الصداقة بين الجنسين في ضوء القرآن الكريم•

المستحدثة الرتفع عــدد المصــادر والمراجــع والهــوامش إلى أكــثرمما هو عليه أضعافا مضاعفة، وإال فليس هناك قلة في التتبع.

مقدمة ـ إن الهدف األساس لعلم الفقه هــو تقــديم صـياغة للحيـاة1

اإلنسانية على الصعيد الفردي والمجتمعي، مهمـا اختلفت األزمنـةــرت الظـروف. وال يخفى أن الحيـاة الجديــدة وتباينت األمكنة وتغي قــد أفــرزت موضــوعات وظــواهر ســلوكية عديــدة، منهــا: كــثرة االختالط بين الجنسين، إلى الحد الــذي تمظهــر بصــورة الصــداقة والعالقة الثابتة والمستمرة بينهما. والمنشــأ األول لهــذه الظــاهرة االجتماعية الخطيرة هو الغرب، لكنها أخذت تستفحل شيئا فشيئا، وبــاتت تهــدد مجتمعاتنــا اإلســالمية. وقــد تصــدى الغيــارى منــالج هــذه ــذا الخطــر، لكن لم تع المســلمين، علمــاء ومثقفين، له المشكلة من الزاوية الفقهية بشــكل واضــح وبصــورة دقيقــة، ولم، وال عنوانا خاصا بهــا، ممــا اقتضــى يفرد الفقهاء لها فصال مستقال

أن نعقد هذه الدراسة. ـ والسؤال الذي دارت حوله هذه الدراسة: مــا هــو موقــف2

القرآن الكريم تجاه ظاهرة الصداقة بين الجنسين؟ والمـــراد بيـــان حكم العالقـــة بين الجنســـين من حيث هي، وبعنوانهــا األولي مــع قطــع النظــر عن العنــاوين الثانويــة الطارئــة عليهــا، من قبيــل: خــوف الفتنــة والوقــوع في الحــرام، أو اقــتران العالقة ببعض المحرمات، أو تأدية ذلــك إلى الفســاد، ونحــو ذلــك،

فإن كل تلك الحيثيات ليست مقصودة لنا في هذه الدراسة. ـ ال تخفى ضرورة مثل هذا البحث، الذي هو ظاهرة شائعة3

في أكثر المجتمعات، وال سيما الغربيــة، والــذي بــات خطــرا يهــدد



مجتمعاتنا اإلسالمية، وال سيما الطبقة الشابة.ــو المنهج الفقهي. وقــد4 ـ المنهج المتبع في هذه الدراسة ه

آثرنا طرح البحث في ضوء القرآن الكريم، الذي هو شفاء من كل داء، وهو الذي تعرض لهذه الظاهرة، واتخذ تجاهها موقفا صــريحا

وواضحا.

موقف القرآن تجاه ظاهرة الصداقة بين الجنسين إن النص القرآني الذي يعالج هذا الموضوع هو مقطعــان من

آيتين، وهما: ومن لم يستطع منكم طوال أن ينكح﴿ــ قوله تعالى: 1

نات المؤمنـــات فمن مـــا ملكت أيمـــانكم من المحصـــكم من ــ ــانكم بعض ــه أعلم بإيم ــات والل ــاتكم المؤمن فتيــورهن ــ ــوهن أج ــ ــإذن أهلهن وآت ــ ــانكحوهن ب ــ بعض ف بالمعروف محصنات غير مسافحات وال متخــذات أخــدانف مــا على ة فعليهن نصــ إن أتين بفاحشــ فإذا أحصن فــ المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن

حيم (.25 )النساء: ﴾تصبروا خير لكم والله غفور ر اليوم أحــل لكم الطيبــات وطعــام﴿ــ وقولــه تعــالى: 2

ــل لهم ــامكم حـ ــل لكم وطعـ ــاب حـ ــوا الكتـ الذين أوتـ ــوا والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتــر نين غي الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصــد ر باإليمــان فقــ مسافحين وال متخذي أخدان ومن يكفــ

(.5 )المائدة: ﴾حبط عمله وهو في اآلخرة من الخاسرين ومن المناسب قبل الخــوض في تفاصــيل هــذه الدراســة أن نبين بعض األمور؛ من أجل أن تحصل لدى الباحث إحاطــة بــالنص



القرآني مورد البحث من جوانبه المختلفة، وهي:

األمر األول: البيان اإلجمالي النص األول بيان إلباحة الــزواج من اإلمــاء المؤمنــات لمن الــروعية ــدم مش ــر، وع ــزواج من الحرائ ــال من ال يتمكن من الرج

السفاح، واتخاذهن الرجال أخدانا. ــات ــان إلباحــة نكــاح العفيفــات من المؤمن ــاني بي والنص الث والكتابيــات، وعــدم مشــروعية الســفاح، واتخــاذ الرجــال النســاء

أخدانا.ــاني والوصف في النص األول متعلق باإلنــاث، وفي النص الث متعلق بالذكور، والحاصل أن الســفاح واتخــاذ األخــدان منهي عنــه

مطلقا.

األمر الثاني: فلسفة موقف القرآن في هذا التشريع ـ تستهدف الشريعة تنـزيه المجتمع وتطهيره من الرذائــل،1

وال سيما ما يرتبط بالممارسة الجنســية، والعالقــة بين الجنســين، : األول: الزواج(364)حيث قننت ذلك في طريقين مشروعين حصرا

ــاني: ملــك اليمين. ومنعت إيجــاد العالقــة الــدائم والمنقطــع؛ والث الجنسية خارج هذا اإلطــار، كالســفاح، واتخــاذ العشــيق والخليــل، مما يهــدم المجتمــع واألســرة، ويقضــي على العفــة، وال ســيما أن النفس ال تقـــف على حـــد إذا تبعت الهـــوى. فمن يتخـــذ صـــديقا للفحشاء ال يقنع بالواحد واالثنين، ولذا قيل: وإنمــا أتى بــه بصــيغة

>أخدان<الجمع .(365) للداللة على الكثرة نصا ـ ثم إن هــذا المــرض األخالقي ينشــأ في المجتمعــات غــير2

الملتزمة بأحكام اإلسالم وتعاليمه، ولكن تختلف درجة اســتفحاله، وكذلك مقدار إغضاء الكيــان االجتمــاعي من مجتمــع آلخــر، ويبــدأ



ينخر في المجتمع، ويأخذ في تلويثــه شــيئا فشــيئا، وهــذا مــا نــراهمتفشيا في المجتمعات الغربية بوضوح.

ـ ومن الخطــأ أن نتصــور أن هنــاك عالقــة بريئــة تنشــأ بين3 الطرفين خالية من كل ميل جنسي؛ فإن الطبيعة البشرية تقتضي

وجود تجاذب بين القطبين الجنسيين الموجب والسالب. ولو فرضنا جــدال نشــوء عالقــة بين رجــل وامــرأة خاليــة من الميل الجنسي ـ فإن فرض المحال ليس بمحال، فضال عن فرض الفرد النادر ـــ فمثــل هــذه الحالــة ســوف تكــون مشــمولة للحكم بالمنع؛ وذلك لإلطالق، فــإن األحكــام الكليــة والتشــريعات العامــة تشمل جميع الحاالت التي يتحقق فيها الموضوع، فمتى مــا صــدق العنوان المأخوذ في دليل الحكم فإن ذلك الحكم يترتب ال محالة. وهنا )عنوان اتخاذ الخدن( يصدق في مثل هذه الحالة، ففــرق بين هذا العنوان المأخوذ في هذه اآلية وبين عنــوان )حفــظ الفــرج( أو عنوان )إبداء الزينة(، ونحوهما من العنــاوين الــتي أخــذت في آيــة

ــروجهم﴿ وا من أبصارهم ويحفظوا ف قل للمؤمنين يغضنعون * وقـــل ــا يصـــ ــير بمـ ــك أزكى لهم إن الله خبـ ذلـ للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن والــرهن على ما ظهر منها وليضربن بخم يبدين زينتهن إالــائهن أو ــولتهن أو آب لبع ــدين زينتهن إال ــوبهن وال يب جي آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أوائهن أو مــا ملكت واتهن أو نســ بني إخوانهن أو بني أخــال أو ــ ج ــة من الر ــر أولي االرب ــانهن أو التابعين غي أيماء وال ــ ــورات النسـ روا على عـ ــ ل الذين لم يظهـ ــ الطفـــوا ــأرجلهن ليعلم مــا يخفين من زينتهن وتوب ربن ب ــ يض

30 )النور: ﴾إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون



(؛ ففي هذا النص أمر بغض البصر، وحفظ الفرج من النظــر،31ـ واتخاذ الستر، ونهي عن إبداء الزينــة واإلثــارة الجنســية، في حين أن النهي في آية اتخاذ الخدن منصــبة على الصــداقة. مضــافا إلى أن التشـــريعات تنصـــب على الموضـــوع الكلي، وال تـــدور مـــدار

الحاالت، وال تتنوع بحسب المصاديق. صــحيح أن فلســفة الحكم هي الحيلولــة دون وقــوع مــا هــو

خالف العفة، لكن هذه حيثية تعليلية، ال تقييدية.ــه من الخطــأ تصــور أن وجــود العالقــة يزيــد من4 ـــ كمــا أن

ــة، ال لجلب التجربة الحياتية، فإن التجربة إنما تجرى لجلب المنفع الخسارة غير القابلة للتعويض. فمن لديه مال نفيس ال يدعه أمام أعين السراق لكي يكتسب خبرة في كيفية حفظه، وال يقدم على مثل هذا إال من كان سفيها، فكذلك ما نحن فيه، فإن ذهاب العفة والحيــاء ـــ الــتي هي قــوام الحيــاة الزوجيــة وركن في الشخصــية

األخالقية ـ غير قابل للتدارك عادة. ـ ولو كان هناك إصرار على جدوى التجربة في هذا المجال5

فالبد من تهيئة األجــواء والظــروف المناســبة لكــل تجربــة، فلكــل تجربـة ظروفهــا، وحينئـذ يمكن توفـير ضـمانات قانونيـة وأخالقيــةــارس لمثل هذه التجربة، من خالل إجراء عقد الزواج المؤقت، يم

فيه كال الطرفين مجاالت مفتوحة للتعرف والتعارف.

األمر الثالث: مناسبات وأسباب نزول النصــان1 ــ كانت ظاهرة اتخاذ األخدان موجودة في الجاهلية، وك

ــرا فال، بعض أهل الجاهلية ال يحرم إال الزنا المعلن، أما إذا كان س ويحتمل أنهم ساكتون عن ذلك. فبينت هذه النصوص الشريفة أن

: لذا نزل قوله تعالى:(366)قبح الفاحشة ال ينتفي باإلسرار بها، قيل )األنعام:>وال تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن<



151.) ــــ وقيــل: كــان الزنــا في الجاهليــة على قســمين: ســري؛2

وعلني، وعام؛ وخاص. فالخاص السري هو أن يكون للمرأة خــدن يزني بها سرا فال تبذل نفسها لكل أحد؛ والعام الجهري هو المراد بالســفاح، كمــا قــال ابن عبــاس، وهــو البغــاء، وكــانت البغايــا من

اإلماء، وكن ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن.ــا3 ــ وروي عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون م

ــون: ظهر من الزنا، ويقولون: إنه لؤم، ويستحلون ما خفي، ويقول.(367)ال بأس به

األمر الرابع: التحليل اللفظي ، يســتوي فيــه(368) جمع خــدن، وهـو الصـديق>أخدان<ــ 1

.(369)المذكر والمؤنث، والمفرد والجمع، كترب وأتراب وقال الراغب: »وأكثر ذلك يستعمل في من يصاحب ]غيره[

]نفسانية[، يقال: خدن المــرأة وخــدينها«. ثم قـال: »وأمــا بشهوةــولهم: ــدين العلى( فاســتعارة، كق ــدح: )خ ــاعر في الم ــول الش ق

.(370)يعشق العلى، ويشبب بالندى، وينسب بالمكارم« وقال ابن حجر: »والنكتة فيه أنه جعله يشتهي معالي األمور

.(371)كما يشتهي غيره الصورة الجميلة، فجعله خدينا لها«.(372)خاصة وقيل: الصديق في السر

إن كالم الراغب صريح في بيــان االســتعمال، الأوال: أقول: ــه حقيقــة فيــه، فال يكــون بيــان المعــنى الموضــوع لــه اللفــظ، وأن مخالفا لكونه موضوعا لمطلـق الصـديق. ولعـل كــثرة االسـتعمال في من يصــاحب بشــهوة لكــثرة مصــاديقه ووقوعــه بين الرجــل

والمرأة على هذا النحو. وأما تفسيره بخصوص الصديق في الســر فهــو نــاظرثانيا:



إلى بعض المصاديق الخارجية. فيتعين الــترادف بين الخــدن والصــديق، وليس النســبة بينهــا

نسبة العموم والخصوص المطلق.: في إعرابها احتماالن:>وال متخذات<ــ 2

للتأكيد.>ال<، و>مسافحات<األول: الجر، عطفا على .(373)>غير<الثاني: النصب، عطفا على

في اآلية الثانية.>متخذي<وكذا الكالم في المعالجة الفقهية للنصين القرآنيين

ونفصل البحث في عدة نقاط:أوال: ما هو المراد باتخاذ الخدن؟:(374)يحتمل في ذلك عدة احتماالت

ــااألول: ــو الزن ــفاح، وه ــل الس ــرا، في مقاب ــا س ـه الزن ـ إن.(375)عالنية

ــه وإنما صرح في هذا النص بنفي هذا الفرد من الزنـا، مــع أن منفي قبل ذلك، من أجــل التأكيــد على تركــه؛ نظـرا لشــيوعه في الجاهلية. لذا أفرد ســبحانه كــل واحــد من قســمي الزنــا: المعلن؛

.(376)والخفي، ونص على حرمتهما معا، وحرم الزنا بجميع صورهــاني ــالين الث ــأتى في االحتم ــه يت ــذا التوجي ــو ه ــول: ونح أق

اآلتيين. والثالث

المناقشة إن جعل اتخاذ األخدان في مقابل السفاح أمــر صــحيح، كمــا سنبينه الحقا، لكن تفسير السفاح بالزنــا المعلن، واتخــاذ األخــدان بالزنا الخفي، محض ادعاء ال دليل عليه. ونظير هذه المناقشة ترد

على االحتمالين اآلتيين، الثاني والثالث.



إنه الزنا مجانا، في مقابل من تكري وتؤجر نفســهاالثاني:لذلك.

إنه الزنا مع الواحد أو الواحدة، في مقابل المبذولةالثالث: . وال ينافي ذلــك اإلتيــان بصــيغة الجمــع(377)والزاني بأكثر من بغية

ــدان< ــع: >أخـ ــ ــه الجم ــ ــافا إلي ــ ــا دام مض ــ ــذات< م >متخـ، وألن المراد به الجنس.>متخذي<و

إنه مطلق الصداقة بين الجنسين والعالقة الجنسية،الرابع:وهو ما يؤدي غالبا إلى الزنا وغيره من الفواحش.

وهذا هو الظاهر من لفظ )الخدن( في اللغة، الذي فسر في كلمــات اللغــويين بالصــديق والخليــل مطلقــا. ويشــهد لــه مــوارد

االستعمال. وأما مــا ذكــر من المعــاني فهي من بــاب ذكــر المصــداق، ال

.(378)التقييد للمعنى وحصره وبناء على االحتمال الرابــع ال يكــون ذكــر اتخــاذ األخــدان من باب التأكيد، بل ذكر موضوع مختلف عن السفاح، ومقابل له، وإن

اشتركا في المبغوضية والقبح.

ثانيا: حرمة اتخاذ الخدن وقبحــه، بــل قــد قد بين كال النصين مبغوضية اتخاذ األخــدان

يستفاد عدم مشروعيته. وبيان ذلك: أما على االحتماالت الثالثة األولى التي فسر فيهاان حينئــذ على بالزنا يكــون األمــر في غايــة الوضــوح، فيــدل النصــ حرمـــة الزنـــا، وإن كـــان في الســـر أو في الرضـــا أو في حالـــة االختصاص بالواحد. وهذا في الحقيقة تأكيد أو زيادة إيضاح لآلياتــد ــو أح ــدان ه ــاذ األخ ــون اتخ ــا، ويك ــتي نهت عن الزن ــيرة ال الكث



مصاديق الزنا. وأما على االحتمال األخــير ــــ الــذي رجحنــاه ــــ فيثبت عــدم مشــروعية العالقــة بين الجنســين في نفســها، مــا لم تبن على أساس مشروع، وهــو منحصــر في الــزواج أو ملــك اليمين. وممــا

يدل على ذلك العطف على السفاح. ودعوى أن اتخاذ الخدن في الجاهليــة كــان من أجــل الزنــا ال يكون سببا لتقييد إطالق اللفظ، وال يحصــر عــدم المشــروعية في

صورة اتخاذه للزنا فقط.

ثالثا: تحديد المراد بـ )الخدن(ــان ــال عن بي ــدن، فض ــوم الخ ــان مفه ــة لبي ــرض اآلي لم تتع مصــاديقه. ومن هنــا البــد من الرجــوع إلى العــرف في تحديــدر الموضــوع، كمــا هــو الحــال في ســائر الموضــوعات. وقــد فســ )الخدن( لغة بـ )الصديق(. والذي يفهمه العــرف من هــذا العنــوان هو الشخص الذي له ارتباط وعالقة خاصة بآخر، ال مطلقا. والــذيــرفي نتصوره من خصائص وشروط هذه العالقة بحسب الفهم الع

ما يلي: ـ كونهــا عالقــة ذات طــابع إنســاني واجتمــاعي، فال تصــدق1

ــال لألجــير: صــديق على العالقــة ذات الطــابع االقتصــادي، فال يقوخدن. ـ كونها عالقــة ذات طــابع عــاطفي، وكــون تلــك العواطــف2

متبادلة من الطرفين. ـ كونها عالقة من أجل المعاشرة بحسب الصورة والظاهر،3

ـــل خارجـــا بتعـــدد اللقـــاءات، وتكررهـــا، واألنس والمـــودة وتتمث المتبادلــة، واالنفتــاح، وعــدم إخفــاء الســر، وعــدم االحتشــام في



الكالم والتصرفات، والصراحة، والمحبة المتبادلة، ونحو ذلك. ـ كونها مبتنية على أساس الصدق في المــودة، ومنــه أخــذ4

لفظ الصداقة. ـ قد تختلف وسائل االرتباط وأساليبه وتجسيد هذه العالقة،5

فربما تكون من خالل اللقاءات المباشرة، وربمــا تكــون من خالل المكاتبة، وربما تكون من خالل المكالمــة التلفونيــة، وربمــا تكــون من خالل وسائل االرتباط الحديثة، كاإلنترنت، وال تنحصر بالشــكل

األول فقط، كما قد يتوهم.ــؤثر6 ـ قد تقارن هذه العالقــة أمــور خارجــة عن ماهيتهــا، فت

سلبا أو إيجابا، فال ينبغي الخلط، وتصور أنها دخيلة فيهـا، كالعالقـة المشوبة بالشهوة الجنسية الفعلية، أو النفع المــالي الفعلي. كمــال إلى غايــة مــا أنهــا قــد تكــون ناشــئة عن دواع مختلفــة، كالتوصــــدن(، ــوان )الخ ــة عن ــة عن حقيق ــات خارج ــذه حيثي ــتقبال. فه مس وعنــوان )الصــديق(، والعــرف يحكم على ظــاهر العالقــة، دون

دواعيها الخفية والمضمرة.ــات أو من هنا يتضح أن عنوان )الخدن( ال يالزم تلــك المقارن الدواعي، فســواء وجــدت أم انتفت يصــدق العنــوان، فــإن شــيوع اقتران العالقة بين الجنسين بالشهوة الجنســية ال يجعلهــا مقومــة لعنوان )الخدن(، وأنها تدور مــدارها وجــودا وعــدما، ومــتى تحقــق

العنوان تحقق الحكم.

رابعا: النهي عن اتخاذ األخدان مطلقا ـ إن عدم مشروعية اتخاذ األخدان ثابت للطــرفين، الرجــل1

والمرأة، كما يستفاد من النصين؛ فإن النص األول ورد فيه عنوان )اتخــاذ األخــدان( متعلقــا بالنســاء، وفي النص الثــاني ورد متعلقــا



بالرجــال. وهــذا التكـرار للتأكيـد، ولتفصـيل الحكم، فربمـا يتصـور العرف أن المحذور والقبيح هو اتخاذ الخدن من قبل المرأة، دونــة على كال الرجل، وإال فإن كل واحد من النصين كان يكفي للدالل

الطرفين؛ ألن الصداقة ذات طرفين. ـ إن عدم المشروعية مطلق، فيشمل ما تحقق معــه الزنــا2

وما خال منه؛ وذلك إلطالق النص. ـ ويشمل النهي ما إذا كانت العالقة مــع الشــهوة، كمــا هــو3

المعتاد، كما يشمل ما إذا لم تكن العالقة مــع الشــهوة، ولــو كــانتحقق هذا الفرد نادرا؛ وذلك للسبب ذاته، وهو إطالق النص.

ـ كما يمكن أن يستفاد من النص أن اتخاذ األخدان مبغوض4 للشارع مطلقا، وإن كان بين غير البالغين؛ لصدق العنــوان حينئــذ، فإن عنوان )اتخاذ الخــدن( من األمــور الوضــعية المــأخوذة وصــفاــرد في ــالغين؛ إذ لم ي ا بالب ــ ــه خاص ــة، فال داعي لجعل ــة معين لحالين حكم تكليفي حــتى يقــال باختصاصــه بالبــالغ أو بــالمكلف النصــ فقط، بل الوارد هو حكم وضعي، وهو إباحة النكــاح ومشــروعيته،

وعدم مشروعية السفاح، واتخاذ األخدان.ــا، ــإن ظــاهرة اختالط الجنســين غــير مشــروعة مطلق إذا ف ومنهــا: المــدارس المختلطــة بكــل مراحلهــا؛ ألنهــا تــوفر األرضــية

لنشوء عالقات الصداقة بين الجنسين.

دعوى ويحتمل القول باإلباحة بالنسبة لألطفــال قبــل ســن التميــيز؛

لم يظهروا<لعدم بــروز الميــل الجنســي لــديهم بعــد؛ لكــونهم اء (. ولــذا أبيح للمــرأة إبــداء31 )النــور: >على عــورات النســ

زينتها أمامهم.



المناقشة ويمكن المناقشة فيه بأن جواز إبداء الزينة أمامــه حكم آخــر ال عالقة له بالمقــام؛ فــإن اتخــاذ الخــدن والصــداقة بين الجنســين عنــوان آخــر مســتقل، مبغــوض للشــارع مطلقــا، كالزنــا؛ بقرينــة

العطف عليه في النصين. وعليه فعلى األولياء تجنيب غير البالغ االختالط، وعــدم تهيئــة

األجواء المساعدة عليه.

خامسا: االختالط والتعايش بين الجنسين ثمة ظاهرة منحرفة في المجتمعات الجاهلية الحديثة، وباتت أمــرا عاديــا، هــو إقامــة الصــداقة بين الجنســين، شــبابا وشــابات،

صغارا وكبارا؛ نتيجة لالختالط. وهذا غير مشروع، كما هو واضح. بل أسبغوا على بعض صور العالقات غير المشــروعة عنــوان التعايش بين الجنسين، وعـدوه عقـدا مـدنيا يتم باتفــاق الطــرفين

ورضاهما.ـه ال يعـد نكاحــا بنظـر وهـذا وإن سـموه عقــدا واتفاقـا، إال أن العقالء ولدى جميع األعراف، وحينئــذ فال يكــون مشــموال للقاعــدة

القائلة بأن لكل قوم نكاحا.ــل البعض ــدان من قب ــاذ األخ ــير عن اتخ ــد ورود التعب وال يفي

؛ فإنه من الواضح أن هذه التسمية مبنية على(379))نكاح الخدن( بـــه ــراد بهــا المعــنى الحقيقي للنكــاح، وخصوصــا أن المسامحة، وال ي ليس بنكاح حتى لدى أهل الجاهليــة األولى، فليس هــو من قبيــل:نكاح الشغار المنهي عنه شرعا؛ إذ إن نكاح الشغار نكاح عندهم.

سادسا: الزواج المؤقت واتخاذ الخدن



لقـــد ذكرنــا بـــأن النص جعـــل اتخـــاذ األخـــدان في مقابــل المشــروع، وهــو الــزواج ـــ بقســميه: الــدائم؛ والمنقطــع ـــ وملــك اليمين. وعليه فال مجال لتوهم انطباق عنوان )اتخاذ الخــدن( على

.(380)الزواج المؤقت

سابعا: استفادة الحرمة من نصوص أخرى ويمكن اســتفادة تحــريم إقامــة العالقــة بين الجنســين غــير المبتنيـــة على الـــزواج أو ملـــك اليمين أيضـــا من قولـــه تعـــالى:

> عروفــا أن تقولوا قــوال م >ولكن ال تواعدوهن سرا إال235)البقرة: ــا (؛ فإذا كان محض المواعدة سرا ـ ولو مرة ـــ منهي

عنه فكيف إذا كان األمر على مستوى لقاءات متكررة يتبادل فيهاالطرفان كلمات الغرام؟!

ثامنا: استفادة الحرمة من األدلة اللبية وإلى جانب األدلة اللفظية يمكن التمسك باألدلة اللبية أيضا،

وتتمثل بأربعة أدلة، وهي: ال ريب في قيام سيرةـ سيرة المتشرعة وارتكازهم:1

المتشــرعة على عــدم اتخــاذ األخــدان. وهــذه ســيرة ثابتــة تتصــلــدينين×بزمان المعصوم ــع المت ، بل إن هذه السيرة ثابتة بين جمي

من المسلمين، بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم. ال يقال: إن الــترك يــدل على عــدم الوجــوب ال أكــثر، وعــدم الوجــوب كمــا ينســجم مــع الحرمــة يمكن أن ينســجم كــذلك مــع

الكراهة، بل ومع اإلباحة، فال معين لألول. فإنه يقال: إن هذه السيرة ليست سيرة محضــة حــتى تبتلى بهذا اإلبهام، وإنما هي سيرة مشوبة باالرتكاز المتشرعي القاطع،

وعليه فال مجال للتشكيك في داللتها على الحرمة. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

283هـ1433م ـ 2012


ــةـــ الضــرورة الدينيــة:2 ــابت وواضــح غاي إن االرتكــاز ث الوضوح، بحيث لم يعد يقتصــر على المتــدينين فحســب، بــل بــات واضــحا في أذهــان المســلمين كافــة، حــتى غــير المتــدينين منهم.

ومعنى ذلك أنه واصل إلى مستوى الضرورة الدينية.ــا دائــرةـــ ســيرة العقالء وارتكــازهم:3 ــو تخطين ــا ل إنن

ــائر المجتمع اإلسالمي زمانيا ومكانيا، وتابعنا السلوك العام في ســائم على المجتمعات، لالحظنا أن سيرة العقالء، وكذا ارتكازهم، ق التنزه عن اتخاذ األخدان. وال يمــارس هــذا النــوع من الســلوك إال السفلة والسقطة من الناس. بل إن المجتمع الجــاهلي ـــ بــالرغمر ـــ لم تكن ظــاهرة اتخــاذ األخــدان ظــاهرة من بعــده عن التحضــ مألوفة ومقبولة فيه. ومن هنا كان بعضــهم يتعاطونهــا في الســر،

وبعيدا عن أعين الناس. وحيث كانت هــذه الســيرة العامــة على مــرأى من الشــارع،

ولم يردع عنها، فيدل ذلك على إمضائها. ــائعة فيال يقـــال: ــوم شـ ــاتت اليـ ــاهرة بـ ــذه الظـ إن هـ

المجتمعات الغربية، ولم تعــد عنـدهم أمــرا مشــينا، وعليــه فال تتمالدعوى المتقدمة.

ــه يقــال: ــة مخالفــة لســيرةفإن إن شــيوع ممارســة معينــاني معين، تحت ــاني أو مكـ ــع زمـ ــازهم في مقطـ العقالء وارتكـ ظروف خاصة، ال يقدح في المدعى؛ فإنه قــد يتفــق إشــاعة بعض الممارسات المخالفة حتى للفطرة اإلنســانية في بعض الحــاالت، كما في حاالت التهتك واإلباحة الجنسية، والظلم، وانتهــاك حقــوق اإلنســان الطبيعيــة في المجتمعــات الغربيــة. بــل قــد تســن بعض القوانين من أجل تكريس وإشاعة مثل ذلك. فإن هذا كله ال ينفي أصــل الــدعوى؛ إذ إن المعيــار في ســيرة العقالء وارتكــازهم هــو



النوع، ال العــدد والكم. فالشــذوذ عن الســيرة العقالئيــة واالرتكــاز العقالئي، بل والشذوذ عن الفطرة السليمة، ليس بعزيز في حياة البشــر، وال ســيما مــع ضــغط الظــروف االجتماعيــة واالقتصــادية

والسياسات اإلعالمية والتثقيفية المنحرفة.ــام:4 ــ اختالل النظ ــريعةـ ـة أن للش ـ ــائق الجلي من الحق

اإلسالمية قوانينها الخاصة بها، وأنها تهــدف إلى صــياغة اإلنســان ـ فردا ومجتمعا ـــ في ضــوء هــذه الرؤيــة، وال ســيما في مــا يتعلــق بالجوانب األخالقية، وتعميـق ظــاهرة العفــة، والحيلولـة دون رواجــار الصــداقة بين ــه أن انتش ــا ال شــك في ــة والفســاد. ومم اإلباحي الجنسين يتعارض نوعـا مــع أهـداف الشـريعة، ويـؤدي إلى اختالل النظام الــديني في المجتمــع، مضــافا إلى مــا يجــره من المفاســد واألضــرار الــتي تهــدد أمن األســر والعوائــل، وبالتــالي تهــدد األمنــظ ــذ حف ــذر حينئ ــاس، ويتع ــه من األس ــدم كيان ــاعي، وته االجتم األعراض وصيانتها، ويصعب إقامة أحكام الله. وهــذا مــا ال يرضــي

به العقل، وال الشرع.

تاسعا: النهي عن نكاح الزاني والزانية قد يدعى داللة كل من النصين على النهي عن نكــاح الــزاني

والزانية. فهل المراد بالنهي الحرمة؟ فيه قوالن: ــا ســرا، إالاألول: حرمة نكاح الزاني والزانية، ولو كان الزن

.(381)بعد التوبة، ونسب إلى أحمد بن حنبلويدعمه إطالق النص.

ــان حكم نكــاح المســافحين ق لبي ــ إن النص المــذكور لم يس والمســافحات ومتخــذي ومتخــذات األخــدان، بـل النص ورد لبيــان مشروعية النكاح واإلحصان، في مقابل عنوان )السفاح(، وعنوان



)اتخاذ األخدان(. وبعبارة أخرى: إن مــا ورد في النص القــرآني الشــريف، من

ــوال أن ينكح<قولـــه تعـــالى: تطع منكم طـ ــ ومن لم يســـاتكم ــانكم من فتي المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمــذات افحات وال متخ ــ ــر مس نات غي ــ ــات... محص المؤمن

ــدان ــالى: >أخ ــه تع ــات...<، وقول ــل لكم الطيب ــوم أح اليــوا والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتــر نين غي الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصــ

، لم يــذكر عنــوان )الســفاح(>مسافحين وال متخذي أخــدان و)اتخاذ األخدان( وصفا للرجل الناكح، وال وصفا للمرأة المنكوحة،ــاح لكم ــنى: يب حتى يكون قيدا أو شرطا للموضوع، أي يكون المع نكاح غير المسافحة وغير ذوات األخــدان، أو يبــاح لكم نكــاح غــيرــدعى التي تســافحونها وغــير الــتي اتخــذتموها خــدنا، وعليــه قــد ي

استفادة النهي عن نكاح الزانية.ــد ــاال، ومقتضــاه تقيي ــرا ح ــدمين ذك ــوانين المتق ــل إن العن بــاح ــاح لكم النك ــنى: يب ــون المع ــذلك، أي يك ــاح ب ــروعية النك مش

واإلحصان، وال يباح لكم السفاح واتخاذ األخدان. إذا فالنص ساكت عن أوصاف المنكوحة، وإنما هو في صــدد

بيان مشروعية النكاح واإلحصان. وهو مـا ذهب إليـه بعض، من كــون اآليـة في مقـامالثاني:

الترغيب في الــزواج من غــير المســافحة وذات األخــدان، ال عــدمصفة بذلك . ونسب إلى األكثر الجواز، فتكون هذه(382)الزواج بالمت

، أي اســتحباب تــرك(383)اآليــة محمولــة على النــدب واالســتحبابنكاح المرأة المسافحة وذات األخدان.

نحن وإن كنا نتفق مع هذا القول في الجواز، ولكن ال نوافــق



على اســتفادة االســتحباب من هــذا النص؛ لعــدم كونــه في صــدد البيان من هذه الجهة بــالمرة، ال على نحــو اإللــزام، وال على نحــو

الترخيص، بل هي في مقام بيان مشروعية النكاح، كما قلنا.

نتيجة البحثأهم النتائج التي توصلنا إليها من خالل هذا البحث ما يلي:

ـ إن )اتخاذ الخدن( المذكور في النص القرآني عنــوان في1 مقابل الزنا. والمراد به الصداقة بين الجنسين. كمــا تــذهب اللغــة

إلى ذلك. ـ إن اتخاذ الخــدن ]الصــديق[ منهي عنــه شــرعا، وعقالئيــا،2وعقال. ـ إن هذا النهي مطلق يشمل جميع الحاالت، وإن خلت من3

الشهوة الجنسية، وتشمل حتى غير البالغين.ــايش بين الجنســين مرفــوض4 ــد التع ــمى بعق ــا يس ــ إن م ـشرعا.

الهوامش


السيد مهند مصطفى جمال الدين•

االجتهاد دراسة مقارنة في المفهوم والمصطلح

*(*()السيد مهند مصطفى جمال الدين

مقدمةــة اإلســالمية. يعد االجتهاد ركيزة مهمة في المنظومة الفكري وقد استمد صيرورته التاريخيــة من حاجــة المســلمين إلى تطــبيقــذين تمثلت بهم ــاء، ال ــارات الفقه الشــريعة اإلســالمية وفــق اعتبــذلك ــا ل ــوع تبع ــوعت مشــاربه، لتتن ــات البحث الفقهي، وتن اتجاه غايات االجتهاد وأدوات البحث واالستدالل. فاالجتهــاد؛ بحكم كونــه صناعة بشرية، ال إلهية، امتاز بالتعددية المنهجية والمبنائيــة داخــلر العقالء المدرسة الواحدة أو المذهب الواحد؛ ألنه انبثــق عن تفك وتأملهم في المسائل الفقهية، في محاولة للوصول إلى حل نــاجعر عــبر األزمنــة للمشكالت التي تطرأ على المجتمع البشري المتغي المتعددة واألمكنة المختلفة. إال أن هذا التعدد لم يمنع الفقهاء منــايير ــة، ومعـ ــوابط علميـ ــادي بضـ ــبط المنهج االجتهـ ــة ضـ محاولـ موضوعية. وقد اختلفت بدورها بحسب تغاير وجهات النظــر الــتيــة حــددت ــات معرفي لت آراؤهم موجه ــق؛ إذ شــك ــل فري ــا ك تبناه الكيفية التي تعاملوا بها مع موضوعة االجتهــاد، الــتي تمثــل نقطــة للتالقي واالفتراق في الوقت نفسه، وتمثل األســس والمرتكــزات التي يقوم عليها االجتهاد، والتي تقودنا إلى السؤال التالي: هل أنــاتهم ــالهم وحي ــاس ويرشــدهم، ويوجه أعم ــدي الن ــدين حين يه ال

كاتب في الجامعة والحوزة العلمية، له اهتمامات أدبية )*(*(معروفة، من العراق.


االجتهاد، دراسة مقارنة في المفهوم والمصطلح•

الوجهة المقصــودة؛ للوصــول إلى الغايــة من خلقهم، يهــديهم إلىــه، أم آليات فهم النص، وطرائق الدخول إليه، والتعامــل على هدي يترك للباحث تحديد آليات فهمه بمــا ينبثــق من دواخلــه ومعرفتــهــدة عن ســلطة النص القاصــرة؛ لتكــون مهمــة البحث والفهم بعي

وموجهاتها من ناحية أدوات الفهم والقراءة؟ واإلجابة عن هذا السؤال ترتبط بمعتقدات كل فريــق؛ فمن يؤمن بشمولية الرســالة اإلســالمية لجميــع نــواحي الحيــاة؛ لكــون القرآن الكريم والسنة الشريفة فيهما ذكر مــا كــان ومــا ســيكون، ولكونهما مشتملين على كل التفصــيالت المؤديــة إلى فهم الحيــاة وطريقة العيش فيها، فإنه سيجد أن الشــريعة قــد تكفلت بتحديــد طرائق الدخول إلى فهمها، وطبيعة معالجة نصوصــها، أي صــناعةــه، والقــائم على وضــع مجموعــة من ــديني بتنوعات منهج البحث ال الضوابط التي تحدد طبيعته، لتشــكل كليــات لهــذا البحث، ومنهــا:ر، والتأمل، وعــدم االنحــراف بــالتفكير؛ وغيرهــا من التعقل، والتدب الضوابط والمعايير التي يتم من خاللها عدم الوقوع في فخ الفهم

المتعدد الناشئ من تعدد المناهج والقبليات. أما من يرى أن الدين محـدود الصـالحيات، ومخـتزل بتعـاليم عامــة، فإنــه ســيرى عــدم تــدخل الشــريعة في كثــير من شــؤون النــاس، ومنهــا: طرائــق التفكــير المؤديــة إلى فهم النص الــديني،

والتعامل مع مشكالت الحياة المستجدة. ومما تقدم يتضح لنــا أن الخــوض في بحث االجتهــاد يتطلب التأسيس أوال لكونــه منهجــا بشــريا ينطــوي على تعــدد المشــارب واألذواق والعقليــات، ويتطلب ثانيــا االلــتزام بالضــوابط األخالقيــة

والقيمية والمعايير الموضوعية. وتبعا لذلك مر االجتهاد بأدوار تاريخيــة ومعرفيــة، لعــل أولهــا ظهور المفهــوم والمصــطلح، وهــو مــا سنعرضـه في بحثنــا ضــمن



مباحث ثالثة، اقتضتها الضــرورة البحثيــة والعــرض المختصــر غــيرالمخل ـ إن شاء الله تعالى ـ.

أوال: مفهوم االجتهاد ونشوؤه عند أهل السنةـ االجتهاد في السنة الشريفة من طرق أهل السنة 1

ادعى أهل الســنة أن كلمــة االجتهــاد بمفهومهــا الحــالي قــدوردت في السنة الشريفة كما يلي:

ـ قال الدارمي في )سننه(: عن معاذ بن جبل: »إن رســول1 سأله إذ بعثه إلى اليمن بماذا تقضي؟ فقال: أقضــي بمــا في|الله

كتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبســنة رســول الله، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي وال آلو، قال: الحمد لله الــذي وفــق رســول رســول اللــه لمــا يرضــي

.(384)رسول الله«ــمان إلى2 ــاء خصــمان يختص ــاص: »ج ــرو بن الع ــ عن عم ـ

لي: يـا عمـرو، اقض بينهمــا، قلت: أنت أولى|، فقــال|رسول الله بذلك مني يا نبي اللــه، قــال: وان كــان، قلت: على مــاذا أقضــي؟ قال: إن أصبت القضاء فيهما فلــك عشــر حســنات، وإن اجتهــدت

.(385)فأخطأت فلك حسنة« ووردت أحاديث أخرى بالمضمون نفسه، وبصيغ متغايرة.

ونســتطيع أن نلحــظ ممــا تقــدم أن الروايــات الــتي ذكــرت االجتهاد اختص بها أهــل الســنة، ووجهوهــا الوجهــة الــتي أرادوهــا؛ لتكــون مســوغا لقــولهم بــالرأي مــع النص، وليصــل إلى مزاحمــةــاب ــا مــع الكت مصــدري التشــريع الرئيســين بوصــفه مصــدرا ثالث

ــانيهم .(386)والسنة. على أن أغلب رواياتهم ضعيفة السند وفــق مب وعضــد القــول ببطالنهــا وســقوطها كثــير من البــاحثين المحــدثينــدها بعض ــات؛ إذ ع ــاديث والرواي ــذه األح ــل ه ــروا مث ــذين أنك ال



المستشرقين تحميال للعصر الذي نسبت إليه بما ال يــوائم طبيعتــه المعرفيــة. وتبــنى جماعــة من البــاحثين اإلســالميين إنكــار وجــود

.(387)|االجتهاد بمعناه االصطالحي زمن الرسول

|ـ االجتهاد بعد رحيل النبي2 | مثلما كرس أهل السنة األحاديث المروية على لسان النبي

استمروا على النسق نفسه في إيراد مسوغات لالجتهــاد، بالمــادة والهيئـة والمــدلول، ومنهــا: مـا ذكـروه في رسـالة بعثهــا عمـر بن الخطـاب إلى شـريح القاضـي، إذ قـال: »فـإن أتـاك مـا ليس في كتاب اللــه، وال في ســنة رســول اللــه، ولم يتكلم فيــه أحــد، فــإن

.(388)شئت أن تجتهد رأيك فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر« وشاعت لفظة )االجتهاد( في العصــور التاليــة، والســيما في عصر نضوج مذاهب السنة األربعة؛ إذ وردت في أكثر من موضــع؛ــديهم، وتأسســت ــة ل ــة الفقهي ــزءا من المنظوم ــا أضــحت ج ألنه مذاهبهم عليها. إال أن المصطلح قد تغير في هذه المرحلــة؛ إذ لم يقتصر على لفظ )االجتهاد(، بل أضيف إلى مدلوله مداليل أخرى،ــة، ــير عل ــرعي، ومــا يغلب في الظن من غ ــاس الش ــل: القي مث والــرأي، واالستحســان؛ إذ يقــول الشــيخ مصــطفى عبــد الــرزاق: »فالرأي الذي نتحدث عنه هــو االعتمــاد على الفكــر في اســتنباط األحكــام الشــرعية، وهــو مرادنــا بالقيــاس واالجتهــاد، وهــو أيضــا

.(389)مرادف لالستحسان واالستباط« وبذلك يخرج االجتهاد عن دائــرة المفهــوم العــام، الــذي هــوــرة ــدخل في دائـ ــرعي، ليـ ــتنباط الحكم الشـ ــد السـ ــذل الجهـ بـ الخصوص، وهو القول بالرأي مع الكتاب والســنة؛ ألنــه »ليس منــائم ــو فن وعلم ق ــل ه ــه، ب ــه، وال علم أصــول الفق مســائل الفق

. بل إن المجتهد في نظرهم يصل إلى مقــام النبــوة؛ إذ(390)بذاته«



، ينظــر الخــبر عن اللــه تبــارك|يقول الشاطبي: »المجتهد كــالنبيــال المكلفين، ق الشــريعة على أعم وتعالى، وبحسب اجتهاده يطب

. والمجتهد يقوم بتطبيق أحكام|وهي نفس مسؤولية النبي الكريم الله استنادا لمنشــور الخالفــة المــؤتمن عليــه، ولهــذا أطلــق على

.(391)المجتهدين أولي األمر، وكانت طاعتهم من طاعة الله« وبقــراءة واعيــة لمــا أوردنــاه ســابقا يتــبين بوضــوح قصــديةــاني ــذوق االستحس ــاد على ال ــالرأي، واالعتم ــول ب ــويغ للق التسد أنه الخاضع للفهم الشخصي المتغير. ولعل ما روي عن عمر يؤكــالمي. ــع اإلس ــذا المنهج في الواق ــيادة ه ــيل لس ــدد التأص في ص فالرواية الواردة عنه ال يمكن التشكيك في صــحتها مثلمــا شــككناد هذا المنحى. بالحديث المروي عن النبي؛ ألن ما ساروا عليه يؤكخــوا والغريب أن جل الباحثين الذين تنــاولوا مفهــوم االجتهــاد، وأر لــه، أرجعــوا ســبب نشــوئه عنــد أهــل الســنة إلى حاجــات العصــر

رة التي ظهرت بعد وفـاة النــبي ، ولم يلتفتـوا(392)|المتبدلة والمتغيــاحت االجتهــاد إلى المفارقة التي وردت في استدالالتهم، والتي أب ال في زمن النــبي فحســب، بــل في حضــرته، كمــا في الروايــات المتقدمة، وقالوا: »إن الرأي وجــد مــع الكتــاب والســنة في عهــد

، وإن العناصر التي كونت المــذاهب المختلفــة في التشــريع|النبي اإلسالمي عنـدما شـرع في تـدوين الفقـه وجـدت في عهـد النـبي

هــو الــذي يتكفــل|. وهو ممــا اليمكن قبولــه؛ ألن النــبي(393)أيضا« لقد من الله على﴿باإلجابة عن كل ما يرد؛ إذ يقول الله تعالى:

ــو عليهم ن أنفسهم يتل المؤمنين إذ بعث فيهم رسوال م آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمــة وإن كــانوا من

بين (.169)آل عمران: ﴾قبل لفي ضالل م

ـ مسيرة االجتهاد عند أهل السنة بين النمو واالنغالق3



اتسعت حركة االجتهــاد وهيمنت على الســاحة الفكريــة في عصــر النضــج الــذي شــهده فقــه العامــة، والســيما بعــد أن اجتــاز مراحل التأسيس األولى، واستمد وجوده من السلطة السياســية،

مما مهد لظهور تيارين متميزين داخل الحركة، وهما:ـ تيار أصحاب الرأي في العراق.1ـ تيار أصحاب الحديث في مكة والمدينة.2

لهما كبار الفقهاء، أمثال: أبي حنيفة، والشافعي، ومالــك ومث بن أنس، وأحمـــد بن حنبـــل، والحســـن البصـــري، والطـــبري،

واألوزاعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. وتزامن مع هذا االمتــداد والتوســع انشــداد النــاس إلى فقــه

، ممـا حــدا’، الـذي يقــوده اإلمامــان البــاقر والصـادق^أهل البيتــأليف بالمنصور الدوانيقي أن يطلب من الفقهاء الذين عاصــروه تـأ(. كتب تختصر أقوالهم في الفقـه، فـألف مالـك بن أنس )الموط وكان المنصور يحــاول التقليـل من تـأثير أهـل الـبيت على الواقـع اإلسالمي، وأعقبه القادر بالسير على آثــاره؛ إذ طلب هــذا األخــير من أربعة فقهــاء تصــنيف كتب في الفقــه على مــذاهبهم؛ ليحصــر الفقه بهذه المــذاهب األربعــة، ولينغلـق بعــدها بـاب االجتهـاد عنـدــارج السنة، وليحتجوا بعد ذلك باإلجماع على عدم العمل بما هو خ

.(394)المذاهب األربعة والمالحظ أن العمل باالجتهــاد أخــذ منــذ ذلــك الــوقت مجــاالل في االلتزام بقواعده التي وضـعت في مراحلـه األولى، آخر، تمث من دون اقــتراح قواعــد جديــدة، فــاكتفوا في الحاضــر بالقيــاس،ــتي واالستحسان، والمصالح المرسلة، وسنة الصحابي، وغيرها، ال فصلت في زمن الفقهاء األربعــة. فـإذا كــانت حــاجتهم إلى ظهــورــات العصــر، كمــا تقــدم، واالبتعــاد عن عصــر االجتهــاد هي متطلب



النص، فاألولى في هذا الوقت أن تكون الحاجــة أكــبر وأكــثر ممــا مضى، ونحن نعيش تبدالت لم تشهدها ساحة الفقهاء األربعة، مماــاب ــبب في فتح ب ــت هي الس ــر ليس رات العص ــدل على أن تغي ي

االجتهاد، وإال لما أجمعوا على غلقه بأمر سياسي.ــاد جــاء ألســباب سياســية ــاب االجته فالصــحيح إذا أن فتح ب اقتضتها المرحلة، مثلما أغلق بأسباب سياســية أوجــدتها الســلطة

آنذاك.ثانيا: مفهوم االجتهاد ونشوؤه عند اإلمامية

ـــ االجتهــاد في الســنة الشــريفة ومــا بعــدها من طــرق1اإلمامية

يختلف نشوء االجتهاد مفهوما ومصــطلحا وتاريخــا عنــد أهــل عما هــو موجــود عنــد أهــل الســنة؛ ألن عصــر النص عنــد^البيت

ــتنباط الحكم^اإلمامية ممتد بوجود األئمة ، فلم تظهر الحاجة السل االمتــداد الشــرعي للرســالة؛ لقــول الشرعي مــادام اإلمــام يمث

»إني تــارك فيكم الثقلين: كتــاب اللــه؛ وعــترتي، أهــل|الرســولــا كتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وإنهمــا لن يفترق بيتي، ما إن تمس

.(395)حتى يردا علي الحوض«ــان ــه، ك ولعل تبني اإلمامية االلتزام بالنص، وعدم الحياد عن

×من أكثر مظاهر التباين بين الطرفين؛ إذ عرف عن اإلمــام عليل رأس مدرســة أنه رأس مدرسة النص في مقابل عمر الــذي يمث

س وفـــق ذلـــك خطـــوط المـــذاهب الفقهيـــة،(396)الـــرأي لتتأســـ ومالمحها. يقول ابن أبي الحديد: »ولسنا بهذا القــول ناســبين إلىه عنــه، ولكنــه كــان مجتهــدا يعمــل عمر بن الخطــاب مــا هــو مــنزــرى تخصــيص ــاس، واالستحســان، والمصــالح المرســلة، وي بالقي عمومات النص باآلراء، وباالستنباط من أصــول تقتضــي خالف مــاــره. يقتضيه عموم النص، كل ذلك بقوة اجتهاده وما يؤديه إليه نظ



يــرى ذلــك، وكــان يقــف مــع النصــوص×ولم يكن أمير المؤمــنين والظواهر، وال يتعداها إلى االجتهاد واألقيسة، ويطبـق أمــور الــدنيا على الــدين، ويســوق الكــل مســاقا واحــدا، وال يضــع وال يرفــع إال

.(397)بالكتاب والنص، فاختلفت طريقتهما في الخالفة والسياسة« فالمتتبع لمصطلح االجتهاد يرى أنه لم يعرف إال في أوساط الفقــه الســني، محــددا بــالقول بــالرأي، والقيــاس، وغيرهمــا من المــداليل الــتي اســتند عليهــا االجتهــاد الســني بمفهومــه الخــاص، بوصفه مصدرا من مصادر التشريع. فكلمــا ذكــر االجتهــاد تبــادرت إلى الــذهن تلــك المــداليل، ممــا يعطي دليال واضــحا على أنــه لم يعرف بغيرها. لذلك كثر ذم االجتهاد مصطلحا ومفهومــا عنــد أهـل

ــبيت ــال^ال ــة إبط ــة في معرك ــف فكري ــوالهم مواق ؛ إذ مثلت أقالقياس والرأي، ومن ذلك:

أنـــه قـــال: »إن أصـــحاب×مـــا روي عن اإلمـــام الصـــادق المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من العلم

.(398)إال بعدا، وإن دين الله اليصاب بالمقاييس« : »من أفتى الناس برأيــه فقــد دان اللــه×وعن اإلمام الباقر

بما ال يعلم، ومن دان الله بمــا ال يعلم فقــد ضــاد اللـه، حيث أحــل.(399)وحرم في ما ال يعلم«

وقد أفرد الحر العــاملي البــاب الســادس من أبــواب صــفات القاضي لذلك، وأورد أكثر من خمسين حديثا عن المعصومين في

.(400)ذم الرأي والقياس واالجتهاد وغيرها من االستنباطات الظنية

ـ مصطلح االجتهاد عند فقهاء اإلمامية2فت ن وأخذت الهجمة على االجتهاد تأخذ مديات أوسع؛ إذ صــ

فيها الكتب، مثل:



ـ االستفادة في الطعون على األوائــل والــرد على أصــحاب1االجتهاد والقياس، لعبد الرحمن الزبيري.

ـ الرد على من رد آثار الرسول واعتمد نتاج العقول، لهالل2بن إبراهيم بن أبي الفتح المدني.

ـــ الــرد على عيســى بن أبــان في االجتهــاد، إلســماعيل3.(401)النوبختي

ـ النقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي، للشيخ المفيد.4ــ في وقد تقدم الشيخ المفيد في هذا الذم الشيخ الصدوق ـ أواسط القرن الرابع ـ في تعقيبه على قصــة موســى والخضــر؛ إذ يقول: »إن موسى ـ مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى ـ لم يدرك باستنباطه واستدالله معنى أفعال الخضر، حــتى اشــتبه عليــه وجــه األمــر بــه، فــإذا لم يجــز ألنبيــاء اللــه ورســله القيــاس واالستدالل واالستخراج كان من دونهم من األمم أولى بأن اليجوز لهم ذلك. فــإذا لم يصــلح موســى لالختيــار ـــ مــع فضــله ومحلــه ـ فكيــف تصــلح األمــة الختيــار اإلمــام، وكيــف يصــلحون الســتنباط األحكـــام الشـــرعية واســـتخراجها بعقـــولهم الناقصـــة وآرائهم

. وأعقبهما في ذم االجتهاد بالمصطلح نفسه الســيد(402)المتفاوتة« المرتضــى؛ إذ يقــول: »إن االجتهــاد باطــل، وإن اإلماميــة ال يجــوز

. فإذا وصلنا إلى(403)عندهم العمل بالظن، وال الرأي، وال االجتهاد« الشيخ الطوسي نجده يقول: »أما القياس واالجتهاد فعنــدنا إنهمــا

. وحين(404)ليسا بدليلين، بــل محظــور في الشــريعة اســتعمالهما« نجتاز عصر المقلدة إلى أواخر القرن السادس يقول ابن إدريس:ــان ــاس واالستحس ــحابنا، والقي ــد أص ــك عن ــير ذل ــرجيح بغ »وال ت

.(405)واالجتهاد باطل عندنا«

ـ تحديد مفهوم االجتهاد عند الشيعة3



وعلى ضوء ما تقدم البــد من تحديــد دقيــق للمفهــوم الــذي من أصــحابهم، وهــو أن المرجــع في معرفــة الحكم^أراده األئمة

الشــرعي هــو النص، ومــا االجتهــاد إال عمليـة اســتنباط الحكم من داخــل النص، وفي إطــاره، بمعــنى أنــه »استقصــاء طــرق كشــف

.(406)األحكام من الكتاب والسنة، فهو استنباط للفروع« وعلى الرغم من هذا الفهم الــذي يخــرج االجتهــاد عن كونــه فإننا لم نجده بهذا اللفظ، وإنما تكفلت ألفاظ أخــرى أصال مستقال

، مثــل: الفتيــا، لقــول اإلمــام^لحمل المداليل الــتي أرادهــا األئمة ألبــان بن تغلب: »اجلس في مســـجد المدينــة وأفت×الصـــادق

.(407)الناس؛ فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك« لمعــاذ بن مســلم النحــوي: »بلغــني أنــك تقعــد في×وقوله

ــل الجامع فتفتي الناس، قلت: نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك قب أن أخرج، إني أقعــد في المســجد، فيجيء الرجــل، فيســألني عن الشــيء، فــإذا عرفتــه بــالخالف لكم أخبرتــه بمــا يفعلــون، ويجيء الرجــل أعرفــه بمــودتكم وحبكم فــأخبره بمــا جــاء عنكم، ويجيء الرجل ال أعرفه وال أدري من هو فأقول جاء عن فالن كــذا، وجــاء عن فالن كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك، فقال لي: اصــنع كــذا،

.(408)فإني كذا أصنع« :×وما رواه عبد اللــه بن يعفــور، حيث قــال لإلمــام الصــادق

ــل من »إنه ليس كل ساعة ألقاك، وال يمكن القدوم، ويجيء الرج : مــا×أصحابنا فيسألني، وليس عندي كل ما يسألني عنــه؟ فقــال

يمنعك من محمــد بن مســلم الثقفي، فإنــه ســمع من أبي، وكــان.(409)عنده وجيها«

، وبلفــظ متقــارب،’ومــا روي عن اإلمــامين الصــادق والرضا. (410)أنهما قاال: »علينا إلقاء األصول، وعليكم بالتفريع«



ويلحظ مما تقدم أن المعمــول بــه في عصــر األئمــة، والــذيل بـه أصـحاب سمي فيما بعد )اجتهادا(، هو نمط اسـتنباطي توسـ اإلمام؛ للوصول إلى الحكم الشرعي. وكان في أغلبه يرتــدي رداء الرواية والحــديث والســماع، ويرتكــز على الجــانب التطــبيقي في الحكم وفهم النص، بعيدا عن التنظير االســتداللي الــذي شــاع فيالعصور التالية، فهو أقرب إلى العلم البديهي المستند على النص.

ــمنت روايـــات األئمة بعض القواعـــد المنهجيـــة^وقـــد تضـ الستنباط الحكم الشرعي، وبيــان المنهج الصــحيح لالســتنباط في

الكتــاب^مواجهة تيار االجتهاد بــالرأي؛ إذ أولى أئمــة أهــل الــبيت والسنة كــل االهتمــام؛ بوصـفهما المصـدرين الوحيـدين للشــريعة. وقد وردت روايات في ذلك تبلغ حــد التــواتر، ومنهــا: مــا روي عن

ــام الصــادق ــاب أو×اإلم ــه كت ــا من شــيء إال وفي ــال: »م ــه ق أن.(411)سنة«

ــى بن جعفر ــام موس ــماعة عن اإلم ــا رواه س ــال:× وم ، ق أو تقولـون فيـه؟|»قلت له: أكل شيء في كتاب اللـه وسـنة نبيه

.(412)«|قال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيهــف األئمة ــوا المنهج^ ولم يتوق ــا بين ــد، وإنم ــذا الح ــد ه عن

الواجب اعتماده في استنباط الحكم، أال وهو العرض على الكتاب والسنة، كما في رواية عبد الله بن أبي يعفور أنــه قــال: »ســألت

عن اختالف الحديث، يرويه من نثق به ومنهم من ال×أبا عبد الله نثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم لــه شــاهدا من كتــاب

،(413 )، وإال فالذي جاءكم به أولى به«|الله أو من قول رسول اللهــا باســم وغيرها من األحاديث والروايات التي أفرد لها الكليــني باب

)اختالف الحديث(.



ثالثـــا: اإلشـــكاالت المترتبـــة على كـــل من المفهـــوموالمصطلح

ـ اإلشكاالت المترتبة على االجتهاد مفهوما ومصطلحا 1 وأجــدني متســائال: هــل عقمت اللغــة عن أن تلــد مصــطلحا مناســبا للتفريــع واالســتنباط حــتى يتم الرجــوع إليــه أم أن التــأثر بطرق اآلخر وأدواته هي التي دفعت إلى استعمال هذا المصــطلح

دون غيره؟ أمام هذا التعارض الواضح بين المفهوم الذي حمله مصــطلح االجتهاد وبين الحث على تركه والتمسك بالســنة الصــحيحة وقــف فقهاء الشــيعة على أعتــاب القــرن الخــامس وقــد ســار بهم ركبــان المســائل ــات واألحــاديث في تبي الفقــه معتمــدين على الرواي الفقهية، حتى إذ أرخى الزمــان والمكــان بظالليهمــا وجــد الفقهــاء أنفسهم أمام سهام نقد وتجريح من قبــل الســنة؛ لكــون فقههم ال يعدو أن يكـون كمــا متراكمــا من األحــاديث والروايــات، ممــا حــدا بشيخ الطائفة إلى تأليف كتابيه: )المبســوط(؛ و)الخالف(؛ إذ قــال ــه وجــودا ــا: إن االســتدالل الحي يمكن أن يعطي للفق من خاللهم بعيدا عن المصالح المرسلة والقياس وسد الذرائع، ليمهد الطريق أمام ابن إدريس للولوج فيه بعد عصر المقلدة. إال أن اإلشكال ما لبث أن ظهر حين اختار المحقق الحلي لطرق االستنباط مصطلح )االجتهاد( ـ وبهذا يكـون اســتعماله أقـرب مـا وصـل إلينـا ــ. وقـد كــانت الذهنيــة الشــيعية معبــأة بمداليلــه المذمومــة؛ إذ إن صــدى كلمات الصدوق والمفيــد والمرتضــى والطوســي وابن إدريس مــا تزال تصك األســماع، فضــال عن كــون الروايـات واألحــاديث ماثلــة

أمامهم. فلمــاذا لم يلجــأ األوائــل إلى اجــتراح مصــطلح من كلمــات المعصومين أنفسـهم، مثـل: )الفتـوى(، الـتي وردت في أكـثر من



رواية، كما قدمنا، أو )االستنباط(، أو )التفريع(، أو غيرها؟ ل المفهــوم وتطبيقاتـه في إن القراءة الواعية لبـدايات تشــك الفقه الشيعي تدلل على أن المصطلح حين استعمل عند الشــيعة

ده نص المحقق(414)كان مثقال بتبعية المصطلح األول ــا يؤك . وهو م الحلي في تبيان حقيقة االجتهــاد، فــنراه يقــول: »وهــو في عــرفــة ــذل الجهــد في اســتخراج األحكــام الشــرعية من أدل ــاء ب الفقهــرع ــام من الش ــتخراج األحك ــون اس ــار يك ــذا االعتب ــرع، وبه الش اجتهادا... فإن قيل: يلزم ـ على هذا ـ أن يكون اإلماميــة من أهــل االجتهاد قلنا: األمر كذلك، لكن فيه إيهام من حيث إن القياس من جملة االجتهــاد، فــإذا اســتثني القيــاس كنــا من أهــل األجتهــاد في

.(415)تحصيل األحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس«ــا ولعل التبعية لم تقتصر على تسمية المصطلح قديما، وإنم تجاوزته إلى المفهوم. فمن المعلوم أن ابن الجنيد يعـد من أوائـل من فتحوا باب االجتهاد في الفقه اإلمامي، وقد أثيرت حوله حملة واسعة من تالمذته وممن تالهم؛ لدحض القــول باالجتهــاد والعمــل به؛ إذ كان الخلط واضــحا في بــدايات التأســيس لالســتدالل، علىدا الواقع الفقهي، الرغم من وجود خطين أو اتجاهين رئيسين تسي

وهما:ــوالفقــه الــروائي أو الفقــه المنصــوص األول: : وه

الذي يعتمد على عرض الروايات بوصـفها فتـاوى، بعـد االطمئنـان من ســندها وتمحيصــه، من دون اســتدالل أو تفريــع؛ إذ يعــد النصل هذا االتجاه: ابن بابويــه في الشرعي الدليل األوحد عندهم. ويمثــه )الشــرائع، المعــروف برســالة ابن بابويــه(؛ والصــدوق في كتابف وفــق هــذا النهج هــو كتابيه: )المقنع(؛ و)الهداية(. وآخر كتاب أل

كتاب )النهاية(، للشيخ الطوسي.



: وهو الثاني: الفقه االستداللي أو الفقه التفريعيــا. ــة وأدلته اســتخراج المســائل الشــرعية من مصــادرها المعرفي ورواده: ابن الجنيد؛ والعماني. فعلى الــرغم من الهجــوم على ابن الجنيد؛ باعتباره قائال بالقيــاس، إال أن منهجــه وطريقتــه هي الــتي أصبحت معتمدة فيما بعد. ومن أبرز علماء هذه المرحلــة: الشــيخ المفيد في كتابيه: )المقنعة(؛ و)التــذكرة بأصــول الفقــه(؛ والســيد المرتضى في كتبه: )الذريعة إلى أصــول الشــريعة(؛ و)االنتصــار(؛ــوط(؛ ــه: )المبس ــي في كتب ــيخ الطوس ــائل الخالف(؛ والش و)مس

و)الخالف(، و)عدة األصول(. وبحسب طبيعة العالقة التي قامت بين هذين االتجاهين فقدفين، استغرقت المحاججات والسجاالت اللفظية جل نتاجات المؤلــاره ــور بمس ــاه األول( عن التط ــروائي )االتج ــه ال ــدت الفق وأبع الطبيعي؛ إذ إنه لو بقي من دون تلك المســاجالت لوصــل إلى مــا وصل إليه االتجاه الثاني؛ وذلك النعدام الفوارق الجوهريــة بينهمــا، واقتصارها على المحددات المنهجيــة، بخالف مــا ادعي من عمــق التباين بينهما. ويؤكد ما ذكرناه قول المحقق البحراني: »إننا نــرى من المجتهدين واألخبــاريين يختلفــون في آحــاد المســائل، بــل كال ربما خالف أحدهم نفسه، مع أنه ال يوجب تشــنيعا وال قــدحا. وقــد

إلى مــذاهب غريبــة، لم يوافقــه&ذهب رئيس األخباريين الصدوقــه ــك في علم ــدح ذل ــه لم يق ــع أن ــاري، م ــد وال أخب ــا مجته عليه

.(416)وفضله« فالفوارق بين االتجاهين ـ والتي أوصــلها بعضــهم إلى ثالثين

ـــ ال تعــد خالفــات جوهريــة تقتضــي العــداوة(417)أو أربعين اختالفاــق الواحــد، والضغينة بينهما؛ إذ إن مثلها قد تقع بين أصحاب الفري كما ذكر صاحب الحدائق في نصه السابق. ولو أخضعناها للتحليل



والقراءة الموضوعية، بعيدا عن التقاطب، يتبين لنا أن كليهمــا قــد ــا مثال اعتمد طريقة واحدة في االستنباط وأخــذ الــدليل. فلــو قارن بين كتــاب )الشــرائع(، للمحقــق الحلي، وبين )مفــاتيح الشــرائع(،ــا، وهي ــتي ذكرناهـ ــة الـ ــا إلى النتيجـ ــاني، النتهينـ للفيض الكاشـ اعتمادهما طريقة واحدة في االســتنباط، والمحــدث وإن لم يفــرز قواعــده بعلم مســتقل، مثلمــا فعــل األصــولي، فإنــه عــادة يــذكر القواعد التي يعتمدها في مقدمة كتابه، كما صنع الشيخ البحــراني

بذكره الثنتي عشرة مقدمة في كتاب )الحدائق الناضرة(.ــألة وتأكيدا لما أوردناه قال اآلخوند الخراساني: »ما من مس فقهية إال ويستعان على استنباط حكمها ببعض القواعد األصــولية. وهذه القواعد قــام المجتهــد بجمعهــا في علم خــاص أســماه علم أصول الفقه. واألخباري وان كان ال يقر بوجــود هــذا العلم، إال أنــه يتنـاول قواعـد هـذا العلم ضـمنيا في فقهـه، على غـرار المجتهـد،

.(418)ويستهدي بضوئها في استنباط األحكام« ويقول السيد الخــوئي: »الــنزاع بين الفــريقين لفظي، وهــو راجع إلى التسمية، فإن المحدث ال يرضى بتسمية الحجة اجتهادا،

.(419)وأما واقعه فكال الطائفتين تعترف به« ولعل أهم نقطة ربما يتــوهم اختالف الفــريقين فيهــا تنحصــر؛ اذ ــاد واألخــذ بعلم أصــول الفقــه علمــا مســتقال ــدأ االجته في مب المجتهــد يراهمــا عنصــرين مكملين أبــدا للفقيــه، وال يمكن لــه أن يستغني عنهما حال خوضه العملية الفقهية، بخالف المحدث الذي ال يشترط ذلك. ولكنا قــدمنا أن األخــير يخــوض نفس العمليـة منــه يبحث قواعــد علم األصــول ــادا، وإن ــا اجته ــق عليه دون أن يطل

بصورة غير مستقلة وقت تصديه لمعرفة الحكم الشرعي. وكذا الخالف الرئيس الذي ذكــر بينهمـا، وهـو حجيـة الـدليل



العقلي؛ إذ يرى األصولي حجيته، وال يرى األخباري ذلك، هو خالف نظري يقوم على مسألة افتراضــية مفادهــا أنــه لــو لم يكن هنــاكــد ذاك إلى حكم العقــل. ولكن ــاب أو ســنة يرجــع عن حكم في كت الطائفــة اإلماميــة تعتقــد بعــدم وجــود مســألة إال وقـد ذكــرت في الكتاب أو الســنة، وال توجــد حاجــة لم يــرد فيهــا نص في أي زمن

كان، وقد صار إلى ذلك كبار األصوليين المتأخرين. ومن المتقدمين قال ابن زهرة: »وعنــدنا ال حادثــة إال وعلى حكمها دليل يوجب العلم، ومــتى فرضــنا عــدم الــدليل رجعنــا إلى

.(420)حكم العقل« ويمكن درج الخالف في مسألة حجية ظواهر الكتــاب ضــمنــة ــوا إلى حجي ــذين ذهب الخالف النظــري أيضــا؛ ألن األصــوليين الــذين ينكــرون ذلــك، ال ــاريين ال ــاب، في مقابــل األخب ظــواهر الكت

ــومين ــير المعص ــاب من دون تفس ــون إلى الكت ، وهم من^يرجعر القرآن طيلة فترة وجودهم التي امتدت إلى الغيبة الصغرى؛ فس

، الممثلين لالمتداد الطبيعي للرســالة، وبهم^إذ ال يعقل أن األئمة استمر عصر النص، لم يتصدوا لتفسير القــرآن الكــريم. ومن هنــا نجد الفقهاء غالبا ما يتوقفون عن الحكم لو استدل عليــه بالكتــاب

دا، ولم يكن له تفسير من المعصومين ، وناقشوا في أغلب^مجر األدلة القرآنية التي ادعي أنها ظاهرة على الحكم الشرعي الــذي

يراد إثباته.

ثمار اإلشكاالت المثارة ولكن هذه اإلشكاالت التي أثارها األخباريون أفادت المذهب

بأمور، منها: تسببها في إحــداث حــراك فقهي جــدد ينــابيع الفقــهاألول:



اإلمامي بما أثارته من إشــكاليات حـركت الذهنيـة الشــيعية لتبـدعنظريات وقواعد أصولية جديدة.

ــاني: حفظت لنــا كمــا هــائال من الروايــات في الكتبالثاألربعة وغيرها.ر باالجتهــاد الســني، الــذي كــان لــه أنالثالث: أبعـدت التـأث

يسري لوال الوقوف بحزم أمامه.

ـ حيوية االجتهاد عند اإلمامية وتجدده2ــد اســتجاب للحاجــات المتجــددة في ــامي ق ــه اإلم إن الفقــواكب ــل ي ــه؛ إذ ظ ــد باب ــة، ولم ينس ــة المتعاقب ــل الزمني المراح التطـورات الفكريـة والمعرفيــة، لتنعكس عليـه منهجيــا، من خالل استحداث آليات وطرائق تتواءم ومتطلبات العصر، غــير منقطعــة

الصلة بالمباني الرئيسة التي ارتكز عليها.ــالمعنى ــابقيه ب ــار س ــا آلث ــامي مقتفي ــه اإلم ولم يكن الفقيــرطا في الكلي، بل حاورهم وناقشهم. بل إن هذا األمر أضحى شــد المنظومة الفقهية الشيعية التزمه جل الفقهاء؛ فالشيخان المفي والطوسي ـ مثال ـ كانا ال يعتمدان على حجية خــبر الواحــد، إال في صورة حصــوله على دعم وتأييــد من دليــل العقــل، ليغــدو معتــبرا

ــه ال يفيــد(421)وحجــة آنــذاك ؛ وأنكــر ابن إدريس الحلي حجيتــه؛ ألنــات(422)العلم واليقين ــا من الروايـ ــه وحرمهـ ق على نفسـ ــي ، فضـ

الهائلــة، فلجــأ إلى االجتهــاد من دونهــا، وتــرك للعقــل أن يخــوضــات ــتنباط الحكم من اآلي ــه في اس ــة، وأن يوظف ــة الفقهي العملي

؛ وذهب المرتضــــى(423)القرآنيــــة والنصــــوص القطعيــــة فقط والطوسي إلى جواز رفع اليد عن الظهــور القــرآني انســجاما مــع

. وجوز المفيد تخصيص العمــوم القــرآني(424)متطلبات دليل العقل



.(425)والروائي بدليل العقللت الفقــه اإلمــامي وإذا كان التجــدد وتغــاير الــرؤى ســمة مثــد ــيرا عن قديما ـ كما مثلنا في الشواهد السابقة ـ فإنها اتسعت كث الفقهاء المحدثين؛ بفعل امتالكهم أدوات استداللية وآليات معرفية أفادت من العلوم األخــرى ووظفتهــا ضــمن األبحــاث األصــولية؛ اذ أبطلوا تحت مظلة التجديد قواعــد كــانت مســلمة ســابقا، وولــدوا قواعد جديدة وفق تغيرات الزمــان والمكــان وشخصــانية الفقيــه. فقد أنكــروا ـــ مثال ـــ حجيــة اإلجمــاع، إال إذا كــان كاشــفا عن رأي المعصوم؛ وأنكروا الشهرة الفتوائية، وناقشوا في إمكانيــة جبرهــاــ مثال ـ ــذا اإلبطــال اســتحدثوا ـ ــل ه للســند الضــعيف. وفي مقابــير عية، اللتين تعدان من أهم األدلة لكث السيرة العقالئية، والمتشر من المســائل المســتحدثة واالبتالئيــة، وغيرهمــا من األمــور الــتي يســتحيل أن يســتدل لهــا بالكتــاب، مثــل: حجيــة ظــواهره؛ وذلــك للزوم الدور المحال، أو االستدالل بالســيرة العقالئيــة على حجيــة خبر الواحد، بعد أن ناقشوا جميع اآليات القرآنيـة الـتي ادعي أنهــاــه تدل على حجيته، وبعد الفراغ من استحالة االستدالل على حجيت

بخبر الواحد؛ للزوم الدور المحال كذلك. وعمقوا البحث في األصول العمليــة، واســتحدثوا النظريــاتب، والتزاحم، وغيرها، وأبــدعوا في الدقيقة، مثل: الحكومة، والترت مجال مباحث األلفاظ، وقعدوا لكثــير من القواعــد الفقهيــة، وغــير

ذلك.

ـ نظرة في تطور تعريف االجتهاد3 بعد هذه الجولة الســريعة في تطــور مفهــوم االجتهــاد، ومــا أحدثه من إشكاالت أفرزت تشــكل وعي جديــد، وفهم مغــاير لمــا



أدركته األفهام السابقة، والتي نقف لهــا اليــوم وقفــة إكبــار؛ ألنهــا السبب المباشر على ما نتمتع به من إثارة االستفهام والجــدة في طرح األسئلة التي ربمــا تكــون غائبــة في ضــفاف أخــرى، نعــرض لتعريف االجتهاد قديما وحديثا؛ لنقف على مــا أثمرتــه اإلشــكاالت،

وعلى مديات تقبلها. فقد عرف علماء األصول من أهل السنة االجتهاد بأنه الظن بالحكم الشرعي. وعرفه اآلمدي بأنه »استفراغ الوســع في طلب الظن بشــيء من األحكــام الشــرعية على وجــه يحس من النفس

. وقريب من هذين التعريفين مــا جــاء(426)العجز عن المزيد عليه«ــيل العلم في كلمات الشاطبي من أنه »استفراغ الوسع في تحص

.(427)أو الظن بحكم شرعي« وقـد ضـمن علمـاء الشــيعة تعــريفهم لالجتهــاد لفظـة الظن،فـه العالمــة الحلي بأنـه »اســتفراغ الوســع مثلما فعل العامة، فعر في النظر في ما هو من المسائل الظنيــة الشــرعية على وجــه ال

.(428)زيادة فيه«ره عند العامة فهــو ويالحظ أن لفظ )الظن( لو كان له ما يبر ليس كــذلك في مــا ارتكــز في منظومــة الشــيعة الفقهيــة؛ لعــدمــر ــذا انك ــة. ول ــارع حج ــبره الش ــا اعت ــة الظن، إال م ــار حجي اعتب المتأخرون هذا التعريف، فقــالوا ـــ ومنهم الســيد الخــوئي ـــ: »إن

. وقال في(429)تفسير االجتهاد بذلك مما ال تلتزم به اإلمامية بتاتا« موضع آخر: »إن االجتهاد بمعنى تحصــيل الظن بــالحكم الشــرعيــه وتجــويزه، وال ــدون إثبات بدعــة وضــالل، إال أن األصــوليين ال يري

ــدر(430)يدعون وجوبه بوجه« . لذا عدل بعضهم إلى »أنه ملكــة يقت بها على استنباط األحكام الشرعية«، وهو ما يســتفاد من كلمــات

.(431)الشيخ البهائي



ــة على الحكم فه اآلخوند الخراساني بأنه »تحصيل الحج وعر . واالجتهـــاد بـــالمعنى األخـــير ال يمكن أن ينكـــره(432)الشـــرعي«

المحــدث؛ ألن طريقتــه هي كــذلك من إقامــة الحجــة على الحكمالشرعي.

خالصة البحث لعل من نافلة القول أن يكون الحديث عن االجتهاد مفهومــا ومصطلحا قد وصل إلى غايتــه النهائيــة، ســواء في بحثنــا المــوجزــاد هذا أم في مباحث اآلخرين التفصيلية؛ إذ إن الحديث في االجتهل حركــة فكريــة سيظل في صيرورة مستمرة ما دام االجتهــاد يمث قابلة للتجدد والتفاعل مع متطلبات الواقع، إال أن قراءتنا لالجتهــاد

نت مجموعة من النقاط الجوهرية، ومنها: مفهوما ومصطلحا بيــرهم1 ــا نظ ــنة لزواي ــد الس ــاد عن ــطلح االجته ــع مص ــ خض ـ

المنصاعة للواقع السياســي والفكــري، فقــد ضــم القــول بــالرأي، والقياس، واالستحسان، وغيرها من المصــطلحات المعتمــدة على التحليل الذوقي والتفضيل الشخصي، وعدوا االجتهــاد مصــدرا من

مصادر التشريع. ـ تجلى الخالف بين رؤية السنة لالجتهاد وبين رؤية اإلمامية2

في المصــطلح والمفهــوم والمــدلول، لتتفــرع منهــا مجموعــة من بمــا عــرف×التمــايزات المعرفيــة، بــدأت منــذ عهــد اإلمــام علي

بمدرسة النص، في قبال مدرسة الرأي. في^ـ الموقف الفكــري الحــازم الــذي وقفــه أهــل الــبيت3

حفظ الشريعة اإلسالمية من طغيان األهواء الشخصــية والتقلبــاتالمزاجية، والوقوف في وجه االجتهاد بالرأي، والعمل به.

4 ـ اختلفت الرؤية الشيعية لمصطلح االجتهاد، لتفترق منهجيا



إلى طــريقين، تغــايرا في آليــات القــول، ال في مضــامينه ومتونــهالرئيسة، مما انعكس على الواقع الفقهي في عصوره السابقة.

ـ امتاز الفقه اإلمامي بالتجــدد والحيويــة، وحمــل مســؤولية5ــايير التغيير العملي؛ بتأصيله لركائز الدين والشريعة، من خالل معــل ــدليل وتحلي ــراءة ال ــها ق ــاد على أساس ــددة، أع ــوازين مح ومــاد في عصــور جزئياته، بخالف الفقه السني، الذي سد باب االجته

سابقة. ـ ال تعدو محاوالت إعادة صياغة مصطلح االجتهاد أن تكــون6

ــا في إثارات على إشكاالت تاريخية، لو تغيرت ألحدثت تغايرا مهم عصرها والعصــور الــتي تلتهــا، أمــا في وقتنــا الحاضــر فقــد غــدت

مسألة تاريخية من غير الممكن إحداث تغيير فيها. تبين لنا من خالل منهجنا الذي اعتمدناه انحســار الخالف في االجتهاد إلى الفهم المتغاير لكل فئة، وال سيما أن أغلب الخالفات قـد انحصــرت في الجــانب النظــري، الــذي يعــد في أصـله ســاحةــائل ــ ــه في المس ــ ــور انعدام ــ ــاين واالختالف؛ إذ ال يمكن تص ــ للتب النظرية، بل إن الخالف قد يقع في ذات اإلنسان الواحــدة مــا دام

الزمان ممتدا، والمكان متسعا، وشخصية اإلنسان نامية متغيرة.

الهوامش


حق الشفعة، قراءة جديدة في شروطه ومالكاته ومعاييره •

حق الشفعة قراءة جديدة في شروطه ومالكاته ومعاييره

*(*()أ. مهدي موحدي محب

تمهيد إيجــاد حــق الشــفعة في الفقــه والحقــوق المدنيــة مشــروط بشرائط، منها: أن يكون المال من األموال غير المنقولة، والقابلة للتقسيم، وأن يكون شركة بين اثنين على نحو اإلشاعة، وأن يبــاع أحـــد الســـهمين بتمامـــه. نعم، يوجـــد خالف في بعض الشـــروط

المذكورة. ــفعة، والمقال الحاضر في صدد دراسة أدلة ومباني حق الش وبيان أن أكثر الشروط المذكورة ليست بتوقيفيــة، وإنمــا المحــورــرى أن بعض ــرر«. وي ــو »الض ــدها ه ــا وتحدي ــاس في تعيينه األس الشروط المذكورة في الروايات إنما هو بلحاظ دورها في تحقــقــات. عنوان الضرر عرفا، وهذا هو االحتمال الراجح في هذه الرواي ويرى إمكان حذف وتغيير العديد منها. وأخــيرا، ومن خالل تقســيم الشروط المذكورة ينتهي إلى أن األسباب األصــلية لحــق الشــفعة هي خصوص الشركة في المال، وكونه بين اثنين، ونقل حصة منــرى يمكن ــروط األخ ــالث، وأن الش ــريكين إلى ث ــد الش ســهم أحرة في تحقيــق ــل المقنن بلحــاظ العوامــل المــؤث إضــافتها من قب مفهوم الضرر عرفا في كــل زمــان بحســبه، بــل وبلحــاظ اختالف

طالب دكتوراه في قسم الفقه والحقوق اإلسالمية في )*(*(جامعة طهران، من إيران.


أ. مهدي موحدي محب•

موضوع الشفعة.

مقدمة ــه ــا ل في ما يتعلق بإيجاد حق الشفعة ذكرت في الفقه، وتبع في القانون المدني، عدة شروط، تصل أحيانا إلى تسعة شــروط، منها: أن يكون المال من األموال غـير المنقولــة، وأن يكـون قـابال للتقسيم، وأن يباع سهم أحد الشــريكين، وأن تكــون الشــركة بينــان ــريك إذا ك ــالم الش ــالبيع، وإس ة ب ــ ــام الحص ــل تم ــنين، ونق اث

. والســؤال المطــروح(433)المشتري مسلما، وإشــاعة الملــك، و... هو: هل أن الشروط المــذكورة تعبديــة وتوقيفيــة، وأن كــل واحــد منها ثــابت بــدليل خــاص في عــداد الشــروط الــواردة إليجــاد هــذا الحق، حــتى ال يمكن تغييرهــا، بحيث لــو لم يتــوفر أحــد الشــروط المشار إليها لم يكن حق الشفعة، أم أنه يوجد سبب ومعيار واحد هو السبب الــرئيس إليجـاد وتشــريع هــذا الحــق، وتتخـذ الشــروط

المذكورة شكلها؟ إذا كان جواب السؤال األخير إيجابيا ـــ كمــا هــو الفــرض في هذا المقال ـ فال ضرورة لعد الشــروط المــذكورة توقيفيــة، وإنمــا يلزم تكريس دراسـتنا وبحثنـا حــول النقطـة التاليـة: أي الشــروط المذكورة من قبـل الفقهــاء يلعب دورا أساســيا وفــاعال في إيجــاد المعيار المذكور في اإلطار األصلي لهذا الحق ـ والــذي نعتقــد أنــه »الضرر«، وبناء الشارع على نفيه ـ، كي نقضــي ببقائــه في عــداد

الشروط األخرى أو حذفه منها؟ واســتمرارا في البحث، وبعــد تعريــف الشــفعة، والبحث في أركانها، تعرضنا لتحليل أدلة كــل واحــد من الشــروط المشــهورة، كي نتعرف من خالل دراســة األدلــة الشــرعية، ولحــاظ المالكــات



المذكورة فيها، على الشروط الضرورية والثابتة إليجاد هذا الحق،رة. وتمييزها عن غير الضرورية والمتغي

ما هو حق الشفعة؟ الشفعة مشتقة من الجــذر »شــفع«، بمعــنى الــزوج، بخالف

. وكتب الجــوهري في تــاج اللغــة:(434)»الوتر« الــذي يعــني الفــرد . وكما هو واضــح من(435)»ناقة شافع: في بطنها ولد ويتبعها آخر«

المعاني المذكورة فإن المعنى األساسي للشفع هو االثنينية. وتمتــد جــذور المعــنى االصــطالحي للشــفعة في المعــني اللغوي، حيث ال تطلق الشفعة إال إذا كان شخصــان شــريكان فين شروطا أخرى لها. مال على نحو اإلشاعة. نعم، قد يضيف المقن

ــدني808وجاء تعريف هذا الحق في المادة من القانون الم كالتالي: كلما كان المال غير منقول، وقــابال للقســمة، شــركة بين اثنين، وباع أحد الشريكين حصته لثالث، كان للشــريك اآلخــر حــق تملك الحصة بالقيمة التي باعها بهــا للثــالث. ويســمى هــذا الحــق

بحق الشفعة، ويسمى صاحبه شفيعا. المادة القانونية المذكورة مستلهمة من فقــه اإلماميــة، وقــد تضمنت جميع شروط الشفعة تقريبا. واستمرارا في البحث، وبعد دراسة مبانيهــا، سنضــعها على طاولــة التحكيم؛ لــنرى ضــرورة أو

عدم ضرورة كل واحد من الشروط المذكورة.

أدلة ثبوت حق الشفعة إذا ألقينا نظرة على أدلة تشريع الشفعة ـ والــتي تتمثــل في

الروايات غالبا ـ واجهنا طائفتين من الروايات، هما: الروايات التي ذكرت حق الشــفعة، وأنــه مشــروطاألولى:

ــير ــذلك، نظ ــبين المالك ل ــروط، دون أن ت ــرط أو ببعض الش بش ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

311هـ1433م ـ 2012


الروايات التالية: ادق1 ه قـال: ×ــ روي عن الصـ ول اللـه« أن مـا جعــل رســ |إن

فعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق الش.(436)فال شفعة«

أنــه×ـــ وكــذلك مــا رواه محمــد بن مســلم عن أبي جعفر2فعة«ا «قال: هام ارتفعت الش .(437)ذا وقعت الس

ـ ومن جملة هذه الروايات يمكننا عد رواية يونس، عن أبي3 ، في عــداد الروايــات الصــريحة والواضــحة في شــمول×عبد الله

فعة لمن هي؟ وفي حق الشفعة، حيث جاء فيها: »سألته عن الشــفعة؟ ــوان شــ ــون في الحي ــل يك لح؟ وه يء هي؟ ولمن تصــ أي شــــوان أو يء، من حي ــل شــ فعة جــائزة في ك وكيف هي؟ فقال: الشـــاع ـ ــا، فب ريكين ال غيرهم ــ يء بين ش ــ ــان الش ـاع، إذا ك ـ أرض أو متــره، وإن زاد على االثنين ــه من غي أحدهما نصيبه، فشريكه أحــق ب

.(438)فال شفعة ألحد منهم« الروايــة الــتي ذكــرت عــدة شــروط للشــفعة، ثم الثانيــة:

ذكرت سببه ضمن قـالب مالك عـام، وهي روايـة عقبـة بن خالــد،فعة بين|، أنه قال: »قضى رسول اللــه×عن اإلمام الصادق بالشــ

رار. وقــال: ركاء في األرضين والمساكن وقال: ال ضرر وال ضــ الش.(439)إذا رفت األرف، وحدت الحدود، فال شفعة«

ــلي و على هذا األساس يمكننا القول بأن العلة والمالك األص لتشريع حق الشفعة هو الضرر الذي يحصل بــبيع الشــريك حصــته من ثالث، وتحميــل الشــريك اآلخــر الشــراكة غــير المطلوبــة لــه،

فقنن الشارع المقدس حق الشفعة لدفع هذا النوع من الضرر. ومن جانب آخر فــإن أحكــام المعــامالت ليســت بتوقيفيــة أو تعبديــة، وإنمــا أوكلت إلى عــرف العقالء، وتتبــع أسســا ومالكــات



قابلـة للفهم، فاإلصـرار على عـدم إمكـان تغـير هـذه الشـروط اليعني شيئا سوى أنها أحكام تعبدية.

ــدمتين ــدى المقـ ــم إحـ ــاس، ومن خالل ضـ ــذا األسـ على هـ السابقتين إلى األخرى، يبدو أن األساس لكل واحــد من الشــروط المذكورة لحق الشفعة هو الضرر الــذي تنتهي إليــه أخــيرا. ولهــذا ينبغي أن يصاغ حق الشفعة وشروطها بلحاظ األوضــاع واألحــوال المختلفة، وبلحاظ خصائص كل زمان، بــل وبلحــاظ كــل موضــوع، على أن تصاغ الشــروط المــذكورة بحيث يكــون لتــوفر كــل منهــا

دخل في صدق عنوان الضرر عرفا، وأن تكون من مقوماته. على هذا األساس ال نرى ضرورة في عد شيء من الشروط المذكورة في عداد شرائط إيجاد حق الشفعة، إال أن يصدق عليــه

إحدى الحالتين التاليتين: أـ أن يكون أرضية لمفهوم حق الشفعة، بحيث لو انتفى هــذا

الشرط فقدت الشفعة موضوعيتها. ــد من أســباب إدخــال الضــرر على ب ــ أن يكــون بنحــو يع ـ

الشريك نوعا، وتحققه ضروري في صدق عنوان الضرر عرفا. وعلى هــذا األســاس يبــدو في النظــر أن أكــثر الشــروط المذكورة من قبــل الفقهــاء إليجــاد حــق الشــفعة، والــتي ذكروهــا اعتمادا علي الروايات أو األصــول اللفظيــة، ال موضــوعية لهــا في إيجاد حــق الشــفعة، وإنمــا كــانت تعــد في زمــان التشــريع أســبابا نوعية إليراد الضــرر، وبالتــالي فــإذا فقــدت هــذا الوصــف لم تبــق

ضرورة الشتراطها أيضا. وفي الوقت ذاته فــإن بعض الشــروط ـــ وكمــا أشــرنا آنفــا ـ تلعب دورا فاعال في تحقيق مفهوم الشــفعة، ولهــا موضـوعية في ذلك. فهي من أركان هذا الحــق. ومن الطـبيعي أن يكــون فقــدان



ــاء الشــفعة من األســاس، وال يبقى را في انتف ــؤث ــذا شــرط م هكللشفعة موضوع، نظير الشركة.

من هنا ـ وتبعا للتقسيم المــذكور ــ فإننـا سـنتعرض للمـوارد التي وقع أبســط الخالف فيهـا، وعـدها الفقهـاء شـروطا ضـرورية للشفعة، وتبعــا لهم، ورعايــة لالحتيــاط، عــدت ضــرورية أيضــا فيالقانون المدني، حيث إنه تابع الفقه اإلمامي في ذلك، كما تقدم.

شروط حق الشفعة، دراسة وتحليل المجموعة األولى

وهي الشروط التي يتوقـف عليهــا وجــود وحيــاة هــذا الحــق، وهي من أركانه األساسية، ومن أرضــيات تحقق مفهومــه. وبــدونــارة عن الشــروط ــوعية. وهي عب أحــدها ال تبقى للشــفعة موض

التالية:

ـ الشركة في المال1ــه(440)وهذا الشرط هو أحد األركان األصلية للشفعة ؛ وذلك أن

إذا لم تكن شركة في المــال لم يكن بين الشخصــين علقــة بتاتــا، وكان أحدهما أجنبيــا عن اآلخــر بــالمرة. وال نملــك دليال عقليــا، وال نقليا، على وجود حق الشفعة بين هكذا شخصين، بل إنــه ال يوجــد شخصان أجنبيان يكونان موضوعا لخطاب الشفعة، وتصــور هكــذاــوار ليس ــو ج ــا ه ــتى أن الجــوار بم ــير ممكن أساســا. ح حــق غ

. ففي الحقيقــة(441)موضوعا لهذا الحــق إذا مــا تم تفكيــك الملكية وجود الشــركة يهــيئ األرضـية لتصــرف الشــركاء في ذلــك المــال على نحو الشركة، وهــذا هــو أول وأســاس القضــية. ولمــا اختلــفــجام ــدار االنس ــريك، ومق ــع الش ــرف م ــن التص ــراد في حس األف والتفاهم والتواؤم معه، فلذلك ال يريد الشارع فــرض شــريك على



شخص معين.

ـ إشاعة سهم كل من الشريكين2 تبرز ضرورة هذا الشرط من جهة أن إشــاعة الملكيــة تعــني أن كــل جــزء من أجــزاء المــال هــو ملــك للشــريكين معــا. وفي الحقيقة فإن كل موضع وجزء منه مملوك لشخصــين، ولهمــا حــق التصرف فيه. ومن الطبيعي فإن كل تصميم بشأنه البد أن يســتند إليهما معا. والتفاق رأيهما أهميــة بالغــة، مــع أنهمــا إذا اتفقــا على تقسيم المال لم يكن ألحــدهما حــق التصــرف في القســم اآلخــر.

ولهذه الجهة يضعف أو ينعدم احتمال وقوع الخالف بينهما.

ـ أن تكون الشركة بين اثنين3 تقدم أن الشفعة مشتقة من »شــفع«، بمعــنى الــزوج، فقــد كتب ابن منظور في هذا المجال قائال: »...وقيــل: الــوتر هــو اللــه

. وعلى هــذا فــإن(442)الواحد، والشفع جميع الخلق، خلقوا أزواجا« حق الشفعة مالزم لوجـود الشـريكين؛ وذلـك أن مفهـوم الشـفعة

. وال(443)رهين له. ولهذا فإن هذا الشرط أساسي وضــروري أيضــا يبعد أن تكون الروايات التي ذكرت هذا الشرط قد اعتمــدت على

. وكما تقدم فإن المهم عند تحقق هــذا الحــق أن(444)هذه الحقيقة يكون الشركاء اثنين ال أكـثر، سـواء كـانوا حقيقـيين أم حقوقـيين.ــان ــال حــق الشــفعة إلى وارث ذي الحــق، حــتى إن ك ــا انتق وأم متعددا، فهو بعد ثبـوت أصـل الحـق، وتـوفر شـرائطه. وعلى هـذا األساس ال يلزم بيع الشريك تمام حصــته لثــالث. ولهــذا نقــرأ في جواهر الكالم قولــه: »ثم إن المنســاق من األدلــة والفتــاوى عــدمــانت ــا إذا ك ــبيع... أم الشــفعة مــع الكــثرة الســابقة على عقــد ال

. النقطة األخرى في هذا المجال هي(445)الحقة... فالظاهر ثبوتها« ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

315هـ1433م ـ 2012


أنه إذا باع الشريك حصته تدريجا؛ بمعنى أنه باع جــزءا من حصــته لثالث، ثم باع جزءا آخر منهــا لرابــع، ففي هــذه الحــال يثبت حــق الشفعة للشريك الثاني فيما لو تملــك الجــزء األول، وأمــا إذا علمــفعة، ب عليه أثرا، ولم ينتفع من حقه في الش بالبيع األول فلم يرت فال يثبت له حق الشفعة في بيــع الجــزء الثــاني للشــخص الرابــع؛

. نعم،(446)وذلك أن الشركة صارت بين ثالثة، وال شــفعة في مثلهاهذا إذا لم نشترط في حق الشفعة بيع تمام الحصة.

المجموعة الثانية وهي الشروط التي ال يتوقف عليها وجــود حــق الشــفعة، وال يبعــد أن تكــون مســتقاة من األصــول اللفظيــة أو بنــاء العقالء، أوــات في عــداد األعراف والعادات السائدة، ولكن ذكرت في الرواي شروط الشفعة؛ باعتبارها مما يتحقق ويتبلور بهــا مفهــوم الضــرر

عرفا. وهي عبارة عما يلي:

ـ أن يكون المال غير منقول1 اعتـــبر أكـــثر المتـــأخرين هـــذا الشـــرط ضـــروريا لتحقـــق

. وفي الوقت ذاته يرى أكثر المتقدمين من فقهائنا أن(447)الشفعة.(448)هذا الحق ثابت في كل مبيع، منقوال كان أم غيره

فالــذين اعتــبروا في الملــك كونــه غــير منقــول اســتندوا إلىــة روايات ذكرت حق الشفعة في األرض والبيت، نظير: رواية عقب

، والتي تقدم نقلها.×بن خالد، عن أبي عبد اللهوفي جواب هؤالء ينبغي القول:

إن األصل هو عدم اشتراط هكذا شرط في الشفعة. أوال: نظرا للفقرة األخيرة في هذه الرواية، والتي جاء فيهاثانيا:

»ال ضرر وال ضرار«، يمكننا القول بأن الضرر هــو العلــة الرئيســة ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 316هـ1433م ـ 2012ربيع


إليجاد هذا الحق؛ كي ال يكون ذكر بعض النماذج، كــاألرض والــدار،مضرا بشمول الحكم.

في قبــال هــذه الروايــة يمكن االســتناد إلى الروايــاتثالثا: التي ذكرت أن الشــفعة ثابتــة في جميــع األمالك، نظــير: مــا روي

يء، من×عن الصادق فعة جائزة في كل شــ من أنه قال: »...الشريكين ال ــ ــ يء بين ش ــ ــ ـان الش ــ ـ ـاع، إذا ك ــ ـ ـوان أو أرض أو مت ــ ـ حي

. (449)غيرهما...«

ـ كون المال قابال للقسمة2 ذكر ابن حمــزة الطوســي هــذا الشــرط في عــداد الشــروط

ــفعة ــق الش ــاد ح ــرورية إليج ــيد(450)الض ــه ادعى الس . وفي مقابل : »وممـا انفـردت بـه اإلماميـة&المرتضى اإلجماع على ذلك، قال

إثباتهم حق الشفعة في كل شيء من المبيعات، من عقار وضيعة ومتاع وعروض وحيوان، إن كــان ذلــك ممــا يحتمــل القســمة أو ال

. وبشكل عام فإن أكثر المتأخرين يرون ضرورة هــذا(451)يحتملها« . ولعل مبناهم في ذلك هــو الضــرر الناشــئ من طلب(452)الشرط

تقسيم المال؛ وذلك أن هذا الضرر منتف على فرض عــدم قابليــةالمال للقسمة.

وفي الجواب يمكننا القول: على فرض كون المال غير قابل للقسمة فإن تحميــل الشــفيع شــريكا ال يرتضــيه، واالســتمرار في هــذه الحالــة، هــو نــوع من الضــرر. وعلى هــذا يمكن القــول بــأن الضرر في هذه الحالة إن لم يكن أكثر من الضرر في حال النزاع وطلب القسمة ـ والذي يؤدي إلى نقص القيمة ـ فهــو مســاو لــه. وعليه يمكن تصور الضرر في كلتا الصــورتين. وبنــاء على المعيــار الذي اعتمــدناه ال يبقى لــدينا دليــل على اعتبــار هــذا الشــرط في



تحقــق الشــفعة. ومضــافا إلى ذلــك فقــد ادعى الســيد المرتضــى.(453)اإلجماع على عدم اعتباره

وكتب البجنــوردي في هــذا المجــال قــائال: »فقــد يقــال بــأن الشفعة خالف األصل؛ ألنها عبارة عن ثبــوت حــق في مــال الغــير ينقله إلى نفسه، واألصل عدمـه، فـإذا شــك في أنـه هــل للشــفيع مثل هذا الحــق في المــال المشــترك الــذي ليس قــابال للقســمة؟ فمقتضى األصل عدمه. وفيه: إنه ال مجال لجريان هذا األصــل مــعــة الشــفعة«. وعلى نحــو هــذا النمــوذج اســتند إلى إطالقــات أدل الرواية النبوية: »الشفعة في كل شيء«، واستند إلى إطالقها، ثم اســتمر قــائال: »وخالصــة الكالم: إنــه مــع وجــود هــذه العمومــاتــوت هــذا واإلطالقــات ال يبقى مجــال لالســتدالل بأصــالة عــدم ثب

.(454)الحق«

ـ نقل تمام الحصة3 إذا نقل الشريك بعض حصته لثالث فهنــاك ترديــد في ثبــوت الشفعة للشفيع؛ وذلك أن مقتضــى االستصــحاب هــو عــدم ثبــوت الحق المذكور. ولهــذا حكم البعض باشــتراط نقــل تمــام الحصــة.ــتفاد من إطالق ــأن المس ــه ب ــيين قول ــب إلى بعض الحقوق وينس

من القانون المــدني هــو أن حــق الشــفعة إنمــا يثبت808المادة . (455)للشريك فيما لو نقل الشريك تمام حصته لثالث«

والذي يبــدو في النظــر ـــ في مــا يتعلق بمــا ذكــره ـــ هــو أن المستفاد من إطالق المادة المذكورة هو عكس مــا ذكــره، وذلــك بالبيان التالي: إن مفــاد إطالق المــادة المــذكورة، وعــدم تقييــدها بلــزوم نقــل تمــام الحصــة، هــو أن نقــل بعض الحصــة يوجــد حــق

من القــانون المــدني808الشــفعة. وأساســا فــإن إطالق المــادة



قاصــر عن إثبــات الــدعوى المــذكورة، بــل هــو على خالفهــا. وإن القائل لما اســتند إلى اإلطالق فهــو في الواقــع قــد جعــل النتيجــة ضيق دائرة الحكم، مع أن النتيجة الطبيعيــة لالســتناد إلى اإلطالق

هي الشمول والسعة، ال الضيق. ــا إلى مالك ــا إذا التفتن ومع غض النظر عن جميع ما ذكر فإننل بإيراد الضرر على الشريك، فإننا ســندرك هذا الحق، والذي يتمث أن الضــرر متوجه إليــه في كلتــا الحــالتين: بيــع تمــام الحصــة؛ أو بعضها. ففي صورة بيع تمام الحصــة ســيحمل الشــركة مــع من الــع البعض، مضــافا إلى الضــرر الســابق، يرتضــيه، وفي صــورة بي سيزداد عدد الشركاء، مما قد ينتهي إلى صــعوبة االتفــاق معهمــا، وهو أحد مصاديق الضرر عرفا. ولهــذا يمكن عــد الضــرر في هــذه

الحالة أشد منه في الحالة السابقة. وبهذا يرتفع الترديد المتقدم، ويتضح أنه ال حاجة إلى الرجوع إلى األصــل العملي إلثبــات عــدم ثبــوت حــق الشــفعة بــبيع بعضــو لم ــل. نعم، ل الحصة؛ وذلك أننا نعلم أن األصل دليل حيث ال دلي يكن عندنا هكذا مالك ففي تلــك الحــال يمكن االســتناد إلى داللــة التعبير »انتقال الحصة«، والتي تنصرف إلى انتقال جميع الحصــة، ومقتضــى االقتصــار على القــدر المــتيقن من االنتقــال هــو »نقــلــق ــبر في تحق ــذكور معت ــذ: إن الشــرط الم ــا عندئ الكــل«، ولقلن

الشفعة.

ـ نقل الحصة بالبيع4 مقتضى هذا الشرط هو أنه إذا نقــل الشــريك حصــته لثــالثــة المعوضــة أو... فال حــق شــفعة للشــريك ــد الصــلح أو الهب بعق

، على الرغم من أن البعض يــرى إشــكاال في اختصــاص(456)عندئذ



.(457)الشفعة بالبيع، فيما إذا كان متعلقها األرض والدار وكتب ابن إدريس في مقـــام اســـتدالله على ضـــرورة هـــذا الشرط قائال: »وال تســتحق بمــا ليس بــبيع، من هبــة أو صــدقة أو مهر أو مصالحة أو ما أشبه ذلك؛ بدليل إجماع أصحابنا عليه؛ وألن إثبات الشفعة في المهر والصلح والهبة وغير ذلك يفتقر إلى دليل

. وبشــكل إجمــالي(458)شرعي، وليس في الشرع مــا يــدل عليــه« فإن اإلجماع وفقد الدليل المعتـبر على إيجـاد حــق الشـفعة بنقــلة بغــير الــبيع يمثالن األدلــة الــتي قــدمها. وعلى األقــل فــإن الحصــ

. (459)مشهور الفقهاء قائلون بذلك وبعد أن نقل الشهيد الثاني قول المحقق، الدال على اعتبــار نقل الحصة بالبيع، كتب قائال: »هذا هــو المشــهور بين األصــحاب، بل كـاد يكـون إجماعـا، وليس عليـه دليـل صـريح، وإنمـا تضـمنت

، ثم اسـتمر(460)الروايات ذكر الـبيع، وهـو ال ينـافي ثبوتهـا بغـيره« قائال: »خالف ابن الجنيد، فأثبتها بمطلق النقل، حتى بالهبة بعوضــيص، ــي التخص ــل يقتض ــدم دلي ــه من ع ــرنا إلي ــا أش ــيره؛ لم وغ والشتراك الجميع في الحكمـة الباعثـة على إثبـات الشــفعة، وهـو دفع الضــرر عن الشــريك. ولــو خصــها بعقــود المعاوضــات ـــ كمــا

.(461)يقوله العامة ـ كان أقعد«ــرى أن إذا خالف ابن الجنيد اشتراط انتقال الحصة بالبيع، وي حق الشفعة ثابت بانتقال الحصة لثالث بــأي شــكل من األشــكال، حتى الهبة المعوضة وغيرها؛ لألدلة التي أشرنا إليها، ومنهــا: عــدم الدليل الدال على اختصاص الشفعة باالنتقال بالبيع خاصة، مضافا إلى أن جميع النواقل تشــتمل على الحكمــة من تشــريع الشــفعة، وهي دفع الضرر عن الشريك، ولو خص هــذا الحــق بجميــع عقــود

. (462)المعاوضات كان أفضل وأقوم، كما يقوله العامة



واستدالل الشهيد الثاني يؤيد تماما فرضية هــذا المقــال، من جعل المحور في شروط الشفعة هـو الضـرر على الشـريك. ومن جهة أخرى فإن نقل الحصة بأي سبب، سواء كان بالبيع أم بغيره،ــل على ــوجب الضــرر على الشــريك، وال دلي ــة المعوضــة، ي كالهب

اختصاص هذا الحكم بالنقل بخصوص البيع. ولهذا فإننا لو جعلنا المعيار في النقل هو عقود المعاوضات ـ

ــ كـان أفضـل. وفي الــوقت ذاتـه يمكن&كما قاله الشهيد الثاني اســتفادة مــا ذكرنــاه بوضــوح من روايــة ابن حمــزة الغنــوي، عن

ــو×الصادق ريكا فه ــان شــ فعة في البيوع إذا ك ، حيث يقول: »الشمن« ؛ وذلك أن لفظ »الــبيوع« تســتعمل(463)أحق بها من غيره بالث

ــذلك ــاب التغليب، كمــا صــرح ب ــود المعاوضــات من ب ــنى عق بمع البجنوردي، حيث قال: »ولكن أنت خبير بــأن ذكــر الــبيع من بــابــد أحد النواقل، واختصاص الذكر به ألنه هو الغالب في النواقل عن أهل العــرف. واحتمــال هــذا المعــنى يكفي في عــدم ظهــوره في

، وخاصــة(464)اختصاص كون الناقل هو البيع في ثبوت هذا الحــق« أن الــوارد في روايـة ابن حمــزة هــو »الــبيوع«، ال »الــبيع«، وهــذا االســتعمال للفــظ )الــبيع( يمكننــا أن نلحظــه في القــرآن الكــريم

.(465)أيضا ومضــافا إلى ذلــك فــإن اإلجمــاع على لــزوم انتقــال الحصــة بالبيع، والذي اســتند إليــه ابن إدريس الحلي، فاقــد لالعتبــار؛ ألنــه

إجماع مدركي. وأما القانون المدني فإنه تابع قول المشهور، واشترط ذلــك في تحقق الشفعة. كتب أحــد الحقوقــيين في هــذا المجــال قــائال: »هذا الشرط من النظرة الحقوقية غير قابــل للتوجيــه، ويبــدو أن شهرته في الفقه هي التي دعت كتاب القانون المدني الشتراطه،



ر من واتخاذ جانب االحتياط... إن النظام الحقــوقي يجب أن يتحــر التالعب باأللفــاظ، ويتجــه نحــو تــأمين المتطلبــات االجتماعيــة والعقلية. فحق تقدم الشريك في شراء السهم المشــاع لشــريكهــذه ــ ــترم ه ــ ــة، إال أن على المقنن أن يح ــ ــرورة معقول ــ ل ض يمث المؤسســة القديمــة والتاريخيــة، وأن يعاملهــا بحيث ال تصــطك

. (466)بالقواعد مهما أمكن« وباإليمان بالفرضية المطروحة في هــذا المقــال يفتح أمامنــاــا، ، لهــذا الحــق نوعي طريق معقــول، ومالك فاعــل، وإطــار واقعيــة ــف األزمن ــه بنحــو يتناســب مــع الفهم العــرفي في مختل ويعرف

والظروف.

ـ أن يتعلق البيع بالسهم المشترك5 هذا الشرط قد ذكر هـو اآلخـر تبعـا الستصـحاب عـدم إيجـاد الحق، ورعاية لالحتياط. ونظرا لما تقدم آنفــا فال ضــرورة العتبــار

هذا الشرط بالمرة. ــق ــاد ح ــاء إليج ــا الفقه ــتي ذكره ــرى ال ــروط األخ ومن الش

، دون ما(467)الشفعة: إسالم الشفيع فيما لو كان المشتري مسلما إذا كان الشريك كافرا، والمشتري مسلما؛ لئال يكون للكــافر حــق التملــك القهــري، ومن جــانب واحــد ـــ ومن دون لحــاظ رضــا المشــتري ـــ، للحصــة الــتي اشــتراها المســلم. ودليلــه هــو اآليــة

﴿الكريمة: بيال ــ ﴾لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين س (، الــتي تنفي ســلطة الكــافر على المســلم بجميــع141)النســاء:

أنواعها، والتي يمكن عدها مخصصا لقاعدة الشفعة الكلية. ــل ــدرة على أداء الثمن من قب ــرى: الق ــروط األخ ومن الش الشفيع، والفوريــة في األخــذ بالشــفعة. وهمــا من شــروط إجــراء



الشفعة، ال من شروط إيجاد حق الشفعة. ولهــذا فإنهمــا خارجــانعن محل البحث.

خاتمة واقتراح ــذي إذا الحظنا مبنى الشفعة ومالكها الوارد في الروايات فال يبدو في النظر أنه ال يمكن الموافقة بســهولة على أنهـا تأسيسـية صرفة، وعلى خالف القاعـدة، وخاصـة أن دأب الشــارع المقــدس في مجال العقود والمعامالت هو عدم تأسيسه لألحكــام التعبديــة، والمخالفة للقواعد المعروفـة بين العقالء. ولهـذا فـإن الــذي يبـدو في النظر أن العقالء ليسوا في معزل عن هذا الحق، على الرغمــه، ــباغ النظم علي ــه، وإس ــارع في تثبيت ــر دور الش ــا ال ننك من أنن

وإمضائه له، وتأكيده على نفي الضرر. ن أن وعلى هذا األساس فإن الذي نقترحه هو أن على المقن يلحظ ويتعرف على كل القيود والشروط التي لها دخل في تحقق الضرر النوعي من المنظار العرفي، ويصــوغ على أساســها إطــارا واقعيــا ومضــبوطا لحــق الشــفعة. بــل يمكنــه أن يلحــظ ذلــك في الموضــوعات المختلفــة بصــورة مســتقلة، مــع تهــذيب الشــروط الحقيقية عن غيرها، فقد تكــون بعض الشــروط دخيلــة في صــدق عنوان الضرر سابقا، إال أنها فقدت فاعليتها بمــرور األيــام، أو أنــه تم استنباطها لتصور أن جميع األحكام تعبدية ـ بما فيها المعامالت ـــ، مــع الغفلــة عن المالك األصــلي لتشــريعها، فتجعــل في إطــارــق ــدني المتعلق بح ــانون الم ــل الق ــل مح ــالحي، ليح ــق إص ملح الشفعة. وال يتوهم أن هذا األسلوب عــدول عن أصــول الشــريعة،

وإنما بهذا األسلوب تظهر قدرة الفقه وقابليته بوضوح.

النتيجة ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

323هـ1433م ـ 2012


المتحصل مما سبق هـو أنـه يلـزم في تعـيين إطــار الشـفعة وشــروطها لحــاظ المالك والمعيــار األصــلي لتشــريعها، وهــو دفــع الضرر. وعلى أساسه تدرس المــوارد. فكــل مــورد لــه دور فاعــل في صــدق عنــوان الضــرر النــوعي في المنظــار العــرفي هــو من شروط هذا الحق. وعليـه فالشــروط المـذكورة من قبـل الفقهـاء

على قسمين: ن اإلطار العام للشفعة، وتوجــد األرضــية أـ الشروط التي تعي لتحقق مفهومهــا. وبطبيعــة الحــال لهــا موضــوعية في إيجــاد هــذا

الحق. وهي عبارة عن الشروط التالية: ـ الشركة. 1ـ إشاعة حصص الشريكين. 2ـ أن يكونا شخصين ال أكثر. 3

ـــ الشــروط الــتي ال يــدور تحقق الشــفعة مــدارها، وإنمــا ب ذكرت في الروايات باعتبارهــا مصــاديق نوعيــة لمقومــات الضــرر

عرفا، ولهذا فهي ليست بتوقيفية أو غير قابلة للتغيير. وأما بقيــة الشــروط الــتي ذكرهــا الفقهــاء فهي مندرجــة في

القسم الثاني. ن الوضــعي في كــل زمــان يقــوم والذي نقترحه هو أن المقن من خالل دراسة األســباب النوعيــة لتحقــق الضــرر بــالتعرف على الموارد الدخيلة في تحققه، حتى بلحــاظ الموضــوعات المختلفــة، فيقوم بإدراجها في الشــروط المــذكورة في الفــرع )أ(، كي يأخــذ هذا الحــق إطــارا واضــحا ومضــبوطا وعقالئيــا وعمليــا، وذلــك من

خالل االلتفات بدقة إلى مالك تشريع الشفعة.



الهوامش

فقه التجارةدراسة في ضرورات الوعي الفقهي التجاري

*(*()فردد. علي أكبر أيزدي

*(*)زاده نجفيد. السيد رضا سليمان

**(*)أ. حسين كاويار

تمهيد ال يمكن لالقتصاد اإلســالمي عــدم المبــاالة بــاألخالق المهنيــةــد للتجــار بينمــا يهــدف إلى الحضــور في االقتصــاد العــالمي. والب والمعاهد التجاريــة أن يفكــروا في هــذا األمــر المهم للحضــور في األســواق العالميــة. ال ريب في أن هنــاك عالقــة وثيقــة بين تنميــة

أستاذ في قسم الحقوق الخصوصي في جامعة مازندران، )*(*(من إيران.

أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية في جامعة إصفهان، )**(*من إيران.

طالب دكتوراه في قسم الحقوق الخصوصي في جامعة )***(* مازندران، وعضو جمعية الشباب الباحثين في إيران، جامعة

ميمه، من إيران. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

325هـ1433م ـ 2012


التجار المنشــودة والمعرفـة االقتصـادية والتـدبير االقتصـادي عنـد التجــار. إذا قـام أحــد بمهنـة دون االطالع على األحكـام والشــرائعــأثير المرتبطة بالتجارة فال يمكن لنشاطاته أن تتمتع بالفاعلية والتــة على أن ــة االقتصــادية مبني من منظــور شــرعي وعلمي. التنمي يطلع المعنيون بالمسائل االقتصادية قبل القيــام بالتجــارة اطالعــا واسعا بالنسبة إلى الموضوعات التجارية، والقوانين المرتبطة بها،

ويراعوا سنن المعامالت غير الفاسدة والشرعية. حكم جمهور الفقهاء باســتحباب تعلم التجــارة، أمــا اآلخــرون فــذهبوا إلى وجوبــه، وبطالن التجــارة والمهنــة دون التعــرف على

األحكام التجارية وقوانينها. ــارة، من خالل وفي هذا المقال نعالج وجوب التفقه في التج

اإلشارة إلى أقوالهم.مقدمة

تعد األخالق في التجارة؛ والتزام التاجر والكاســب بــاألخالق، عــاملين رئيســين في النمــو االقتصــادي، وازديــاد دخــل المجتمــعــتزم األخالق: ــة؛ ليل ــذه الثالث ــاة ه ــومي. وعلى اإلنســان مراع الق

اإلدراك، والمطالبة، والتمكن. اإلدراك هو أن أتــزود بعلم التجــارة، وأن أعــرف مســؤوليتي

الحقوقية. والمطالبة هي التزود بباعث العمل.

والتمكن هو التجهز بالبراعات الفاعلة في العمل. قد يعرف أحد واجبه، وليس لديه القــوى اإلجرائيــة. إذا رغب بلــد في التطــور والتقــدم فعليــه أن يعــثر على نمــاذج تتالءم مــعــران ال تشــبه ــة القتصــاد إي ــرو أن الظــروف الحالي ــه. ال غ ظروف الظروف االقتصــادية ألي بلــد آخــر، ال في نظامــه االقتصــادي، وال االجتماعي، وال السياسي. بعد مضي ثالثة عقود من انتصار الثورة



اإلسالمية يمكن االعتراف بعدم تطبيق مبادئ االقتصــاد اإلســالمي في المجتمع تطبيقا كامال، ولما تعــرف التعــاليم اإلســالمية لتقــدم

المجتمع كما يليق به. ومن أهم هذه التعــاليم »تعلم التجــارة في الكســب واألمــور التجارية«. ونظرا إلى ضرورة التجارة وأهميتهــا، وتعقيــد أحكامهــاــة ــدم العلم وتنمي ــودة بين تق ــة الموج ــلة الوثيق ــا، والص وقوانينه المعامالت الشرعية في المجتمع، فقد أوجب الفقهــاء تعلمهــا، أي

»التفقه فيها«، قبل القيام بأمر ما.ــذي ــة، وال ــور التجاري ــارة لألم ــتزود بعلم التج ــوب ال إن وج ســيعالج في هــذا المقــال من منظــور فقهي، أي تحصــيل العلــوم الالزمة في التجارة، أمر أخالقي يجب االنتباه إليــه. وفي الحقيقــةــان فإن التزود بالعلوم المهنية تمهيد للمطالبة والتمكن، وال يتحقق

بدونه.

تحليل معنى التجــارة، وضــرورة تعلمهــا، من وجهــة نظــرالفقهاء

التجــارة لغــة نقــل البضــائع من مكــان إلى مكــان، أو بيعهــاــربح ــال للـ ــل المـ ــراؤها، وتنقـ ــنى(468)وشـ ــطالحا بمعـ . وهي اصـ

. (469)االكتساب، أو تبادل السلع لالنتفاع والربح يقول الراغب اإلصــفهاني: »التجــارة هي التصــرف في رأس

.(470)المال طلبا للربح« يمكن االستنتاج مما ذكرناه آنفا أن التجارة تعني تملك رأس المال، والبيع والشراء بواسطته؛ طلبا للــربح. وفي الحقيقــة فــإن التجارة نوع من عمليات اإلنتاج؛ إذ غالبا مــا تخلــق منفعــة جديــدة

بالتنقل العرضي للسلع.ــة ــة، وأن مبادل ــة إنتاجي ذهب اإلســالم إلى أن التجــارة عملي

ــام علي بين التجــار×البضائع حصة من اإلنتاج. ولذلك ساوى اإلم ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

327هـ1433م ـ 2012


وذوي الصــناعات، ويعتقــد أن التجــار هم عوامــل إيجــاد المنــافع، وأسباب ازدياد الثروة، وبرأس مالهم يجــذبون الــثروة من أقصــى النواحي إلى رقعة اإلسالم، ويوفرون حاجــات النــاس: »وال قــوامــه من لهم جميعا إال بالتجار وذوي الصناعات، في ما يجتمعون عليــديهم ــترفق بأي مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من ال

.(471)مما ال يبلغه رفق غيرهم«ــة ــا اإلســالم حــول أهمي ــتي ذكره ــدات ال وإلى جــانب التأكي التجارة، ودورها في تقدم المجتمع االقتصادي، وعبر عنهــا كعامــل

ــة العقــل، وأن تركهــا يســبب نقصــان العقل يجب أن ال ،(472)لتنميــة حــال يمكن ــه في أي نغفــل عن ذكــر نقطــة رئيســة، أال وهي أن التجارة القيام بدور مهم كهذا في المجتمع اإلســالمي؟ هــل يمكن الحصول على التقدم االقتصادي والنمو الفكري دون التعرف على مناهج التجارة المنشودة، والمعامالت غــير الفاســدة، ودون طلب العلوم الضرورية المرتبطة بأحكام التجارة وأصــولها؟ وهــل يمكن الخطو في سبيل تنمية الدخل القــومي والحركــة في طريــق نفي

االقتصاد االستكباري واالستكبار االقتصادي؟ ة إلى ــة ماســ ــاك حاج ــه؛ إذ هن ــواب ســلبي، ال ريب في والج

لتحقيق النشاطات االقتصــادية؛أوال: معرفة كافية وبراعة الزمة؛ إنجــازوثانيا: بسبب ظرافتهــا وصــلتها الوثيقــة بالمــال والــثروة؛

العمليات التجاريـة الـتي صـرح بهـا في الفقـه والدسـتور )المـادةالثانية لقانون التجارة(. : إجـادة أداء الواجبـات عنـد التـاجروثالثا

الذي جعل مهنته في المعــامالت التجاريــة )المــادة األولى لقــانونالتجارة( مها الفقهــاءورابعا : وجود أنواع من المكاسب التي قســ

إلى خمســة أقســام، أال وهي: الــواجب؛ والمســتحب؛ والمكــروه؛ــرام ــاح؛ والح ــه أداء(473)والمب ــة ال يمكن ــة تجاري ــام بمعامل . من ق

ــات ــرتطم في المحرم ــا يمكن، وي ــن م ــرعية بأحس ــه الش واجبات



والمبطالت، إال إذا تعـــرف على قـــوانين الكســـب. قـــال اإلمـــام.(474): »من اتجر بغير علم ارتطم في الربا، ثم ارتطم«×علي

وفي هذا الحديث عدة نقاط يجدر التأمل فيها: »االرتطــام« بمعــنى ارتكــاب عمــل بحيث ال يمكناألولى:

. ارتطم: ارتبك عليه أمره فلم يقدر على الخروج(475 )الخروج عنهــير ــامالت غ ــدخول في المع ــني ال ــا( يع ــه. )االرتطــام في الرب من الشــرعية، الــتي تــؤدي إلى اإلخالل في الموازنــة االقتصــادية في

المجتمع. من ســورة البقــرة ال يبــارك276 على أساس اآلية الثانية:

الله في المجتمع الذي بنى اقتصاده على المعامالت الربوية وغــيرالشرعية؛ إذ الربا يحول دون تقدم المجتمع االقتصادي.

ــة، أالالثالثة: تكرار لفظة »ارتطم« يبين هذه النقطة الهامــاز ــو إنجـ ــارة دون التفقه هـ ــرق إلى التجـ ــة التطـ وهي أن نتيجـ

المعامالت الباطلة وغير الشرعية.ولوضوح الموضوع أكثر نذكر عدة نماذج:

ـ شرط االسترداد في المعامالت، الذي يسمى »بيع عينه«1 اصطالحا، عبارة عن أن يبيع الدائن بضــاعة للمــدين بثمن مؤجــل، ثم يشتريه منه بثمن أقل من األول نقدا؛ أو أن يبيع الدائن بضاعة

. فــإذا بــاع(476)المدين قرضا، ثم يشتري منــه بثمن أقــل من األول أحد اآلخر بدلة بثمن عشرة آالف تومان قرضــا، ثم اشــتراها منــه بثمن ثمانية آالف تومان، ودفع ثمنه نقــدا، فالهــدف الــرئيس عنــد المتعاقدين في هذه االتفاقات هو أن يحصل الدائن بهــذا الطريــق على ربحه المنشود. ادعى صــاحب مفتــاح الكرامــة اإلجمــاع على

.(477)بطالن »بيع عينه« ـ إذا احتمل المدين أن الدائن قد يحتجز أمواله عند موعد2

الــدين، فيبيعهــا شخصــا مــا أو يهبهــا زوجتــه وأوالده؛ كي ال يتمكن ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

329هـ1433م ـ 2012


الــدائن من احتجازهــا. ففي هــذه الصــورة يبــدو الــبيع والهبــة مشروعين لكنه حرام وباطل؛ إذ كان قصد المــدين غــير شــرعي،

. وكذلك الــبيع والهبــة اللــذان يقصــد بهمــا(478)وهو عدم دفع الدين الفــرار من الــدين، وإن صــدق عليهمــا الــبيع والهبــة في الظــاهر،

.(479)لكنهما معاملة ربوية محرمة وباطلة وطبقا لما ذكرناه آنفــا يجب على كــل من يريــد الــنزول إلى السوق، وأن يتعاطى التجارة والكسب، أن يتعــرف على الحقــوقــام ــرتكب اآلثـ ــا؛ لئال يـ ــة في اإلســـالم، ويعـــرف أحكامهـ التجاريـ والمعاصي الكبيرة، نحو: الربا، والمعامالت غــير الشــرعية. ويجب

هــذا نصــب أعينهم، حيث قــال: »يــا×أن يكــون كالم اإلمــام عليــه ثم ــه ثم المتجــر، الفق ــه ثم المتجــر، الفق معشــر التجــار، الفق

ــارة »الفقــه ثم المتجــر«، وتقــدم كلمــة(480)المتجــر« . تكــرار عبـه من واجب ــ »التفقه« على كلمـــة »التجـــارة«، تأكيـــد على أن اإلنسان أن يطلع على أحكام التجارة اطالعا كافيــا قبــل الشــروع

فيها، وأن يهتم بالنشاطات االقتصادية مطلعا بقدر الكفاية.

العالقة بين التخلف وعدم تعلم التجارة بغض النظر عن الظروف اإلقليمية في البالد المختلفــة فــإنــف الــدول المتخلفــة. انخفاض االستغالل هو السبب األساس لتخل والنخفاض االستغالل عوامل مختلفة، من أهمهــا: فقــدان التعــاليم التخصصــية للتجــارة، انخفــاض مســتوى الدراســات، الضــعف في الثقافة والمعتقدات واإلدارة، ممارسة المناهج القديمة والتقليديــة في الزراعة والصـناعة. ويـؤثر بعض هـذه العوامــل على سـائرها. وقد نرى في الرسم البيــاني التــالي الصــالت الموجــودة بين هــذه

االنفعاالت:


فقدان التعاليمالتجارية


ــدم ــؤثرة في التق ــة الم ــل الهام ــد العوام ــة هي أح المردودير االقتصادي. وقد شــاهدنا في الرســم البيــاني الســابق كيــف تــؤث

رات التقدم. المردودية في سائر مؤث المردودية هي مــدى االســتخدام المنظم للــثروات اإلنتاجيــةــة والتعليم ــد الخــبراء التربي ن من المنتوجــات. يع إزاء مقــدار معي والوجدان المهني من العوامل الهامة في تحسين المردودية. كثيرعوا من الدول المتقدمة قــد خططــوا لقــواهم البشــرية، وقــد وســ تعاليمهم التجارية االختصاصية على عمــالهم وتجــارهم، ومن تلــك الدول: اليابان، وألمانيا، وكذلك بعض الدول النامية، مثل: ماليزيا،


الحرمان الثقافي

ضعف االعتقاد

الزراعة والصناعةالتقليديتان

ضعف اإلدارة

المستوى الوضيع انخفاضللعلم والدراسة

المردودية

ازدياد ثمن الكلفة انخفاص التصدير

ازدياداالستيرادات

ضعف الصناعة

تقليل االنتاجاإلجمالي القومي

ازدياد البطالة

انخقاض الوارداإلجمالي الفردي

هبوط األمناالجتماعي

ازدياد الظلماالقتصادي الغذاء السيئ


وكوريا. تعد قوى اليابان العاملة حاليا من أكــثر القــوى تثقيفــا في % من اليابانيين يشتغلون بالدراســة حــتى الثامنــة94العالم؛ فإن

.(481)عشرة من عمرهم

وجوب تعلم التجارة في الفقه يــرى الفقهــاء أن وجــوب تعلم أحكــام التجــارة وأصــولها منــه ليس على أولى النقاط وأهمها في موضوع التجــارة. اللهم إال أن التاجر أن يكون مجتهدا، بل يكفيــه التقليــد. إذا المــراد من التفقه

في التجارة التعرف على أحكامها، ال االجتهاد فيها. حكم جمهور الفقهاء باستحباب تعلم أحكام التجارة، والتفقه

.(482)فيها إلى أنـه يسـتحب(483)ويشير ابن إدريس في كتابه )السرائر(

ــز بين ــا، ليمي لإلنسان إذا أراد االتجار أن يتفقه في سننها وأحكامه العقود الفاسدة وغير الفاسدة، وليسلم من الربا والذنوب الــتي ال

: »يــا أيهــا النــاس تفقهــوا في×علم له بها؛ إذ يقــول اإلمــام عليجروا، فوالله، الربا في هــذه األمــة أخفى من مشــي التجارة ثم ات النملة ليال على صخرة ملساء«. ثم يشرح قــائال: »ينبغي لإلنســانــة ــه؛ ليعــرف كيفي ــدئ أوال فيتفقــه في دين اذا أراد التجــارة أن يبتــز بين العقــود الصــحيحة والفاســدة؛ ألن العقــود االكتســاب، ويمي الفاسدة ال ينتقل بها الملك، بل هو باق على ملكية األول، ويســلمـه روي ـ من الربا الموبق، ويرتكب المآثم، من حيث ال يعلم به، فإن

ــه قــال: »من اتجــر بغــير علم ارتطم في×عن أمــير المومــنين أنالربا، ثم ارتطم«.

وهنا سؤال: ما هو حكم الذي يريــد االتجــار، ولعــدم معرفتــهــير ــامالت غ ــا والمع ــرتطم في الرب ــا ي ــارة وقوانينه ــام التج بأحك



الشرعية؟ ــه يجب عليــه تعلم بناء على الروايات وبراهين العقالء يبدو أن قواعد التجارة؛ كي ال يرتكب حراما أو باطال، وخاصة أننا قد نــرىــا، في نص األحاديث: من اتجر بغير علم ال يمكنه التخلص من الرب ويرتطم فيــه؛ اللتبــاس العقــود الصــحيحة والفاســدة عليــه. يقــول

»حكم الفقهـــاء باســـتحباب تعلم أحكـــام: (484)صـــاحب الجـــواهرــرتطم التجارة يقصد به قبل القيام بها، ال استحبابه مطلقا«؛ لئال ي اإلنســان في المعــامالت الفاســدة وغــير الشــرعية، ويأكــل مــاالــرك ــات وتـ ــان في أداء الواجبـ ــه يجب على اإلنسـ ــل، ألنـ بالباطـ المحرمات أن يعرف فــرائض األحكــام ومحرماتهــا؛ كي ال يــرتكبــحته المعاصي واآلثام. فإذا عقد التاجر عقدا ما، ولم يبحث عن ص وفســاده، ثم أنجــز معاملــة فاســدة، وأكــل المــال بالباطــل، فهــو

مذنب. وعلى أية حال فــالمراد بالتفقه المســتحب إحــراز المعرفــةه لكثــير ممــا يعتــبر فيــه على وجــه قبل الشروع؛ مخافة عدم التنب يقتضي فساده، فتندرج في أكل المال بالباطل، ال مطلقا، ضرورة وجوبها بحكم الشرع في كل فعل ترك، فــإن طلب العلم فريضــة على كل مسلم. نعم، ال يعتبر في الشــروع في أســباب المعاملــة سبق العلم بالصحة والفساد، بخالفه في العبادة المعتبر فيهــا نيــة القربــة، فلــه حينئــذ إيقــاع المعاملــة مثال، ثم الســؤال عن صــحتها وفسادها، ثم ترتيب اآلثار على ذلك، فلو رتبها قبل ذلك بــأن أكــل المال أو وطأ الجارية مثال كان آثمــا، وإن أصــاب الواقـع، كمــا هــو

واضح. يـــرى المحـــدث البحـــراني أن التفقه في التجـــارة من أهمــد ــة واضــحة. وفي فوائ ــه دالل الفــرائض، وأن الروايــات تــدل علي



ــني وجوب تعلم أحكام التجارة يقول: »على كل مســلم واجب عي أن يتعلم أحكامه الشرعية والدينيــة. فمن يريــد االتجــار فعليــه أنــه يتعلم أحكام ما يتواله؛ ليتمكن بذلك من االحتراز عما حرمــه اللــع ــا، وبي ــا أحلــه وحرمــه، وال ســيما الرب ــه، ويعــرف م ــالى علي تعــز بين المعــامالت الصــحيحة والفاســدة؛ المجهول، وشرائعه، ويمي كي ال يرتطم في الذنوب، وال ينطبق عليه هــذا الحــديث: »التــاجر

.(485)فاجر، والفاجر في النار«ــواجب ــارة إلى أن ال ــدة األولى اإلش ــدم في الفائ ــد تق »ق العيني بالنسبة إلى العلم باألحكام الشرعية ما يتوقف عليه صــحةــه العمل الذي يشتغل به المكلف، من حج أو زراعة أو تجــارة، فإنــا البد من التفقه في ذلك العمل، ومعرفة أحكامه، وما ال يجوز وم يصــح بــه ويفســد. فينبغي لمريــد التجــارة أن يبــدأ بالتفقه في مــا يتواله منها؛ ليتمكن بذلك من االحتراز عما حرم اللــه تعــالى عليــه في ذلك، ويعرف ما أحله وحرمه، وال سيما الربــا، وبيــع المجهــولــل، وآداب التجــارة من ــوزن والكي ــه ال ــا يشــترط في وشــرائه مم مستحباتها ومكروهاتها، وإن كان أهل هذا الزمــان واأليــام؛ لمزيــد جهلهم بأحكـام الملـك العالم، ال يبـالون بمـا وقعـوا فيـه من حالل

: التاجر فاجر، والفاجر في النار«.|وحرام، وقد قال يمكن أن نعتــبر كالم صــاحب الجــواهر والمحــدث البحــراني الجمع بين النظريتين. وعلى هذا فالفتوى باستحباب التفقه للذين لم يقوموا باالتجار بعد، وأمــا الفتــوى بوجوبــه فهي للــذين عزمــوا على الــدخول في ســوق التجــارة، وباشــروا االتجــار، فهاهنــا يجب

في تأييد وجه الجمــع( 486)عليهم تعلم التجارة. يقول السيد الخوئيــل ــتي يحتم ــع ال ــتحباب التفقه في المواض ــد من اس ــذا: القص ه الشــخص أن يصـاب بهــا ولمـا يـدخل فيهــا، لكن عنـدما دخــل في



االتجار، واطمأن بابتالئه بهــا، فعليــه أن يتعلم األحكــام. »قــد وقــع اإلشكال في هذا التعبير، أي باالستحباب، مع أن تعلم األحكام من الواجبات؛ لآليات، والروايات الكثــيرة ومنهــا: آيــة النفــر. وتوضــيحــا عن ــونا له ــرعية ص ــام الش ــد يجب تعلم األحك ــه ق ــألة أن المســل االندراس. وهذا ال يختص بأحد دون أحد، بل هو جار في حــق ك أحد، ويجب عليهم كفايــة، كمــا هــو مقتضــى التعبــير بـــ )من( في

ة﴿قوله تعالى: نهم طائفــ ة م إلخ.﴾فلوال نفر من كــل فرقــــل ــل يجب على ك ــذا القســم من التعليم ال يختص بشــخص، ب وه شخص، ولكن كفايــة، بحيث لــو تعلم من بــه الكفايــة لســقط عن الباقين، كما عــرفت من اآليــة. وكــذلك ال تختص بحكم دون حكم، بل يجب تعلم جميع األحكام؛ لكي ال تندرس، بل تبقى على طــول الزمـــان؛ حـــتى المســـائل الـــتي ال يبتلى بهـــا، كمســـائل الحيض والنفاس والحدود ونحوها. ثم إن التعلم في هذا القســم البــد وأن يكون عن اجتهاد واستنباط، فــإن بقائهــا إنمــا يكــون كــذلك. فهــذا القسم من وجوب التعلم عن اجتهاد بعنــوان الكفايــة، فلــو تركــوه

لعوقب الجميع«. أنـــه قـــال: »من أراد التجـــارة×روي عن اإلمـــام الصـــادق

فليتفقه في دينه؛ ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليــه، ومن لم . يقــول الشــيخ(487)يتفقه في دينه ثم اتجــر تــورط في الشــبهات«

ــد نظريــة وجــوب ،(488)الكليني في فروع الكافي ضمن أحاديث تؤيالتفقه: »ال يقعدن في السوق إال من يعقل الشراء والبيع«.

هذا الفرض والوجوب من باب المقدمة، كمــا زعمــه الوحيــدــاني ــ ــحيحة(489)البهبه ــ ــامالت الص ــ ــوب المع ــ ؛ إذ ال ريب في وج

والشرعية، واجتناب المعامالت الباطلة والمحرمة، فيجب كــل مــايعتبر مقدمة لها، فيجب التفقه في التجارة.



ــا ــحاب، تبع ــروف بين األص ــاري: »المع ــيخ األنص ــول الش يق اسـتحباب التفقه في مسـائل ،(490)لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي

الحالل والحــرام المتعلقــة بالتجــارات؛ ليعــرف صــحيح العقــد من فاسده، ويسلم من الربا. وعن اإليضاح النافع: إنه قــد يجب. وهــو ظاهر عبارة الحدائق أيضا. وكالم المفيد في المقنعة أيضا ال يــأبى

ا الذين آمنــوا ال﴿الوجوب؛ ألنه بعــد ذكــر قولــه تعــالى: يا أيهــارة عن ــون تجــ أن تك ــل إال تأكلوا أمــوالكم بينكم بالباط

ــا﴿(. وقوله تعالى: 29 )النساء: ﴾تراض ــات م أنفقوا من طيب (، وهــذا نهي عن طلب الخــبيث للمعيشــة267)البقــرة: ﴾كسبتم

واإلنفــاق، فمن لم يعــرف فــرق مــا بين الحالل من المكتســب والحرام لم يكن مجتنبــا للخــبيث من األعمــال، وال كــان على ثقــة

ــأنهم﴿في النفقة من طيب االكتساب. وقال تعالى أيضــا: ذلك ببا م الر ر ــع وحــ با وأحل الله البي ﴾قالوا إنما البيع مثل الر

(، فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا؛ ليعلم بذلك275)البقرة: ما أحل الله وحرم من المتــاجر واالكتســاب. وجــاءت الروايــة عن

أنه كان يقول: »من اتجــر بغــير علم فقــد ارتطم×أمير المومنينــارة×:في الربا، ثم ارتطم«. ثم قال: »قال الصادق من أراد التج

فليتفقه في دينه، ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليــه، ومن لمجر تورط في الشبهات«. يتفقه في دينه ثم ات

ثم أضاف: »فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر، بــل األولى وجوبه عليه عقال وشــرعا، وإن كــان وجــوب معرفــة بــاقي

المحرمات من باب العقل فقط«. يعتبر اإلمام الخميني وجوب تعلم أحكــام التجــارة من قبيــل:

)وجوب مقدمة الواجب(، ويقول في صورة القياس المنطقي: ـ معرفة األحكام مقدمـة ألداء الفـرائض وتـرك المحرمـات1



)الصغرى(.ـ مقدمة الواجب واجب )الكبرى(.2

النتيجة: تعلم األحكام واجب. يعتقد اإلمام الخميني أن تعلم أحكــام التجــارة واجب عيــني، ويضـــيف: »إن االشـــتغال مثال بالتجـــارة، الـــتي فيهـــا محرمـــات وواجبــات، ال يــؤمن معــه من العقــاب، فالبــد من تركــه، ولــو أرادــأمن من العقــاب. االشــتغال بهــا يحكم العقــل بوجــوب التعلم؛ لي فالوجوب هاهنــا كوجــوب الفحص عقال عن طعــام يريــد أكلــه، والــه مســموما. فــالوجوب غــيري لمـن أراد التجــارة، ــأمن من كون ي المقــدمي، وال نفســي، كمــا نســب إلى األردبيلي. والقــول بعــدم الوجوب؛ إلمكان التحرز بترك ما يحتمــل فيــه المحــرم خــارج عن البحث، فإن الكالم في التاجر المشــتغل بالتجــارة أو المريــد لهــا، ــتمال وفي الجاهل، ال في العالم الذي يعلم أن ما يرتكب ليس مش على الحرام. وأما الواجب الشرعي فالظــاهر عـدم اســتفادته من

ــل قوله ــإن مث ــام، ف ــواردة في المق ــات ال : »طلب العلم|الرواي فريضة على كل مسلم« ال شــبهة في عـدم كــون المــراد منــه أن جميع العلوم واجبة على جميــع النــاس، فالبــد من إرادة كونــه في الجملة من الفرائض، ولعل المراد به هو العلم بأصول الدين، ومــا يدل على الحث على طلب العلم يمكن أن يكــون إرشــادا إلى مــاــات شــواهد على اإلرشــاد، ــك الرواي ــل في تل ــل، ب ــه العق حكم ب

جر بغير علم فقد ارتطم في الربا، ثم ارتطم«.×كقوله : من ات

ضرورة تعلم التجارة في القرآن بناء على ما جاء في التفاسير يشــير القــرآن الكــريم بشــتى

في(491)الطرق إلى ضرورة تعلم التجارة. يقول الفاضــل المقــداد



من سورة البقرة، وفيها أمر الله تعالى المؤمنين267شرح اآلية ــتي اكتســـبوا من التجـــارة، ــة الـ باإلنفـــاق من أمـــوالهم الطيبـ واستخرجوا من األرض، ال من األموال المحرمــة والخبيثــة: »تــدل هذه اآلية على وجوب التفقه في التجارة؛ كي يعرف ما أحله اللــه

وحرمه، وال يتورط في الذنوب«. في شأن نزول هذه اآلية: »نـزلت هـذه×ويقول اإلمام علي

اآلية في الذين كانوا يمزجون بين التمر اليابس وغير الجيد والتمر. (492)الجيد، ثم ينفقونها، وأمروا في هذه اآلية باجتناب هذا العمل

أنــه قــال: إنهــا×وفي مجمع البيان روي عن أمير المومــنين نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونــه في تمــر الصــدقة،

فنهاهم الله عن ذلك. أنهــا نــزلت في×وفي روايه أخرى روي عن اإلمام الصــادق

الذين كانوا ينفقون في سبيل الله أموالهم التي اكتسبوا من الربا في الجاهلية، فنهاهم الله عن عملهم هــذا، وأمــرهم باالنفــاق من

.(493)طيب أموالهم أنهــا نــزلت في أقــوام لهم أمــوال×وروي عن أبي عبد الله

من ربا الجاهلية كانوا يتصدقون منها، فنهى اللــه عن ذلــك، وأمــربالصدقة من الحالل.

ونظرا إلى هذين الشــأنين تظهــر داللــة اآليــة الشــريفة على وجوب التفقه وتعلم أحكام التجارة للــذين يشــتغلون بالتجــارة؛ إذ عدم التفقه في التجارة يؤدي إلى عدم معرفة اإلنسان حالل اللــه وحرامه، ثم إلى عــدم تعرفــه على التجــارة الشــرعية، واالرتطــام

في المعامالت الفاسدة والنشاطات االقتصادية غير الشرعية. من سـورة122في تفسير اآليـة ( 494)يقول الشيخ الطبرسي

ــان المؤمنــون﴿التوبة، حيث قال اللــه ســبحانه وتعــالى: وما ك



ة نهم طآئفــ ة م ر من كــل فرقــ ــوال نفــ ة فل روا كاف لينفــومهم إذا رجعــوا إليهم هوا في الدين ولينــذروا قــ ليتفق

(: »القصد من التفقه الخبرة في122 )التوبة: ﴾لعلهم يحذرونــأن األحكام الفقهية؛ كي يتعلم منه اآلخرون تلك األحكام. يرجع ش

ــبي ــة إلى خــروج الن ــزول اآلي ــا بقي أحــد في|ن إلى الحــرب، وم المدينــة إال المنــافقون والمعــذورون، ثم أنــزل اللــه تعــالى آيــاتــانوا ــذين ك ــون ال ــم المؤمن ــافقين، فأقس ــالب المن ــة بمث مرتبط

أن ال يمتنعــوا عن المشــاركة في أيــة حــرب من| يصاحبون النــبي الحروب التي أمر بها النبي، غزوة كانت أو سرية ـ حرب أو مهمة

ــبي ــه المســلمين| لم يشــارك فيهــا الن ــول الل ــ، ثم أمــر رس ــ بالمشاركة في سرية، وخرجوا إليها، وتخلوا عنه، ثم أنزل سبحانهــه يجب عليهم أن ال يخرجــوا للحــرب جميعــا، وأن هذه اآلية في أن

ــول الله ــد رس ــدد منهم عن ــريعة،|يبقى ع ــام الش ــوا أحك ، ليتعلم ويعلموا المحاربين القرآن وأحكام الدين، وينصــروا دين اللــه بهــذا الطريق. فالتفقه في أحكام الشريعة، ومنهــا المرتبطــة بالتجــارة،

ضروري«.ــيء. وفي »التفقه يعني تعلم الفقه. والفقه يعني العلم بالش حديث سلمان أنه قال المــرأة: فقهت، أي: علمت وفهمت. شــأن

|الــنزول: كــان رســول الله ــه إال ــا لم يتخلــف عن إذا خــرج غازي المنافقون والمعذرون. فلما أنـزل اللــه تعــالى عيــوب المنـافقين، وبين نفاقهم في غزوة تبوك، قال المؤمنون: واللــه ال نتخلــف عن

|، وال سرية أبـدا. فلمـا أمـر رسـول الله|غزوة يغزوها رسول الله |بالسرايا إلى الغزو نفــر المســلمون جميعــا، وتركــوا رســول الله

روا﴿وحده، فأنزل اللــه ســبحانه: ﴾وما كــان المؤمنــون لينفــ اآليـة، عن ابن عبـاس، في روايـة الكلـبي. وقيـل: إنهــا نـزلت في



، خرجــوا في البــوادي، فأصــابوا من|ناس من أصحاب رسول الله الناس معروفا وخصبا، ودعوا من وجــدوا من النـاس على الهــدى، فقال الناس: وما نراكم إال وقد تركتم صاحبكم، وجئتمونا، فوجدوا في أنفسهم في ذلك حرجا، واقبلوا كلهم من البادية، حتى دخلــوا

، فأنزل الله عز وجل هذه اآلية«.|على النبي من سـورة النحــل،44في اآليـة ( 495)جــاء في تفســير القمي

ل﴿ويقول تعــالى: وأنزلنا إليــك الــذكر لتبين للناس مــا نــز : »فـــرض اللـــه على نبيـــه أن يـــبين﴾إليهم ولعلهم يتفكرون

للناس ما في القرآن من األحكام والقــوانين والفــرائض والســنن، وفرض على الناس التفقه، والتعليم، والعمل بما فيه، ال يسع أحدا

جهله، وال يتعذر في تركه«.المسؤولية الجزائية في ترك تعلم التجارة

بناء على ما ذكر آنفا يخطـر في البـال سـؤال، أال وهـو: هـل الذي اشتغل بالتجارة قبل أن يتعلم مسائل التجارة، ثم تورط في المعاصــي، يســتحق العقــاب من جــانب الشــارع أم ال؟ وهــل لــه

مسؤولية جزائية مدنية؟ يمكن القول: إن شخصا كهذا ينطبق عليه سنة »الدرء«، وال شيء عليه. والدليل على ذلــك الروايــات المــذكورة في معذوريــة

في×الجاهل بالحكم والموضوع. وكذلك روي عن اإلمام الصــادق صــحيحة عبــد الصــمد بن بشــير أنــه قــال: »أي رجــل ركب أمــرا

.(496)بجهالة فال شيء عليه« يبدو أن الجهل الــذي يرفـع المســؤولية الجزائيـة هــو الجهــل القصوري، ال الجهــل التقصــيري، يعــني أن الــذي أســلم حــديثا، أوــام التجــارة، إذا ارتكب ــه تعلم أحك ر ل ــذي يعيش حيث ال يتيســ الــه ر ل ــ ــاش حيث تيس ــا إذا ع ــاقب؛ أم ــارة لم يع ــرام في التج الح



الحضور عند علماء الدين والخــبراء، وتعلم أحكــام التجــارة، لكنــه كســـل ولم يبـــادر إلى تعلمـــه، ثم ارتكب حرامـــا، فعليـــه ذنبـــه، ويستحق العقوبة )التعزير(. ونستنتج هذا األمــر أيضــا من روايــات معذوريـــة الجاهـــل بـــالحكم والموضـــوع. كمـــا روي عن اإلمـــام

في صــحيحة الحلــبي أنــه قــال: »لــو دخــل رجــل في×الصــادق اإلسالم، وأقر به، ثم شرب الخمر، وزنى، وأكــل الربــا، ولم يتــبين له شيء من الحالل والحرام، لم أقم عليه الحد إذا كان جاهال، إال أن تقوم عليه البينة أنه قرأ السورة التي فيها الزنا والخمــر وأكــل الربا، وإذا جهل ذلك أعلمته وأخبرته، فإن ركبه بعــد ذلــك جلدتــه،

وأقمت عليه الحد«. بعد التأمل في الروايات المــذكورة يمكن أن نســتنتج األمــور

التالية:ر،األول ــ : مفاد هذه الروايات في الجاهل القاصر، ال المقص

ــع ــدة رف ــتثنى من قاع ر مس ــ ــل المقص ــول: إن الجاه فيجب القالمسؤولية عند الجهل.

من يعش في المجتمــع اإلســالمي، ويتــوفر لــه منالثاني:ــه ــه، ال يمكن ــام اإلســالم وقوانين ــرف على أحك ــات التع ــل الجه ك التخلص من المسؤوليه الجزائية بادعائــه الجهالــة، إال ـــ كمــا ذكــر سابقا ـ إذا عاش مثال في المناطق المنبوذة أو القرى النائية، ولم يتمكن من تحصــيل العلم. أو بعبـارة أخــرى: كــان جهلـه قصــوريا. والجهل القصوري يرفع المسؤولية الجزائية البتة، دون المسؤولية المدنية. وكما يبين الفقهاء: الجهل يرفع الحكم الفرضي، ال الحكم

الوضعي.ــالث: ــحيحةالث ــذكورة من ص ــارة الم ــة العب ــاء على نهاي بن

الحلبي فإن المهم هو اطالع الناس على المعــامالت عنــد ارتكــاب



الجريمة، ال عقوبتهم، ففرض على الشارع أن يوفر للتجار ظروفا وأرضية مناسبة لتحصيل أحكام التجارة، ويعرفهم أصــول التجــارة

الشرعية والحقوقية.

التوصيات واالقتراحات إذا رغب بلـد في الــرقي والتقـدم فعليـه البحث عن قـدوات مالئمــة لظروفــه. ال غــرو أن الظــروف الحاليــة القتصــاد إيــران الــد آخــر، ال في نظامــه االقتصــادي، وال تشــبه الظــروف في أي بل االجتمــاعي، وال السياســي. وبعــد مضــي حــوالي ثالثــة عقــود من انتصــار الثــورة اإلســالمية يمكن االعــتراف بعــدم تطــبيق مبــادئ االقتصاد اإلسالمي في المجتمع تطبيقا كامال، ولما تعرف التعــاليم اإلسالمية لتقدم المجتمع كمــا يليــق بــه. ومن أهم هــذه التعــاليم: »تعلم التجارة في الكسب واألمور التجارية«؛ نظــرا إلى ضــرورةــة ــا، والصــلة الوثيق ــا وقوانينه ــد أحكامه ــا، وتعقي التجــارة وأهميتهــرعية في ــامالت الشـ ــة المعـ ــدم العلم وتنميـ ــودة بين تقـ الموجـــه فيهــا«، المجتمع، فمن الواضح وجوب تعلمها، أي »وجوب التفق

قبل القيام بأمر ما. معرفة أحكام التجارة وقوانينهــا أمــر أخالقي، يمهـد األرضـية للمطالبــة والتمكن. فلــذلك يبــدو ضــروريا وضــع قــوانين مرتبطــة بمراحل التدريب التجاري ــ قصيرة األمد وطويلة األمــد ــــ للــذين يشتغلون بالتجارة أو يعزمــون عليهــا؛ تعرفــا على قواعــد التجــارة اإلســالمية وأحكامهــا. ويعــد هــذا األمــر خطــوة طويلــة في توجيــهــه اقتصاد المجتمع إلى اقتصاد إســالمي غــير فاســد. ال ريب في أن إذا امتلك التجار والكسبة والمعنيون باقتصاد المجتمــع نشــاطاتهم خــبرة كاملــة في األحكــام الشــرعية يتحــول المجتمــع في ســبيل



الرقي االقتصادي تحوال ملحوظا. من البــديهي أن علم التجـارة لــه درجــات، بنـاء على مكانــة وشأن نتيجة عمل التاجر كما وكيفا. يعني من كانت مهنته محــددة وفردية فمراحــل تدريبــه التجــاري أكــثر تحديــدا، ومســتوى علمــهة أو الضروري أكــثر ســذاجة من الــذي يــدير شــركة تجاريــة خاصــ حكومية. والبد لهذا األخير أن يكون مدى تدريبــه ومقــدار معرفتــه أكثر وأوسـع وأعمــق بالنســبة إلى أحكـام المهنـة وطرقهــا. يمكن ــدة أن تلعب دورا للحكومــة اإلســالمية من خالل تقــديم حلــول جي هاما في تحسين إنجاز األدوار المذكورة، وتشجيع التجار والكســبة على تعلم التجارة. مثال: أن تجعل إجــازة العمــل أو إنشــاء شــركةــة منوطــا بالحضــور في المراحــل المــذكورة، وأخــذ شــهادة تجاري »التدريب التجاري«، وأن تعفي ذوي الشهادة لهــذه المراحــل عنــيرة في ــة كث ة من الضــرائب، أو تجعــل وســائل دعم وحماي حصــ متناول أيديهم. والبد لنــا من التصــريح بــأن تكــوين أدوار التــدريب

التجاري من واجبات الحكومة على أساس صحيحة الحلبي.

الهوامش

أحكام الشعائر الحسينيةـ القسم األول ـ


أ. مهدي موحدي محب•*(*()الشيخ علي دهيني

مقدمات تمهيديةـ موضوع البحث1

إن هذا البحث يتمحور حول أحكام بعض الشعائر الحســينية، دون الخـــوض في جميعهـــا. ومن المعلـــوم أنهـــا على قســـمين:

ــتي ورد الحثاألول: مــا يســمى بالشــعائر المنصوصــة، وهي ال عليهــا من المعصــوم بعنوانهــا الخــاص، كمــا في البكــاء، وإنشــاء

ــهوالثاني:؛ ^الشعر، وإنشاده، وزيارة مقامات األئمة ما دل علي دليــل عــام، من دون تحديــده باســمه الخــاص، أي مــا دخــل تحت

ضابطة كلية، كما في مسيرات الحزن في أيام عاشوراء.ــاول أحكــام كافــة الشــعائر؛ بلحــاظ أن بعضــها ونحن لم نتنــاش منصوص عليه بالتحديد. وهذا ال إشكال فيه. نعم، قد يقع النق في حكمه، وبعض ما يتعلق به من تفاصيل. وأمــا غــير المنصــوص فال مجال لعده وإحصائه، بل ال ضرورة لذلك؛ ألن األحكام العامــة سوف تظهر في بحث ضابطة الشعائر. وهذا ما سوف يـأتي معنـا الحقا. كمــا أن هــذا البحث يتنــاول الجهــة الفقهيــة للشــعائر، دون

غيرها من الجهات، كالجهة التاريخية، أو التحليلية.ـ ضرورة التوسع في األبحاث العاشورائية2

ويمكن لنا بيان هذه النقطة بما يلي: أـ من المعلـوم أن من جملـة األهــداف الــتي جــاء من أجلهــا اإلســالم ـــ بعــد ربــط اإلنســان بالخــالق ـــ تقــنين وتنظيم الحيــاةــه، البشــرية في كــل أبعادهــا، على مســتوى عالقــة اإلنســان برب وعالقة اإلنسان بنفسه، وعالقة اإلنســان بأخيــه اإلنســان، وعالقــة

اإلنسان بالطبيعة.

باحث وأستاذ في الحوزة العلمية، من لبنان. )*(*( ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 344هـ1433م ـ 2012ربيع


ــان هــذه التكــاليفب ــه هــو المتصــدي لبي ــان الفقي ــ إذا ك ـ فمن المفــروض أن#والقــوانين في زمن غيبــة اإلمــام المعصــوم

تكون أبحاثه وفتاواه شاملة لكل األبعاد التي ذكرناها في المقدمة األولى. ومن جملة هذه األحكام ما يتعلق بالشعائر الحسينية التيم وصــفر من كــل يقوم بها أتباع المذهب اإلمامي في شهري محر عام، بل يمكن القول: إنهم يقومــون بهــا على مــدار العــام. وبعــد الرجوع إلى المصنفات القانونية والتشريعية لهذه الشــعائر وجــدناــا أنها قليلة ومحدودة، وغير مستوعبة لكافة الجوانب األساسية، م خال الكثــير من أجوبــة االســتفتاءات في هــذا المجــال. إال أنــه من المعلــوم أن الفتــوى تفي بالجــانب العملي، دون الجــانب العلمي، القائم على بيان األدلة، ومناقشة اإلشكاالت. كما أنه من المعلومد العديــد من المصــاديق الجديــدة. وقــد أخــذ أن توالي األزمان يول

بعضها جدال واسعا في المجتمع، كالتطبير، والشبيه، وغيرهما.ــةج ــل من الطلبـ ــدى األفاضـ ــ أرى أن من الالزم أن يتصـ ــ

ــاوين والمواضــيع ــة في العن ــة للكتاب والعلمــاء في الحــوزة العلمي الجديدة، أو التي قلما كتب فيها علماؤنــا، حــتى ال يحصــل الفــراغ العلمي في التنظير ألمثال هذه القضايا. كما أنه من واجبنا تغطية

جوانب الحياة كافة في المواضيع القانونية والتشريعية. د ـ إن األبحاث المتعلقة بعاشوراء غير محصورة في الجانب الفقهي القانوني، بل تشمل الجوانب األخرى، من قبيــل: الجــانب التحقيقي في األحداث المتعلقة بواقعة كربالء، حيث إن من شــأن التحقيق في هذه المواضيع الحفاظ على الــتراث اإلســالمي نقيــا، بعيدا عن أن تناله يد التزوير والتحريف، ال من خالل الحاقدين، وال

من خالل الغالة.ــو البحث ــر، وه ــانب آخ ــانب ج ــذا الج ــاف إلى ه ــا ويض كم



التحليلي للمجتمع اإلســالمي، في خصائصــه وصــفاته، وفي نقــاط قوته وضعفه، والعوامل التي أدت إلى تكــالب الكثــيرين لمصــلحة

الحــق، مــع علمهم التــام أهل الباطل واالنحراف، وهجرانهم ألهل.|محمد بذلك. يحصل كل هذا مع ادعائهم أنهم من أمة

وهــذه األبحــاث تهيئ لنــا األرضــية إلبعــاد مجتمعنــا عن هــذه األمــراض والــويالت الــتي فتكت بــذاك المجتمــع في زمن اإلمــام

، وما قبلــه حتمــا؛ ألن الظــاهرة االجتماعيــة ال يمكن أن×الحسين تكون وليدة لحظة من الزمن، بل هناك عوامل متراكمــة أوصــلت

إلى هذه الحالة المأساوية. وعليـــه فـــالبحث في عاشـــوراء يشـــمل الجـــوانب الثالثـــة

المتقدمة، وهي: التشريعي؛ والتحقيقي؛ والتحليلي.والمطلوب الدخول في غمار هذه الجوانب كافة.

ـ ضرورة تأسيس مدارس خاصة بالقراء3ــتزام بوصــايا ــؤمن االل ــوب من اإلنســان الم ــان المطل إذا ك

فإن منهــا قولــه: »...ولكن اللــه يحب عبــدا إذا عمــل|رسول الله.(497)عمال أحكمه«

والــذي يفهم من هــذا الحــديث أن المــرتجى من المــؤمن تسرية هذا التوجيه التنظيمي واإلداري إلى كافــة أعمــال اإلنســان وتصرفاته ومشاريعه وخططه، سواء منها الفرديــة أو االجتماعيــة،ــا هــذا ــة. ولهــذا نــرى من الضــروري في زمانن ــة أو العرفي العبادية تعــنى بشــؤون القــراء لمجــالس العــزاء؛ تأسيس مــدارس خاصــ نظرا إلى األهمية التي يحتلها المجلس الحســيني في ثقافــة أبنــاء هذا المذهب على مستوى الدعوة واإلرشاد إلى الله تعالى، وعلى

.×مستوى البيان الصحيح والسليم لثورة اإلمام الحسين



ونرى أن االلتزام بهذه الدعوة يتطلب العمل في جهتين:ــراءاألولى: ــكلة الق ــوم مش ــا الي ــا نعيش في مجتمعاتن إنن

ــة، وال يملكــون المســتوى ــذين لم يدرســوا في الحــوزة العلمي ال العلمي الذي يؤهلهم ليكونــوا في عــداد خدمــة القضــية الحســينية خاصة، واإلسالمية عامة. وبالتالي فإن هؤالء الذين يحملون النوايا الطاهرة والصادقة سوف يقعون في العديــد من األخطــاء، ســواءــتوى بث ــورائية أم على مس ــداث العاش ــل األح ــتوى نق على مس المفاهيم الدينية في العقيدة والشريعة واألخالق، وهذا ما سيؤدي إلى تصغير قيمة الدعاة والمبلغين في نظــر أبنــاء المــذهب، وفي نظر اآلخرين الذين يجلسون ويستمعون إليهــا من أهــل المــذاهب األخرى، أو الديانات األخــرى، أو من الــذين يملكــون ثقافــة بعيــدة عن قيم الدين، بل ويؤدي هذا إلى انعكاس المفاهيم الخاطئة عن الدين نفسه. وهذا ما حصل ويحصــل، كمــا رأينــا بحســب التجربــة

التبليغية التي نعيشها. وأما الحل الذي نراه مناسبا للخروج من هذه المشــكلة فهــوــل القــراء في المجــاالت تأســيس مــدارس ومعاهــد خاصــة بتأهيــدة، ــة، العقي ــا الخطيب، وهي تشــمل: اللغ ــتي يحتاجه ــة ال العلمي

الفقه، األخالق، التاريخ، الخطابة.ــة وبهذا يصبح القارئ ذا شخصية مستقلة، بحيث يتجــاوز حال التقليد الببغائي للقراء الكبار، كالذي كان يقلد الشيخ الكاشي في كل كلمة يقولها، حتى أنه ذات مرة نقل الشــيخ حادثــة تحكي عن أيام وجوده في النجف، فقــام المقلد بنقلهــا كمــا هي دون تغيــير،ــة؛ مع أنه لم ير النجف، وال ينسجم عمره مع بعض تفاصيل الحادث أو كالذي يحاول إثارة العاطفة لدى الحضور من الموالين بالقول: إن اسم فاطمة له نقطة واحدة، واسم الحسن فيه نقطة واحــدة،



واسم الحسين فيه ثالث نقاط، أما اسم زينب ففيه خمس نقــاط، فما هي عالقة النقاط بالعاطفة وبالمصائب التي نزلت على زينب للنقــد الشــديد من قبــل بنت أمير المؤمنين؟ وقــد كــان هــذا محالــارس بعض كبار الخطباء في إيران؛ أو كالذي يقول: إن من لم يم التطبــير فســوف يــأتي يــوم القيامــة مكتوبــا بين عينيــه آيس من

رحمة الله تعالى. والعمل فيها يقع على عاتق هذه المدارس المقترحالثانية:

ــربالء إنشاؤها، وهو إعداد متون خاصة بالمقتل وسائر ما يتعلق بكــاريخ ــة، كت ــة األولي ــادر التاريخي ــادا على المص ــداث، اعتم من أح

ــبيت ــات أهـــل الـ ــبري، وروايـ ــتمع من^الطـ ن المسـ ، حتى يتمك اإلحاطة بحقيقة ما حصل، بعيدا عن بث بعض األمور الــتي حكاهــا الشعراء بلسان الحــال على أنهــا من الحقــائق، أو بعض األحــداث

التي لم تذكر في أي مصدر تاريخي. ونحن وإن كنا نعترف بالفارق بين الرواية التاريخية والروايــة التي يعتمدها الفقيه في عملية االستنباط الفقهي، إال أنه من غــير المنطقي الحــديث عن أمــور وقضــايا على أنهــا حقــائق مــع عــدم ذكرهــا في أي مصــدر من مصــادر الــتراث اإلســالمي، ثم يتعامــل معها على أنها من الحقــائق، وقــد يشــكك في منكرهــا ورافضــها،

ــوب^وينسب إليه ضعف اإليمان والوالء ألهل البيت . وكأن المطل األخذ بكــل مــا حــواه التــاريخ،^من الموالي الحقيقي ألهل البيت

بل بمــا لم يحــوه التــاريخ، وإنمــا ظهــر في أزمنــة المتــأخرين. والأدري من أين جاؤوا به قميصا للمزايدة ال أكثر.

ة وبنــاء على مــا تقــدم يفــترض العمــل إلعــداد متــون خاصــــل ــذا الحق ــاص في ه ــل االختص ــل أه ــة من قب ــحة ومحقق وواض

العلمي.



ـ اإلحياء ومصاديقه4وفيها أمور:

ــ وهي^أـ لقد وردت عدة روايات على لسان المعصــومين ـ في مقام الحث على إحيــاء أمــرهم وتــذاكر علــومهم ـــ بحيث قــدــذه المجموعــة من ــوي له ــواتر المعن ــاء الت يصــل البعض إلى ادعــذكر الروايات. وهي تحمل لفظ اإلحياء ومشتقاته اللغوية. ونحن ن

بعضا منها: ، قال: »تجلســون وتتحـدثون؟×ـ عن أبي عبد الله الصادق1

ــه من ها، فأحيوا أمرنا، رحم الل قلت: نعم، قال: تلك المجالس أحب.(498)أحيا أمرنا...«

ــ عن أبي جعفر2 ــف بكم×ـ ــذاكروا تح ــوا وت ــال: »اجتمع ق.(499)المالئكة، رحم الله من أحيا أمرنا«

أنه قال: »...وأن يتالقوا في بيوتهم، فإن×ـ عن أبي جعفر3 .(500)لقيا بعضهم بعضا حياة ألمرنــا، رحم اللــه من أحيــا أمرنــا...«

وغيرها كثير. ب ـــ إن هــذا اإلحيــاء ألمــرهم يصــدق يقينــا على األســاليبــل: والطرق التي تحدث بها أئمتنا، ونصوا عليها نصا خاصا، من قبيــعر رواية المصائب، وذكر علومهم، والتزام شريعتهم، وإنشاء الش وإنشاده بحقهم، وزيارة مراقدهم، والبكاء على مصائبهم، والفــرح

في أعيادهم... كما أن هذا اإلحياء يصدق أيضــا على المصــاديق المســتحدثة تبعا لتطور المجتمعات البشرية في أساليبها وطرق تواصلها. ولذا نجــد أنـه قـد اســتجدت العديــد من الطــرق الــتي يمكن أن تكـون وسيلة وأسلوبا إلحياء أمرهم، ونشــر علــومهم وفضــائلهم، والحث



ــل: على التزام القيم الدينية كافة، وهي الوسائل الجديدة، من قبيــترنت، واألفالم، والمسلســـالت، وأفالم ــو، واإلنـ ــاز، والراديـ التلفـ

الكارتون لألطفال، والحوارات، والمؤتمرات. ج ـ يفترض بالمؤسسة الناجحة الـتي تملـك مشـروعا تعمـل إلقنــاع اآلخــرين بــه اعتمــاد هــذه األســاليب كافــة، حيث إن لكــلــه وعقلــه. وليس من ــه، ويــدخل إلى قلب ر في ــؤث إنســان مفتاحــا ي الصحيح اعتماد األسلوب الواحد، أو األســاليب البدائيــة التقليديــة؛ــالس ــع المج ــاطف م ــان البعض يتع ــه إذا ك ــح أن ــه من الواض فإن المعتادة في النوادي والحسينيات والمساجد فإن إنســانا آخــر قــد يتعاطف وينفتح قلبــه على قيم عاشــوراء أو قيم الـدين عامــة منــال ــ ــترنت أو األعم ــ ــاز أو اإلن ــ ــة، كالتلف ــ ــائل الحديث ــ خالل الوس المسرحية. ولهذا كله يمكن القول: إن على المؤسســات المعنيــة بالــدعوة واإلرشــاد إلى اإلســالم في العــالم العمــل لتأســيس مــاــاطات ــة النش ــام بكاف ــة باالهتم ــة، المعني ــة الفني ــمى بالمدين يس المسرحية والتمثيلية للكبار والصغار حــول كــربالء، بــل حــول قيم

اإلسالم ومعارفه وعظمائه. ويمكن أن يقــول البعض في المقــام: إن هــذه التوجــه نحــو النشاط الفني، عبر األفالم والمسرحيات، قد يتضمن اإلساءة إلى أحــد المعصــومين، أو إلى فكــرة وقيمــة من قيم الــدين، وبالتــالي فسوف نقع في المحذور، ومعــه تنتفي الفائــدة والغايــة المرجــوة

من أمثال هذه األعمال. ويمكن الجواب: لماذا ينبغي أن نتوقع دائما فشل المشاريع، وأنه ال يمكن القيــام بالمخطط الفالني أو غــيره؟! بــل المفــروض علينـــا اإلعـــداد والتخطيـــط أوال، ثم التنفيـــذ الصـــحيح، من خالل االعتماد على أصحاب الخبرات في المجاالت كافة، وأما المحــاذير



ــق أهــل ــاد على تحقي ــا ببســاطة، من خالل االعتم فيمكن تجاوزهــخيص ــدم تش ــا يمكن ع ــاريخي مثال. كم ــال الت ــبرة في المج الخ

، من خالل هالــة من النــور أو×شخصية المــؤدي لــدور المعصــوم غيرها. وعليه فإن تجاوز بعض المحاذير التي يتوقف عندها البعض

أمر في غاية اليسر والبساطة. كما البد من اإلشارة إلى نقطــة مهمــة في المقــام، وهي أن عالم اإلبداع ال ينحصر باألفكار، بل يشمل عالم األساليب والطرق والخطــط والبرمجــة الــتي يجب القيــام بهــا في ســبيل نشــر قيم اإلسالم في العالم. ومن باب المثال، ال الحصر، أقول: إنــه عنــدما

فإن حجم مــا قمنــا بــه|أسيء إلى شخصية رسول اإلسالم محمد هو الشجب واإلدانة. وهذا ـ بكــل صــراحة ـــ ال يوصــل إلى نتيجــة. فهل فكر أحدنا بالتخطيــط للقيــام بمشــروع يــبين عظمــة وســمو

شخصية رسول اإلسالم للعالم؟ د ـ أعتقد أنه من الالزم الحفــاظ على كافــة أشــكال اإلحيــاءــورة ــر الث ــرة حص ــروج لفك ــتي ت ــة ال ــرفض المقول ــعبية. ون الش الحسينية وأشكال اإلحياء بالنخب المثقفة، دون االمتــداد الشــعبي والجماهيري لها؛ وذلك لما ذكرناه قبل قليل، من أن لكــل إنســان مفتاحا يمكن من خالله الدخول إلى قلبــه وعقلــه. وهــذه النمــاذج هي من قبيل: المسيرات، وإعداد الطعام، والمجالس العامة، وماــذه ــل ه شاكل. وال ينبغي الغفلة عن أن الدليل الشرعي يشمل ك الطرق التي ذكرت، سواء القديمة والمعهودة أم الجديدة؛ لصــدق

عنوان اإلحياء لقيم اإلسالم عليها شرعا وعرفا.ع بعدم التــأثير إيجابــا في النــاس من هـ ـ ال يمكن ألحد التذر خالل أسلوب أو طريقة معينة، بل المفــروض التفكــير والتخطيــطــول ــأثير على عق ــدف، والت ــالنا إلى اله ــأنه إيص ــا من ش ــل م لك



اآلخرين. ولهذا نسأل: لماذا ال تؤسس الفضائيات الناطقــة باللغــة األجنبية، بحيث نسمع صوتنا إلى شعوب أمريكــا وأوروبــا، بــل إلى

ــه تعــالى: ــاب الل ومــا﴿عمــوم شــعوب األرض؟ ألم نقــرأ في كت ؟! ولماذا ال نقيم المؤتمرات مع﴾أرسلناك إال رحمة للعالمين

ــرين في الغــرب حــول قضــايا الــدين، واإلنســانية، ــار المفك كب والمظلومين، وغيرها من العناوين؟ ولمــاذا ال نخــرج إلى مجتمعنــا

لمعالجة كل مظاهر وأسباب ابتعاد الشباب عن القيم الدينية؟ ولماذا؟ ولماذا؟ التي قد تمر معنا عشرات المرات في كثــير من األسئلة التي تطرح حول التخطيط واإلعــداد، ليكــون اإلســالم هو الدين الذي يخلص البشرية من مشاكلها ومعاناتها، بــل ليكــون هو األقوى في وجه الظــالمين والمســتبدين، بــل ليقــدم الســعادة والراحــة واالطمئنــان لشــعوب األرض. هــذا هــو مشــروع اإلمــام

، فأين نحن منه؟#المهدي نعم، حتى ال نقع في محذور عدم اإلنصاف نقــول: إن شــعلة الثورة اإلسالمية في إيـران، وعلى رأســها اإلمــام علي الخــامنئي، لهي األمل في هكذا مشــاريع، إال أن حجم التحــديات تفــرض على

الجميع المشاركة في ذلك.ــرر في عــدم االلــتزام بســيرة رســول الله |إني ال أرى أي مب الذي كان يفعــل كــل هــذا وزيــادة، ســوى هجــر المجتمــع، ليكــون العلماء في واد والمجتمع في واد آخر. فمن سيعمل لجعل العــالم

خالصا لمشاكل المجتمع؟

ـ المشاريع اإلصالحية حول أحداث عاشوراء، وما يتعلــق5بها من الشعائر، أو ما ينسب إليها

وفي المقام أمور:ــتي ــية ال ــات األساس ــة الخطاب ــوم أن من جمل ــ من المعل أـ



في مقــام بيــان الهــدف والعلــة من هــذا×أطلقها اإلمام الحسين الخروج الثوري ضد يزيد بن معاوية هو ما ذكر فيه عنوان اإلصالح

.|في أمة النبي محمد وهذا اإلصالح في كل متعلقاته، من إصــالح الحــاكم، وإصــالح المجتمع، كما إصالح الفرد. وعليه فثورة اإلمام هي ثورة إصــالحية

تصحيحية. ب ـ بناء على ما تقدم فــإن الالزم علينــا اعتمــاد هــذا المنهج في كل جوانب الحياة، ومختلف العلوم التي نتداولها اليــوم. وهــذاك بالحقـائق، وهجــر األباطيـل، ولـو هو المنهج القرآني في التمسـ

دخلت في علوم شريفة. ج ـــ لقــد قــام العديــد من علمائنــا بتجــارب إصــالحية في مــاــا في يتعلق ببعض األحداث المنسوبة إلى التاريخ، مع عدم وجوده مصــنف وال أثــر للمتقــدمين من علمــاء الــتراث اإلســالمي. ونحنــة؛ حيث نذكر بعض هذه المشاريع، مع عدم التعهد بإحصــائها كامل

ع الكامل والشامل. إن الهدف هو اإلشارة، ال التتب : هي التجربة التي قام بهــا الشــيخ النــوريالتجربة األولى

في كتاب »اللؤلؤ والمرجان«. وقد تعرض فيه لمقدمة؛ وفصــلين؛ مع تنبيهات أربعة؛ وثالثــة فــروع. وقــد ركــز في كتابــه على نقــاط

عديدة، وهي:ف السبب الــذي دعــاه إلى القيــام بتــأليف1 ـ لقد ذكر المصن

هذا الكتاب، وهو شكوى عرضــها عليــه الســيد محمــد الهنــدي عن أحـــوال القـــراء، واعتمـــادهم على المبالغـــة، ونشـــر األكـــاذيب،ــة هي ــزعم أن الغاي ــة، دون خــوف أو ورع، ب ــات المجهول والرواي

، ثم يشــير العالمــة إلى أن×إبكاء المؤمنين على اإلمــام الحســينهذا البالء قد عم وانتشر في العديد من البلدان.



ـ أشار في الفصل األول إلى اإلخالص، وشــن هجومــا على2ــبر مقــامهم أخس من الكســبة ــة(، واعت ــة الجزئي ــراء )الموجب الق

العاديين، وأنهم يسعون وراء المال، بعيدا عن اإلخالص. ـ تعرض في الفصل الثاني إلى ذم الكذب، ومــدح الصــدق،3

ــه ورســوله وســائر المعصــومين ، وأقســام^ثم الكــذب على اللالكذب وأحكامه.

ـ أما في التنبيهــات فقــد تعــرض ـــ في التنبيــه األول ـــ إلى4 تكليف ناقل األخبــار، وســرد العديــد من األحــداث، نقال عن كتــاب )اإلرشاد( للشيخ المفيد، و)اللهوف( البن طــاووس، ثم أثبت أن ال

صحة لها. وتعرض في التنبيــه الثــاني ألمــور كاذبــة صــدرت من علمــاء

كبار، كما أشار إلى ذلك في كتابه. وغير ذلك من التفاصيل. ونحن ال نتبنى ما ذكره العالمة النــوري في كتابــه، فــإن هــذا بحاجــة إلى دراســة مســتقلة، إال أن الهــدف هــو اإلشــارة إلى المحاولة اإلصالحية، مع غض النظر عن التقييم العلمي العام لهــا،

ومدى نجاحها. : وهي التي قام بهــا الســيد محســن األمينالتجربة الثانية

في رسالة »التنزيه«، والتي تعرض فيها إلى بعض المنكرات التي ترتكب في إحياء الشعائر الحسينية، وإلى نقــاش عــنيف كــان قــد دار بينه وبين الشيخ عبد الحسين صادق، صــاحب كتــاب »ســيماء الصلحاء«، عبر التـأليف والتصــنيف، ولكن النقطـة المركزيـة فيــه هي محاولته إثبات حرمة التطبير وجرح الرأس، من خالل انطباق عنوان الضرر عليها. وقد ساق لــذلك العديــد من األدلــة؛ منهــا مــا ذكر؛ ومنها أنها تؤدي إلى تشــويه المــذهب، وتعطي صــورة ســيئة

.×عن ثورة اإلمام الحسين



كما أشار إلى عمــل الشــبيه، الــذي رضــي بــه مشــروطا، ثم دافع عن نفسه أمام هجوم البعض عليه بأنه من المتمسكين بنهج

، وأنه لم يخالفهم.^األئمة هي الــتي قــام بهــا الشــيخ محمــد جــوادالتجربة الثالثــة:

الطبسي في كتابه »المقتــل الحســيني المــأثور«. وقــد أشــار في مقدمته إلى أنه كتاب جديد من نوعه؛ لمــا فيــه من عــرض روائي

ألحداث كربالء على لسان المعصومين، من بدايته إلى نهايته.ولكن نشير في المقام إلى عدة مالحظات:

ـ أشار المؤلف إلى أنه ال يتعهد باستيعاب كل الروايات في1هذا المجال، فلعل بعض الروايات قد فاتته أو غابت عن ذهنه.

ـ إن المنهج الذي يعتمده لهــو منهج جديــد في هــذا الحقــل2المعرفي.

ـ إن قيمة هذا المنهج هو حمايـة األحـداث العاشــورائية من3 أن تطالها أيدي المزايدين، الذين أشــار إليهم العالمــة النــوري في

كتابه، والذين يمكن أن نجد مصداقا لهم في كل زمان.دة ومــدعاة للتأمــل والتحقيــق، حيث أحتمــل وهذه تجربـة جي

أنها تحمي كربالء من التركيبات الوهمية التي ألصقت بها.

ــلمين6 ــلحة المس ــينية لمص ــعائر الحس ــف الش ــزوم توظي ــ ل ـوقضاياهم المعاصرة

إن المعايير التي على أساسها تقيم نقــاط قــوة الشــعوب أوــة، كمــا النشــاط ــا: القــوة البشــرية العددي ــدة؛ فمنه ضــعفها عدي والحيوية، والحضور في ميــدان المواجهــة والتحــدي مــع اآلخــرين، ولعل مجتمعا أو أمة تفوق سائر األمم بلحاظ القــوة الشــعبية في عددها ولكن ما قيمة الجسم الضخم الذي ال حراك فيه وال نشاط

وال حيوية. ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

355هـ1433م ـ 2012


ولعل هذه المصــيبة هي الــتي تصــيب جســم المســلمين في هذا الزمان، حيث إن عددهم تجــاوز المليــار نســمة، ومــع ذلــك ال يوجد أي صدى لكل حركتهم السياسية في هــذا العــالم، بــل لعــل بعض الــدول تملــك من الحضــور السياســي في العــالم مــا يفــوق

المسلمين، مع كونها ال تصل في عددها السكاني إلى عشرهم. ونحن في المقام لسنا في صدد التعرض للتنظــير السياســي لمشــروع حيويــة األمــة، واســتعادتها لعناصــر قوتهــا، في ترابطهــا

وتالحمها، وفي مواجهة أعدائها، إال أنه البد من ذكر أمرين: أـ عندما دعا اإلمام الخميــني إلى إقامــة الشــعائر السياســية في موسم الحج لم يكن يهدف قطعا إلى شق وحــدة المســلمين، بل إلى تقويتها؛ ألن هــذا الموســم الســنوي تحلم بــه األمم؛ لعــدم قدرتها على جمع هذا القدر الكبــير من النــاس في مكــان وزمــانــاتهم ــوالهم وأوق ــذلون أم ــهم يب ــلمين بأنفس ــد، إال أن المس واح وراحتهم في ســبيل الوصــول إلى تلــك البقعــة المقدســة. وعليــه فالمفروض استغالل هذا التواجد الكبير للقيام بعــدد من األنشــطةر عن وحدة المســلمين وتكــاتفهم مــع بعضــهم السياسية، التي تعب في مواجهة التحديات. كما ينبغي إعالن مواقف واضــحة وصــريحةــه من ــا أن ــد. كم ــكل موح ــالمي بش ــالم اإلس ــايا الع ــل قض من ك المفروض على السلطة الحاكمة في بالد الحجاز االنتبــاه إلى هــذا الموضــوع، والســكوت عن كــل التحركــات السياســية الــتي ال تســـتهدف أمنهــا بالتأكيـــد، إن لم تكن جـــزءا من الـــدعوة إليهـــا

والمشاركة فيها. ولو قام المسـلمون في مـا مضـى بهــذا المشـروع لمــا بقي

إلسرائيل، بل سائر أعدائنا، من تواجد في عالمنا اإلسالمي. ب ـ إذا كنا نطالب إدارة الحرمين بالقيام بهــذه الخطــوة، أو



على األقــل الســماح بــذلك، فحــري بنــا نحن أيضــا أن نقــوم بهــذا المشروع، في إحيائنا لشعائر اإلمــام الحســين في اليــوم العاشــرم، وفي يــوم األربعين، من كــل عــام في مدينــة كــربالء، من محــرل المرجعيــة الدينيــة بالحضــور، وتخطب في هــذه بحيث تتفضــــم، ــك المراس ــاركون في تل ــذين يش ــم الماليين ال ــوع، باس الجم وتكشف عن المواقف السياســية الواضــحة ألبنــاء هــذه األمــة في

مواجهة الظالمين والمحتلين في بالد العالم اإلسالمي.

قاعدة وجوب تعظيم الشعائر أو حرمة هتكهاوهنا نقاط:

ـ في معنى لفظ الشعائر لغة1عار مــا استشــعرت بــه من قــال الخليــل في »العين«: والشــ اللباس تحت الثياب، سمي به ألنه يلي الجسد، دون ما ســواه منعار ما ينادي به القوم في الحرب ليعــرف بعضــهم اللباس... والش بعضا...، وتقول: أنت الشعار، دون الدثار، تصفه بالقرب والمودة.ــه شــعارا للقلب. وأشعر فالن قلبي هما أي ألبسه بالهم حتى جعل وشعرت بكذا، أشعر، شعرا، ال يريــدون بــه الشــعر المــبيت، إنمــا معناه فطنت له، وعلمت به. ومنــه: ليت شــعري، أي علمي؛ ومــاــك الحج، أي ــه مناسـ ــعائر اللـ ــدريك... وشـ ــا يـ ــعرك، أي مـ يشـ

.(501)عالماته وقـال ابن دريـد في »تـرتيب جمهـرة اللغـة«: وشـعائر اللـه

.(502)المناسك، وهي أنصاب الحرم، واحدتها شعيرة وقال في موضع آخر: أنصاب الحرم حجــارة تنصــب ليعــرف

.(503)حدوده بها وقال ابن فارس في »معجم مقاييس اللغة«: ومشاعر الحج



مواضع المناسك، سميت بذلك ألنها معالم الحج، والشعيرة واحدة.(504)الشعائر، وهي أعالم الحج وأعماله

والمتحصل من هذه الكلمات أن الشعيرة كالشعار، فكما أنــه فكــذلك الشــعيرة هي ــد الجيش وتعيين ــدل على تحدي الشــعار ي عالمــة تــدل على شــيء مــا، نحــو: شــعائر الحج، الــتي تــدل على مواضع الحج وأحكامه، وكشعائر المسلمين في المساجد والمقابر ونحوها، فكل يشير إلى شــيء مــا، من حكم أو ســلوك أو اتجــاه.

وعليه فالشعائر هي العالمات الدالة على شيء ما.

ـ ما هي الشعائر في كلمات المفسرين والفقهاء؟2 قال الشيخ الطوسي في »التبيان«: الشــعيرة العالمــة الــتي تشعر بها لما جعلت له. وأشعرت البدن إذا علمتها بما يشعر أنهــا هدي. وقال أيضا: إن الشعائر عالمــات مناســك الحج كلهــا، منهــا: رمي الجمار، والســعي بين الصــفا والمــروة، وغــير ذلــك... وقــال

.(505)مجاهد: هي البدن... وقيل: شعائر الله دين الله وقـال الطــبري في »جــامع البيــان«: فالشــعائر المعــالم من ذلك. وإذا كان ذلك كذلك كان معنى الكالم ال تستحلوا أيهــا الـذين آمنوا معالم الله، فيــدخل في ذلــك معــالم اللــه كلهــا في مناســكم الله إصابته فيهــا على المحــرم، وتضــييع الحج، من تحريم ما حر مــا نهى عن تضــييعه فيهــا، وفي مــا حــرم من اســتحالل حرمــاتــل حرمه، وغير ذلك من حدوده، وفرائضه، وحالله، وحرامه؛ ألن ك ذلك من معالمه وشعائره، التي جعلها أمارات بين الحق والباطل، يعلم بهـــا حاللـــه وحرامـــه، وأمـــره ونهيـــه...؛ ألن اللـــه نهى عن استحالل شعائره، ومعــالم حــدوده، وإحاللهــا، نهيــا عامــا من غــير اختصاص شيء من ذلك دون شيء، فلم يجز ألحد أن يوجه معنى



ذلك إلى الخصوص، إال بحجــة يجب التســليم لهــا. وال حجــة بــذلك.(506)كذلك

وقال القرطبي في »الجامع ألحكام القرآن«: وقال الحسن: ومن يعظم شعائر الله فإنها من﴿دين الله كله؛ لقوله ذلك:

، أي دين اللــه. قلت: وهــذا القــول هــو الــراجح،﴾تقوى القلوب.(507)الذي يقدم على غيره؛ لعمومه

وقــال المــراغي في »العنــاوين الفقهيــة«: إن الظــاهر ممــا ذكــره أهــل اللغــة والتفســير أن الشــعائر محتملــة لمعــان أربعــة:

: أن يراد عالمات دين الله وطاعته عموما، فيشــمل ســائرأحدهاــافة المحترمات. وهذا على كونه جمع الشعار، وهو العالمة، واإلض

: أن يــراد بــه البــدنثانيهاالى اللــه يكتفى فيهــا بــأدنى مناســبة. ــا. ثالثهاخاصة. : أنرابعها: أن يراد مناسك الحج وأعماله جميع

.(508)يراد به مواضع مناسكه ومعالمهــظ. ــذا اللف ــير ه ــددة في تفس ــة عن اآلراء المتع ــذه لمح ه

وسوف يأتي ذكر الرأي الصحيح، مع بيان الدليل.

ـ األدلة على وجوب تعظيم الشعائر أو حرمة هتكها3: وهو االستناد إلى القرآن الكريم. وفيه عدة آيات:األول

ــد ربه...﴿أـ ﴾ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عن(.30)الحج:

واالستدالل هنــا يتوقــف على عــدة أمــور، منهــا: بيــان معــنىحرمات الله. وفيها عدة أقوال:

ـ أحكامه، وما ال يحل هتكه.1ــة، والحــرم2 ــا الكعب ــال ومناســك الحج، يضــاف إليه ــ أعم ـ

المكي، كما مال إلى هذا صاحب )األمثل(.



مات(.3 ـ كل ما حرم الله تعالى )دائرة المحر ـ األحكام اإللزامية، مع األماكن المقدسة؛ ألن تعظيم هــذه4

الحرمات يمثل تعظيما لله تعالى، كما ذهب إليه السيد فضل اللــه.(509)في تفسيره

ـ الحرمـات، المشــعر الحــرام، والـبيت الحــرام، والمسـجد5.(510)الحرام، والبلد الحرام، كما ذكره الطبري

هذا مــا ذكــره علمــاء التفســير. أمــا أربــاب اللغــة فقــد قــال.(511)الخليل في العين: الحرمة ما ال يحل لك انتهاكه

ــه ــ ــا إذا بجلت ــ ــل تعظيم ــ ــد: وعظمت الرج ــ ــال ابن دري ــ وق.(512)وأكرمته

وبعد هذا نقول: إن اآلية وإن تلت آيات تتحدث حــول أحكــامــال الحج، إال أنه ال يمكن بقرينة ذلك االدعاء أن الحرمات هي أعم الحج، دون غيرها، بــل الصــحيح أنــه مــا لم تكن هنــاك داللــة علىــه ــظ. وعلي ــوم اللف ــالعبرة بعم ــاكن الحج ف ــال وأم ــر بأعم الحص فالحرمات هي ما ال يحل انتهاكه، من تكليف، أو هتك حرمة مكان مقدس. فاآلية تريــد القــول: من يحــترم ويجلل الحرمــات اإللهيــة فهذا خير له عند الله. وهذا صيغة استحباب، ال وجوب. وعليه فمع القول بعدم الواســطة بين اإلهانــة والتعظيم تثبت حرمــة اإلهانــة، وبالتالي وجوب التعظيم؛ ومع القول بوجــود واســطة بينهمــا تثبت حرمــة اإلهانــة، مــع عــدم القــول بوجــوب التعظيم. وهــذه قضــية

عرفية سيأتي مزيد من بيانها في نقاط الحقة.ــوى﴿ب ـ ــ ا من تق ــ ــ عائر الله فإنه ــ ــ ومن يعظم ش(.32 )الحج: ﴾القلوب

ـ معالم1وقد اختلف في المراد من شعائر الله على أقوال: ـ عالمات مناسك4ـ البدن إذا أشعرت؛ 3ـ مناسك الحج؛ 2الدين؛



ـ عالمات الله وأدلتــه، وهي تضــم األحكــام والتعــاليم5الحج كلها؛ العامة، وأول ما يلفت النظر مناسك الحج، التي تذكر بالله. وعليهر اإلنســان باللــه فالشعائر تشمل جميع األعمال الدينية الــتي تــذك

تعالى.ــتي ذكــرت وما لم توجد قرينة على إرادة المعاني الخاصة ال فالصحيح األخذ بالمعنى العام لها، وهــو األخــير. وهــذا هــو المــراد منها لغة. ثم إن اآليــة ال تحمــل لســان الوجــوب، بــل االســتحباب.

بع. نعم، إذا دل دليل خاص على وجوب تعظيم أمر ما فهو المت﴿ج ـ ــه وال عائر الل ــوا ال تحلوا شــ ا الذين آمن ــا أيهــ ي

ين البيت رام وال الهـــدي وال القالئد وال آم هر الحـــ الشـــوانا وإذا حللتم ــ بهم ورض ال من ر ــ ــون فض رام يبتغ ــ الح

(.2 )المائدة: ﴾..فاصطادوا. وقد وقع الخالف هنا في معنى شــعائر اللـه تعـالى، كمـا مـر سابقا، فال نعيد. إال أن الصحيح القول بالمعنى العام الشامل لكــل

ما يدل على الله تعالى. هذا وقد ذكرت اآلية عدة أحكام، وهي:ـ النهي عن هتك جملة من األمور، وهي:1

أـ شعائر الله، وهي كــل مــا يــدل على اللــه، ومنــه: مناســكالحج، فال يجوز هتكها.

ب ـ الشهر الحرام، فال يجوز هتكه بالقتال فيه.ج ـ الهدي، وهو ما يساق في الحج من الغنم والبقر واإلبل.

ــه د ـ القالئد، وهي الهدي المقلد بنعل ونحوه، عالمــة على أنهدي للحج، لكي ال يتعرض له.

هـ ـ كل من أم البيت الحرام. ـ إن االصطياد بعد اإلحالل جائز؛ فــإن األمــر عقيب الحظــر2

يدل على الجواز، ال الوجوب.



ــدنا في وهناك آيات أخرى ذكرت لفظ الشعائر إال أنهــا ال تفي مقام االستدالل على وجوب التعظيم أو حرمــة الهتــك. وعليــه فال يوجد دليل قرآني يدل على وجوب تعظيم الشعائر، إال مــع القــول بالمالزمة بين حرمة الهتك ووجــوب التعظيم. وســوف يــأتي بيــان

هذا األمر.ــةالثاني : السنة. ولم نجد فيها رواية معتبرة تدل على حرم

إهانة المحترمات في الدين بالعنوان العام، كعنوان الشعائر. نعم، وردت روايــات كثــيرة تــدل على حرمــة إهانــة بعض صــغرياتــبر القاعدة، نحو: حرمة إهانة المؤمن. إال أنه ورد في الوســائل خ

، قــال: ثم اشــتر هــديك إن كــان من×معاويــة، عن أبي عبــد الله البدن أو من البقر، وإال فاجعلــه كبشــا ســمينا فحال، فــإن لم تجــد كبشا فحال فموجأ من الضأن، فإن لم تجد فتيسا، فإن لم تجد فما

.(513)تيسر عليك، وعظم شعائر اللهق. وهو يــدل على وجــوب التعظيم، إال أنــه وهذا الحديث موث

يمكن القول: إننا ال نحرز في المقام انعقاد اإلطالق لغير الهدي. وإن أبى أحد هذا القول، وذهب إلى اإلطالق لكافة الشــعائر،ــة، كمــا في فهو ال يدل على أزيد من التعظيم المقابل لعدم اإلهانــارة غيره من الخطابات الشرعية، نحو: زر أرحامك، أي تجب الزي بحد ال يصدق معه عنوان القطيعة، وهكــذا في المقــام، فــالتعظيم

واجب بما ال يصل معه عدمه إلى حد اإلهانة.ــل.الثالث عة، وحكم العق : ويشمل اإلجماع، وسيرة المتشر

وقد قامت هذه األدلة على حرمة الهتك، دون وجوب التعظيم.ــوب ــدل على وج ــه لم ت ــة أن ــوع األدل ل من مجم ــ والمتحص التعظيم لمطلق الشعائر. وهذه النتيجة قد ذكرها كل من: الســيد

.(514)الخوئي، والسيد الشهيد الصدر، في أبحاثهما الفقهية



وخالصة القول في هذه النقطــة: إن التعظيم على قســمين: هــو التعظيم بنحــو يــؤدي إلى مراعــاة مقتضــى الحــالأحدهما:

المراعاة الزائدة عن الحد المتعارف.وثانيهما:عرفا أو شرعا؛ وترك األول يعتبر إهانــة، حيث ال واســطة بينهمــا، دون تــرك الثـــاني، حيث توجـــد بين التعظيم فيـــه واإلهانـــة واســـطة، وهي التعظيم بالمستوى األول. فالحرمة تثبت لترك األول، دون الثاني. وهذا التفصيل هو المنسجم مع الفهم العــرفي لهـذين المفهــومينــذا الكالم ــا. وه ــدور حكمهم ــرف ي ــة(، وعلى الع )التعظيم واإلهان

.(515)وجدناه في »العناوين الفقهية«، للمراغي إن كــل مــا تقــدم كــان في مقــام الحــديث عن األدلــة حــول

تعظيم مطلق الشعائر.

^ـ أدلة إحياء أمر أهل البيت4 وهي جملة من األحاديث ورد فيهــا الحث على إحيــاء أمــرهم

. وتمثل القسم األول.^وتذاكر علومهمــديث األول قـــال: تجلســـون×: عن اإلمـــام الصـــادقالح

وتتحدثون؟ قلت: نعم، قال: تلك المجــالس أحبهــا، فــأحيوا أمرنــا، رحم الله من أحيا أمرنا. يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كــانت أكــثر من

.(516)زبد البحرــا×: عن أبي جعفرالحديث الثاني قال: رحم الله عبدا أحي

ذكرنا، قلت: ما إحيــاء ذكــركم؟ قــال: التالقي والتــذاكر عنــد أهــل.(517)الثبات

، قال: أبلغ×: خبر خيثمة، عن أبي عبد اللهالحديث الثالث موالينا السالم، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم على



فقيرهم، وقــويهم على ضــعيفهم، وأن يشــهد حيهم جنــازة ميتهم، وأن يتالقوا في بيوتهم؛ فإن في لقاء بعضهم بعضا حياة ألمرنا، ثم

.(518)قال: رحم الله عبدا أحيا أمرنا : خبر شعيب العقرقوفي قــال: ســمعت أبــاالحديث الرابع

يقول ألصحابه: اتقوا الله، وكونوا إخوة بررة، متحــابين×عبد الله في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا، وتالقوا، وتذاكروا أمرنــا،

.(519)وأحيوهــامس ــديث الخـ قـــال: اجتمعـــوا،×: عن أبي جعفرالحـ

.(520)وتذاكروا، تحف بكم المالئكة، رحم الله من أحيا أمرنا وهذه األحاديث وإن كانت ضعيفة السند، إال أنها تفيد الوثوق

ــبيت ــاء أمــر أهــل ال ،^بالصــدور، وهي في مقــام الحث على إحيومنهم: الحسين وثورته.

، ففي خبر^: وهو حديث عمارة قبور األئمةالقسم الثاني ، فقلت لــه: مــا لمن×واعظ أهل الحجاز، قال: أتيت أبـا عبـد الله

ـــ، وعمــر تربتــه؟ فقــال: يــا أبــا×زار قبره ـ يعني أمير المؤمــنينــده، الحســين بن علي، عن ــه، عن ج ــدثني أبي، عن أبي ــامر، ح ع

قال لــه: واللــه، لتقتلن بــأرض العــراق، وتــدفن|، أن النبي^علي بها، قلت: يا رسول الله، ما لمن زار قبورنا، وعمرهــا، وتعاهــدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن، إن الله جعــل قــبرك وقبــور ولــدك بقاعــاــاء من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجبــة واألذى من خلقه، وصفوة من عباده، تحن إليكم، وتحتمــل المذلبــا منهم إلى اللــه، فيكم، فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتهــا؛ تقر ومــودة منهم لرســوله، أولئــك يــا علي المخصوصــون بشــفاعتي،ــا علي، من عمر ــة. ي والواردون حوضي، وهم زواري غدا في الجن قبوركم وتعاهــدها فكأنمـا أعـان ســليمان بن داوود على بنـاء بيت



المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب ســبعين حجــة بعــد حجة اإلسالم، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته

.(521)أمه...ــه ال وهذا الحديث وإن دل على عمران القبور وزيارتها، إال أن خصوصية لما ذكــر، بــل هــو في مقــام الحث على إحيــاء أمــرهم.

. ولكنــه ضــعيف^وبالتــالي يــدل على اســتحباب إحيــاء شــعائرهمالسند ال يركن إليه.

والمتحصل أن األدلة التي دلت على استحباب تعظيم مطلق الشعائر، مع هذه األدلــة الــتي تحث على إحيــاء أمــر أهــل الــبيت، كافية للحكم باستحباب إحياء شعائر اإلمام الحسين؛ فإنه مصداق

بارز وظاهر لهذا العنوان.

ـ هل الشعائر توقيفية أو ال؟5 إن توقيفيــة الشــعائر بشــكل مطلــق، ســواء كــانت مرتبطــةــاوين وطــرق ــد وتعــيين العن بعاشــوراء أم ال، تعــني أن أمــر تحدي وأساليب اإلحياء إنمــا هي بيــد المــولى، وال عالقــة للعبــد بهــا، بــل

وظيفته االلتزام والتطبيق ال أكثر. وقد طرحت العديد من اإلشكاالت في المقام إلثبـات القـول

بالتوقيفية. ونختصرها بما يلي: : إذا كانت الشعائر تشمل األحكام الشرعية ـ تبعا لمااألول

ذكرنا سابقا ـ فال بد أن يكون أمرها بيد المــولى، وال يعقــل إيكــالتشريعها إلى الناس.

ــالى: الثاني ــال تع عائر﴿: ق فا والمــروة من شــ إن الص(.158)البقرة: ﴾...الله

وهذا يدل على أن الجعل بيد الله، ال الناس.



: لو كانت الشعائر بيد العــرف التســع البــاب، ويلــزمالثالثــاس وســلوكياتهم ــات الن ــا لرغب ــد، وفق ــك إنشــاء دين جدي من ذل

وأعرافهم.خــذالرابع : يلزم من ذلك أيضــا تحليــل الحــرام، حيث قــد يت

م من ضمن الشعائر. البعض ما هو محروالجواب عن كل ما ذكر باختصار:

أما اإلشكال األول فإنه لم يدع أحد أن تصبح التشريعات بيــد الناس، بل إن الذين رفضوا مقولــة التوقيفيــة قــالوا: إن التشــريع بيد المولى، إال أن المولى حين يــذكر األحكــام والتشــريعات فإنــه

يبينها بطريقتين: : أن يبين التشريع، ويذكر لنا بشكل تفصيلي طريقــةاألولى

امتثاله وتطبيقه، مثل: تشريع الصالة، والصــوم، والحج، والخمس، والزكاة، وغيرها. وهنا ال يمكن للعبد القول بإمكان الصالة تبعا لما يريــد من األجــزاء والشــرائط، بــل ال بــد من االلــتزام بمــا حــدده المولى. نعم، لــه أن يصــلي كمــا يشــاء ضــمن الحــدود الشــرعية،ــة أو فيصلي مثال في بيته، أو على السطح، أو في المسجد، جماع فرادى، وما شاكل هـذا من أنحـاء التطــبيق، من دون التــدخل في

أصل األجزاء والشرائط المرتبطة بالواجب.ــةالثانية ــان طريق ــا، من دون بي ــولى تكليف ــدد الم : أن يح

تطبيقه. فهنا يوكــل المــولى أمــر التطــبيق إلى المكلف، وهــو من أبناء العرف، فعندها يعمد المكلف إلى تطبيق األمــر الربــاني تبعــا لما يفهمه العرف. فإذا قال المــولى: أكــرم العلمــاء فــإن المكلفــا يســمى ــذا م ــرام مثال، وهكــذا. وه ــة اإلك ــذي يحــدد كيفي ــو ال هــتي بالموضوعات العرفية، في مقابل الموضوعات االستنباطية، ال

ع. يكون أمرها بيد المشر



وأما اإلشكال الثاني فــإن اآليــة وإن دلت على أن اللــه حــددــام ــا ليســت في مق ــه من الواضــح أنه بعضــا من الشــعائر، إال أن

الحصر. وأما اإلشكال الثالث فما هي المشكلة في اتساع الشعائر؟! فإن أمرها يدور بين حــالتين: إمــا أن تكــون موافقــة للشــريعة؛ أو مخالفة. فإن كانت مخالفة فهي ليســت من الشــعائر؛ وإن كــانت موافقة فهذا هو المطلــوب، وهــو اإلكثــار من عنــاوين القــرب من

الله، وداللة الناس على خالقهم، وهذا شيء مطلوب. وأما اإلشــكال الرابــع فال يلــزم من كــون بعض الشــعائر بيــدــو المكلفين تحليل الحرام؛ ألن المكلف ال يدخل في الشعائر ما هم؛ وألن ما هو بيد المكلف إنما هو الموضوعات العرفية، دون محرــا من ــذا اإلشــكال لعم إلى غيره ــو ســلمنا به االســتنباطية، وإال ل الموارد، ولسد بــاب االلــتزام بالموضــوعات العرفيــة الــتي جعلهــا

المولى بيد المكلف. وهذا ما ال يلتزم به أحد.ــد المكلفين، ــون بعض الشــعائر بي ــه فال إشــكال في ك وعلي

ومنها: الشعائر الحسينية.

ـ الموانع الطارئة على القاعدة6 ينبغي التعرض لهذا الموضــوع؛ ألنــه يحــدد لنــا الــدائرة الــتي يمكن من خاللها تفعيل الشعائر الحسينية في المجتمــع تبعــا لكــل زمــان، بمــا فيــه من األعــراف واألســاليب والمنــاهج المســتحدثة. وعليه نقول: إن هناك عدة عناوين ينبغي مالحظتها في تعيين أمر

ما أو ظاهرة معينة في كونها من الشعائر أو ال. : يجب أن ال يكــون العمــل المطلــوب وســمه بعنــواناألول

الشــعيرة حرامــا؛ ألنــه ال يمكن التقــرب إلى اللــه تعــالى بمــا هــو



م. وقد ذكر السيد األمين في رسالته العديد من األمــور الــتي محر قــام بهــا البعض مــع انطبــاق عنــوان الحــرام عليهــا، فال يمكن أن تكون هذه األمور من الشعائر، كالكذب، والغناء، واستعمال اآلالتــالعنوان األعم، أي أن ال مــة. نعم، يكفي أن تكــون مباحــة ب المحرمة. وال بأس لــو كــانت من العنــاوين المكروهــة بــذاتها، تكون محر

وهذا على وزان: ال تصل في الحمام.الثاني : لزوم الضرر واإلضرار. إن هذا العنوان قد وقع محال

م من اإلضــرار للنقاش بين العلماء على مســتوى المقــدار المحــر بالنفس، وهل هــو مطلــق الضــرر أو الضــرر المعتــد بــه؟ ونحن الله إلى ما سيأتي من أبحــاث، ولكن نبحث هذا العنوان هنا، بل نؤج نقول: إن انطبق عنوان الضرر واإلضرار ـ تبعا لكــل من الــرأيين ـ

في أمر ما فال يمكن الحكم بشعيريته.ــك واالســتهزاء بالمســلمين، أوالثــالث ــوان الهت ــزوم عن : ل

بالمذهب، أو بعظمة اإلمام الحسين وثورته. وعليــه فهــذا العنــوان يعــود أمــره إلى العــرف. ولــذا قــد يختلــف من زمــان آلخــر، ومن مجتمع آلخر. وهـذا العنـوان ســوف يـأتي بحثــه ضـمن مــا يســمى بضرب الرؤوس. ومع انطباق هذا العنــوان ال مجــال للحكم بكــون

الموضوع المنطبق عليه من الشعائر. وتبعا لكل ما ذكر فالشعيرة هي العناوين التي جــاء تحديــدها في الروايــات، كالبكــاء، والزيــارة، وذكــر فضــائلهم، ومنــاقبهم، أوــاء ــوان إحي ضرورة كون الشعيرة المستحدثة مما ينطبق عليها عن

أمرهم، مع عدم تعنونها بمانع من الموانع التي ذكرت.

الشعيرة األولى: البكاء وفيها مطالب:



ـ في جواز البكاء على الميت1 وفيه نقاط:

ـ المصادر اإلمامية التي تعرضــت لجــواز البكــاء على1ـ 1الميت

ــوح3 ذكر الحر العاملي في الوسائل، الجزء ، باب جــواز الن والبكـاء على الميت، ثالثــة أحــاديث، وفيهـا مــا يـدل على الجـواز.

، وهــو جــواز البكــاء على87وكذلك ذكــر في الجــزء نفســه، بــاب الميت، والمصيبة، واستحبابه عند زيادة الحزن، وفيه ما يدل علىــدل بعضــها على االســتحباب. ــل ي ــه، ب الجــواز بشــكل ال لبس في

، في اسـتحباب88وكذلك ذكر في الباب الـذي يليـه، وهــو البــاب البكاء لموت المؤمن، ثالثــة أحــاديث، وفيهــا مــا يــدل على عنــوان

الباب.ــاب ،58أما النوري في المستدرك فذكر في الجزء الثاني، ب

، ما يـدل على جــواز البكــاء على الميت، بــل واســتحبابه74وباب عند زيادة الحزن.

ـ إطاللة على كلمات علماء الشيعة في هذا الموضوع2ـ 1ــوت1 ـ قال المحقق الحلي في المعتبر: البكاء جائز قبل الم.(522)وبعده

ـــ وقــال العالمــة الحلي في تــذكرة الفقهــاء: البكــاء جــائز2.(523)إجماعا، وليس بمكروه قبل خروج الروح، وال بعدها، عندنا

ــه ال خالف3 ـ وقال الشيخ البحراني في الحدائق: الظــاهر أنــدل نصا وفتوى في جواز البكاء على الميت، قبل الدفن وبعده. وي

.(524)على ذلك األخبار المستفيضة



ـــ وقــال الــنراقي في مســتند الشــيعة: جــواز البكــاء على4 الميت مجمع عليه، والنصوص به مستفيضة، وفي بعضها األمر بــه

.(525)عند شدة الوجد ـ وقال السيد اليزدي في العروة: يجوز البكاء على الميت،5

نا ولو كان مع رفع الصوت، وقد يكون راجحــا، كمــا إذا كــان مســك للحزن وحرقــة القلب، بشــرط أن ال يكــون منافيــا للرضــا بقضــاء

.(526)الله، وال فرق بين الرحم وغيره ـ وقال السيد الخوئي في موسوعته ـ ونعم ما قال ـ: جواز6

البكاء على الميت. والوجه في ذلك أمور: أـ األصل. فإن كل ما لم يقم دليل على حرمته في الشــريعة المقدسة فهو محكوم بالحلية. ولم يدلنا دليــل على حرمــة البكــاء

على الميت. ، ولم^ب ـ السيرة المستمرة المتصلة بزمــان المعصــومين

مــا النتشــرت يردعوا عنها بوجه، فلو كــان البكــاء على الميت محر حرمته، ووصلت إلينا متــواترة. والخــبر الــذي ينقــل من أن الميت

ــالى: ــه تع ــاف لقول وال تزر وازرة﴿يعذب ببكاء أهله ضــعيف من(.15)اإلسراء: ﴾وزر أخرى

ــراهيم، وقــال:|ج ـ األخبار الواردة في أن النبي بكى على إب تدمع العين، ويحزن القلب، وال نقول ما يسخط الرب. وبكى أيضا على جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة. وكــذلك بكت الصــديقة الزهراء على رقيــة بنت رســول اللــه، وعلى أبيهــا. وبكى علي بن

.(527)الحسين على شهداء الطف مدة مديدةونقول في المقام:

ـ نحن نوافق تماما على األدلة التي ذكرها الســيد الخــوئي،1ع للمصــادر التاريخيـة يظهــر إال أننا نضيف: إنه مع المراجعــة والتتب



قد بكى على األموات في حياته في محطات كثــيرة؛|لنا أن النبي فقد بكى على أبي طالب، والحمزة، وجعفر بن أبي طــالب، وزيــد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ويوم موت ولده إبــراهيم، وكــذلك

.(528)يوم زيارة قبر أمه آمنة ـ لقد أشار علماؤنا إلى الروايات الــواردة في جــواز البكــاء2

ــدماء ــة للق ــوعات الفقهي ــرنا، ولكن الموس ــا أش على الميت، كم أشــارت إلى الموضــوع بشــكل مختصــر جــدا، ممــا يــدل على أنــترة ــك الف ــان من الواضــحات في تل الحكم في هــذه المســألة ك

، وكذلك(529)الزمنية، كما أشار إليه الشيخ الطوسي في المبسوط.(530)فعل ابن إدريس في السرائر

ـ كلمات علماء السنة3ـ 1وفي المقام أمران:

ـ األحاديث الــتي ذكرهــا الســنة في الموســوعات الحديثيــة1حول موضوع البكاء على الميت، ونذكر منها ما يلي:

قال: يعــذب الميت ببكــاء|أـ ورد في مسند أحمد: عن النبي.(531)أهله عليه

ب ـ ورد في مسند أحمد: ...فقال )عمر(: ال تبكوا علينا، منــذب|كان باكيا فليخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله ؟! قال: يع

الميت ببكاء أهله عليه. فمن أجـل ذلـك كــان عبـد اللـه ال يقـر أن.(532)يبكى عنده على هالك، من ولده وال غيرهم

ج ـ ورد في موطأ مالك: ...فقــالت عائشــة: يغفــر اللــه ألبيــه نســي أو أخطـأ، إنمــا مــر عبد الرحمن، أما إنــه لم يكـذب، ولكن

بيهودية يبكي عليها أهلها فقــال: إنكم لتبكــون عليهــا،|رسول الله.(533)وإنها لتعذب في قبرها

دـ ورد في الدر المنثور: ...فسمع ابن عمــر بكــاء، فقــال: أال



قــال: إن الميت يعــذب|تنهى هؤالء عن البكــاء؛ فــإن رســول الله ببكاء الحي عليه، فأتيت عائشة، فذكرت ذلك لها، فقــالت: واللــه،هم، ولكن الســمع يخطئ، وفي إنك لتخبرني عن غير كــاذب وال مت

.(534)﴾وال تزر وازرة وزر أخرى﴿القرآن ما يكفيكم: قـال: إن الميت|هـ ـ جـاء في صـحيح البخـاري: ...أن النـبي

.(535)ليعذب ببكاء الحي وهنــاك العديــد من المصــادر األخــرى الــتي ذكـــرت هــذا المضمون من الروايــات، مثــل: صــحيح مســلم، ومصــنف ابن أبي

شيبة، والسنن الكبرى للبيهقي، وصحيح ابن حبان، وغيرها. ـ أمــا الفتــوى عنــدهم في هــذا الموضــوع فقــد ورد: يحــرم2

البكاء على الميت برفع الصوت والصياح، عند المالكية، والحنفية..(536)وقال الشافعية والحنابلة: إنه مباح

وجــاء في المغــني: أمــا البكــاء بمجرده فال يكــره في حــال..(537)وقال الشافعي: يباح إلى أن تخرج الروح، ويكره بعد ذلك

ويمكن لنا التعليق بما يلي: : ال يمكن تصديق الخبر الوارد في مصــادر أهــل الســنة؛أوال

وذلــك ألن النقــل متعــارض بين مــا ذكرتــه عائشــة ومــا جــاء علىلسان ابن عمر.

ــانثانيا : ال ينبغي النظر في المقام إلى السند؛ إذ حتى لو كالطريق معتبرا فمن المفروض مالحظة متن الرواية.

: إنه ال مجال إلعمــال قواعــد الجمــع العــرفي بين هــذهثالثا الروايات، بــل هي متعارضــة فيمــا بينهــا. كمــا أنهــا ال تنســجم مــعــرآني ــدليل الق ــذا ال ــه، وك ــة الل ــائم على عدال ــدليل العقلي الق الــه القطعي، من أن اإلنسان ال يتحمل وزر اآلخرين، سواء في حيات

﴾وال تزر وازرة وزر أخــرى﴿أو بعــد موتــه، فقــد قــال تعــالى:



(.15)اإلسراء: : إن دليل الســنة في قــول المعصــوم وفعلــه وتقريــرهرابعا

فيه غــنى وكفايــة إلفــادة التــواتر في جــواز وشــرعية البكــاء على األموات، فقد ثبت من خالل القول والفعــل والتقريــر جــواز ذلــك،

في^من خالل ما قاله وفعله النبي، ومن خالل قول وفعــل أئمتنا هذا المجال. وعليه فال يصغى إلى بعض الروايات المتعارضة التي

ذكرت في مصادر أهل السنة.ــ في اســتحباب البكــاء على اإلمــام الحســين بن علي2 ـ

^وأهل بيتهوفيه نقاط:

ـ في لمحة عن المصادر التي ذكرت استحباب البكــاء1ـ 2×لقتل الحسين

ــواب أـ ذكر ابن قولويه في »كامل الزيارات« العديد من األب ، نحــو: بكـاء جميــع مــا×التي تتعلق بالبكــاء على اإلمــام الحســين

خلق الله على الحسين؛ بكاء المالئكة عليه؛ بكاء الســماء واألرضــه؛ ــاء علي بن الحســين على أبي ــه؛ بك ــواب من بكى علي ــه؛ ث عليــال في ــواب من ق الحسين قتيل العبرة ال يذكره مؤمن إال بكى؛ ث

إلى26الحســين شــعرا فبكى وأبكى. وقــد ذكــر ذلــك في البــاب من كتابـــه. وهـــو من أقـــدم المصـــنفات في هـــذا36البـــاب

.(538)الموضوع ب ـ ذكر الحر العاملي في »الوسائل« بابــا حــول اســتحباب

، وقد ذكــر فيــه عشــرين حــديثا. كمــا يمكن×البكاء لقتل الحسينــارات؛ ــل الزي ــا، وهي: كام ــد عليه ــتي اعتم ــادر ال ــة المص مراجع المحاسن؛ قـرب اإلسـناد؛ ثـواب األعمــال؛ تفســير القمي؛ أمــالي الصــدوق؛ عيــون أخبــار الرضــا؛ علــل الشــرائع؛ الكــافي؛ مصــباح



.(539)المتهجد ج ـ ذكر المجلسي في »البحار« بابا حول ثــواب البكــاء على

38، وقد ذكر فيه ^مصيبته ومصائب سائر األئمة .(540) حديثا دـ ذكر صاحب المستدرك بابــا حــول اســتحباب البكــاء لقتــل الحسين وما أصاب أهل البيت، خصوصا يوم عاشوراء، وذكــر فيــه

13 .(541) حديثا

ــ نظريــة االســتحباب المطلــق مــع تحصــيل الثــواب2ـ 2 ـ×المذكور في الروايات للبكاء على اإلمام الحسين

وهــذه النظريــة ال تحــدد الثــواب المــذكور في الروايــات في إطار زمني أو مكاني خاص، بل تشمل كافة األزمنة واألمكنة، وأن مطلق البكاء على اإلمام الحسين يرتب الحصول على هذا الثواب

المذكور. ×وبنـاء على هــذا نقـول: لقـد ورد في البكـاء على الحســين

أخبــار كثــيرة، ادعى البعض أنهــا تفيــد التــواتر. وال يبعــد ذلــك مــع في هــذا^مالحظة كافة األخبار الواردة على لسان النــبي واألئمة

الموضوع. وعليه فقد يقال: يكفينــا النظــر إلى مــدلول الروايــات،وال حاجة لنا في البحث عن األسانيد.

ولكن يمكن الجـــواب: إن التـــواتر القـــائم إنمـــا يفيـــدنا في المعنى الجامع، وهو ما يسمى بالمدلول العام والجــامع المســتفادة في كــل من هذا التواتر. أما إذا أردنــا مالحظــة المــداليل الخاصــ طائفة من هذه الروايات فال بد لنا من مالحظة السند، وهل يمكنك بــالتواتر إلثبــات المــداليل االعتماد عليــه أو ال؟ وال يمكن التمســ الخاصة الموجودة في كل طائفــة من الروايــات؛ ألن التــواتر إنمــا يثبت المعنى الجــامع، ال المــداليل الخاصــة. وعليــه فاألخبــار على

طوائف: ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 374هـ1433م ـ 2012ربيع


ــة األولى: ــا أن البكـــاء علىالطائفـ ــ ــا ورد فيه ــ وهي م يوجب غفران الذنوب، وهي:^الحسين أو سائر األئمة

، قــال: من×ـــ روايــة فضــيل بن يســار، عن أبي عبــد الله1 ذكرنا عنده ففاضت عيناه، ولو مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه،

.(542)ولو كانت مثل زبد البحرــة وهذا الحديث صحيح سندا. وداللته على عنوان هذه الطائف

واضحة.ــا بن×ـ رواية الريان بن شبيب، عن الرضا2 ، أنه قال له: »ي

؛ فإنــه ذبح×شبيب، إن كنت باكيا لشيء فأبــك للحســين بن علي كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيتــه ثمانيــة عشــر رجال، مــا لهم في األرض شبيهون، ولقد بكت السماوات الســبع واألرضــون

حــتى×لقتله، إلى أن قال: يا بن شــبيب، إن بكيت على الحســين تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيرا كان

.(543)أو كبيرا، قليال كان أو كثيرا...« وقد وقع الكالم في وثاقة محمد بن علي بن ماجيلويــه؛ فقــدقه البعض، اعتمادا على أن الشيخ الصدوق قد ترضى عليه، بعد وثــادا على البناء على أن الترضي على الراوي يفيد التوثيق، أو اعتم حكم العالمة بصحة طريق الصدوق إلى إســماعيل بن ربــاح، وهــو

.(544)فيه إال أنه بعد البناء على عدم كون الترضي من طــرق التوثيــق، وعدم االعتماد على توثيقات العالمة، ال مجال لتوثيقه. وأمــا داللــة

الرواية ففي غاية الوضوح.ــوجب× ما يفيد أن البكاء على الحسينالطائفة الثانية: يغفران الذنوب العظام:

ـــ في×ـ رواية إبراهيم بن أبي محمــود، قــال: قــال الرضا1



حديث ـ: فعلى مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإن البكاء عليه يحط.(545)الذنوب العظام

وهي صحيحة سندا. وداللتها على المراد إثباته ال غبار عليها. يمنــع^ ما ورد من أن البكــاء على األئمةالطائفة الثالثة:الباكي من دخول النار:

ــا×الله ـ رواية فضل وفضالة، عن أبي عبد1 ، قال: من ذكرنم الله وجهه على النار .(546)عنده ففاضت عيناه حر

ويمكن توثيق حكيم بن داوود؛ بلحــاظ كونــه من مشــايخ ابن قولويه في »كامل الزيارات« بال واسطة. أما مسلمة، وهو سلمة بن الخطاب، فال مجال لتوثيقه بعد البناء على عدم وثاقة المشايخ غير المباشرين في كامل الزيارات. وعليه فالروايــة غــير معتــبرة،

إال أن داللتها واضحة. ما ورد فيها أن البكاء عليه يوجب دخولالطائفة الرابعة:

الجنة: ، قال: كــان علي×ـ رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر1

بن الحسين يقول: »أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحســين، حــتى تسيل على خديه، بوأه الله بها غرفا يسكنها أحقابــا؛ وأيمــا مــؤمننا من األذى من دمعت عيناه، حتى تسـيل على خـده، في مـا مسـ

.(547)عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق...«والرواية صحيحة سندا؛ وواضحة داللة.

ــال:×ـ رواية محمد بن أبي عمارة، عن جعفر بن محمد2 ، ق »من دمعت عيناه فينا دمعة؛ لدم سفك لنا، أو حق لنا نقصناه، أو عرض انتهك لنا، أو ألحد من شيعتنا، بوأه الله تعالى بها في الجنة

.(548)حقبا« إال أن هذا الحديث ضعيف الســند؛ لجهالــة أربعــة من رواتــه.



أما داللته على المطلوب فواضحة. ـ×ـ رواية أبي هارون المكفوف، قــال: قــال أبــو عبــد الله3

في حديث ـ: »ومن ذكر الحسين عنــده فخــرج من عينــه الــدموع مقــدار جنــاح ذبــاب كــان ثوابــه على اللــه، ولم يــرض لــه بــدون

.(549)الجنة« وهذا الحديث ضعيف؛ لجهالة أبي هارون المكفــوف. كمــا أن هناك نقاشا في صالح بن عقبة، فإن من وثقه اعتمد على أنه ورد في تفسير القمي وكامل الزيارات، لكن ال بالمباشرة. يضاف إلىــه معتمــد، كمــا عن مــا ذكــر أن األصــحاب عملــوا برواياتــه، وكتابــو ــق. وه ــد التوثي ــر ال يفي ــا ذك ــل م ــال: إن ك ــدوق. ولكن يق الص الصحيح؛ ألننــا ال نقــول بوثاقــة كــل من ورد في تفســير القمي أو كامل الزيارات، بــل نقــول: إن تفســير القمي غــير معتمــد؛ لعــدمــا. مــع توثيــق خصــوص المشــايخ ــوق بالنســخة الواصــلة إلين الوث المباشرين في كامل الزيارات. كما أن عمــل األصــحاب، واعتمــاد الصــدوق على رواياتــه، ال يكفي، وإال فــالمفروض العمــل بكــلــا ال روايات الصدوق أو غيره التي قالوا عنها: إنها معتمدة. وهذا م يمكن المصير إليه، فإننا أبناء الدليل والحجة، ولســنا أبنــاء التبعيــة

في هذا األمر.ــوجبالطائفة الخامســة: مــا ورد من أن البكــاء عليهم ي

عند موت الباكي:^حضور األئمة ×ـ رواية مسمع بن عبد الملك، قال: قال لي أبو عبــد الله1

ـــ؟ قلت:×ـ في حديث ـ: »أما تذكر ما صنع به ـــ يعــني الحســين بلى، قال: أتجزع؟ قلت: إي والله، وأستعبر بذلك، حتى يرى أهلي أثر ذلك علي، فأمتنع عن الطعام، حــتى يســتبين ذلــك في وجهي، فقال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدون من أهل الجــزع



لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، أما إنك ســترى عنـد موتك حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك بــه من البشارة أفضل، ولملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من

.(550)األم الشفيقة على ولدها«ــة ولكن هذا الحديث غير معتمد سندا؛ لضعف األصــم، وجهال

الثالثة السابقين عليه. إال أن داللته واضحة. مــا ورد من أن البكــاء عليــه يســعدالطائفــة السادســة::÷فاطمة سيدة نساء العالمين

أحدثــه،×ـ رواية أبي بصير، قــال: كنت عنــد أبي عبــد الله1 فدخل عليه ابنه، فقال له: مرحبــا، وضــمه، وقبلــه، وقــال: »حقــر اللــه من حقــركم، وانتقم ممن وتــركم، وخــذل اللــه من خــذلكم، ولعن اللـه من قتلكم... وقـال: يـا أبـا بصــير، إذا نظــرت إلى ولــد الحسين أتاني ما ال أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم. يــا أبــا بصــير، إن فاطمة لتبكيه وتشهق... يا أبــا بصــير، أمــا تحب أن تكــون في

.(551)...«÷من يسعد فاطمة إال أن هذا الحديث ضعيف؛ بعبد الله بن عبد الرحمن األصـم،

حيث قال عنه النجاشي: ضعيف غال، ليس بشيء.ل من هـــذه الروايـــات المتـــواترة في الجـــامع والمتحصـــ

. إال أن×المشترك بينها هو استحباب البكاء على اإلمــام الحســينــة، دون المعتمد عليه من هذه الطوائف هو األولى والثانية والرابع الثالثة والخامسة والسادســة. نعم، إذا آمنــا بنظريــة التســامح فيــغ«، أمكن ــاديث »من بل ــد تســتفاد من أح ــتي ق ــة الســنن، ال أدل االعتماد على الثالثة األخيرة. والنقاش في هــذه النقطــة واســع ال

مجال لطرحه في هذا البحث. وعليه فنحن نعتقد أن ما ثبت من هذه الطوائف وآثارها غــير



د بـزمن أو حالـة معينـة، بـل هــو مطلـق لكـل زمــان ومكـان. مقي والــدليل هــو نفس المــدلول في هــذه الطوائــف. وســيأتي مزيــد

تحقيق لهذه النقطة في ما يأتي.

على الحســين|وقفة أخــيرة في النظريـة األولى: بكــاء النـبيفي روايات أهل السنة

جاء في المستدرك على الصحيحين للحــاكم، مســندا عن أمــا|الفضــل بنت الحــارث، أنهــا دخلت على رســول الله فقــالت: ي

رسول الله، إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: ما هو؟ قـالت: إنـه شديد، قال: ما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعــة من جســدك قطعت،

: رأيت خــيرا، تلــد فاطمــة|ووضعت في حجري، فقال رسول الله إن شاء الله غالما فيكون في حجــرك، فولــدت فاطمــة الحســين،

ــول|فكان في حجري، كما قال رسول الله ، فدخلت يوما إلى رس الله، فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فــإذا عينــا رســول

تهريقان من الدموع، قلت: يا نـبي اللـه، بـأبي أنت وأمي مــا|الله فأخبرني أن أمــتي ســتقتل ابــني هــذا،×لك؟ قال: أتاني جبرائيل

فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. ثم قال معقبا: هذا حديث صحيح على شــرط الشــيخين، ولم

.(552)يخرجاه

ـ نظرية الدكتور البهبودي3ـ 2 وهي: عــدم اإلطالق األحــوالي لبعض روايــات البكــاء على

.×الحسينونذكر في المقام أمرين:

قال البهبودي في حاشيته على البحار: تــوهماألمر األول: الجهــال أن لهــذه األحــاديث إطالقــا يشــمل كــل ظــرف وزمــان؛ فأنكرها بعض أشد اإلنكار، وقال: لــو صــحت هــذه األحــاديث ألتى



ــرائض ــل الفـ ــده، وألدى إلى تعطيـ ــذهب وقواعـ ــان المـ على بنيـاق والفجــار واألحكــام، وتــرك الصــالة والصــيام، كمــا نــرى الفســكلون في ارتكاب السيئات واالقتحام في جرائمهم الشنيعة على يت

ــين ــوا عن×والء الحس ــه، من دون أن ينته ــاء علي ــه والبك ومحبت ظلمهم وغيهم واعتسافهم. فليســت هــذه األحــاديث إال موضــوعة

؛ ترويجــا لمـرامهم^من قبل الغالة، ودسهم في أخبار أهل الــبيتــبيت إنمــا هــو محبتهم، ال الفاســد ومســلكهم في أن والء أهــل ال الدخول تحت سلطانهم وأمرهم ونهيهم، على ما هــو الصــحيح من معنى الوالية؛ وبعضهم اآلخر، الــذين يــروون الحــديث وال يعقلــون فيه وال يتدبرون، أخذ باإلطالق، وادعى أن من بكى على الحســين

أو أبكى أو تباكى فله الجنة، حتى في زماننا هذا وعصرنا. والحــق أن هــذه األحــاديث، بين صــحاح وحســان وضــعاف،ــا ــل، ولكنه مستفيضة، بل متواترة ال تتطرق إليها يد الجرح والتأوي

والبكـاء عليـه وزيارتـه ورثـاؤه×صدرت حينما كان ذكـر الحسـينــه، ــدة في ذات الل ــر، ومجاه ــارا للمنك ــه إنك ــعر في ــاد الش وإنش ومحاربة مع أعداء الله. فمن كــان يبكي على الحســين، أو يرثيــه، أو يــزوره، في ذلــك الظــرف لم يكن فعلــه ذلــك حســرة وعــزاء وتسلية فقط، بل محاربــة ألعــداء الــدين وجهــادا في ســبيل اللــه. وأما في زمان ال محاربة بين أهل الـبيت وأعـدائهم، كزماننــا هـذا،

.(553)فال يصدق على ذكر الحسين والبكاء عليه عنوان الجهادــراألمر الثاني: يرد على ما قاله البهبودي: أـ إن محط نظ

البهبودي هو أمثــال الروايــة الــواردة في تفســير علي بن إبــراهيم قال: من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخـرج×القمي: عن اإلمام الصادق

من عينيه دمع مثل جناح البعوضة غفر اللــه لــه ذنوبــه ولــو كــانت ،×مثل زبد البحر، أو كصحيحة محمد بن مسلم، عن اإلمام الباقر



قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مــؤمن دمعت عينــاه لقتــل الحسين حتى تسيل على خديه بوأه الله بها غرفا يســكنها أحقابــا؛نا من وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خــده في مــا مســ

األذى من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق... ب ـ اعتبر البهبـودي أن هــذه الروايـات وأمثالهـا، الــتي تـبينــه الثواب الكبير، تشير إلى زمان خاص، وهو الزمن الذي يكون في ذكر الحسين والبكاء عليه جهادا في سبيل الله، ومواجهة لألعداء، وليس كهذا الــزمن، حيث إن ذكــره والبكـاء عليـه ال ينطبـق عليـه

عنوان المواجهة مع األعداء والظالمين. ج ـ من المعروف تاريخيا أن هذه الروايــات قــد صــدرت في زمن الدولة األموية، ثم العباسية، تبعــا لكــل إمــام، ولكن ال يمكن ــرز تفســيرا المصير إلى التفســير الــذي ذكــره البهبــودي مــا لم يب واضــحا للمســتند الــذي دعــاه إلى تبني هــذا الــرأي، فــإن علمــاء التفسير القرآني واألصول في الفقه اإلسالمي ذكروا أن المورد النــة يخصص الوارد. وهذا شيء واضـح. نعم، إن وجــدت قـرائن معي وأدلة واضحة في المراد من الحديث فنحن مع تلــك القــرائن، وإال

فالمحكم هو هذه القاعدة األصولية. د ـ البد من الرجوع إلى روايات البكاء لــنرى هــل تحمــل في ألسنتها ما يدل على نظرية البهبودي أو أن لســانها آب عن ذلــك؟ وبعد الرجوع إليهــا وجــدنا أنهــا مطلقــة أوال بلحــاظ الزمــان، وهيب الثواب على دمع العين والبكاء عليه وما شاكل، وليس فيهــا ترت

أية إشارة إلى ما ذكره. هـ ـ بما أن الروايات ال تحمل في متنها ما يــدل على تفســيرك بهــذا التفســير ورأي البهبودي نحتمل أن الذي دعاه إلى التمســــواب لهذا القسم من الرويات هو عدم تعقل هذا المستوى من الث



لهذا الفعل البسيط، الذي ال يحتاج إلى جهد وبذل ونشاط. و ـ ال مالزمة بين البكاء على الحسين في زمن بــني أميــة أو بــني العبــاس وبين المواجهــة معهم؛ ألن الكثــير من الــذين كــانواة بأبنـاء يبكون الحسين إنما كانوا يبكونه سرا، أو في أمـاكن خاصـ

الطائفة، بل إن أغلبهم لم يفعل ذلك أمام السلطان وأتباعه. ز ـ إن النظرية التي أفادها البهبــودي يمكن اللجــوء إليهــا لــو وجــدنا في بعض النصــوص أن اإلمــام يقــول فيهــا ألتباعــه مثال ـــ:

، لــيراك×اخرج إلى السوق أو إلى أي تجمع عام، وابــك الحســين النــاس أو أتبــاع الســلطان، ولــك بكــل دمعــة أو كلمــة أو بيت من الشعر قصـرا في الجنـة، أو يغفـر اللـه لـك بكـل بيت من الشـعرــا جميع ذنوبك. فلو كان لسان بعض الروايات على هذا النحــو لقلن

بالنظرية التي أفادها. ولكن ال يوجد أمثال هذه التعابير. ح ـ إن الثواب اإللهي المقدم للعبــاد إمــا أن يكــون في بــاب التفضل؛ أو من باب االستحقاق، على الخالف في المســألة. فــإن كان من باب التفضل فهو أمر بيد المولى يحدده كما وكيفــا، وهــو القادر الكريم المتفضل؛ وإن كان من باب االستحقاق فكلنــا يعلم أن ال مطابقة أبدا بين الواجبات والمستحبات وبين ثوابهــا، بــل إن الثواب على أي عمل يزيد دائما عن قيمــة نفس العمــل. والخلــودــغ في الجنة هو أكبر شاهد على ما نقول. بل لو فرضنا أن شابا بل اليوم، وذهب غدا إلى ساحة الجهاد، فقاتــل، وأبلى بالء حســنا، ثم استشهد، فأدخله الله الجنة، وأعطاه من ثوابها، وخلده فيها، فهل يوجد تناسب بين العمل وبين الثواب أم أن البهبودي ال يذعن لهذا

المثال أيضا، وال أظنه يفعل ذلك. ط ـ إن القيام بعملية استقراء ــ ولــو ناقصــة ــ لثــواب بعضنا بوضــوح على أن اللــه تعــالى قــد يــثيب العبــد بهــذا األعمال يــدل



على أعمــال×المستوى المذكور في روايات البكاء على الحسين قد تكون بسيطة. وسوف يــأتي معنــا في نقــاش النظريــة الثالثــة

مزيد تحقيق وبيان حول هذه الفكرة.ــبي ــ إن مــا ذكــره الن بعــد معركــة× ألمــير المؤمــنين×ي ـ

الخندق، من أن ضربته تعادل عمل الثقلين إلى يوم القيامة، ألكبر دليل على أن الموازين اإللهية في اإلثابة تختلف عما هو سائد بين الناس، مع اعترافنا بعظمة الفعــل، وخصوصــية األمــير. وال مجــال

لقياس العطاء الرباني على أفعال وصفات البشر.

ـ نظرية السيد هاشم معروف الحسني4ـ 2 وهي التي تعتبر بعض هذه الروايــات موضــوعة ومدسوســة.

وهنا أمران: وهو في بيـان كالم الســيد الحسـني المـذكوراألمر األول:

في كتابه )الموضوعات في اآلثار واألخبار(.ــال ــات&ق ــك في حين أني ال أســتبعد بعض مروي ــول ذل : أق

القصاصــين والوعــاظ وغــير الموثــوقين وإن لم تكن مســتوفيةــير للشروط المطلوبة في الراوي للرواية؛ إذ ليس كل ما يرويه غ الموثوق في دينه مكذوبا؛ لجواز أن يصــدق الكــاذب أحيانــا، ولكن الــذي أدعيــه أن األخــذ بجميــع مرويــاتهم، واعتبارهــا في مســتوى الصحيح، ولو من حيث ترتيب اآلثار عليها، كمــا هــو المســتفاد من أخبار »من بلغه«، مــع العلم بـأن أكثرهــا مكذوبـة عليـه، أو مبــالغ فيها بنحو ال يستسيغه العقل، وال يقره منطــق الشــرائع واألديــان،ــة من ــة والمرتزق ــذي يشــجع الكذب ــذا المســتوى ال ــا في ه جعلهــعفين، وفي ــتغالل المستض ــدين واس ــاجرة بال ــاظ على المت الوع الوقت ذاته ربما يخدر السامع عن العمــل، ويبعث في نفســه روح



االتكال على الثواب الموعود به، عندما يســمع أن الدمعــة الــتي ال تزيد عن جناح بعوضة إذا خــرجت من عينـه حزنـا على مــا أصـاب

يغفر الله له بسببها جميع ذنوبه، ولو كانت مثــل زبــد^أهل البيت البحر، كما جاء في رواية علي بن إبــراهيم، عن اإلمــام جعفــر بن

...×محمد الصادق لقد ألمحت بعض اآليات والنصوص عن الرسول واألئمة إلى أن الله سبحانه يضاعف الجزاء على األعمال الصالحات، ولكن لم يرد في آية من آيات الكتاب، وال في حــديث صــحيح عن الرســول

، أن عمال واحدا من أعمــال الخــير ـــ مهمــا كــان نوعــه ـ^واألئمةــل ــدد الرم ــر وع ــد البح ــانت كزب ــو ك ــا، ول ــذنوب جميعه ــر ال يغف والحصى، كما جاء في أحاديث القصاصين والوعاظ الــتي نســبوها إلى الرسول واألئمة الهداة الميــامين. وهــل يجــوز على الرســول

أن يقول البنته فاطمة سيدة النســاء: اعملي يــا فاطمــة،|العظيم فلن أغني عنك من الله شيئا، ويقول في الــوقت ذاتـه لمن حضـر معه وقعة بدر من المسلمين: اعملوا ما شئتم، فإن الله قــد غفــر لكم؟ وهــل يجــوز ذلــك على من قــال: إن الحــديث إذا لم يوافــق

العقل والكتاب فليس من أحاديثنا، وهو مدسوس علينا...؟ــد الخــير عن ــد عن الســخف والخرافــات بع إن اإلســالم بعي

.(554)الشر، والحق عن الباطل : ذكر السيد الحسني عدة أدلة في مقام بيــاناألمر الثاني

ــتي رفض فيهــا أن تكــون هــذه الروايــات صــادرة من نظريتــه، ال ، بــل هي من فعــل القصاصــين والكــاذبين. ويمكن لنــا×المعصوم

التعليق على كالمه بما يلي: ال يتناقض مع الروايات التي تدل÷ لفاطمة|أـ إن قول النبي

على العديــد من األعمــال الموجبــة لغفــران الــذنوب، أو الموجبــة



لعودة العبد كمن ال ذنب له، أو لعودته كيــوم ولدتــه أمــه، وغيرهــا من التعابير، وإنمــا يتحقــق التنـاقض لــو كـان االتكـال على البكـاء وغيره من األعمال البسيطة قد أخــذ مســاحة أوســع وأشــمل من

مساحة األعمال والقيم األساسية في الشريعة اإلسالمية. ب ـ نحن نوافقه تماما على أن اإلسـالم بعيـد كــل البعــد عنــون بعض ــه في ك ــف مع ــد نختل ــفائف، ولكن ق ــات والس الخراف

المصاديق من صغريات هذه الكبرى أم ال. ج ـ يرد عليه العديد من اإلشكاالت التي ذكرناها على نظرية

البهبودي، فال نعيد. د ـ إن زعمه عدم وجود حديث عن النبي أو اإلمام يدل على غفران الذنوب بعمل واحد غير دقيق، بل بمراجعة الروايــات نجــد أنهــا ذكــرت أن بعض األعمــال تــوجب غفــران الــذنوب، أو خــروج

العبد من الذنوب كيوم ولدته أمه.ونحن نذكر العديد من األحاديث في هذا المجال:

’ـ عن حمــران بن أعين قــال: زرت قــبر الحســين بن علي1 ، فقال: أبشر يــا حمــران، فمن زار×فلما قدمت جاءني أبو جعفر

ــه قبور شهداء آل محمد، يريد الله بذلك وصلة نبيه، خرج من ذنوب.(555)كيوم ولدته أمه

وهذا الحديث ضــعيف الســند؛ لجهالــة عــدد من رجالــه، وهمــع في ــه تنف ــران بن أعين. إال أن داللت ــل حم ــر قب ــة األواخ األربع

المقام. ، قــال: من قــال×ـ عن بكــر بن محمــد، عن أبي عبــد الله2

حين يأخذ مضجعه ثالث مرات: الحمد لله الذي عال فقهر، والحمد لله الذي بطن فخبر، والحمد للـه الـذي ملـك فقـدر، والحمــد للـه الذي يحيي الموتى ويميت األحياء وهو على كل شيء قدير، خــرج

.(556)من الذنوب كهيئة يوم ولدته أمه



وهذا الحــديث صــحيح ســندا. وداللتــه ال غبــار عليهــا على مــاندعي. ، قــال: الحــاج×ـــ عن هشــام بن الحكم، عن أبي عبــد الله3

ــه على ثالثة أصناف: صنف يعتق من النار؛ وصنف يخــرج من ذنوب كهيئة يوم ولدته أمه؛ وصنف يحفظ في أهله وماله، وهو أدنى مــا

.(557)يرجع به الحاجوهذا الحديث صحيح السند. وداللته على المطلوب واضحة.

اف والثعلبي، في تفسير قولــه تعــالى:4 ـ روى صاحب الكش﴿ ، بإســناده إلى جريــر بن عبــد اللــه﴾قل ال أسألكم عليه أجرا

ــال رســول الله ــال: ق ــات على حب آل محمــد|البجلي، ق : من م مات شهيدا، أال ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له...،

.(558)أال ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنةــ5 ــرج منـ ــتر وكتم خ ــا فس ل ميت ــ ــال الصــادق: من غس ق

.(559)الذنوب كيوم ولدته أمه لجــابر: يــا جــابر، من دخــل عليــه شــهر×ـ قــال أبــو جعفر6

رمضان، فصام نهاره، وقام وردا من ليله، وحفظ فرجــه ولســانه، وغض بصره، وكف أذاه، خرج من الذنوب كيوم ولدتــه أمــه. قــال جابر: قلت له: جعلت فداك، ما أحسن هــذا من حــديث، قــال: مــا

.(560)أشد هذا من شرط : شهر رمضان شهر فرض الله عز وجــل|ـ قال رسول الله7

صيامه، فمن صامه إيمانا واحتســابا خــرج من ذنوبــه كيــوم ولدتــه.(561)أمه

ــد|ـ قال رسول الله8 : ومن فطر فيه مؤمنا كان له بذلك عن.(562)الله عز وجل عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه في ما مضى

: ...ومن زار قبــوركم عــدل ذلــك ثــواب|ـ قال رســول الله9 ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 386هـ1433م ـ 2012ربيع


سبعين حجة بعد حجة اإلســالم، وخــرج من ذنوبــه حتى يرجــع منر أوليــاءك ومحبيــك زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر يا علي، وبشــ من النعيم بمــا ال عين رأت، وال أذن سـمعت، وال خطـر على قلب

.(563)بشر...ــا إذا قلت لقــد ــة. ولســت مبالغ ــاه على عجال هــذا مــا ذكرن ع ثوابــا وجــدت العشــرات، بــل المئــات، من األحــاديث الــتي تفــر عظيمــا على بعض األعمــال، وفيهــا من التعــابير مثــل: عــاد كيــوم ولدته أمه؛ تساقطت عنه الذنوب كيوم ولدته أمه؛ أما ذنوبك فقــد غفرت لــك، فاســتأنف العمــل؛ كــان كيــوم ولدتــه أمــه صــفرا من الذنوب، ولو اقترفها كبائر؛ محصت عنه ذنوبه كمــا يمحص الثــوب في الماء، فال يبقى عليه دنس؛ أو التــائب من الــذنب كمن ال ذنب

له.نقطة أخيرة

ــوالن: إن ــودي ال يق ــني والبهب ــات إلى أن الحس ينبغي االلتف البكاء على اإلمـام الحســين ال ثـواب عليـه، أو ليس مسـتحبا، بـل يؤمن الحسني بعدم صدور هذا النوع من الروايــات، وهــو القســم الذي نفى صدوره. ونفى البهبودي أن يكون لهذه الروايات إطالق أحوالي لحالة اطمئنان الشيعة، وعدم كــون البكــاء على الحســين

مواجهة للظالم.ــد بعض العرفــاء، حيث يقــول: إن ــة عن ــاك نظري كمــا أن هن عاشوراء هي محطة للفرح والسرور، وليست للحزن والبكاء؛ ألن

.(564)فيها أعظم مالحم الحب والعشق مع الله تعالى ونعلق باختصار: إنه إذا قصد معنى خاصا ينسجم مع ما تقدم

فال مشــكلة معــه؛ وإن قصــد×من استحباب البكاء على الحسين هذا المعنى العرفي الذي يتبادر من الكالم فالحديث المتقدم كافــة لرد هذا االتجاه. على أن النقاش مع العرفاء أمر بحاجــة إلى دق



في فهم مقاصدهم ومرادهم.ل ممـا تقــدم أن الصـحيح هـو النظريـة األولى في وقد تحصـ

هذه الشعيرة.

الشعيرة الثانية: التباكي وفيها مطالب:

ـ ما هو المراد من لفظ )تباكى(؟1هناك عدة احتماالت في المقام:

أـــ هــو أن يبكي المؤمنــون بعضــهم بعضــا، كمــا يفعــل بعض.(565)األوالد حين موت أبيهم أو أمهم

ولكن يرد عليـه: إن هــذا المعــنى وإن صـح في بعض المـواد اللغوية، مثل: التعاون والتنافس والتضــارب، بحيث يكــون اإلســناد إلى أكثر من طرف واحد، إال أنــه ال يصــح في حــال إســناد الفعــلــاكي، لطرف واحد، كما يظهر من ألسنة الروايات التي ذكرت التب

نحو: من أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة.ــزن في ــعار الح ــاره، باستش ــاء أو إظه ــاهر بالبك ــ التظ ب ـ القلب، ليظهر أثر ذلك على الوجه، ال على نحو الرياء. وأحتمل أن هذا المعنى هو المناسب، حيث إن من لم يستطع البكاء فبإمكانـه االنتقال إلى أمر آخر، وهو التباكي. وهذا ليس أمرا غريبــا، بلحــاظ أن لبس السواد ـ مثال ـــ هــو إلظهــار حالــة الحــزن عنــد الشــخص

والمجتمع. والتباكي من هذا القبيل. ج ـ ذكر البعض احتماالت أخــرى في المقــام، وليس من داع

.(566)لذكرها؛ ألنها بعيدة عن المتبادر العرفي من هذه الكلمة

ـ في كالم العالمة النوري في )اللؤلؤ والمرجان(2 قال النوري: إن بعض قراء العزاء؛ ومن أجــل رواج بضـاعته،



ــاء، وجعــل لم يشترط في هذه العبادة اإلخالص، بل جوز فيها الريات ســيد الشــهداء، معتــبرا أن الريــاء يفســد كــل ذلــك من مختصــــل أن اإلذن طاعة إال هذه... ومستنده في ذلك توهم ساذج أو تخيــزن على بالتباكي... يدل على ذلك، وإن تظاهر المرء بالبكاء والح الحســين وإيهــام النــاس أنــه يبكي كــاف في الحصــول على أجــرــتر على البكاء. إن من يتصور ذلك أحمق وعديم الفهم، بل هو مف

.(567)الله ورسوله ويمكن القول: يحتمل استناد الذين ذهبوا إلى هذا القول إلىــون أن التباكي في اللغة على وزن التفاعل، وهو في الغالب ال يكــل، ــل، والتغاف ــل: التجاه ــودة، مث ــت موج ــفة ليس ــار ص إال إلظه

التمارض، التناسي. ولكن يمكن الــرد على هــؤالء بــالقول: ال يمكن المصــير إلى هذا القول؛ ألنه يخــالف ويتنــاقض مــع بــديهيات الــدين اإلســالمي. وآيات القرآن ونصوص السنة طافحة بما يكفي لرد هؤالء الجهلة،ــه با إلى الل فإن الرياء قسم من الشرك، فكيف يمكن أن يقع مقر تعالى؟! كما أن البكاء أو التباكي هو من المســتحبات. وعلى هــذاديــة الــتي يشــترط فيهــا قصــد سيكون أهم من كل الواجبات التعبــدل على القربة، كالصالة والصوم والحج. كما أن لفظ التباكي ال ي ما ذكروه، بل المعنى الصحيح هو ما ذكرناه، من التظــاهر بالبكــاء

بداعي الوصول إليه بنية القربة، ال بنية الرياء.

ـ روايات التباكي3 ، قـال: قـال×ـ رواية أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله1

، قــال: فأنشــدته، فبكى،×لي: يا أبا عمارة، أنشدني في الحسين ثم أنشدته، فبكى، ثم أنشدته، فبكى، قال: فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار، فقال لي: يا أبــا عمــارة، من



شعرا فأبكى خمسين فله الجنــة، ومن أنشــد×أنشد في الحسينــد في ــة، ومن أنش ــه الجن ــأبكى أربعين فل في الحســين شــعرا ف الحسين شعرا فأبكى ثالثين فلــه الجنــة، ومن أنشــد في الحســين شعرا فأبكى عشرين فله الجنــة، ومن أنشــد في الحســين شــعرا

شــعرا فــأبكى×فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شــعرا فبكى فلــه×واحــدا فلــه الجنــة، ومن أنشــد في الحســين

.(568)الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنةوالمناقشة هنا سندية؛ وداللية.

أما سندا فإن الحسن بن علي بن أبي عثمــان ضــعيف، قــالــال؛ عنه النجاشي: إن أصحابنا ضعفوه؛ وقال عنه الطوسي: إنه غ وقال عنه ابن الغضائري: إنه ضعيف؛ وروى الكشــي عن نصــر بن

.(569)الصباح ما دل على كفره وال يركن إلى كونه وقع في أسانيد تفســير القمي، ولــو قلنــا به، فالتضعيف مقدم عليه. مضافا إلى أن أبـا عمـارة ال توثيـق لــه

في كتب الرجال. وعليه فالحديث ضعيف سندا.ع في كــل فقــرات الروايــة اإلبكــاء وأما داللة فإن اإلمام فــر والبكاء والتبــاكي على اإلنشــاد، ال مطلقــا. وعليــه فهي محصــورة

بمن قال في الحسين شعرا. ، قال: من أنشد×ـ رواية صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله2

في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنــة، ومن أنشد في الحسين بيتــا فبكى وأبكى تســعة فلــه الجنــة، فلم يــزل حتى قال من أنشد في الحسين بيتا فبكى، وأظنه قال: أو تبــاكى،

.(570)فله الجنةوفي المقام نقاش سندي؛ وداللي؛ ومتني.

أما سندا فقد وقع كالم في صالح بن عقبة بين كونــه ثقــة أو



ضعيفا أو مجهــوال، فــإن ابن الغضــائري قـال فيـه: غــال كــذاب، ال يلتفت إليه. إال أن البعض ناقشه بأن األخبار التي رواها ليس فيهــا ما يدل على الغلو، وإنمــا تــدل على علــو وجاللــة قــدر أئمــة أهــل

.(571)^البيت نعم، قد ورد في تفسير القمي وكامل الزيــارات. وعلى هــذا يــدور القبــول وعدمــه. وحيث ال نبــني على وثاقــة رجــال تفســير القمي أبدا، ولو بنحو الموجبة الجزئيــة، كمــا أنــه ليس من الــرواة المباشرين في كامل الزيارات، فال مجــال العتمــاد روايــات صــالح بن عقبة؛ فإنه مجهول فيما لو لم نأخــذ بكالم ابن الغضــائري، وإال

فهو ضعيف.ع اإلبكــاء والبكــاء والتبــاكي على وأما داللــة فــإن اإلمــام فــر

اإلنشاد، ال مطلقا. وأمــا متنـا فـإن الـراوي يقـول: وأظنـه قـال: أو تبـاكى، فلـه الجنة. وعليه فهو لم يجزم بأن اإلمام قال هذه الفقرة، فال مجــال

العتمادها. والمتحصل في المقام: إنه مع البناء على حجية خبر الثقــة ال مجال العتماد هذين الخـبرين. ولم نجـد غيرهمـا. نعم، هنـاك خـبر

ثالث يقع في طريقه صالح بن عقبة. وقد اتضح أمره مما تقدم.ــذه نعم، إذا كنا نبني على حجية الخبر الموثوق فإن أفادت ه األخبار الثالثة الوثوق فال بأس، وإال فال مجــال للركــون إليهــا. نعم، هذه األخبار تدخل تحت قاعدة التسامح في أدلة الســنن؛ لحــديث »من بلغه ثواب«. فمع القول بهــذه القاعــدة يمكن اعتمادهــا من

هذا الباب.

ـ يتبع ـ



الهوامش


زراعة األعضاء، تحليل األصول االجتهادية لفتاوى السيد الخامنئي / •القسم الثاني

زراعة األعضاءتحليل األصول االجتهادية لفتاوى السيد الخامنئي

ـ القسم الثاني ـ

*(*()د. الشيخ محمد رحماني

ترجمة: الشيخ كاظم خلف العزاوي

الدليل الثاني: تغيير الخلقة اإللهيةــير رئيس من ــو غ ــع عض ــة قط ــة على حرم ــة األدل من جمل شخص حي هو تغيير الخلقة والهيئة التي خلقهـا اللـه سـبحانه في البشر. وقد ذكر في القرآن الكريم أن مثل هذا العمل مما يبغضه

لنهم وألمنينهم﴿الشـــارع ويـــرغب بـــه الشـــيطان: ــ وألضـ وآلمرنهم فليبتكن آذان األنعام وآلمرنهم فليغيرن خلقر د خســ ــه فقــ يطان وليا من دون الل الله ومن يتخذ الش

بينا (.119)النساء: ﴾خسرانا م عبرت اآلية عن أن تغيير خلقة الله مطلب للشــيطان، وبمــاــدى ــوض ل ــورد نهي ومبغ ــه م ــيطان فإن ــة للش ــه مطلب ورغب أن الشارع. وبناء على ذلك فإن تغيــير خلقــة وهيئــة المخلــوق اإللهييعتبر مبغوضا ومورد نهي من الشارع، وفي النتيجة يصبح حراما.

نقد وتحقيق االستدالل بهذه اآلية غير تام؛ وذلــك أنــه ليس المقصــود من

أستاذ في الحوزة العلمية، وعضو الهيئة العلمية في جامعة )*(*(.^طهران، وعضو هيئة تحرير مجلة فقه أهل البيت


د. الشيخ محمد رحماني•

ــة، بــل ــة الظاهري ــير الشــكل والهيئ ــير الشــيطان للخلقــة تغي تغي المقصود تغيير الفطرة التي هي أساس وجوهر البشــر؛ حيث إنــه إذا كان المقصود تغيير الشكل والهيئــة الظاهريــة يجب أن نقــول: أي تغيير وتبديل في المخلوقات اإللهية يكون حرامــا، فهــل هنــاكل كون التغيير والتبديل في الطبيعة، كالغابات، أو معالجــة من يتقب

ر الشكل و... حراما؟! البشر بحيث يغيرين ر عنه كثــير من المفســ والشاهد على هذا المدعى ما عبــائي، حيث كتب الشــيعة والســنة، ومن جملتهم: العالمــة الطباطب يقول: وليس بعيدا أن يكون المراد بتغيير خلــق اللــه الخــروج عن

ــالى: ــال تع فأقم وجهــك﴿حكم الفطرة وترك الدين الحنيف، قا ال ــ ــر الناس عليه ــرة الله التي فط ــا فط ــدين حنيف لل تبديل لخلق الله ذلــك الــدين القيم ولكن أكثــر الناس ال

. (572)﴾يعلمون وكتب وهبة الــزحيلي في ذيــل هــذه اآليــة يقــول: قــال بعضرين: تغيير الخلقة عبارة عن تغيــير دين اللــه؛ لــذلك يقــول المفس

ــد﴾فأقم﴿الله: . وكذلك جاء في الرواية الصحيحة: كل إنسان يولرانه أو ــ ــ ــه أو ينص ــ ــواه يهودان ــ ــد، إال أن أب ــ ــرة التوحي ــ على فط

.(573)يمجسانه رين اآلخــرين بهــذا المعــنى. إذا وقـد صــرح كثـير من المفســ تغيير الخلقة الــتي يريــد أن يغيرهــا وأمــر بتغييرهــا الشــيطان هي تغيير الدين والفطرة الــتي خلــق اللــه ســبحانه عليهــا اإلنســان، ال

تغيير الشكل الظاهري للبشر. و بناء على ذلك فــإن الــدليل الثــاني الــذي أقيم على حرمــة قطع العضو الذي يوجب هالك اإلنسان وموته ليس لــه داللــة على

ذلك.



الدليل الثالث: حرمة هتك وإهانة المؤمن لبعض اآليات والروايات داللة على كرامة اإلنسان واحترامه في حال حياته، وبعد مماته، وقطع عضو من بدنه يعتــبر مســتوجبا لهتكه وعدم احترامه. والروايــات المتعلقــة بهــذا المــدعى كثــيرة،

ومن جملتها: : »أبى الله بالمؤمن إال أن يظن خــيرا،×ـ قال أبو عبد الله1

. (574 )وكسرك عظامه حيا وميتا سواء« ، في رجــل قطــع رأس الميت، قـال:×ــ عن أبي عبـد الله2

. (575)»»عليه الدية؛ ألن حرمته ميتا كحرمته وهو حي هاتان الروايتان وأمثالهما من الروايات قد وردت في أبواب متعددة في الفقــه، وعلى الخصــوص أبــواب ديــة األعضــاء، وتــدل على أن المســلمين يجب أن يكــون لهم احــترام، ويكونــوا موضــع

تكريم، وهذا االحترام يثبت لهم حتى بعد الممات أيضا. في الفقه اإلسالمي هناك أحكام خاصة تتحــدث عن احــترام المسلمين، ومن جملتها: عدم احترامه يعتــبر حرامــا، من الناحيــة التكليفية؛ ومن الناحية الوضعية إذا كان يصاحبه قطــع عضــو يجب

دفع دية.ــند. ــة الس ــان من ناحي ــان ومعتبرت ــان تامت ــان الروايت وهات وباإلضافة إليهما هناك أحاديث تدل على أنه ال يحق للمسلمين أنــه ال يحــق يقومــوا بأعمــال تعــود عليهم بالذلــة والتحقــير، كمــا أن

لآلخرين أن يلحقوا بهم ذلك. ومن جملة هذه األحاديث: ، قــال: »قــال×ـ عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبــد الله1

: قال الله عــز وجــل: إني لحــرب لمن اســتذل عبــدي|رسول الله.(576)المؤمن«



قال: »إن اللــه تبــارك وتعــالى فــوض×ـ عن أبي عبد الله2. (577 )إلى المؤمن كل شيء إال إذالل نفسه«

: »إن الله عز وجل فوض إلى المؤمن×ـ قال أبو عبد الله3. (578)أموره كلها، ولم يفوض إليه أن يذل نفسه«

ــك يستفاد من تلك الروايات حرمة عدم احترام المؤمن وهت حرمتــه، وقطــع عضــو من أعضــائه يســبب هتــك حرمتــه، فتكــون النتيجة أنه حرام. أمــا من حيث الســند فإنهــا مستفيضــة المعــنى،

باإلضافة إلى أنه ال يوجد فيه أي إشكال.

نقد وتحقيق تدل هــذه الروايــات على احــترام وكرامــة اإلنســان، وحرمــة هتك كرامته. ولكن اإلشــكال يكمن في صــغرى االســتدالل، لــذلك فإن بتر عضو من بدن بملء إرادة ورضا صاحبه؛ وبقصــد وغــرض عقالئي، وربما من أجل نجاة حياة مؤمن آخــر، ال يســتوجب هتكــه

وعدم احترامه، أو على أقل تقدير يكون أمرا مريبا. والشاهد على هــذا المــدعى العقالء والمتــدينون الــذين رأواــبر أن ذلك ليس هدرا لعزة وكرامة اإلنسان، بل من الجائز أن يعت

هذا بالنسبة إليهم تضحية وإيثارا يقدمهما لآلخرين. وهذا المدعى ال يصدق فقط على اإلنسان الحي، بل يشمل كذلك اإلنسان الذي يوصي أنه بعد مماته إذا كان عضو من أعضاء بدنه فيه نجاة لمؤمن آخر فال إشكال في بــتره وزراعتــه في بــدن ذلك المؤمن. طبعا سوف يأتي بعد ذلك هل أن الشارع أجاز مثــل

هذه الوصية أم ال؟ ومن ناحية أخرى باإلمكان القول: إن لهذه الروايــات صــبغةــة، ويجب أخالقية تحاول أن تظهرها، حيث إن للمؤمن عزة وكرام عليه أن يبتعد عن األعمــال غـير األخالقيـة، ومن جملتهــا: الــذنوب

التي تضعف من شخصيته. ـ العـدد الثاني والعشرون، السنة السادسة، االجتهاد والتجديد 396هـ1433م ـ 2012ربيع


الدليل الرابع: حرمة المثلة ــا، ــا قاطع ــة بشــخص المســلم نهي ــات عن المثل نهت الرواي واعتبرت قطع عضو من أعضاء البــدن، وعلى الخصــوص إذا كــان هــذا القطــع يطــال أكــثر من عضــو، نوعــا من المثلــة في شــخصــيرة، ومن ــة كث ــة المثل ــات على حرم ــلم. والرواي ــان المس اإلنس

جملتها: ، قــال: »كــان×ـ رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبــد الله1

إذا أراد أن يبعث سرية دعـاهم، فأجلسـهم بين يديـه،|رسول الله ثم يقول: سيروا باسم الله، وباللــه، وفي ســبيل اللــه، وعلى ملــة

لوا...|رسول الله .(579)»...، ال تمثــنين2 ــير المؤم ــية أم ــ وفي وص ــن×ـ ــامين الحس إلى اإلم

بعد أن تلقى ضربته التي استشهد بها: »انظروا إذا أنــا’والحسينلــوا بالرجــل؛ مت من ضربته هذه فاضربوه ضــربة بضــربة، وال تمث

ــالكلب|فــإني ســمعت رســول الله ــو ب ــاكم والمثلــة ول يقــول: إي. (580)العقور«

سند الرواية األولى ليس عليــه أي إشــكال، والروايــة الثانيــة( قد جاءت في كتاب معتبر.×)وصية اإلمام

ولتقريب داللة هــذا النــوع من االســتدالل نقــول: إن التمثيــل غير جائز ولو بغــير اإلنســان، كــالكلب، فمــا بالــك إذا كــان إنســاناــتر مسلما معتقدا بالله تعالى. وبناء على هذا فإن المثلة حرام، وب

األعضاء من المثلة، وفي هذه الحالة سوف تكون حراما أيضا. نقد وتحقيق

ــبة إلى ــة، وهي بالنس ــة المثل ــدل على حرم ــات ت إن الرواي المســلمين األبريــاء غــير قابلــة لإلنكــار. ولكن البحث يــدور حــول

المصداق، لذلك:



ــ وإنأوال: باإلمكان القول: قطع عضو من جسم اإلنســان ـ كــان عــدة أعضــاء ـــ ال يعتــبر مثلــة؛ ألن المثلــة إنمــا هي تقطيــع األعضاء قطعا صغيرة. يقول ابن األثير: إنه نهى عن المثلــة.... إذا

. (581)قطعت أطرافه وشوهت به وعلى هذا فإن قطــع عضــو واحــد أو عــدة أعضــاء ال يصــدق

عليه مثلة. على فرض صدق المثلة فإنه باإلمكان القــول: تطلــقثانيا:

المثلة في الوقت الذي يتم قطع عضو أو أكــثر بواســطة عــدو، أوــار، اإلجبار بالقوة على القبول، ولكن إن تم ذلــك عن طريــق اإليث

مع الرضا من صاحب العضو، فإنه ال يكون مصداقا للمثلة. وبناء على هذا إذا كان قطــع العضــو يتم عن رضــا واختيــار،ــك أو ــدون أدنى ش ــار، فب ــافز عقالئي وإيث ــق ح ــون عن طري ويك

مناقشة ال يصدق عليه مثلة. إذا الدليل الرابع ال يدل على حرمة قطع عضو إنسان سالم.

الدليل الخامس: قطع العضو أحد مصاديق الظلم الدليل اآلخر الذي يمكن إقامته على حرمة قطع عضــو غـير رئيس من بدن إنسان حي وسالم هــو أن مثــل هــذا العمــل يعتــبر ظلما، والظلم طبق أحكام اآليات والروايات والعقل حــرام. وبنــاء على ذلــك فــإن مثــل هــذا العمــل ســوف يكــون حرامــا. واآليــات والروايات التي تحدثت عن هذا الموضوع كثيرة جدا، وليس هنــاك

من حاجة الستعراضها.

نقد وتحقيق بال شــك أن الظلم حــرام، ســواء كــان هــذا الظلم يقــع علىــدن اآلخرين أم يوقعه اإلنسان على نفسه، ولكن قطع عضو من ب



إنســان برضــاه، أو بقصــد اإليثــار واإلحســان، ومــع وجــود غــرضعقالئي، ليس مصداقا للظلم كي يقال عنه: إنه حرام.

خالصة إلى هنا تم ذكر خمســة أدلــة على حرمــة قطــع أعضــاء غــير رئيسة من بــدن إنســان حي ســالم. وجميــع تلــك األدلــة تم بحثهــا ونقدها، ولم تثبت داللــة أي منهــا بصــورة مطلقــة؛ ألن بعض تلــك األدلة قد أشكل عليها من ناحية الصغرى والكبرى، والبعض اآلخــر

من ناحية الصغرى.

قطع عضو الميت الدماغي الشخص الذي قد أصيب بموت دماغي، ويعيش حياة نباتية

ـــ أي كالنبــات، ليس بــه أي حــراك، وإنمــا يتنفس فقــط بواســطة األجهزة التي تـديم حياتـه ــ، هـل تنطبـق عليـه أحكـام األحيـاء أم

أحكام األموات؟ وهذا البحث له نتائج فقهية كثيرة. ومع مالحظة األدلــة والقواعــد باإلمكــان القــول: إن المــوتالدماغي يقع في ثالث صور، ويجب دراسة كل واحدة على حدة:

أـ توقف الدماغ عن العمل، ولكن القلب ما زال ينبض نبضــاــة. وفي هــذه الصــورة يقــول ــاة نباتي ــا، ويعيش صــاحبه حي طبيعيــه من األطباء: إن هذا الشخص يعتبر ميتا من الناحية الطبية، إال أن الناحية الشرعية يعتبر حيا، وتنطبق عليــه جميـــع األحـــكام، مثــل: الملكيـة، والزوجيـة، والطهارة. وفصــل القلب عنــه ـــ طبــق هــذه

األدلة التي أوردناها بالنسبة إلى اإلنسان الحي ـ حرام. ب ـ توقف الدماغ عن العمل، ولكن القلب يعمــل بمســاعدة جهــاز خــاص للتنفس يعمــل على إطالــة الحيــاة لــذلك الشــخص،ولكن مع هذا ال يوجد له أي أمل في الرجوع إلى الحياة الطبيعية.



وحكم هذه الصورة مثل الصورة الــتي قبلهــا، وقطــع العضــو الموجب لوفاة اإلنسان، أو اإلسراع في ذلك، يعتـبر حرامــا، إال أن يتوقف على هذا العمل نجاة حياة محترمة. في هــذه الصــورة من الجائز أن يقال، من باب التزاحم: إنه يجوز قطع عضــو رئيس من ذلك اإلنسان، وذلك أن نكون على علم بــأن الــذي يمــوت دماغيــا سوف يموت قريبا، ســواء قطــع منــه ذلــك العضــو الــرئيس أو لم يقطع، ومن ناحية أخرى فإنه بقطع عضوه الرئيس ســوف تحفــظ حياة شخص محترم آخر. إذا األدلة التي أقيمت على حفظ النفس لها داللة على جواز قطع العضو الرئيس، ومن ناحية أخرى بما أن قطــع العضــو يســرع في مــوت ذلــك اإلنســان فال يجــوز في هــذه الحالة. وبناء على المسألة الداخلة في بــاب الــتزاحم؛ وألن هنــاكــدماغي، فمن الممكن أن علم بالموت الحتمي لصاحب المــوت ال يكون القطع جائزا. وبهــذا الوصــف يشــكل القبــول بوجهــة النظــر

هذه. ج ـــ الــدماغ متوقــف عن العمــل، والقلب أيضــا ال يبــدي أي نشاط، ولكن جهاز القلب هـو الـذي يقــوم بإطالـة الحيـاة النباتيـة لذلك اإلنسان، بالصورة التي تنسب إطالة الحياة إلى الجهاز كليا،

ال إلى القلب. ويمكن أن يقال في هذه الصورة: إنه يوجــد شــك في صــدق مفهوم الحياة على هذا اإلنسان، ومع وجود ذلــك الشــك ال تجــري

عليه أحكام الشخص الحي. مــع الشــك في صــدق الحيــاة تستصــحب إدامــة :قد يقال

الحياة، ويكون من جملة آثارها حرمة قطع األعضاء الرئيسة. منشأ الشك هو الشبهة المفهوميــة. وألن األمــوروالجواب:

ــاة، ففي الخارجية واضحة لنا، واإلبهام يقع في صدق مفهــوم الحي



مثل هذه الحالة وفي الشبهات المفهومية ال يجري االستصحاب.ــكوقــد يقــال: ــاة ذل ــري االستصــحاب على حي ــد ال يج ق

الشخص، ولكن يجري استصحاب على األحكام وآثار الحياة، مثل:ــة الملكية، والزوجية، وحرمة قطع العضو، وفي النتيجة تثبت حرم

قطع العضو الرئيس.ــواب: أوالو : ال يجـــري االستصـــحاب في الشـــبهاتالجـ

ــة. الحكمي ــا ــبهاتثاني ــا في الش ــحاب جاري ــا االستص : إذا اعتبرن الحكمية فال يبعد أن نقول: إن وحدة القضية المشكوكة والمتيقنة غير محرزة؛ وذلك أن المرجع في تشــخيص الوحــدة هــو العــرف، والعرف ال يعتبر اإلنسـان الـذي توقـف دماغـه وقلبـه عن العمـل، وتستمر حياته النباتية فقط بمساعدة الجهاز، واإلنسان الذي قلبه

ودماغه أو أحدهما يعمل شخصا واحدا في الحكم.

الحكم الفقهي لقطع عضو الميت البحوث المتعلقة بهذا العنوان يتم بحثها في ثالثة أقسام:

أـ أدلة حرمة قطع أعضاء الموتى باإلمكان إبراز األدلة التي تدل على حرمة قطع أعضــاء بــدن الميت، وهي الدليل الثـاني والثـالث والرابـع من األدلــة المتقدمـة لحرمة قطع عضو الحي. وتلك األدلة قد خضعت للنقــد والتحليــل، وقلنا: إنه لم يثبت أي واحــد منهــا في مســألة األحيــاء، فمن بــاب أولى أنها سوف لن تثبت في الميت. من هنــا يتــبين أنــه ليس من حاجة إلى إعادتها مرة أخرى. فقط هناك دليل خاص بالنســبة إلى قطــع العضــو من بــدن الميت، وهــو أنــه ســوف يســتوجب تــأخيرــع وجــوب اإلســراع في دفن الميت؛ حيث إن ــافى م ــدفن، ويتن ال



هنــاك روايــات كثــيرة تــدل على وجــوب اإلســراع في دفن الميتالمسلم، ومن جملتها:

، قال: »إذا مات×ـ عن العيص، عن أبي عبد الله، عن أبيه1.(582)الميت فخذ في جهازه، وعجله«و سند هذه الرواية مرفوع.

: إذا مــات|، قــال: »قــال رســول الله×ـ عن أبي عبــد الله2.(583)الميت أول النهار فال يقيل إال في قبره«

نقد وتحقيق تشير هــذه الروايــات إلى الســرعة في تجهــيز ودفن الميت.ــات ال تــدل على ــأخير الــدفن؛ فــإن هــذه الرواي وال إشــكال في ت

وجوب التعجيل؛ وذلك: أسناد الروايات التي تدل على وجوب التعجيل بتجهيز أوال:

الميت غير تامة.ــات إال في ثانيـــا: ــذه الروايـ ــدثون هـ ــتعمل المحـ لم يسـ

ــا االستحباب، ومن جملتهم: الشيخ الحر العاملي، الــذي عنــون باب في »استحباب تعجيل تجهيز الميت ودفنه، ليال مات أو نهــارا، مــع

. وقد حمل الفقهـاء أيضـا هـذه الروايـات(584)عدم اشتباه الموت« على االستحباب، ولم يصدروا فتوى بالوجوب. كتب السيد الخوئيــامن: ــول: الث ــوت يق ــد الم ــتحبات بع ــائه للمس ــرض إحص في مع التعجيل في دفنه، فال ينتظرون الليل إن مات في النهــار، والنهــار

.(585)إن مات في الليل، إال إذا شك في موته، فينظر حتى التيقنــافى قطــع العضــو من الميت أو الحي مــعوقد يقــال: يتن

ــدفن؛ وذلــك ألن االتصــال يكــون ســببا في دفن عضــو وجــوب الالميت.



بعد زراعة العضو من الميت ال يعتبر ذلك العضووالجواب: ميتا كي يصبح دفنه واجبا. وبعبارة أخرى: إن زراعة العضــو يمحــو

موضوع وجوب الدفن، ويجوز إعدام الموضوع.

ب ـ من له حق إعطاء اإلذن لقطع أعضاء الميت؟ بعد إثبات جواز القطع هناك سؤال يطرح نفسه، وهــو: بعــدــدن ــو من ب ــع عض ــاء اإلذن بقط ــق في إعط ــه الح ــوت من ل الم الميت؟ ألن هــذا بــدون أدنى شــك تصــرف ببــدن الميت، لفقــدانــان القبول من صاحب الحق، وعدم وجود مجوز شرعي، كما لو ك

هذا التصرف ببدن اإلنسان الحي.

الوصية بقطع العضوـ 1 ق عليــه بعــد من المسلم به أن اإلنسان له الحق في أن يطبــات على ــات والرواي الموت ما قد كتب في وصيته. وقد أكدت اآلي ذلك. ولكن هل بإمكان اإلنسان أن يوصــي بــالتبرع بأحــد أعضــائه بعــد موتــه؛ في ســبيل أن ينجي إنســانا آخــر أو يســتفاد منــه في

غرض عقالئي آخر؟ ع بأحد أعضائه بعد أن ثبت أن اإلنسان الحي يحق له أن يتبر بغــرض عقالئي فــإن ذلــك الحــق ســوف يالزمــه في وصــيته بعــدــه لــه الحــق في اتخــاذ مماتــه؛ وذلــك أن اإلنســان في حــال حيات القرارات، ويجوز لـه أن يتصـرف كيـف يشـاء، وبإمكانـه أن يكتب وصيته بما يحلو لــه، إال في بعض المــوارد الــتي لهــا دليــل خــاص، مثل: تنفيذ الوصية التمليكية في األكثر من الثلث. لذا فــإن إطالق أدلة الوصية تشـمل كــل عمـل باسـتطاعة اإلنسـان أن يؤديـه في حياته، ومن جملتها: الوصية لالستفادة من بدنه بعد الموت؛ وذلك



بــاب»لنجاة إنسان آخر. عقد الشــيخ الحــر العــاملي بابــا بعنــوان ــد وجوب الوصية على من عليه حق أو له، واستحبابها لغيره«، وق

أورد ثمــان روايــات تنص على ذلــك، ومن جملتهــا: عن محمــد بن : »الوصية حــق، وقــد أوصــى رســول×مسلم قال: قال أبو جعفر

.(586)، فينبغي للمسلم أن يوصي«|اللهــدا هذه الرواية تتحدث بإطالق عن جميع أعمال الخير، ما ع بعض الموارد التي قام فيهــا دليــل على الخالف. وحيث إنـه يجــوز قطــع عضـو إنســان حي فإنـه بعــد المــوت يجــوز أيضــا، ويشــتمل إطالق هذه الرواية على الوصايا الشرعية بعد المــوت، وســبق أن

تم إثبات جواز قطع األعضاء في الجملة. إن الوصــية بقطــع العضــو بعــد المــوت تعتــبروقد يقــال:

باطلة؛ ألن العمل بهذه الوصية يعتــبر هتكــا لحرمــة الميت، وبــدنالميت له حرمة كحرمة بدن اإلنسان الحي، ويعد هتكه حراما.

ال شك أن بدن الميت له نفس حرمة بدن الحي،والجواب:ــة على هــذا وال يجوز هتك حرمته. وهناك كثــير من الروايــات الدال

ــدعى ــة،(587)المـ ــاوين العرفيـ ــك من العنـ ــترام والهتـ . ولكن االحـعه ـ في سبيل عمل خيري ـ بعضــو من واإلنسان الذي يوصي بتبر أعضائه بعد مماته إلنسان مسلم هل يعد عمله هذا هتكا الحترامهع بعضو منــه في ســبيل إنقــاذ أم أنه يعتبر عزة وافتخارا، حيث تبر

إنسان من الموت؟ قيل: إن هنــاك فرقــا بين قطــع عضــو من بــدن إنســان حي وقطــع عضــو من بــدن ميت، وعليــه ال يجــوز قطــع أعضــاء بــدن اإلنسان الحي التي تتسبب في هالكــه، ولكن باإلمكــان قطــع كــل عضو من أعضاء الميت، حتى األعضاء الرئيسة. لــذلك فــإن قطــعــوان األعضــاء الرئيســة من بــدن اإلنســان الحي يصــدق عليــه عن



اإللقاء في التهلكة، ولكن هذا العنــوان ال يصــدق على الميت. وإذا وجد شك في إطالق األدلة اللفظية للوصــية بالنســبة إلى مــا بعــد

الموت تصل النوبة إلى األصل العملي. وفي هذه الحالة لنا أن نقول: نستصحب جواز قطع األعضاء بعد الموت؛ وذلك أنه عندما يكون اإلنسان حيا يجــوز قطــع عضــو من أعضائه، ونشــك بعــد المــوت هــل يجــوز ذلــك؟ فنجــري عليــه

استصحاب الجواز. يوجــد هنــا اختالف في المستصــحب، حيث إنوقد يقــال:

بدن اإلنسان الحي وبدن الميت شيئان مختلفان. مع أن الحي والميت شيئان مختلفان فــإن عــدمالجواب:

ــع ــواز قط ــق أولى ألن يحكم بج ــمح بطري ــدن يس ــروح في الب ال األعضاء، وعلى األقل فإن هاتين الحــالتين متســاويتان في الحكم؛ ألننا نقطع أن البدن الحي ليس من مقومات الحكم بجواز القطع. يعتبر بعض الفقهاء مثل هذه الوصية نافذة. وقد كتب السيد الخوئي، في جـواب عن سـؤال: هـل بإمكـان اإلنسـان أن يوصـيــرف ــعه تحت تصـ ــه، ويضـ ــو من بدنـ ــه بعضـ ــد وفاتـ ــه بعـ عـ بتبر المستشفيات أو أحد األشخاص الذين هم في حاجة إليه؟: الوصيةــتحدثات المذكورة صحيحة، ويجب إنفاذها، كما هو مذكور في مس

. (588)المسائل، والله أعلمــرد على إنفــاذوقد يقال: اإلشكال اآلخــر الــذي يمكن أن ي

الوصية هو أن هناك منافاة بين جواز القطع ووجــوب تعجيــل دفنالميت.

وقد مــر الجــواب عن هــذا اإلشــكال في بحث أدلــةقطع أعضاء الميت.

ـ إجازة الولي الشرعي2 ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

405هـ1433م ـ 2012


يمكن أن يقــال: إن إجــازة قطــع أعضــاء الميت تتم بأخــذ موافقة وليه الشرعي؛ ألن جميع المسائل الشخصية بعــد المــوت تنتقل إلى ولي األمر، ما عدا بعض المــوارد الــتي قـد أوصـى بهــا،ع بأعضاء بدنــه. ومــع أن مثــل هــذا العمــل فيــه ومن جملتها: التبر

صالح ونفع الميت إال أن للولي الحق في أن يجيز ذلك.

نقد وتحقيق إن أصل هذا األمر، الذي هــو انتقــال بعض األمــور المرتبطــة للشــك، بالميت إلى عهدة وليه الشــرعي بعــد المــوت، ليس محال مثل: زمان ومكان مراسم الدفن، والكفن، وتعيين إمام الجماعة،ــوال، ــة إن كــان الميت مقت وحــق العفــو أو القصــاص أو أخــذ الدي وأمثال ذلك، مما نصت عليه الروايات، أما في غير هــذه المــوارد، والذي له دليـل، مثـل: مـورد البحث، يتم العمـل بـذاك الـدليل إذاــق، وإذا لم كان خاصا، ويدل على إطالق وعموم امتالكه ذلك الح يوجد دليل ال يثبت األصل العملي مثل هــذا الحــق. فمنــذ أن كــان حيا ليس ألحد أن يتصرف في عضو من أعضــائه بــدون موافقتــه، ويستصحب نفس الحكم بعد مماته. نعم، إذا كانت هنــاك مصــلحة ففي هذه الحالة؛ من باب التزاحم، ورعاية جــانب الــواجب األهم، يتم قطع أعضاء الميت بموافقة وليه، وإن كان لم يوص. والشاهد على ذلــك الروايــات الــتي تحــدثت عن شــق بطن المــرأة الميتــة

.(589)الحامل بطفل حي، وبالعكس

ـ موافقة الولي الفقيه3 اإلجازة األخرى التي يتم على إثرها قطــع أعضــاء الميت هي موافقة الــولي الفقيـه؛ ألن الــولي الفقيــه لديــه تفــويض من قبــل الشارع للبت في أمــور أهم من المســألة المبحوثــة، بالنســبة إلىــه ــاب أولى تفويض ــون من ب ــوف يك ــاس، وس ــوال الن أرواح وأم



ــة وجــود بالموافقــة على قطــع عضــو من أعضــاء الميت في حالمصلحة تقتضي ذلك.

نقد وتحقيق في حال لم يكن للميت ولي، ولكن المصــلحة تقتضــي نجــاة حياة إنسان من الموت بقطــع عضــو من أعضــاء ذلــك الميت، فال شـك في ثبـوت مثـل هــذا الحــق للـولي الفقيـه. وكـذلك إذا كــان للميت ولي يجهل أهمية زراعــة األعضــاء فال يســتبعد القــول: إنــه من باب التزاحم ومراعاة المصلحة األهم يجوز أخذ موافقة الولي

الفقيه في قطع العضو. أما في غير هذه الحالة فيجب مراعــاة مبــاني واليــة الفقيــه وحــدود ســلطته. وال شــك أن هنــاك بعض المبــاني، ومن جملتهــا:ــق، وعلى مباني اإلمام الخميني في والية الفقيه، تثبت له هذا الح ضوء بعض المباني األخرى، مثل: الــذي يعتــبر حــدود ســلطة ولي

الفقيه في مجال األمور الحسبية فقط، ال يثبت هذا الحق. وقد بحث هذا الموضوع في مبحث والية الفقيه.

ج ـ دية قطع أعضاء الميت من جملة البحوث المطروحة في حكم زراعة األعضاء ديــة

قطع أعضاء الميت. إن لقطع عضو من الميت عــدة صــور، ولكــلواحدة منها حكمها الخاص بها:

يتم قبــول هــذا العمــل طبــق وصــية الميت، وعنــداألولى: الوصية يكون القصد منه دون مقابل.

وفي هذه الصورة تسقط الدية؛ إذ كمــا أن لإلنســان ســلطة على أمواله فإن له ســلطنة على أعضــاء بدنــه أيضــا، ومن لــوازم



هذه السلطة صحة إجــازة اإليثــار على النفس، والهديــة المقدمــةبرضا النفس، في الوقت الذي لم ينه الشارع عن ذلك.

يتم قبــول هــذا العمــل طبــق وصــية الميت، ولكنالثانيــة: عندما كتبت الوصية لم يكن القصد منهــا أن تكــون بالمجــان ومن

دون مقابل. وفي هــذه الصــورة يكــون إطالق أدلــة ثبــوت الديــة واألرش عاما. ومن جملتها الرواية التالية: عن إســحاق بن عمــار، عن أبي

، قال: قلت: ميت قطع رأسه؟ قال: عليــه الديــة. قلت:×عبد الله فمن يأخذ الدية؟ قال: اإلمــام؛ هــذا للـه، وإن قطعت يمينــه أو أي

.(590)شيء من جوارحه فعليه األرش لإلمام، باإلضــافة إلى أن الصــدوق ذكرهــا بســند وسند الرواية تــام

صحيح. أما من ناحية الداللة فال نستبعد القــول: إن إطالقهــا يشــملع بأعضــائه، ولكن ليس دون صورة الشــخص الــذي يوصــي بــالتبر

مقابل وبالمجان. الوصــية تنم عن الرضــا، ومــع الرضــا تســقطوقد يقال: الدية.

ــواب: الرضــا يرفــع الحرمــة التكليفيــة، أمــا الحكموالج الوضعي، الذي هــو ثبــوت الديــة، فبــاق. وباإلضــافة إلى هــذا فــإن مقتضى إطالقات األدلة هي احترام الميت المسلم، وثبــوت الديــة

واألرش له. ويمكن القول: ال تثبت الدية في هذه الصورة، لذلك فالرواية منصرفة إلى تصوير الظلم والتعدي، والدية تعتــبر عقابــا للظــالم،ــذا ع بأعضائه فال يعد ه ولكن إذا كان نفس الميت قد أوصى بالتبر

تعديا وظلما حتى تجب الدية. قطع أعضاء الميت من باب ضرورة تستوجب ذلك،الثالثة:



ومصلحة أهم تقتضيه. وفي هذه الصورة أيضــا تثبت الديــة؛ إذ مــع الضـــــــرورة ينتفي الحكم التكليفي فقـــــــط، ولكن يبقى الحكم الوضعي، كما لو اضطر اإلنسان؛ لحفــظ حياتــه، إلى أن يأكــل من

، فــإن االضــطرار ينفي(591)مال الغير )ثمــر شــجر أو طعــام آخــر(الحرمة، ولكن الضمان ال ينتفي، بل يبقى في ذمته.

قطع أعضاء الميت بإجازة من الولي الفقيه.الرابعة: وتثبت الدية في هذه الصورة أيضا؛ ألن مقتضى إطالق أدلــة

احترام الميت المسلم هو ثبوت الدية. قطع األعضــاء بــدون وصــية، وال تعــيين مصــلحةالخامسة:

وضرورة لذلك األمر، وال حتى حكم حاكم. وفي هــذه الحالــة تثبت الدية بالقدر المتيقن من ثبوتها، وصــريح الروايــات، ومن جملتهــا:

رواية إسحاق بن عمار التي تدل على ثبوت الدية.

وجه مصرف الديةضح حكم قطع أعضاء بدن الميت، وثبتت الدية في بعد أن ات أربع صور من الصور الخمس السابقة، يطــرح هــذا الســؤال: هــل

تصل الدية إلى الورثة أم ال؟ ــاة ــرد وفـ ــوارث بمجـ ــالي، بحيث يثبت للـ متعلق اإلرث مـــوع البحث ث. وبعبارة أخرى: ما ترك الميت، أما الدية موض المور فإنها تظهر بعـد المـوت، وال يملكهـا الميت. ومن هنـا فـإن المـال المستوفى من الدية يأخذه اإلمــام أو الحــاكم، ويصــرفه في وجــه

من وجوه الخير.ــة ــا: رواي ــدعى، ومن جملته ــذا الم ــات على ه ــد رواي وتوجــة أن إسحاق بن عمار التي سبق ذكرها، حيث جاء في هذه الروايــرف ــه يص هذا المال يرجع إلى اإلمام، وهو لله، وهذه كناية عن أن



في سبيل الله.ــد عن أبي وهناك رواية أخرى، وهي صحيحة الحسين بن خال

أنه قال: فلما مثــل بــه بعــد موتــه صــارت ديتــه×الحسن الكاظم بتلك المثلة له، ال لغيره، يحج بهــا عنــه، ويفعــل بهــا أبــواب الخــير

.(592)والبر، من صدقة وغيرها

خالصة ـ األدلة الــتي تــدل على حرمــة قطــع أعضــاء بــدن الميت1

أربعة، وهنــاك ثالثـة أدلــة مشــتركة مــع مبحث قطـع أعضــاء بـدن الحي، ودليل واحد فقط خاص بقطع عضــو من بــدن الميت. وقــد

ثبت أن ليس هناك ألي من األدلة األربعة داللة على الحرمة. ـ هناك عدة طرق لقطع أعضاء بدن الميت، وهي: وصــية2

صاحب العضو في حياتــه، إجــازة الــولي الشــرعي، إجــازة الــوليالفقيه.

وقد أصبح واضحا أنه ما عــدا الطريــق األول هنــاك طريقــان يمكن اإلشكال عليهما، غير أنه يشكل الطريق الثالث وفــق بعض

المباني المبحوثة في والية الفقيه، ال مطلقا. ـــ الوجــوه الــتي تصــرف فيهــا الديــة هي األمــور الخيريــة3

لصاحب العضو، يصاحبها موافقة الحاكم الشرعي.

المحور الثاني: حكم أخذ العوض بعــد أن تم بحث حكم قطــع أعضــاء بــدن اإلنســان )الحي،

والميت دماغيا، والميت( يطرح على طاولة البحث هذا الموضوع،ــوز وهو: هل أن العضو المقطوع قابل ألن يباع ويشترى؟ وهل يج

أخذ األموال مقابله؟ ومن أجل الجواب عن مثل هــذه األســئلة يســتوفى موضــوع



البحث في مقامين:

ـ أخذ العوض من غير طريق البيع1 ال شك أنه يجوز أخــذ العــوض بغض النظــر عن عنــوان الــبيعــة، ومن ــك أن العــوض يمكن أخــذه بطــرق مختلف والشــراء؛ وذل

جملتها:ــاحب أـ يمكن أخذ العوض بعنوان رفع اليد عن الحق؛ ألن ص

العضو أولى وأحق من اآلخرين. وبما أن العضو ال يعد ماال فإنه من أجل رفـع اليـد عن الحــق

يمكن أخذ العوض. ب ــ يمكن أخـذ العــوض قبـل القطـع مقابـل القيـام بقطـع

العضو، فيما لو كان غير مالك لذلك العضو. ج ـ يمكن أخذ المال قبــل قطــع العضــو من أجــل مقــدماتــتي ــذهاب إلى المستشــفى، والمقــدمات األخــرى، ال القطــع، كال

تتقدم على عملية القطع. د ـ يمكن أن يقال: إن بإمكان صاحب العضو أن يصــالح في

الوقت الذي يبادل فيه العضو بالمال. إن الطرق الــتي سـبق ذكرهـا تجـيز االسـتفادةوقد يقال:

من العضو الذي قد تم فصله عن البدن، ولكن بما أن ذلك العضــو مصداق للميتة، وال يجوز االنتفاع منها، فإن أي مبلغ يؤخذ مقابله ـ

وبأي عنوان كان ـ يعد أكال للمال بالباطل وحراما. يمكن عرض عدة أجوبة عن هــذا اإلشــكال، ومنالجواب: و

جملتها: أخذ األموال في بعض الطرق السابقة ـ وعلى سبيلأوال:

المثال: الطريق الثاني والثالث ـ ليس له عالقة بجواز وعدم جواز ـ العـــدد الثــاني والعشــرون، الســنة السادســة، ربيــع االجتهاد والتجديد

411هـ1433م ـ 2012


االنتفاع من الميتة. لذلك يحق لصاحب العضو أن يأخذ ماال مقابــل رفع الموانع من أمام القيام بالقطع، أو الذهاب إلى المستشــفى،

ومقدمات العملية الجراحية التي سيتم إجراؤها.ــذا ثانيـــا: ــواز هـ ــة جـ ــاع من الميتـ ثبت في مبحث االنتفـ

.(593)العمل وبمــا أننــا نحتــاج هــذا الموضــوع هنــا فال بــد أن يبحث، ولــو

بإجمال، فنقول: إن أهم دليــل على الحرمــة هــو الروايــات. وهــذه الروايــاتــ الــتي هي قــة ســماعة ـ كثــيرة. وعلى ســبيل المثــال: نــذكر موث صحيحة من جهة السند والداللة ـ: سألته عن جلود السباع، أينتفع

. (594)بها؟ فقال: إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فال وهذه الرواية صريحة في حرمة االنتفاع من الميتة.

ق؛ لوجود سماعة فيه. وسندها موث والروايات األخرى تدل كذلك على هذا المدعى، مع أنه ليس

. (595)لها هذا الحد من االعتبار من ناحية السند والداللة وفي مقابل هذه الروايات هنــاك مجموعــة تــدل على جــوازقــة الــبزنطي: ســألته عن االنتفــاع من الميتــة، ونكتفي بــذكر موث الرجل تكون له الغنم، يقطع من إلياتها وهي أحياء، أيصــلح لــه أن ينتفــع بمــا قطــع؟ قــال: نعم، يــذيبها، ويســرج بهــا، وال يأكلهــا، وال

. (596)يبيعها وتــدل هــذه الروايــة داللــة واضــحة على جــواز االنتفــاع من

قة. الميتة. والرواية من جهة السند موثد أن هــــــاتين المجموعــــــتين من الروايــــــات ومن المؤكــاء ــاز الفقه ــارض. اجت ــك التع ــتان، ويجب أن يتم عالج ذل متعارض

جميعا تلك الطرق المختلفة، ومن جملتها:



ــا1 ــتي ليس به ـ الروايات المجوزة مختصة باألجزاء الميتة الحياة، والروايات المانعة مختصة باألجزاء التي تحلها الحياة.

ـ يقول المحقق اإليرواني: الروايات المانعــة محمولــة على2 . (597)أنه في حالة مماسة البدن للميتة يصبح ملوثا

ر هــاتين المجموعـتين&ـ قال اإلمام الخميـني3 ، بعـد أن قـر من الروايات: اإلنصاف أنه ال يوجد تعارض بين هاتين المجموعتينــات المجــوزة حكومــة على ــات؛ ألنــه ال يوجــد للرواي من الرواي الروايات المانعة. إذا حمل الروايات المجوزة على التقية فرع ألن

.(598)يكون هناك تعارض ــ تصــرح الروايــات بجــواز االنتفــاع في غـير المــوارد الــتي4

يشترط فيها التذكية، لكن الروايات المانعــة ظــاهرة في الحرمــة.ــوزة، دة بالروايات المج من هذه الناحية فإن الروايات المانعة مقيــا ــترط فيه ــتي يش ــوارد ال ــة على الم ــة محمول ــات المانع والرواي

. (599)التذكية، أو تحمل على الكراهةــا أن ــاني خالف الظــاهر؛ إذ بم والحــق أن الجمــع األول والث األجزاء ال تحل بها الروح فليست مصداقا للميتة، وإنما هي خارجةــة حرامــا كي تخصصا، وبذلك ال يكون تلويث البدن بممارسة الميت نحمل الروايات عليه. ومن هنا فإن الجمع األخير باق، على أن أي واحد منها يكون صحيحا يثبت المدعى موضع النقاش، وهــو جــواز

االنتفاع من الميتة. وفي النهايــة إذا لم تكتمــل األدلــة اللفظيــة في جــواز أخــذ العوض مقابل التـبرع باألعضــاء تصـل النوبـة إلى األصـل العملي، ومقتضى األصل هو اإلباحــة، واستصــحاب عــدم الحرمــة في أخــذ

العوض.


د. الشيخ محمد رحماني•ـ أخذ العوض عن طريق البيع2

هل يجوز بيع عضو قد تم قطعه؟ في هذا المقطــع عــدة مواضــيع يجب توضــيحها، ويقــال: إن

هذا البحث يطرح في صورة جواز االنتفاع من الميتة فقط: أـ هل يلـزم كــون المـبيع مــاال في تحقق عنـوان الــبيع أم أن

الملكية تكفي فيه؟ ب ـ إذا كانت المالية الزمة في تحقق البيع فهل أن العضــو

المقطوع يعد ماال بنظر العرف أم ال؟ ج ـ على فرض عدم صدق الــبيع فهــل يصــدق عليــه عنــوان

التجارة أم ال؟ د ـ هل تشمل أدلة حرمة بيع الميتة هذا المورد أم ال؟

ل لكــل واحــد من هــذه المواضــيع خــارج عن البحث المفصــ طبيعــة المقالــة. ومن هــذه الناحيــة يمكن اإلشــارة إليهــا بصــورة إجماليــة، مــع أن هنــاك اختالفــا بين أعضــاء البــدن الميت والبــدن الحي، ولكن كي ال يطـــــول الحـــــديث فيهـــــا نكتفي بعـــــرض

المشتركات: هنـــاك وجهـــات نظـــر في مســـألة ملكيـــة اإلنســـان أوال:

ــه ألعضائه: يعتقد البعض أن اإلنسان ليس مالكا تكوينا ألعضاء بدن وبالذات، ألنه لم يكن خالقا لها، ولكن بما أنه العلة القريبة لبقائها على قيد الحيــاة فــإن لــه ملكيــة تشــبه الملكيــة التكوينيــة، وهــذهــه الملكية تكون منشأ أيضا لملكيته االعتبارية. ومن هنا يصدق علي

عنوان البيع قبل القطع أو بعده. من الممكن القــول: يصــدق على أعضــاء البــدن بعــد ثانيا:

قطعها عنوان المــال؛ ألن الفقهــاء، في تعــريفهم للمــال واختالفــه عن الملك، قالوا: إن المــال عبــارة عن أشــياء نــادرة يتعامــل بهــا



اإلنسان لسد احتياجات ينتفع بها، وهو ـ بحكم العقل ـ يبذل المالفي مقابلها.

ــالثالثا: من الممكن القول: ال يلزم أن يتحقق عنوان الم في عنوان البيع، حيث إن كثــيرا من العلمــاء، في تعــريفهم للــبيع،

لم يشترطوا كون المبيع ماال. كتب اآلخونــد الخراســاني يقــول: فالصــواب تعريفــه: تمليــك

.(600)العين بالعوض وكتب السيد كاظم اليزدي: والتحقيق أن األسد واألخصر في

.(601)تعريف البيع أن يقال: إنه تمليك عين بعوضــكاالت على ــرواني خمســة إش ــق اإلي ــد أن أورد المحق وبعــلطان بمتعلق الشيخ في تعريفه للبيع كتب يقول: تبديل متعلق س

. (602)سلطانــبيع: وكتب النائيني يقول، بعد اإلشكال على تعريف الشيخ لل

. (603)هو تبديل عين بعوض وكتب السيد الخوئي حــول أن الماليــة ليســت شــرطا: ليس لــدينا دليــل على صــدق اعتبــار الماليــة في الــبيع، بــل المالك في

. (604)صدق البيع عنوان المعاوضة يستفاد من مجموع هذه التعاريف أن تحقق قوام البيع ليس بالمال، وعلى الخصوص ما صرح به السيد الخوئي من أن المالية ليست شرطا في صدق عنوان البيع، بــل يكفي صــدق المعاوضــة

عليه فقط. على فرض أن البيع ال يصدق على بيـع األعضـاء فـإنرابعا:

المعاملة التي يصدق عليها عنوان التجارة تعتبر صحيحة. يقول السيد الخـوئي في مقـام الجـواب عن إشــكال بطالنــول بة على ب بيع بول ما ال يؤكل لحمه: من جملتها: الصفقة المترت



ما ال يؤكل لحمه؛ بمقتضى آيــة التجــارة، صــحيحة، وإن لم يصــدق. (605)عليها البيع

من الممكن أن يقال: يكفي في صدق عنوان البيعخامسا: المالية في نظر المتبايعين، وال يلزم أن يكون كــذلك بنظــر جميــع العقالء، حيث قال السيد الخــوئي: لــو ســلمنا باعتبــار الماليــة في البيع فيكفي أن يكون المبيع ماال بنظر المبايعين إذا كــان عقالئيــا،

. (606)وال يجب كونه ماال في نظر جميع العقالءإذا يجوز بيع األعضاء التي تم قطعها في هذه الحالة.

هناك إشكال في بيــع العضــو الــذي تم قطعــه وقد يقال:ــات: ــدة جه ــات.أوال:من ع ــا في الرواي ــة وبيعه النهي عن الميت

وثانيا: عدم وجود فائدة مرجوة، وأخــذ المــال مقابلهـا يعتــبر أكالللمال بالباطل.

من الممكن أن يكون هناك أجوبة مختلفة لهــذا والجواب: اإلشكال األول، حيث اختلف الفقهاء في مسألة بيع الميتة، ويعتقدكثير من المحققين بجواز بيع الميتة على أن يكون بقصد االنتفاع.

االنتقــاالت و حــول الــبيع والشــراء&يقــول اإلمــام الخميــني األخرى المتعلقة بالميتة، وهل أنها جائزة أم ال؟: هناك نظــر قــوي على الجــواز؛ ألنــه ال يوجــد دليــل على الحرمــة، إال روايــة دعــائم اإلسالم، وهي من حيث السند ضعيفة، وال يوجد لدينا روايــات لهــا

. (607)داللة على أن قيمة الميتة سحت ثم ذكر بعد ذلك أربع روايات تتضمن أن قيمة الميتة ســحت، وقال في مقام اإلجابة عنهـا: مـا عـدا روايـة أخــرى هي )صـحيحةــدل على ــتي ت البزنطي(، المخصصة بصحيحة محمد بن عيسى، ال جواز االنتفاع من جلد الميتة وبيعه وشــرائه. والظــاهر أن العــرف



مساعد إللقاء الخصوصية، والجمع بين مــا تقــدم. وبنــاء على هــذاــائزا، والمقصــود من ــبيع ج ــة حالال يكــون ال ــا تكــون المنفع فأينمــك ــل ذل السحت قيمة الميتة في الموارد التي تتطلب األكل، ولمث تباع. ويؤيد هذا االدعاء رواية الســراج، الــتي تــدل على جــواز بيــع

. (608)جلد النمر... ويعتقد السيد الخوئي كذلك ـ مثل كثير من الفقهاء ـ بأن بيع الميتة جائز، ويقول في مقام الجمع بين الروايات الــتي لهــا داللــة على الحرمـة والروايـات الـتي تـدل على الجـواز: في أيـة صـورة كانت تحمل الروايــات إمــا على المنــع أو على التقيــة؛ ألن فقهــاء أهل السنة ال يجوزون معاملة الميتــة، أو يحملونهــا على الكراهــة؛ وذلك أن الروايات المجـوزة صـريحة في الجــواز، إمــا أنهــا مانعــة

. (609)للظهور في الحرمة، أو تحمل على البيع بعنوان الحياة أما الجواب من الناحية الثانية فهو واضــح؛ ألن بيــع األعضــاء

المقطوعة له منافع كثيرة، مثل: الزراعة.

نتائج المحور الثاني ع1 ـــ يمكن لصــاحب العضــو أخــذ العــوض من أجــل التــبر

بالعضو: وذلك بعنوان رفع يــده عن حقــه وتســلطه على أعضــائه،ع وبعنوان نفس قطع العضــو، ومقــدمات القطـع، ومصـالحة التـبر

بالعضو مقابل أخذ المال. ـ هنــاك روايــات متعارضـة في جــواز وعـدم جــواز االنتفــاع2

بالميتــة. ويعتقــد اإلمــام الخميــني أن الروايــات الدالــة على جــوازــاع. ويحمــل االنتفاع حاكمة على الروايات الدالة على حرمة االنتف

السيد الخوئي الروايات الدالة على الحرمة على التقية.



ـ يجوز بيــع العضــو الــذي قــد فصــل عن البــدن. ومن أجــل3ن ذلك. توضيح هذا المدعى تم طرح خمسة تحاليل علمية تبي

ـ إن هناك روايات تــدل على حرمــة بيــع الميتــة، ولكن في4 المقابل يوجد هنــاك روايـات تـدل على الجــواز. وعلى هــذا النحــو فالروايات المانعة إما تتخصص بالروايات المجوزة، أو تحمل على

التقية، أو الكراهة.

المحور الثالث: زراعة األعضاءن أنه يجوز قطع أعضاء البدن في بعض الموارد، بعد أن تبي

ــو: ع بها أو بيعها، يطرح هذا السؤال، وه وال يوجد إشكال في التبرهل أن زراعة األعضاء جائزة أم ال؟

ــة؛ ــران: الحكم التكليفي بالحرم ــة أم ــانع من الزراع إن الموالحكم الوضعي بالنجاسة.

أما المانع األول فغير مقبول؛ ألنه بعد القطع والتسلط عليه من ناحية الطرف اآلخر ـــ إمــا بـالتبرع أو بالشــراء ـــ ال توجــد أيـة حرمــة من ناحيــة العالج، بــل وكــذلك من الممكن اســتخدامه في األمور العقالئية األخرى، مثل: التزين، وإذا حصل هناك شــك فــإن باستطاعته إجراء أصل الــبراءة من الحرمــة. وهنــاك أدلــة أخــرى

أيضا على الجواز، ولكن ذكرها سوف يطيل البحث. أمــا في مســألة الحكم الوضــعي للزراعــة فيجب أن يقــال: لزراعة العضو صورتان؛ فأحيانا يكون العضو داخــل البــدن نفســه، كالكلية وغيرها. وفي هذه الحالة ال ضرورة للبحث؛ وأحيانــا يكــون العضــو خــارج البــدن، مثــل: زراعــة اليــد أو الرجــل. ومــع تحقــق الزراعة سوف يكون ذلك العضو جزءا من بــدن اإلنســان، ويخــرج

عن عنوان كونه ميتة.



توضيح في الصورة الثانية، وهي زراعة العضــو خــارج البــدن، توجــد

حالتان: أـ بعد تمـام زراعـة العضـو بصـورة كاملـة، ومـرور مـدة من الزمان، يعتبر عرفا جزءا من البدن الجديد. وبال شك يكون العضو المزروع في هذه الصورة طــاهرا، وغــير محكــوم بأحكــام الميتــة؛ لعدم صدق موضوع الميتــة عليــه. وإذا وصــلت النوبــة إلى الشــك

: ألن وحــدة القضــيةأواليمكن أن يقــال: ال تستصــحب النجاســة؛ المشكوكة والمتيقنة قد انتهت؛ ألن المرجــع في تشــخيص التعــددقن أن العــرف ال يعتــبر العضــو والوحــدة هــو العــرف، ومن المــتي المزروع بعد مرور مدة من الزمان عليه هو نفسه العضو الذي تم

قطعه. يمكن القـــول: إن موضـــوع النجاســـة هـــو العضـــوثانيــا:

المفصول عن حي أو المفصول عن جسد، وال يصدق هذا العنــوانــا، إال تســامحا؛ ألن ــان عليه ــدة من الزم ــرور م ــد الزراعــة وم بع

المشتق مجاز في الموارد التي ينقضي بها التلبس.ــبرونثالثـــا: ــذين ال يعتـ ــحة للـ ــية واضـ ــبحت القضـ أصـ

ــة؛ ألن االستصــحاب ال ــائزا في الشــبهات الحكمي االستصــحاب ج يجري في النجاسات، وعند الشك بين الطهــارة والنجاســة يجــرى

أصل الطهارة. ب ـ قبل أن يكون هناك ارتبــاط كامــل بين الجســد والعضــو المــزروع يكــون الحكم بالطهــارة مشــكال، إال إذا قيــل: إن العضــو الذي تم فصــله عن الحي أو العضــو الــذي تم فصــله عن الجســد،ــة، ــوان الميت ــه عن ــل، ال يصــدق علي ــه بشــكل كام ولم تتم زراعت وخاصة مع مالحظة أن المشتق مجاز في حالة انقضاء التلبس؛ أو



نقــول: إن االستصــحاب ال يجــري في الشــبهات الحكميــة، وعنــدالشك بين الطهارة والنجاسة تجري أصالة الطهارة.

الهوامش


«×جولة استعراضية في كتاب »فقه اإلمام علي ،^فقه األئمة •

^فقه األئمة«×جولة استعراضية في كتاب »فقه اإلمام علي

*(*()الشيخ صفاء الدين الخزرجي

مقدمةــام علي (476« في )×يقع الجزء األول من كتاب »فقه اإلم

صفحة، وهو من تأليف الشــيخ خالــد الغفــوري، وتصــدى لطباعتــه مركــز الدراســات العلميــة التــابع للمجمــع العــالمي للتقــريب بين المذاهب اإلسالمية في الجمهورية اإلســالمية اإليرانيــة. وقــد حــاز

م،2008على المرتبة األولى في مهرجان الشيخ الطوســي لعــام م. وقــد2010مضــافا إلى فــوزه في مهرجــان نهج البالغــة عــام

ــير ــدويني كب ــروع ت ــاكورة مش ــل ب ــو يمث اختص ببحث اإلرث. وه ـ× ـــ وفي مقــدمتهم اإلمــام علي^لدراسة فقه أئمة أهل الــبيت

في مختلف األبواب ضمن عدة أجزاء.

أهمية هذا الكتاب وأبعادهــادة من المصــادر ــادة لإلف ــة ج ــذه الدراســة محاول ــل ه تمث

باحث وأستاذ في الحوزة العلمية، وعضو هيئة تحرير مجلة )*(*(.^فقه أهل البيت


الشيخ صفاء الدين الخزرجي•

ال لكيفيــة التعامــل التراثية األولى، قدم فيها الكاتب أنموذجا مفصــمعها بموضوعية، بعيدا عن الميول القبلية.

وعلى الرغم من أن تراثنا االسالمي بشكل عام ـــــ والفقهيـه خاصة ـــ يحفـل طــوال قـرون بإنجــازات كثـيرة ومتنوعـة، إال أن تبقى للمصادر األولى قيمتهــا الفــذة؛ لمــا لهــا من دور مــؤثر على

حركة الفقه ومساره.ــوزا من ــالح كن ــلفنا الص ــابقون من س ــا الس ــرك لن ــد ت ولق المعارف والعلوم الشرعية، ويأتي في مقدمـة ذلـك مــا خلفـه لنـا

خصوصا، من تراث× عموما، واإلمام علي^األئمة من أهل البيت فقهي ثر، سواء على صعيد الكم والســعة أم على صــعيد الكيــف، ولكن هذا التراث ظل قابعا في قالبه التراثي والتقليــدي الــذي لمص الخــاص، ممــا أدى إلى انحســار تــأثيره يطلع عليــه إال المتخصــ

ومحدوديته. وال ريب في أن أحــد أهم المصــادر التراثيــة الــتراث المــأثور

ــع بــه من موقــع×عن اإلمــام علي بن أبي طــالب ؛ لمــا كــان يتمتــه من مكانــة رســالية علمي ممتاز فاق فيه سائر الصحابة، ولما ل

مرموقة تفرد بها. في الدراســات الفقهيــة×بيد أنه لم يحظ تراث اإلمــام علي

التحليلية باهتمام يتناسب معــه من قبــل البــاحثين بصــورة عامــة، والفقهاء بصورة خاصــة، ولم يركــز عليــه في البحــوث االجتهاديــة



بالمستوى الالئق به من قبل علماء المذاهب اإلسالمية المختلفة. ومن أجل تيسير الوصــول إلى هــذا الفقــه، وجعلــه بين يــدي الباحث، مهما كان مشربه ومذهبــه ومســتواه العلمي، كــان ينبغي القيام بمحاولة لعرض هذا الــتراث في قــالب فني معاصــر ســهل

وجذاب، أال وهو األسلوب المنهجي الحديث.

×محاولة اكتشاف المنهج الفقهي لإلمام علي يتجلى للقارئ من عنوان هذا الكتاب أن موضــوعه ومحــوره هــو بحث مــا ورد في تــراث اإلمــام أمــير المؤمــنين علي بن أبي

الفقهي من نصــوص ونقــول في خصــوص دائـرة أحكــام×طــالبــام ــف اإلم ــة تعكس مواق ــة وافي ــديم منظوم ــل تق االرث؛ من أج

ــتي×علي الفقهية في باب االرث؛ فإن أحكام اإلرث من األمور الاختلفت فيها الرؤى واألنظار منذ الصدر اإلسالمي األول.

ومن هنــا لم يكن منــاص من الخــوض في البحث التفصــيلي في المســائل المهمــة الــتي تقــاطعت فيهــا اآلراء، نظــير: مســألةــد ــهم الج ــام، وس ــرد، وإرث أولي األرح ــيب، وال ــول، والتعص الع

والجدة. وهذا ما يثبت لنا حقيقــة علميــة في منتهي األهميــة، أال وهي

كــان يمتلــك رؤيــة متينــة ومتكاملــة ومنســجمة×أن اإلمــام عليــا ومبتنية على منهج خاص، وهو المنهج النصوصي اليقيني، ولم يكن



يعتمد الطرق الظنية للوصــول إلى األحكــام، مضــافا إلى مــا كــانــرد به ــوريث×يتف ــائل، كمســألة ت ــات في بعض المس من نظري

الخنثى، وتوريث من ال يعرف اتحــاده أو تعــدده من الــوراث، كمنكان له رأسان على حقو واحد.

ــان اآلراء والمنهج الفقهي ــتهدفت بي ــة اس ــذه الدراس إذا فه.×الذي كان ينتهجه اإلمام علي

كيفية العرض وتبويب البحوث على الرغم من عــدم طــراوة أبحــاث اإلرث ومســائله إال أن الكاتب كان موفقا في كيفية عرضها وتبويبهــا تبويبــا فنيــا منظمــا.

في×وهذا العــرض المنهجي للنصــوص المرويــة عن اإلمــام عليباب اإلرث قد شمل المحاور الرئيسة، وكذا البحوث الفرعية:

سـقت ضـمن هيكليـة محكمـة أـ أما المحاور الرئيسة فقـد ات جديدة تتفاوت مع النسق التقليدي المتعــارف، الــذي جــرت عليــه المصنفات الحديثية والمــدونات الفقهيــة، وإن كــانت بالضــرورة ال

تتقاطع معها روحا ولبا. وقد ترتبت كما يلي: الذي حمل عنوان: )بحــوث تمهيديــة(، الــتيالفصل األول

توفرت على عرض تصـورات مقدميـة أوليـة للـورود في المحــاورــالفروض، ــراد ب ــان الم ــير: بي ــة، نظ ــذه الدراس ــة في ه المركزي ومقاديرها، ومن هم أصحاب الفروض. وأيضا تسليط الضــوء على



، وصحيفة الفرائض، وبيان خصائص×ما يعرف بكتاب اإلمام عليالصحيفة، وبيان اتحاد الكتاب والصحيفة.

فقد حمل عنوانا جديدا وهــو: )أركــانوأما الفصل الثاني اإلرث وشروطه(. وشروط اإلرث ثالثة، هي: المــوروث )التركــة(،

والمورث ]الميت[، والوارث. وقد تعرض الكاتب لدراســة دائــرة التركــة ومــا يــدخل فيهــا، وبحث بشكل مسهب ومفصل شروط كل من المورث والــوارث، وكذلك طرح التطبيقات المتعلقة بهذه الشروط حســب مــا تــوفر

. ×من نصوص ونقول عن اإلمام علي بن أبي طالب فقــد حمــل عنــوان: )طبقــات اإلرثوأما الفصل الثـالث

النسبية(، وهــو ليس عنوانــا غريبــا عن العــرف الفقهي والــروائي؛ حيث بحثنا فيه: الطبقة األولى، التي تشتمل على صــنفين، وهمــا: األبوان؛ واألوالد؛ والطبقة الثانية، وتشــتمل على صــنفين: اإلخــوة؛

واألجداد؛ والطبقة الثالثة، وهي: األعمام؛ واألخوال. فقد حمل عنوانا جديدا وهــو: )قســمةوأما الفصل الرابع

ــف خمســة بحــوث: النســبة بين التركــة اإلرث(، وأدرج فيــه المؤل والسهام، وبين صور هذه النسبة؛ الرد وحاالتــه وتحليــل الضــابطة فيه؛ التعصيب؛ العول وتحليــل الموقــف في عــدم العــول؛ أحكــام

القسمة. ب ـ وأما البحوث الفرعية فهي األخرى قــد انتظمت بــدورها



لناها وفق تسلسل طريف، نظير: بحث شروط الوارث، حيث فصــكالتالي:

: الحياة.الشرط األول: تحقق موجب اإلرث.الشرط الثاني: انتفاء المانع.الشرط الثالث: عدم الحاجب.الشرط الرابع

: تعيين الوارث.الشرط الخامس وسعى الكاتب أن يضع كــل فــرع في مكانــه المناســب، ولم يرتض حالة التناثر والتبعثر لألحكام، أساسية كانت أم فرعية، ولمــر أســلوب الســرد وطريقــة االسترســال في بيــان النصــوص يختــالغ واإللحاقات. ومن الواضح أن طريقة العرض ومنهاجيته لهمــا ب

األثر في تجلية القيمة العلمية للتراث النصوصي الفقهي. وبذلك يكون الكاتب قد قدم نموذجا مقترحــا لكيفيــة عــرض

يمكن أن يعمم على ســائر األبــواب×التراث الفقهي لإلمــام عليالفقهية األخرى.

منهاجية البحث المعتمدة في هذا الكتاب من أجل بيــان المنهاجيــة المعتمــدة في البحث البــد أوال من لحاظ األسس البنيوية لهذه الدراســة، والمنطلقــات الــتي حــددت دائرة الحركة البحثيـة فيـه. إن منهجيـة البحث الـتي اعتمـدت في



تــدوين هــذه الدراســة قــد وضــعت في ضــوء حزمــة من األســسواللحاظات، وهي:

ــــ لحـــاظ المنهج الفقهي اإلســـالمي ــــ بجناحيـــه الســـني1ــدونات والبحــوث ــه الم ــذي درجت علي ــدي، ال ــ التقلي ــامي ـ واإلم

الفقهية السائدة. في نفســه،×ـ لحاظ الـتراث النصوصـي المـأثور عن علي2

ومع قطع النظر عن طريقة تعامل اآلخرين معه. ـ لحــاظ مــا انتهى إليــه الكــاتب من نتــائج في ضــوء فهمــه3

وقراءته لهذا التراث.ــة جديــدة، ربمــا تلتقي في بعض ــاب بمنهجي وقــد خــرج الكت مفاصلها مع المنهج الحديث أو مع التقليدي، وربما ال تلتقي معهماــة ــة تلفيقي في شيء من مفاصلها، ولهذا ال يصح أن نعتبرها منهجي بـالمعنى الشــائع عن التلفيــق، ففــرق بين اللم والتجميــع لمــا هــو موجود وبين الموازنة واإلفادة منه، ولحاظــه وتطــويره، واإلضــافة

عليه وتكميله.ــومة إذا يمكن القول: إن هذه الدراسة الفقهية التراثية موس بأنها دراسة تراثيــة، فقهيــة، مســتوعبة، تحليليــة، مقارنــة، دالليــة،

نقدية، منهاجية. وهذه الخصــائص المــذكورة تحــدد لنــا المــدى البحــثي الــذيــه بحث أخبــاري تحــركت فيــه هــذه الدراســة، وتعين طبيعتــه؛ فإن



ــد، بــل هــو ذو تقريري، لكن ال بما يطابق المسلك األخبــاري المقيــة طــرا، من كتــاب وســنة وعقــل طابع حر يتحرك في فضــاء األدلــدليلين األولين، دون ــا على الـ ــيز فيهـ ــان التركـ ــاع، وإن كـ وإجمـ

األخيرين.

المعالم والخصائص استقصاء كــل مــا هــو منقــول عن اإلمــامالخاصة األولى:

في مجــــال اإلرث في الــــتراث الفقهي×علي بن أبي طــــالب اإلسالمي، الشامل للمصادر الشــيعية والســنية، والســعي لإلفــادة من كل النصوص التي جمعها الكاتب، وتوظيف أقصى ما فيها منــرآني أم حة لنص ق طاقة داللية، سواء كانت مبينة لحكم أم موضــ شارحة لحديث نبوي. وبهذا استطاع أن يقدم مجموعة وافيــة في

هذا الشأن، تصلح أن تكون منظومة كاملة حول اإلرث.ــد في ثم إن االستقصاء الذي توفرت عليه هذه الدراســة امت

بعدين: األحكـــام الفقهيـــة والمســـائل األساســـية، وكـــذلكاألول:

ــير األحكام الفرعية، واألقضية، والتطبيقات، المروية عن اإلمام أمــف على كم×المؤمنين علي بن أبي طالب . ونظرا لحصول المؤل

وفير نسبيا انفتحت أمامه فرصة التوفيق لتقــديم منظومــة فقهيـة ×مفصلة في باب اإلرث، تقــوم على أســاس بيانــات اإلمــام علي



وسيرته وقضائه. تعــدد النقــول والنصــوص حــتى في الحكم الواحــد،الثاني:

لكن على اختالف في الحاالت:ــة عن عليـ1 في× فأحيانا تتحد أو تتقارب النصوص المروي

ألفاظها وتراكيبها الصياغية.ــا متحــدة أو2 ــة في اللفــظ، إال أنه ــ وأخــرى تكــون متفاوت ـ

متقاربة معنى ومضمونا. ــ وربمــا تكــون متفاوتــة في المضــمون، لكن ال يصــل هــذا3

التفاوت إلى حد التنافي والتكاذب الـداللي؛ وذلـك إلمكـان الجمـعوالتوفيق بين مداليلها بدوا أو بعد التأمل والتدقيق.

ــك النقــوالت4 ــاوت المضــموني بين تل ــغ التف ــد يبل ــل ق ــ ب ـ في بعض الحــاالت إلى حــد ال يمكن×والمرويات عن اإلمام علي

الجمع والتوفيق بينها؛ بسبب استحكام التنافي والتعارض الداللي، وحينئذ ينبغي إمعان النظــر في ســبيل الوصــول إلى طريــق لحــل

هذه المعضلة، والبحث عن مخرج علمي ومنطقي. تحليل تلك المنقوالت، والتصدي لتقييمها،الخاصة الثانية:

وعدم االكتفاء بالعرض السريع أو المجمــل، وعــدم االقتصــار على التجميع التراكمي للنصوص، بل تصدى الكاتب لتشريحها وتفصـيل

عناصرها.وعملية التحليل تتمثل بما يلي:



ـ تفسير األلفاظ والمفردات الواردة في النصوص المنقولة1 على أساس المعنى اللغوي والمتعارف حين صــدور النص، وعــدمــبر لهــا من معــان اصــطالحية مســتحدثة بعــد جعل األساس ما اعت زمان النص؛ فإن عــدم االلتفــات ســبب عــدم الدقــة في فهم آراء

، وأوقــع الكثــير في االشــتباه في نســبة بعض اآلراء×اإلمــام عليإليه.

ــة المســاعدة2 ـ اإلفادة من بعض القرائن الداخلية والخارجيفي فهم النص، والتي تلقي ضوءا على المفاد النهائي للنص.

ـ عدم االنخداع بظاهرة تقطيع النص الواحد ضمن سياقات3 متعددة، أو تجميع النصوص المتعددة ضمن سياق واحد، والتي قد

تفوت فرص الفهم الصحيح للنص.4 ــا ـ التمييز في طريقة التعامل بين األحاديث المنقولة حرفي

وبالنص وبين األحاديث المنقولة بالمضمون والمعــنى، الــتي غالبــاما تعبر عن ذهنية الناقل، ال المنقول عنه.

ــف بإضــافة5 ـــ إكمــاال للعمــل التحقيقي والبيــاني قــام المؤل بعض التوضيحات؛ رفعا لإلبهامات التي تكتنف قسما من النصوص الــواردة في البحث، وذلــك من خالل فتح بعض الضــمائر، أو بيــان معاني المفردات الغامضة، أو ذكر تعليقات وإفادات مناسبة. وقــد

أدرج ذلك في الهامش.ة الثالثــة: الموضـــوعية في التعامـــل مـــع هـــذهالخاصــ



النصوص، وعدم الــدخول في بحثهــا بقناعــات قبليــة مســبقة، بــلــف اســتنطاق هــذه النصــوص والنقــول في نفســها، حــاول المؤلــدا عن ــة، وبعي ــرؤى الخاص ــزل عن ال ــتها، بمع ــا، ودراس وتحليله

المرتكزات المذهبية الضيقة. وقد رفض الكاتب بعض التفسيرات المذهبية، وقبــل بعضـها، واحتمل بعضها اآلخر، وكــذلك تــوخى تقــديمها وعرضــها في ضــوء المعــايير األصــولية العامــة المقبولــة لــدى مختلــف المــذاهبة بطبيعــة البحث، اإلســالمية، وأيضــا في ضــوء المعــايير المختصــ

ومنها:ـ تقويمها من خالل عرضها على الكتاب العزيز.1 ـ تقويمها من خالل عرضها على الثــابت من الســنة النبويـة2

الشريفة. ـ تقويمها في ضوء القضايا المسلمة فقهيا والــتي ال نقــاش3

فيها. ولم يعول كثــيرا على دعــاوى اإلجمــاع لعــدة أســباب، منهــا:صعوبة إثبات صحة ودقة مثل هذه الدعاوى في كثير من األحيان. ومنهــا: انعقــاد بعض هــذه اإلجماعــات في زمــان متــأخر عن

زمان صدور النصوص المبحوث عنها. ومنها: وجــود تعــارض في بعضــها، فلكــل مــذهب منطلقاتــه،

ووسائل إثبات يعتمدها هو دون المذاهب األخرى. ـ تقويمها في ضوء المبــاني القطعيــة والمســلمة في منهج4



ــل: بعض×اإلمام علي ــاب اإلرث، من قبي الفقهي، وال سيما في ب القواعد الثابتة كتابا وسنة، والثابتة عن اإلمام أمير المؤمنين علي

ــة×بن أبي طالب ، نحو: قاعدة األقربية وتقديم األقــرب من الورث علي األبعــد؛ فقــد جعلت هــذه القاعــدة أحــد المعــايير في تحديــد

ــة عن علي ، ردا أو ترجيحــا أو×الموقــف تجــاه النصــوص المرويتفسيرا.ــف في تقــويم5 ـــ ومن جملــة المعــايير الــتي اعتمــدها المؤل

، حيث×بعض النصــوص هــو ورود المضــمون ذاتــه عن أبنــاء عليإنهم أدرى من غيرهم برؤى أبيهم، وأشد تمسكا بمنهجه.

ــف المقارنــة بين النقــولالخاصة الرابعة: لقد حاول المؤل عند تعارضها، واالنتهاء في أغلب األحيــان إلى تــرجيح بعضــها علىبعض. وتستند عمليات المقارنة على الضوابط العامة والمختصة:

أما الضوابط العامة فهي: المرجحــات األصــولية الــتي يبتــنيــديم ــير: تق ــا، نظ ــول على غيره ــديم بعض النق ــها تق على أساسن على المجمل. الخاص على العام، والمقيد على المطلق، والمبي وربما يتعذر الــترجيح في بعض الحــاالت، فيحكم بتســاقطها،ل والرجوع إلى غيرها من األدلة والقواعـد العامـة، كمـا هــو مفصـ

في بحث التعارض من علم أصول الفقه.وأما الضوابط الخاصة فهي:

ـ مدى انسجام تلك النقول مع المباني القطعية والمســلمة1



ــام علي ــديم×في منهج اإلم ــة وتق ــدة األقربي ــو: قاع الفقهي، نح األقرب من الورثة على األبعد؛ فإننا قد جعلنــا هــذه القاعــدة أحــد

.×المرجحات عند تعارض النصوص المروية عن علي فإننــا×ـــ وفي حالــة ورود المضــمون ذاتــه عن أبنــاء علي2

نعتمد ذلك مرجحا للنقل المتضمن له. ؛ فــإن ذلــك×ـ لحاظ ورود النص في صحيفة أو كتاب علي3

يعد امتيازا للنص يمتاز به عن النص الوارد في غيرهما. ـــ لحــاظ جهــة الصــدور في الروايــة المنقولــة، فــإن بعض4

الروايات قد نقل لنا في ظروف غير اعتيادية، نظير: مــا نقــل عن الشعبي عندما أتي به موثوقا بين يــدي الحجــاج بن يوســف، وهنــا

نقدم من النصوص ما كان منقوال في الظروف االعتيادية.ــافي5 ـ وثمة حاالت ـ وإن كانت قليلة ونادرة ـ اســتحكم التن

ــوص ــك النص ــرض تل ــاتب اكتفى بع ــول، إال أن الك ــا بين النق فيه المتعارضــة دون أن يقــدم بعضــا على بعض؛ بســبب مقبوليتهــا

ــا عن علي ــتي عرفناه ــاني ال ــب المب ــا بحس ــا فتوائي ×ومعقوليته ومنهجه الفقهي، باعتبــار أن مســؤولية البحث ال تملي علينــا أكــثر من ذلك، فليس دورنا في هذه الدراسة التصدي لإلفتاء واستنباط األحكام، بل هو محاولة تحصيل مجموعـة نصوصــية فقهيـة علويـة

في باب اإلرث. وهــذا الغــرض يؤمنـه الجــزم واالطمئنــان بصــحة نســبة تلــك



، أو على األقل إمكان النسبة واحتمالها ومقبوليتها×النصوص إليه الفقهي.×في ضوء االتجاهات العامة لمنهج علي

ــه مســلك ــف؛ فإن ــك يتجلى المســلك البحــثي للمؤل ومن ذلرفا، وال ــ ــفيا ص ــا وص ــري تحليلي، وليس بحث ــاري نقلي وتقري أخب تجميعيا محضا، وليس بحثا أخباريا بالمعنى المصطلح أيضا، بل وال

اجتهاديا إفتائيا.ــاحث في البحث المقــارنالخاصة الخامسة: ــز الب لم يرك

على البحث السندي إال في مــوارد نــادرة، وألقى بكــل ثقلــه على البحث الداللي؛ ال بسبب ترجيح مسلك أهل الحديث وأهل األخبار، بل كان ذلك ألسباب دعته إلى عدم التركيز على البحث السندي،

وهي: ـ اختالف المصادر المأخوذ منهــا النص المنقــول من ناحيــة1

االعتبار والقيمة المصادرية لها، فإن بعض المصادر تعد في منتهى االعتبار لدى طائفة في حين ال تكون كذلك لدى أخــرى، وهــذا مــا

يسبب إحراجات في كيفية انتخاب المصادر. ـــ اختالف الجــرح والتعــديل من مــذهب إلى آخــر إلى حــد2

ــ أو التناقض، مما يؤدي إلى اضطراب البحث وفوضويته؛ لندرة ـــ انعدام ــــ مـوارد االتفــاق على تقـييم أسـانيد النصــوص المنقولـة صحة وضعفا؛ بسبب االختالف في توثيــق الــرواة وتضــعيفهم؛ إمــا الختالف القواعد العامة في الجرح والتعديل والتوثيق والتضــعيف؛



وإما الختالف المستندات الخاصة. ـ إن الخــوض في البحــوث الســندية ال يكــون مقنعــا مــا لم3

يدخل الباحث في التفاصيل، والــتي تنتهي عــادة إلى تضــخم هــذه البحوث من ناحية الحجم، مما يــؤدي إلى الملــل وتشــعب محــاورــذه الدراســة من البحث. والشاهد على ذلك هو ما ورد في ثنايا ه نماذج للبحوث السندية، حيث اضــطر إلى الولــوج في التفاصــيل؛ من أجــل الوصــول إلى نتيجــة جزميــة ومقنعــة ومتناســبة مــع

مسؤولية هذه الدراسة. والحــق أن هــذا المنهج ال يختص برســم كيفيــة التعامــل مــع

النصوصـي فحســب، بـل يمكن إسـراؤه في الجملـة×تراث عليإلى مختلف مساحات التراث الحديثي بعامة.

وفي خاتمة البحث عرض الكــاتب مجموعــة من المقترحــاتالحرية بالتأمل، والتي تستحق أن يتوقف عندها الباحثون، وهي:

ــلفناأوال: ــتراث الفقهي لس ــة ال ــة دراس ــا من أهمي انطالق افة المصادر التراثية، والسيما تــراثكالصالح البد من اإلفادة من

، وبـــاألخص الـــتراث الفقهي لإلمـــام علي بن أبي^أهـــل الـــبيت، والتعامل الجاد معه بما يتناسب مع أهميته.×طالب

وممــا ال يخفى على الخبــير أن تهميش هــذا الــتراث ســيفقد المكتبة اإلسالمية عموما، والفقهية خصوصا، ثــروة ال تعــوض، بــل ينبغي أن نعطيه األولوية، ونجعله في الصدارة؛ نظـرا إلى عوامــل



، ونبــوغهم من بين×عديدة، منها: المرجعية العلميــة ألهــل الــبيتاألقران وتفوقهم العلمي، وغنى التراث المأثور عنهم.

ضـــرورة االنفتـــاح في البحث الـــتراثي على جميـــعثانيــا: المصادر الحديثية والفقهية، الحاملة لهذا التراث، والمســاعدة في دراسته وفهمه، والحذر من االنكفــاء على الــذات؛ فــإن مســؤوليةــة المعلومــات، وفي مختلــف ــدقيق لكاف ــع ال البحث تقتضــي التتب المصادر، فإن المعلومة هي ضالة الباحث، يتقصاها ويطلبها أينمــا

كانت، فال يصح له أن يطوي عن بعض المصادر كشحا. حين يتصــدي البــاحث لدراســة الــتراث الفقهي ينبغيثالثا:

استحضار كل الوسائل المؤثرة في فهمه فهما صحيحا، وال يســوغ له أن يفكر بذهنية اآلخـرين، مهمـا بلغــوا من البراعـة في صـناعة االجتهاد، ومهما أجادوا مهارة االستنباط الفقهي، بـل يتــوجب علىــة في ضــوء ــاحث أن يحــاول اســتنطاق تلــك النصــوص التراثي الب المعطى اللغــوي والعــرفي المقــارن لزمــان النص، وليس على

االرتكازات الالحقة بعد زمانه. كما أن المنطــق األخالقي يملي علينــا الوفــاء لتراثنــارابعا:

ــا الفقهي على صعيد التحقيق والبحث والتمحيص كذلك يملي علين الســعي في سـبيل إحيائـه بكـل مــا أوتينـا من مهــارة على صـعيدالعرض، فال بد من صبه ضمن قوالب منهاجية حية جاذبة لألجيال.

ما حققه هذا الكتاب من منجزات بحثية



يستطيع القارئ أن يلمس في هذا الكتاب كيفية التعامل مــع الـــتراث العلمي بكـــل جديـــة وموضـــوعية، بعيـــدا عن الحـــاالت

الشعارية والعاطفية، وذلك من خالل بعض المؤشرات:ــا: ــواعأوله ــل أن ــدقيق لك ـع ال ـ ــع والتتب ــاء الواس االستقص

في جميــع المصــادر×النصوص الفقهية المأثورة عن اإلمــام علي الحديثية والفقهية عند مختلف المذاهب اإلسالمية، وقد اســتهدفنا ذلــك بســبب تنـاثر هــذه النصـوص في عـدة مصـادر، وفي أبـواب

متفرقة.ــع ومن الواضــح أن هــذا النمــط من الدراســات يتطلب التتب

للمصادر الناقلة لهذه النصوص، ثم تحليلها، ثم تبويبها. وقـد يبــدو ألول وهلـة أن ذلــك من البحــوث الســهلة الـتي ال تتطلب من الباحث أكثر من عملية تتبع المصــادر التراثيــة الناقلــة

ــام علي ــه اإلم ــك على أقصــى×لفق ــل واستقصــاء ذل ليس إال، بالتقادير، بيد أن هذا األمر يواجه عدة مشاكل وعقبات، منها:

ـ إن بعض المصادر مبتالة بالرؤيــة المذهبيــة الضــيقة الــتي1ــام علي ــة عن اإلم ــوص المنقول ــة النص ــا،×تحــدد كمي ، وكيفيته

ومساحتها. ـ إن بعض من تعامــل مــع هــذه النصــوص انطلــق من فهم2

ــة الفهم وتفسير شخصي أو مذهبي خاص، وهذا يحول دون إمكانيالصحيح والموضوعي لها.



ـ إن هــذا الــتراث ــ بـالرغم من غزارتـه وعمقــه ــ موجــود3 مبثوثا ومبعثرا في المصادر الحديثيــة والفقهيــة األولى، بــل إن مــا كان منها مبوبا فإنه مبوب طبقا لألسلوب القــديم الشــائع آنــذاك،

مما يعرقل عملية التتبع واستقصاء مفردات التراث.ــتراث الفقهيثانيها: ــة دراســة ال ــد لكيفي تقــديم منهج جدي

، وكــذلك تنظيم هــذا×لإلمام أمــير المؤمــنين علي بن أبي طــالب التراث وترتيبه وعرضه في قـالب جديـد، من خالل تقــديم نمـوذج

في باب اإلرث.ــاب،ثالثها: معالجة نقاط الخلل الــتي تــورط بهــا بعض الكت

ــف موســوعة »فقــه كاألستاذ الدكتور محمد رواس قلعه جي، مؤلــة في ــدم الدق ــك: ع علي بن أبي طــالب«، ومن ســبقه، ومن ذل

وبما أن هــذا مشــروع ضــخم×.نسبة بعض اآلراء إلى اإلمام علي وكبير، ويتطلب جهودا علمية هائلة، فقد اكتفينا بتقديم نموذج في

هذا السبيل، وهو بحث اإلرث.ــتراث الفقهي المغيب ألهـــلرابعهــا: ــاء الـ الســـعي إلحيـ

ــير×، وباألخص اإلمام علي^البيت ــط الكث ، والدفاع عنه، فقد أحي من آراء ونظريات هذه المدرسة الفقهية بضبابية قاتمــة، ونســبت

إليها بعض اآلراء والنظريات الفقهية غير الدقيقة. محاولة تقديم منهج إسالمي عام في كيفيــة فهمخامسها:

التراثي، والسيما الفقهي. وهذا المنهج مكــون من عــدد من النص



العناصر، وهي إجماال: ـ الموضوعية في التعامل مع هذه النصوص، وعدم الدخول1

في بحثها بقناعات قبلية، بل البد من استنطاق هذه النصــوص فينفسها، ودراستها بمعزل عن الرؤى الخاصة أو المذهبية.

ــة النص2 ـ اعتماد الضوابط المتعارفة فقهيا وأصوليا، ودراســف المــذاهب ــدى مختل ــة ل ــة والمقبول ــايير العام على ضــوء المع اإلســالمية، كعــرض النص على كتــاب اللــه العزيــز، وعلى مــا هــو

الثابت من السنة النبوية الشريفة. ـ اعتماد جملة من الضوابط المستنبطة في ضـوء المعــايير3

والمبــادئ المعتمــدة في المنهج البحــثي، ومنهــا: التعامــل مــع النصــوص والنقــول على ضــوء المبــاني القطعيــة والمســلمة فيــراد جمــع وعــرض تراثهــا منهج الشخصية المبحوث عنها، والــتي ي

الفقهي.



قسيمة االشتراكمجلة االجتهاد والتجديد

أفراد مؤسسات ......................................................اســــم المشترك:

..........................................................العنوان الكامل: ..............................................................................

...................................الهاتــــف:.................فاكــــس: .................مدة االشتراك:....................... ابتــداء مـــن:

.........................المبلغ:......................عـــدد النســـــخ: .................نقـدا إلى:............................ شيك مصرفي:

..........................التــــاريــخ:.......................التوقيــــع:

االشتراك السنوي 200للمؤسسات دوالر 100لألفراد سائر الدول:

)خالصة أجور البريد(دوالر

ثمن النسخة ل.ل 5000لبنان ل.س 150سوريا ــار2.5األردن دين ــــــــــــــــــــــــــــويت ــــــــــــــــــــــــــــار 3الـك ديـن



دينــار 3000العــراق درهمــا 30اإلمــارات العربيــة ريــاال 30الســعودية ريــاال 30قطــر دينــار 3البحــرين جنيهـــات 7مصـــر ريـــاال 400اليمن ريـــال 3عمـــان

ــانير 5ليبيا شلنا 150الصومال دينار 200السودان دن درهمــا 30المغــرب دينــار 3تــونس دينارا 30الجزائر

5قـــبرص لـــيرة 20000تركيـــا أوقيـــة 500موريتانيـــا دوالر.10أمريكا وأوروبا وسائر الدول األخرى جنيهات

Al-Egtihad & Attagdeed

Editor-in-chief:

Haidar Hobballah

Editor-in-Director:

Mohamad Dohaini


Spring 2012 – 1433 6st Year – No. 22


General Director:

Ali Baqer AL-mousa

Responsible Director:

Rabie Sowaidan

Correspondence:

To the office of the Editor-in-chief

P.O.Box: 25 \ 327 Beirut – LebanonE-mail: [email protected]


.269: 1)( مسند أحمل بن حنبل 1.507: 2)( مستدرك الحاكم النيشابوري 2 ؛ اإلصابة90ـ: 2؛ أسد الغابة 288ـ: 1؛ سيرة ابن هشام 21ـ: 2)( يرجع إلى: السهيلي، الروض األنف 3؛ الدر المنثور.98: 29؛ تفسير الطبري 412: 1؛ االستيعاب في حاشية اإلصابة 410: 1.106 ـ 95)( يرجع إلى: الدراز، النبأ العظيم: 4.19 ـ 12)( فصل »المعمار القرآني« في كتاب »محاولة لفهم عصري«، لمحمود مصطفى: 5.80)( السيد قطب، التصوير الفني في القرآن: 6.299 ـ 209)( الرافعي، إعجاز القرآن: 7.8، ح614: 2)( أصول الكافي 8.13، ح615: 2)( المصدر السابق 9

.191 ـ 190: 89)( بحار األنوار 10.36: 3)( ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 11.16، ح228: 12)( وسائل الشيعة 12.19، ح229: 12)( المصدر السابق 13.121)( قرب اإلسناد: 14.3، ح85: 12)( وسائل الشيعة 15.455)( الصدوق المقنع: 16.588)( المفيد، المقنعة: 17.281)( أبو الصالح الحلبي، الكافي: 18.344: 1)( المهذب 19.102: 18)( الحدائق الناضرة 20.26 من أبواب ما يكتسب به، ح99)( وسائل الشيعة، باب 21.8، ح99)( المصدر السابق، الباب 22.1، ح102)( المصدر السابق، الباب 23.9، ح99)( المصدر السابق، الباب 24.20)( المصدر السابق، ح25.24)( المصدر السابق، ح26.11)( المصدر السابق، ح27.6)( المصدر السابق، ح28.7)( المصدر السابق، ح29.16)( المصدر السابق، ح30.20)( المصدر السابق، ح31.1، ح15)( المصدر السابق، الباب 32.3، ح16)( المصدر السابق، الباب 33.6)( المصدر السابق، ح34.5)( المصدر السابق، ح35.4)( المصدر السابق، ح36.17)( المصدر السابق، ح37.4، ح15)( المصدر السابق، الباب 38.7، ح16)( المصدر السابق، الباب 39.21، ح99)( المصدر السابق، الباب 40.13)( المصدر السابق، ح41.14)( المصدر السابق، ح42 : روى البخاري ومســلم في )صــحيحيهما( عن أبي هريــرة،570:ــ 1)( قال الحاكم في المستدرك 43

ــبيهقي|عن النبي األكرم أنه قال: »ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن«؛ وفي السنن لل

(، في باب )تحسين الصوت بالقرآن والذكر(، هــذه الروايــة، نقال عن صــحيح البخــاري؛229:ــ 10)وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة: »ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن«.

.6 من أبواب ما يكتسب به، ح16)( وسائل الشيعة، الباب 44.9، الباب التاسع، ح610؛ الخصال: 36 من أبواب جهاد النفس، ح46)( وسائل الشيعة، الباب 45.3 من أبواب ما يكتسب به، ح15)( وسائل الشيعة، الباب 46.1)( المصدر السابق، ح47 )( ال تستغربن ذلك؛ فأحب الموضوعات عندي تلقى مــني التأجيــل بعــد التأجيــل؛ ألن توفيــة الكالم48

فيها يستغرق الوقت الطويــل؛ فأنــا أقصــد إلى )صــفاء الرؤيــة( حين أكتب، ومن ثم أؤثــر االنتظــار والتريث حتى يتبدى لي )مجال الحقيقة( في ما أبحث عنــه، على أن )فــترة الصــمت( تلــك تجعــل الكتاب الظاهر على إثرها ثقيال في ميزان النظــر، مســتحقا للحفــاوة من البشــر، وقبــل كــل ذلــك

وفوقه مستحقا لجزيل الثواب من الله؛ إذ قد أخلص العمل فيه.ال تستغربن ذلك؛ فالكتب والبحوث كالثمار، تحتاج لوقت كاف حتى تنضج.

)( هذا ال يعني ـ مطلقا، وبأي وجه من الوجوه ـ أن المؤلفات السابقة على بحثي ـ قديمها وحديثها49 ـ ال قيمة لها، وكيف يدعى ذلك؟! الحق أن بعضها بالنسبة لي كان أشبه بـ )كاسحات الثلــوج(، وأن بعضها اآلخر كان أشبه بـ )أسوار عكا( ـ على ما فيها جميعا من أمور آخذها عليهــا أو أختلــف معهــا فيها ـ. وكال األمرين ـ )كاسحات الثلوج( و)أسوار عكا(؛ )الفتوحات( و)السدود( ـــ مفيــد ألي بــاحث عن الحق والحقيقة، مادام متجردا في طلبهما، ومتسلحا بالمنهجيــة، ومعمال عقلــه وفكــره؛ نــاظراــ من الــتراث العلمي في مصادر األدلة نظرة اجتهادية ذاتية مستقلة، ومستفيدا ـ في ذات الوقت ـ

المتراكم في الموضوع محل البحث. )( ومن جميل أقوال اإلمام الجليل سفيان الثوري ـ في ما قرأت لـه قــديما ـــ: »إن نســبة الفائــدة50

إلى مفيدها من الصدق في العلم وشكره ، وإن السكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره«. )( فضال عن أنه ال يجوز ـ عندي ــ توثيـق راو معين لمجـرد أنـه روى عنـه أربعـة أو خمسـة ثقـات.51

ــني فمجرد الرواية عن شخص ال يعني وال يفيد ـ ال شرعا وال عقال، وإنما هي ظنون ال تسمن وال تغ من جوع ـ التوثيق، إال إذا كان الراوي ال يحدث عن أحد إال بعد التوثق منه ـ وهذا قليل في الــرواة،

ومعروف محصور من كان يقوم بذلك ـ فهذا توثيق للمروي عنه وال شك.ال ـ منا ــ تسـامحا وتنـــز ولتوثيق الرواة ـ كما هو معلوم ـ شـقان: »العدالـة« و»الضـبط«. وإن سـل بثبوت »العدالة« لراو لمجرد أن قد روى عنه عدد من الثقات ـ وإال فما هي أحــوال الــراوي: مــتى ولد؟ وفي أي بلد؟ وكيف هــو في الــدين واألمانــة والعقــل والمــروءة والتحفــظ؟ ومــتى شــرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه إن كان يحدث منه؟ ومن هم شــيوخه؟ ومــا هي أحوالهم؟ وبلدانهم؟ ووفياتهم؟ وأوقــات تحــديثهم؟ وعــاداتهم في التحــديث؟ ـــ فال يمكن بحــال أنــه ــر حديث نسلم بثبوت »الضبط« لمجرد السبب الســابق؛ إذ ال يثبت »الضــبط« للــراوي حــتى يختب فيثبت حفظه )ما هي مرويات الناس ـ وخاصة الثقات ـ عن شيوخه؟ ومــا هي مروياتــه هــو عنهم؟ ثم تعرض مروياته على مروياتهم؟ وهل يتوافق ما يرويه مع قواعد الدين وأصوله ومقرراته؟ وهـل هــو متيقــظ فطن ال يســتخفه بــادر ظن حــتى يســتوفي النظــر والتثبت؟ أم يقبــل التلقين؟ أم هــو مخلط؟ أم قد اختلط؟ إلى غير ذلك مما يطــول شــرحه(. قــارن مــع مقدمــة تحقيــق العالمــة عبــدــد األول، ــرازي، المجل ــاتم ال ــديل«، البن أبي ح ــاب »الجــرح والتع ــاني لكت ــرحمن المعلمي اليم ال

صفحات ب، ج.)( رواه أحمد وابن ماجة. وهو حديث صحيح.52 . وال تعترضــن علي بضــعف ســنده؛ فإنمــا يهمنــا معنــاه490:ــ 1)( أخرجه الحاكم في المســتدرك 53

ومغزاه. وإن رمت صحة السند فإليك هذا: يقول ـ بحق ـ اإلمام ابن مهــدي : »ال ينبغي للرجــل أن يشغل نفسه بكتابة أحاديث الضعاف، فإن أقل مــا فيــه أن يفوتــه بقــدر مــا يكتب من حــديث أهــل

141:ــ 3الضعف أن يفوته من حديث الثقات«. أخرجه يعقــوب بن ســفيان في المعرفــة والتــاريخ بسند صحيح. قلت: إذا كان هذا في مجرد كتابتها وروايتها فكيف بالتقوية بها، بل االحتجاج! ويقــول ـ بحق أيضا ـ اإلمام يحيى بن سعيد القطان: »ال تنظروا إلى الحــديث، ولكن انظــروا إلى اإلســناد،

(. 188: 9فإن صح اإلسناد، وإال فال تغتروا بالحديث إذا لم يصح اإلسناد« )سير أعالم النبالء

.134)( أخرجه الخطيب البغدادي في الكفاية: 54.74 ـ 72: 2)( ابن رجب الحنبلي، شرح علل الترمذي 55ــة المقعــد )أو المــريض(56 ــد؛ إذ هي كمعاون ــق الضــعيف بمثلــه ال تجــدي وال تفي ــة الطري )( إن تقوي

للمريض! وما يستفاد من رواية الضعفاء إال ما فيه إضعاف للناس! ومــا يســتفاد من روايــة الهلكى إال ما فيه هالك للناس! وإنما يوثق في رواية الضعيف إذا جاءت روايته على وفــاق روايــة الثقــات، أما إذا جاءت على وفاق من هو مثله أو أضعف فال عبرة بها، وال التفــات إليهــا؛ ألن هــذا يــدل على

نكارتها؛ لتفرد الضعفاء بها عن المحدث الثقة دون أصحابه الثقات.ــ في الهــامش األول وسيأتي زيادة تفصيل خطير في ذلك األمر ـ تحت عنوان : فائدة استطرادية ـ

مي الغناء والموسيقى من السنة النبوية المشرفة. الوارد عند ذكر »الدليل األول« لمحرــرق ولنا في هذا الموضوع بحث ال يزال في طور اإلعداد بعنوان : »هل يصح تقوية الحديث بتعدد الط

الضعيفة؟«.)( مستفاد من أستاذنا الجديع.57ــريم ـ58 )( تأمل هذا في مسألتنا )الغناء والموسيقى(؛ فليس فيها حديث واحد صحيح واضح في التح

مع عموم البلوى بها في الجاهلية واإلسالم ـ، بل فيها ما يؤيد اإلباحة من أحاديث صــحيحة محكمــةواضحة الداللة.

لقد كان الغناء والموسيقى أمرا شائعا لدى العرب والعجم، قبل اإلســالم وبعــده، وللنــاس بــه ولــع وتعلق، وله سوق رائجة، وإن كان للدين موقف في منعه فال بد أن يكون واضحا وحاسما، تقوم به

الحجة وينقطع العذر. وهذا لم يوجد، بل وجد عكسه ـ كما سيأتي تفصيال إن شاء الله ـ.مين بقاعــدة سـد الـذرائع59 )( سيأتي لموضوع ســد الذريعــة مزيــد بيــان في ثامنــا: اسـتدالل المحــر

ومناقشتهم.)( مستفاد من أستاذنا الجديع، بتصرف بسيط. 60.189ـ 188: 3)( انظر: العالمة عبد الحليم أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة 61.689: 2؛ المعجم الوسيط 139: 15)( الخطابي، غريب الحديث؛ لسان العرب 62.927: 2)( المعجم الوسيط 63.158: 21؛ الذهبي، سير أعالم النبالء 198ـ 197: 6؛ تاج العروس 620: 2)( المعجم الوسيط 64 ؛ د.260ـ، 251ـ: 2؛ إحياء علوم الدين 108ـ: 6؛ تاج العروس 141ـ: 3)( انظر: القاموس المحيط 65

253؛ اإلدفوي، اإلمتــاع بأحكــام الســماع: ورقــة 124سالم علي الثقفي، أحكام الغناء والمعازف: )462من المخطوطة، وهي في المكتبة األزهرية: أدب ) ( أباظة. وقد استفدنا هذا النقــل7058(ـ،

من مخطوطة اإلدفوي من كتاب د. سالم الثقفي أيضا. وسائر )آالت الغناء( التي لم تكن معروفة على عهد النبوة يصح ـ بــل يجب؛ لـدخولها في المــدلول اللغوي للكلمة ـ إطالق لفظ )المعازف( عليها؛ كما يصح ـ بل يجب؛ لذات السبب السابق ـــ إطالق

لفظ )الخمر( على سائر )المسكرات( التي حدثت بعد عصر النبوة. )( وأقول ـ مع رشيد رضا، بتصرف ـ: لو جاء في الكتــاب أو صــحيح الســنة نص صــريح في تحــريم66

المعازف لكان أول ما يتبادر إلى فهم الصحابة منه تحريم ما كان ذائعا في عصرهم ـ وعصر النبوة ـ منه كالدف، ثم يلحق به غير الذائع وغير المعروف عندهم بعموم اللفظ )إذا كان الوضــع اللغــوي يساعد على ذلك( أو بطريق النظر والقياس )إذا اتحدت العلــة(. وكــل ذلــك لم يحــدث، بــل حــدث

عكسه ـ كما سيأتي تفصيل جميع ذلك في البحث الذي بين يديك ـ.)( إحياء علوم الدين، ألبي حامد الغزالي.67)( محمود شلتوت الفتاوى، ناقال العبارة عن شيخ األزهر السابق حسن العطار.68 )( حتى أن تاريخنا اإلسالمي قد شهد ـ منذ العباسيين ـ أوقافا للموسيقى التي تعزف للمرضى في69

البيمارستانات )أي المستشفيات بالتعبير القديم(.)( للتفصيل انظر: 70

م، كتــاب الهالل الطــبي، دار2001، ديســمبر 120ـ 107ـ د. عز الــدين الدنشــاري، عالج بال دواء: الهالل ـ القاهرة.

؛ حيث بين فيه تأثير الموسيقى الكالسيكيةThe Mozart effectتأثير موتزارت ،Don Campbellـ دون كامبل بوجه عام، وموسيقى موتزارت بوجه خاص، كمــا اســتعرض فيــه الكثــير من البحــوث والدراســات

العلمية التي أجريت حول التأثير الطبي للموسيقى في الواليات المتحدة األمريكية. Clinical Medicine، P. 406، 6th edition، 2005، Oxford Pressـ

www.musictherapy.orgـ

ـ يحيى رضا جاد، الفوائد الطبية للموسيقى، مقال ما يزال مخطوطــا لم ينشــر بعــد، مصــادره هيالمذكورة آنفا.

والحظ أن كل كالمنا الوارد في المتن ـ عدا الفقرة األخيرة ـ منصب على بيان أثر الموسيقى على اإلنسان الصحيح السليم، مما يؤكد على أن حب الموسيقى أمــر فطــري قــد جبلنــا عليـه، وإال لمــا

تجاوب جسم اإلنسان السليم معها، فتأمل. وهذا بخالف الموسيقى المثيرة المهيجة، بمــا تسـتثيره في سـامعيها من حركــات بهلوانيــة جنونيــة رعناء، كالموسيقى التي نراهــا اآلن مقترنــة باألغــاني الغربيــة المعاصــرة، كموســيقى )الديســكو(، وموسيقى فرق )الهيبز( الغربية، وأمثالها من الموسيقى المثــيرة المهيجــة الــتي تحــول مســتمعيها إلى قطيع هائج من القرود يقفز يمينا وشـماال، مـع خالعـة ومجــون ورعونــة وخفـة تخــرج عن حـد

االعتدال، وتهبط بالكهول إلى التصابي، وبالعقالء إلى مرتبة المجانين!!ــليمة فمثل هذه الموسيقى ال شك في أنها مذمومة ومستقبحة في العقول، والفطرة البشرية الســاع والنفــوس المجبولــة على تمج سماع هذه الموسيقى وتنفر منها؛ لشذوذها وعدم مالءمتها للطب الميل إلى سماع األلحان الجميلـة واســتعذاب األنغــام الراقيــة الـتي تســمو باإلنســان وبأحاسيســه

ووجدانه ومشاعره، ال التي تهبط به إلى مرتبة المجانين والقرود وذوات األربع. والنفس السوية ال تستلذها، والعقول ال تستطيبها، والفطر ال تستحسنها، واألسماع ال تشتهيها. وما كان كــذلك فهــو ليس من )الطيبــات(، بــل من )الخبــائث(. وهي ليســت مندرجــة ـــ بأيــة حــال من األحوال ـ تحت مفهوم )الصوت الحسن(، الذي أضـفت الشـريعة اإلسـالمية عليـه ثنــاء حسـنا كمــا

سنوضح بعد قليل؛ لعدم مالءمتها للطبع اإلنساني. إضافة إلى ثبوت ضرر هذه الموسيقى الصاخبة على اإلنسان، أقصــد الضــرر المــادي الطــبي؛ لمــا تسببه من زيادة في ضربات قلب الجنين )إن استمعت لها األم الحامــل(، واضــطراب في وظــائف أعضائه. كما تساعد على حدوث تشوهات لألجنة. كما تزيــد ـــ في اإلنســان العــادي الطــبيعي غــير المريض ـ معدالت التنفس، وضربات القلب، وضغط الدم، وتثير األعصاب، وتزيــد تــوتر العضــالت، كما تزيد من إفراز الجسم لألدرينالين والكورتــيزون، ممــا يســاعد على حــدوث تصــلب الشــرايين، وارتفاع مستوى الكوليســتيرول، والســكر، وضــغط الــدم، وإضــعاف جهــاز المناعــة، باإلضــافة إلى

مساهمتها في إحداث قرحة االثنا عشر، وحرقان المعدة، وعسر الهضم، والصداع، والدوخة. كل تلك األضرار تثبت ـ بما يمحو كل شك أو ارتياب ـ أن تلك الموسيقى الصاخبة المهيجة المثيرة

مناقضة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وإال لما كان منها ضرر!فهل يبقى بعد هذا البيان قول؟!

ــة أنغــام. ما أعذب موسيقانا الشرقية العربية األصيلة: صفاء، وجاذبية سمعية، وجمــال إيقــاع، ورقــه تســكن إنها شجن عذب، يجد له اإلنسان أثرا طيبا في نفسه، به يهدأ، وبه يرتاح، وبه ينشــط، وب

جوارحه، فتراه منشرح الصدر، منبسط األسارير.شتان ما بين الحالين والنوعين!!

والخالصة أن كل صوت منكر حسا ـ أو شرعا ـ ليس بطيب يستلذ. )( أصل فكرة هذه الفقرة مستفاد ـ بتصرف؛ تنقيحا للعبارة وتحريرا لها وزيادة عليها وحذفا منها ـ71

من فتوى شلتوت المتعلقة بالغناء والموسيقى، ومجموع فتاوى ابن تيميــة، وكتــاب القرضــاوي فيالغناء والموسيقى.

(، والزيادة له. وصححه األلباني.189(؛ والترمذي )499)( أخرجه أبو داود )72(؛ وصححه األلباني.633)( أخرجه النسائي )73)( أي ألن الكالم الحسن يزداد حسنا وزينة بالصوت الحسن.74

(؛ والـدارمي؛ والحــاكم، والزيـادة لهمــا؛1342(؛ وابن ماجــة )1015)( أخرجــه أحمــد؛ والنســائي )75(.771وصححه األلباني في لصحيحة )

)( أخرجه البخاري.76)( متفق عليه.77(؛ وصححه األلباني. وهو كما قال.1338)( أخرجه ابن ماجة )78)( متفق عليه.79(.1341)( أخرجه مسلم؛ وابن ماجة )80 121)( أخرجه أبو عبيد القاسم بن سالم في فضـائل القـرآن؛ والبخــاري في خلـق أفعـال العبــاد: 81

(. كالهما بسند صحيح.290رقم ) )( أصل فكرة السطور التسعة السابقة مستفاد ـ بتصرف؛ تنقيحــا وتحريــرا وإضــافة وحــذفا ـــ من82

إحياء أبي حامد الغزالي، ومقدمة ابن خلدون، وفتوى شلتوت المتعلقة بالغناء والموسيقى، وكتابيسالم علي الثقفي والقرضاوي في الغناء والموسيقى.

)( أصل فكرة هذه الفقرة مستفاد ـ بتصرف؛ تنقيحا وتحريرا وإضافة وحذفا ـ من إحياء أبي حامــد83الغزالي، وكتب عمارة والقرضاوي في الغناء والموسيقى، حيث تابعاه فيها.

84 )( وبناء على ذلك فمن ذا الذي يحرم الغناء الطيب بكلمات رصينة وبليغــة وصــوت عــذب؛ ترويحــاعن النفوس وجالء للهموم؟!

)( سيأتيك قريبا تخريج هذا الحديث الصحيح.85 )( ولذلك قال ابن عباس في معنى سامدون: »هو الغناء؛ كــانوا إذا ســمعوا القــرآن تغنــوا ولعبــوا.86

؛255:ــ 2وهي بلغة أهل اليمن؛ يقول اليماني إذا تغنى: أسمد«. أخرجه عبد الــرزاق في تفســيره ، بإسنادين: أحدهما صحيح؛ واآلخر حسن.82: 27والطبري في تفسيره

)( فإنما كان لضحكهم وغنائهم )قصد جنائي(، بالتعبير القانوني المعاصر!!87 ، تصـحيح: محمـد حسـن البكــائي، قم،613)( الخليـل بن أحمـد الفراهيـدي، تـرتيب كتـاب العين: 88

هـ: الغناء ممدود في الصوت؛ أحمد بن فــارس،1414مؤسسة انتشارات إسالمي، الطبعة األولى، هـ؛ الفيومي، المصـباح1404، قم، انتشارات دفتر تبليغات إسالمي، 356:ـ 4معجم مقاييس اللغة

، بيروت، المكتبة العلمية. 455 ـ 454المنير: ، نقال عن الشافعي.391: 3؛ النهاية 291: 1)( كتاب المكاسب 89 ، بــيروت، دار561 بــيروت، دار الجميــل؛ المنجــد: 374:ــ 4)( الفيروزآبــادي، القــاموس المحيــط 90

.21المشرق، الطبعة إسالمي، الطبعــةفرهنگ، طهران، مكتب نشر 665)( الدكتور إبراهيم أنس و...، المعجم الوسيط: 91

.1372الرابعة، ، طهران، كتابفروشي إسالم.1136: 3 جامع نوين گ بزرفرهنگ)( أحمد السياح، 92هـ.1405، قم، مكتبة آية الله المرعشي، 340: 2)( مهدي النراقي، مستند الشيعة 93 :39؛ مجلة »آيينه پــژوهش«، العــدد 202:ــ 1)( روح الله الموسوي الخميني، المكاسب المحرمة 94

29. ( قــد نســب تعريــف الغنــاء إلى ابن50:ــ 4)( رغم أن المتتبع الكبير العاملي في )مفتــاح الكرامــة 95

إدريس لكن شــيئا من التأمــل في كالم ابن إدريس يكشــف أن الرجــل لم يكن في صــدد تعريــف، قم، مؤسسة انتشارات إسالمي(.215: 2الغناء )انظر: محمد بن إدريس الحلي، السرائر

، تحقيــق: الســيد صــادق الشــيرازي، قم،913:ــ 4)( جعفــر بن الحســن الحلي، شــرائع اإلســالم 96م.1973، 3انتشارات دار الهدي، ط

)( المصدر نفسه.97هـ .1411، 1، قم، انتشارات إسالمي، ط236: 12)( أحمد األردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 98، مشهد، مؤسسة آل البيت. 209)( تحرير األحكام: 99

هـ.1414، 1، قم، مؤسسه انتشارات إسالمي، ط126: 2)( محمد بن مكي العاملي، الدروس 100هـ.1408، 1، قم، مؤسسة آل البيت، ط23: 4)( علي الكركي، جامع المقاصد 101؛ و...291: 1؛ األنصاري، كتاب المكاسب 50: 4)( مفتاح الكرامة 102

.334: 12، 61: 8)( مجمع الفائدة 103.237: 12)( المصدر السابق 104.236: 12)( المصدر السابق 105.57: 8)( المصدر السابق 106.59 ـ 57: 8)( المصدر السابق 107.59: 8)( المصدر السابق 108.51: 8)( المصدر السابق 109، قم، دار الهادي.323: 2)( الشهيد الثاني، مسالك األفهام في شرح شرائع اإلسالم 110.46: 22)( جواهر الكالم 111.101: 18)( الحدائق الناضرة 112.256)( كتاب المناهل: 113.11: 2)( التنقيح الرائع 114.50: 4)( مفتاح الكرامة 115.303 ـ 302)( الخميني، المكاسب المحرمة: 116.57: 8)( مجمع الفائدة 117)( المصدر نفسه.118.336: 12)( المصدر السابق 119.57: 8)( المصدر السابق 120ــكاالت121 )( محمد بن الحسن بن المطهر الحلي، القواعد )طبعت ضمن توضيح الفوائد في شرح إش

. وســكوت فخــر المحققين1369،ــ 1، قم، مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان، ط424:ــ 4القواعد( عالمة على قبوله بهذا التعريف.

.59: 8)( مجمع الفائدة 122 )فقــه الرضــا(، علي أصـغر مرواريــد، بــيروت، مؤسســة فقــه3:ــ 13)( سلســلة الينــابيع الفقهيــة 123

.1410، 1الشيعة، الدار اإلسالمية، ط )المقنع(.15: 23)( المصدر السابق 124.11)( المصدر السابق: 125 )الهداية بالخير(.17)( المصدر السابق: 126 )المقنعة(.21)( المصدر السابق: 127 )النهاية(.75)( المصدر السابق: 128)( المصدر السابق )جواهر الفقه(.129 )إصباح الشيعة(.257)( المصدر السابق: 130 )فقه القرآن(. لقد نقل صحيحة أبي بصير بسندها، ولم يوجد أي تفــاوت181)( المصدر السابق: 131

بينها وبين فتاوى العلماء الذين ذكرت أسماؤهم في الموضوع. )النهاية(.75 )جواهر الفقه(؛ 132)( كمثال: المصدر السابق: 132 )المقنعة(.21)( كمثال: المصدر السابق 133ــي، الخالف 134 ــ 2)( الطوس ــألة 626: ــهادات، المس ــان، ط55 ـ 54، الش ــة تاب ــران، مطبع ،2، طه

هـ .1382 )الكافي(.59: 25)( سلسلة الينابيع الفقهية 135)( المصدر السابق: غنية النـزوع.136ــ 2)( محمد بن إدريس الحلي، السرائر 137 :12، الســرائر 1، قم، مؤسسة النشر اإلسالمي، ط215:

275..913)( شرائع اإلسالم: 138.334: 12)( مجمع الفائدة 139.335: 12)( المصدر السابق 140. وقد كتب يقول: »وتدل عليه أخبار كثيرة«.334: 12)( المصدر السابق 141

.9 من أبواب ما يكتسب به، ح99، الباب 227: 12)( الوسائل 142.10)( المصدر السابق، ح143.5 من أبواب ما يكتسب به، ح16)( المصدر السابق، الباب 144.7، ح15)( المصدر السابق، باب 145.40)( المصدر السابق، ح146.5 و3، ح99، الباب 226)( المصدر السابق: 147.5)( المصدر السابق: ح148.3 من أبواب ما يكتسب به، ح15)( المصدر السابق، الباب 149.626: 2)( الخالف 150)( قد أشرنا إلى بعض المصادر فيرجى الرجوع إليها.151.63 ـ 61: 8)( مجمع الفائدة 152.338: 12)( المصدر السابق 153 ( في أول الكالم بعنــوان )مؤيــد(، وأمــا في النتيجــة61:ــ 12)( جاء هذا الدليل في كتاب التجارة )154

دا ) (.338: 12فقد عدة دليال مستقال وتاما، وفي باب الشهادات كذلك اعتبره دليال، وليس مؤي. ولعل الوجه أنه موجب للبكاء الذي هو عبادة.338: 12)( المصدر السابق 155.61: 8)( المصدر السابق 156.63: 8)( المصدر السابق 157.336: 12)( المصدر السابق 158.63: 8)( المصدر السابق 159.338: 12)( المصدر السابق 160.337: 12، 60 ـ 59: 8)( المصدر السابق 161.228 ـ 225: 12 ؛ وسائل الشيعة 206: 2)( دعائم اإلسالم 162.85: 12؛ وسائل الشيعة 121)( الحميري، قرب اإلسناد :163، الطبعة القديمة.36)( األنصاري، المكاسب: 164.85: 12)( وسائل الشيعة 165ــبر من اآلالت166 ــا اعت ــ إال م ــة ـ ــة والحلي )( نظــرا إلى اشــتراك آالت الموســيقى في الحكم بالحرم

مة ـ فإن هذه اآلالت ال يمكن القول فيها: إنها لهوية، وبالتــالي يصــبح حكمهــا حرامــا. فــآالت المحر الموسيقى تشبه الشفرة ذات الحدين، حكمهــا متوقف على طريقــة اســتعمالها، والمواضــيع الــتي تستعمل فيها، فكما أنه يمكن استعمالها في المصــلحة والخــير كــذلك يمكن اســتعمالها في الشــر

رغبــة العــازف عليهــااألولى:والمضرة. وحتى تكون في حكم اللهو يتطلب األمر وجود مسألتين: طريقة وأسلوب العزف عليها.والثانية:أو المغني على إيقاعها؛

.225 ـ 85: 12)( وسائل الشيعة 167.208: 2؛ دعائم اإلسالم 85: 12؛ وسائل الشيعة 246: 79)( بحار األنوار 168 )مبحث الغنــاء(، تحقيــق وتلخيص: إبــراهيم زيــدان،237)( الراغب األصفهاني، محاضرات األدباء: 169

هـ.1406، دار الجيل، بيروت، 2ط.98)( عباس الغراوي، ملحق كتاب الموسيقى العراقية )ابن خرداد، كتاب اللهو والمالهي(: 170م.1962 ؛ زكريا يوسف، موسيقى الكندي، بغداد، 376)( القفطي، تاريخ الحكماء: 171.246: 79؛ بحار األنوار 225: 12)( وسائل الشيعة 172.237)( محاضرات األدباء: 173.237)( محاضرات األدباء: 174ون في فن الموسـيقى، واألعـرف بهــا، أن هــذه الموسـيقى عامـل قـوي في175 )( وقـد بين المختصـ

االنحراف واإلقبال على تعاطي المخدرات والممنوعات. )( فالشاب التي شعر بالحزن تثيره األلحــان المحزنــة، وليس المفرحــة. ويالحــظ على الــدراويش176

والصوفية أنهم ال يجيزون ألي كان أن يستمع إلى ألحانهم وموسيقاهم الصوفية. والبد من اإلشارةــة )نفســية، فطريــة، وراثيــة، تربويــة...(، وأخــرى ر بعوامــل داخلي بشكل عام إلى أن كل فــرد يتــأث

خارجية )المحيط، الثقافة، التقاليد والعادات، القوميات...(، ويتجاوب مع الغناء والموسيقى بشــكل پيرامون حقيقت موسيقی غنائي(.گفتارمختلف )انظر: كتاب هشت

.2449: 6 )مادة الغناء(؛ الجوهري، صحاح اللغة 445)( الفيومي، المصباح المنير: 177.391: 3)( ابن األثير الجزري، نهاية اللغة 178 )( عرف الشهيد الثاني الغناء في كتابه )شرح اللمعة( بقوله: »الغناء مــد الصــوت المشــتمل على179

(.212: 3الترجيع المطرب، أو ما يسمى في العرف غناء، وإن لم يطرب« )شرح اللمعة والبحث في مكانة العرف من التشريع يحتاج إلى مقال خاص، لكن في عجالة نستطيع القــول: إن

،33العرف والعادة تكون تابعة لعناصر ثالثة: المحيــط، القوميــة والتقاليــد )كيهــان أنديشــه، العــدد مقالة للشيخ جناتي، تحت عنوان: مکانة تشريعات السلف والعرف في مصادر االجتهاد(.

ــه في فقــه اإلماميــة ويعرف العرف في ثقافة الغرب بأنه أحد العناوين المعتمدة في القــانون، لكن حين يكون مراد المتكلم مبهما، وألجل كشف مصــداق الحكم الشــرعي، يلجــأ إلى العــرف. فعــدم تشخيص موضوع الغناء شكل مشكلة للعرف، وإذا كان العرف ميزانــا في معرفــة موضــوع الغنــاءــه، وإذا كــان بع في هذا التشخيص؟ وما دام لكل علم علماؤه، وعرفه الخاص ب فما هو المعيار المت العرف هو المالك في تشخيص الموضوع والمصداق، فأي عــرف يكــون مقصــودا عنــدنا لتشــخيصعة، أو عرف اللغويين...؟ وما هي موضوع ومصداق الغناء؟ هل هو عرف الفقهاء، أو عرف المتشر األرضية المعتمدة في هذا العرف في المقام األول؟ هــذا باإلضــافة إلى أن آحــاد النــاس يتفــاوتون

رهم باأللحان واإليقاعات الموسيقية، تبعا الختالف شروطهم. في تأث )( وممــا ســبق من المطــالب تــبين أن األلحــان تختلــف بــاختالف مجالســها، وعــرض اللحن رهين180

بالمراد به، كما أن اللحن واإليقاع اللهوي رهين بالقالب والشـكل الخـاص بــه، باإلضـافة إلى رغبــة المغني أو القارئ، والطريقة التي يتبعهــا في التغني، من غــير إغفــال أن يكــون للمســتمع دور في تحديد هذا النوع من اللحن والغناء، باعتباره العنصر المنفعل. وفي مقابل هذه البيانات ال نجــد من يقول بأن اللحن والموسيقى الملكوتية المعجزة للقرآن تتناسب ومجالس اللهو والرقص، اللهم إال

إذا أريد بذلك االستهتار والسخرية، وهو سلوك غالبا ما يصدر عن الجاهل أو المجنون. )( يقول علماء أصول الفقه: إذا شــك في موضــوع ومصــداق الحكم، هــل هــو الحرمــة أو الحليــة؟181

بع في الشبهات المفهومية. ففي هذه الحال يجري أصال الحلية والبراءة. وهو نفس األسلوب المت )( إن تحريم الفونوغراف في زمن العالمة الشعراني كان للسبب الــذي ذكــره، وليس ألن الجهــاز182

نفسه هو علة الحرمة. وأصوال كل ما يكون وسيلة أو مقدمة ومقارنا ألمــر حــرام يكـون هـو اآلخــر حراما؛ انطالقا من قاعدة: مقدمة الحرام حرام، ومقدمة الواجب واجبة. والفونوغراف شأنه شـأن كل أجهزة وأنظمة الصوت والصورة، له منــافع ومضــار، تكونــان عــامال في إجــراء حكم الحليــة أو الحرمة. وقد أتى تحريمها لغلبة صدور الحرام منها آنذاك، أما اليوم فالوضع مختلف. وفي المقابل هناك العديد من الفقهاء لم يروا األصل في الجهاز الحرمة، ونذكر منهم: اآلخوند الخراساني، المال قربان علي الزنجاني، الذي يعتبر من زعماء وقادة النهضــة، فبعــد أن جــاؤوه بجهــاز الفونــوغراف،ــات من الشــعر، ومقطــع من ــدين شــاه، والى أبي ــه إلى مقطــع من خطــاب مظفر ال واســتمع فيفا، فال مانع من االستماع إليه«. وما موسيقى الناي، قال: »ما دام هذا الصندوق جمادا، وليس مكلــوغراف. )للمطالعــة إن أذيعت هذه الفتوى المزلزلة حتى أصدر علماء النجف فتواهم بحرمة الفون الرجوع إلى: أبـو الفضـل الشـكوري وإرشـاد الزنجـاني، كتــاب الخــط الثـالث في ثـورة الدسـتور،

1371.).35: 3)( الفيض الكاشاني، الوافي 183)( طرح الشيخ األعظم األنصاري صورتين لتحقق اللهو:184

ـ أن يكون القارئ )المغني، المداح...( قد قصد اللهو بقراءته، وإن لم يبلغ ذلــك؛ لعــدم قدرتــه أو1لعلة أخرى.

ـ أن يكون القارئ لم يقصد أو لم تكن له نية اللهو، لكن المستمع كانت نيته من االستماع اللهو.2وفي المورد األول قراءة القارئ حرام، لكن في الثاني الحرمة هي للمستمع.

)( مصعب كان يتغنى بالقرآن، لدرجة أبهرت العديــد من أهــالي المدينــة. وكــان هــذا دافعــا إلعالن185إسالمهم.

،244)( رسائل إخـوان الصـفا، رســالة الموسـيقى؛ ابن أبي جمهـور األحســائي، مســلك األفهــام: 186.508؛ نايب الصدر، بستان السياحة: 1329الطبعة الحجرية،

م.1965)( انظر: عبد الرحمن البدوي، ابن العربي: حياته ومذهبه، مصر، 187)( انظر: ابن العربي: حياته ومذهبه.188م.1913، مصر، 357: 1)( الشاطبي، االعتصام 189.60: 28)( انظر: محمد هادي معرفة، دور اللحن في تالوة القرآن، مجلة كيهان أنديشه، العدد 190. 128: 79؛ المجلسي، بحار األنوار 85: 12)( الحر العاملي، وسائل الشيعة 191.578: 2؛ الترمذي، المنهيات 33: 3)( الفيض الكاشاني، الوافي 192.85: 12)( وسائل الشيعة 193.159)( الحميري، قرب اإلسناد: 194 )( هجويري، كشف المحجوب؛ الســهروردي، عــوارف المعــارف؛ ابن العــربي، الفتوحــات المكيــة؛195

رسالة القشيري؛ وكتب أخرى في مبحث السماع..129)( طه عبد الباقي وسرور النعيم، محيي الدين ابن العربي: 196، طبعة بوالق.456، الباب 87: 4)( الفتوحات المكية 197، الطبعة األدبية.77)( شمس المغرب، كليات المغربي: 198.456، الباب 87)( الفتوحات المكية: 199.69)( فضل اإلدريسي، فصوص الحكم )شرح القيصري(: 200.50، باب 272: 1)( الفتوحات المكية 201.459: 2)( المصدر السابق 202.183، الباب 368: 2)( المصدر السابق 203.33، الباب 211: 1)( المصدر السابق 204.271 ـ 269: 4؛ حضرة الجمال 541)( المصدر السابق، الباب 205هـ.1367، باب ترجمة السبب، طبعة حيدر أباد كن، 40)( ابن العربي، كتاب التراجم: 206.236، الباب 707: 2)( الفتوحات المكية 207)( المصدر نفسه.208)( رسائل ابن العربي، رسالة ال يعول عليه، دار إحياء التراث العربي، بيروت.209.235، الباب 705)( الفتوحات المكية: 210)( المصدر نفسه.211.237، الباب 709 ـ 708)( المصدر السابق: 212.1361، تصحيح: بديع الزمان فروزانفر، انتشارات علمي فرهنكي، 600)( رسالة القشيري: 213.1336، أوفست طهران، 510)( المصدر نفسه؛ هجويري، كشف المحجوب: 214)( كشف المحجوب، باب السماع.215.1331، طبعة ليدن، 233 ـ 227)( ابن العربي، التدبيرات اإللهية: 216.227 ـ 225)( ابن العربي، التجليات اإللهية: 217.183)( الفتوحات المكية، الباب 218.297: 4)( المصدر نفسه؛ حضرة السمع 219.1328، المطبعة العلمية، مصر، 163)( ابن العربي، تهذيب األخالق: 220.541، الباب 271 ـ 269: 4)( الفتوحات المكية 221 )بتلخيص(، مؤسســة25 ـ 5)( محيي الدين ابن العربي، رسالة روح القدس في محاسبة النفس: 222

هـ.1384القلم للطباعة والنشر، دمشق، ، باب استحباب التجمل،5: 5؛ وسائل الشيعة 1، باب التجمل وإظهار النعمة، ح438: 6)( الكافي 223

.2ح.70)( تعليم وتربيت در إسالم )التربية والتعليم في اإلسالم(: 224.80)( فطرت )الفطرة(: 225(، فصل الغناء والموسيقى.1 )التراث الفقهي 1)( لمزيد من االطالع انظر: كتاب ميراث فقهي 226 ؛ وسائل الشــيعة11، ح616، و4، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، ح615:ــ 2)( انظر: الكافي 227

.6، 5، 4، 3، 2، باب تحريم الغناء في القرآن واستحباب تحسين الصوت به، ح211: 6 ؛ أبو الفرج اإلصفهاني،188ـ: 10؛ ابن األثير، البداية والنهاية 361ـ: 3)( المسعودي، مروج الذهب 228

.148، 115، 113، 49: 5، 280: 4، 50: 3األغاني

^)( ومن ذلك: التواشيح، واالبتهــاالت، والمــدائح النبويــة، واألشــعار الدينيــة في مــدح المعصــومين229 وسائر المعصومين.×وذكر مناقبهم، وكذلك المراثي ومراسم التعزية لسيد الشهداء

)( عنوان المقال في اللغة الفارسية: موسيقى وموسيقى شناسان إيران.230، فصل الغناء والموسيقى.50(: 1 )التراث الفقهي 1)( ميراث فقهي 231.31)( جستارى درباره موسيقى ومعيارهاي آن در إسالم، مجلة هنرهاي زيبا، العدد 232 )( انظر مثال: كتاب المقنع للشيخ الصدوق، والنهاية والخالف للشــيخ الطوســي، والمقنعــة للشــيخ233

المفيد، والغنية البن زهرة، والسرائر البن إدريس، وشرائع اإلسالم للمحقق الحلي. )( من باب المثال: ألف الشيخ الحر العاملي رســالة بعنــوان )رســالة في الغنــاء(، والســيد محمــد234

ــاء(، والمــيرزا القمي رســالة بعنــوان هادي ابن السيد محمد الميرلوحي رسالة بعنوان )إعالم األحب )رسالة في تحقيق الغناء موضوعا وحكما(، والســيد مهــدي الموســوي النجفي الكشــميري رســالة بعنوان )رسالة مسألة الغنــاء(، والشــريف الكاشــاني رســالة بعنــوان )ذريعــة االســتغناء(، والشــيخــاء في تحقيــق معــنى الغنــاء(، في هــذا محمد رضا النجفي اإلصفهاني رسالة بعنوان )الروضــة الغن الموضوع. ومن الجدير بالذكر أن جميع هذه الرسائل وغيرها قد تم جمعها وطبعها ضمن موسوعة

في&من أربعة مجلدات تحت عنوان )التراث الفقهي: الغناء والموسيقى(. وقد عمد السيد اإلمام & إلى ذكر خالصة لرسالة الشيخ محمد رضا النجفي اإلصفهاني302ـ: 1كتاب المكاسب المحرمة

التي تحمل عنوان )الروضة الغناء في تحقيق معنى الغناء(، وقد وصفها بأنهــا )رســالة لطيفــة(، ثم علق على ما نقله منهــا قــائال: »وإن مــا نقلنــاه بتفصــيل، أداء لبعض حقوقــه، أحســن مــا قيــل في

الباب، وأقرب بإصابة الواقع، وإن كان في بعض ما أفاده مجال للمناقشة«..321: 1)( مجمع البحرين 235، مادة )غني(.450: 4)( العين 236، مادة )غنن(.455: 2)( المصباح المنير 237، مادة )غني(. 1187؛ القاموس المحيط: 372: 10)( تاج العروس 238، مادة )غني(. 1779: 2)( الصحاح 239، مادة )غني(. 175: 7)( تهذيب اللغة 240، مادة )غنا(.391: 3)( النهاية 241، مادة )غني(. 398: 4)( معجم مقاييس اللغة 242، مادة )غنن(.890: 2)( أقرب الموارد 243، مادة )غنا(.135: 10)( لسان العرب 244، مادة )طرب(.184: 1)( الصحاح 245)( المصدر نفسه.246، مادة )رجع(.944: 2)( الصحاح 247 ، فصل40(ـ: 1 )التراث الفقهي 1)( رسالة في تحريم الغناء، مطبوعة ضمن كتاب: ميراث فقهي 248

الغناء والموسيقى..157: 2)( إرشاد األذهان 249.209: 2)( تحرير األحكام الشرعية 250.223: 4)( قواعد األحكام 251.11: 2)( التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 252.210: 3)( الروضة البهية 253.109: 4)( غاية المرام 254.116: 4)( شرائع اإلسالم 255.23: 4)( جامع المقاصد 256.155: 8)( رياض المسائل 257.101: 18)( الحدائق الناضرة 258.46: 22)( جواهر الكالم 259.497: 1)( تحرير الوسيلة 260

.305: 1)( المكاسب المحرمة 261.306: 1)( المصدر السابق 262 . قال الشيخ الصانعي: رغم أننا لم نفهم المعنى من العبــارة الفارســية311:ــ 1)( مصباح الفقاهة 263

ـة دها في أي من المعـاجم اللغوي التي ختم بها السيد الخوئي كالمه بشكل واضح، ولم نجــد مـا يؤكالفارسية وأمثالها، فإننا نذكرها رعاية لألمانة فقط.

.124: 14)( مستند الشيعة 264.428: 1)( كفاية األحكام 265.169: 12)( مفتاح الكرامة 266.128: 1)( كفاية األصول 267.44: 22)( جواهر الكالم 268.44: 22)( جواهر الكالم 269، باب تحريم اللعب...، ح318: 17؛ وسائل الشيعة 2، باب الزور والشطرنج، ح435: 6)( الكافي 270

1..9، باب تحريم الغناء...، ح305: 17؛ وسائل الشيعة 1، باب الغناء...، ح431: 6)( الكافي 271، باب تحريم الغناء...، ح310ـ: 17؛ وسائل الشيعة 7، باب الزور والشطرنج، ح436ـ: 6)( الكافي 272

26..432: 1)( كفاية األحكام 273.205: 17)( الوافي 274.20: 2)( مفاتيح الشرائع 275.226: 5)( المحجة البيضاء 276، فصل الغناء والموسيقى.890(: 2 )التراث الفقهي 2)( ميراث فقهي 277، فصل الغناء والموسيقى.516(: 1 )التراث الفقهي 1)( ميراث فقهي 278.520)( المصدر السابق: 279، فصل الغناء والموسيقى.1870(: 3 )التراث الفقهي 3)( ميراث فقهي 280م.2009، بيروت، 1، دار األميرة، ط212: 7)( مجمع البيان 281)( المصدر نفسه.282.242: 15)( الميزان في تفسير القرآن 283 . وفي3، باب تحريم الغناء...، ح304: 17؛ وسائل الشيعة 13، باب الغناء...، ح433: 6)( الكافي 284

.×سند آخر يروي هذا الحديث محمد بن مسلم، عن أبي الصباح، عن اإلمام الصادق. 6، باب تحريم الغناء...، ح304: 17؛ وسائل الشيعة 4، باب الغناء...، ح431: 6)( الكافي 285.12، باب تحريم الغناء...، ح306: 17؛ وسائل الشيعة 18، باب الغناء...، ح434: 6)( الكافي 286.32، باب تحريم الغناء...، ح312: 17؛ وسائل الشيعة 186، ح148)( مسائل علي بن جعفر: 287.1، باب تحريم الغناء...، ح303: 17؛ وسائل الشيعة 15، باب الغناء...، ح433: 6)( الكافي 288.217: 2)( مستند الشيعة 289.6، باب تحريم بيع المغنية، ح124: 17؛ وسائل الشيعة 4، باب المغنية و...، ح120: 5)( الكافي 290.7، باب تحريم بيع المغنية...، ح124: 17؛ وسائل الشيعة 6، باب الغناء، ح120: 5)( الكافي 291.4، باب تحريم الغناء...، ح304: 17؛ وسائل الشيعة 4، باب النوادر، ح478: 6)( الكافي 292 ، باب تحريم بيــع123:ــ 17؛ وسائل الشيعة 7، باب كسب المغنية وشراؤها، ح120:ــ 5)( الكافي 293

.5المغنية...، ح ؛ مستند الشيعة404 ـ 403ـ: 1؛ مسالك األفهام 51ـ: 22)( من باب المثال: راجع: جواهر الكالم 294

.61: 8؛ مجمع الفائدة والبرهان 23: 4؛ جامع المقاصد 404 ـ 403: 2 ، باب استحباب التجمل،5: 5؛ وسائل الشيعة 1، باب التجمل وإظهار النعمة، ح438: 6)( الكافي 295

.2ح.213 معين: هنگ)( فر296.7)( التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات: 297

.396: 12)( جواهر الكالم 298.463)( منتهى المطلب: 299.297)( إيضاح الفوائد: 300.107)( أحمد العاملي، زين الدين بن علي )الشهيد الثاني(: 301.273)( الخوئي، مباني تكملة المنهاج: 302)( المصدر نفسه.303.396: 21)( جواهر الكالم 304.150)( مفاتيح الشرائع: 305.238: 18)( وسائل الشيعة 306.810)( المفيد، المقنعة: 307.464: 4)( الحلي، مختلف الشيعة 308.420)( كشف الغطاء: 309.75)( اللمعة الدمشقية: 310.54)( الكافي: 311.210)( حبيب الله طاهري، تحقيقي پيرامون واليت فقيه: 312.238: 18)( وسائل الشيعة 313.555)( األنصاري، المكاسب: 314.556)( المصدر السابق: 315.338: 18)( وسائل الشيعة 316.275)( الخوئي، مباني تكملة المنهاج: 317.585)( رجال الطوسي: 318.48)( الخميني، والية الفقيه: 319.59: 5)( الخوانساري، جامع المدارك 320.68)( الخميني، كتاب البيع: 321)( الخوانساري، المصدر نفسه.322.24)( ابن إدريس الحلي، السرائر: 323.622)( ابن زهرة، غنية النـزوع: 324.392: 1)( المحقق الحلي، شرائع اإلسالم 325.412: 5)( جامع المدارك 326.296)( المحقق الداماد، قواعد الفقه )القسم الجزائي(: 327.411: 5)( جامع المدارك 328.393: 21)( جواهر الكالم 329.25: 2)( السرائر 330.994)( الحلي، قواعد األحكام: 331.28)( المحقق األردبيلي، جمع الفائدة والبرهان: 332.764)( الميرزا القمي، جامع الشتات: 333.525)( قواعد األحكام: 334.463)( مختلف الشيعة: 335.497: 5)( الطوسي، الخالف 336.255 ـ 254: 21)( جواهر الكالم 337.393: 21)( جواهر الكالم 338. 318: 18)( وسائل الشيعة 339.342)( الفاضل المقداد، كنـز العرفان: 340.103)( منتظري، مجازاتهاى إسالمي وحقوق بشر )العقوبات اإلسالمية وحقوق اإلنسان(: 341.81)( صانعي، مجمع المسائل: 342.122)( حسن سبحاني، نظام هاي اقتصادي: 343.251: 2)( اإلمام الخميني، المكاسب المحرمة 344.9، مباني اقتصاد إسالمي، فصل دانشگاه؛ دفتر همكاري حوزه و610، 409)( اقتصادنا: 345.25 ـ 19)( جامعة الملك عبد العزيز، دراسات في االقتصاد اإلسالمي: 346.251: 9)( محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 347.597: 11)( وسائل الشيعة 348

.433 ـ 432: 36)( جواهر الكالم 349.457 ـ 456: 2)( تحرير الوسيلة 350.36 ـ 30: 6)( المصدر السابق؛ وأيضا راجع: الطوسي، المبسوط في فقه اإلمامية 351. 101: 5، كما نقل عنه الحياة 171: 2)( الكافي 352. 14، نقال عن تحف العقول: 25: 5)( الحياة 353.63: 2، نقال عن الوافي 113، 4: 2)( الحياة 354.662)( اقتصادنا: 355.365: 6)( وسائل الشيعة 356. 3، ح379: 6)( المصدر السابق 357.307: 2)( الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى 358( .7﴾ )الحشر: كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم﴿)( 359

360 () Zarqa, p.219..7)( الحشر: 361. 18: 4، نقال عن: الطوسي، المبسوط 674)( اقتصادنا: 362.541: 1)( أصول الكافي 363.211 :2)( الجصاص، أحكام القرآن 364.278 :5)( الطباطبائي، الميزان 365.142 :2)( السيوطي، الدر المنثور 366.4: 20)( النووي، المجموع 367 :13؛ ابن منظــور، لســان العــرب 15:ــ 2؛ ابن األثــير، النهايــة 175 :18 )( الزبيدي، تاج العــروس368

139..596 :1؛ الزمخشري، الكشاف 278 :5؛ الميزان 63 :3)( الطبرسي، مجمع البيان 369. ولعل مراده االستشهاد بقول أبي تمام الطائي، والبيت هو:277 )( الراغب، المفردات:370

خدين العلى أبقى له البذل والنهى عــواقب مـــن عـــرف كفته العواقبــا.143 :12)( ابن حجر، فتح الباري 371.390 :1)( الطبرسي، جوامع الجامع 372.9 :3، 167 :2)( تفسير أبي السعود 373.143 :5)( القرطبي، الجامع ألحكام القرآن 374.657)( األردبيلي، زبدة البيان: 375.62: 8)( السبزواري، مواهب الرحمن 376.63: 10)( الرازي، التفسير الكبير 377.61 :8: مواهب الرحمن )( انظر378.8 :2؛ سيد سابق، فقه السنة 301 :6)( الشوكاني، نيل األوطار 379.280: 3؛ جعفر مرتضى، الزواج المؤقت 613: 3)( مكارم الشيرازي، األمثل 380.422 :5؛ الشنقيطي، أضواء البيان 273 :3، 22 :2)( تفسير ابن كثير 381. 657 )( زبدة البيان:382.63 :10)( التفسير الكبير 383 .70: 1)( سنن الدارمي 384. 88: 4)( الحاكم النيسابوري، المستدرك 385. 40)( ينظر: محمد بحر العلوم، االجتهاد: 386.42)( ينظر : مصطفى جمال الدين، القياس: حقيقته وحجيته: 387.61: 1)( ابن قيم الجوزية، أعالم الموقعين 388.138)( مصطفى عبد الرزاق، تمهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية: 389.110: 4)( الشاطبي، الموافقات 390.245: 2)( المصدر السابق 391 .10؛ عدنان، حركة االجتهاد عند الشيعة اإلمامية: 19)( ينظر: شمس الدين، االجتهاد والتجديد:392.133)( تمهيد لتاريخ الفلسفة اإلسالمية: 393.66)( ينظر: االجتهاد والتجديد: 394 ، باب تحريم الحكم بغير الكتاب والسنة، الحــديث متــواتر عنــد العامــة34:ــ 27)( وسائل الشيعة: 395

والخاصة حسب رواية الحر العاملي لذلك.

.82)( ينظر : عبد الهادي الفضلي، تاريخ التشريع اإلسالمي: 396 .572: 10)( ابن أبي الحديد، شرح نهج البالغة 397، باب الرأي والبدع والمقاييس.43: 7)( أصول الكافي 398.17)( المصدر السابق: 399 وما بعدها.35: 27)( ينظر: وسائل الشيعة 400، وتراجم اآلخرين.152)( ينظر: رجال النجاشي: 401.62: 1)( الصدوق، علل الشرائع 402 .308: 2)( السيد المرتضى، الذريعة إلى أصول الشريعة 403)( الطوسي، العدة في أصول الفقه. 404 .170: 2)( ابن إدريس، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 405.16)( رضا الصدر، االجتهاد والتقليد: 406.9: 1، الفائدة الثانية عشرة؛ األردبيلي، جامع الرواة: 291: 30)( وسائل الشيعة407.36 من أبواب صفات القاضي، ح11، باب 184: 27)( وسائل الشيعة 408.198: 6)( المازندراني، منتهى المقال 409.52 من أبواب صفات القاضي، ح6، باب 41: 18)( وسائل الشيعة 410.59: 1)( أصول الكافي 411.62: 1)( المصدر السابق 412.69: 1)( المصدر السابق 413.158)( ينظر: محمد باقر الصدر، دروس في علم األصول )الحلقة األولى(: 414. 179)( المحقق الحلي، معارج األصول: 415.185: 1)( المحقق البحراني، الحدائق الناضرة 416 .82)( ينظر: علي رضا فيض، الفقه واالجتهاد: 417.430: 2)( كاظم الخراساني، كفاية األصول 418.12: 1)( علي الغروي، التنقيح في شرح العروة الوثقى )تقريرات بحث السيد الخوئي( 419.360: 2)( ابن زهرة، غنية النـزوع 420.331: 1؛ الطوسي، عدة األصول 44)( ينظر: المفيد، التذكرة في أصول الفقه: 421. 127: 1)( ينظر: ابن إدريس، السرائر 422.9)( ينظر : علي همت بناري، ابن إدريس الحلي ودوره في إثراء الحركة الفقهية: 423.336: 1؛ عدة األصول 287)( ينظر : رسائل الشريف المرتضى: 424.38)( ينظر: التذكرة في أصول الفقه: 425.162: 4)( اآلمدي، اإلحكام في حصول األحكام 426.114: 4)( الشاطبي، الموافقات 427.240)( العالمة الحلي، مبادئ الوصول إلى علم األصول: 428.9: 1)( التنقيح في شرح العروة الوثقى 429.11: 1)( المصدر السابق 430.103: 3)( محمد علي األنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة 431.19: 1)( األصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية 432.259 ـ 258)( ابن حمزة، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 433.183: 8)( ابن منظور، لسان العرب 434.1238: 3)( الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية 435.99: 17)( النوري، مستدرك الوسائل 436.724، ح163: 7)( الطوسي، تهذيب األحكام 437 ؛ الطوســي، تهــذيب3377، ح79:ــ 3؛ الصدوق، من ال يحضره الفقيه 281:ــ 5)( الكليني، الكافي 438

، الحر العــاملي، وســائل الشــيعة413، ح116:ــ 3؛ الطوسي، االستبصار 730، ح164:ــ 7األحكام .3، ح321: 17

.727، ح164: 7؛ تهذيب األحكام 1، ح319: 17)( وسائل الشيعة 439.265 ـ 264)( الصدوق، فقه الرضا: 440.555: 1)( الخميني، تحرير الوسيلة 441.273: 5)( لسان العرب 442.406؛ الصدوق، المقنع: 258، 9)( الوسيلة: 443 ؛ مســتدرك2، ح116:ــ 3؛ االستبصار 730، ح165 ـ 164:ــ 7؛ تهذيب األحكام 281:ــ 5)( الكافي 444

.1، ح103: 17الوسائل .276: 37)( النجفي، جواهر الكالم 445.20)( کاتوزيان، درسهايي أز شفعه ...: 446.285: 20)( البحراني، الحدائق الناضرة 447.423؛ الطوسي، النهاية: 215)( المرتضی، االنتصار: 448.730، ح165 ـ 164: 7)( تهذيب األحكام 449.285 ـ 259)( الوسيلة: 450.215)( االنتصار: 451.284)( الحدائق الناضرة: 452.215)( االنتصار: 453.181: 6)( البجنوردي، القواعد الفقهية 454.18: 3)( إمامي، الحقوق المدنية 455.259 ـ 258)( الوسيلة: 456.73: 2)( الخوئي، منهاج الصالحين 457.386: 2)( ابن إدريس، السرائر 458.280؛ القمي، جامع الخالف: 232؛ ابن زهرة، غنية النـزوع: 104)( السبزواري، كفاية األحكام: 459.274 ـ 273: 12)( الشهيد الثاني، مسالك األفهام 460)( المصدر نفسه.461)( المصدر نفسه.462.728، ح164: 7)( تهذيب األحكام 463.158: 6)( القواعد الفقهية 464.31؛ إبراهيم: 282 و254؛ البقرة: 9)( الجمعة: 465.18)( درسهايي أز شفعه ...: 466.258، 9)( الوسيلة: 467.233: 3؛ الطريحي، مجمع البحرين 19: 2)( ابن منظور، لسان العرب 468.6: 8)( الحسيني العاملي، مفتاح الكرامة 469.69)( مفردات ألفاظ القرآن: 470.53)( نهج البالغة، رسالة 471.5 ـ 4: 12)( وسائل الشيعة 472 :2؛ الحلي، القواعــد 16:ــ 1؛ النجفي الخوانساري، منية الطــالب 171)( سالر، المراسم العلوية: 473

5..283: 12؛ الصدوق، من ال يحضره الفقيه 103: 4)( نهج البالغة 474 ؛ ابن أبي الحديد، شــرح471:ــ 10،ــ 343:ــ 2؛ لسان العرب 1000:ــ 2)( الحلي، منتهى المطلب 475

.223: 2؛ ابن األثير، النهاية 97: 20نهج البالغة .94؛ الخوئي، الزكاة: 281: 3؛ منية الطالب 546: 1)( الحلي، تذكرة الفقهاء 476 . لمزيد من المطالعة يرجع إلى بيع عينــه وشــرط االســترداد في الــبيع:496:ــ 4)( مفتاح الكرامة 477

.496، 142أيزدي فرد، شرط باز خريد در بيع: ؛ بار فروش، شــعائر اإلســالم في مســائل الحالل والحــرام:90 ـ 88)( النراقي، مشارق األحكام: 478

.110: 2؛ األصفهاني، وسيلة النجاة 224؛ محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، سؤال وجواب: 417

؛ الخميــني، توضــيح110 ـ 114؛ الشوشتري، مقابس األنــوار: 604 ـ 600)( القمي، غنائم األيام: 479.431؛ المنتظري، األحكام الشرعية على مذهب أهل البيت: 313المسائل:

.195: 3، 14: 4؛ من ال يحضره الفقيه 150: 5؛ الكافي 12)( وسائل الشيعة 480.234 ـ 231)( الطاهري، بهره ورى وتجزيه وتحليل آن در سازمانها: 481 ؛ الفاضــل اآلبي، كشــف120؛ المحقق الحلي، المختصر النــافع: 371)( الشيخ الطوسي، النهاية: 482

؛ يحيى بن سعيد الحلي، الجامع للشرائع:362ـ: 2؛ ابن فهد الحلي، المهذب البارع 453ـ: 1الرموز :1؛ الطباطبائي، رياض المسائل 19ـ: 8؛ البحراني، الحدائق الناضرة 13ـ: 2؛ الحلي، القواعد 244 ؛ الخوانســاري، جــامع451:ــ 22؛ النجفي، جــواهر الكالم 17:ــ 14؛ النراقي، مســتند الشـيعة 519

.132: 3المدارك .230: 2)( السرائر 483.451: 22)( جواهر الكالم 484.19: 18)( البحراني، الحدائق الناضرة 485.793 ـ 790: 5)( مصباح الفقاهة 486.283: 12)( وسائل الشيعة 487.154: 5)( الكافي 488.53 ـ 52)( حاشية مجمع الفائدة والبرهان: 489.371)( انظر: النهاية: 490.41: 2)( كنـز العرفان 491.191: 2)( مجمع البيان 492 ؛ الراونــدي، فقــه191 ـ 182:ــ 2؛ مجمــع البيــان 345 ـ 344:ــ 2،ــ 93 ـ 92:ــ 1)( تفسير القمي 493

.297: 1؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 42: 2القرآن .144 ـ 142: 5)( مجمع البيان 494.4: 1)( تفسير القمي 495.248: 8)( وسائل الشيعة 496.2، ح60، باب 230: 3)( الحر العاملي، وسائل الشيعة 497.21 ـ 1، ح10: باب12)( الوسائل 498.9، ح22: 12)( الوسائل 499.2، ح587: 14)( الوسائل 500، دار إحياء التراث العربي.483 ـ 482)( الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين: 501.293: 2)( ابن دريد، جمهرة اللغة 502.434: 3)( المصدر نفسه 503، دار إحياء التراث العربي.507)( ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 504.313: 7)( الطوسي، التبيان 505.37 ـ 36: 6)( الطبري، جامع البيان 506.38 ـ 37: 6)( القرطبي، الجامع ألحكام القرآن 507.559 ـ 558: 1)( المراغي، العناوين الفقهية 508.59: 16)( فضل الله، من وحي القرآن 509.112: 17)( الطبري، جامع البيان 510.184)( الخليل، العين: 511.567: 2)( ابن دريد 512.1، ح8، باب 95: 14)( الوسائل 513.314: 4؛ الصدر، بحوث في شرح العروة الوثقى 290: 3)( الخوئي، الموسوعة الفقهية 514.558: 1)( المراغي، العناوين الفقهية 515.9 ـ 8 ـ 6 ـ 3 ـ 1، ح10، باب22 ـ 20: 12)( الوسائل 516)( المصدر السابق.517)( المصدر السابق.518)( المصدر السابق.519)( المصدر السابق.520

.1، ح26، باب 383: 14)( الوسائل 521.343: 1)( المحقق الحلي، المعتبر في شرح المختصر 522.118: 2)( العالمة الحلي، تذكرة الفقهاء 523.163: 4)( البحراني، الحدائق الناضرة 524.318: 3)( النراقي، مستند الشيعة 525.448 ـ 447: 1)( اليزدي، العروة الوثقى 526 ؛ وكذلك يمكن مراجعة: الحكيم، مستمسك العروة342 ـ 341ـ: 9)( الخوئي، الموسوعة الفقهية 527

.226: 4الوثقى ، والعديد من المصادر األخرى.37: 3)( تاريخ الطبري 528.189: 1)( الطوسي، المبسوط 529.173: 1)( ابن إدريس، السرائر 530.282: 1)( مسند أحمد 531.284: 1)( مسند أحمد 532.216: 2)( موطأ مالك 533.164: باب 185: 4)( الدر المنثور 534.35: 5)( صحيح البخاري 535.683: 1)( الفقه على المذاهب األربعة ومذهب أهل البيت 536.410: 2)( المغني 537.36 ـ 26)( ابن قولويه، كامل الزيارات، باب 538.66: باب 14)( الوسائل 539 )ثواب البكاء على مصيبته(.34: باب 44)( المجلسي، بحار األنوار 540.49: باب 10)( النوري، مستدرك الوسائل 541.1، ح66، باب 501: 14)( الوسائل 542.1، ح66، باب 502: 14)( الوسائل 543.437)( السبحاني، الموسوعة الرجالية الميسرة: 544.8، ح66، باب 504: 14)( الوسائل 545.8، ح66، باب 509: 14)( الوسائل 546.3، ح66، باب 501: 14)( الوسائل 547.11، ح66، باب 506: 14)( الوسائل 548.14، ح66، باب 507: 14)( الوسائل 549.17، ح66، باب 508: 14)( الوسائل 550.83، باب434: 15)( البروجردي، جامع أحاديث الشيعة 551.135: 11)( المستدرك على الصحيحين 552.293: 44)( البهبودي، هامش بحار األنوار 553.176 ـ 173)( هاشم معروف الحسني، الموضوعات في اآلثار واألخبار: 554.22، ح2، باب 331: 14)( الوسائل 555.1، باب الدعاء عند النوم، ح535: 2)( الكليني، الكافي 556.40، ح262: 4)( الكليني، الكافي 557.233: 23)( بحار األنوار 558، باب غسل الميت.131: 1)( الصدوق، من ال يحضره الفقيه 559.98: 2)( من ال يحضره الفقيه 560.152: 4)( الطوسي، تهذيب األحكام 561.153: 4)( المصدر نفسه 562.108: 6)( المصدر نفسه 563.84)( الطهراني، روح مجرد: 564.66)( النوري، اللؤلؤ والمرجان: 565.78 ـ 77: 8)( مجلة نصوص معاصرة، العدد 566.66)( اللؤلؤ والمرجان: 567.105)( كامل الزيارات: 568.135 ـ 134)( الموسوعة الرجالية: 569

.105)( كامل الزيارات: 570.236)( الموسوعة الرجالية: 571.78: 5)( تفسير الميزان 572.277: 6 ـ 5)( وهبة الزحيلي، تفسير المنير 573 .4 من أبواب ديات األعضاء، ح25، باب 251: 19)( وسائل الشيعة 574 . 4، ح24، باب 248)( المصدر السابق: 575.8 من أبواب أحكام العشرة، ح147، باب 272: 12)( المصدر السابق 576.3 من أبواب األمر والنهي، ح12، باب 157: 16)( المصدر السابق 577 .2)( المصدر السابق، ح578.2 من أبواب جهاد العدو، ح15، باب 43: 11)( المصدر السابق 579.47، الخطبة 422)( نهج البالغة: 580.492: 4)( ابن األثير، النهاية في غريب الحديث واألثر 581.6 من أبواب االحتضار، ح47، باب 677: 2)( الوسائل 582.676)( المصدر السابق: 583.673)( المصدر السابق: 584.30: 8)( الخوئي، التنقيح 585.1، ح673 من أبواب كتاب الوصايا؛ المصدر السابق: 1، الباب 351: 13)( الوسائل 586 ، في رجل قطــع×)( من جملتها صحيحة عبد الله بن سنان وعبد الله بن مسكان، عن أبي عبدالله587

، باب248ـ: 19رأس الميت؟ قال: عليه الدية؛ ألن حرمته ميتا كحرمته وهو حي...)وسائل الشيعة (. 6 و4 من ديات األعضاء، ح24

، مؤسسة المنار.12، السؤال 133: 2)( الخوئي، المسائل الشرعية 588.8 و6 من أبواب االحتضار، ح46، باب 674: 2)( وسائل الشيعة 589.3 من أبواب ديات األعضاء، ح24، باب 248: 19)( وسائل الشيعة 590)( إضافة من المترجم.591.2، ح248: 19)( وسائل الشيعة 592 )( طرح الشيخ األنصــاري هــذا المبحث في المكاســب المحرمــة، وأدلى الفقهــاء بشــروحاتهم في593

الحاشية. .4 من أبواب األطعمة المحرمة، ح34، الباب 453: 16)( وسائل الشيعة 594 ؛7، ح33: باب 5؛ رواية الجرجاني 1، ح34)( على سبيل المثال: راجع: روايات أبي المغيرة: باب 595

،34: بــاب 5؛ موثقة ســماعة 6، ح34: باب 5؛ رواية علي بن جعفر 2، ح30: باب 5رواية الوشاء .5ح

.4 من أبواب الذبائح، ح30: باب 16)( وسائل الشيعة 596.5)( حاشية المطالب: 597.80: 1)( المكاسب المحرمة 598.67: 1)( مصباح الفقاهة 599.35: 1)( الخراساني، حاشية المطالب )ضمن محصل المطالب( 600.36: 1)( السيد اليزدي، حاشية المكاسب )ضمن محصل الطالب( 601.37)( المصدر السابق: 602.38)( المصدر السابق: 603 .67: 1)( مصباح الفقاهة 604)( المصدر نفسه.605)( المصدر نفسه.606.84: 1)( المكاسب المحرمة 607)( المصدر نفسه.608. وفي كتاب )منهاج الصالحين( أفتى السيد الخوئي بعدم الجواز.121: 1)( مصباح الفقاهة 609

nosos.netnosos.net/nososMoasera/wp-content/uploads/Magazin… · Web view• السيد جعفر...

Documents

Transcript of nosos.netnosos.net/nososMoasera/wp-content/uploads/Magazin… · Web view• السيد جعفر...