ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج...

349
ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﳉﺰﺍﺋﺮﻳﺔ ﺍﻟﺪﳝﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﱄ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻭﻫﺮﺍﻥ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ ﻟﻨﻴﻞ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ: " ﺍﻟﻨ ﺍﻟﻨ ﺍﻟﻨ ﺍﻟﻨ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻔ ﺍﻟﻔ ﺍﻟﻔ ﺍﻟﻔ ﻬﻢ ﻬﻢ ﻬﻢ ﻬﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ" ﺇﻋﺪﺍ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ: ﺇﺷﺮﺍﻑ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ: ﲪﺎﺩﻱ ﻫﻮﺍﺭﻱ ﺑﻮﻣﺪﻳﻦ ﺑﻮﺯﻳﺪ ﻟﺠﻨﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺍﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ: - - - - ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: : : : ﻋﺒﺪ ﻋﺒﺪ ﻋﺒﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻼﻭﻱ ﺍﻟﻼﻭﻱ ﺍﻟﻼﻭﻱ ﺍﻟﻼﻭﻱ ــﺤﻤ ــﺤﻤ ــﺤﻤ ــﺤﻤ ﺭﺋ ﺭﺋ ﺭﺋ ﺭﺋ ـ ــﻴﺴﺎ ــﻴﺴﺎ ــﻴﺴﺎ ــﻴﺴﺎ- - - - ﻷﺳﺘﺎﺫ ﻷﺳﺘﺎﺫ ﻷﺳﺘﺎﺫ ﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: : : : ﺑـ ﺑـ ﺑـ ﺑـ ــﻮﺯﻳﺪ ــﻮﺯﻳﺪ ــﻮﺯﻳﺪ ــﻮﺯﻳﺪ ـﻮﻣﺪﻳﻦ ـﻮﻣﺪﻳﻦ ـﻮﻣﺪﻳﻦ ـﻮﻣﺪﻳﻦ ـ ــﺮﺭﺍ ــﺮﺭﺍ ــﺮﺭﺍ ــﺮﺭﺍ- - - - ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: : : : ﻗﻼﻳﻠ ﻗﻼﻳﻠ ﻗﻼﻳﻠ ﻗﻼﻳﻠ ــ ــ ــ ــ ﻴﺔ ﻴﺔ ﻴﺔ ﻴﺔ ﺍﻟ ﺍﻟ ﺍﻟ ﺍﻟ ـ ـﻌﺮﺑﻲ ـﻌﺮﺑﻲ ـﻌﺮﺑﻲ ـﻌﺮﺑﻲ ﻣﻨ ﻣﻨ ﻣﻨ ﻣﻨ ـ ﺎﻗﺸﺎ ﺎﻗﺸﺎ ﺎﻗﺸﺎ ﺎﻗﺸﺎ- - - - ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ: : : : ﻭﺍﺭﺙ ﻭﺍﺭﺙ ﻭﺍﺭﺙ ﻭﺍﺭﺙ ﺃﺣ ﺃﺣ ﺃﺣ ﺃﺣ ــــﻤﺪ ــــﻤﺪ ــــﻤﺪ ــــﻤﺪ ـ ﻨﺎﻗﺸﺎ ﻨﺎﻗﺸﺎ ﻨﺎﻗﺸﺎ ﻨﺎﻗﺸﺎ- - - - ﺍﻷ ﺍﻷ ﺍﻷ ﺍﻷ ﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟ ﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟ ﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟ ﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟ ﺪﻛﺘﻮﺭ ﺪﻛﺘﻮﺭ ﺪﻛﺘﻮﺭ ﺪﻛﺘﻮﺭ: : : : ــﺒﺪ ــﺒﺪ ــﺒﺪ ــﺒﺪ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﺍﻟﺮﺯﺍﻕ ﻗﺴﻮﻡ ﻗﺴﻮﻡ ﻗﺴﻮﻡ ﻗﺴﻮﻡ ﻨﺎﻗﺸ ﻨﺎﻗﺸ ﻨﺎﻗﺸ ﻨﺎﻗﺸ- - - - ﺍﻟﺪﻛ ﺍﻟﺪﻛ ﺍﻟﺪﻛ ﺍﻟﺪﻛ ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﻮﻋﻴﺶ ــــــﻮﺭ: ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﻮﻋﻴﺶ ــــــﻮﺭ: ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﻮﻋﻴﺶ ــــــﻮﺭ: ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻗﻮﻋﻴﺶ ــــــﻮﺭ: ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﳉﺎﻣﻌﻴﺔ: 2012 - 2013 .

Transcript of ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج...

Page 1: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

الشعبية الدميوقراطية اجلزائرية اجلمهورية العلمي والبحث العايل التعليم وزارة

وهران جامعة

الفلسفة قسم االجتماعية العلوم كلية

الفلسفة يف الدكتوراه شهادة لنيل أطروحة :بعنوان

""""المعاصرالمعاصرالمعاصرالمعاصر همهمهمهمالفالفالفالف وآلياتوآلياتوآلياتوآليات القرآنيالقرآنيالقرآنيالقرآني النصالنصالنصالنص""""

:األستاذ إشراف : الطالبد إعدا بوزيد بومدين هواري محادي

::::المناقشةالمناقشةالمناقشةالمناقشة لجنةلجنةلجنةلجنة

ــيساــيساــيساــيساــــرئرئرئرئ ددددــحمــحمــحمــحممممم الالويالالويالالويالالوي عبدعبدعبدعبد: : : : الدكتورالدكتورالدكتورالدكتور األستاذاألستاذاألستاذاألستاذ - - - -

ــرراــرراــرراــرراــــققققمممم ـومدينـومدينـومدينـومدينبببب ــوزيدــوزيدــوزيدــوزيدبـبـبـبـ: : : : الدكتورالدكتورالدكتورالدكتور ألستاذألستاذألستاذألستاذاااا - - - -

اقشااقشااقشااقشاــــمنمنمنمن ـعربيـعربيـعربيـعربيــــالالالال يةيةيةيةــــــــقاليلقاليلقاليلقاليل: : : : الدكتورالدكتورالدكتورالدكتور األستاذاألستاذاألستاذاألستاذ - - - -

ناقشاناقشاناقشاناقشاــــمممم ــــمدــــمدــــمدــــمدأحأحأحأح وارثوارثوارثوارث: : : : الدكتورالدكتورالدكتورالدكتور األستاذاألستاذاألستاذاألستاذ - - - -

ااااناقشناقشناقشناقشمممم قسومقسومقسومقسوم الرزاقالرزاقالرزاقالرزاق ــبدــبدــبدــبدعععع : : : : دكتوردكتوردكتوردكتورستاذ الستاذ الستاذ الستاذ الاألاألاألاأل - - - -

مناقشامناقشامناقشامناقشا ــــــور: جمال الدين قوعيش ــــــور: جمال الدين قوعيش ــــــور: جمال الدين قوعيش ــــــور: جمال الدين قوعيش الدكالدكالدكالدك - - - -

.2013-2012: اجلامعية السنة

Page 2: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

:الرحيم الرمحن اهللا بــــــــــسم

"مددا مبثْله جئْنا ولَو ريب كَلمات تنفَذَ أَنْ قَبلَ البحـر لَنفذَ ريب لكَلمات مدادا البحر كَانَ لَو قٌلْ"

.الكهف سورة من109: اآلية

Page 3: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

:اإلهداء

.واآلخرة الدنيا يف ينجح لكي ويتجلد يعمل من كل إىل

Page 4: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

:شكر كلمة

وعلى بعيد، من أو قريب من ساعدنا من كل نشكر

.بومدين بوزيد: املشرف األستاذ رأسهم

.القيمة توجيهاته على القادر عبد بوعرفة: واألستاذ

Page 5: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

مــــــــــقدمة

Page 6: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

أ

مقدمة:

ارتبط الفكر الفلسفي العريب املعاصر مبجموعة من اإلشكاليات والثنائيات، أمهها: األصالة واملعاصرة،

هذه الثنائية األخرية أصبحت يف الفترة املتأخرة، أكثر ،احلداثة والتراث، النص القرآين واملناهج املعاصرة

الطارئة على واقع العرب واملسلمني من جهة، إشكاليات الفكر العريب طرحا وتداوال، بعد املستجدات

والتطورات احلاصلة يف مناهج وأدوات فهم النصوص من جهة أخرى، وهي ما ترتب عنها دعوات خمتلفة

'أركونمثل: 'ومتنوعة إىل قراءة جديدة للنص القرآين، محل رايتها أقطاب الفكر العريب املعاصر

...الذين جعلوا حمور اهتمامام، التطلع إىل تأسيس قراءة جديدة 'رزوقيامل'و 'حنفي'و 'أبو زيد'و 'اجلابري'و

تستثمر فيها آليات الفهم املعاصر، يتم من خالهلا جتاوز القراءة الكالسيكية التبجيلية له، ،للقرآن الكرمي

ونقله من الفهم اإليديولوجي إىل الدراسة العلمية املوضوعية.

القرن العشرين يف العامل العريب اإلسالمي على وجه اخلصوص، وأمهها ختلف فنتيجة للتغريات احلاصلة يف

...يف حني وصول العرب عن الركب احلضاري وانتشار احلركات األصولية واملتطرفة وظواهر اإلرهاب

الغرب إىل فترة ما بعد احلداثة وبلوغ أوج التطور يف شىت امليادين، وانطالقا من التقدم احلاصل يف البحث

الذي أفرز مجلة من األدوات واآلليات اجلديدة لقراءة النصوص ،الفلسفي والعلمي يف الفكر الغريب املعاصر

وفهم املقدس، فكر فالسفة العرب املعاصرين يف جتاوز هذه األوضاع، عن طريق استثمار آليات القراءة

تجدات احلاصلة على مستوى تكون مراعية لتلك املس ،القرآينللنص فهم جديداملعاصرة يف تأسيس

الوقائع، وعلى مستوى املعرفة يف الوقت نفسه، من أجل بلوغ احلداثة ومواجهة التخلف وما صاحبه من

.حالت دون تقدم األمة العربية واإلسالمية أزمات خمتلفة

تعلق بقراءة والسيما تلك اليت ت، الفكر العريب واإلسالمي املعاصرأساطني عندما نعود إىل آراء وأفكار

حمور جند أن -يف النصف الثاين من القرن العشرين–يف الفترة املتأخرة كما طرحت أو إعادة قراءة التراث

Page 7: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ب

تجاوزت قراءةاإلسالمي أال وهو القرآن الكرمي، للديناحملوري هو تأسيس قراءة جديدة للنص اهتمامام

على وجه قراءتهجتديد آليات وأدوات طريق فهما جديدا ومعاصرا عن فهمهأو تعمل فهمه الكالسيكي

إىل هفهمتزال يمن على مااليت كانت و آلليات الكالسيكيةل نقديةحيث قدموا قراءات ،اخلصوص

ومنهجي التفسري والتأويل وعلوم اللغة العربية، كعلوم القرآن الكرمي ،الفقهاء واملفسرينيومنا هذا بإشراف

من املنجزات االستفادةبط النص القرآين بأدوات الفهم اجلديدة عن طريق داعني إىل ر الكالسيكيني،

العلمية واملنهجية الراهنة اليت ظهرت يف الفكر الغريب املعاصر يف جمال قراءة النصوص، كالبنيوية

اهلرمينوطيقا والسيميوطيقا والتفكيك... .و

تعلق تال وهي ، تبلورت منذ فجر وجوده، اليوم رآينتبعا ملا سبق يتبني لنا أن هناك إشكالية لقراءة النص الق

، وقراءته فهمه استخدمت يفاليت ناهج املليات وبل ترتبط بصورة أوثق باآل، فقط كما يبدوا لنا همبضمون

دأ ب ،لقرآن الكرمياالتعامل مع حيث أنيف خمتلف املراحل والعصور، تطورتغري و من اطرأ عليه حسب ما

هوفق أشكالالتفسري ب ارتبط مثعلوم خاصة به كاملكي واملدين وأسباب الرتول...، ب بالتفكري يف ربطه

الكالمي والصويف...، وانتهى يف الفترة بأنواعه املختلفة ك للتأويفا ...املأثوربو أختلفة كالتفسري بالرأي امل

جتماعية ومن ما أفرز التقدم تستفيد من العلوم اإلنسانية واال ربطه بدراسة أو التطلع إىل املتأخرة إىل احللم

تطور وبالتايل مر، ...العلمي من مناهج وآليات معاصرة يف فهم النصوص كالسميولوجيا والتفكيك

عرب مراحل متسلسلة ميكن تتبعها كما يلي:إشكالية قراءته،

يتم التعامل معه كان بعد انقضاء العصر اجلاهلي وبداية اإلسالم، ،األوىل لرتول القرآن الكرمي يف املرحلة

الرد عن طريق العودة إىل الرسول صلى اهللا عليه وسلم، الذي كان يعتمد على ما يوحي إليه من ربه يف

كثريا ما كان يتردد يف اإلجابة على هتفسري الوقائع، حيث أن التاريخ يبني أنعلى أسئلة اليهود واملشركني و

عن إال بالرجوع إىل اجلواب القرآين هلا يقدم هلا أجوبةوملالفئات، خمتلفاألسئلة اليت تطرح لديه من

Page 8: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ج

حيزن النقطاع الوحي، وهو ما يعكس أنه كان يفوض بل كاننزول آية أو سورة حتدد له ذلك، طريق

،الكثري من املسائل إىل ربه وينتظر موقف القرآن الكرمي منها ليفسرها بعد ذلك مستعينا مبعطيات الوحي

بدورهم على استشارة النيب يف خمتلف املسائل املتعلقة بفهم اآليات، ومل يعتمدوا كما عمل الصحابة

بتعلم التأويل، 'ابن عباسللصحايب '، مثلما يعرف يف دعوته ذلكإال إذا كلفهم النيب ب هلااصة اخل متفسريا

معه جب ت يف قيامهمجتلكانت مهمتهم الرئيسية يف عهد النيب احملافظة على القرآن الكرمي من الضياع فقد

وتدوينه، وبالتايل كانوا يعتمدون يف تفسريهم ملختلف السور واآليات على أقوال النيب ومواقفه وأفعاله

، ولكن أمية النيب صلى اهللا عليه وسلم واعتماده على الوحي وتقريراته دون أن يكلفوا أنفسهم بذلك

إال بإذنه، ال جيعلنا ننكر تبلور أوىل آليات قراءة والترتيل وعدم تدخل الصحابة يف قراءة القرآن الكرمي

لتفسري آنذاك.لالبوادر األوىل النص يف عهده واملتمثلة يف علوم القرآن الكرمي اليت كانت منطلقا لظهور

وفق ة القرآن الكرمي،احلاجة إىل قراء ظهرت صلى اهللا عليه وسلم، النيب وفاةبعد يف املرحلة الثانية

ه من أفكار تاحلاصلة، على مستوى الواقع وما محله من أحداث، وعلى مستوى املعرفة وما محلاملستجدات

عنهما ، هذين املستويني ترتب ة عن االحتكاك بني العرب والعجمجديدة للثقافة العربية اإلسالمية الناجت

شاكل اشى واملأرست دعائم تفسريات وتأويالت تتم، النص القرآين تأسيس مناهج وطرقا متعددة يف فهم

اخلالفة وغريها من قضايا العقيدة والثقافية احلاصلة آنذاك وعلى رأسها مشكلة جتماعية االسياسية وال

ال نكون ،والشريعة، حيث أن خمتلف املشاكل والقضايا اليت عاشها وطرحها املسلمون يف خمتلف العصور

النص القرآين بعد وفاة الرسول صلى اهللا أا منت وترعرعت يف كنف مشكلة التعامل مع :مبالغني إن قلنا

عليه وسلم، أي بعد غياب املفسر هلا وهو النيب املؤيد بالوحي، وهو ما فتح اال للبشر الذين مل جيدوا مفرا

لتها وفهمهما لتدبري شؤوم وقضاء حوائجهم، وهنا تضاربت اآلراء ءمن العودة إىل النصوص القرآنية ومسا

ظهرت احلاجة امللحة إىل إجياد آليات ف، ...واخلوارج ق وعلى رأسها السنة والشيعةبتنوع الفر يف فهمه

Page 9: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

د

واملذاهب، وقد توجت بفهم مناسب للنص القرآين جتلت يف تنوع التأويالت واختالفها بني الفرقكفيلة

لية أول علم يبحث يف طرق استخراج األحكام من النصوص األصكهذه املرحلة بظهور علم أصول الفقه

الذي ، وعلى رأسها النص القرآينتقنني التعقل البشري للنصوص مت مبوجبها، وأمهها وأوهلا النص القرآين

تفسري التفسري باملأثور والنوعيه، يف جتسدت منهج التفسري بوضوح، وتأسيس قواعد ثابتة له، ترتب عنه

.الحقا آليات قراءة القرآن الكرميخمتلف تذين يف إطارمها ترعرعلبالرأي، ال

فهمه والفالسفة واملتصوفة بالنص القرآين يف إطار املتكلمنيكل من ظهرت اهتمامات ثالثةيف املرحلة ال

، ترتب عنه تطورا واضحا يف اليت عربت عن منعرج حاسم يف تأويله ،إشكالية الظاهر والباطنحسب

لكالمي الذي عمل كشف باطن، منها التأويل اجتلت يف أصناف متباينة من التأويالتآليات قراءته

، ومن أهم رواده املعتزلة واألشاعرة من أجل الدفاع عن العقيدة -على وجه اخلصوص-اآليات املتشاات

جتسد يف قراءة الفالسفة للنص القرآين ومن لنظر العقلي والربهان واملنطقا والتأويل الفلسفي القائم على

أثره الباطين حسب فهمه لفهمختذ القلب وسيلة اهتم بالذوق وا والتأويل الصويف الذي ، 'ابن رشد'رواده

اليت متنح العارفني معرفة قلبية يستطيعون بواسطتها فك ،يف إطار املعرفة الذوقية والتجربة الوجدانية، عليه

فترة فقد عربت هذه املرحلة عن ،'...حمي الدين ابن عريب'الباطنية ومن أقطابه الشيخ أسرار ومعاين اآليات

حامسة يف قراءة النص القرآين وتطور آليات فهمه ألا أرست دعائم القراءات التأسيسية وأصناف

.التأويالت الكالمية والفلسفية والصوفية

تواصل االهتمام بالنص القرآين، وتعددت وبداية الفكر املعاصر، الفكر احلديث يف رابعةاملرحلة اليف

حسب املستجدات الواقعية والفكرية للفترة اليت وجد فيها، فإىل جانب مناهج وتطورت آليات قراءته

الدراسات اإلستشراقية اليت ظهرت خارج البيئة اإلسالمية واهتمت باملنهج الفللوجي يف فهم القرآن الكرمي

مية لغايات متعددة تتراوح بني العلمي واإليديولوجي، تبلورت يف هذا العصر داخل الثقافة العربية اإلسال

Page 10: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ه

خطابات جديدة جعلت مهها املركزي استثمار فهم النص القرآين يف اخلروج من براثن التخلف، اجلهل،

، منها من حاول إعادة ضتهاحماربة البدع، وغريها من السبل اليت تؤدي إىل يقظة الشعوب العربية و

، ومنها 'مجال الدين األفغاين'و 'بدهحممد ع'القراءة التأويلية للنصوص القرآنية باستثمار أفكار املعتزلة مثل

، ومنها من سلك النهج الصويف ية يف التعامل معها ورفض تأويلهامن حاول العودة إىل الرؤية احلنبلية التيم

، وبالتايل قد تبلورت يف الفكر اإلسالمي احلديث واملعاصر األسس األوىل ملا 'كاألمري عبد القادر'يف فهمها

نهضوية على وجه اخلصوص، اليت حاولت استلهام شروط التحضر والتمدن بالدرجة تسمى باخلطابات ال

األوىل كأرضية تتحرك فيها مسألة االجتهاد وإعمال العقل كمنطلق للتعامل مع النص القرآين، ورغم أا يف

قد أضافت إال أا ،التفسري والتأويل أي مسألة آليات فهم النص القرآين ظلت وفية للمناهج الكالسيكية

إليهما بعض العناصر توسع دائرة التأويل، وتنفتح على اآلخر، وتستفيد من العلم، حيث تبين فهمها للقرآن

للبحث عن ،الكرمي من التغريات احلاصلة اليت تصب يف جمملها يف هاجس تقدم الغرب واحنطاط املسلمني

انتشالسلفية أم إصالحية هدفها من مأزق التخلف، وهو ما جيعل قراءا للقرآن العرب سبب خيرج

قطار التمدن.ب وإحلاقها التخلف براثنالعربية من شعوبال

ونتيجة لتأثر كوكبة من ، يف الفترة املتأخرة منه وأالقرن العشرين يف النصف الثاين من امسةيف املرحلة اخل

الدراسات حول القرآن ديهم لبتطور األحباث الفلسفية والعلمية يف الغرب، تطورت املسلمني الفالسفة

ومبستجدات الواقع من جهة، متأثرين ،انتقدوا اآلليات الكالسيكية يف فهمه يف جوانبها املختلفة والكرمي

دعوا إىل حيث ، من جهة أخرى يف الغرب دينيةآليات ومناهج قراءة النصوص الاحلاصل يف تطور الب

آليات القراءةبالتحديد من ما ترتب عنها من اعية واالستفادة من منجزات العلوم اإلنسانية واالجتم

على رأسها تلك اليت حتمل طابعا دينيا، حيث و ،النصوص يف الفترة املتأخرةفهم اليت انتهجت يف اجلديدة،

ن طريق الرافضة هلذه املهمة، عنقلها إىل النص القرآين حماولني تكسري وحتطيم تلك الدعوات فكروا يف

Page 11: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

و

وغريها من ...تحليل التارخيي والنفسي واألنثربولوجي واأللسين والسميائي والتفكيكياالستفادة من ال

.ليل ظاهرة الوحي القرآين عامة و قراءة وفهم النص القرآين على وجه اخلصوصاآلليات يف حت

ليست ،انطالقا من تتبع مسار التعامل مع النص القرآين، ندرك أنه يطرح إشكالية حول قراءته وفهمه

وليدة الفترة الراهنة، بل تبلورت منذ فجر اإلسالم و صاحبت كل فترات احلضارة العربية اإلسالمية منذ

عهد الرسول صلى اهللا عليه وسلم إىل يومنا هذا، وهي ال تقتصر على االختالف حول مضامينه بل جتد

عرب العصور. ا كبرياوتغري اطورعرفت تصدى كبريا حول آليات وأدوات قراءته، اليت

:اإلشكالية

املطبقة يف قراءة النصوص بأشكاهلا عاصراملالفهم البحث يف العالقة بني النص القرآين و آليات تتعلق ب

املختلفة، هل توظيفها يف النص القرآين يعترب مستحيال حبكم طبيعة هذا النص ومميزاته واختالفه عن

أساس الفهم العلمي واملوضوعي والفعال له بعيد عن سياج النصوص األخرى أدبية وعلمية وفلسفية أم أا

القداسة واإليديولوجيات اليت حاكتها قرائح البشر حوله واليت ما فتئت تكبل فهمه احلقيقي الذي من شأنه

؟وينقلنا إىل مصاف احلداثة أن خيرجنا من براثن التخلف

ذا كان النص القرآين يرتبط بالوحي اإلهلي إ نؤسس صياغة أخرى أكثر دقة لإلشكالية وهي: ميكن أن

املرتل على سيدنا حممد صلى اهللا عليه وسلم، فهل يترتب عن ذلك أنه خطاب مساوي متعال مرته عن

وجيب إنكار أنه نص أو خطاب موجه لإلنسان ،تطور الفكر البشري الناجتة عنآليات الفهم استخدام

الفكر ومعطيات العصر الذي يوجد فيه باالستفادة مما توصل إليه يفهم حسب السياق التارخيي واالجتماعي

على النصوص األخرى، وباخلصوص تلك اآلليات اليت توفرها العلوم واملناهج اليوم ةمن آليات الفهم املطبق

والسيميائيات والتفكيكيات..؟ وإذا كانت هذه اآلليات تأسست وترعرعت واهلرمينوطيقاألنثربولوجيا كا

ة أجنبية تقوم على تصورات ومفاهيم غريبة على البيئة العربية واإلسالمية اليت وجد فيها القرآن يف ثقاف

Page 12: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ز

الكرمي، فهل هذا ينفي إمكانية تطبيقها على فهمه واستخراج معانيه والسيما إن وجدت يف أساسها لتطبق

على نصوص بشرية؟

:جوهرية وهي فرضيات مخسمن خالل هذه اإلشكالية نسعى إىل الدفاع عن الفرضيات:

وحي الكالسيكي مفهوم ال جتاوز سعي إىلتطبيق آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآين هو :أوال-

خطابا إهليا موجها للبشر الوحي القرآين اعتبار أي القداسة والتبجيل والتعايل اليت قام عليها، ومفاهيم

ال ختتلف عن الظواهر اإلنسانية واالجتماعية وحىت الطبيعية، ، وظاهرةمتعلقا بواقعهم ومواكبا ملستجداته

جيعل من املمكن أن يقرأ باآلليات نفسها بشرية أو دينية، وهذا ما عن النصوص األخرى نصا ال خيتلف و

املعاصر. هاالنصوص كما تطرح يف فهمفهم الظواهر وحتليل اخلطاب ودراسة املطبقة يف

تطور أدوات إشكالية مسلسل هو احللقة األخرية يف القرآين عاصرة يف قراءة النصتطبيق اآلليات امل ا:ثاني

مدلوالته يف شىت كما أن اختالف ،إىل غاية يومنا هذاواستمرت منذ ميالده األول ، اليت تبلورت فهمه

وعا ومتعددا أن فهمه ليس ثابتا وليس واحدا بل متن يبني الفرق واملذاهبفراد واألاألزمنة واألمكنة وبني

.بتنوع وتعدد وسائل فهمه املتاحة يف خمتلف الفترات وآخرها اآلليات املعاصرة يف قراءة النصوص

الفلسفية خمتلف القراءات إطار ا: تفهم إشكاليات العالقة بني أدوات الفهم املعاصرة والنص القرآين، يف ثالث

له، اليت جتسدت عند رواد الفكر العريب املعاصر، املعاصرة للقرآن الكرمي أو ما تسمى بالقراءات احلداثية

وعلى رأسهم 'حممد أركون' الذي أرسى دعائم مشروع طموح حول تطبيق خمتلف آليات الفهم املعاصر

'نصر حامد أبو زيد' الذي أحل بدوره على التعامل مع القرآن كنص وخطاب ويف قراءة القرآن الكرمي،

ميائيات، فبهذين النموذجني ميكن كشف اخلطوط الكربى ملسألة العالقة باالستفادة من اهلرمينوطيقا والس

من حيث مفاهيمها وأرضيتها وتطبيقها.القرآين وأدوات القراءة املعاصرة النص بني

Page 13: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ح

يطرح تداعيات لدى رجال الدين خاصة، ال ميكن املعاصر، الفهم آلياتو رابعا: الربط بني النص القرآين

جمرد رؤية كالسيكية هي ايت أو إيديولوجي أو القول أا تتبع عقيدة املسلم والقول أا ذات طابع ذ

، بل هي حباجة إىل اإلثارة والسيما فهم جانبها النقدي املوضوعي....تبجيلية

ال ميكن اجلزم قيد التأسيسخامسا: تطبيق آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآين، ما زالت مشاريع

لكن تفتقر إىل شرط التبيئة والتناسب مع املوضوع، وهي يف ، على فهم القرآن الكرمي بفشلها وخطورا

.حاجة إىل الترشيد يف االستخدام فقط

إذن حسب الفرضيات السابقة ميكن أن يفهم ويقرأ القرآن الكرمي باآلليات اجلديدة اليت توصل إليها العقل

بغض النص القرآين ميكن النفاذ به إىل أعماق معاين البشري يف قراءة النصوص األخرى باعتباره سلطانا

، وحقيقة اخلطاب 'اجلابري'النظر عن مصدره وصفاته، لكي يكون معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا بتعبري

ال ميكن أن تتناقض مع تطبيق آليات ،القرآين كخطاب متميز عن النصوص البشرية يف الكثري من اخلصائص

نوعها، ما دامت حتترم طبيعته وما دام مهها توخي الدراسة العلمية والبحث فهم النص مهما كان شكلها و

عن احلقيقة بالدرجة األوىل، وإن ظهر التناقض فإما يدل على نقص أو قصور يف مجلة اآلليات املطبقة، أو

إىل سوء استخدامها عند روادها، وال ميكن احلكم بعدم صالحيتها قبل تطبيقها وحتت شعارات القداسة

والغيب، ألنه ال خيتلف عن الصرفة اليت حتجج ا البعض قدميا للقول بإعجاز القرآن الكرمي، و حىت إن

كانت غري مالئمة وتنتهك حرمة النص كما هو شائع، فهدفنا اجلوهري هو بلوغ نقد موضوعي هلا يتحرر

.من األحكام املسبقة واإليديولوجيات املهيمنة على عقول املسلمني

،تتكون األطروحة من مقدمة تضمنت مدخال تارخييا ومنهجيا للموضوع، ومخسة فصول :لبحثتصميم ا

كما يلي:كل فصل يتكون من ثالثة مباحث

Page 14: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ط

فيه إلقاء نظرة على سنحاول -الوحي القرآين من القداسة إىل الدراسة- جاء بعنوان :الفصل األول -

بيعة األدوات اليت نريد أن نتحدث عن عالقتها وعلى ط ،من جهة طبيعة املوضوع الذي نشتغل يف حقله

آليات ، املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين حسب ثالثة مباحث: حيث سنطرح بفهمه من جهة أخرى،

.، املفهوم الفلسفي املعاصر للوحي القرآينمفهوم الوحي القرآين ديدجتواملعاصر الفهم

سنسعى فيه إىل تقدمي، -هفهم القرآين وتطور آليات إشكالية قراءة النص-جاء بعنوان :الفصل الثاين -

مسارها حسب قراءة القرآن الكرمي إشكالية نطرح فيه حيث، ناأرضية جينالوجية وكرنولوجية ملوضوع

ثالثة مباحث: إشكالية قراءة النص وفق ،هتطور آليات فهم على االتارخيي عرب العصور وانعكاسا

إشكالية قراءة النص شكالية قراءة القرآن الكرمي يف القراءات الكالسيكية، ، إ-املفهوم واألرضية -القرآين

القرآين يف القراءات املعاصرة.

الفالسفة الذين حاولوا الربط بني النص القرآين وآليات الفهم أكرب منوذج من فيه نطرح :الفصل الثالث -

'حممد ليات الفهم املعاصرة عند النص القرآين وآ- أال وهو 'حممد أركون'، لذلك سنعاجلاملعاصر،

خمتلف أدوات الفهم اجلديدة يتطلع إىل الربط بني، ألن هذا األخري صاحب مشروع طموح 'أركون

اإلسالميات أشكلة مفهوم الوحي القرآين، نقد سنحاول استعراضه يف ثالثة مباحث:والنص القرآين،

الفهم املعاصرة يف قراءة النص القرآين. إلسالميات التطبيقية، تطبيق آلياتاالكالسيكية وتأسيس

النص طرحوا مسألة العالقة بنيالذين ، استعراض مناذج من الفالسفة فيه سنواصل :الفصل الرابع -

النص القرآين وآليات الفهم املعاصرة عند- حيث نطرح، بإسهاب أكثر آليات الفهم املعاصروالقرآين

يتميز بالكثري من اخلصوصيات يف االستفادة من املنهج اللغوي ريذا األخه ألن ،'أبو زيد 'نصر حامد

مباحث: ماهية ةالتعرض إىل ثالثاملعاصر والدراسة التأويلية يف قراءة القرآن الكرمي، سنحاول على ضوئها

. اهلرمينوطيقا والنص القرآين، السميائيات والنص القرآين النص القرآين،

Page 15: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ي

هذه ،-يف فهم النص القرآيناآلليات املعاصرة تطبيق تداعيات- ه في نستعرض: سالفصل اخلامس -

إىل البحث عن حدود ومعوقات تطبيق األدوات املعاصرة يف قراءة النص احملطة األخرية نسعى من خالهلا

ة يمراعفيه وفق قراءة فعالة ومناسبة تكون هاترشيد استخدامإىل البحث عن إمكانية ل التطلع مع ،القرآين

رؤية نقدية على تطبيق اآلليات مباحث: ةوذلك باستعراض ثالث، يف الوقت نفسه ياته ومقاصدهصوصخل

، رؤية 'طه عبد الرمحن'حنو إبداع موصول يف قراءة النص القرآين عند ،املعاصرة يف قراءة النص القرآين

.استشرافية

املنهج التارخيي من املناهج، أمهها مجلة، سنعتمد إجناز التصميم السالف الذكرمن أجل :تبعةهج املااملن

إشكالية تطور قراءة القرآن الكرمي يف خمتلف العصور لكي ندرك األرضية اليت نطرححيث اجلنيالوجي

عن املنهج الوصفي التحليلي ، وتبلورت فيها الدعوات إىل تطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين

النص قراءةهم املعاصر يف تطبيق آليات الفاملتعلقة براء اآلفكار وخمتلف املفاهيم واألوصف وحتليل طريق

حماوالت رائدة ا، ونظرا لشساعة املوضوع وتعدد أقطابه فضلنا أن نعتمد منوذجني مشهورين قدمالقرآين

تداعيات الربط بني آليات الفهم حيث نبنياملنهج النقدي و، 'أبو زيد'و 'أركون'مها موضوعنا حول

االجتاه إذن ، 'طه عبد الرمحن'باالستعانة بأفكار ة والنص القرآين، عند الفقهاء أو عند الفالسفة املعاصر

اآلراء املختلفة حول تطبيق املناهج املعاصرة يف قراءة النص ألشهرالعام ملنهجنا هو الوصف والتحليل والنقد

القرآين.

طبيعة ومسار ستمرار ملشاريع تبحث يف نعتقد أن موضوعنا تكريس وا :لموضوعلالدراسات السابقة

، حيث سنستفيد من حماوالت خمتلف الباحثني يف آليات الفهم املعاصرالنص القرآين و وأفاق العالقة بني

لكي نكمل مسرية خمتلف الدراسات ميداا، من أمثال: مالك بن نيب، أركون، أبو زيد، اجلابري....

'النص منها ، تتعلق مبوضوعنايد من الرسائل واألطروحات أن هناك العد األكادميية يف طرحها، حيث

Page 16: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

ك

طرحت مسائل خمتلفة حول هاتني اآلليتني يف اليت ،- اجلزائر- جبامعة وهران القرآين بني التفسري والتأويل'

، و'اهلرميوطيقا والنص القرآين' جبامعة ظهر املهراز 'أركون'و 'الطربي'مناذج معتمدة على فهم النص القرآين

وهناك ...اليت بدورها قامت بالبحث يف حيثيات العالقة بني اهلرمينوطيقا والنص القرآين، -املغرب–فاس

أطروحات متنوعة للدكتورة يف جمال املوضوع يف أقسام خمتلفة ال تقتصر على الفلسفة بل تتجاوزها إىل

م املعاصر وعالقاا بالنص اليت تطرح مسألة آليات الفه اإلسالمية أقسام األدب واللغة العربية والشريعة

القرآين يف دراسات أكادميية متنوعة ومتعددة األشكال.

اليت وخطورته تهحساسي :أمهها أثناء معاجلتنا ملوضوعنا،الكثري من الصعوبات واجهتنا :صعوبات البحث

ذلك ألن ااإلمساك بتفاصيله واإلملام وصعوبةجماله شساعة ، جعلتنا نتحري يف طرح الكثري من مسائله

املؤلفات تنوع وتتعدد صال، آليات الفهم املعاصرة متعددة وخمتلفة ومن الصعب جدا فهمها فهما جممال ومف

الدراسات يف ميدانه حيث من الصعوبة فهمها وقراءا أحيانا والسيما من حيث مراعاة خمتلف و

صرب وسعة االطالع على املستجدات حتتاج إىل الكثري من ال دراستناف، مبيدان طرحهااخلصوصيات املتعلقة

حلما موضوعا إن مل نقلل ظ، وتهاوأسرار ها يف اال العلمي واملنهجي من أجل املعرفة العميقة خببايا

عل النص القرآين حمكا للمناهج جي التطلع إىل حبث خاصغايته القصوى ،وطموحا حمفوفا باملزالق واملخاطر

.واآلليات وليس العكس كما هو سائد

: من خالل حبثنا يف إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر، مستجدات وأفاق البحث

بالقراءات وعالقتها من حيث مفاهيمها ومسارها وتبلورها ونقدها هلاة دراسة شامل إعداد إىلصبوا ن

نتوخى البحث فيه ال ينضب اريفك امعين ا وومثري اثري ويبقى موضوعنا وما أثارته من تداعيات، ،احلداثية

واهللا هو املوفق يف كل حال ومآل. ؤت منه إال القليل،نعلم مل ب

Page 17: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

مدخل مفاھيمي

Page 18: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

19

مدخل مفاهيمي:

ترتبط إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر مبجموعة من املفاهيم أمهها:

:القرآن الكرمي-1

"معىن القرآن معىن اجلمع، ومسي قرآنا ألنه جيمع السور ويضمها...وقرأت الشيء العرب لغة: جاء يف لسان-

ومسي القرآن ألنه مجع القصص واألمر والنهي والوعد والوعيد قرآنا: مجعته وضممته بعضه إىل بعض...

سمية واآليات والسور بعضها إىل بعض، وهو مصدر كالغفران، قال:وقد يطلق على الصالة ألن فيها قراءة، ت

، حسب هذه التصورات يرتبط لفظ )1(قال: قرأ يقرأ قراءة وقرآنا يللشيء ببعضه، وعلى القراءة نفسها،

القراءة واجلمع. :مبفهومني جوهرين مها القرآن

وقد نزل منجما يف نيف وعشرين ،كتاب اهللا املرتل على نبيه حممد صلى اهللا عليه وسلم ميثل " اصطالحا:-

) سورة، وهذا القسم يسمى 85ادث واملناسبات، وأغلبه نزل يف مكة وضواحيها (سنة على حسب احلو

وجمموع سوره ،املكي، والباقي نزل يف املدينة ويسمى املدين، ولكل قسم ميزات ال جندها يف القسم اآلخر

أقصر سورة هي سورة ،آية286سورة تتراوح من حيث احلجم، فأطول سورة هي سورة البقرة، وتضم 114

وعدد آياته ،ولكل سورة اسم خاص ا، وقد تسمى السورة الواحدة بأكثر من اسم ،آيات 3كوثر، وتضم ال

آية.6616

جاء اسم القرآن من عند اهللا رغبة يف خمالفة العرب فيما يسمون كالمهم، فسمي ما أنزل على نبيه قرآنا كما

ومسو بعض السورة آية كما ،يوام قصيدةكما مسوا بعض د ،ومسى بعضه سورة ،مسى العرب أشعارهم ديوانا

.)2(وهذا جزء من إعجازه."، وآخر اآلية هي الفاصلة كالقافية ،مسوا بعض القصيدة بيتا

1 .134- 133، ص1، ج2005، 1دار الكتب العلمية، بريوت لبنان، طابن منظور مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم ، لسان العرب،

2 .704-703، ص1993، 1، ط2التوجني حممد، املعجم املفصل يف األدب، دار الكتب العلمية، بريوت لبنان، ج

Page 19: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

20

بينما - اجلمع-و -القراءة-خالل املفهومني السابقني، القرآن الكرمي يف املفهوم اللغوي يرتبط بكلمتني مها من

يف االصطالح ميثل كتاب أنزله اهللا تعاىل على نبيه صلى اهللا عليه وسلم مبكة واملدينة يضم جمموعة من السور

كل واحدة منها تتضمن جمموعة من اآليات.

قدم املناهج وأكثرها شهرة، وهو:: ميثل أالتفسري- 2

يقال فسر شيء يفسره بالكسر، ويفسره بالضم، فسرا " حيث مشتق من الفعل فسر من الفسر، : يف اللغة -

وفسره: أبانه والتفسري مثله، الفسر كشف مغطى والتفسري كشف املراد عن لفظ املشاكل، ويرتبط به

بالفسر كذلك وهو نظر الطبيب إىل املاء، وكذلك التفسره االستفسار وهو السؤال عن التفسري، كما يرتبط

فمعىن التفسري ، )1(وهي البول الذي يستدل به على املرض وينظر فيه األطباء ويستدلون بلونه على علة العليل

.البيان والكشف واإليضاح ملا هو مغطى أو غري واضح وإظهار ما هو خفييف اللغة هو

" علم نزول اآلية وسورا وأقاصيصها، وهو للتعامل مع النصوص القرآنية، يفهم كمنهج :يف االصطالح -

واإلشارات النازلة فيها، مث ترتيب مكيها ومدنيها، وحمكمها ومتشاها، وناسخها ومنسوخها، وخاصها

" اسم للعلم الباحث عن بيان معاين ألفاظ وهو كذلك:، )2(وعامها، ومطلقها ومقيدها، وجمملها ومفسرها"

ميكن القول أن التفسري عند علماء الدين منهج لفهم القرآن و) 3(القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع "

كمنطلق لتحديد املعاين الواردة يف اآليات والسور ككل، يقوم على املعرفة بعلوم اللغة العربية وعلوم القرآن

والشريعة. القرآنية لكي تكون سندا لفهم مسائله املتعلقة بالعقيدة

1 .632، ص مرجع سابق مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم، لسان العرب، ابن منظور

2 .146، ص 2005دار الفكر للطباعة والنشر، بريوت لبنان، د ط، ،الزركشي بدر الدين حممد بن عبد اهللا، الربهان يف علوم القرآن

3 .18، ص 2006اجلزائر، د ط، كايف منصور، مناهج املفسرين، دار العلوم للنشر، عنابة

Page 20: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

21

:التأويل-3

ه)، الذي علمه اهللا 115هو بدوره أقدم املناهج يربط الباحثون وجوده بشخصية الصحايب 'ابن عباس'(ت

، وهو:بذلك التأويل بدعاء النيب صلى اهللا عليه وسلم

؟ كما قال "يف اللغة من األول، ومعىن قوهلم: ما تأويل هذا الكالم؟ أي: إالم تؤول العاقبة يف املراد به -

وقال آل األمر إىل كذا، أي صار إليه، ) أي تكشف عاقبته، ويقال:35سورة األعراف آ(تعاىل:'يوم يأيت تأويله'

تعاىل: 'ذلك تأويل ما مل تسبني أن التأويل مشتق مما يؤول إليه األمر، وأصله من تهنا يو ،)2(" )1(رباطع عليه ص

باأليالة، وهي السياسة انطالقا من أن "املؤول للكالم يسوي "املآل، وهو العاقبة واملصري، كما يرتبط كذلك

)3(الكالم، ويضع املعىن يف موضعه"

يف ، وهوفظ إىل معناه الباطين، حيث يرتبط بتجاوز ظاهر الل)4(أما يف االصطالح فهو "تصفية الظاهر والباطن"

، "فهو ليس بعلم لكونه يتبع علم التفسري من ال خيتلف عن التفسري بالرأي الكالسيكيني اصطالح علماء الدين

لكن و إذ وظيفته ال تتجاوز تفسري النص وتوضيح معانيه، ،)5(حيث العموم ويتميز عليه من حيث اخلصوص"

"صرف اللفظ عن املعىن الراجح إىل املعىن هو -علوم القرآن الكرمي موسوعة- رد يف و يف عرف املتأخرين كما

أي هو انتقال من املعىن الظاهر الراجح إىل املعىن الباطن املرجح أن حيتمله النص.) 6(املرجوح لدليل يقترن به"

1 .82قرآن كرمي، سورة الكهف، اآلية:

2 .164الزركشي بدر الدين حممد بن عبد اهللا، الربهان يف علوم القرآن، مصدر سابق، ص

3 .، ص نفسهااملصدر نفسه

4، الدار 10عبد القادر وآخرون، التأويل والترمجة، مقاربات آلليات الفهم والتفسري، نقال عن: ابن جزي، التسهيل يف علوم القرآن، ص بوعرفة

. 226، ص 2009، 1العربية للعلوم ناشرون، ط5 املرجع نفسه.

.356، ص 2007، د ط ، إسالم حممود دربالة، علوم القرآن وآداب محلته يف سؤال وجواب، مكتبة اإلميان 6

Page 21: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

22

:النص-4

: "النص: رفعك الشيء. نص لسان العربورد يف حيثالرفع، تعين اللغة العربية يف - نص–كلمة لغة:

احلديث ينصه نصا: رفعه. وكل ما أظهر، فقد نص. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجال أنص للحديث من

الزهري أي أرفع له وأسند. يقال نص احلديث إىل فالن أي رفعه، وكذلك نصصته إليه ونصت الظبية

وحا على الظاهر ملعىن املتكلم، وهو سوق الكالم "ما ازداد وض أنهالتعريفات وورد يف ،)1(رفعته." جيدها:

ألجل ذلك املعىن، فإذا قيل: أحسنوا إىل فالن الذي يفرح بفرحي ويغتم بغمي، كان نصا يف بيان حمبته. وما ال

، ففي األصول العربية يرتبط مفهوم النص بالرفع )2(حيتمل إال معىن واحدا، وقيل: ما ال حيتمل التأويل

غياب تصور عريب هناك ، وبالتايلاملتداول حاليا باعتباره أداة إلنتاج املعاين يرتبط مبفهومه والوضوح، وال

لعرب ألن ما عرفه ا، املتداول اليوممفهوم مستعار من الثقافة الغربية حسب تصوره وهو النص، أصيل ملفهوم

إىل املصطلح كمفهوم وفهم ألصوهلا النحوية والبالغية، كان مفتقرا شعرية ونثرية نصوصمن ،منذ القدمي

. حيلل ويفهم يف إطاره النص كشبكة من العالقات، مستعينا باألدوات واملناهج املعاصرةإجرائي

). ومعناه بالعربية "نسج"، texère"() آتية من الفعل "نصTextusكلمة "نص" الالتينية( ففي اللغة األجنبية:

لك فمعىن النص هو "النسيج". ومثلما يتم النسج من خالل جمموعة من العمليات املفضية إىل تشابك ولذ

اخليوط ومتاسكها مبا يكون قطعة قماش متينة ومتماسكة "فالنص نسيج من الكلمات يترابط بعضها ببعض.

يفيد هذا )3( "نص" هذه اخليوط جتمع عناصره املختلفة واملتباعدة يف كل واحد هو ما نطلق عليه مصطلح

املفهوم أن النص نسيج وشبكة جتمع بني الكلمات واجلمل.

1 .539ابن منظور مجال الدين أبو الفضل حممد، لسان العرب، مرجع سابق، ص

2 .216ص ، 2006، 1ط، مؤسسة احلسين اجلرجاين شريف، التعريفات،

3الدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت ، مدخل إىل علم النص وماجالت تطبيقهالصبيحي حممد األخضر، مدخل إىل علم النص وجماالت تطبيقه،

.19ص ، 1لبنان، ط

Page 22: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

23

"جمموع امللفوظات اللغوية اليت ميكن إخضاعها للتحليل: النص أن ،يف معجم اللسانياتورد اصطالحا:

اظ أي هو عبارة عن ألف )1(فالنص إذا عينة من السلوك اللغوي الذي ميكن أن يكون مكتوبا أو منطوقا"

كذلك " األصل أو الوثيقة أي الكالم املدون، الذي يرجع عين منطوقة أو مكتوبة ختضع للتحليل والدراسة، وي

مبعىن أنه يطلق على كل ما هو )2(إليه الباحثون والعلماء والفقهاء باعتباره مستندا إىل الصحة والوثوق به"

ويقبل التحليل والقراءة والدراسة.، مدون يف ميدان القرآن أو الفلسفة أو العلم أو غري ذلك

الفهم: -5

لغة: "معرفتك الشيء بالقلب، فهمه فهما وفهامة: علمه...وفهمت الشيء: عقلته وعرفته، وفهمت فالنا

فهو مرادف للتعقل واملعرفة.) 3(وأفهمته، وتفهم الكالم: فهمه شيئا بعد شيء"

:اصطالحا

هي: - compréhension– الفلسفية' كلمة الفهم كما وردت يف 'موسوعة الالند

"جممل السمات املنتسبة إىل مفهوم، ما ميكن فهمه يف معان شىت:

جمموع كل املزايا املشتركة بني مجيع األفراد، املنتمني إىل صنف معني: فهم شامل.- أ

ميكن تعريفه أيضا بأنه جممل حمموالت كل القضايا الصحيحة اليت يكون موضوعها حدا معينا.-

لة السمات املكونة لتعريف املفهوم: حد تقريري.مج- ب

جممل السمات اليت يثريها يف فكر معني أو لدى معظم أفراد مجاعة ما، استعمال كلمة معينة، فهم ذايت.- ج

جمموع متكون، ليس فقط من املزايا اليت تكون مشتركة بني كل أفراد الصنف، بل أيضا من جمموعات مزايا - ه

ريقة تعاقبية: كما هو احلال بالنسبة إىل مثلث ينبغي أن يكون بالضرورة إما حاد الزوايا تنتمي إىل هؤالء بط

1 .20املرجع نفسه، ص

2 .48، ص2005، 1حسني سعد، األصولية العربية املعاصرة بني النص الثابت والواقع املتغري، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت لبنان، ط

.،420ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق ص 3

Page 23: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

24

acutangle وإما منفرج الزواياobtusangle ،وبالنسبة حليوان فقاري، ينبغي إما أن يكون ثدييا، وإما طريا ،

.)1(وإما زاحفا، وإما ضفدعيا/برمائيا، وإما مسكا"

، وكان يعين 1966عام Port-Royal) مفهوم قدم من خالل منطق بورت روايال compréhension "الفهم(-

األفكار أو نظرية يف نوع من أنواع اجلمال أوالتفكري، واليوم له عالقة بالعملية القصدية الشعورية، فهو يتعلق

وه شعوره." ارتبط الفهم بالوجود، فهو العالقة على الشيء املتوجه حن Fregeباحلكم واملفهوم. مع فريج"

ومن الناحية اللسانية فيتعلق مفهوم "الفهم"بالتواصل، وحيدد على أساس االستقبال، ومن الوظائف اليت يؤديها

التأويل، فك الشفرات، والشرح والترمجة...إخل، وعند البنيويني واألنثربولوجيني مت استخدام إنتاج الفهم على

)2(أنه خاصية يف العلوم االجتماعية."

جند هذه األخرية من املرتكزات اليت ،"القراءة" مفهومو عندما نعود إىل العالقة بني النص القرآين اءة:القر-6

وهي:، تأسس عليها

باسم "اقرأ :قوله تعاىلالذي بدأ به نزول القرآن الكرمي يف اقرأ " - يقرأ–قرأ مصدرا للفعلعترب ت يف اللغة:

طرحا عند املسلمني كرمز للعلم واملعرفة، رد إليها مفهوم وكانت من أكثر الكلمات )3(ربك الذي خلق"

وقد كانت وال تزال كلمة القراءة عند املهتمني بفهم النص القرآين، بغض النظر عن التغري احلاصل ،القرآن ذاته

ة بالقرآن يف مفهومها بني االستخدام الكالسيكي واملعاصر، العملية الكربى اليت ترتبط ا خمتلف املسائل املتعلق

الكرمي، منذ الوهلة األوىل لرتوله إىل يومنا هذا.

اصطالحا: القراءة كمصطلح مت تداوله بكثرة يف الفترة املعاصرة، تتخذ مفهوما جديدا، إذ تتجاوز معىن

فهم النطق باحلروف والكلمات واجلمل أو كتابتها، و" ال تعين هنا باملفهوم العام، املطالعة وقراءة الكتب بل ال

.192-191، ص 2001، 2أندري، موسوعة الالند الفلسفية، تر: خليل اجلر، منشورات عويدات، بريوت لبنان، ط الالند 1 . 16، ص 2008، 1دراسة يف املنهج التأويلي عند شلري ماخر وديلتاي، منشورات االختالف، ط -بومدين بوزيد، الفهم والنص 23 .1العلق، اآلية: قرآن كرمي، سورة

Page 24: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

25

حبيث أصبحت اليوم ترتبط بالتعامل مع النص كحقل داليل متنوع )1(واستلهام املعاين الواردة يف النصوص"

ومتعدد املعاين، وال تقوم على نطق النص ولكن استنطاقه، وهي "نشاط لغوي مولد للتباين منتج

قة أو موضوعية واحدة ومشتركة ، حسب تباين املعاين اليت تنتهي هلا، أي ال توجد قراءة مطاب)2(لالختالف"

تكشف معان حمددة ميكن االتفاق عليها بني األفراد يف شىت األمكنة واألزمنة، وإال ملا كان االختالف يف قراءة

القرآن الكرمي يف شىت العصور، وكان له معنا واحدا ثابتا ومتفقا عليه مل ختتلف حوله املذاهب والفرق

والفالسفة ورجال الدين.....

: املعاصر-7

أي الراهن.) 3(لغة: املعاصر من "العصر: اليوم"

أن كلمة حديث وعصري: - موسوعة الالند-اصطالحا: ورد يف

لفظ مستعمل بكثرة منذ القرن العاشر، يف املساجالت الفلسفية أوالدينية، ويكاد يستعمل دوما مبعىن ضمين - أ

املكتشفة أو أحداث األفكار املصاغة، غياب الكسل إما لعيب(انفتاح وحرية فكرية، معرفة أحداث الوقائع

والرتابة) وإما عامي (خفية، انشغال بالدرجة، حب التغيري ألجل التغيري، ميل إىل االهتمام باالنطباعات الراهنة،

بال حكم على املاضي وبال تفكر فيه... .

مع املعاصر): 'التاريخ احلديث' هو باملعىن التقين، احلديث يتعارض مع الوسيط (وأحيانا، باجتاه عكسي،- ب

، 'الفلسفة احلديثة' هي فلسفة القرن السادس 1435تاريخ الوقائع التالية لسقوط القسنطينية، يف سنة

1 .143، ص2010، 1الدار العربية للعلوم ناشرون، ط -النقد، احلقيقة، التأويل- هواري وآخرون، قراءات يف فكر وفلسفة علي حرب، محادي

2 .5، ص.2005، 3ط ،املركز الثقايف العريب، بريوت لبنانحرب علي، نقد احلقيقة،

3 .535مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم، لسان العرب، مرجع سابق، ابن منظور

Page 25: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

26

عشروالقرون التوايل، حىت أيامنا. مع ذلك غالبا ما يطلق على باكون وديكارت اسم مؤسسي الفلسفة

.)1(احلديثة"

- النص القرآين وآليات الفهم املعاصر–اليت يتأسس عليها حبثنا، تؤسس إلشكالية هذه مجلة املفاهيم املفتاحية

اليت تعترب من املواضيع الواسعة جدا، تدرك يف إطار مفاهيم أخرى نفصلها الحقا لعل امهها مفهوم الوحي

فما املقصود به؟ القرآين،

.822الالند أندري، موسوعة الالند الفلسفية، مرجع سابق، ص 1

Page 26: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

الوحي القرآين من القداسة إىل الدراسة.لفصل ا�ول:ا

توطئة

.املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين- املبحث األول:

.آليات الفهم املعاصر وجتديد مفهوم الوحي القرآيناملبحث الثاين:

.املفهوم الفلسفي املعاصر للوحي القرآيناملبحث الثالث:

Page 27: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

28

لفصل األول: الوحي القرآين من القداسة إىل الدراسة.ا

الوحي كان قد بسط، وضيق وحط من قدره، مث أخريا هجر من قبل العقل العلمي املستنري وترك ملسريي أمور التقديس أي لرجال "مفهوم

).26ص -من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين– القرآن(أركون، الدين يف كل طائفة وملة"

توطئة:

ما املقصود ؟ بني التصورين الكالسيكي واملعاصرالكرمي القرآن كيف تغري مفهوملوحي القرآين؟ حقيقة اما

بالنص القرآين وهل هو نص كباقي النصوص؟ وكيف انتقل من القداسة إىل الدراسة ومن التبجيل إىل التحليل؟

للبحث يف إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر، ألا طرحها... أسئلة ال مفر من البدء ب

ميكن أن نفهم كيف املنطلق األول إلدراك األرضية اليت تأسست وتبلورت فيها هذه اإلشكالية، إذ يف إطارها

رة دينية ونصا التصور الذي يربطه بالغيب والتبجيل إىل ذلك الذي جيعله حدثا أو ظاهانتقل الوحي القرآين من

قراءة النصوص الدينية يف الفترة املتأخرة، وآليات وخطابا يقبل الفهم و التحليل، فبعد التطور احلاصل يف مناهج

يف إطار تغري النظرة إىل الوحي القرآين ذاته، وإن كانت هذه النظرة تعكس القرآين نصالتغريت النظرة إىل

راسته أال وهو النص القرآين، والبحث يف اآلليات املعاصرة هو الذي حنن بصدد د ،املوضوع حقيقة وخصائص

من دون شك أننا ال نستطيع احلديث عن مسألة ف، يف الفترة املتأخرة حبث يف املناهج املتبعة واملطبقة يف قراءته

ل شيء، من إال إذا حتدثنا عن حقيقة املوضوع املطبق فيه قبل ك ،املنهج املتبع يف دراسة أي ظاهرة أو نص حمدد

منطلق أن الفرضية االبستيمولوجية تقول أن طبيعة املوضوع هي من حيدد طبيعة املنهج، فكيف تطورت النظرة

إىل حقيقة الوحي القرآين؟

تطورت النظرة إىل الوحي القرآين باالنتقال من تلك النظرة اليت تكتفي بتقديسه وتبجيله والنظر إليه

عن الكتب ومتاما عن الظواهر األخرى إنسانية واجتماعية وطبيعية كموضوع من طبيعة خاصة خيتلف

واليت ترتب عنها النظر إىل النص القرآين يف ذاته وفق متيزه املطلق عن - التوراة واإلجنيل-السماوية األخرى

لنظرة اليت أن يقرأ بنفس األدوات املطبقة فيها، إىل تلك ا ونفي إمكانيةالنصوص األدبية والفلسفية والعلمية

Page 28: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

29

ترفض التميز بني الوحي القرآين وغريه من الظواهر دينية أو غري دينية حبيث ميكن أن حيلل ويدرس بنفس

ا، واليت ترتب عنها أن النص القرآين ال ميكن أن ميي ز عن النصوص األخرى من حيث اآلليات اليت تدرس

كاهلرمينوطيقا والسيميولوجيا ،دة يف قراءاآليات قراءته وفهمه و ميكن أن يقرأ بنفس املناهج املعتم

ال تستطيع التعامل مع املفاهيم الكالسيكية للوحي تلك اليت والتفكيك...وغريها من املناهج املعاصرة اليت

اعتباره ظاهرة وحدثا ونصا بوتسعى إىل جتاوزها املطلق... حتصره يف مصطلحات: الغيب، التعايل، املقدس،

إشكالية تطبيق أدوات ات مناسبة لتلك املناهج، هذا التغري يف مفهوم الوحي يبني أن وخطابا...كمصطلح

بالبحث عن التطور والتغري أشكلة مفهوم الوحي القرآينعلى تقوم أوال لنص القرآين الفهم املعاصر يف قراءة ا

كي إىل شكله املعاصر تغري مفهوم الوحي القرآين من شكله الكالسيتطور أو كيف ف احلاصل يف مفهومه،

وما حقيقة هذا املفهوم اجلديد للوحي؟ اليوم؟ وما أثر أدوات الفهم اجلديدة يف بناء مفهوم جديد له؟

Page 29: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

30

املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين:- املبحث األول:

تصورات جبملة من بطه ير ذلك الذي ،)∗( يبدأ البحث يف حقيقة الوحي القرآين بإدراك مفهومه الكالسيكي

يلحقها به رجال الدين يف غالب األحيان، تصب يف جوهرها يف اعتباره من قبيل املقدس والغيب واملتعايل

التفلسف يف ميدانه أو رفض تووترفض خمتلف التصورات اليت تعتربه ظاهرة وخطابا وحدثا... واملطلق،

اآلليات املعاصرة يف فهمه، فما حقيقة التصور كما دعا إليها الفالسفة ورواد تطبيق دراسته أشكلته و

الكالسيكي للوحي للقرآين؟

يدرك املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين، حسب مجلة التصورات اللغوية امللحقة به، ومجلة املفاهيم

ي مثله مثل الوحمفهوم مركب، -الوحي القرآين–االصطالحية اليت يضفيها رجال الدين عليه، ومبا أن مفهوم

'، فإنه يدرك يف إطار املفاهيم اللغوية واالصطالحية قرآن'و 'وحي'من كلمتني -املسيحي والوحي اليهودي

هلاتني الكلمتني كما يلي:

:مفهوم الوحي - 1

" اإلشارة والكتابة والرسالة واإلهلام والكالم ويعين ،مصدرا للفعل أوحى يوحي وإحياء يعترب : )∗∗(لغة-أ

حسب توظيفه ...اإلعالم واإلهلامو ذا املفهوم يرتبط الوحي مبعىن اإلشارة ،)1(ألقيته إىل غريك"اخلفي وكل ما

، حيث يقال يف العربية أوحى إليهم مبعىن أشار إليهم كما هو احلال يف قوله تعاىل:"فأوحى يف اجلملة موقعه و

ألن الوحي هو ،معىن الكتابةقد ال يتجاوز جمال ربطه بالقرآن الكرمي يف، و )2(إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا"

تصور علماء الدين الذي نسج قدميا وكرس طيلة العصور املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين، ال يعين أنه مل يعد متداوال اليوم، بل املقصود به ∗

ن ورفض كمرادف للمقدس والغييب واملبجل، وقد كان وال يزال أكثر تداوال باملقارنة مع املفاهيم اجلديدة اليت هي يف أغلب احلاالت موضع استهجا

راءة القرآن الكرمي إىل نقده وجتاوزه.من شىت األطراف إىل غاية يومنا هذا، وهو ما يسعى أنصار اآلليات املعاصرة يف قختذه ال ميكن إنكار دور املفهوم اللغوي يف إرساء تصور جديد للوحي عند الكثري من املشتغلني بالبحث يف القرآن من أمثال: أبو زيد، الذي ا ∗∗

ة السائدة، لكنها يف جوهرها تستفيد من التأويلية وال أرضية لتأسيس خمتلف الرؤى اجلديدة حوله تلك اليت ترد يف جوهرها إىل ربطه بالثقافة العربي

تقف عند حدود معانيه اللغوية السطحية. .798،ص مرجع سابق 8ابن منظور مجال الدين أبو الفضل بن مكرم، لسان العرب، ج 1 .11قرآن كرمي، سورة مرمي، اآلية 2

Page 30: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

31

بالوحي الكتابة " وبالتايل يرادعلق مبا يكتب أو ينقش ليصبح كتابة أوخطا، تاملكتوب والكتاب أيضا عندما ي

اخلفاء والسرعة، ولذا قيل يف معناه: مصدر، ومادة الكلمة تدل على معنيني أصليني مها:، "والوحي )1(واخلط"

ويطلق ويراد املوحى، ،سريع اخلاص مبن يوجه إليه حبيث خيفي على غريه، وهذا معىن املصدراإلعالم اخلفي ال

اإلشارة واإلهلام كالوحي إىل أم موسى بإرضاع ابنها، وحييل إىل معان عدة أمهها ، )2(أي مبعىن اسم املفعول"

كما يرتبط مبا، ح بكرة وعشياقومه بالتسبي إىل 'زكرياءالنيب 'السريعة على سبيل الرمز واإلحياء كإحياء هللا إىل

الشيطان عندما يزين الشر يف نفس ذلك إىل وساوس ، بل يتجاوز ما يلقيه هللا إىل مالئكته من أمر ليفعلوه

واملكتوب و اإلعالم واإلهلامو اإلشارةاإلنسان، فالوحي يف اللغة العربية مفهوم واسع جيمع بني كلمات

اإلخبار يف سرعة وخفاء.

: يرتبط املفهوم االصالحي الكالسيكي للوحي القرآين بتصور رجال الدين له، ومن بينهم اصطالحا-ب

أحد تسميات القرآن الكرمي "ومعناه تعريف الشيء خفية، سواء كان ه )الذي أكد أنه794(ت 'الزركشي'

من الوحي والعجلة، ألن فيها إهلاما بالكالم، كاألنبياء واملالئكة، أو بإهلام: كالنحل وإشارة النمل، فهو مشتق

" إمنا )4(قوله تعاىل: "إن هو إال وحي يوحى" الذي بني أن معىن ه)774'(تابن كثري' و ،)3(بسرعة وخفية"

هنا يتبني أن مفهوم الوحي و ،)5(يقول ما أمر به، يبلغه للناس كامال وموفورا، من غري زيادة وال نقصان"

مرادف للقرآن الكرمي، وميثل ما أمر اهللا به رسله بتبليغه دون زيادة أو نقصان.

.798مرجع سابق، ص ابن منظور مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم، لسان العرب، 1 .42، ص 2007، 1دربالة إسالم حممود ، موسوعة علوم القرآن، مكتبة اإلميان، املنصورة مصر ، ط 2 .351ص 2005الزركشي بدر الدين حممد بن عبد اهللا، الربهان يف علوم القرآن،دار الفكر للطباعة والنشر، بريوت لبنان، د ط، 3 .4 النجم، اآلية:قرآن كرمي، سورة 4 .1787، ص 2008ابن كثري أبو الفداء احلافظ، تفسري القرآن العظيم، دار الفكر، بريوت لبنان، د ط، 5

Page 31: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

32

اعتباره كالم اهللا املقدس املرتل على نيب من أنبيائه، ميثل "للوحي القرآين يتلخص يف: وتصور رجال الدين

منهم بعض اليرده و، )1(مصدر إعالم اهللا تعاىل من يصطفيه من عباده ما أراد من هداية بطريقة خفية وسريعة

إىل معنيني يف االستخدام الشرعي والديين ومها:

أنه إعالم هللا لنيب من أنبيائه حبكم شرعي وحنوه. - 1"

أي -عرفان جيده الشخص من نفسه مع اليقني أنه من قبل هللا بوساطة أو بغري وساطة، واألول - 2

.)2( "بصوت يتمثل لسمعه أو بغري صوت - بوساطة

-تلقي معارف ا سبق، املفهوم االصطالحي للوحي القرآين يف التصورات الكالسيكية، ميثلإذن حسب م

دون أمر بالتبليغ يكون نبيا، به الشخصعندما ينبأ يوحي ا اهللا إىل أنبيائه ورسله، غيبية يقينية ائية مطلقة

سيطرة على عقول الفقهاء واألصوليني وعندما يأمر بتبليغها للبشر يصبح نبيا و رسوال، هذا املفهوم هو األكثر

، الناسوالكثري من علماء الدين يف خمتلف األمكنة واألزمنة، كما أنه من ناحية أخرى أكثر هيمنة على عقول

ترفض كل التصورات وحيث كانت وال تزال الرؤى الرمسية والشعبية يف العديد من الدول اإلسالمية تكتفي به

، وتنعت كل من يدعي االشتغال ا بالزندقة والكفر واملساس باملقدس.هاجلديدة السائدة حول

:مفهوم القرآن الكرمي-2

طرحه علماء الدين أحلقه به أو الذي الكالسيكي للقرآن الكرمي، هو بدوره ميثل املفهوم البحث يف املفهوم

ألنه لن خيرج عن إطاره وإن ،حول مفهوم الوحي يعترب امتدادا للطرح السالف الذكرحوله ماضيا وراهنا، و

:جماليه اللغوي واالصطالحي حسبيفهم بدوره ومنه، اكان أكثر خصوصية وحتديد

.43دربالة إسالم حممود ، علوم القرآن، مرجع سابق، ص 1

.42، ص2008، 1، ط-األردن-فضل حسن ، حماضرات يف علوم القرآن، دار النفائسعباس 2

Page 32: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

33

لغة:-أ

بكل ما هو ألنه يرتبط القراءة واجلمع، أشرنا سابقا يف املدخل املفاهيمي، أن مفهوم القرآن يف اللغة يرتبط ب

يضمهاوقرءا، وقراءة، وقرآنا، ومسي قرآنا ألنه جيمع كل السور من الفعل قرأ، يقرؤه، و باعتباره مشتقامقروء

، يف نفس هذا االجتاه القائم على ربط املفهوم )1(، نسبة إىل قوله تعاىل " إن علينا مجعه وقرآنه"إىل بعضها بعضا

"وأما القرآن فقد اختلفوا فيه يف أحد التعريفات 'الزركشي' صرحياللغوي للقرآن بكلميت القراءة واجلمع،

فقيل هو اسم غري مشتق من شيء، بل هو اسم خاص بكالم اهللا، وقيل: مشتق من القري وهو اجلمع، ومنه

على لسان الراغب أنه: ه)911(ويذهب السيوطي ،)2(قريت املاء يف احلوض أي: مجعته، قاله اجلوهري وغريه"

م، قرآن. قال وإمنا مسي قرآنا، لكونه مجع مثرات الكتب السالفة "ال يقال لكل مجع: قرآن، وال جلمع كل كال

.)3(املرتلة، وقيل: ألنه مجع أنواع العلوم كلها"

يف التصورات الكالسيكية عند علماء للقرآن الكرمي ةم االصطالحييهاعن املف : البحثاصطالحا -ب

حيث تعتربه:،واملقدس... الكاملعن إطار مفاهيم املطلق والنهائي، خترج، ال الدين

"هو املرتل على الرسول صلى اهللا عليه وسلم املكتوب يف املصاحف املنقول عنه نقال بالتواتر بال شبهة، -

أي هو الكتاب اجلامع للحقائق. ،)4(والقرآن عند أهل احلق هو العلم اللدين اإلمجايل اجلامع للحقائق كلها"

حممد صلى اهللا عليه وسلم باللفظ واملعىن، بواسطة جربيل، املتعبد بتالوته، كالم اهللا الذي أنزله على نبيه " -

وإعجاز اخللق عن اإلتيان مبثل أقصر سورة منه، املنقول إلينا نقال متواترا وهو كالم اهللا مرتل غري خملوق، منذ

أي ،. )5(آلذان"بدأ وإليه يعود، وهو مكتوب يف املصاحف، حمفوظ يف الصدور، مقروء باأللسنة، مسموع با

.17القيامة، اآلية قرآن كرمي، سورة 1 .347الزركشي بدر الدين حممد بن عبد اهللا، الربهان يف علوم القرآن، مصدر سابق . ص 2 .137، ص2005السيوطي جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر،اإلتقان يف علوم القرآن، دار الكتاب العريب بريوت لبنان، د ط، 3 .154ص ، مرجع سابق اجلرجاين شريف، التعريفات، 4 .11دربالة إسالم حممود ، موسوعة علوم القرآن، مرجع سابق، ص 5

Page 33: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

34

هو كالم اهللا وحده دون غريه من اإلنس واجلن واملالئكة، املرتل على حممد صلى اهللا عليه وسلم خيرج عن كل

ما أنزل على األنبياء من قبله، واملتعبد بتالوته أي املأمور بقراءته يف الصالة على وجه العبادة.

" الكتاب املرتل على نبيه املكتوب بني دفيت املصحف، فهو مصدر إهلي حبت، مل ميسه تصحيف أو حتريف -

، وذلك دليل على توجيه إهلي وإرشاد مساوي، شعر املسلم أنه لن )1("إنا حنن نزلنا الذكر وإنا له حلافظون"

للمسلمني، ومن مث حرص علماء يضل أبدا إن اهتدى دي ذلك الكتاب حىت غدا القرآن الدستور الروحي

البالغة على الداللة على أوجه إعجازه وقد انبثق عن القرآن الكرمي معظم العلوم الدينية كالقراءات، والتفسري،

.)2(والفقه، والنحو، والبالغة، والكالم، والتصوف"

لعلماء املسلمني دون اليت ركزنا على عرضها عند ا ،من خالل هذه التعريفات االصطالحية للقرآن الكرمي

غريهم، ندرك أا تلحق مبفهومه مجلة من الصفات، حنددها يف نتيجتني كما يلي:

داخل سياق عقيدم اإلسالمية على أنه الكتاب ،يف تعريف القرآن الكرمييتفقون علماء اإلسالم األوىل: إن -

ل من السماء على نبيه يف األرض يف املطلق والنهائي والصحيح املصحح لكل حتريفات الكتب السابقة، املرت

شكل سور وآيات مدونة يف مصحف، ذو مصدر إهلي حمفوظ ال ميكن أن حيرف أو ميسه أي حتريف، ميثل

وأصوله التفسري والفقهوالدين أصول علومكوتشتق منه لهطريق املسلم حنو اهلداية، وكل العلوم الدينية ترجع

اليت هي األخرىالعلوم وتضاف إليها علوم اللغة كالنحو والبالغة، ، كما تشتق منه وعلم الكالم والتصوف

.علم الفلك والنبات واحليوان، وعلم احلسابولعلوم املدنية غري دينية كا

ألنه ،وكل الشرائع الوضعية الكتب السماوية األخرى كالتوراة واإلجنيل خيتلف عنالقرآن الكرمي الثانية: إن -

عن النصوص البشرية املوجودة يف النثر والشعر، فهو ليس نصا عاديا كذلك، وخيتلف جاء مصححا لتحريفاا

.9قرآن كرمي، سورة احلجر، اآلية 1

، 2006، 1دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ط -اليونانية ،اإلسالمية، الغربية -صبحي أمحد حممود، وصفاء عبد السالم جعفر، يف فلسفة احلضارة 2

.55ص

Page 34: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

35

مقدس بل هو نص املختلفة،كباقي النصوص اليت أنتجها الفكر اإلنساين يف ميادين خمتلفة كالفلسفة والعلوم

.ه من الوجوهمتميز يف شكله ومضمونه، حيث ال ميكن أن يكون مماثال وجمانسا للنصوص البشرية بوجومبجل

من خالل هاتني النتيجتني، نفهم أن التصور الكالسيكي للقرآن الكرمي، جيمع بني نوعني من الصفات يلحقها

ا رجال الدين املسلمني على وجه اخلصوص، األوىل تتعلق بشكله والثانية ترتبط مبضمونه، وهذين نوعني

ب والنصوص األخرى.جيعالن القرآن الكرمي متميز متييزا مطلقا عن الكت

متثل مجلة التصورات امللحقة به، واليت تؤسس ملفهومه صفات ومميزات القرآن الكرمي عند املسلمني: -3

الكالسيكي املتداول عند املسلمني اليوم، حسب نوعني من الصفات تتعلقان بشكله ومضمونه:

يرى كما ، وآيات، حيث تتعدد أمسائه: يدرك شكل القرآن الكرمي مبعرفة أمساءه ومكوناته سورا شكله -أ

من سورة الدخان، 2امسا حسب خمتلف اآليات وهي: كتاب ومبينا يف اآلية 55مسي ب"أنه ه)911(السيوطي

من 57من سورة النساء، هدى ورمحة يف اآلية 174من سورة الواقعة، نورا يف اآلية 77قرآنا وكرميا يف اآلية

من سورة يونس، 57من سورة اإلسراء، موعظة يف اآلية 72ء يف اآلية ، شفا- ذكر سالفا–سورة يونس، فرقانا

من سورة 5من سورة الزخرف، حكمة يف اآلية 4من سورة األنبياء، عليا يف اآلية 50ذكرا ومباركا يف اآلية

من سورة 103من سورة املائدة، حبال يف اآلية 48من سورة يونس، مهيمنا يف اآلية 1القمر، حكيما يف اآلية

من سورة الكهف، قوال وفصال يف 2من سورة األنعام، قيما يف اآلية 103عمران، صراطا مستقيما يف اآلية آل

من سورة النبأ، وأحسن احلديث ومتشابه ومثاين، يف اآلية 2من سورة الطارق، ونبأ عظيما يف اآلية 13اآلية

من سورة الشورى، وحيا يف 52ية من سورة الشعراء، روحا يف اآل192من سورة الزمر، ترتيال يف اآلية 23

من سورة األعراف، بيانا يف 203من سورة يوسف، بصائر يف اآلية 2من سورة األنبياء، عربيا يف اآلية 45اآلية

من سورة آل عمران، 62من سورة البقرة، حقا يف اآلية 145من سورة آل عمران، علما يف اآلية 138اآلية

من سورة احلاقة، العروة 48من سورة اجلن، تذكرة يف اآلية 1جبا يف اآلية من سورة اإلسراء، ع9هديا يف اآلية

Page 35: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

36

من سورة األنعام، 115من سورة الزمر، عدال يف اآلية 33من سورة البقرة، صدقا يف اآلية 256الوثقى يف اآلية

ورة النمل، من س3من سورة آل عمران، بشرى يف اآلية 193من سورة الطالق، مناديا يف اآلية 5أمرا يف اآلية

من سورة 4من سورة األنبياء، بشريا ونذيرا يف اآلية 105من سورة الربوج، زبورا يف اآلية 21جميدا يف اآلية

من سورة 3من سورة إبراهيم، قصصا يف اآلية 52من سورة فصلت، بالغا يف اآلية 41فصلت، عزيزا يف اآلية

رآن نفسه كما حددها السيوطي ينتهي إىل يوسف ، وبعد عرض هذه األمساء يف شكل صفات يصف ا الق

-وهي سورة عبس حسب قوله تعاىل:" يف صحف مكرمة 14و13سورة حتمل أربعة أمساء للقرآن يف اآليتني

مث بني أسباب كل تسمية تنحصر يف جمملها يف رد األمساء إىل خصائص )1(" - 14- مرفوعة مطهرة - 13

، ففي أغلب احلاالت تعود أسباب التسمية .توجد يف القرآن مثل: املبني من أبان أي أظهر احلق من الباطل..

إىل املعاين للغوية لألمساء احملددة لصفات وخصائص القرآن الكرمي.

سورة مكتوبة بالغة العربية أوهلا سورة الفاحتة 114عددها ، من السورم القرآن الكرمي جمموعة كما يض

تتباين هذه السور يف الطول ، وآية 6616امل هاوآخرها سورة الناس، وكل سورة مقسمة إىل آيات عدد

آيات، ويقسم كذلك إىل سور 3الكوثر وتتكون من ها هي آية، وأقصر286هي البقرة تتكون أطوهلا والقصر،

نزلت باملدينة املنورة وعددها ماسورة، والسور املدنية وهي 86نزلت مبكة وعددها هي ما نزلت مكية

سورة.28

وتساعد على فهم حقيقته املتميزة عن الكتب شكل القرآن الكرمي،هذه بعض الصفات اجلوهرية احملددة ل

فا أم اتفاقا، تتعلق إن كانت توقي فيها وااختلفو، طرحها العلماءالسماوية األخرى، لكن هناك مسائل أخرى

مع اليت ترتبط جب ، تلكمن املسائل اليت أثارا علوم القرآن...وغريمها بترتيب سوره، وبالقراءات املقدمة

.على وجه اخلصوص الكرميوتدوين وقراءة القرآن

.136-135الدين عبد الرمحن بن أيب بكر ، مصدر سابق ، ص السيوطي جالل 1

Page 36: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

37

له بالدرجة القارئ رؤى متعددة تنبع من عقيدة يفهم مضمون القرآن الكرمي، انطالقا من :هضمونم -ب

ذلك الرافض ألشكلته والقائم على النظر إليه ككتاب ديين وما يهمنا هنا موقف آراء رجال الدين منه، ، األوىل

مقدس، وميكن أن حندده يف تصورين مها:

، يركز على املوضوعية وغريهم من الباحثني كاملستشرقنياملسلمني علماء عند تصور متدوال: هو األول-

اليت جاء متثل آخر الكتب السماوية ،جمموعة من النصوصصف القرآن الكرمي، حني جيعل منه والتارخيية يف و

باعتباره "آخر ديانات )∗∗∗∗(ا األنبياء إىل البشر، وهذا املفهوم بدوره يرد إىل املفهوم املوضوعي لإلسالم

التوحيد، ميثل إرسال اهللا الوحي إىل النيب حممد بواسطة جربيل، نشأ يف مكة يف شبه اجلزيرة العربية يف بداية

.)1 (القرن التاسع امليالدي"

، يعترباإلسالمية غريهم، يرد إىل عوامل خاصة م نابعة من عقيدم دونعند املسلمني املتداول: و هو الثاين

وميثل نصا ، امللةإىل الكفر واخلروج عن مؤدية خمالفته للجميع، ائيا ومطلقا، موجها القرآن كتابا وحيدا

وهذه التصورات ، ، جاء مصححا ملا وقع يف الديانات من حتريفتدور حوله كل النصوص األخرى مركزيا

ترد بدورها إىل املفهوم الثاين اإلسالم باعتباره الدين الكامل والنهائي واملطلق والوحيد للناس الذي ال يقبل

، )3(حسب قوله تعاىل: 'إن الدين عند اهللا اإلسالم' وحده،(2)غريه، أي اعتبار "اإلسالم هو الدين احلقيقي"

اره بناء على يرتبط القرآن الكرمي باإلسالم ارتباطا وثيقا، فهو املصدر األول لشريعته وعقائده عند املسلمني، ال يفهم يف خمتلف مضامينه إال يف إط ∗

يع األخرى وعلى رأسها السنة، و اإلسالم يف املفهوم االشتقاقي مشتق من قواعده اخلمس، ومبادئه وغاياته اليت تدرك حسب عالقته مبصادر التشر

اإلسالم مشتق من كلم "سلم" فهو ضد احلرب الفعل أسلم واستسلم، و أمساء السلم واالستسالم، جاء يف كتاب ضحى اإلسالم ألمحد أمني أن

أن الرجوع إىل قوله تعاىل: "وعباد الرمحن الذين ميشون على األرض هونا، وإذا خاطبهم اجلاهلون قالوا سالما" تعترب "املفتاح حيث يؤكدواخلصام،

ضد الذي نصل به إىل معرفة السبب يف تسمية العهد قبل حممد صلى اهللا عليه وسلم، جاهلية وعهده إسالما، واجلاهلية ليست من اجلهل الذي هو

)حيث أن اجلاهلية كانت يف نظره صفة للعرب قبل اإلسالم، تدل 69ن من اجلهل الذي هو السفه والغضب واألنفة" (فجر اإلسالم، ص العلم، ولك

تماء القبلي، على اخلفة واألنفة واحلمية واملفاخرة، يقابلها ما جاء به اإلسالم من هدوء النفس والتواضع واالعتداد بالعمل الصاحل ال بالنسب واالن

م.632م وتويف سنة 570للميالد يف شبه اجلزيرة العربية على يد النيب حممد صلى اهللا عليه وسلم الذي ولد مبكة سنة 7د ظهر اإلسالم يف القرن وق1 Soheib bencheikh el hocine et des autres ; les grandes religions ; ellipses éditeur des préparation grandes écoles médicine

paris France 1995 ; p 68. 2 Ibid. p67.

.19سورة آل عمران، من اآلية قرآن كرمي، 3

Page 37: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

38

ال دين يقبله من أحد سوى اإلسالم، وهو إتباع الرسل فيما بعثهم اهللا به يف واليت مفادها "إخبار منه تعاىل بأنه

كل حني، حىت ختموا مبحمد صلى اهللا عليه وسلم، الذي سد مجيع الطرق إليه إال من جهة حممد صلى اهللا

سب هذا ، ح)1(عليه وسلم، فمن لقي اهللا بعد بعثة حممد صلى اهللا عليه وسلم بدين غري شريعته فليس مبتقبل"

حمددا لتصور القرآن الكرمي ككتاب ميثل ،التصور يكون اإلسالم كدين وحيد وواحد يقبله اهللا من عباده

الرسالة النهائية الشاملة الكاملة اليت بلغها اهللا لعباده يف خمتلف النصوص.

ة عامة حوله يف التصورات الكالسيكية من حيث شكله يؤسس لرؤي الكرمي بناء على ما سبق فإن القرآن

أكثر موضوعية متفق عليه بني املسلمني وغريهم، وعلى خالف ذلك من حيث مضمونه يؤسس لرؤية خاصة

.فقط حوله تقتصر على عقيدة املسلم املؤمن به

بعد حتليل كل من الوحي والقرآن يف التصورات الكالسيكية، نتوصل إىل جمموعة من النتائج حندد ا حقيقة

كي للوحي القرآين وهي:التصور الكالسي

كالم اهللا املرتل على رسوله صلى اهللا عليه وسلم، ميثل الرسالة اإلهلية الوحيدة الصحيحة هوالوحي القرآين -

واملطلقة والكاملة والنهائية اليت صححت كل ما ورد من حتريفات يف الكتب السماوية األخرى.

الوحي القرآين ميثل املصدر النهائي والوحيد لكل العقائد والشرائع يف الكون، هو اجلامع لكل ما ورد يف -

الكتب السماوية باعتباره مثرا، وهو املصدر ملختلف العلوم دينية ودنيوية تقرأ نصوصه بالتفسري الذي هو

املنهج الوحيد املناسب لفهمه .

غيب ميثل ما هو متعال على الواقع وما خيرج عن التاريخ، طبقا لقوله تعاىل: يف الوحي القرآين هو من أنباء ال-

من سورة آل عمران" ذلك من أنباء الغيب نوحية إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقالمهم ، أيهم 44آلية ا

.2008ابن كثري أبو الفداء احلافظ، تفسري القرآن العظيم، مصدر سابق، ص 1

Page 38: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

39

البشري بأي ميكن املقارنة بينه وبني املقدس الذيفهو من قبيل ،يكفل مرمي، وما كنت لديهم إذ خيتصمون"

.مهما أتيحت هلا من آليات وأدوات ،فهمهعقول ال تبلغ وجه، وال ميكن أن

-ن يفهم يف إطاره، وباعتماد علوم القرآن الكرمي الوحي القرآين يساوي ما ورد يف املصحف العثماين املدو

بالدرجة تابعي التابعنيالتابعني و مبا أثر عن السلف وكما وجدت يف عهد النيب والصحابة ويف إطار التفسري

. األوىل

معجزة اإلسالم الكربى الذي حتدى بإعجازه اللغوي والعلمي ما أبدعه العرب من شعر الوحي القرآين هو -

.ونثر ونظريات علمية ومذاهب فلسفية

" الوحي القرآين كتاب مقدس ميثل املصحف كأداة للتربك ودرء الشرور واألمراض ومباركة العمر ... ، ألن-

احلياة يف ظل القرآن نعمة، ترفع العمر وتباركه، وتزكيه، ومحد اهللا الذي من عليه احلياة يف ظالل القرآن فترة

.)1(من الزمن ذاق فيها من نعمته ما مل يذق قط يف حياته"

يف نظر هذه التصورات امللحقة بالوحي القرآين قد ترتبط بعقيدة املسلم، ولكنها يف جوهرها هي ما حالت

الكثري من فالسفة العرب املعاصرين دون تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءته، ألا تصب يف جمملها يف إطار

مأرضية نقدية هل التقديس، حني ترفض الدراسة الفلسفية والعلمية له حبجة املساس بقداسته، وهذا ما جعلها

نقله من القداسة إىل الدراسة، مستفيدا من آليات الفهم يسعون إىل جتاوزها لبناء مفهوم جديد للوحي القرآين ي

املعاصر.

ذي يعتربه من قبيل الغيب يف األخري ميكن القول أن التصور الكالسيكي للوحي القرآين هو ذلك ال

النهائي والوحيد، ميثل ما ورد يف املصحف املدون جيب التسليم به يل، املطلق، الكتاب الصحيح، املتعاواملقدس،

دون أشكلته أو التفلسف يف ميدانه، مهما تتوفر لنا من آليات للدراسة والبحث يف ميدانه، ألا متس بقداسته

.84اخلالدي صالح عبد الفتاح، مدخل إىل ظالل القرآن، دار الشهاب للطباعة اجلزائرية، اجلزائر ، د ت، د ط، ص 1

Page 39: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

40

و املهيمنة على تصور علماء املسلمني حول السائدة تزال هي وماإن كانت النظرة وحتط من شأنه، وهذه

ا حبجة تناقضها مع الدراسة العلمية املوضوعية لقرآين، إال أن الفالسفة اليوم يرفضوا وينتقدوامفهوم الوحي

جديدا له، يكون شرطا أوليا لتطبيق آليات الفهم املعاصر يف فهمها، وهو الذي امفهوم لنصوصه، اليت تقتضي

جمال الالمفكر فيه أو وإخراجه منأشكلة مفهومه عن طريق ،)∗(يقوم على جتاوز التصورات الكالسيكية حوله

تأسيس مفهوم إىل دائرة البحث من أجل فيه باسم املساس بقداسته أو الكفر وغري ذلكاملمنوع التفكري

من الترسبات اإليديولوجية اليت طمست الكثري من احلقائق متخلصا وبناء فهما جديدا له يكون ،موضوعي

ا إليها الكثري من ، وهذه املهمات من دون شك أصبح يدعوواملتعلقة بالنص القرآين بالدرجة األوىل ،املتعلقة به

الفالسفة اليوم، بعد سعيهم إىل ربط الوحي القرآين جبملة اآلليات املعاصرة اليت استخدمت يف فهم الديين

واملقدس، فما طبيعة هذه اآلليات؟ وكيف سامهت يف بناء مفهوم جديد للوحي القرآين؟

دت الفالسفة مل يتجاوزوا كل التصورات الكالسيكية حول الوحي القرآين، بل سعوا إىل نصرة وإحياء النظرة الكالسيكية اليت أحلقت به كما وج ∗

لالذع ا عند املتكلمني وعلى رأسهم املعتزلة، باعتبارها تتجاوز مستوى القداسة يف النظر إىل الوحي القرآين عند قوهلا خبلق القرآن، حسب النقد

أثنوا واملعارضة الشديدة اليت تلقتها يف وقتها، وهذا ما جعلها ذات صدى كبري على آرائهم يف تطبيق اآلليات املعاصرة على النص القرآين، حيث

عليها وحتدثوا عن نكبة املعتزلة والتنوير اإلسالمي.

Page 40: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

41

:مفهوم الوحي القرآين ديدجتواملعاصر الفهم آليات املبحث الثاين:

بعد التطور احلاصل يف مناهج وآليات قراءة النصوص يف الفلسفات الغربية املعاصرة الناتج عن تطور األحباث

يف فلسفة اللغة و يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية، الذي ترتب عنه ميالد مجلة من آليات الفهم املعاصر

مهمتهم الكربى، تكمن يف نقل تلك للنصوص بأشكاهلا املختلفة، جعل بعض الفالسفة العرب املعاصرين

اآلليات إىل جمال الوحي القرآين واستخدامها يف قراءة نصوصه، وهي ما ترتب عنها جتديد النظرة إىل الوحي

القرآين، والتمرد والثورة على مجلة التصورات الكالسيكية اليت حددت مفهومه، تلك اليت تعتربه من قبيل

بالتايل ال مناص وإىل مفاهيم جديدة، كشرط أول لتحقيق تلك املهمة، املغيب واملتعايل واملقدس..ونقله

للباحث يف إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر، من فهم حقيقة هذه اآلليات واملناهج

عاصر؟ وما أوال، إن أراد فهم أثرها يف جتديد مفهوم الوحي القرآين، هنا نتساءل: ما حقيقة آليات الفهم امل

أنواعها؟ وكيف ستؤثر على جتديد مفهوم الوحي القرآين؟

: مفهوم آليات الفهم املعاصر وعالقتها بالقرآن الكرمي-1

بأشكاهلا املختلفة يف النصوص اليت طبقت يف فهماآلليات املعاصرة أو اجلديدة متثل آليات الفهم املعاصر مجلة

) لنصوص الفلسفة اليونانية، ودينية كما جتلت 1900تفكيك 'نيتشه' (ت الفترة املتأخرة، فلسفية كما جتلت يف

تطور الدراسات األدوات واملناهج اليت تبلورت بعد جمموع يف تأويلية 'شلري ماخر' للنص املقدس... ، أي هي

أنواعها وطبقت يف قراءة النصوص ب يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية يف مناهج النقد األديب وتطور البحث

املختلفة دينية أو فلسفية أو أدبية...يف الفترة املعاصرة ، وذلك ألن اآلليات مجع آلية اليت ترتبط مبفهوم اآللة

، فهي إذن )1(اليت تعين يف اللغة: "الواسطة بني الفاعل واملنفعل، يف وصول أثره إليه، كاملنشار بالنسبة للنجار"

ها الفكر الغريب مؤخرا يف الفلسفة املعاصرة وطبقها يف النصوص املختلفة.مجلة املناهج واآلليات اليت توصل إلي

.34السيد شريف اجلرجاين، التعريفات، مرجع سابق، ص 1

Page 41: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

42

أما عن عالقتها بالنص القرآين، فإا متثل املنهج املتبع يف قراءته كنص وخطاب والواسطة يف فهمه، "ألن

ر، فإا ترتبط مبا ، أما عندما نضيف هلا كلمة الفهم املعاص)1(املنهج هو اآللة اليت يشرح ا احمللل جسم النص"

حتيل إليه من مدلوالت ومعاين يهدف املخاطب إىل تبليغها لنا اليوم، ألن "الفهم هو "تصور املعىن من لفظ

، وميكن أن حندد العالقة بني آليات الفهم املعاصر و القرآن )3(واملعاصر من "العصر: اليوم" )2(املخاطب"

الكرمي انطالقا من أا متثل:

- حسب خمتلف روادها-وبني البشر الذي يتلقونه -اهللا تعاىل- الوسائط املعاصرة بني صاحب القرآن مجلة -

، إذ هدفها تبليغ فهم النص من ملقيه إىل متلقيه اليوم.

استفاد منها اليت)∗( يف الفترة املتأخرة يف الغرببأنواعها املختلفة قراءة النصوص املناهج اليت استخدمت يف -

ميدانه من أجل فكروا يف نقلها إىل كأركون أوبوزيد ...الذين من املشتغلني يف جمال القرآن الكرمي الكثري

قراءته وفهمه.

لقدمي واجلديد ين اكنصوص العهد ةغري اإلسالمي ةالدينينصوص األدوات اليت انتقلت يف جوهرها من فهم ال-

ه.موضوعية له وملضامين قراءة علميةتتوخى القرآين نصإىل ال

جملة الفكر العريب املعاصر، مركز اإلمناء القومي، -مقال-ليل، املنهج األنثربولوجي يف دراسة مصادر الفكر اإلسالمي األوىلاملنصف عبد اجل 1

.32، ص 1989، 69-68العدد - ما وراء اللغة، مقاربات ال سلفية يف السلفية،- بريوت لبنان، .150السيد شريف اجلرجاين، التعريفات، مرجع سابق، ص 2 .535ابن منظور مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم، لسان العرب، مرجع سابق، 3ة ظهور آليات الفهم وقراءة النصوص يف الفترة املتأخرة أو يف النصف الثاين من القرن العشرين خاصة، ال يعين أن جمموع هذه اآلليات حديث ∗

السيمياء اليت تعود إىل الطب األبقراطي واملنطق األرسطي والرواقي ولكن تأسيسها االستعمال بل منها ما هي موغلة يف القدم كما هو احلال مع

ة القرن الثامن عشر كمناهج قائمة بذاا مل يظهر إال يف الفترة املتأخرة، ألا مرتبطة بالنشاط اللغوي يف الفترة املعاصرة، الذي يبدأ انطالقا من مرحل

ئم تأويل النصوص القدمية والتعليق عليها، واملقارنة فيما بينها من أجل فك رموزها، مث مرحلة القرن التاسع الذي ازدهر فيه املنهج الفللوجي القا

مع تبلور عشر اليت عرفت ازدهار الدراسات املقارنة والتارخيية والتطورية للغة تبحث يف األصل األول للغات، مث مرحلة القرن العشرين اليت بدأت

دها للمنهج التارخيي، وهذه األخرية بدورها عرفت تطورا واضحا يف النص الثاين من القرن العشرين خاصة بظهور التدوالية النظرية البنيوية ونق

والسيمياء ...كآليات معاصرة للفهم.

Page 42: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

43

جمموع األدوات والوسائل اليت انتهجتها ما تسمى بالقراءات املعاصرة أو اجلديدة أو احلداثية للقرآن الكرمي، -

واليت استفادا من مناهج النقد األديب املطبقة يف فهم النصوص بأشكاهلا املختلفة ودراسة الظواهر اإلنسانية

بعا دينيا ومقدسا.واالجتماعية اليوم، وعلى رأسها تلك اليت تتخذ طا

من الصعب من املناهج استخدمها الفكر البشري يف الفترة املعاصرة يف قراءة النصوص، ا خمتلفةأنواع-

ألا كل املناهج والعلوم اجلديدة اليت تعمل على فهم القرآن الكرمي فهما جديدا ومتميزا عن حصرها وعدها

الفهم الكالسيكي له، حيث يكون مواكبا للعصر مسايرا ملستجداته.

مجلة من الدراسات املعاصرة للنص القرآين، تقوم على حتليله حتليال بنيويا وفينومونولوجيا وهرمينوطيقيا -

سيميولوجيا وانثربولوجيا... خارج أسوار القداسة والتبجيل.وتفكيكيا و

: أنواع آليات الفهم املعاصر وأثرها على جتديد مفهوم الوحي القرآين-2

قلنا سابقا من الصعب تفصيل أنواع آليات الفهم املعاصر، ألا ال تقتصر على مناهج النقد األديب فقط، بل

كما ية واالجتماعية ومناهجها، وتيارات كربى من الفلسفة الغربية املعاصرة، تتجاوزها إىل مجلة العلوم اإلنسان

طبقة على النصوص مت نقلها إىل النص القرآين قامت على إخراج تصوره املعاصرة املدراسات المن بينا أا مجلة

حي القرآين؟من القداسة إىل الدراسة، فما أهم وأنواع هذه الدراسات؟ وكيف ستؤثر على جتديد مفهوم الو

: بعد التطور احلاصل يف مناهج النقد األديب ويف العلوم اإلنسانية أنواع الدراسات املعاصرة للنصوص- 1- 2

واالجتماعية تبلورت دراسات معاصرة للنص ومن أمهها:

:الدراسة البنيوية واللسانية- أ

Page 43: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

44

فاا وخصائصها وذلك ألا تضم ترتبط مبدرسة لغوية معاصرة " كثريا ما يتردد أنه من الصعب حتديد ص

فهي تيار فلسفي ولغوي يرتبط بالعامل السوسريي فرديناند )1(أشكاال متعددة من املفاهيم والدالالت"

صوتية )الذي اجته حنو الدراسة العلمية للغة، ونظر إليها كنظام قائم بذاته مكون من بىن1913دوسوسري (ت

ومعجمية ميكن تطبيق خطوات املنهج التجرييب عليها ووصفها عن طريق املالحظة واالفتراضات والتجارب أي

أسسها على التمييز بني مجلة من الثنائيات ، كما(2)فهمها يف إطار حتليل البنية اليت "هي نسق من التحوالت"

تطبيقا للغة يتبع وعي الفرد يكون متميزا عن اللغة اليت أمهها الكالم الذي بكونه عمال فرديا متغريا وحتقيقا أو

متثل واقعا اجتماعيا ثابتا وتتميز بالطابع الالشعوي، والدال الذي باعتباره اللفظ الذي ميثل اجلانب الصويت

واملادي للعالمة يكون متميزا عن املدلول الذي هو املعىن الذي ميثل اجلانب الذهين واملعنوي من العالمة،

التزامن الذي باعتباره دراسة أفقية ووصفية وثابتة للغة حسب آنيتها يكون متميزا عن التعاقب الذي ميثل و

دراسة عمودية وتارخيية تفهمها حسب التغري الزمين والتارخيي، إذن "من وجهة نظر دوسوسري، ال عالقة

لعالمة اللغوية، وليس إىل الشيء الواقعي مباشرة للغة باألشياء اخلارجية، فاملدلول هو صورة ذهنية تنتمي إىل ا

chose réelle "وهو ما جيعل احلقيقة يف وضع األلفاظ هو ليس للداللة على )3(املوجود خارج اللغة

املوجودات اخلارجية وإمنا للداللة على املعاين اليت تستدعيها يف الذهن حسب أثرها النفسي فيه، وهي ليس

بقها مع األشياء أو وجودها فيها اليت تطلق عليها اعتباطا، كما أكد حمددة وثابتة من منطلق عدم تطا

'دوسوسري' على ضرورة دراسة اللغة دراسة آنية وأعاب "على املنهج التارخيي إيغاله يف التجزيئية وإمهاله

، وقد )4(لدراسة بنية اللغة ككل، أي جمموع العالقات والقواعد اليت تنتظم ا هذه الرموز وحتدد وظائفها"

عرفت لسانيات فروع ومدارس متعددة أمهها مدرسة براغ وكوبنغهاغن، واملدرسة البنيوية األمريكية مع

1 Jean Piaget, le structuralisme , presses universitaires de Frances,11 édition , 1996 , p9. 2 Ibid. p9.

.12، ص 1990، 1وري عادل ، تيارات يف السيمياء، دار الطليعة، بريوت، لبنان، طفاخ 3 .40، ص 2008، 1صبيحي حممد األخضر ، مدخل إىل علم النص وجماالت تطبيقه، الدار العربية للعلوم ناشرون، طال 4

Page 44: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

45

)الذي نقد 1928) الذي أكد حتمية احمليط يف تفسري احلدث الكالمي، ومع تشومسكي (و1949بلومفيلد(ت

هدفها " حماولة تفسري املهارة أو الكفاية اللسانيات البنيوية وأرسى دعائم اللسانيات التوليدية أو التحويلية اليت

)La compétence ( اليت ميتلكها املتكلم واليت يستطيع عن طريقها أن ينتج و يفهم عددا غري متناه من اجلمل

. )1(اليت مل يسبق أن مسعها من قبل"

مطلع النصف الثاين من كما عرفت اللسانيات تطورا وقفزة نوعية نتيجة ملا وجه جلانبها البنيوي من نقد، يف

القرن العشرين، والسيما يف اجلانب القائل بدراسة اللغة يف ذاا ومن أجل ذاا، حلساب االهتمام باالستعمال

الفعلي هلا، واالهتمام بالعوامل اليت من شأا أن تؤثر فيه نفسية أو اجتماعية أو ثقافية أو غريها، والنظر إليها

وكأداة للتبليغ جتسد مع االجتاه التداويل الذي أرسى دعائمه 'شارل كوسيلة للتواصل وكخطاب

) يف مطلع الستينات من القرن العشرين، وقد تأسس هذا االجتاه نتيجة تشعب اللسانيات 1938موريس'(ت

واستفادا من العلوم اإلنسانية واالجتماعية املختلفة كعلم النفس اللغوي، وعلم االجتماع اللغوي، ليصبح

جا جديدا يف قراءة النصوص ويف البحث اللغوي ككل، "يسميه البعض باملنهج الوظيفي التواصلي باعتباره منه

يدرس اللغة وهي تؤدي وظيفتها التواصلية، ويسميه البعض اآلخر باللسانيات التداولية باعتباره يدرسها وهي

ددة، وحياول الذهاب أبعد من احلدود اليت تتداول بني املتكلمني ا. يستمد هذا االجتاه مقوماته من أفاق متع

) وهي أيضا حماولة لتجاوز حدود Le systèmeرمستها لنفسها اللسانيات البنيوية املغلقة يف دراسة النظام(

. )2(اجلملة اليت متثل منطلق الدراسة البنيوية وموضوع حبثها األول"

بعد هذا التفصيل حلقيقة اللسانيات وتطورها من البنيوية إىل التداولية، جيدر بنا اإلشارة إىل أن عالقتها بالنص

ظهر يف اية الستينات من اجديد احتديدا، تكمن يف فرع قائم بذاته وهو اللسانيات النصية، اليت متثل منهج

شتغاهلا. وذلك من منطلق مسلمة منطقية تقضي بأن القرن العشرين، يتكفل "بدراسة بنية النصوص وكيفية ا

.44- 43املرجع نفسه، ص 1 .47املرجع نفسه، ص 2

Page 45: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

46

Une unité linguistiqueالنص ليس جمرد تتابع جمموعة من اجلمل، وإمنا هو وحدة لغوية نوعية، (

spécifique "ا األساسية االتساق والترابطوقد استفاد منها الكثري من املشتغلني على النص القرآين )1() ميز

) يف قوله بالدراسة األلسنية ملختلف سور 2010ين ويف جمال تأويله، كأركون(تيف إطار فهمه كنص لسا

) الذي استند عليها يف منهجه البنيوي يف طرح جديد لترتيب سور القرآن 2010القرآن الكرمي، واجلابري (ت

م حسب الكرمي حسب أسباب الرتول، وفهمه فهما معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا بالنظر إليه كوحدة لغوية تفه

.أو الظروف اليت نزلت فيها وقائعالاالتساق بني مضامينها و

: الدراسة الفينومونولوجية-ب

'الالند'يعرفها الظواهرية، تعرف بمدرسة فلسفية معاصرة وهي -الفينومنولوجيا–رتبط بفلسفة الظواهر ت

األول عام يبني أا "دراسة وصفية موع ظواهر، كما تتجلى ،معنينييف معجمه الفلسفي حسب )1963(ت

يف الزمان واملكان، بالتعارض إما مع القوانني اردة والثابتة هلذه الظواهر، وإما مع احلقائق املتعالية اليت ميكنها

هوسرل أن تكون جتلياا، وإما مع النقد املعياري ملشروعيتها" تقال بنحو خاص، يف عصرنا على منهج

) الذي رأى أن "ظواهر 1917ت( 'فرانتز برانتانو'، وترد هذه املدرسة يف أصوهلا األوىل إىل )2(ونسقه.

الشعور تنقسم إىل ثالث صور هي التصور واحلكم وظاهرتا احملبة والكراهية، وإن هذه الصور الثالث حاالت

بينة بأنفسها وصفت بأا صادقة، ومىت ثالث للقصد أي اإلضافة إىل موضوع مقصود، ومىت كانت األحكام

)3( .كانت احملبة متجهة إىل موضوع مالئم والكراهية إىل موضوع غري مالئم وصفتا بأما على صواب"

كما تبدوا أو يصفها الشعور، أي ،وضوعاتاملاليت هي دراسة ووصف الظواهر علىويقوم املنهج الظواهري

يف زمان ومكان معينني، حبيث تسعى إىل التحرر من كل أفكار مسبقة جمردة أو ثابتة أو هكما هي ماثلة ل

.59املرجع نفسه، ص 1 .973، ص2001، 2باريس،ط-أندري، موسوعة الالند الفلسفية، تر: خليل أمحد خليل، منشورات عويدات بريوت الالند 2 .459، ص 1986دط، يوسف كرم، تاريخ الفلسفة احلديثة، دار القلم، بريوت، لبنان، 3

Page 46: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

47

اليت تكون اجتاها أو قصدا ملوضوع ،التجربة النفسية كطريق للمعرفة وأتقوم على احلدس ومتعالية أو معيارية،

ألا ترفض فكرة اامليتافيزيقاملعاصرة تنتقد الفلسفية الظواهرية كغريها من االجتاهات وما بواسطة الشعور،

اليت ال نعرف غريها كمواضيع أو أشياء ،املاهيات اردة واملبادئ الثابتة كطريق للمعرفة وتضع بدهلا الظواهر

متثل يف الشعور ال العقل ارد واملتعايل، وتركز على دراسة الشعور وأمناط العالقة باملوضوع، وكان منهجها

الوصف األصيل للمعيش.

) الذي ربطه بالبحث يف بنية الشعور 1938ت( 'إيدموند هوسرل'من أهم رواد هذا املنهج الفيلسوف األملاين

وبالتمييز بني األنا املتعايل املوجود يف العقل، واألنا النفسي، الذين يف إطارمها أسس ما عرف "باألبوخية أو

ومها ميدان –اي اإلنساين الطبيعة واحلياة النفسية تعليق احلكم، يقول:" بواسطة األبوخية الظاهرتية أرد أن

إىل أناي املتعايل الظاهرايت. والعامل املوضوعي بكل موضوعاته يستقى من ذايت، كما -التجربة النفسية الباطنة

كل معىن وكل القيمة الوجودية اليت له بالنسبة إىل، إنه يستقيها من أناي املتعايل الذي تكشف عنه –قلت آنفا

األول القصد واملقصود ، كما أسسه على فكرة القصدية وهي كلمة تستعمل مبعنني:)1(وخية املتعالية" األب

الفكرة 'هسرل'ويتعلق مبا ينوي املرء عمله، والثاين يتعلق بتصور املاهية الذي يعطيه للتعريف، متثل عند

ته "كل شعور هو شعور بشيء" والشعور األساسية يف الظواهرية ويعرفها بأا خاصية الشعور انطالقا من مقول

بشيء هو عالقة التضايف بني أفعال القصد واملوضوع املقصود.

ومن أهم الباحثني الذي استفادوا من هذا املنهج يف قراءة التراث وفهم الوحي القرآين املفكر املصري 'حسن

اولة لتجاوز املناهج مناهج )، الذي انطلق منه يف تأسيس حماولة جديدة للتفسري، "وهي حم1935حنفي'(و

التفسري اليت عرفها التراث القدمي، الكالمية والفلسفية والفقهية والصوفية وتراوحها بني مناهج نصية أو عقلية أو

واقعية أو وجدانية، مث حماولة وضع نظرية جديدة للتفسري تكون جامعة هلا كلها، تبدأ من الواقع الشعوري

سة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، بريوت ، املؤس2من كتاب: التأمالت الديكارتية، نقال عن: عبد الرمحن بدوي، موسوعة الفلسفة، ج 1

.541-540، ص 1984، 1لبنان، ط

Page 47: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

48

ية اليت يقوم العقل بتحليلها ويصل إىل معان تكون هي معاين النص، واليت ميكن الذي يقدم لنا التجارب احل

، إذن يستفيد حسن حنفي من املنهج )1(إدراكها باحلدس املوجه إىل النص مباشرة أو إىل الواقع املباشر"

الظواهري يف فهم ظاهرة الوحي القرآين وبالتحديد النص القرآين عندما جيعل خمتلف التفسريات امللحقة به

وعلى رأسها تلك اليت بلورها علماء الفقه واألصول انعكاسا لتحارب شعورية حية جتعل أصحاا يتعايشون

شعورية وخمزون نفسي يف اجلماهري . مع النص الذي هو يف النهاية جتربة

الدراسة االنثربولوجية:-ج

أصبحت اليوم ترتبط بعلم كبري، دعا الكثري من مفكري الغرب والعرب، إىل استخدامه يف فهم الظواهر

مها: يونانية تنقسم إىل قسمني، كلمة إذ هي يف االشتقاقعلى اللغة العربية، دخيالالدينية، و متثل مصطلحا

hroposAntإنسان و أيlogyوبالتايل: هي علم اإلنسان. ،علم أي

"علم اإلنسان يدرس النوع اإلنساين وكل الظاهرات من حيث تعلقها باإلنسان )∗(األنثربولوجيا يف االصطالح

ولذلك يعتمد كثريا على نتائج العلوم األخرى وتنقسم األنثربولوجيا إىل ثالثة أنواع رئيسية األنثربولوجيا

"علم اإلنسان: هو دراسة الفئات البشرية من حيث أمناطها كذلك: هي و، )2(" واالجتماعية والثقافيةالطبيعية

اجلسمية والبيولوجية ومن حيث صور حضاراا يف احلاضر أو يف املاضي، وهو ملتقى عدة علوم، منها علم

. وبالتايل األنثربولوجيا بصورة )3(افيا" النفس والتاريخ وعلم االجتماع وعلم التشريح، وعلم اللغة واجلغر

.185، ص2002، 5، املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بريوت لبنان، ط-موقفنا من التراث القدمي-حسن حنفي، التراث والتجديد 1وصف خمتلف األنام واألقوام والشعوب ومنط حيام ومؤسسام، وعن اإلثنولوجيا اليت هي دراسة –اليت هي ختتلف األنثربولوجيا عن اإلثنوغرافيا ∗

أي يف أبعادها تفسريية للظواهر اليت وصفتها اإلثنوغرافيا، يف كوا تم بفهم الثقافات اإلنسانية املختلفة كظاهرة شاملة متيز اإلنسان عن غريه،

وباالستعانة بعلوم خمتلفة، وميكن القول كذلك أن االثنولوجيا "إحدى فروع األنثربولوجيا تم بدراسة -به اإلنسان العاملينشاط يقوم –الكونية

ة. كذلك األجناس البشرية سواء املوجودة اآلن أو اليت اختفت منذ عهد قريب، مع العناية بنوع خاص بالدراسة التحليلية املقارنة للشعوب البدائي

املراحل راسة الظاهرات االجتماعية يف اتمع البدائي، ولكنها تنهج يف ذلك جا تارخييا، بقصد التعرف على نشأة الظاهرة أو النظام مث تتبع تم بد

املختلفة اليت مر ا. .235، ص1959، دار إحياء التراث العريب، 1غربال شفيق، املوسوعة العربية امليسرة، ج 2 .13،ص1973، 2الفلسفة، امليزان للنشر والتوزيع، اجلزائر، ط يعقويب حممود، معجم 3

Page 48: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

49

خمتصرة أحد العلوم اإلنسانية واالجتماعية املعاصرة تقوم على االهتمام مبختلف النشاطات اليت يقوم ا اإلنسان

يف ميادينها املختلفة الطبيعية واالجتماعية واحلضارية ويف املاضي واحلاضر، وتستعني بعدة علوم لدراستها من

ميكن وغريها، ولها وتفكيكها، وتتعدد جماالا حبيث ميكن أن تم بالدين، باللغة، بالعادات والتقاليد أجل حتلي

أن ختتلف بني مفكر وآخر.

دراسة الظواهر اإلنسانية لجعلتها اليوم أحد اآلليات اجلوهرية ،وتتميز األنثربولوجيا بعدة خصائص

حتلل الصفات حني ،أا تقدم نظرة مشولية لإلنسان تكمن يف مبا فيها تلك اليت تتخذ طابعا دينيا، واالجتماعية

مثل اهتمام األنثربولوجي باتمع ،كأجزاء متكاملة ومترابطة يف تكوينه ،البيولوجية واالجتماعية والثقافية له

ج فيه وطرق االتصال يف شكل ظاهرة مقاسات اإلنسان وسالالته وأشكال الزوافيه يدرس جتعله البدائي

مرتبطة ومتكاملة، هنا ميكن اإلشارة كذلك إىل أن األنثربولوجيا ارتبطت أوال بالبحث يف اتمعات البدائية

ولكن جتاوزت ذلك فيما بعد "يف القرن العشرين حيث انتشرت الدراسات األنثربولوجية اخلاصة باتمعات

اليت ظهرت يف أواخر ،، واألنثربولوجيا كذلك فروع منها األنثربولوجيا الطبيعية )1(املتمدنة واخلاصة بالقرى"

وهي تلك اليت تم خبصائص ،القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر بتأثري أحباث نظريات التطور

تغريها كطول اإلنسان العضوية واجلسدية والبيولوجية احلالية واملنقرضة من حيث نشأا ووجودها وتطورها و

القامة وأشكال األنف واألذن وغريها، واألنثربولوجيا الثقافية وهي تلك اليت تم بدراسة ثقافات اتمعات

هي ،والشعوب من حيث اللغات، املعتقدات، األعراف، التقاليد، الفنون، التقنيات السائدة يف جمتمع معني

اسات تارخيية حتاول احلفر يف املراحل البعيدة مبا فيها تلك اليت أكثر تشعبا من األنثربولوجيا الطبيعية إذ تضم در

تعود إىل ما قبل التاريخ، ودراسات لغوية تم باللغات السائدة يف اتمعات والعالقات القائمة بينها. كما أن

لذكر حسب هناك ما تسمى باألنثربولوجيا االجتماعية اليت تعترب عند بعض الباحثني فرعا من النوع السالف ا

.15، ص 2000، 1منشورات دار عالء الدين، سوريا، ط -دراسة عن اتمعات البدائية-اخلطيب حممد ، األثنولوجيا، 1

Page 49: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

50

تشاهما يف موضوعات االهتمام، وهي فرع يهتم "بتحليل البناء االجتماعي للمجتمعات إلنسانية وخاصة

واالنثربولوجيا عندما تدرس . )1(اتمعات البدائية اليت يظهر فيها بوضوح تكامل ووحدة البناء االجتماعي"

س يف حقيقتها بل يف عالقتها بثقافة اإلنسان ومشاكله، القرآن الكرمي فإا تفهمه كظاهرة إنسانية وثقافية لي

حسب الرؤية و ،وتكون منطلقا لتطبيق مناهج أخرى يف فهمه وعلى رأسها النقد التارخيي والدراسة السيميائية

على الرغم من أنه توقيف ذو مرجعية ثقافية ال ينفصل عن ثقافة اإلنسان، الكرمي االنثربولوجية يكون القرآن

أنه كان موافق للغة املتداولة يف اتمع العريب، وكان ذو طبيعة جدالية ال ينفصل عن عقائد وأساطري والسيما

"وديانات اتمعات بل جاء ليحاورها ويرد عليها، والبد من فهمها لفهمهيف جوهرها األنثربولوجيا بالتايل ،)2(

سيستفيد منها املشتغلون على اخلطاب القرآين بصورة كربى وعلى أداة ومنهجا لتحليل وفهم الظواهر تعترب

رأسهم 'أركون' يف مشروعه املسمى باإلسالميات التطبيقية، وهي بدورها تسعى إىل ربطه بتصور جديد ينأى

عن غيبيته، ويسعى إىل جعله ظاهرة إنسانية وثقافية، بعيدة عن التعايل والقداسة والغيب وخارج احلدود

بينه وبني ما هو بشري. الفاصلة

:- التأويلية-يةهلرمنوطيقالدراسة ا-د

أهم اآلليات املعاصرة يف قراءة النص مع تطور أحباث فلسفة اللغة يف الفترة املتأخرة، أصبحت اهلرمينوطيقا

القرآين، متثل منهجا رائدا يف فهم مضامينه، تؤسس عليها "املشاريع الفكرية حملمد أركون وحسن حنفي ونصر

، تلك املشاريع )3(حامد أبو زيد وحممد عابد اجلابري، كل حياول قراءة التراث العريب مستعينا برؤى معاصرة"

قراءته فهمه وجتديد أهم أدوات هلرمينوطيقا، تبني أن ااألكرب نصيبام بالنص القرآين الاليت أخذ فيها االهتم

.29املرجع نفسه، ص 1 .34جملة الفكر العريب املعاصر، مرجع سابق، -مقال-يف دراسة مصادر الفكر اإلسالمي األوىل املنصف عبد اجلليل، املنهج األنثربولوجي 2 .64، ص 2008، 1بومدين بوزيد، الفهم والنص، دراسة يف املنهج التأويلي عند شلريماخر وديلتاي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت لبنان ط 3

Page 50: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

51

فما حقيقتها؟ اليوم، حني تعمل على كشف الباطن الذي حظي باألمهية منذ القدمي يف تفسري القرآن الكرمي،

؟القرآين وكيف أثرت على جتديد مفهوم الوحي

أي فن التأويل، ويف اشتقاقاا األصلية جاءت من لفظ Hermèneutikèاهلرمينوطيقا" يف أصلها الالتيين

Hermenia من هرمسhermès ويفك وهو اإلله الوسيط بني اآلهلة والناس، يفسر هلم ويشرح املرمز

أسطورة انطلقت منيرد إىل جذور قدمية eutiqueHermenأي أن لفظ هرمينوطيقا )1(الطالسم"

م)، وتبلورت بوضوح يف أفكار الفالسفة األملان 430ق م) وأوغسطني (ت322ٌوأفكار أرسطو (ت هرمس

الذي يعترب أكرب مؤسسي ورواد التأويلية احلديثة )1834على وجه اخلصوص، وعلى رأسهم 'شلري ماخر'(ت

الديين واملقدس على وجه اخلصوص حسب طغيان الرمز فيه وحاجته لفك اليت استخدمها يف فك أسرار

)إضافة 2002) و'غدامر '(ت1976) و'هيدجر'(ت1911رت بعد ذلك يف أحباث 'ديلتاي'(تواستمخفاياه،

يف ) يف فرنسا، حيث ساهم كل هؤالء يف بلورا وتأسيسها، وتعين 2005إىل' هابرماس' و'بول ريكور'(ت

االصطالح "تفسري نصوص فلسفية أو دينية، وبنحو خاص الكتاب (شرح مقدس) تقال هذه الكلمة خصوصا

املقدسة والسيماأداة لقراءة النصوص تطورت بصورة كربى يف الفترة املعاصرة لتصبح ) 2(لى ما هو رمزيع

فك رموزها وتبليغها للبشر. ميكن ردها إىل مفهوم بسيط مفاده أا "فن الفهم علىيف جوهرها منها تقوم

.)3(وتأويل النصوص"

من الناحية املعرفية البديل العقالين لنظرية املعرفة بوصفها املعيار الثابت الذي يضبط كما "تعترب اهلرمينوطيقا

املسافة بني الذات واملوضوع، حيث تقوم بإعادة صياغة املسار الذي تتخذه هذه املسافة بالعودة إىل قوة الفهم

.13املرجع نفسه، ص 1 .555ي،موسوعة الالند الفلسفية، مرجع سابق، ص ، الالند أندر 2 .18، ص 2003، 1عادل مصطفى، مدخل إىل اهلرمينوطيقا، دار النهضة العربية، بريوت لبنان، ط 3

Page 51: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

52

الكالسيكي املؤسس على ثنائية فهي أهم أدوات املعرفة اليوم اليت غريت ثوا) 1(وليس إىل سلطة املوضوع"

الذات واملوضوع يف خمتلف املذاهب الفلسفية إىل ثوب جديد هو الفهم، الذي أصبح يف الفلسفات التأويلية

ذو أمهية كربى، وغاية العلوم اإلنسانية أو علوم الروح، وهو ما جيعلنا نفهم أن التفسري ليس باملنهج الوحيد

وليس الظواهر اإلنسانية فحسب، و ندرك أن عصر -النص القرآين حتديدا–ة والسيما يف فهم النصوص الديني

البداهة ورفض الالمعقول واألحادية واملطابقة والظاهر وغري ذلك من الصفات احملددة للحقيقة ولفهم النص

مليء القرآين قد وىل، وقد آن اآلوان جلعله منفتحا يدرك من خالل ما خيفيه أكثر مما تبديه ألفاظه، وهو

بالالمعقول واألسرار...ال ميكن اكتناهها إال باهلرمينوطيقا .

فك رموز املقدس وهو ما أهلها اليوم ألن ارتبطت بصورة وثيقة بالنص الديين واهلرمينوطيقا انطالقا مما سبق

ت على متعرفت تطورات يف استخدامها و ، تكون أكثر املناهج اليت يطمح تطبيقها يف قراءة النص القرآين

وجه اخلصوص يف انتقاهلا من أحباث 'شلري ماخر' املتعلقة بوضع قوانني أو نظرية للتفسري يف النصوص الدينية إىل

من الصعب تفصيلها ن، وإذا كان ون املعاصرووضع نظرية عامة يف التفسري والتأويلية مع كبار الفالسفة الغربي

واختالف الفالسفة يف حتديدها.)∗( نظرا لتنوع املراحل اليت خضعت هلاها تارخي وتتبع

"ينطوي على جمموعة من املفاهيم الفرعية أو املقابلة كما أن مفهوم اهلرمينوطيقا وإن كان حموره الفهم، فإنه

اليت تشري إىل أصناف خمتلفة من العمليات التأويلية املمارسة على النصوص كالفهم والتفسري والشرح والتأويل

والتطبيق...إخل. وهذه الفعاليات اهلرمينوطيقية جندها أحيانا خمتلفة ومتمايزة وأحيانا متطابقة ومتماثلة والترمجة

ما بينها تتداخل فيومجلة من العالقات تتنوع أشكاهلا، حسب هذا التصور متثل، )2(وأحيانا متداخلة ومتكاملة"

، 2010، 1منشورات رابطة سيميا سيدي بلعباس، اجلزائر، العدد -بالغة اهلرمينوطيقا األمنوذج احلجاجي ومغالطته-عمارة الناصر، إيقونات 1

.32صحامد هذه املراحل اليت تطورت تبعا هلا اهلرمينوطيقا هي ما سنعيد تفصيلها يف الفصل الرابع عند البحث عن آليات فهم النص القرآين عند 'نصر ∗

أبو زيد'، لذلك سنكتفي بتقدمي نظرة جمملة هلا يف هذا املقام.، الدار العربية للعلوم ناشرون، - سة حتليلية نقدية يف النظريات الغربية احلديثةدرا-شريف عبد الكرمي، من فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة 2

.18، ص2007، 1بريوت لبنان، ط

Page 52: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

53

انطالقا من 'شلري ماخر' الذي يضع ،اهلرمينوطيقا ، أشار إليها بالعودة إىل رواديف بناء العمل اهلرمينوطيقي

شكال خاصا من أشكال - العلوم اإلنسانية –'دلتاي' الذي جيعل التأويل مث الفهم حمورا للعمل اهلرمينوطيقي،

اول التقليل من الذي حي'بول ريكور' ف، - العلوم الطبيعية -الفهم وحالة جزئية منه، مميزا بينهما وبني التفسري

إىل الذي ينظر 'هيدجر' وبعد ذلك التناقض بني مقوليت التفسري والتأويل ويبحث عن التكامل بينهما، حدة

وخيرجه إىل دائرة الوعي، لينتقل بعد ذلك إىل 'بول ريكور'، مبينا ا ميسك يتلفهم الكينونة ال كمنطلقالفهم

والتأويل، فإنه يعطي مفهوم اهلرمينوطيقا نوعا من الشمولية، مقارنة مبفهوم أنه وإن كان يطابق بني اهلرمينوطيقا

التأويل، ألن هذا األخري يرتبط بالتفسري النصي املباشر، على خالف اهلرمينوطيقا اليت حترك النظرية العامة للفهم

يل الفلسفي مير عرب مراحل الذي يرتبط مبسائل الداللة واللغة، كما أشار إىل أن تأويل 'غادامر' أكد أن التأو

وهي الفهم، التفسري أو التأويل، والتطبيق، وذا استطاع أن يبني أن املمارسة التأويلية متثل تطبيقا للنص على

الوضع الراهن للشارح واملفسر، ومن دون شك أن هذا التصور على درجة كبرية من األمهية ألنه أساس

نص القرآين عند أكثر من رواد اهلرمينوطيقا. التعامل مع النص الديين وبالتحديد ال

بناء على حتديد حقيقة اهلرمينوطيقا يف خمتلف التصورات، ندرك أا آلية قدمية ومعاصرة يف الوقت نفسه

- أسطورة هرمس–)، ألا قدمية من حيث ارتباطها باألساطري القدمية 2010كما ذهب أبو زيد(ت

كون جديدة ومعاصرة من حيث تطور تقنيات البحث فيها وتأسيسها كنظرية يف ودراسات الالهوت، بينما ت

التفسري تشمل كافة العلوم اإلنسانية كالتاريخ وعلم االجتماع واألنثربولوجيا...، وهي اليوم أهم اآلليات

الكثري من املعاصرة يف قراءة النص القرآين، تم بالدراسة التأويلية له اليت ميكن استخدامها بقوة يف كشف

أسرار إشكالية قراءته ماضيا وراهنا ومستقبال ، واهلرمينوطيقا تتميز خبصوصيات جعلتها تقتحم جمال النصوص

الدينية بقوة اليوم وعلى رأسها النص القرآين،أمهها: ارتباطها يف نشأا وتطورها بالنص الديين فهم نصوص

التفسري، جعلها النص متعدد الدالالت أو منفتحا على املسيحية والتوراة، تأكيدها على أولوية الفهم على

Page 53: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

54

املعاين اليت ميكن إحصائها أو حصرها، بياا ألمهية القارئ على النص، منعها احتكار فهمه من أي سلطة،

قوهلا بتارخيية ونسبية النص أي جعله حمكوما بسياقه التارخيي، مثل: ما يذهب إليه 'أبو زيد' يف جمال النص

حني جيعله منتجا ثقافيا حمكوما باملتغريات والوقائع اليت نزل فيها، كما أا حتول النص إىل خطاب أي القرآين،

عملية تفاعل بني مرسل ومتلق بواسطة شفرة معينة، ومما الشك فيه أن هذه اخلصائص املميزة للهرمينوطيقا

للفهم وخطابا يتميز بالتارخيية والنسبية ال ستؤثر على تطبيقها يف جمال النص القرآين لتجعله فضاء دالليا وجماال

ميكن احتكار وحتديد فهم ثابت له، وميكن القول باختصار أا سعت إىل أنسنته وزحزحة قداسته، وهو ما

سنراه فيما بعد يف التصورات اجلديدة للوحي القرآين عند الذين استفادوا منها وعلى رأسهم 'أبو زيد' و'حسن

حنفي'.

: ةالسيميولوجية الدراس-ه

مشتقة "يف اللغة األجنبية، -signe– وهيفهوم العالمة مبيف مفهومها اللغوي والعام ترتبط السميولوجيا

وأبوقراط وتظهر كمرادف ق م) 450(من كلمة يونانية "سيميون" وقد ظهرت كمصطلح تقين مع بارمنيدس

تستعمل لتحويل خرب، من أجل قول أو حتديد شيء أا " حيثلكلمة " تكمرييون" ويعين دليل، مسة، عرض،

ميكن أن نردها يف البداية وفهي أداة لالتصال والتبليغ، )1(يعرفه الشخص، ويعرفه األشخاص اآلخرون كذلك"

إىل تصور عام "يهتم بكل جماالت الفعل اإلنساين:إا أداة لقراءة وفهم خمتلف مظاهر السلوك اإلنساين بدءا من

أما يف مفهومها ،)2(لوجية الكربىوالبسيطة ومرورا بالطقوس االجتماعية وانتهاء باألنساق اإليدياالنفعاالت

حسب ،االصطالحي كعلم قائم بذاته، متثل علما جديدا مل يتفق املختصني يف جماله على تعريف حمدد له

ات السويسري 'فرديناند حسب عامل اللغوياألسس االبستيمولوجية اليت يعتمد عليها كل فيلسوف يف ضبطه، ف

1 -Umberto Eco, le signe-histoire et analyse d’un concept, adapte de l’italien par Jean-Marie klinkenberg , édition , labor,

Bruxelles Belgique, 1988, p 31. . 25، ص 2005، 2بنكراد سعيد، السيميائيات،مفاهيمها وتطبيقاا، دار احلوار،الالذقية سوريا، ط 2

Page 54: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

55

"مبتكر اللفظة تعين السيميائية علم إشارات واسعا ال تشكل اللسانيات سوى جزء منه" )1913(ت'دوسوسري

تطويره لألحباث يف اللسانيات اليت ميكن القول سياقعلم العالمات وتفهم يف ، فهي تطرح عنده يف إطار )1(

حيث اقترح مصطلحها وأسسها كعلم "عده علما ال غىن عنه لتأويل اللغة وأنظمة )∗∗∗∗(أا علم العالمات اللفظية

أما على حسب الفيلسوف الربغمايت األمريكي ،)2(العالمات األخرى كلها يف عالقتها املتبادلة مع اللغة"

قترب من ت ) الذي ساهم بدوره يف املرحلة التمهيدية للسميولوجيا، فإا1914'شارل سندرس بريس'(ت

يف األصول األولية النبثاق املعىن، اثحب إذ متثل عندهمسألة املعىن وقواعد التفكري أكثر من مسائل اللسان واملبىن،

علم يستمد " :طرقا استداللية يتم مبوجبها احلصول على دالالت وتداوهلا، وميكن القول بتعريفها األمشل أاو

ول املعرفية كاللسانيات والفلسفة واملنطق والتحليل النفسي أصوله ومبادئه من جمموعة كبرية من احلق

واألنثربولوجيا يبحث يف طرق إنتاج املعاين من األشياء، مما جيعلها نظرية تأويلية أو صياغة جديدة لقضايا

، )3(" فلسفية ومعرفية موغلة يف القدم، ال يستطيع الباحث أن يفهم خمتلف املسائل السميائية إال يف إطارها

إذا كان متحكما يف ميادين علمية ومعرفية تتجاوز كما ال يستطيع املشتغل يف ميداا التحكم يف تقنياا، إال

، ومن أهم املفكرين الذين أحلوا على ضرورة علوم اللغة إىل املنطق والفلسفة والعلوم اإلنسانية واالجتماعية

املقدمة له، واليت احلداثية القراءات أهمذي جعلها أحد اعتماد القراءة السميائية للخطاب القرآين 'أركون' ال

مبوجبها يتم التحرر من األحكام التيولوجية وهالة القداسة اليت أحلقت بالنص اليت فرضها اإلميان املوروث، كما

.25، مركز اإلمناء القومي لبنان، ص 1988جوليا كريستيفا، السميائية علم نقدي أو نقد للعلم، جملة العرب والفكر العاملي، العدد الثاين 1، مبينا أن 'اللسانيات بوصفها إحدى أنظمة العالمة، 47هذا التصور يطرحه 'رومان ياكبسون'، يف كتابه 'االجتهات األساسية يف علم اللغة' ص ∗

و واللسانيات بوصفها علم العالمات اللفظية هي جمرد جزء من السيمياء، كما يلفتنا من ناحية أخرى إىل أن أول من تنبأ ا ورسم خطوطها ه

مبدأ العالمات.-'جون لوك' الفيلسوف التجرييب اإلجنليزي يف مقالته ، 2002، 1رومان ياكبسون، االجتهات األساسية يف علم اللغة، تر: علي حاكم صاحل وحسن ناظم، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط 2

.48ص، املنطق والفن، منشورات 'سيميا' للبحوث السميائية، سيدي بلعباس السميائيات-محادي هواري، سيميائيات املنطق اليوناين، أيقونات، 3

.2011نوفمرب 2اجلزائر، العدد

Page 55: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

56

النص القرآين حيول العامل كله إىل جمموعة من جبعلكعالمات الكرمي استعان ا 'أبو زيد' يف طرحه القرآن

. العالمات

:ةالتفكيكيالدراسة -و

ظهرت يف الفترة املعاصرة، واليت يدعوا الفالسفة وعلى رأسهم 'أركون' من أهم املناهج النقدية اليت تعترب

:" بإحلاح إىل تطبيقها يف فهم النص القرآين، وترتبط بكلمة 'تفكيك'، املشتقة من الفعل 'فكك'، حيث يقال

من اللغوي راد، فامل)1(متشابكني فصلتهما فقد فككتهما، وكذلك التفكيكفككت الشيء: خلصته، وكل

علي 'أما يف االصطالح ميكن القول مع ،)2(" الفرز والفصل والتنقية، وجعل الشيء خالصا" التفكيك هو

أفاد أصحابه والذين مارسوه من كل االجنازات الفكرية اليت حتققت يف ، أن شكل من أشكال التفكري 'حرب

جمال اللغة، والسيمياء واإلناسة والتاريخ واالبستومولوجيا والتحليل النفسي وسواها من الفروع اليت شهدت

لك عن وذ )3(طفرات معرفية أو ثورات منهجية...يقوم على جتاوز املنطوق واملطروح إىل املستبعد واملسكوت"

العميقة للنصوص والبحث عن خباياها وخفاياها اليت ال ميكن اإلمساك ا بالوعي املعاينطريق احلفر يف

احلضور وممارسة نقدية متكاملة جتمع بني مناهج خمتلفة تنطلق من نقد فلسفة الثبات فالتفكيكاملباشر،

املعىن، حلساب فلسفة للغياب واألنساق املفتوحة واألنساق املغلقة وفكرة الثنائيات واملركزية العقلية وأحادية

وتعددية املعىن، وهذا ما جيعل البحث يف أصوله عملية عميقة ألنه يرد إىل تضافر جمموعة من الفلسفات

وذلك ألن "األسئلة من قبيل: كيف نفكر باالختالف؟كيف نفكر يف )∗('، ديريدا'استفاد منها واملناهج

.85ابن منطور أبو الفضل حممد بن مكرم، لسان لعرب، مرجع سابق، ص 1 .13، ص2000، 1حكيمي حممد رضا، املدرسة التفكيكية، دار اهلادي، بريوت لبنان، ط2

.24، ص 2005، 4متنع، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طحرب علي، املمنوع وامل 3: يعترب التفكيك أمهها آليات الفلسفة الغربية املعاصرة يف التحليل والنقد للفلسفات 23حسب علي حرب يف كتابه املمنوع واملمتنع ص ∗

الكالسيكية واخلطابات ككل، ظهر مع نيتشه الذي يعترب أول من فكك اخلطاب الفلسفي بتوجيه سهام النقد إىل مفهوم احلقيقة، مث جاء هيدغر

صطلح مستعمال إياه يف نقد األنطولوجيا الكالسيكية، وبعده جاء ميشال فوكو الذي استعمل املنهج احلفري يف حتليل اخلطاب حني واضع امل

استعمل احلفر كشكل من أشكال التفكيك، إضافة إىل جيل دولوز الذي قام بتفكيك املتعاليات، ومفكرون آخرون من البنيويني أمثال ألتوسري

رواس، هذا ما يبني أن مسرية التفكيك امتدت من الفلسفة املعاصرة إىل فلسفة ما بعد احلداثة انعكست بصورة كربى على تطور والكان وليفي شت

Page 56: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

57

نا هو اختالف؟ هي نتاج قراءة دريدا هلسرل وقراءاته هليغل ونيتشه وهيدجر االختالف؟وكيف يكون تفكري

"وفرويد ودوسوسري ومفهومه للعالمةكان التفكيك ترعرع يف أرضية فلسفية متعددة املشارب تبني أنه ، ف)1(

، و للنص، أصبح من خالله النص القرآين جماال للمتحجب وفضاء دالليا للمسكوت نقد التكامليالمبثابة

التفكيك هو األنسب لكشفه عند 'أركون' و'علي حرب' ...و استنطاق كل ما مهش واستبعد ووقع يف جمال

الالمفكر فيه يف اخلطاب القرآين، حبيث يتجاوز التفكيك ثنائية الظاهر والباطن اليت هيمنت على فهم النص

ويف حقل النص القرآين.)2(ة" القرآين، ويتجه إىل"املسكوت عنه أو املنسي أو املهمش يف حقل الرؤي

:دراسات ومناهج أخرى-ز

ال ميكن حصر آليات الفهم املعاصر يف اآلليات السالفة الذكر فقط، بل هناك علوم ومناهج متعددة أخرى

كثريا ما تتداخل مع املناهج السابقة، دعا الكثريون إىل تطبيقها يف جمال قراءة النص القرآين و أمهها:

منهج حتليل اخلطاب و يعترب من أوسع وأمشل آليات فهم الظواهر وحتليل النصوص، اليت ظهرت يف الفترة -

املعاصرة، من الصعب حتديده وضبطه، حيث يستعني جبملة اآلليات السالفة الذكر لفهم خمتلف العناصر

ن بينها "هو حتليل استعمال يوجد حتديدات واسعة له م واملشكلة للخطابات فلسفية أو دينية أو غريها،

، وهذه التحديدات )3(اللغة...دراسة االستعمال الفعلي للغة من قبل ناطقني حقيقيني يف أوضاع حقيقة"

يكتنفها نوعا من الغموض يف كوا تتداخل مع آليات أخرى لتحليل ودراسة اخلطابات كاألنثربولوجيا

ملستحسن اعتبار حتليل اخلطاب التخصص الذي بدل أن يقدم والتحليل اللساين والتحليل النفسي...لذلك "من ا

على التحليل اللغوي للنص يف ذاته أو التحليل السوسيولوجي أو النفسي 'حملتواه' يسعى إىل مفصلة

سيما الفكر الفلسفي باعتباره أهم آليات حتليله وهي ما أثرت بصورة كربى لدى الفالسفة املشتغلني على النص القرآين يف حتليل خطاب الوحي وال

حتت رايته مناهج ال حتصى وال تعد ويعرب عن تظافر جهود كبار الفالسفة املتأخرين.إن كان حيمل .187، ص 2002، 1شوقي الزين حممد ، تأويالت وتفكيكات، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط 1 .67حرب علي ، املمنوع واملمتنع، مرجع سابق، ص 2 .9، ص 2008، 1تحليل اخلطاب، تر: حممد حيياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت لبنان، طمانوغونو دومنيك، املصطلحات املفتاحية ل 3

Page 57: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

58

articuler تلفظه مع موقع اجتماعي بعينه، وهكذا جيد حتليل اخلطاب نفسه حيال أنواع اخلطابات املشتغلة

الجتماعي(املقهى، املدرسة، احملل التجاري...)أو يف احلقول اخلطابية(السياسي، يف قطاعات الفضاء ا

، ويعترب هذا املنهج من أكثر املناهج تداوال يف الفترة املعاصرة، سعى إىل حتليل خمتلف مناذج )1(العلمي...)"

)، أو 1900تشه(تاخلطابات وعلى رأسها اخلطاب الفلسفي الغريب، من حيث جينالوجيته كما جتسد عند ني

أثر على )1986من حيث أركيوجيوليته باحلفر يف أعماقها وجذورها التارخيية كما هو احلال عند فوكو(ت

املشتغلني بالنص القرآين بصورة كربى وعلى رأسهم اجلابري يف حتليله للعقل العريب وأركون يف حتليله للعقل

ه له كخطاب، إذ عند هؤالء وبفضل تأثرهم ذا املنهج اإلسالمي، وأبو زيد يف حديثه عن مفهوم النص وحتليل

خطاب قبل كل شيء.كوالسيما فلسفة فوكو أصبح يفضلون النظر إىل النص القرآين

الدراسة األركيولوجية وعلمي تاريخ األديان واملقارنة بني األديان، متثل مجلة آليات جديدة، يستعني -

حياول احلفر يف أعماق الظواهر ومجع كل له، حيث آين بالدراسة احلفريةالباحث املعاصر ا يف قراءة النص القر

ما تعلق ا من وثائق ومصادر مادية ومعنوية والسيما يف جمال الظواهر الدينية كظاهرة الوحي القرآين، وبعلم

الفرع متمركزا تاريخ األديان "يتناول دراسة منو وتطور أديان تارخيية معينة، حيث يكون حمور الدراسة يف هذا

حول مراحل هذا التطور، مع حماولة تفسري صلة هذه املراحل بالعقيدة األساسية أو األصلية. كما يتناول

البحث يف هذا اال التطور النفسي تمعات دينية خاصة. وذلك باإلضافة إىل دراسة املسائل اخلاصة

) 2(باملمارسات التعبدية اليت تسمى الشعائر" بالعقيدة، سواء ما تعلق مبؤسسي هذه األديان أو ما يتعلق

وباملقارنة باألديان حياول "دراسة وحتليل أنواع متعددة وخمتلفة من التجربة الدينية من حيث أصوهلا النظرية

، هنا املقارنة بني األديان ال )3(وممارستها الواقعية، وذلك عن طريق املقارنة بني األديان اليت هي حمل الدراسة"

.10املرجع نفسه، ص 1 .12، ص 2002، 1تركي إبراهيم، علم مقارنة األديان عند مفكري اإلسالم، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، االسكندرية، مصر، ط2

املرجع نفسه. 3

Page 58: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

59

تم جبميع األديان وهي ذات أمهية كربى تم بتاريخ دين واحد لذلك هي أمشل من تاريخ األديان، لذلك هي

يف قراءة النص القرآين حيث استخدمها 'مالك بن نيب' يف قراءة سورة يوسف مقارنا إياها كما وردت يف

.∗القرآن الكرمي، وكما وجدت يف العهد القدمي

على العموم هناك أنواع خمتلفة من آليات الفهم املعاصر، متثل ما ترتب عن التطور احلاصل يف املناهج يف قراءة

النصوص ويف العلوم اإلنسانية واالجتماعية ككل، ويبدأ فهمها يف جمال القرآن الكرمي بأثرها يف بناء تصور

ف ذلك؟يتجاوز تصوره كوحي إهلي مرتل متعال وغييب، كي ،جديد له

::أثر اآلليات املعاصرة يف جتديد مفهوم الوحي القرآين2- 2

انطالقا من تفصيل اآلليات السالفة الذكر، فإا حسب طريقة تعاملها مع الظواهر والنصوص، تلك اليت تقوم

ةقيعلى نزع هالة القداسة اليت حتيط ا بغض النظر عن مصدرها اإلهلي، وثورا على التصورات امليتافيزي

والغيبية، وجعلها النصوص مبثابة فضاءات داللية ال تقوم على أحادية وظاهرية املعىن... البد هلا أن تؤثر على

املفاهيم الكالسيكية للوحي القرآين، فيما يلي :

طيم سياج القداسة الذي أحاط به لقرون حتعدم اعتبار الوحي القرآين ظاهرة غيبية متعالية ومقدسة و -

عن طريق ربطه بالواقع والتاريخ.)∗(طويلة

ميكن حتليله وتفكيكه ودراسته كما تدرس مجيع النصوص ، ا...وخطاب ونصاظاهرة اعتبار الوحي القرآين -

والظواهر.

>.>241إbى>ص>>200،>من>ص>1986ط>كتاب>'مالك>بن>نVW'>الظاهرة>القرآنية،>تر:>عبد>الصبور>شاهEن،>دار>الفكر،>أنظر ∗ت البحث يف املفاهيم امللحقة بالوحي القرآين خارج سياج القداسة ليست وليدة اللحظة، بل وجدت منذ اإلرهاصات األوىل مليالده، أين تبلور ∗

حول حقيقته وطبيعته، تلك اليت اعتربته ضربا من الشعر وكالم الكهان...وهي من دون قد أثرت يف أدوات قراءته اختالفات وحدثت سجاالت

تعتربه كالم والسيما بعد ظهور التأويل عند املتكلمني الذين بلوروا نظرة خاصة حول الوحي القرآين، جتلت عند املعتزلة حتديدا يف تلك الرؤية اليت

هي ما يؤكد بعض الفالسفة من أمثال 'أركون' و'أبو زيد' ضرورة عدم ميشها ليس من أجل التسليم ا بل لدراستها، والشيء اهللا املخلوق، و

التصور نفسه بالنسبة للرؤى اليت وجدت فيما بعد عند الفالسفة واملتصوفني واملستشرقني اليت حاكت مفاهيم مغايرة للوحي القرآين تدخل يف إطار

إىل أا مل تبلغ التطور احلاصل الذي بلغته يف الفترة الراهنة. الفلسفي له،

Page 59: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

60

وغري ذلك من املفاهيم جعل الوحي القرآين منطقة للمسكوت عنه، وفضاء دالليا متنوعا، ومنتجا ثقافيا،... -

اليت تصوره خارج أسوار القداسة.

القول بتارخيية وأنسنة الوحي القرآين، والتأسيس لرؤية ال متيز بني نصوصه والنصوص البشرية، والدينية -

األخرى كنصوص العهد القدمي واجلديد أم نصوص القرآن الكرمي.

الوحي القرآين، تعترب شرط أوليا الستخدام اآلليات إذن هذه بعض الصفات اجلوهرية اليت ستلحق مبفهوم

املعاصرة يف قراءة نصوصه ألا جتعله أرضية مناسبة هلا، وقد انتهت إىل مفاهيم جديدة حوله عند خمتلف رواد

فما طبيعة هذه بالنص والظاهرة واخلطاب... آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآين، أمهها وصفه

اجلديدة امللحقة بالوحي القرآين؟ وكيف استفاد منها فالسفة العرب املعاصرين يف إرساء دعائم التصورات

املفهوم الفلسفي املعاصر للوحي القرآين؟

Page 60: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

61

املبحث الثالث: املفهوم الفلسفي املعاصر للوحي القرآين:

الفلسفة الغربية التطور احلاصل يف على ،النص القرآين يف الفكر العريب املعاصرب املهتمنيبعد اطالع خمتلف

مبا ، وتشبعهم ، وما أفرزه من أدوات وآليات جديدة لقراءة النصوصالعلوم اإلنسانية واالجتماعيةاملعاصرة و

على تعاليه وقداسته القائم املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين،نقد ورد فيها من أفكار ومناهج، عملوا على

صورات أخرى تتناسب ومهمتهم القائمة على تطبيق اآلليات واألدوات اجلديدة يف ربطه بت حلساب ،وإطالقيته

، عن طريق أشكلته ونقله من املستوى هقراءة النص القرآين، فكانت خطوم األوىل يف ذلك، جتديد مفهوم

ي أضفى عليه الالهويت القائم على تقديسه إىل املستوى الناسويت القائم على مسائلة مفهومه وجتديده، الذ

تصورات جديدة، تدفعنا إىل التساؤل: ما طبيعة التصورات اجلديدة امللحقة بالوحي القرآين عند رواد تطبيق

اآلليات املعاصرة يف قراءة نصوصه؟

إن التصور اجلديد للوحي القرآين، قام بنقله من مستويات إىل أخرى مقابلة هلا، أمهها: نقله من الغيب إىل

، من القداسة إىل األنسنة... يف إطار إحلاق مفاهيم يإىل التارخيالالتارخيي التعايل إىل احملايثة، من الظاهرة، من

جديدة به، وأمهها ما يلي:

: الوحي القرآين ظاهرة وحدثا-1

على املعاصرين املشتغلني العرب فالسفة اليت أصبحت تطلق على الوحي القرآين عنداملصطلحات إن أهم

يف وصف القرآن الكرمي، هم تداوال عنداألكثر أصبحت حيث '،الظاهرة القرآنية'القرآين، مصطلح اخلطاب

و ميثل هذا طبيعية، الظواهر كال، القابلة للدراسة العلمية املوضوعية غريه من الظواهر واليت تبني أنه ال خيتلف عن

شرطا لدراسته دراسة موضوعية ومنطلقا لتطبيق اآلليات يف ميدانه، اآلليات املعاصرة تطبيق عند رواد الوصف

Page 61: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

62

فكيف )∗( من واقعية وتارخيية وجتاوز للتعايل واالطالقية - ظاهرة–املعاصرة يف ميدانه، تبعا ملا حتمله الكلمة

ظاهرة؟ الوحي القرآينيكون

واليت تعين يف اللغة العربية: نبدأ البحث يف القرآن الكرمي كظاهرة، من خالل البحث يف مفهوم الظاهرة ذاا،

"العني اجلاحظة، النضر : العني الظاهرة اليت مألت نقرة العني وهي خالف العني، وقال غريه: العني الظاهرة

بأا: "ما يتراءى اللغة ترتبط بالوضوح والربوز، أما اصطالحا يعرفها الالنديف فهي )1(هي اجلاحظة الوخشة"

للوعي، ما هو مدرك، مرئي يف املستوى الطبيعي، ويف املستوى النفسي على السواء.'الظواهر البيولوجية،

أي أن الظاهرة )2('الظواهر العاطفية'. تقال باملعىن األوسع على كل الوقائع امللحوظة اليت تشكل مادة العلوم"

بناء على هذا املفهوم ،تلف املستويات، ويقبل املالحظة والدراسةمتثل ما يقبله الوعي ألنه مدرك له يف خم

ظاهرة واضحة وبارزة تقبل اإلدراك والوعي وميكن وحي القرآين على اعتبار ال تقوم الظاهرة القرآنية

مالحظتها من أجل دراستها دراسة علمية.

ي القرآين ومنهم:وقد أطلق خمتلف رواد الفكر العريب املعاصر مفهوم الظاهرة على الوح

عرض فيهألحد أهم مؤلفاته، الذي امصطلح 'الظاهرة القرآنية' عنوان جعل ) الذي1973'(تمالك بن نيب'

أمهها مستعينا جبملة من اآلليات املعاصرة، لربط الوحي القرآين بالدراسة العلمية املوضوعية، أولية اوالت حم

عن "الظاهرة القرآنية اليت تضع الدين حتدثحبيث واملقارنة بني األديان، العلوم االجتماعية والتحليل النفسي،

حبث يف ،العلمي بصفته مهندسا هانطالقا من تكوينف، )3(يف سجل األحداث الكونية جبانب القوانني الطبيعية"

ظة واالستقراء،قبل املالحوجعله ي ،كظاهرة ختضع لقوانني ثابتة شأا شأن الظواهر الطبيعية الوحي القرآين

ثارت حرية وقلقا، عند الكثري من علماء الدين كوا ربطته بدالالت لغوية ومعرفية وثقافية أسست لشبهة املماثلة بني القرآن أهذه الصفات ∗

لق واالشتباه عند الكثريين بل النبذ والتكفري .الكرمي وغريه من الظواهر وانتهت إىل إنكار غيبيته اليت أثارت الق .490، ص 3ابن منظور مجال الدين ابو الفضل حممد بن مكرم، لسان العرب، مرجع سابق، ج 1 .970الالند أندري، موسوعة الالند الفلسفية، مرجع سابق، ص 2 .70. ص 1986مشق سوريا، د ت، ابن نيب مالك ، الظاهرة القرآنية، تر: عبد الصبور شاهني، دار الفكر، د 3

Page 62: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

63

انطالقا من البحث يف ظاهرة النبوة كظاهرة مستقلة عن الذات اإلنسانية تقبل املالحظة من خالل شهادة النيب

يف نظره وةألن النب) 1(وحمتويات رسالته، وجعلها مبثابة "مشكلة نفسية من ناحية، وتارخيية من ناحية أخرى"

كرر بانتظام مثلها مثل الظواهر الطبيعية عرب التاريخ، وذلك بني ظاهرة مستمرة تت يليس حدثا غريبا بقدر ما ه

قطبني تارخييني، مها إبراهيم عليه السالم وحممد صلى اهللا عليه وسلم، وبناء على ذلك مجع 'ابن نيب' بني

ة معطيات التاريخ وعلم النفس لتحليل ظاهرة الوحي القرآين، من خالل حتليل الوقائع املصاحبة لظاهرة النبو

عرب التاريخ، بالعودة إىل الوثائق اليهودية واملسيحية واإلسالمية، مقيما مجلة من املقارنات فيما بينها، حملال

تاريخ نبوة حممد صلى اهللا عليه وسلم منذ ما قبل البعثة إىل غاية الرسالة، مستندا من ناحية أخرى على

هنا أنه أصبح حيلل الوحي القرآين كظاهرة مثلها معطيات التحليل النفسي واالجتماعي للظاهرة، وما يهمنا

مثل الظواهر الطبيعية تقبل املالحظة وختضع للقانون واحلتمية، وهو من دون شك طريق أوىل لتطبيق الدراسة

، وهذا ما يكون منطلقا للتعامل مع النص القرآين بدوره حدثا كونيا وتارخيياالعلمية عليه مبوجب اعتباره

كحدث وظاهرة، كما جسده ابن نيب يف مقارنته بني قصة يوسف كما وردت يف العهد القدمي وكما وردت

يف القرآن الكرمي.

أحل بدوره على ضرورة االنطالق من مفهوم الظاهرة القرآنية واستعماهلا مصطلحا بديال للقول 'أركونو'

بالقرآن الكرمي، كشرط أويل ملواكبة املستجدات العلمية واملنهجية احلاصلة يف عصرنا واستخدامها يف قراءة

انصوص القرآن الكرمي وإخضاعها للدراسة العلمية الوضعية بغض النظر عن مصدرها اإلهلي وبعيدا عن اعتباره

هذا املفهوم اجلديد امللحق بالقرآن الكرمي متعالية ومفارقة للواقع، إذ يطرح أركون بوضوح سؤال حول طبيعة

مما يبني أنه يكتسي عنده أمهية كربى، يقول:"ما الذي أقصده بالظاهرة يف الوقت نفسه، وجييب عنه بدقة

القرآنية؟ أقصد القرآن كحدث حيصل ألول مرة يف التاريخ، وبشكل أدق أقصد ما يلي: التجلي التارخيي

.75املصدر نفسه، ص- 1

Page 63: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

64

ددين متاما،(الزمان هو بدايات التبشري، والبيئة االجتماعية والثقافية اليت ظهر خلطاب شفهي يف زمان ومكان حم

فيها هي اجلزيرة العربية). أحل هنا على الطابع الشفهي للقرآن يف البداية، ألنه مل يكتب أو مل يدون إال فيما

يف مكان معني فالظاهرة عنده تؤسس للقرآن الكرمي كحدث وترتبط به كخطاب شفهي ألقي ووجد )1(بعد"

، أي مبثابة احلادث )2(وزمن حمدد، وباختصار يعين مصطلح الظاهرة القرآنية أا "حادث لغوي وثقايف وديين"

الذي يقبل املالحظة والدراسة العلمية االستقرائية مبناهج علم النفس وعلم االجتماع واملقارنة بني

كذلك أركون يتحدث كما إليها العلم يف الفترة الراهنة، األديان...وغريمها من اآلليات املعاصرة اليت توصل

عن مفهوم الظاهرة القرآنية يف إطار مفهوم آخر وهو مفهوم الظاهرة اإلسالمية أو احلدث اإلسالمي ليؤكد أنه

أنسب من القول باإلسالم، إذ يقول " أحب فيما خيصين أن استخدم مصطلح الظاهرة اإلسالمية أو احلدث

من مصطلح اإلسالم كما يفعل الباحثون عموما.ملاذا ألن املصطلح األول يدل على حدث اإلسالمي بدال

تارخيي واقعي ميكن حصره بدقة، يف حني املصطلح الثاين أصبح وكأنه كتلة واحدة، فوق تارخيي، عمومي،

سالم إنه يتيح غامض. إن املصطلح األول يتيح لنا أن ندرس بشكل تارخيي وتساؤيل أي نقدي دينا معينا هو اإل

هنا يريد نقد ما يسميه )3(لنا أن ندرسه يف أصله ومنشئه وحتديداته ومقوالته وتوسعه ووظائفه وأفاق معانيه"

بالصرامة العقلية والتقيد باملبادئ املنهجية لالجتهاد الكالسيكي اليت تفهم اإلسالم والقرآن الكرمي يف الوقت

هرة اإلسالمية والظاهرة القرآنية اليت ميكن القول أن حمددات ومسائل نفسه، بعيدا عن تصورمها يف إطار الظا

، وذلكأصبحت تفهم من خالهلما بعيدا عن التعايل على التاريخ والتجريد املطلق القرآن الكرمي اإلسالم ككل

ال يتحقق جبعلهما شيئني إشكاليني مندجمني يف الزمان واملكان داخلني يف الصريورة التارخيية للوجود، وهو ما

، وبالتايل ينتهي إىل أن )4(إال "إذا ما طبقنا املنهجية التارخيية والسوسيولوجية أو االجتماعية" 'أركون'يف نظر

.186، ص 2004، 3أركون حممد ، قضايا يف نقد العقل الديين، كيف نفهم اإلسالم اليوم، تر: هاشم صاحل، دار الطليعة بريوت، ط 1

2 Arkoun Mohammed , La pensée Arabe Presse Universitaires de France , première édition, 1975. .66، ص 1995، 1تر: هاشم صاحل دار الساقي، بريوت لبنان، ط-رهانات املعىن وإرادات اهليمنة -أركون حممد، اإلسالم، أوروبا ،الغرب 3 .68املصدر نفسه، ص 4

Page 64: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

65

آليات الفهم املعاصر يف عالقتها مع النص القرآين تتأسس على القول بالظاهرة القرآنية حني تقتضي القول

ومها يف نظره مصطلحني يفرضان نفسيهما أكثر من أي - احلدث القرآين واحلدث اإلسالمي–مبصطلحني

ة احمليطة بكلمة إسالم، ولكي نضع على مسافة نقدية وقت مضى ومها ضروريني "لكي تنقشع األوهام الضبابي

كافية تلك الظواهر املعقدة اليت تراكمت مع مرور الزمن وتكثفت مؤخرا يف كلمتني مشحونتني جدا: كلمة

'إسالم'، وكلمة 'قرآن' وهذا العمل يتطلب من اختراق العصور لكي نتوصل إىل املعىن األصلي يف طزاجته

إىل التمييز بني احلدث القرآين واحلدث اإلسالمي وينتقد قول 'أركون'الوقت نفسه يدعوا ، لكن يف )1(األولية"

املسلمني بالتطابق بينهما، ليؤكد وجود مسافة بني األول كما وجد يف القرن السابع للميالد، والثاين الذي

نة والرمسية وإمنا هو أمشل تبلور فيما بعد، ويرى كذلك أن احلدث القرآين ال ميكن أن خيتزل يف النصوص املدو

منه ال ميكن بلوغه إال بعدة منهجية واحتياطات ابستمولوجية متكننا من إدراك الفارق بينهما، ومعرفة الطابع

املعقد والغامض لالنتقال بينهما، كمهمة قصوى للمسلم يوم ال حتقق إال عن "طريق استخدام املنهجية التارخيية

إذن عملية استخدام اآلليات املعاصرة يف قراءة ) 2(واملنهجية األلسنية" - تماعيةاالج-واملنهجية السوسيولوجية

النص القرآين عند أركون، تبدأ من مفهوم القرآن الكرمي ووصفه باحلدث القرآين الذي ميثل الظاهرة القرآنية،

مية من مصطلح يقول: "استخدمت مفهوم احلدث القرآين عن قصد ألنه أكثر فعالية وغىن من الناحية العل

القرآن نفسه، فهذا املصطلح األخري مثقل أكثر مما ينبغي بالقيم التقليدية وحماط من كل اجلهات بالتصورات

علي 'وحسب )3(الدوغمائية والتحديدات املغلقة واملوروثة اليت ال ميكن للباحث أن يسيطر عليها بسهولة"

ة معينة للوحي اإلسالمي الذي يسميه أركون أيضا معطى "تعبري احلدث القرآين ينطوي بذاته على قراء 'حرب

مبينا أن وصف القرآن الكرمي باحلدث مقارنة )4(الوحي، ختفيفا لغيبيته وذاتيته وتوكيدا لظهوريته وموضوعيته"

.67املصدر نفسه، ص 1 .12املصدر نفسه، ص 2 .49املصدر نفسه، ص 3 .62، ص2005، 4بريوت لبنان، ط حرب علي، نقد النص، املركز الثقايف العريب، 4

Page 65: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

66

مع تعابري الوحي والدعوة والرسالة والعقيدة اليت تعترب مصطلحات ذات مضامني إيديولوجية أو ميتولوجية أو

وجية "وهي متارس نوعا من احلجب على الشيء الذي تسميه أو تصفه، يف حني أن مصطلح احلدث تيول

، إذن )1(القرآين هو ذو مدلول أنطولوجي، ويشكل إضاءة ملا هو كائن، ألن من صفات الكون احلدوث"

من جهة وصف القرآن الكرمي بالظاهرة واحلدث هو األنسب لفهمه يف ضوء املستجدات العلمية واملنهجية

أكثر طلبا من أي وقت مضى لالنعتاق 'أركون'ويف إطار عالقته بالواقع من جهة أخرى، وهي مهمة يف نظر

من االستخدام اإليديولوجي املتطرف لكلمة إسالم وقرآن على حد سواء غايتهما حتقيق دراسة علمية

.موضوعية هادفة هلما تطبق اآلليات املعاصرة اليت نستعرضها الحقا

أن املفهوم األنسب لتحليل وفهم القرآن الكرمي باعتباره األمشل واألعم ملختلف كذلك أكد 'جلابريا'و

يف الوقت ومعاصرا لناو فسههو مفهوم الظاهرة القرآنية اليت جتعله معاصرا لن ،األسئلة املطروحة يف ميدانه

نفسه، إذ يقول:"حنن نقصد ب'الظاهرة القرآنية' ليس فقط القرآن كما يتحدث عن نفسه، يف اآليات اليت

ذكرنا من قبل، بل ندرج خمتلف املوضوعات اليت تطرق إليها املسلمون، وأنواع الفهم والتصورات العاملة اليت

ختلف املفاهيم اليت ه ال يكتفي مبهنا يشري أنو )2(شيدوها ألنفسهم قصد االقتراب من مضامينه ومقاصده"

يسعى إىل طرحها يف سياق أمشل وهو ما يعرف بل يلحقها القرآن الكرمي ذاته بنفسه من خالل آياته املختلفة،

أي حتليل واسع ملفهوم القرآن الكرمي كظاهرة تتشابك مفاهيم وتصورات املسلمني هلا واليت بالظاهرة القرآنية

. امينه ومقاصده وفق رؤى متعددة ومتباينة غايتها فهم مض

.62املصدر نفسه، ص 1، ص 2007، 2، يف التعريف بالقرآن الكرمي، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت لبنان، ط1اجلابري حممد عابد، مدخل إىل القرآن الكرمي، ج 2

22.

Page 66: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

67

:الوحي القرآين نصا-2

اليت مل بدوره من املفاهيم اجلديدة يعترب، انصباعتباره ميكن القول أن النظر إىل الوحي القرآين يف البداية

مل يكن موجودا وذلك ألن البحث يف مفهوم 'النص' ذاته، يبني أنه، تكن موجودة مع املفهوم الكالسيكي له

عند العرب من قبل، وهو مفهوم دخيل على ثقافتهم بعد االحتكاك بالفكر واألدب الغريب يف الفترة املعاصرة،

وختتلف عن معناها الوارد يف اللغات األخرى ، والوضوح الرفعتعين اللغة العربية يف - نص–حيث أن كلمة

يف أداة إلنتاج املعاينواليت يترتب عنها أن النص ميثل ، )∗(صلها النسيجأواليت - texte-الذي يرتبط بكلمة

ولكن عندما يرتبط بالقرآن الكرمي هو من دون شك يثري معان ،....والدين دبالفلسفة واألخمتلفة جماالت

متعددة، قد ختتلف عن ما تثريه يف امليادين األخرى، كيف ذلك؟

يقترب من النص إن اعتبار النص ميثل ما هو مدونا ومكتوبا كما قلنا يف التصورات األخرية امللحقة به،

النصوص املدونة يف املصحف حسب ما تتضمنه من سور وآيات، واليت تتميز بأا ألن هذا األخري هو القرآين

ظها وأساليبها، ومن خالل ذلك ميكن القول ثابتة ومتفقا عليها، مادامت غري قابلة ألي تغيري أو حتريف يف ألفا

أن القرآن يف مفهومه العام ليس النص القرآين، ألنه " هو الكتاب الذي ينطوي على كالم اهللا ويشتمل على

رام أما بوصفه نصا ثابتا هو احلالل واحلشر والري واخلتكوين والعبادات واملعامالت واللق واخلتعاليم مقررة يف

ندرك هنا أن، )1(كالم املدون وليس الشفهي املقروء أو املركوز يف ذاكرات الصحابة املصحف، أي هو ال

الذي قام بتدوينه، بعد النص القرآين هو املصحف، بالضبط هو مصحف اخلليفة عثمان بن عفان رضي هللا عنه

الذي وصلنا يف ألنه هو النهائي واألخري مجعه يف عهد أبو بكر الصديق وعمر بن اخلطاب رضي اهللا عنهما،

، هنا تظهر مسألة خطرية تتعلق بتدخل البشر يف تشكيل ال تقبل أي تعديل ومطلقة وائية شكل نصوص ثابتة

ن وانتظمت "النص القرآين على النحو الذي استقر عليه هو عمل بشري دووجود النص القرآين، باعتبار أن

وفي ا,صط(ح. لكي تجد التفصيل المتعلق بمفھوم النص في اللغة العربية وغيرھا من اللغات أنظر المدخل المفاھيمي ∗ .61املرجع نفسه، ص 1

Page 67: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

68

ما ي بغض النظر عن صدقها من عدمه، ههذه الفكرة ، و)1(ن الصحابة أو حفظوا" سوره وآياته على ما دو

جعلت خمتلف الفالسفة اليوم يطرحون قضية القرآن كنص لغوي من أجل قراءته وفهمه باالستفادة من خمتلف

العلوم.

يعترب جزءا من و نص ميثل ما هو مدوناكمفهوم القرآن الكرمي، بالبحث فيه حولبدأت أحباث الفالسفة

من أكرب الفالسفة الذين اشتغلوا بذلك، 'أركون' يعتربحيث هرة القرآنية وليس مماثال هلما، الوحي ومن الظا

وتكلموا عن القرآن الكرمي كنص من خالل زوايا خمتلفة يف إطار فهمه لظاهرة الوحي اليت طرحنا تصوراته

حتتوي على نفس حوهلا فيما سبق، حيث يصرح "إين أقول بأن القرآن ليس إال نصا من مجلة نصوص أخرى

التعقيد واملعاين الفوارة الغزيرة: كالتوراة، واألناجيل، والنصوص املؤسسة للبوذية واهلندوسية. وكل نص

، هنا يكون ) 2(تأسيسي من هذه النصوص الكربى حظي بتوسعات تارخيية معينة وقد حيظى بتوسعات أخرى"

ة من املبادئ تقبل التوسع والتشكل عرب التاريخ، النص القرآين نصا دينيا مثل النصوص األخرى مؤسسا جلمل

كعادته انطلق من نظرة نقدية للتصور الكالسيكي للنص القرآين، الذي يعرف عند العامة واخلاصة 'أركون'و

يطلق عليه ومجع منذ اخلليفة عثمان بن عفان رضي اهللا عنه، كمايسميه باملصحف الرمسي حيثباملصحف،

عن الوقائع املصاحبة لتشكل النص باعتباره ال يعرب كدا أنه ليس مطابقا للوحي القرآين،مؤ"املدونة الكربى"

القراءات األخرى كمجموعة ابن مسعود، وخيضع النص املهيمن أو املفروض إىل اختيارات صرفية ويتجاوز

أن تدرسه كنص اشأ منيف نظره من شأا أن تنال من املعىن، لذلك فالدراسة احلقيقية للنص القرآين ،وحنوية

إىل 'أركون'متفاعل مع وقائع تارخيية وثقافية ال تقتصر على اال اللغوي احملدد يف القراءات األوىل اليت يتطلع

النص بالتايلاكتشافها منذ ظهورها األول، واليت متثل نصوصا أخرى تعرضت للطمس أو احلرق واحلذف.

.62املرجع نفسه، ص 1، 2007، 3، تر: هاشم صاحل دار الساقي، بريوت لبنان، ط- حنو تاريخ آخر للفكر اإلسالمي-حممد، الفكر األصويل واستحالة التأصيل أركون 2

.36ص

Page 68: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

69

مماثال للنص الثابت أو الرمسي أو غري ذلك ، جيب متييزه عن 'أركون'د القرآين املوجود بني أيدينا يعترب عن

اليت ،الوحي والوحي القرآين باعتبارمها أوسع وأمشل منه، كما أنه ال خيتلف يف نظره عن النصوص األخرى

يل وهو ظاهرة الوحي اليت تشترط فهم عالقته بالنصوص الواردة يف التوراة واإلجن ،يدخل معها يف سياق واحد

كمنطلق لقراءته.

يتكلم عن القرآن كنص من خالل ما يعرف بإشكالية عرب املعاصرين،كغريه من فالسفة ال 'أركونإذن '

مبينا ،القراءة، حسب نظرة نقدية ملا يسميه باملصحف الرمسي املغلق الذي ركز على مكانة املكتوب وحده

، حبيث يف فهم ظاهرة الوحي القرآين هو شفهييف مقابل إمهال ما ،سيطرة القرآن كنص مكتوبوجود

بصدد نقده هليمنة املكتوب واملدون الرمسي على عقول ،يذهب إىل االنطالق من تصورات جديدة للنص

املسلمني، ويرى "أننا إذا ما نظرنا إىل املصحف كما هو عليه حاليا، فإننا ال نستطيع حىت أن نطبع عليه النص

هنا )1((أي الزمين املتسلسل) ملا أدعوه أنا شخصيا بالوحدات النفسية املتمايزة" طبقا للترتيب الكرونولوجي

يبني مشكلة الترتيب التارخيي أو التسلسل الزمين بني اآليات أو ما مساها بالوحدات النفسية تبقى مطروحة

مادامت غري حمدودة يف مصحف.

عن القرآن ككلمة ميكن أن تفهم وحتلل، حيث يؤكد أا كذلك، 'أركون'ويف إطار النص القرآين يتحدث

حتتاج إىل حتليل و"تفكيك مسبق من اجل الكشف عن مستويات من املعىن والداللة كانت قد طمست وكتبت

ونسيت من قبل التراث التقوى و الورع، كما من قبل املنهجية الفيلولوجية النصانية أو املغرقة يف التزامها

املتداول عرب التاريخ، وحىت اليوم مازال يف حاجة إىل فهم الكرمي وذلك ألن مفهوم القرآن ،)2(حبرفية النص"

وحتديد، ألنه يرتبط بكلمة كانت وال تزال حماطة جبدار مينع فهمها على حقيقتها ويبقيها يف جمال الالهوت

يها.والعقائد والطقوس وغري ذلك من العناصر اليت تعرقل البحث العلمي املوضوعي ف

.38، ص 2005، 2من التفسري املوروث إىل حتليل اخلطاب الديين، دار الطليعة، بريوت لبنان ، ط - أركون حممد، القرآن 1 .29صويل واستحالة والتأصيل، مصدر سابق، ص أركون حممد ، الفكر األ 2

Page 69: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

70

ومن دون شك يبدأ هذا البحث بإعادة اكتشاف ما ميكن أن نسميه النص القرآين، بالبحث يف معانيه

وصفاته اليت جتاوزها أو أمهلها الباحثون الكالسيكيون، وعملوا على طمسها وكبتها وأوقعوها يف جمال املنسي

كن أن يكون نصا مكتوبا فقط، فحسب الذي ال مي الوحي القرآين،الذي يساهم يف حتديد حقيقة ،واملهمش

أركون ال بد من اكتشاف حالة القرآن عندما كان نصا شفهيا من جهة، مث دراسة حالته عند أصبح نصا

يها التراثي واإلستشراقي اليت قامت على اعتماد على أمهية النص بشقيمكتوبا، بعيدا عن تلك املنهجية القدمية

املكتوب لوحده.

الذي تبلور وجتسد يف التراث وعند الناس ،إشكالية مفهوم القرآن الكرمي 'أركون'ثري عند فالنص املكتوب ي

اليوم وعند العلماء الكالسيكيني واملستشرقني يف خمتلف أحباثهم يف شكل النص املكتوب واملدون واملتلو بكل

يسميها بالتأسيسية وهي اليت ما هي ال مييزون بني نوعني من النصوص: األوىل كما أم يف نظرهدقة وأمانة،

ما يسميها بالنصوص التفسريية اليت أحلقت به، وهي تلك النصوص اليت هي متثل القرآن كنص أول، وثانية

تعلق عليه وتشرحه وحتدد معانيه، وتعترب هذه النقطة ذات أمهية يف بيان دور النص عرب التاريخ والواقع، ألا

النصوص الالحقة أو الشارحة واملفسرة واليت أصبحت يف مرتبة النص تبني املرتبة اليت أصبحت تكتسبها

يف حني أا جمرد ،التأسيسي، وهي املسيطرة على عقول الناس حبجة بلوغها املعاين الصحيحة الواردة يف النص

حمتكر للنص األول الذي ال ميكن أن حتتكره بأي حال من األحوال، حسب هذا التصور يكون النص األول

عنده يتجاوز الكرمي أركون هو املرجعية الوحيدة للتعبري عن القرآن، ولإلشارة هنا ميكن القول أن القرآن عند

ما دون يف املصحف الرمسي املغلق كما يسميه، إىل مجيع الوقائع املطموسة واحلقائق اليت مل تكتب وظلت

.نصوصا شفهية

أصبحت يف مرتبته، إن مل تكن أكثر فعالية منه الكرمي هناك نصوص الحقة للقرآنويف نظر 'أركون' كذلك

يف صناعة تاريخ وواقع املسلمني حبجة الفهم املناسب للنص، وهي تلك اليت تبدأ من األحاديث النبوية اليت

Page 70: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

71

بعد 'أركون'كانت يف البداية جمرد نصوص ملحقة ال ميكن أن تكون يف مرتبة النص األول، ولكنها حسب

أصبحت يف مرتبة واحدة مع القرآن الكرمي، من الرغم من أا جمرد نصوص بشرية قد 'لشافعيا'فترة ويف زمن

تعرب عن مذهب معني فقط، ميكن أن يرفضها مذهب آخر، قد يساوي هو ذاته بني نصوصه املؤسسة على

كون أن النص التأسيسي ويعتقد بأا هي املعرب عن معانيه الصحيحة، فهناك حقيقة جيب إدراكها حسب أر

النصوص الالحقة للنص األول مبا فيها األحاديث النبوية مل تكن أبدا حتظى مبكانة النص التأسيسي يف عهد

ينطبق على نصوص التالية لألحاديث واليت نفسه الشيءالنيب، ومل يتبلور ذلك إال بعد فترة ألسباب خمتلفة، و

الحقة، والسيما اليوم حتظى مبرتبة النص األول تبلورت عند املفسرين والفقهاء، فقد أصبحت يف الفترة ال

باعتبارها أداة لفهمه، رغم أا تشكلت يف فترة بعيدة عنه، مستجيبة لوقائع مغايرة ملعطيات وأسس تشكل

النص األول من جهة، ووقائعنا اليوم من جهة أخرى.

اخليال واالبتعاد عن الوقائع، ينتهي إىل أن عمليات التقديس والتعايل و 'أركون'بناء على ما سبق فإن

وانتهت ، كاملصاحف احملروقةللطمس والقمع، بعضها عرضت ودونة املكتوبة أو املنصوص صاحبت تشكل ال

امفهومأنه يقدم ، وهي ما جتعلنا نكشف النص القرآين األول األصلي والوحيد جبعل املصحف العثماين هو

األول الذي ال ميكن أن تضاهيه أو تستهلكه النصوص األخرى، للنص القرآين، وهو أنه النص التأسيسي اجديد

هل النص القرآين الرمسي املتناول بني أيدينا ال يعرب عن النص التأسيسي األول سؤال: وهنا يتبادر إىل أذهاننا

والسيما إن كان هذا األخري يف نظر أركون نصا أصليا؟ اإلجابة هنا صعبة جدا ولكن صعوبتها ال جيب أن

عونا لرفض طرح مثال هذا اإلشكال، بل من األوىل قراءة واستنطاق النص القرآين لكشف أسراره باآلليات تد

املتاحة بني أيدينا واليت منحها لنا التطور العلمي، نعتقد أن هذا هو اهلدف الذي سعى إليه أركون يف القول مبا

هلدف إن كان ميثل نيته ومقصده يف البحث يسميه املصحف الرمسي املغلق كتعبري عن النص القرآين، وهذا ا

Page 71: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

72

املوضوعي والعلمي هنا فقط ميكن أن خيفف من قلقنا وتوجسنا من ما ينجر عن هذه الفكرة اخلطرية من

تشكيكه يف املصحف املتداول بني أيدينا.

'لى حربع'ومن الفالسفة الذين تكلموا عن النص ككل والنص القرآين على وجه اخلصوص، املفكر اللبناين

الذي تكلم عن النص من خالل إشكالية القراءة باعتبارها سر فهمه ووجوده، حيث حيدد مفهوما خاصا

للنص ميتاز بالعمق والتفصيل، و يرى أنه ميثل "حقال منهجيا يتيح للقارئ اجلدير بالقراءة، أن ميتحن طريقته يف

لقضايا، أو فضاء دالليا يسمح له بإجتراح معىن، أو املعاجلة، أو حيزا نظريا ميكنه من الربهنة على قضية من ا

إنبجاس الفكرة. وفحوى القول إن النص يشكل كونا من العالمات واإلشارات يقبل دوما التفسري والتأويل،

جمال رحب للمعاين، ال ميكن يتبني أن النص، ذه التصورات )1(ويستدعي أبدا قراءة ما مل يقرأ فيه من قبل "

أن تسعه أو حتتكره قراءة معينة، فهو حيمل مجلة من اإلجراءات يف حجب احلقيقة، و ميكن أن نكتشف ما

يريد قوله من خالل ما خيفيه، وبالتايل فهو ذلك اال الغامض الذي يقبل ما ال اية من القراءات، ألن القراءة

يف اجتاه أن النص فضاء 'علي حرب'لفة وغري احملدودة، فقد صبت خمتلف أفكار متثل احتماالته الكثرية واملخت

داليل حيجب احلقيقة، أو هو ذلك اال الذي ميارس من خالله اخلطاب مجلة من األالعيب، وبالتايل التفكيك

يلسوف اللبناين وتعدد القراءات هو السبيل الوحيد الستكناه معانيه، من خالل هذه التصورات اليت يضيفها الف

أن هنا يتبني، )2(حول النص يرى أن النص القرآين "هو من أكثر النصوص حثا على القراءة واستدعاء هلا

النص القرآين كباقي النصوص خيفي حقائق ال تستوعبها قراءة معينة بإمكاا أن حتتكر املعاين الواردة يف اآليات

ف الفقهاء عن املتكلمني، وهؤالء عند الصوفية يف التعامل معه، و يف السور وما تشتمله من آيات بدليل اختال

يف قراءة معانيه، ويرى من ناحية أخرى أنه يتميز عن النصوص البشرية األخرى بأنه أقوى النصوص حسب

.6، ص 2005، 3حرب علي، نقد احلقيقة، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان ،ط 1 املرجع نفسه. 2

Page 72: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

73

قوة حثه واستدعاءه للقراءة، ال يتسىن فهمه إال بقراءات متعددة وغري حمدودة تقوم على اكتشاف احملجوب

فيه.

بصدد حديثه عن ،مل يهتم بالنص القرآين على وجه التحديد 'على حرب'على الرغم من أن املفكر و

، ذاتهالعمليات املختلفة اليت يلحقها بالنص، فإننا ميكن أن نكتشف الكثري من األفكار عنده حول هذا النص

ال ميكن لقراءة ميثل فضاء دالليا واسعامنها أنه يعتربه نصا عاديا معرب عنه بلغة بشرية، ويرى أنه أكثر حثا على ا

الكرمي استعماال للمجاز مما جيعله أكثرها قابلية للتأويل، كما أن القرآن وأقواهاأن حتتكره قراءة من القراءات،

نص غري حمدود يف تكاليفه وأحكامه، مما جيعله جماال غري قابل لالستنفاذ من ما حلقه من أقاويل يف نظره

ت، وميثل نصا إشكاليا ألنه يثري تساؤالت وإشكاليات على الرغم مما حيمله من حلول وأجوبة وتفاسري وتأويال

حسب قرائته ملوقف كذلك أن النص ذو طبيعة ثقافية ويضيف أو أحكام قطعية يف الكثري من املناسبات،

ي يعترب سر قوته يعتربه مصدرا لالختالف والتفاوت الذكما حبكم أنه خاطب العرب بلغتهم، الشافعي منه،

وإعجازه، ومنبعا لتعدد طرق الفهم حسب تعدد أوجهه: الظاهر والباطن، احملكم واملتشابه، احلقيقي واازي،

ويتميز كذلك بأنه ميدان لتعدد ميادين النظر والبحث بتعدد العلوم املعتمدة يف قراءته كعلوم اللغة والفقه

فنا إىل فكرة رائعة يؤكد فيها على عاملية النص القرآين واعتباره واألصول والفلسفة ...إخل، كما ينتهي فيلسو

كونه ينفتح على غري املسلم بسبب أنه ل ،ليس مقاال للمسلم فحسب بل هو مقال اليهودي واملسيحي والبوذي

ختم واالختتام حمصلة الفتتاح -النص القرآين–حيتوي تلك الديانات ويستكملها، يعرب عن ذلك: " هو

هذه الفكرة توحي بالكثري من التعبري املهم جدا يف كونه يرتبط حباجة )1(لتأسيس ومنتهى ملبتدى" وصريورة

ملحة لإلنسان اليوم وهي القراءة العاملية للنص القرآين، وميكن القول يف األخري أن على حرب قدم تصورا

لفهم اقخاصا للنص القرآين يعتربه فضاء غري حمدود الداللة، وجماال واسع املعىن ما زال خيفي الكثري، ومنطل

.45املرجع نفسه ، ص 1

Page 73: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

74

عاملي ملسائل وقضايا العامل واإلنسان ككل، فهو كفيلسوف يلحق النص بالقرآن من أجل هدف واحد، هو

القراءة الفعالة واملتفاعلة تلك اليت مازال هذا النص كجزء إن مل نقل هو التراث ذاته بنسبة لنا ولغرينا حيتاج

هم اجلديدة للنصوص يف القرآن كنص متميز وغري إليها، وهذا التصور ما هو إال دعوة الستثمار آليات الف

متميز يف آن واحد.

يف جمال القرآن الكرمي، املفكر املصري 'نصر حامد أبو ن تكلموا عن 'مفهوم النص'أهم املفكرين الذيمن و

، و )1(أن "القرآن نص لغوي ميكن أن نصفه بأنه ميثل يف تاريخ الثقافة العربية نصا حموريا" أكدالذي زيد'

أنه" لقد حتول النص القرآين يف الثقافة إال أن يكون هو 'النص' املعيار، النص الذي ميثل النظام اللغوي صرح

، من خالل القولني يؤكد الفيلسوف أن القرآن ميثل نصا لغويا أو جزءا من النصوص املتداولة )2(متثيال دقيقا"

ا حوله ، لذلك ميثل البحث يف ماهية وحقيقة القرآن الكرمي يف الثقافة العربية لكنها حمورها تدور كل قضاياه

حبثا يف مفهوم النص ذاته أال هو النص القرآين، كما ميثل روح وجوهر الثقافة واحلضارة العربية اليت قامت على

ن مركزية النص القرآين يف بناء تراثها الذي يتأسس عليه ويفهم يف إطاره، وأبو زيد يرفض التفرقة بني القرآ

والنص القرآين الذي يعترب كغريه من النصوص الشعرية والنثرية جزءا من الثقافة العربية، وجيعل هاجسه

املركزي حتديد مفهوم النص القرآين يف التراث كأساس للوعي العلمي به، لذلك يدعوا إىل جتاوز االعتبار

ين نص لغوي يفهم بالدراسة األدبية أو من الديين يف فهمه، إىل االعتبار اللغوي الذي ينطلق من أن النص القرآ

حيث كونه نصا لغويا من حيث بناءه وتركيبه وداللته وعالقته بالنصوص يف ثقافة معينة.

الدفاع عن لغوية النص القرآين، ببيان أنه هو ذاته يصف نفسه بأنه رسالة، وهذه األخرية 'أبو زيد'يواصل

بواسطة ما يعرف بالشفرة، وهذا ما جيعل منه نظاما لغويا، ويبني من تعرب عن عالقة اتصال بني املرسل ومتلق

ناحية أخرى أنه منتج ثقايف، أي أنه تشكل يف الواقع والثقافة العربية ملدة معينة، حيث يرتبط بلغة وعادات

.9، ص 2005، 6، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط-دراسة يف علوم القرآن- أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص 1 .191، 190:، ص1994، 3أبو زيد نصر حامد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط 2

Page 74: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

75

الذي ،وتقاليد العرب، واليت ميكن أن يدرس يف إطارها بلغة علمية واضحة تتجاوز ذلك الطابع امليتافيزيقي

كان وال يزال مييز النص القرآين ويفصله عن النصوص األخرى من جهة وعن الواقع من جهة أخرى،

من تقاليد حسبما حتمله فالفيلسوف يسعى إىل فهم النص القرآين يف إطار عام هو عالقته بالثقافة العربية

القرآين إهليا يف مصدره ، ويف إطار خاص حسب عالقته بالنصوص األخرى، وإن كان النصوأعرافوعادات

فهو ليس مفارقا للثقافة والواقع وال يعرب عن القضايا بلغة مفارقة، وكان حيمل الكثري من اخلصائص التارخيية

والواقعية اليت يصف ا نفسه مميزا إياها عن الثقافة السائدة و باالنطالق منها يف نفس الوقت، حيث يصف

األميني، ويصف نفسه بأنه ورد بلسان عريب مبني، حىت يتميز عن ثقافة نفسه بالكتاب حىت يتميز عن ثقافة

األعاجم من يهود ونصارى وغريهم، كما يرتبط بالنصوص األخرى يف الكثري من اخلصائص، وأمهها كونه

رسالة لغوية، ويعرب عن عملية اتصال، لذلك فهو يفهم كغريه من النصوص يف اعتماد املنهج اللغوي أو الدراسة

للغوية.ا

بصدد إذ أنه، القرآينفهو أساس فهم الوحي 'أبو زيد'انطالقا مما سبق فإن النص حيتل مكانة هامة يف نظر

يرى أن" النص قد ساهم يف حتويل الثقافة من مرحلة الشفاهية إىل مرحلة التدوين ،حتديد عالقة النص بالوحي

داللة "الوحي" مبا يرتبط به من سرية وغموض عن طريق إضفاء اسم "الكتاب" على نفسه، وعن طريق نفي

عن معىن"الكتابة" فإننا ال نقصد بالنص جمرد املعطى الغوي، بل نقصد فعالية النص من خالل جمموعة البشر

من خالل هذا القول يتضح أن النص هو من نقل الثقافة الشفهية املمثلة يف )1(الذين اعتربوه نصهم األساسي"

التفاصيل املختلفة للوحي إىل الثقافة املدونة يف ما يعرف" بالكتاب" الذي ميثل النص القرآين املكتوب، كما أنه

عنه يف شكل هو الذي أخرج الوحي من السرية والغموض الذي يتميز به إىل اإلعالن والوضوح، عندما عرب

نصوص مدونة ميكن أن تفهم وحتلل يف إطار اللغة والثقافة اليت تشكل فيها.

.55، مصدر سابق، ص -دراسة يف علوم القرآن- أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص 1

Page 75: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

76

إىل اعتباره نصا ميكن أن يكون ، ينتهي خمتلف الفالسفة املشتغلني بربط القرآن الكرمي بآليات الفهم املعاصر

نه العريب، أو مبضمونه من حيث مماثال لغريه من النصوص يف الكثري من العناصر، املتعلقة بشكله كأسلوبه ولسا

واليت يترتب عنها قابليته للقراءة باآلليات اجلديدة نفسها اليت انتهجت يف فهم تلك ارتباطه بالثقافة العربية

، لكنهم حاولوا جتاوز مفهوم النص إىل ربطه مبفهوم آخر أكثر دقة وأنسب لتطبيق اآلليات املعاصرة النصوص

اب كيف مت ذلك؟يف فهمه أال وهو مفهوم اخلط

الوحي القرآين خطابا:-3

لذلك من املصطلحات األساسية اليت يلحقها رواد اآلليات املعاصرة بالوحي القرآين، هي وصفه باخلطاب،

الذي ميثل يف اللغة: "مراجعة الكالم، وقد خاطبه بالكالم - discours -جيدر بنا يف البداية التعريف باخلطاب

، ويعين يف االصطالح: "عملية فكرية جتري من خالل سلسلة عمليات )1(خماطبة وخطابا، ومها يتخاطبان"

، )2(أولية جزئية ومتتابعة...بنحو خاص، تعبري عن الفكر وتطوير له، بسلسلة كلمات أو عبارات متسلسلة"

حيث يؤكدون أنه فالسفة العرب املعاصرين، الكثري منبه بكونه خطابا يصرح لوحي القرآينوالنظر إىل ا

اعتباره نصا إىل النظر إليه كخطاب أي كسلسلة من العمليات للنص القرآين، يتجاوزون بصدد قراءم

ارات لغوية ونفس اليت يصف ا أركون اآليات اليت متثل عنده جمرد عب ،الفكرية تعرب عنها عبارات متسلسلة

وبالتايل يعتمد خمتلف ،…املوقف يتضح لدى أبو زيد الذي يعترب اآليات والسور جمرد تعبري عن الثقافة العربية

من على أن املفهوم األنسب له هو وصفه باخلطاب القرآين، ،رواد اآلليات املعاصرة يف جمال النص القرآين

عاصرة يف فهمه، واليت تدخل يف منهج حتليل اخلطاب على وجه أجل استعمال األدوات التقنية واملنهجية امل

اخلصوص.

.336صابن منظور مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم، لسان العرب، مرجع سابق، 1 .287الالند أندري، موسوعة الالند الفلسفية، مرجع سابق، ص 2

Page 76: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

77

، والذي على الرغم من اهتمامه بالقرآن الكرمي كنص، إال أنه يصرح أنه ما 'أركون'و من بني هؤالء الفالسفة

على وجه التحديد، اخلطاب القرآين وليس النص القرآين، يقول: "أفضل التحدث شخصيا عن اخلطاب يهمه

القرآين وليس النص القرآين، عندما أصف املرحلة األولية للتلفظ أو التنصيص من قبل النيب، ذلك أن مرحلة

م) 656- 645عثمان (بني عامي الكتابة (أي كتابة اخلطاب القرآين) قد جاءت فيما بعد يف ظل اخلليفة الثالث

أي )1(وال ريب يف أن التمييز بني مفهومي اخلطاب والنص يتخذ أمهية أكرب على ضوء األلسنيات احلديثة"

والذي يؤشكل الوحي القرآين يف إطاره ليس النص القرآين بل هو ما سبقه أي اخلطاب 'أركون'أن ما يهم

نص الرمسي املدون يف عهد اخلليفة عثمان رضي اهللا عنه، بينما الثاين أوسع ألن األول ال يعرب إال عن ال ،القرآين

، ويساعد الدراسة والعبارات الشفهية اليت تلفظ به النيب صلى اهللا عليه وسلممنه ألنه يعرب عن حلظة التأسيس

خلطاب القرآين، األلسنية املعاصرة على اكتشاف حقائق الوحي باعتباره ظاهرة كلية عندما تطرح فيما يعرف با

الذي يكون النص القرآين يف نظر أركون جزءا منه أو ما هو مدونا منه فقط، وحىت يف حديثه عن املفهوم

ليبني أن يوجد معطى بسيط ،البسيط للقرآن الكرمي والذي ال يرفضه أي مسلم يستخدم مفردة اخلطاب

،واحلروف العربية، أي بلغة بشرية حمددة متاما مباشر واضح مفاده أن " اخلطاب القرآين مكتوب باللغة العربية

وهم مضطرون الستخدام وسائل ،وهو يقرأ ويتلى يوميا من قبل البشر ،كما أنه حمفوظ بني دفيت املصحف

هنا على الرغم من اعتماد )2(التأويل املتنوعة واملتغرية واخلاضعة للمناقشة بطبيعتها من أجل فهمه وتفسريه"

ات الكالسيكية للقرآن الكرمي يف بناء مفهومه إال أنه يعتربه يف جوهره خطابا حييل إىل أركون على التصور

ها خمتلف الطوائف السنية والشيعية يف بناء أفهام وتفاسري متعددة، وبالتايل مهما ارتبطت تمعان متعددة استخدم

اخلطاب القرآين باعتباره مرنا تصورات تلك الطوائف بقداسة وتعاليه، فإنه يف حقيقتها تتعامل معه من منطلق

ميثل رسالة ال تنفصل عن ما هو بشري وباإلمكان قراءا بالوسائل املتاحة للدفاع عن أفكار ها وحماربة ما

.77، ص 1998أركون حممد، الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد، تر: هاشم صاحل، دار الساقي، بريوت لبنان، 1 .77مصدر سابق، ص -رهانات املعىن وإرادة اهليمنة-أركون حممد، اإلسالم، أوروبا ،الغرب، 2

Page 77: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

78

، إذن أركون ال يتعامل مع النص القرآين "بصفته تعليمات وأوامر ومعلومات وبالغات عن املشيئة يعارضها

ا حيا يتفنن يف صياغة تقنيات سردية وقصصية وترميزية لغرض إعادة إنتاج اإلهلية، بل يتعامل معه بوصفه خطاب

كما أن هدفه من التعامل معه كخطاب هو "الوقوف على )1(األحداث التأسيسية واحلدث النبوي احملسوس"

فوق أسوار القداسة اليت شيدت حوله، وانتهاك مناطقه احملرمة، من خطط اخلطاب اخلفية واملضمرة، والقفز

املستحيل أو املمنوع التفكري فيه، طريقا إىل الكشف عن خصوبة القرآن وديناميته وسحره وحيويته الراهنة يف

. )2(إثارة املعىن الراهن"

ظلعلى ضرورة االشتغال على النص القرآين كخطاب، إذ يقول:" 'أركون'بدوره يتفق مع 'زيد أبو' و

تقنينه إىل اآلن جمرد "نص". وقد آن األوان لالهتمام بالقرآن بوصفه القرآن بالنسبة للدارسني منذ حلظة

"خطابا" أو باألحرى "خطابات". مل يعد كافيا جمرد البحث عن السياق ملقطع أو جمموعة من اآليات حني

ني من أنصار مفهوم "احلاكمية" مثال، أو حينما يكون اهلدف التخلص ييكون اهلدف مساجلة النصيني أو احلرف

اليت تبدوا غري مالئمة يف سياق احلديث، مثل مسألة "اجلزية". وال يكفي باملثل ،بعض املمارسات التارخيية من

االستعانة بالتأويلية املعاصرة من أجل الربهنة على تارخييته، ومن مثة نسبية، كل منط من أمناط تأويل، بينما

هو وحدة التأويل املالئم ومن مث األكثر أن التأويل الذي يقدمه - ضمنيا على األقل–يزعم كل زاعم

مشروعية. كل هذه املقاربات العليلة تنتج إما تأويلية سجالية أو تأويلية اعتذاريه. وبعبارة أخرى: إن تعامل مع

القرآن، فقط بوصفه "نصا"، سينتج دائما تأويلية "كليا نية" أو تأويلية "سلطوية" وكلتامها تزعم إمكانية

، هنا يؤكد على ضرورة وصف القرآن الكرمي باخلطاب القرآين كشرط أويل )3(يقة املطلقةالوصول إىل احلق

لتأسيس تأويل موضوعي له بعيد عن النظرة الكلية التبجيلية اليت تزعم أا تنقل من القرآن الكرمي احلقيقة

.73، ص 2011، 1وجيه وآخرون، حممد أركون املفكر والباحث واإلنسان، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت لبنان ط قانصو 1 املرجع نفسه. 2، 2010، 1أبو زيد نصر حامد ، التجديد والتحرمي والتأويل بني املعرفة العلمية واخلوف من التكفري، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط 3

.214ص

Page 78: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

79

لكالسيكي الذي قنن النص املطلقة اليت ال جيوز معارضتها أو نقدها وجيب اخلضوع هلا، وهنا يشري إىل الفكر ا

أو جعله خاضعا لقواعد ثابتة حتمل حقائق مطلقة وائية، وهي ما جيب الثورة عليها يف نظره بسالح واحد

تعرب عن أحواهلم -البشر–متلق و - اهللا - وهو اعتبار القرآن الكرمي خطابا أي رسالة تربط بني مرسل

وختضع للتارخيية.

يضيف أبو زيد أن " أي مقاربة جديدة للقرآن ال تضع يف اعتبارها إعادة االعتبار لطبيعته األصلية احلية

ستطيع أن تنتج تأويلية "حية تلن - إن يف الدراسات األكادميية أو يف تداوله يف احلياة اليومية–بوصفه "خطابا"

تأويالت "السلطوية" و"الكليانية"، ينطلق من ومنفتحة". إن السعي إىل تأسيس "تأويلية حية" مفتوحة، ضد

حقيقة فحواها أن تأويل القرآن هو يف حقيقته سعي لصياغة "معىن احلياة". وإذا كنا حقا جادين يف سعينا

لتحرير الفكر الديين من سلطة القهر والقوة، سياسية كانت أم اجتماعية أم دينية، من اجل إعادة احلق يف

للمؤمنني، فال سبيل أمامنا إال حماولة بلورة منهجية تأويلية تقبل تأويل غريها وتبين عليه أو صياغة املعىن الديين

وهي ،ىل طبيعته األصليةإ، هنا كذلك يؤكد أن الدراسات التجديدية للقرآن الكرمي البد أن تنظر )1(تعارضه.

ي يكون حيا ومتفتحا إذا أخذنا الذ ،لكي تطبق أهم املناهج املعاصرة يف نظره وهي التأويل - كونه خطابا -

هذا املفهوم يف احلسبان وهو شرط لبناء حياة جديدة متفتحة متحررة من قيود الفكر املصطنعة.

اب القرآين، من خالل حتليل نظرة الفالسفة للقرآن كظاهرة، وكيف انتقل من النص إىل ما يعرف باخلط

لعدم التمييز يف جوهرها تؤسس اجلديدة للوحي القرآين باعتماد أهم اآلراء القائلة بذلك، ندرك أن تلك النظرة

بني النص القرآين والنصوص األخرى، حيث دف يف البداية إىل التمييز بينه وبينه وبني الوحي كمفهوم عام

الذي يعترب أمشل من القرآن وربطه مبفاهيم دقيقة أمهها الظاهرة القرآنية واخلطاب القرآين،من أجل ربطه بالواقع

ته انعكاسا لوقائع تارخيية وحقائق معاشة، يصبح مبوجبها النص والثقافة البشرية، ألن مبوجبها تصبح عبارا

.215املصدر نفسه، ص 1

Page 79: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

80

القرآين حقال للممارسة الداللية والفهم اللغوي بأساليب بشرية هي ما تسمى بآليات الفهم املعاصرة للنصوص

اليت قدمتها العلوم اإلنسانية واالجتماعية اليوم.

يت بلورها علماء الدين وعلماء اللغة والفالسفة حلقيقة وبعد دراستنا ملختلف املفاهيم ال يف آخر هذا الفصل

الوحي القرآين، ندرك أن ختتلف بني جمالني متمايزين مها جمال الدين الذي جيعل الوحي ميثل املقدس واملتعايل،

خطابا، وهذا اال الثاين هو ما نقله من القداسة إىل الدراسة،نصا ووجمال الفلسفة الذي جيعل منها ظاهرة و

وهو من يبين ويؤسس األرضية اليت تشتغل فيها اخلطابات اليت محل رايتها الفالسفة املعاصرين واليت ختتلف

عن التصورات علماء الدين الكالسيكيني وأتباعهم املعاصرين يف حتديد حقيقته، واليت يترتب عنها اختالفها

واستبدالها بآليات جديدة. عنهما يف نقد اآلليات الكالسيكية يف التعامل مع النص القرين

املعاصرة للوحي القرآين تتميز النظرة الفلسفيةن كما أشرنا إليهم، فإن وبناء على حتليالت الفالسفة املعاصر

مبا يلي:

آلليات ل وخضوعهقابليته للدراسة العلمية من حيث للظواهر الطبيعية والنفسية الوحي القرآين مماثال تعترب -

.ستهانتهجة يف دراامل

هو إىل ما هو معيش وما ،يتجاوز ما هو مدون يف املصحف ،وشامال اواسع امفهومالوحي القرآين، تعترب-

إذ تعتربه مبثابة اخلطاب والرسالة املتشعبة التفاصيل هي أمشل وما ورد يف املصاحف احملروقة، حمكي ومروي

وأوسع مما ورد يف املصحف العثماين الذي هو النص املدون.

مبا هو وارد يف الكتب السماوية جتعل الوحي القرآين جزءا من ظاهرة الوحي يف مفهومها الشامل أي مرتبطا-

.األخرى كاليهودية واملسيحية

Page 80: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

81

ما يسميه البعض من الفالسفة بالظاهرة القرآنية أو احلدث الوحي القرآين ظاهرة وحدثا وفق تعترب -

عرب بل ومن الظواهر األخرى اليت عرفتها الثقافة العربية دينيةظاهرة الالالقرآين، ومبوجب ذلك يكون جزءا من

التاريخ.

نقله من خاصية القداسة إىل ميدان ، هو ذلك الذياملفهوم الفلسفي املعاصر للوحي القرآين وصفوة القول،

غيب واملتعايل الدراسة، وذلك بتجاوز التصور الكالسيكي له، ذلك الذي اعتربه لقرون طويلة من قبيل امل

والالتارخيي، ونقله بعد االحتكاك والتأثر بآليات الفهم املعاصر لدى ثلة من فالسفة الفكر العريب املعاصر، إىل

يصنعها البشر بطلها اعندهم ظاهرة تارخيية وواقعية تضم أحداث مفاهيم الظاهرة واحلدث واخلطاب، ليصبح

اعتبار النص النقلة النوعية يف جتديد مفهوم الوحي القرآين، قد ترتب عن هذهالنيب صلى اهللا عليه وسلم، و

تقرأ بعيدا عن ،للداللة واملعىن اتفضاء، ما هي إال صحف يف شكل نصوصامليف مدون القرآين ميثل ما هو

القراءة املطابقة واألحادية، حسب األحداث والوقائع عن طريق آليات الفهم املعاصر اليت أنتجها العقل البشري

وبالتايل جتديد مفهوم الوحي القرآين، يعترب مبثابة اخلطوة األوىل إلخراجه من سياج القداسة الفترة املتأخرة،يف

املناهج اجلديدة كاللسانيات العلوم و باستخداميفهم وحيلل إىل جمال الدراسة، واملنطلق األول جلعله

الفترة املعاصرة على مفهوم الوحي القرآين، قد ...، وإذا كان هذا التغري الطارئ يفوالسميئيات والتفكيكيات

ارتبط بتطور آليات فهم النص املطبقة يف قراءته، فالشك أنه فهم مساره يرتبط بصورة كبرية بإشكالية قراءة

النص القرآين، فكيف ميكن تتبع مسارها؟ وما عالقة ذلك بتطور آليات فهمه من الفترة الكالسيكية إىل الفترة

.املعاصرة؟

Page 81: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

: إشكالية قراءة النص القرآين وتطور آليات فهمه.الفصل الثاين

توطئة

-املفهوم واألرضية -: إشكالية قراءة النص القرآيناملبحث األول

ة: إشكالية قراءة القرآن الكرمي يف القراءات الكالسيكياملبحث الثاين

: إشكالية قراءة النص القرآين يف القراءات املعاصرةالثالث املبحث

Page 82: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

83

وتطور آليات فهمه.القرآينالفصل الثاين: إشكالية قراءة النص

"ال جدال فيه أن قراءة القرآن قد اختلفت وتعددت حبسب الكالمية واملذاهب الفقهية، وحبسب الفروع العلمية واالختصاصات الفكرية، بل

).6حبسب أشخاص العلماء أنفسهم، ولو كانوا على مذهب واحد، أو ينتمون إىل املدرسة الفكرية نفسها"(علي حرب، نقد احلقيقة ص

توطئة:

ة إشكالية قراء تاريخ اإلسالم منذ وجوده األول إىل يومنا هذا، جيعلنا ندرك أن من قضاياه احملورية، إن تتبع

النص القرآين كنص حموري له، واليت مل تقتصرعلى االختالف حول ما ورد فيه من معاين ومدلوالت، بل

منذ وقد وجدت ملنتهجة فيها،ارتبطت بشكل وثيق باالختالف حول كيفية قراءته وطبيعة اآلليات والوسائل ا

الوحي القرآين على سيدنا حممد صلى اهللا عليه وسلم، واستمر ت طيلة العصور إىل غاية الزمن األول لرتول

يومنا هذا، ففي عهد النيب وصحابته قرأ القرآن الكرمي من طرف الصحابة عن طريق السنة النبوية الشريفة

ملفسر له، باعتباره املؤسس األول ملا عرف بعلوم القرآن الكرمي وكان الرسول صلى اهللا عليه وسلم هو ا

كوسائل أولية لفهمه وكطرق لفض خمتلف اخلالفات احلاصلة بني الصحابة وبني املسلمني وغري املسلمني يف

قراءته.

فترة لكن بعد وفاة الرسول صلى عليه وسلم، تبلورت إشكالية قراءة النص القرآين بوضوح أكثر، مقارنة مع

النيب صلى اهللا عليه وسلم، أين حدثت اختالفات كربى حوله، تعلقت بفهمه وآلياته يف الوقت نفسه، جتسدت

االختالف بني نوعي التفسري بنوعيه: باملأثور، وبالرأي، مث انتقلت إىل االختالف بني املذاهب يفللوهلة األوىل

صور الالحقة يف أشكال متباينة ومتعددة لقراءات النص الكالمية والصوفية يف تأويله،...و استمرت طيلة الع

: فما املقصود ا؟ وكيف ميكن تتبع - إشكالية قراءة النص القرآين-القرآين إىل يومنا هذا، مثرية ما يطلق عليه

مسارها عرب التاريخ؟ وكيف تطورت يف كنفها آليات فهمه؟

Page 83: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

84

-املفهوم واألرضية -األول: إشكالية قراءة النص القرآين املبحث

لقد كثر احلديث يف الفكر العريب املعاصر، عن وجود إشكالية لقراءة النصوص بأنواعها املختلفة الفلسفية

، بعد رفض وجود القراءة األحادية واملطابقة هلا بلغة 'علي- حتديدا النص القرآين–واألدبية، والسيما الدينية

بلغة -وإشكالية قراءة النصو صراع القراءات والتأويالت يف ميداا، أحرب'، حسب تعدد وتنوع بل حرب

أكثر طرحا وإثارة يف جمال النص القرآين، فما املقصود بإشكالية قراءة هي كذلك،- املفكر السالف ذكره

رى؟ وما أرضيتها األوىل؟النص القرآين؟ وملاذا هي األكثر طرحا يف ميدانه مقارنة مع النصوص األخ

ما معىن إشكالية قراءة النص القرآين؟ وملاذا تطرح؟-1

إن تطور البحث الفلسفي يف الفترة املعاصرة، بني وجود إشكالية للقراءة للنصوص مبختلف أنواعها، كما هو

فالسفة العرب إىل حقل احلال مع تنوع القراءات املقدمة للنصوص الفلسفية اليونانية...وهي ما نقلها الكثري من

النص القرآين، فما املقصود ا؟ وملاذا تطرح يف ميدانه؟

؟ ما معىن إشكالية قراءة النص القرآين-أ

إشكالية قراءة النص القرآين قدمية يف وجودها معاصرة يف طرحها ومقاربتها، ميكن أن نفهمها حسب جانبني

طورها من الفترة الكالسيكية إىل الفترة املعاصرة، وآخر يتعلق متداخلني، واحد يتعلق بكرنولوجيتها أو مسار ت

بطرحها طرحا فلسفيا إشكاليا ومنهجيا ونقديا أصبح متداوال بقوة اليوم، نتيجة للتطور احلاصل يف أدوات

القراءة يف الفترة الراهنة، انتهى إىل تأسيس دعائم قراءة جديدة متثل الفهم املعاصر للقرآن الكرمي، هي ما

يطرحها 'أبو زيد' بصدد حتليله للغة الدينية والبحث عن ألسنية جديدة عند 'أركون'، مبينا أنه جتد منوذجها عند

هذا األخري يف سعيه إىل تأسيس قراءة تزامنية تنتقد القراءة اإلسقاطية اليت وجدت لقرون، حينما تقوم على

تجزيئية، حبيث يبني أن القراءة اجلديدة أو التزامنية استعادة حلظات التلقي األصلية، ومتثل نقيضا للقراءة ال

"حتتاج لكي حتقق إىل ضرورة اختراق التراكمات الداللية والسيميائية اليت أنتجتها القراءات التراثية، وكذلك

Page 84: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

85

القراءات املعاصرة ذات الطابع املدرسي، أي أا حتتاج إىل عمليات مرهفة من النفي واالختراق حىت يصل

أي تدرك يف إطار تتبع دقيق وعميق لتطور )1(إىل اكتشاف "آليات" اللغة الدينية وطرق اشتغاهلا" الباحث

إشكالية قراءة النص القرآين يف خمتلف القراءات اليت عرفها يف تارخيه لكي نكتشف وخنترق ما أنتجته من

دالالت ومعان، وهو الذي ال حيقق إال مبعرفة األدوات واآلليات اليت اعتمدت عليها يف خمتلف العصور.

النص القرآين، اختالف املتعاملني معه بأصنافهم املختلفة: الصحابة األوائل، علماء إذن تعين إشكالية قراءة

الفقه وأصوله، علماء الكالم، املتصوفة، الفالسفة...يف فهمه وقراءة مدلوالته، ومل تقتصر تلك االختالفات

أحيانا زاد هذا على مضامينه فقط، بل ترتبط بصورة وثيقة مبسالك ومناهج قراءة آياته وسوره كذلك، بل

االختالف الثاين عن األول املتعلق مبضامينه، واستمر واشتدت حدته من عصر إىل عصر، إىل أن بلغ ذروته يف

الفترة الراهنة مع تطور آليات قراءة النصوص وتعدد أشكاهلا، حبيث أصبحت اليوم أدوات قراءة النصوص اليت

يف شكل مناهج خمتلفة األشكال، حمل اختالف يف استعماهلا بني نتجت عن تطور العلوم اإلنسانية واالجتماعية

أنصار اآلليات الكالسيكية و رواد القراءات احلداثية للقرآن الكرمي، الذين دعوا إىل استخدامها يف ميدانه،

وسعوا إىل الرد على تلك الدعوات الرافضة من أجل تأسيس مشاريعهم املختلفة، ترتب عنها تطورا واضحا

شكالية قراءة القرآن الكرمي جتد صلبها يف املنهج، وبالتايل ميكن القول أن إشكالية قراءة النص القرآين هي يف إ

اختالف القارئني له يف شىت األزمنة واألمكنة، بل ويف الزمان الواحد واملكان الواحد، حول مضامينه واآلليات

واستمرت طيلة العصور إىل أن بلغت ذروا يف املنتهجة يف الوصول إليها، وجدت مع ميالد النص القرآين

القراءات املعاصرة أو احلداثية، بعد التطور احلاصل على مستوى الوقائع باألحداث املستجدة، وعلى مستوى

األفكار واملعارف باملناهج املبتكرة..

1 .113، ص 2005، 2أبو زيد نصر حامد، اخلطاب والتأويل، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط

Page 85: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

86

؟ملاذا تطرح إشكالية قراءة النص القرآين-ب

لة فلسفية معقدة لدواع متعددة، منها ما ترتبط بتطور الوقائع ، تطرح إشكالية قراءة النص القرآين كمسأ

ومنها ما ترتبط بتطور املعارف والعلوم، وميكن تتبع أسباب وجودها كما يلي:

حاجة القرآن الكرمي إىل الفهم عرب العصور حسب تطور الواقع ومستجداته، باعتباره النص احملوري -

"حضارة أنبتت أسسها وقامت علومها وثقافتها على أساس ال ميكن جتاهل للحضارة العربية اإلسالمية، ألا

وذلك من خالل حوار اإلنسان العريب واملسلم الدائم مع النص القرآين، حيث أنه حمور )1(مركز النص فيه"

ة أم نثرية النصوص املتداولة يف الثقافة العربية اإلسالمية وأمساها وأعالها شأنا ومرتلة فيها، سواء أكانت شعري

املسلمني. وحىت نبوية، واملصدر لعقائد وشرائع وقوانني وسلوكيات

ونقدية دارت رحاها حول فهمه ةأمهية وخطورة مسألة القراءة باعتبارها جماال وميدانا ملعارك لغوية وفقهي-

عنها فتنا وصراعات ارتبطت نتجتواليت حتولت بدورها إىل معارك على أرض الواقع يف الكثري من األحيان،

العنيفة اليت اندلعت خبصوص القرآن وقراءته وتفسريه نتيجة تبتاريخ املسلمني، ألنه "علينا أن ال ننسى ااا

املعارك الطاحنة اليت شهدا أرض الواقع اإلسالمي، ونتيجة للتغيري والتبدل الضخم والسريع يف منط احلياة بعد

ل ذلك، كانعكاس لبنية النص القرآين غري املنغلقة موضوعا وصياغة. الفتوحات الكربى، وقب

إن املعارك اللغوية والفقهية والنقدية والفلسفية متحورت كلها حول النص، أما باعتباره امللهم األول لتدعيم

كان الفكرة أو دحض أخرى وإما تدعيما هلذا النص نفسه عرب األخذ من الفلسفة أو املنطق أو اللغة فالنص

.) 2(دائما أداة جذب، ومقياسا للحكم وأداة للتشبث أو أداة لالنطالق"

1 .9أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص، مصدر سابق، ص

2 ،1998، 1نتشار العريب، لندن، بريوت، القاهرة، طعبد اهلادي عبد الرمحن، سلطة النص: قراءات يف توظيف النص الديين، سينا للنشر مع اال

.76ص

Page 86: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

87

مرونة النص القرآين وقابليته للتأويل والفهم املتعدد، حبث تكون مقولة "النص محال أوجه" أكثر انطباقا -

مناهجها عليه من أي نص غريه، وهو ما تبلور عنه قراءات متعددة ومتنوعة له تتباين يف منطقاا ويف

ال جدال فيه أن قراءة القرآن قد اختلفت وتعددت حبسب املدارس الكالمية املستخدمة يف فهمه، حيث أنه "

واملذاهب الفقهية، وحبسب الفروع العلمية واالختصاصات الفكرية، بل حسب أشخاص العلماء أنفسهم، ولو

. )1("فكرية نفسهاالدرسة املينتمون إىل وكانوا على مذهب واحد، أ

، مرده فهمهتنوع وتعدد آليات قراءة النص القرآين، حبيث ميكن القول أن سبب وجود إشكالية للفهم يف -

وجود إشكالية يف املنهج املناسب الستخراج معانيه، حيث مل يطبق منهج واحد يف قراءة القرآن الكرمي منذ

هذا حني أصبحت تستخدم آليات ومناهج يف ميالده األول حني عرف التأويل إىل جنب التفسري، إىل يومنا

فهمه ال حتصى وال تعد عند رواد القراءات احلداثية.

هج قراءة النصوص يعترب سببا جوهريا لتبلور إشكالية قراءة النص القرآين، ألن "املنهج ليس إال تطور منا-

طريقا أو عدة طرق عقلية ميكن استخدامها يف حل مشكلة ما، وهو يتميز بتطوره الدائم باعتباره أداة ترتبط

تماعي والتارخيي، وهو أداة فاعلة مبرحلتها التارخيية من حيث التطور العلم نفسه، ومن حيث تطور احمليط االج

، ويف جمال القرآن الكرمي عرف تطورا )2(قد تتفرع منها أدوات جديدة أكثر فاعلية تنتقل بالعلم نقلة جديدة"

كبريا، انتقاال من علوم القرآن إىل التفسري إىل التفسري باملأثور إىل التفسري بالرأي إىل التأويل بأنواعه املختلفة،

م أدوات التحليل املعاصرة كالتفكيك ...، ذلك هو مسار تطور املنهج الذي كان جنبا إىل جنب إىل استخدا

مع تطور مسار إشكالية قراءة القرآن الكرمي.

1 .6حرب علي، نقد احلقيقة، مصدر سابق، ص

2 .29عبد اهلادي عبد الرمحن، سلطة النص، مرجع سابق، ص

Page 87: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

88

األرضية األوىل لطرح إشكالية قراءة النص القرآين:-2

ص القرآين، ترتبط بامليالد إن األرضية األوىل اليت تشكلت فيها كل االختالفات حول كيفية التعامل مع الن

األول لوجوده، الذي أصبح يف نظر خمتلف الفالسفة وعلى رأسهم 'أركون'، العلبة السوداء اليت حتمل الكثري

من اخلبايا واألسرار ، يف جمال قراءة النص وتطبيق اآلليات املعاصرة يف ميدانه، ويتعلق جبانبني:

زوله األول وذلك من حيث لغته أو نطقه وكتابته، حني كان يقرأ األول: يرتبط بشكل القرآن الكرمي بعد ن-

يف إطار األحرف السبعة، حسب القراءات املتداولة يف القبائل العربية، وهو ما جعله يثري مسألة القراءة منذ

حمددا خمتلف عناصرها، بصدد حديثه عن معرفة على كم - اإلتقان–القدمي، أشار إليها 'الزركشي' يف كتابه

لغة نزل القرآن الكرمي؟ مبينا أنه نزل بسبعة أحرف، وموضحا أنه يرتبط بكيفية القراءة ومتايزها بني األفراد

واألقوام يف األمة اإلسالمية حسب اختالف لغات العرب، واليت ترتب عنها اختالفا يف قراءة القرآن الكرمي،

دهم على الكلمة املنظومة وهو األرجح حيث طرح اختالف تصور العرب "للحرف" مبينا أنه كان يطلق عن

يف نظره، أما األضعف فهو أنه يرتبط بالقراءة، كما أشار إىل اختالف العلماء حول مسألة "السبعة أحرف"

منها ما تتعلق بالعالقة بني تغري صورته املتمثلة يف شكله وحركته اإلعرابية وتغري معناه، وبني أا عند بعض

يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم وما جرت عليه عادم من اإلظهار، واإلدغام، واإلمالة، املتأخرين تعين " أن

إىل سبعة أوجه منها يف كلمة توالتفخيم، واإلمشام، واهلمز، والتليني، واملد، وغري ذلك من وجوه اللغا

أمته حىت خيفف عنها ، كما بني أن اإلنزال كان على األحرف السبعة توسعه من اهللا ورمحته على)1(واحدة"

مشقة القراءة اليت أصبحت فيما بعد ترتبط ب "كل خالف نسب إىل إمام من أئمة القراءات مما أمجع عليه

الرواة عنه، حنو قوله تعاىل "مالك يوم الدين" فكلمة "ملك" وهي قراءة أيب جعفر و نافع وابن كثري وأيب

.)2(هي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف العاشر" عمروا وابن عامر ومحزة وتقرأ بإثبات "مالك"، و

1 .286الزركشي بدر الدين حممد بن عبد اهللا، الربهان يف علوم القرآن، مصدر سابق، ص

2 .13، ص2008نشأنه مصادره أقسامه ومصادره، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة اجلزائر، د ط، كايف منصور، علم القراءات، مفهومه

Page 88: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

89

إذن تبلورت إشكالية قراءة القرآن الكرمي منذ الوهلة األوىل لرتوله، وإن كانت قد تعلقت آنذاك مبفهوم القراءة

وكتابته أو تعلقت بشكل النص وليس مبضمونه بعيدة الشائع واملتداول، أي ارتبطت باالختالف حول النطق به

عن صلب إشكالية القراءة احلقيقية أال وهي الفهم املتنوع للنص، إال أا يف الواقع املنطلق اجلوهري هلا، تعترب

مسألة حساسة وخطرية جدا، بدليل رفض تداوهلا بعد تشكل املصحف العثماين، ومن منطلق أا ذات صدى

ءة مضامينه تطرح بقوة يف الدراسات الفلسفية اليوم مع 'أركون'خاصة، الذي اعتربها منوذجا كبري يف قرا

للمهمش والالمفكر فيه بفعل وجود ما مساه باملصحف الرمسي، وجتلى ذلك يف دعوته إىل إعادة اكتشاف

عن اإليديولوجية املصاحف األخرى اليت قرأت بلغة مغايرة له، واعتربها شرطا لبلوغ دراسة موضوعية مرتهة

جيب احلفر والتنقيب فيها.

الثاين: يتعلق بالتعامل األويل مع مضمون القرآن الكرمي بعد نزوله، والذي مفاده وجود اختالف يف كيفية

، فعلى الرغم من نزوله على العرب بلسام، إال )∗(تعامل الصحابة وغريهم من فئات اتمع مع سوره وآياته

ا يف قراءته وفهمه،"على حسب اختالفهم يف أدوات الفهم وذلك: أم كانوا يعرفون أن الصحابة اختلفو

العربية على تفاوت فيما بينهم وإن كانت العربية لغتهم، فمنهم من كان يعرف األدب اجلاهلي، ويعرف

ى اهللا غريبه، ويستعني بذلك يف فهم مفردات القرآن، ومنهم دون ذلك. كذلك منهم من كان يالزم النيب صل

إذن هناك ،)1(عليه وسلم ويقيم جبانبه، ويشاهد األسباب اليت دعت إىل نزول اآلية، ومنهم ليس كذلك"

ارتباط وثيق بني آليات الفهم الكالسيكية املمثلة يف علوم القرآن الكرمي، ومسألة االختالف يف قراءة النص منذ

د مل يقتصر التعامل األويل مع مضامني القرآن الكرمي على املسلمني أو الصحابة حتديدا، بل عرف رد فعل من فئات خمتلف كاملشركني واليهو

الذين طرحوا جدال كبري حول خمتلف قضاياه، حيث أن بعض السور والكثري من اآليات جاءت نزوال عند استفسارات اليهود، كما هو احلال مع

خصوصا –لكهف، وهذا ما جيعل القراءة الفلسفية واحلداثية للقرآن الكرمي اليوم، تلح على اكتشاف تعامل غري املسلمني مع القرآن نصوصهقصة ا

أثناء فترة نزوله، بغية اكتشافه كمجال للمهمش واملسكوت عنه لعوامل خمتلفة حيصرها البعض يف عوامل إيديولوجية مهشت وألغت -املعارضني له

املشركني واليهود... تلك اليت اعتربته ضربا من الشعر وكالم الكهان وغري ذلك واليت بدورها ميكن أن ختضع للدراسة لبناء فهم أمشل رؤى

وأـعمق للظاهرة القرآنية كما يظهر عند أبو زيد وأركون.

1 .197-196، ص 1969، 10أمحد أمني، فجر اإلسالم، دار الكتاب العريب، بريوت لبنان، ط

Page 89: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

90

يف التحكم يف علوم القرآن على اختالفها -م رضوان اهللا عنه- عهد الصحابة، جتلى يف اختالف الصحابة

وتنوعها، كاالختالف يف التحكم يف اللغة العربية، ويف معرفة أسباب الرتول، ويف املعرفة بعادات العرب يف

أقواهلم وأفعاهلم ومبا كان يفعله اليهود والنصارى وقت نزول اآليات، ومبوجب ذلك "كان االختالف بني

اإلرهاصات األوىل إلشكالية فهم النص أي أن)1(ان التابعون من بعدهم أشد اختالفا" الصحابة يف الفهم، وك

القرآين ارتبطت باالختالف يف قراءته، الراجع يف جوهره إىل االختالف يف التحكم يف أدوات قراءته، وهي

ني أوليني للتعامل مع النص بالتحديد علوم القرآن، اليت تعترب املنطلق أو احملدد ملنهجي التفسري والتأويل كمنهجي

القرآين.

بناء على ما سبق ميكن القول، أن الطرح املبكر إلشكالية القراءة يف القرآن الكرمي، ارتبط بآليات قراءته

أن النيب صلى اهللا عليه وسلم هو م)1406'(تابن خلدون' األوىل وهي: علوم القرآن الكرمي، اليت أكد

ن بني وطرح مسائل عدة تتعلق بالقرآن الكرمي كانت حمل استفسار من ، وذلك ألنه أول مهلااملؤسس

الصحابة، حيث" كان النيب صلى اهللا عليه وسلم يبني امل، ومييز الناسخ من املنسوخ، ويعرفه أصحابه

، و هي تلك العلوم اليت طرحت )2(فعرفوه، وعرفوا سبب نزول اآليات ومقتضى اخلال منها منقوال عنه"

امسه واشتقاقه، قراءته، اختالف التسمية، اختالف مدلوهلا، أسباب الرتول وكيفيته املتعلقة به،القضايا خمتلف

وخصائصه ، تنجيم القرآن وأسراره وحكمته، تقسيمه إىل مكي ومدين وإىل حمكم ومتشابه، إعجاز القرآن

حباث اليت تتعلق ذا الكتاب ايد اخلالد، األ"وأنواعه، لغته وإعرابه...إخل، وذا ميكن أن حندد مقصودها بأا

من حيث الرتول، واجلمع، والترتيب والتدوين، ومعرفة أسباب الرتول، واملكي واملدين، ومعرفة الناسخ

)3(واملنسوخ، واحملكم واملتشابه، وغري ذلك من األحباث الكثرية اليت تتعلق بالقرآن العظيم أو هلا صلة به"

1 .199املرجع نفسه، ص

2 .459، ص 2004، 1ابن خلدون عبد الرمحن، املقدمة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بريوت لبنان، ط

3 .23تقية عبد الفتاح، امليسر يف علوم القرآن، قصر الكتاب، اجلزائر، د ط، د ت، ص

Page 90: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

91

ن أن نسميه اآلليات الكالسيكية األوىل لقراءة النص القرآين وعلى رأسها منهجي التفسري وترتب عنها ما ميك

والتأويل.

إذن احملطة األوىل اليت ولدت فيها إشكالية قراءة النص القرآين، تبلورت منذ ميالده األول وتعلقت باالختالف

ىل لقراءته، هي ما عرفت بعلوم حول مسائل تتعلق بشكله ومضمونه، نتج عنها مجلة من األدوات األو

أساس تشكل منهجي لتفسري والتأويل، كآليات أولية وقاعدية لقراءة وتفسري القرآن الكرمي اليت كانتالقرآن،

واخللفاء زيد ابن ثابت ، ابن عباس وابن مسعودو عند الصحابة ك وجدت منذ عهد النيب صلى اهللا عليه وسلم

سعيد بن جبري، واحلسن ، اهد بن جرب املكي، وعطاء بن يسارمجكبعني التا الراشدين، مث استمرت عند

وأرسوا من خالهلا دعائم منهجني أساسني يف قراءة القرآن البصري الذي وضعوا جمموعة من علوم القرآن

مل يفرق الكثريون بينهما حيث ميثل الكرمي مها التفسري والتأويل، الذين ميكن اعتبارمها منهجني قاعديني،

مها تفسريا، على خالف بعض الفئات من املتكلمني والفالسفة واملتصوفة، الذين كانوا يولون األمهية كال

.الكربى للتأويل مقارنة مع التفسري

أن تلك إال )∗(التفرقة بني التفسري والتأويل، احلديث عن بصدد على الرغم مما كتبه 'الزركشي' و'السيوطي'ف

هيمن فيها طابع التفسري خاصة ارتبطت باملعىن ال باالستخدام املنهجي هلما، الذي عكس وجهة نظرة التفرقة

، يف إطار ما يسمى بالتأويل مظلتهيستخدم حتت تابع له والتأويل وجوهري، يف مقابل اعتبار كمنهج مشروع

ز كل من السيوطي والزركشي بني التفسري والتأويل يف املفهوم حسب أوجه ) ميي848،849)و اإلتقان(164،165يف كتابيهما ("الربهان" (ص

خمتلفة باالستناد إىل أقوال العلماء كما يلي:

تبط التفسري أكثر استعماال يف األلفاظ ويرتبط مبعانيها الظاهرة، بينما التأويل أكثر استعماال يف املعاين واجلمل ويف الكتب اإلهلية وير -

بالباطن.

ري يستعمل يف غريب األلفاظ ويف وجيز مبني، وإما يف كالم مضمن لقصة ال ميكن تصويره إال ملعرفتها، أما التأويل فيستعمل التفس -

مرة عاما ومرة خاصا.

التفسري بيان وجه واحد للمعىن بصورة قطعية أما التأويل فترجيح ألحد معانيه. -

ويل يتعلق بالدارية واالستنباط.التفسري يتعلق بالرواية واإلتباع والسماع بني التـأ -

Page 91: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

92

التفسري عن التأويل هو الذي عرب وهذا الرفع من قيمةاحملمود الذي يكمل التفسري و يكون ملتزما بقواعده،

عن مسألة جوهرية يف إشكالية قراءة النص القرآين، جتسدت يف معارك تارخيية بينهما، كان االنتصار فيها يف

الغالب للتفسري، وهو ما جيعل الكثري من الفالسفة من رواد تطبيق اآلليات املعاصرة يف ميدانه يسعون لنصرة

التأويل اليوم.

فإشكالية قراءة القرآن الكرمي، متثل االختالف حول التعامل معه بني الفرق والعلماء والفالسفة، وبالتايل

وترتبط بتنوع القراءات يف ميدانه، تعلقت بشكله يف البداية، ولكن بعد تشكل املصحف العثماين الواحد

األوىل، وعرفت تبلور كتدوين رمسي وائي ملا ورد يف الوحي القرآين، تعلقت مبضمون نصوصه بالدرجة

منهجي التفسري والتأويل، الذين ارتبطت ما خمتلف التطورات احلاصلة يف آليات قراءة النص القرآين فيما

بعد، سواء أكانت كالسيكية أو معاصرة، وبالتايل ميكن القول أن خمتلف التعامالت األولية للرسول صلى اهللا

ثل مرحلة مهمة يف قراءاته اجلديدة حيث يدعوا الكثري من روادها إىل النص القرآين، مت مععليه وسلم والصحابة

والدة اآلليات األوىل لفهمه يف الوقت نفسه، وجسدت وإعادة اكتشافها، ألا عربت عن ميالد إشكالية قراءته

املراحل األرضية األوىل اليت تلتها خمتلف التطورات احلاصلة يف إشكالية فهم النص وتطور آليات قراءته يف

الالحقة إىل غاية ظهور القراءة احلداثية للقرآن الكرمي.

Page 92: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

93

املبحث الثاين: إشكالية قراءة القرآن الكرمي يف القراءات الكالسيكية:

إذا كانت مرحلة ميالد النص القرآين اليت أشرنا إليها سالفا، تعرب عن األرضية األوىل إلشكالية قراءته من

خالل مسألة القراءات واختالف القراء حول نطقه و الصحابة يف فهمه، اليت تولد عنها ما عرف بعلوم القرآن

ويله كما يذهب البعض، فإنه مع ظهور القراءات ونتج عنها األرضية األوىل لتفسري القرآن الكرمي بل وحىت تأ

، عرفت )∗( والصحابة إىل غاية يومنا هذا -صلى اهللا عليه وسلم- الكالسيكية منذ الفترة الالحقة لفترة النيب

إشكالية قراءة القرآن الكرمي تطورا واضحا، انعكس بصورة واضحة على تطور أدوات فهمه، على اعتبار أن

) كان حاضرا وحني تويف ترك من - ص–ها مل تكن تتميز بالتنوع ألن مفسر النص (النيب "القراءة يف بدايت

خيلفه من صحابة عاشوا "زمن الرتول" وكان أول خرق لقراءة بقيت خملصة للزمن األول هي قراءة اخلوارج

)1( نشأا األوىل" والشيعة أو ما ميكن تسميتهم ب"فئة القراء" الفئة اليت نظرت إيديولوجيا للفرق اإلسالمية يف

أي بعد ظهور الفرق واملذاهب اإلسالمية وتغري الوقائع السياسي واالجتماعي والثقايف يف بالد املسلمني،

والسيما بعد مشكلة اخلالفة واحتكاك العرب مع الثقافات األجنبية بفعل الترمجة...، تبلورت أسس مرحلة

الكثري من املستجدات يف آليات قراءة النص الديين، جتسدت حامسة يف تاريخ تعامل مع النص القرآين، محلت

يف العناية بالتأويل بالدرجة األوىل، الذي ارتبط بشكل وثيق بالقراءات الكالسيكية للقرآن الكرمي بنوعيها

.-ما بعد التأسيسية- القراءات التأسيسية والقراءات الالحقة هلا واليت اصطلحنا عليها بالقراءات

حسب املفكر 'بوزيد - : عرفت القراءات الكالسيكية تبلور وتأسيس التأويل، الذي اختذ تأويلتبلور ال-1

' ثالث مناحي، األول بالغي لساين وجد عند الفقهاء تقيد بشروط وقواعد لغوية ومل خيرج عن - بومدين

والثاين اختذ منحى صيغة العبارة، وهو الذي نستطيع القول أنه من قبيل التفسري بالرأي أو التأويل احملمود،

عندما مند القراءات الكالسيكية واحلديثة إىل يومنا هذا، نقصد بالدرجة األوىل تواجدها اليوم لكن يف ثوب كالسيكي كما تظهر عند خمتلف

السلف ويرفضون أدوات القراءة املفسرين والفقهاء يف تعاملهم مع خمتلف النصوص القرآنية، حيث مازالوا يف غالب األحيان يعتمدون مناهج

املعاصرة يف قراءا.1 .34دراسة يف املنهج التأويلي عند شلري ماخر وديلتاي، مرجع سابق، ص –بومدين بوزيد، الفهم والنص

Page 93: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

94

سياسي إيديولوجي وجد عند الفرق الكالمية خرج عن صيغة العبارة اليت أصبحت مفتوحة لكل تضمني

سياسي وإيديولوجي وهو من قبيل التأويل الكالمي، والثالث اختذ منحى ذايت غنوصي، وهو تأويل املتصوفة

-الكالمي والصويف–لصويف، وهذين النموذجني مبين على التجربة الذاتية للمتصوف وهو من قبيل التأويل ا

مها ما مياثالن التأويل املذموم عند الكثري من العلماء وعلى رأسهم 'الزركشي' و'السيوطي' و'ابن خلدون' الذي

ذمهما يف مقدمته.

ص هذه املراحل الثالث للتأويل هي من دون شك، تعترب نتيجة للتطور احلاصل يف إشكالية القراءة يف الن

القرآين، ونتيجة للتطور كبري يف أدوات فهمه يف الوقت نفسه، تتبلور فيما ميكن أن نسميها بالقراءات

الكالسيكية، اليت أرست دعائم تعدد وتنوع يف قراءة القرآن الكرمي، عرفت من خالهلا آليات فهمه تطورا

اللفظ واملعىن. واعتمدت خمتلف العلوم كبريا، حيث "وثقت يف التأويل اللغوي القائم على عالقة التناسب بني

املمكنة مثل النحو والصرف واالشتقاق وعلم أصول الدين وعلم أصول الفقه وعلم الناسخ واملنسوخ وعلم

وقد ،، أي اهتمت بعلوم القرآن وما تتضمنه من علوم اللغة، كما طورت التأويل يف إطارمها)1(أسباب الرتول"

لقرآن الكرمي تبلورا واضحا من خالل االختالف حول معايري استعمال تلك عرفت فيها إشكالية قراءة ا

اآلليات يف فهمه تبلور يف القراءات الكالسيكية وتطور يف القراءات احلديثة اليت كانت يف أغلب احلاالت

امتدادا هلا.

رآن الكرمي قبل تبلور عن كل الفترات اليت قرأ فيها الق ،تعرب مرحلة القراءات الكالسيكية للقرآن الكرمي

القراءات احلداثية واجلديدة للقرآن الكرمي، وهي أهم املراحل اليت قرأ فيها النص القرآين يف نظر املشتغلني على

إذ إعادة النظر فيها مطلب )∗(التراث، وجب أن حتظى بأولوية القراءة يف مقابل قراءة القرآن الكرمي كمصدر هلا

1 .22، ص 2009، 1الفجاري خمتار، من تأويلية املعىن إىل تأويلية الفهم، عامل الكتاب احلديث،مع جدار الكتاب العاملي، عمان األردن، ط

∗ن بغض النظر عن احملاوالت اليت تدعوا إىل اكتشاف تكوين وتشكل املصدر األول كما يظهر عند 'أركون'، يذهب الكثري من الباحثني املعاصري

مضافة أصبحت أكثر تأثري إىل أن العودة إىل فترة القراءات التأسيسية أهم من قراءة املصدر األول هلا أال وهو القرآن الكرمي، ألا صنعت نصوصا

Page 94: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

95

ملح، وال مناص من فهمها ألا صنعت ماضينا يف شكل تراكمات تراثية، وما فتئت تصنع حاضرنا وتوجه

مستقبلنا، حسب أثرها البليغ يف خمتلف مناحي حياتنا و ودورها يف صنع مصرينا كمسلمني تقوم حضارم

رآن يف الفترات الكالسيكية ليس على النص وإمنا تأويل وقراءة النص بالتحديد، فهذه القراءات املقدمة للق

والسيما يف الفترة اليت أعقبت وفاة الرسول صلى اهللا عليه وسلم وجب أن تؤخذ غري مفصولة عن معطيات

عصرها من جهة، و عن ما أتاحه العلم اليوم من آليات وأدوات للفهم من جهة أخرى، إذن فهي تعرب عن زمن

وبالتايل من )1(ازال مفتوحا ويف حاجة إىل إعادة تشكيله وقراءته" التأويل أي زمن القراءة والتفسري، الذي "م

يف نظر الكثري من املفكرين والعلماء، أن نكتشف حلظة تبلور التأويل يف القراءات الكالسيكية األوىل األوىل

ذا النص ذاته. من االهتمام للنص القرآين

قسمني: األوىل متثل القراءات التأسيسية وهي قراءات : ميكن أن نقسمها إىلأنواع القراءات الكالسيكية-2

قاعدية وأصلية، تبلورت يف الفترة القدمية منذ وفاة الرسول صلى اهللا عليه وسلم، والثانية متثل القراءات ما بعد

ى التأسيسية وميكن القول أا قراءات فرعية و تابعة للقراءات الكالسيكية ظهرت يف الفترة احلديثة، عملت عل

جتديد فهم القرآن الكرمي لكن يف إطار حمدود لقي بدوره نقدا من أنصار اآلليات املعاصرة وعلى رأسهم

'أركون'، كما جتسد يف آليات القراءات االستشراقية اليت على الرغم من نزعتها احليادية اعتمدت على

التقليدية ومناهجها على الرغم من كتابات الفقهاء له من أمثال الطربي وهو ما جيعلها استمرار للقراءات

منهجيها الفللوجي الوضعي، فما طبيعة هاتني القراءتني؟ وما التطور الذي عرفته آليات فهم النص القرآين يف

كنفهما؟

ل زمن إن مل نقل غيبت وألغت النص األصلي بفعل عوامل متعددة أمهها غلبة اإليديولوجي على املعريف، هي يف نظر الدكتور 'بومدين بوزيد' متث

التأويل وهو الذي يطلب القراءة باملقارنة مع الزمن األول وهو زمن الترتيل.1 .33، مرجع سابق، ص -اسة يف املنهج التأويلي عند شلري ماخر وديلتايدر-بومدين بوزيد، الفهم والنص

Page 95: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

96

)1(: "هي اليت قام ا املتقدمون، مفسرين كانوا أو فقهاء أو متكلمني أو صوفية" القراءات التأسيسية- 1- 2

الكالسيكية أي القدمية، ارتبطت فيها إشكالية قراءة القرآن الكرمي باختالف أمناط وظهرت يف الفترة

التعامالت معه بني أسالفنا، بأصنافهم املختلفة مفسرون وفقهاء، ومتكلمون، وفالسفة، وصوفية، بل حدوث

فون بفرقهم تلك االختالفات داخل الصنف الواحد، أي بني الفقهاء ذام واملتكلمون أنفسهم، واملتصو

املختلفة، والسيما يف تعاملهم مع أدوات قراءته و فهمه، و جتسدت تلك القراءات يف االختالفات احلاصلة يف

فهم النص القرآين يف مستويات خمتلفة تتعلق بالشرائع والعقائد، اليت نتجت عن خمتلف املستجدات احلاصلة

العربية واإلسالمية، و أثرت على اآلليات املستخدمة يف على املستوى السياسي واالجتماعي والثقايف يف البيئة

فهم القرآن الكرمي دون شك، وعلى رأسها منهجي التفسري والتأويل الذين عرفا تطورا وضحا يف فترة ما بعد

النيب صلى اهللا عليه وسلم، وفترة ما بعد تشكل املصحف العثماين حتديدا، وتبني أن النص القرآين مل يستطع أي

ب أن يستهلكه أو حيتكر معانيه بقراءة معينة، باعتباره قد فتح الباب على مصراعيه لكل مذهب وفرقة خطا

لتأسيس فهم أو قراءة خاصة له، وهذا ما الحظه خمتلف رواد اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآين، وما

القرآن الكرمي وتطور آليات فهمه بعد وفاة وميكن تتبع إشكالية قراءة ،)∗(فتئوا يلحون على استلهامه وقراءته

الرسول صلى اهللا عليه وسلم بغض النظر عن االختالف احلاصل حول الفرق األوىل كالسنة والشيعة واخلوارج

يف قراءة النص وتأويله الذي عرب عن بواكري إشكالية القراءة ، حسب تطورها عند ما يلي:

كالية قراءة القرآن الكرمي يف إطار االختالف بني املذاهب الفقهية : تبلورت إشعلماء األصولعند الفقهاء و-أ

األربعة: احلنفي، املالكي، الشافعي، احلنبلي يف التعامل معه، عرفت من خالله إشكالية قراءة النص القرآين على

1 .176، ص 2009، 2، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط-املدخل إىل تأسيس احلداثة اإلسالمية-طه عبد الرمحن، روح احلداثة

∗هناك نظريات متثل منوذجا للعقالنية والتنوير يف الفكر اإلسالمي، يلح خمتلف رواد القراءات املعاصرة وعلى رأسهم 'أركون'و' أبو زيد'، على أن

تظهر على وجه اخلصوص عند املعتزلة، جيب اكتشافها من جديد واالقتفاء بآثارها، من أجل تطوير البحث الفلسفي يف شىت قضايا الراهن وعلى

نظرية املعتزلة بالنظرية الكامنة والواعدة وتكلم عن نكبتها بدل رأسها مسألة قراءة النص القرآين لركوب مطية احلداثة، حيث وصف 'أركون'

ندكبة 'ابن حنبل'.

Page 96: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

97

سد يف الرغم من تركيزها على االختالف حول مسائل التشريع والفروع ال األصول، منعرجا حامسا يف فهمه جت

معركة النص والرأي، حبيث اختلفت املذاهب حول عالقة القرآن الكرمي مبصادر التشريع األخرى يف جمال

استخراج األحكام خصوصا، حني كان يفهم بأولوية املأثور عند بعضهم أي بالتركيز على النص األول: قرآنا

القته املصادر العقلية للتشريع، وهو ما وسنة، يف حني يقرأ عند آخرون بأولوية الرأي أي بالتركيز على ع

ترتب عنه اختالف بينهم حول مسائل الفقه، حبيث "تارة يكون اخلالف بني الشافعي ومالك، وأبو حنيفة

يوافق أحدمها، وتارة بني مالك وأيب حنيفة، والشافعي يوافق أحدمها، وتارة بني الشافعي وأيب حنيفة، ومالك

االختالف بني التابعني هو ما ترتبت عنه احلاجة إىل ضبط قوانني معينة يف التعامل مع ، هذا )1(يوافق أحدمها"

ه) خصوصا يف كتابه 204خمتلف املسائل وعلى رأسها تلك الواردة يف القرآن الكرمي، جتلت عند الشافعي (ت

لعلة املنصوصة من املعروف بالرسالة اليت "تكلم فيها يف األوامر والنواهي والبيان واخلرب والنسخ وحكم ا

وهي ما ترتب عنها تأسيس علم أصول الفقه الذي يتعلق جبملة "القواعد اليت يتوصل ا إىل حفظ ) 2(القياس"

األحكام املستنبطة املختلف ا بني األئمة، وهي املسماة بعلم اخلالف، وكذلك القواعد اليت يتوصل ا إىل

، يعكس هذا املفهوم )3(أم ال، وهي املسماة بعلم اجلدل" حفظ الرأي أو هدمه سواء أكان حكما شرعيا

التطور امللحوظ يف إشكالية القراءة و ذلك ألنه عندما ينعت بعلم اخلالف أو علم اجلدل، فإنه يعكس

االختالف األول بني املسلمني حول طرق استنباط أحكام التشريع، ويبني انقسامهم إىل فرق ومذاهب ختتلف

لقرآن الكرمي والسيما يف إطار عالقته مع مصادر التشريع إذ توسع احلنفية العقل والقياس، يف أسس قراءة ا

وتضيق من دائرته املالكية واحلنبلية، وتقف الشافعية موقف الوسط بينهما، وهذا االختالف الذي أدى إىل

لفون مع أستاذهم يف ظهور فقهاء للشافعية وآخرون للمالكية، وحىت الفقهاء املنتمني ملذهب واحد قد خيت

1 .478ابن خلدون عبد الرمحن، املقدمة ، مصدر سابق، ص

2 .476املصدر نفسه ، ص

3 .12، ص2008، 1اخلضري حممد، أصول الفقه، دار األندلس اجلديدة للطباعة والنشر، شربا مصر ، ط

Page 97: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

98

"اختالف أصحاب أيب حنيفة مع اجتهادات أستاذهم شائع معروف، التعامل مع خمتلف املسائل، حيث كان

وذلك معلول حبيوية املذهب أساسا، وانفتاحه العقلي الفكري. ويكفي هنا أن نذكر اختالفهم معه يف مسألة

التعقل يف اإلسالم، والذي تبني من خالله أن هذا ما يبني أمهية )1(قراءة الفاحتة يف الصالة بغري اللغة العربية،

الفقه وأصوله، ال ميكن إخراجهما من دائرة التفلسف بل يعربان عن منوذجه األصيل كما يذهب الشيخ

مصطفى عبد الرازق.

هور انقسام يف وعن أثر هذا االختالف بني املذاهب الفقهية على أدوات الفهم، ميكن أن نقول أنه أدى إىل ظ

يرى ابن خلدون يستند "إىل اآلثار املنقولة عن السلف وهي املعرفة الناسخ واملنسوخ التفسري، األول كما

املعرفة وترتبط )2(قاصد اآلي وكل ذلك ال يعرف إال بالنقل عن الصحابة والتابعني" موأسباب الرتول و

لصحابة والتابعني له وتابعي والتابعني الذين شكلوا أحاديث الرسول صلى اهللا عليه وسلم وأقوال ابباملأثور

سلسلة من املفسرين اشتركوا يف نوع واحد منه، وهو الذي يسمى التفسري باملأثور والذي قام على نقل

الرواة بشكل مطلق، وهو ما يتطلب يف نظره متحيص وحتقيق ما نقلوا، ببالنقل والثقة .أي ارتبط الروايات

بعلوم اللغة بالتحكم يف املعاين وعلوم النحو ويقوم على املعرفة بالتفسري اللغوي" عليهوالثاين هو ما أطلق

ما يرجع إىل اللسان من معرفة اللغة والبالغة يف تأدية املعىن حبسب كل والصرف والبالغة واألساليب، و

" املقاصد واألساليب .ظهرت الحقايف إطار هذين التفسريين حتركت خمتلف التفسريات اليت و ،)3(

يعترب من أكرب دعاة الذي ه) 310ت( 'الطربي' إذن هناك يف تاريخ التفسري تفسريين األول باملأثور ومن رواده

على "اعتماد املفسر على الروايات املوثوق ا، واملتصلة حلقاا بصحابة الرسول عليه القائم التفسري باملأثور

رسالة عليه السالم، روح فهمهم للنص القرآين، أو مسعوا من تفسريه السالم، أولئك الذين استقوا من صاحب ال

1 .75، ص 2007، 1ر حامد، اإلمام الشافعي وتأسيس اإليديولوجية الوسطية، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طأبو زيد نص

2 .460ابن خلدون عبد الرمحن، املقدمة ، مصدر سابق، ص

3 .461املصدر نفسه، ص

Page 98: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

99

ينطلق يف منهجه من ما بينه الرسول صلى اهللا عليه وسلم من معاين واردة يف اآليات لكي حيث، )1(مباشرة"

إىل ما أثر عن سنته من أوامره ونواهيه وتكاليفه وغري ذلك من احلقوق بالعودةيفسرها حسب رواا،

فرائض واحلدود اليت كان يستخرجها من اآليات والسور القرآنية لبناء تفسريه، مث ينتقل بعد السنة إىل ما وال

ورد عن الصحابة والتابعني من أقوال حول اآليات والسور حسب أدلتهم النقلية ووفق شرط اإلمجاع الذي

عن النيب صلى اهللا عليه وسلم، وعلى يعترب الشرط اجلوهري لقبول آرائهم، وبالتايل فمنهجه يقوم على ما صدر

ما أمجع عليه الصحابة والتابعني من أقوال تبين على حتقق شروط الثقة يف الراوي أو السند بدراسة صحته

وتواتره، وترك ما استأثر اهللا بعلمه ورفض تأويله، وهو ما ينتهي إىل رفض الطربي لكل تفسري يتجاوز املأثور

املتصوفة.كما وجد عند املتكلمني و

كذلك، التفسري اللغويالذي عرف بما مسي التفسري بالرأي أو بالعقل أو بالنظر أو باالجتهاد، والثاين هو

يف كونه جيعل اللغة وسيلة أساسية لتدبر نصوص القرآن الكرمي، ومعرفة معانيها اازية اليت خيفيها ظاهر اللفظ،

يقوم على إعمال العقل والتفكري يف التفسري يف مقابل التفسري النقلي "التفسري العقلي ألنه اطلق عليه كذلكو

الذي يقوم على نقل الروايات املأثورة يف التفسري ويسمى أيضا التفسري النظري ألنه ينتج عن النظر العميق يف

.)2("القرآن الستخراج األحكام والدالالت يف مقابل التفسري األثري القائم على األثر والنقل

حتديد جمموعة من يف ،خمتلف العلماء والسيما رجال الدين ، إال أنه يتفقالقسمة الثنائية للتفسري ولكن رغم

الشروط متيز املفسر وتتحكم يف منهجه، أبرزها اإلميان املطلق بالكتاب والسنة بعيدا عن اإلحلاد، واالنطالق من

أقوال الصحابة التابعني باعتبارها ناقلة وشاهدة ملا ورد ، واالعتماد على الكرمي السنة باعتبارها شارحة للقرآن

، والتحكم يف علوم اللغة ومعرفة علوم القرآن ككل، وهي اليت نقلها السيوطي عن الطربي يف هيف السنة حول

على اعتمادهقوله عن املفسر:" اعلم أن من شرطه صحة االعتقاد أوال، ولزوم سنة الدين،... وجيب أن يكون

1 .25عز الدين إمساعيل، نصوص قرآنية، دار النهضة العربية، بريوت لبنان، دط، دت، ص

2 .107كايف منصور ، مناهج املفسرين ، مرجع سابق، ص

Page 99: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

100

النيب صلى اهللا عليه وسلم، وعن أصحابه ومن عاصرهم، وبتجنب احملدثات، وإذا تعارضت أقواهلم النقل عن

وأمكن اجلمع بينها فعل،...وإذا تعارضت رد األمر إىل ما ثبت فيه السمع، وإن مل جيد مسعا، وكان لالستدالل

صد فيما يقول...ومتام طريق على تقوية أحدمها رجح ما قوي فيه من االستدالل...ومن شرطه صحة املق

، وبالتايل قد حدث تطور يف آليات قراءة النص القرآين حسب )1(الشرائط أن يكون ملما لعدة اإلعراب"

االختالف حول كيفية التعامل به، بني رواد مدرسة النقل ورواد مدرسة الرأي، ومت االنتقال من التفسري باألثر

لذي يتوج فيما بعد فيما عرف بالتأويل كمنهج أصبح يدعوا إليه إىل التفسري باللسان إىل التفسري بالرأي ا

الكثريون وعلى رأسهم املتكلمون واملتصوفة والفالسفة، فكيف تطورت إشكالية قراءة النص القرآين عندهم؟

: تطور االختالف بني الفقهاء واألصوليني يف التعامل مع النص القرآين إىل جمال العقائد، عند املتكلمني-ب

رتب عنه نشأة ما يسمى بالفقه األكرب، الذي تولد عنه بدوره ما يعرف بعلم التوحيد أو علم الكالم، الذي ت

اعترب كالم اهللا أو القرآن الكرمي موضوعا أو مبحثا له، ويعرب هذا العلم عن منعرج جديد يف إشكالية قراءة

تعامل مع مضامينه ويف املسالك أو املناهج اليت النص القرآين، ألنه النموذج األمثل لالختالف بني الفرق يف ال

يقرؤونه ا، ودليل ذلك تسمية املتكلمني باجلدليني لعدم اتفاقهم ومناظرة بعضهم لبعض يف خمتلف املسائل، و

على رأسها تلك اليت تتعلق بآليات فهم النص القرآين كما هو احلال يف التأويل الذي تبلور عندهم يف إطار

حملكم واملتشابه الذي أسس لصلب االختالف بني الفرق يف قراءة النص القرآين، حبيث جلأ بعضهم التعامل مع ا

إىل "تأويل النصوص اليت يتفق ظاهرها مع ما يريد تفسريه لآلية املتشاة، يعمد إىل تأويلها والبقية ردها إىل

،الذين تأولوا )∗(- املعتزلة- ن حدودو أهم الفرق الكالمية اليت اعتمدت التأويل دو)2(حمكم ومحلها عليها"

1 .855-854السيوطي جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر، اإلتقان يف علوم القرآن، مصدر سابق، ص

2 .22، ص 1994خدمتلي صربي، العقيدة والفرق اإلسالمية، ديوان املطبوعات اجلامعية، اجلزائر، د ط،

∗ه)، حني اعتزل حلقة اإلمام 'احلسن 131المية ظهرت بالبصرة يف أواخر عهد الدولة األموية ينسب تأسيسها لواصل بن عطاء (تفرقة كالمية إس

البصري' بعد اختالفه معه حول مسألة مرتكب الكبرية. و يطلق عليهم أهل العدل والتوحيد، وتفهم خمتلف أفكارهم يف إطار أصوهلم اخلمسة:

وعد والوعيد، املرتلة بني املرتلتني، األمر باملعروف والنهي عن املنكر.التوحيد، العدل، ال

Page 100: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

101

اآليات اليت تفيد التجسيم والتشبيه وغريمها من اآليات املتشاات وعملوا على ردها إىل حمكم يف إطار أصوهلم

اخلمسة وعلى رأسها: التوحيد والعدل، حبيث جاءت للرد على تلك الفرق اليت محلت األلفاظ الدالة على

كاحلشوية واسمة واملشبهة، ومن أهم رواد املعتزلة يف جمال التعامل مع القرآن الصفات واألفعال على ظاهرها

يعترب من أكرب ممثلي التفسري بالرأي الذي يسمى التفسري العقلي أو وه) 538ت:('الزخمشريالكرمي، جند '

النظري، باعتباره "ينتج عن النظر العميق يف القرآن الستخراج األحكام والدالالت، يف مقابل التفسري األثري

رأي، الذي بلور من خالله ما يسمى بالتفسري بال 'الكشاف'، وهو صاحب كتاب )1(القائم على األثر والنقل"

والذي يعتمد فيه على منطلقات اعتزالية، أمهها أولوية الدليل العقلي يف فهم النص القرآين على النقلي، وفتح

إمكانية التأويل لكل متشابه من القرآن يتعارض ظاهره مع معطيات العقيدة، حيث يعتمد على قاعدة جوهرية

، فصلب )2(ىت ال يضل اإلنسان الفهم السليم"وهي " أن حتمل اآليات املتشاات على اآليات احملكمات ح

منهجه يقوم على التفسري بالرأي أو التأويل العقلي واستخراج املعاين اازية، ورد املتشابه إىل حمكم، الذي

يقوم بالدرجة األوىل على آليات لغوية تتمثل يف التحليل البياين، واللغوي، والنحوي وذلك حسب استخدام

كشف املعاين، أمهها اخليال، وااز، التمثيل، انطالقا من ربط معاين اآليات مع ما حيمله من وسائل خمتلفة يف

أفكار عقلية خاصة، واليت جتد أسسها عنده يف أفكار املعتزلة.

وعلى خالف املعتزلة جلأ متكلمون آخرون إىل الوسطية بني الفرق، أين تأولوا بعض اآليات واعتمدوا يف

، كما هو احلال )3(بالتفويض "أي التسليم ببعض األسرار اإلهلية اليت يعجز العقل عن فهمها" أخرى ما يعرف

الذين رأوا أن التأويل يتعلق ببعض اآليات وله جمال حمدد وشروط، حبيث اعتربوا الفهم )∗(مع األشاعرة

ااز مثل: رؤية اهللا يوم للصفات اخلربية اليت تعرب عنها اآليات، يكون بأن حتمل على ظاهرها وال خترج إىل

1 .106كايف منصور، مناهج املفسرين، مرجع سابق، ص

2 .68عز الدين امساعيل، نصوص قرآنية، مرجع سابق، ص

3 .23خدمتلي صربي ،العقيدة والفرق اإلسالمية، مرجع سابق، ص

ه) ظھرت كرد فعل على المعتزلة.324مية، تنسب إلى ابو الحسن ا�شعري (تا�شاعرة يمثلون فرقة دينية ك� ∗

Page 101: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

102

القيامة، وبالتايل انتهوا إىل أن يف القرآن أحكاما ال تفهم بالعقل بل هي إما توقيفية تفوض هللا، أو مسعية تفهم

باألثر يف مقابل األخرى اليت تفهم بالعقل على خالف املعتزلة الذين أكدوا أولوية العقل يف الفهم والقراءة.

: اعتمدوا منطا معينا من الفهم للنص القرآين، يقوم على أن للنص القرآين ظاهرا وباطنا، عند املتصوفة-ج

والباطن هو ما ميثل املعىن احلقيقي ال يصل إليه اإلنسان بالعقل بل بالقلب، و يظل وقفا على األولياء والعارفني

ع التصوف ونوع املذهب من رجال الصوفية، الذين خيتلفون عن بعضهم البعض يف قراءة النص حسب نو

ونوع الطريقة، الذين يترتب عنهما االختالف يف التعامل مع النص القرآين، ألن من الصوفيني "من كتب يف

الورع وحماسبة النفس على االقتداء يف األخذ والترك، كما فعله احملاسيب يف كتاب 'الرعاية' له، ومنهم من

م يف األحوال كما فعله القشريي يف كتاب 'الرسالة'، كتب يف آداب الطريقة وأذواق أهلها ومواجده

والسهروردي يف كتاب 'عوارف املعارف' وأمثاهلم، ومجع الغزايل رمحه اهللا بني األمرين يف كتاب 'اإلحياء'،

، وهذه )1(فدون فيه أحكام الورع واالقتداء، مث بني آداب القوم وسننهم وشرح اصطالحام يف عبارام"

من 28م) بصدد قراءته لآلية 1111من دون شك تلعب دورا يف قراءة النص القرآين، فالغزايل (تاالختالفات

سورة التوبة يف قوله تعاىل:" إمنا املشركون جنس" يؤكد أن املشرك "جنس باجلوهر، أي باطنه ملطخ باخلبائث"

يتجاوزمها إىل الباطن وميثل أي أن معىن الطهارة يف اآلية ال يقتصر على الظاهر وهو البدن والثوب بل )2(

م)بدوره يقرأ النص القرآين عنده كما هو وارد 1640خبائث القلب ورذائله، والشيخ حمي الدين ابن عريب(ت

يف كتاب 'الفتوحات املكية' حسب مذهبه يف وحدة الوجود والتجلي، وحسب ثنائية الظاهر والباطن، حني

الفقهاء والثاين باطين على طريق أهل اإلشراق والعرفان، وعلى : األول ظاهر على طريقةيبدي لكل آية معنيني

قراءة الصوفية للقرآن آلياا القلب والذوق واملكاشفة ليست واحدة بل تتبع املذهب والطريقة يف الالعموم

.506- 505ابن خلدون عبد الرمحن، املقدمة، مصدر سابق، ص 1

2 .60، ص2005، 1الغزايل أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار ابن حزم، بريوت لبنان، ط

Page 102: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

103

جوهرها، عرفت فيها أدوات قراءة النص القرآين تطورا كبريا من خالل ما ميكن أن نطلق عليه التأويل الصويف

الذي يقوم على أولوية التجربة الصوفية اليت تتنوع وختتلف ولكن تشترك يف أولوية العمل على النظر العقلي .

: تقوم قراءات الفالسفة للقرآن الكرمي على أولوية النظر العقلي والتأمل يف اآليات، وهلا عند الفالسفة- د

يب للمقوالت الفلسفية اليت يعتنقها هؤالء مميزات أمهها "حتويل النص القرآين إىل خطاب فلسفي يستج

الفالسفة...أما ما اهتموا به من آيات فله صلة وثيقة بالعلم اإلهلي الذي يبحث يف املوجود مبا هو موجود، ويف

، فتفسريات الفالسفة للقرآن الكرمي )1(املبادئ الكلية للعلوم، ويف املوجودات املنتزعة حسب عبارة الفارايب"

لبحث يف العلة األوىل للوجود، وتسلسل العلل، وأقسام النفس، وقواعد املنطق األرسطي، وال تتعلق تربطه با

بقضايا التشريع بل بقضايا العقيدة بالدرجة األوىل، وتقوم على فهم اآليات أو توظيفها وفق مذهب الفيلسوف

م)، الذين قاما بتفسري بعض 1036م) و'ابن سينا' (873وأفكاره يف أغلب األحيان، ومن بينهم 'الكندي' (ت

م)الذي 1198السور القصرية وفق أفكارهم حول العلم اإلهلي وأقسام النفس، و فيلسوف قرطبة 'ابن رشد' (ت

فهم خمتلف السور القرآنية يف إطار مسألة التوفيق بني العقل والنقل، مؤكدا على أمهية التأويل يف فهم النص،

العلم وهم الفالسفة الذين وحدهم الذين يعرفون معىن املتشابه من اآليات، الذي اعتربه من مهام الراسخني يف

أي يفهمون معىن اآليات اليت تدرك من باطنها وليس من ظاهرها، ألنه من أصحاب االعتبار الذي حث عليه

ا فقط، الشرع، والقياس الربهاين الذي تعلمه من دراسته للمنطق، على خالف الفقهاء الذين ميلكون قياسا ظني

ألن الفقيه "عنده قياس ظين والعارف عنده قياس يقيين وحنن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه الربهان وخالفه

ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل على قانون التأويل العريب وهذه قضية ال يشك فيها مسلم وال

مي منوذجا لقراءة الفيلسوف املـتأثر بالفلسفة ، وبذلك تكون قراءة ابن رشد للقرآن الكر)2(يرتاب ا مؤمن"

األرسطية وفق دعوته للمنطق كآلية أمسى جبعل القياس الربهاين أمسى املناهج وأمثلها يف إدراك اليقني الوارد يف

1 .75، 74، ص2006، 1لسود، إسالم الفالسفة، دار الطليعة، بريوت لبنان، ط منجي

2 .35، ص1982ابن رشد أبو الوليد ، فصل املقال، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر ، د ط،

Page 103: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

104

اآليات يف إطار التأويل، وهي بدورها ختتلف عن قراءة الفالسفة اآلخرين، كل حسب مذهبه الفلسفي

د واملعرفة والقيم. ونظرياته يف الوجو

من خالل عرض القراءات التأسيسية باالعتماد على مناذج كربى مثلت هلا عرب التاريخ نصل إىل أا متيزت مبا

يلي:

عربت بوضوح عن وجود إشكالية يف قراءة القرآن الكرمي وفهم آياته، ارتكزت يف جوهرها على مضمون -

ختالف احلاصل يف قراءته بني القبائل، واهتمت بقراءة املصحف النص وآليات استخراجه، حيث جتاوزت اال

املتفق عليه أو املصحف العثماين واختلفت يف فهم نصوصه وكيفية تأويلها.

قامت على اخلروج من دائرة التفسري اليت ركز عليها الفقهاء واألصوليون، واقتحام جمال التأويل وإيالئه -

رآين، لعوامل متعددة سياسية واجتماعية وثقافية، فقد تبني من خالهلا أن األمهية القصوى يف قراءة النص الق

الذي فاق التفسري يف املرتبة كذلك، لتأويلالتفسري ليس املنهج الوحيد لقراءة النص، بل ارتبط هذا األخري با

قراءة النص القرآين، أحيانا كما بدا عند املتكلمني واملتصوفة والفالسفة، معربا عن مرحلة حامسة، يف مسار

أصبح يدعوا الكثري من الفالسفة اليوم إىل إعادة اكتشافها، ويف هذا الصدد حيمل 'املرزوقي' على 'ابن خلدون'

يف تأرخيه للتفسري حسب نوعني ،التفسري باألثر، والتفسري بعلوم اللغة وجتاهله للدور الذي أدته التأويالت

" على وجهاته ليس علميا بالقدر الكايف، موقفهمؤكدا أن ،القرآن الكرمي الكالمية والصوفية يف تاريخ قراءة

داعيا من هذا املنظور إىل إعادة النظر )1(فهو مل يأت على أشكال التفسري اليت وجدت قبل تأليف املقدمة"

القرآين يف مرحلة وهذا ما يبني أن إشكالية قراءة النص يف التفاسري احلاصلة عرب التاريخ وموقع التأويل فيها،

القراءات التأسيسية تعرب عن مرحلة حامسة تستوجب االكتشاف دائما، وهذا ما جتسد عند خمتلف رواد

1 .102، ص 2007، 1، دار الفرقد، دمشق سورية، ط-دراسة–املرزوقي أبو يعرب ، صونا للفلسفة والدين

Page 104: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

105

اآلليات املعاصرة يف قراءة النص الذين ما فتئوا يثنون على تأويالت املعتزلة وابن عريب....للنص وينطلقون منها

قة بتجديد قراءة القرآن الكرمي .يف اإلرساء ألفكارهم والدفاع عن آرائهم املتعل

تنوعت فيها أسس و آليات قراءة النص القرآين بني خمتلف املشتغلني على قراءته، فالفقهاء وعلماء أصول -

الفقه ينطلقون من إميان كامل ال خيالطه ريب، واهتموا مبسائل التشريع، وكيفية طرحها بالعودة إىل التفسري

ينما املتكلمون انطلقوا من اإلميان إىل التعقل واهتموا مبسائل العقائد، باعتماد التعقل بنوعيه: باألثر، وبالرأي، ب

واالستدالل النظري وأساليب اجلدل واملناظرة، و وركزوا على التأويل كمنهج لفهم باطن النص، أما املتصوفة

مع الباطن قامت على منط فهم بدورهم انطلقوا من إشكالية الظاهر والباطن يف النص، لكن كيفية تعاملهم

التأويل الصويف الذي ينطلق من أثر املعاين على القلب وتأكيد أولوية الذوق يف فهم مضامني السور واآليات،

والفالسفة كذلك يؤكدون أن للنص القرآين ظاهرا وباطنا لكن يتميزون بأم ينطلقون من التعقل إىل اإلميان،

مسائل اإلهليات و النظر العقلي املطلق يف الوجود، ويعتمدون يف ذلك آليات ويفهمون القرآن الكرمي يف إطار

خاصة بالتأويل أمهها املنطق اليوناين يف احلقبة الكالسيكية.

وبالتايل فإشكالية القراءة يف احلقبة الكالسيكية ويف القراءات التأسيسية حتديدا، قامت على االختالف حول

ص القرآنية، وكانت تدور يف جمملها يف حلبة الصراع بني النقل والعقل، الذي أسس وآليات التعامل مع النصو

انطلق أوال من اخلالف بني مدرسيت األثر والرأي، وقد استمرت يف إطار هذه املسألة طيلة العصور الالحقة مع

رمي، حبيث أثرت تبلور خطابات قرآنية متعددة املشارب واملناحي ختتلف يف آلياا يف التعامل مع القرآن الك

القراءات التأسيسية بصورة مباشرة يف ظهور اجتاهات متعددة فيما بعد اختلفت يف التعامل مع التراث، منها من

فضل العودة إىل تلك التيارات اليت اتبعت املأثور، ومن منها من فضل العودة إىل تلك التيارات اليت اتبعت

كالية قراءة القرآن الكرمي يف القراءات ما بعد التأسيسية؟ وما أثرها العقل، فما طبيعة التطورات احلاصلة يف إش

على تطور آليات فهمه؟

Page 105: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

106

: وهي تلك اليت تبلورت يف الفترة احلديثة وامتدت إىل غاية الفترة املعاصرة، القراءات ما بعد التأسيسية - 2- 2

للنص القرآين، وقد سعت إىل و قد حاولت جتاوز نقائص القراءات التأسيسية بإرساء دعائم قراءة جديدة

مسايرة املستجدات وهدفت إىل حتقيق النهضة وانتشال املسلمني من التخلف عن الركب احلضاري، بالعودة

إىل قراءة النص القرآين مبسالك متباينة ال خترج عن اآلليات الكالسيكية يف جوهرها، حيث اعتمدت على

والتأويل الكالسيكيني رغم أا حاولت تكييفهما وفق مستجدات املناهج التقليدية املتمثلة يف منهجي التفسري

العصر، فهي تعترب امتدادا للقراءات الكالسيكية السالفة الذكر، بغض النظر عن التغريات الطفيفة اليت حلقت

اليت مثلت تلك القراءات املوجهة للقرآن الكرمي يف )∗(ا، فضلنا أن نطلق عليها القراءات ما بعد التأسيسية

فترة ما قبل تأسيس القراءات احلداثية للقرآن الكرمي، تبلورت يف العصر احلديث أين اليت عرف فيها اتمع

اإلسالمي والعامل الكثري من التغريات يف شىت امليادين وامتدت إىل غاية الفترة املعاصرة، مرتبطة بأصناف خمتلفة

من القراءات اختذت طابعا سياسيا واجتماعيا وثقافيا، كانت مهمتها يف البداية الثورة على االستبداد و التطلع

إىل ضة العرب واملسلمني مث مواجهة املستجدات الطارئة يف عامل االستعمار وإفرازاته، وذلك يف إطار قراءة

مع أمناط خمتلفة منها قراءات سلفية وإصالحية كتام األول كمنطلق لتغيري األوضاع السائدة، تبلورت

ولربالية... وهي اليت ينعتها البعض بالقراءات التجديدية ألا حاولت جتديد القراءات الكالسيكية يف إطار

املستجدات احلاصلة يف العامل اإلسالمي خاصة، وأمهها خطر االحنطاط ومأزق التخلف الذي دامهه.

جديد كن تسميت القراءات ما بعد التأسيسية بالتجديدية، ألا حاولت جتديد فهم القرآن الكرمي وفق املستجدات وظهرت فيها البذور األوىل لتمي

ومل ختتلف مناهج األسالف الواردة يف القراءة التأسيسية، وقد فضلنا تسميتها بالقراءات ما بعد التأسيسية ألا كانت الحقة للقراءات التأسيسية

كرمي إال وفق عنها كثريا، إال يف مراعاة مستجدات املرحلة اجلديدة على مستوى الواقع، ومل حتمل جتديدا ملناهج القراءات السابقة يف فهم القرآن ال

ثر كما هو احلال مع حماوالت حمتشمة، حيث أا يف جمملها مواقف ناجتة ومنبثقة من القراءات التأسيسية اليت كرست قراءات أنصار منهج األ

القراءات السلفية اليت كرست منهج أنصار األثر، واإلصالحية اليت حاولت تكييف فهم القرآن وفق إصالح ظروف العصر واستفادت من منهج

لللوجي الوضعي، التأويل االعتزايل، كما أن القراءات االستشراقية بدورها اعتمدت تلك القراءات السالفة ومناهجها بغض النظر عن منهجها الف

ولذلك وهذا ما جيعل جممل هذه القراءات امتدادا للقراءات التأسيسية تكرس مناهجها يف فهم القرآن الكرمي وعلى رأسها منهجي التفسري والتأويل

حشرناها يف زمرة القراءات الكالسيكية .

Page 106: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

107

يسية وإن اختلفت وتعددت أشكاهلا، فإا مل تثر على القراءات واملناهج الكالسيكية، والقراءات ما بعد التأس

بل استعانت ا لفهم مستجدات الراهن سواء، إما بتكريس مناهج السلف من أتباع املأثور جتسد فيما ميكن

ظل غزو املناهج أن نطلق عليها القراءات السلفية أو األصولية، اليت حاولت احملافظة على مناهج السلف يف

اجلديدة حلقل الدراسات اإلسالمية وعلى رأسها مناهج املستشرقني، وإما بتكريس تلك املناهج اليت اتبعت

الرأي والعقل جتسد يف التيارات اإلصالحية خصوصا اليت حاولت إصالح األوضاع السائدة، وبالتايل "هي

،أي اختلفت )1(أو سلفيني أصوليني أو إسالميني علميني اليت قام ا املتأخرون، سلفيني إصالحيني كانوا

، وميكن أن نضيف إليهم املستشرقني وصوفيني اجتاهات روادها، بني سلفيني وإصالحيني وعلمانيني ليرباليني

كذلك، ألم على الرغم من منهجهم التارخيي الفللوجي، ظلوا يعتمدون على ما ورد يف نصوص القراءات

ديد كبري. وميكن أن نفصل هذه القراءات عند التيارات التالية:دون جت ةالتأسيسي

: وهي تلك القراءات اليت اعتمدت يف فهم النص القرآين على املناهج التقليدية عن طريق عند السلفيني -أ

إتباع منهج السلف حبذافريه، وهو يف اصطالح أتباعه"املنهج الذي سار عليه السلف الصاحل من القرون املفضلة

من أتباع الكتاب والسنة وفهمهما الفهم الصحيح غري املشوب بشائبة اهلوى وكل من اقتدى م وسار على

، وهو يف نظر روادها، طريقة )2(درم فهو على منهجهم وهلذا يطلق على من انتسب إىل هذا املنهج 'سلفي'"

ء م وتكرار آرائهم وجتارم، بتفسري الرعيل األول من الصحابة والتابعني وتابعيهم الذين البد من االقتدا

واخلرافات، و جتد القراءة السلفية للقرآن تالقرآن الكرمي وفق ما ورد يف السلف واالبتعاد عن اإلسرائيليا

الذي ) م1328ت( 'ابن تيمية ه) ويف أفكار 'الشيخ 241الكرمي جذورها يف منهج 'اإلمام أمحد بن حنبل' (ت

ورأى أن العالج الوحيد يكمن يف "، عليه واقع االحنطاط والتخلف السائدين يف عصرهكان فقيها حنبليا أثر

الرجوع إىل القرآن والسنة وحدمها. وكل اخلروج عنهما بدعة وضاللة، وكل التأويل ال يستند إليهما خرافة

1 .176سابق، ص، مصدر -املدخل إىل تأسيس احلداثة اإلسالمية-طه عبد الرمحن، روح احلداثة

2 .22،ص2004شبانة حسن بن حممد، العقيدة بني السلف واملتكلمني، دار اإلميان للطبع والنشر والتوزيع، إسكندرية، د ط،

Page 107: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

108

حتريف للكلم فباسم ثورته على البدع واخلرافات واألفكار الدخيلة رفض التأويل ورأى أنه ، )1(" وباطل

وجتريح للسلف، ورفض كل العلوم واملناهج الدخيلة وعلى رأسها املنطق اليوناين، رافضا أن يكون معيارا

للعلوم الشرعية كما ذهب 'ابن رشد' و'الغزايل'، وهي األفكار اليت امتدت بقوة يف الفترة احلديثة واملعاصرة

الذي دعا ) مؤلف كتاب يف "ظالل القرآن"1966بقوة مع علماء ومفسرين كبار من أمثال السيد قطب (ت

من خالله املسلمني "على أن يكون منهجهم يف التعامل مع القرآن هو منهج الصحابة ليحاولوا أن يقتربوا من

الدراسات النظرية للقرآن الكرمي ونقد روادها من أمثال املعتزلة، واعتمد جتاوز حبيث حاول )2( جيل الصحابة"

على قراءة عملية له تعتمد على "تعامله مع النصوص القرآنية مباشرة، واالكتفاء مبا توجيه إليه من إحياءات

مي لكن ، حيث عمل على الربط بني الواقع واملعاصر والقرآن الكر)3(ومعان وقيم وأفكار، وصور وظالل"

بإخضاع األول للثاين بصورة مطلقة، حسب 'ظالل القرآن' الكرمي ووقع معانيه على النفس، لذلك أهم آلياته

يف فهمه هي التقوى اليت جتعل للقرآن أثرا يف نفسية قارئه، يوحى إليها صورا وظالال بأسلوبه الفيت الرائع أو

د للذات وجيعلها حتيا وتندرج فيه.بإعجازه الفيت األسلويب، الذي يصور به خمتلف املشاه

: تبلور منطا معينا من القراءة املقدمة للقرآن الكرمي، ولد من رحم القراءة السلفية واعترب عند اإلصالحيني -ب

يسمى رواده بالسلفيني اإلصالحيني، حيث "ركز اددون يف حركة اإلصالح ،امتدادا هلا يف غالب األحيان

ة إىل سرية السلف الصاحل، وعلى مفهوم (الفطرة) اليت هي (األصول) أما املستحدث الديين على مفهوم العود

، ولكنهم يف الوقت نفسه حاولوا ربط معطيات القرآن )4(فمبتدع، وكل بدعة ضالله، وكل ظالله يف النار"

ويساعد على الكرمي مع مقتضيات التطور ومنجزات العلم، بإرساء دعائم تأويل يتناسب ومستجدات العصر

العودة إىل التيارات اإلصالحية إصالح ظروف املسلمني الراهنة كاجلهل، التخلف، االستبداد، ومن هنا حاولت

1 .2004عزام حممد، االجتاهات الفكرية املعاصرة، من السلفية إىل احلداثة، منشورات وزارة الثقافة يف اجلمهورية العربية السورية، دط،

2 .229، ص 1984الدي صالح عبد الفتاح، مدخل إىل ظالل القرآن، دار الشهاب، باتنة اجلزائر، د ط، اخل

3 .234املرجع نفسه، ص

4 .79، ص2004االجتاهات الفكرية املعاصرة، مرجع سابق، عزام حممد،

Page 108: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

109

القراءات التأسيسية اليت أعلت من شأن العقل والعلم، ونقدت القراءات اليت اكتفت بقراءة القرآن بآليات

'مجال الدين األفغاين' روادها سري القرآن الكرمي، ومن بنيالنحو واإلعراب والصرف...واملناهج التقليدية يف تف

) الذي "دعا إىل الثورة على تلك املناهج التقليدية اليت حتجب على املسلم نور القرآن وهدايته، ألا 1897(ت

، و الشيخ 'حممد )1(تغرقه يف مباحث لفظية وكالمية ومصطلحات غريبة يصعب عليه فك رموزها"

صاحب 'تفسري املنار' الذي استفاد من املعتزلة يف إرساء دعائم تأويلية جديدة ومتفتحة )∗() 1905عبده'(ت

ترجع يف فهم القرآن الكرمي إىل عنصرين متالزمني مها االستمداد من التراث واالستعانة بعلوم العصر، وتتواصل

ه على الرتعة العقالنية )الذي على الرغم من حتفظ1935مسرية الشيخ كذلك مع تلميذه "رشيد رضا" (ت

التحررية ألستاذه، قد قام بإعادة كتابة تفسري شيخه، ومواصلة مسرية "املنار" بإضافة قسم آخر له، يواكب

فيها طريقة اإلمام اجلامعة األثر والعقل، واهلادفة إىل مواجهة التخلف واالحنطاط وحتقيق التحضر والتمدن، اليت

) الذي 1940يف خمتلف األمصار ، ومنهم الشيخ عبد احلميد بن باديس (ت انتقلت كذلك إىل أئمة ومفسرين

كان بدوره سلفيا إصالحيا مواكبا لنهج الشيخني، حبيث قدم نظرة سلفية عصرية للقرآن الكرمي حني فسره

من بالقرآن وبالسنة النبوية ووفق مساره اإلصالحي، مستندا إىل إملامه بالفقه املالكي واألحاديث الصحيحة

جهة، ومعتمدا على فهمه حلال املسلمني ورغبته يف إصالح راهنه من جهة أخرى حيث قام ب"نقد املناهج

العتيقة يف التفسري اليت كانت سائدة يف وقته، وأكد بأن املناهج حتول دون االنتفاع داية القرآن، واعترب هذا

يقوم منهجه "على م) الذي 1973شور(ت، ومنهم كذلك الشيخ ابن عا)2(مظهرا من مظاهر هجر القرآن"

تنقيح وذيب ما وصل إليه األقدمون وليس نقضه وإبطاله، حبيث يسلك مسلكا خاصا يف التفسري، يستهل فيه

السورة بتقدمي ، يذكر فيه امسها، وما يتعلق بذلك من روايات، حيدد تارخيها، ويشرح مقاصدها، وبتوقف عند

1 .41، ص 2012اجلزائر د ط، الدراجي حممد، الشيخ عبد احلميد بن باديس، السلفية والتجديد، دار اهلدى، عني مليلة

∗سنستعرض بإسهاب رؤى 'حممد عبده' حول التأويل بصدد معاجلتنا للمحور الرابع، عند العودة إىل طرح 'أبو زيد' هلا يف جمال احلديث عن

تصوره ملسار التأويل يف الفترة احلديثة كمحدد للعالقة بني اهلرمينوطيقا والنص القرآين.2 .42عبد احلميد بن باديس، السلفية والتجديد، مرجع سابق، ص الدراجي حممد، الشيخ

Page 109: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

110

آية آية ، مبينا ما يف القرآن من وحدة املوضوعية هامث يشرع يف تفسري أحكامها وما تثريه من موضوعات،

وترابط بني آياته ترابطا حمكما مث يكلل ذلك باملعىن اإلمجايل، مث يركز على بيان معاين األلفاظ واستعماالا يف

، )1( الف من نتائج"حاليت احلقيقة وااز وما يعتر ا من كناية وحاالت إعراا وما يترتب على ذلك االخت

التارخيي هاتطور و، هاوتوسع تهادق الكرمي من حيث يعتمد الشيخ على حتليل مفردات القرآن وبالتايل

،مدعما ذلك بالشعر والقرآن والسنة، فهو كغريه من علماء الدين يعتمد على التحكم يف اللغة العربية وعلومها

، إلضافة إىل هؤالء العلماء، ال ميكن تغاضي النظر عن قراءة الشيخ أمني كمعيار جوهري لفهم النص القرآين

)∗()للقرآن الكرمي1966اخلويل (تصاحب مقولة'القرآن كتاب الفن العريب األقدس' ومؤسس املنهج األديب يف ،

احبة )ص1999"( ت- بنت الشاطئ- قراءة النص القرآين، الذي امتد إىل تلميذته وزوجته "عائشة عبد الرمحن

التفسري البياين للقرآين للكرمي واليت بدورها سلكت منهج التفسري األديب يف قراءة القرآن الكرمي وبينت أنه ميثل

"التناول املوضوعي الذي يفرغ لدراسة املوضوع الواحد فيه، فيجمع كل ما يف القرآن عنه، ويهتدي مبألوف

لغوية لذلك... وهو منهج خيتلف متاما عن الطريقة املعروفة استعماله لأللفاظ واألساليب، بعد حتديد الداللة ال

يف تفسري القرآن سورة سورة، يأخذ اللفظ أو اآلية فيه، مقتطعا من سياقه العام يف القرآن كله، مما ال سبيل معه

قد تعددت إىل االهتداء إىل الداللة القرآنية أللفاظه، أو استجالء ظواهره األسلوبية وخصائصه البيانية"وبالتايل

وجهات العلماء اإلصالحيني واختلفت مناهجهم يف قراءة القرآن الكرمي وعربت عن تطور ملحوظ يف إشكالية

قراءته.

على ما توصلت إليه اعتمدت يف جوهرهاوجدت بعض القراءات للقرآن الكرمي، عند املستشرقني: -ج

بغض النظر وهو ما جيعلها سجينة رؤاهم ومناهجهمكتابات الفقهاء والعلماء الكالسيكيني حول النص القرآين

1 .77، ص 1996، 1الغايل بلقاسم، شيخ اجلامع األعظم، حممد الطاهر بن عاشور، دار بن حزم، ط

∗ددات الربط بني سنعود إىل طرح منهج 'أمني اخلويل' يف التعامل مع القرآن الكرمي بإسهاب، يف االفصل الرابع أثناء استعراضنا ألصول وحم

آين على وجه اهلرمينوطيقا والنص القرآين عند 'أبو زيد'، حيث يعترب 'اخلويل' أستاذا له يف جمال املنهج اللغوي الذي دعا إليه يف قراءة النص القر

اخلصوص.

Page 110: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

111

املنهج منهج جديد هو اعتمادها على على الرغم من، عن ما أضافت إليه من رؤى تتفق مع إيديلوجيتهم

مالفللوجي القائم على قراءة وحتقيق النصوص التأسيسية دون تفكيكها أو تأويلها، وهذا ما جيعل اهتماما

لقراءات كالسيكية ال خترج عن تفسريات الطربي، وتفسري املنار ....كما يظهر يف بالنص القرآين مضافة ل

"مذاهب التفسري اإلسالمي" جلولد تسيهر، الذي حاول فيه دراسة مناذج من املفسرين، ومن بينها تفسري املنار

إلخراج املسلمني الذي جعل املستشرقون من خالله جوهر فهم النص القرآين، مقترنا بفكرة التمدن والتحضر

من مأزق التخلف، كما يعتمد منهجهم على ترمجة القرآن الكرمي عند البعض ويف الغالب على اعتماد ترمجات

جاهزة من أجل دراسة النص وفق ما ميكن أن نسميه بالدراسة الفيللوجية الوضعية التارخيية اليت تقوم على

العام يعتمد على العودة إىل خمتلف التفسريات التراثية جتميع النصوص اجلاهزة وفق منهج استكشايف يف طابعه

و النهل من خمتلف أفكارها وتصوراا كأا احلقائق الواردة يف القرآن الكرمي، واليت يرى خمتلف الذين اهتموا

كزية بالدراسات االستشراقية عند املسلمني أا موجهة ألغراض ختدم أهدافها اإليديولوجية كتكريس الرتعة املر

األوربية، و بالتايل تتأسس مناهجهم يف التعامل مع النص القرآين على الرتعة الوضعية السائدة يف القرن التاسع

هلا "عن 'حسن حنفي'عشر، واليت جعلت شعارها الدراسة احليادية املوضوعية للوقائع، وتعرب حسب عرض

،ومتثل: املنهج التارخيي الذي )1(لى حدة أو جمتمعة"النعرة العلمية يف مناهج أربعة يستعملها املستشرقون إما ع

، ايعتمد على العودة إىل الوقائع املادية كما حدثت وترتيبها غاضا النظر عن وصف الوحي هلا وميتا فيزيقيته

واملنهج التحليلي الذي يعمل على تفتيت الظاهرة الفكرية وفهمها من خالل العناصر املكونة هلا، واملنهج

الذي يقوم باستبدال الظاهرة املدروسة بظواهر أخرى هي من صنع ذهن وخيال املستشرق، ومنهج االسقاطي

األثر والتأثر الذي يرجع الظاهرة الواردة يف النص إىل مصادر خارجية أو ثقافة أجنبية، جيعلها تؤثر فيها وتتأثر

امتني: "أما الدعامة األوىل فهي أن ا، وحسب شكري عياد تقوم طريقة املستشرقني يف دراسة القرآن على دع

1 .75، مصدر سابق، ص-موقفنا من التراث القدمي-حسن حنفي، التراث والتجديد

Page 111: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

112

القرآن قد نزل مقسما يف فترة من الزمن تبلغ نيفا وعشرين عاما، فكان مما اقتضاه تطور الزمن أن تتغري

موضوعاته وأسلوبه حسب تغري ظروف نزوله. والدعامة الثانية: أن القرآن من إنشاء حممد، وأن حممدا استعاد

لنصرانية، اليت كانت معروفة يف بعض البيئات يف اجلزيرة العربية أو قريبا منها كما كثريا من األفكار اليهودية وا

. ) 1(استمد بعض املعاين من الشعراء اجلاهليني"

ومن التفاسري اليت قدمها املستشرقون للقرآن الكرمي، تفسري "جاك بريك" الذي قام فيه بعملني متالزمني،

ات وفق ترقيمها وترتيبها يف املصحف من العربية إىل الفرنسية، وانطالقا من األول هو ترمجة مجيع السور واآلي

البسملة إىل آخر آية يف كل سورة، الثاين هو القيام بتفسريها وشرحها بالتفصيل، كما هو احلال يف الفاحتة اليت

ها التراث هلذه الفاحتة أو بني أا "أم الكتاب أو القرآن، والسبع املثاين، وهي األمساء األكثر أقدمية اليت قدم

وهنا يبني "بريك" حقيقة سورة الفاحتة حسب تصور علماء املسلمني هلا، دون أي خمالفة ) 2(السورة األوىل"

هلم، وهذا املستشرق على الرغم من قيامه بترمجة معاين القرآن الكرمي، فإنه يعترف بأن الترمجة احلرفية الدقيقة

يه مستحيلة، ملا حيمله من معان ظاهرة وخافية، كما "أنه مثل عدد من للقرآن والسيما من حيث معان

املستشرقني رغم استخدامه لعدد من املناهج الغربية اجلديدة على النص، فإنه مازال حيمل رواسب تارخيية

يعتمد منهجا تراثيا على فهو كذلك )3(واجتماعية خاصة يف التفسري أكثر منها حماولة صارمة يف املنهج"

الرغم من تأسيسه على مناهج جديدة تقوم على دراسات تارخيية واجتماعية مستمدة من علوم ومناهج الغرب،

فإنه كغريه من املستشرقني يعتمد "اخلطاب اإلستشراقي الذي يطبق على مرحلة التشكيل أو التأسيس أو

1قرآنية: يوم الدين واحلساب، نقال: عن عمر حسن القيام، أدبية النص القرآين حبث يف نظرية التفسري، املعهد العاملي للفكر شكري عياد، دراسات

.55، ص2011، 1اإلسالمي، بريوت لبنان، ط2 essai de tradition de l’arabe ; annoté et suivi d’une étude exégétique par Jacques Berque ,Sindbad , Paris 1990, P23) .Le

.coran 3، نقال عن: علي 129ه) ص1422-1421- م2001(شتاء49مصطفى عبد الغين، ترمجة جاك بريك للقرآن: من القراءة إىل التفسري ، االجتهاد، ع

.15، ص 2010، 1بن براهيم النملة، املستشرقون والقرآن الكرمي، بيسان، بريوت لبنان، ط

Page 112: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

113

19رخيوية والوضعية اخلاصة بالقرن التثبيت منهجية النقد الفللوجي والتارخيي الذي تغلب عليه الرتعة التا)1(

فهو مبثابة اخلطاب الذي يفهم القرآن الكرمي حسب تصور املفسرين وكما نقلت عن األسالف حتت شعار

احليادية واملوضوعية اليت بلورا الرتعة التارخيية والوضعية السائدة يف القرن التاسع عشر، يف ظل أفكار ومبادئ

من طرف علماء الدين وخمتلف املفكرين. غربية تلقت نقدا شديدا

من خالل التحليل السابق إلشكالية قراءة النص القرآين يف القراءات الكالسيكية، ندرك أا مرت مبراحل:

املتصوفة والفالسفة وكانت فيها آليات ،أوهلا مرحلة القراءات التأسيسية اليت تبلورت مع الفقهاء واملتكلمني

، مرتكزة على منهجي التفسري والتأويل بأنواعهما املختلفة، ثانيها مرحلة القراءات ما بعد فهم النص القرآين

التأسيسية وهي تلك اليت تلت القراءات التأسيسية وتبلورت يف العصر احلديث وامتدت يف الفترة املعاصرة،

، اليت إن حاولت جتديد فهم القرآن الكرمي ظلت )∗(ممثلة يف القراءات السلفية واإلصالحية واالستشراقية

كالسيكية يف آليات تعاملها مع النص القرآين، مرتكزة على منهجي التفسري والتأويل دون أن تستفيد من

اآلليات املعاصرة، اليت عرفت بديات حمتشمة مع القراءات العلمانية والليربالية، مث عرفت تبلورها احلقيقي مع

ثية اليت نقدت كل القراءات السالفة الذكر، وأرست دعائم القراءة اجلديدة واملعاصرة للنص القراءات احلدا

القرآين.

1 .18، ص1996، 2، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط-قراءة علمية -حممد، الفكر اإلسالمي أركون

إضافة إىل هذه القراءات هناك قراءات صوفية تبلورت يف العصر احلديث، اعتمدت العرفان والذوق يف فهم القرآن الكرمي كما جتسدت عند ∗

األمري عبد القادر يف كتابه املواقف.

Page 113: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

114

املبحث الثالث: إشكالية قراءة النص القرآين يف القراءات املعاصرة:

منعرجا - النصف الثاين من القرن العشرين–عرفت إشكالية قراءة القرآن الكرمي يف الفترة املعاصرة املتأخرة

حامسا، ارتبط بالثورة على كل القراءات كالسيكية تأسيسية وما بعد التأسيسية، بتبلور ما أصبح يعرف عند

، وهي تلك اليت حاولت جتديد فهم القرآن )∗(الكثريين بالقراءات احلداثية أو الفلسفية املعاصرة للقرآن الكرمي

بتجاوز اآلليات الكالسيكية يف فهمه مستعينة مبنجزات العلوم وجتديد آليات فهمه يف الوقت نفسه، )∗∗(الكرمي

اإلنسانية واالجتماعية ومناهج النقد املتأخرة يف فهم وقراءة النصوص ونقلها إىل النص القرآين، معربة عن قفزة

عاصر، نوعية يف قراءته وفهمه، تطرح وتفهم يف ظلها جوهر إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم امل

واليت نفهمها من ثالث زوايا: األوىل تتعلق بإرهاصاا األوىل، والثانية تتعلق بنقدها للقراءات الكالسيكية

للقرآن الكرمي وآلياا، والثانية ترتبط بتبلورها وتأسيسها كمشاريع طموحة للكثري من املفكرين والفالسفة،

عانة بأدوات القراءة املعاصرة، نستعرضها بشكل عام وخمتصر تسعى إىل جتديد قراءة وفهم النص القرآين باالست

على أن نفصل مناذج من روادها فيما بعد 'أركون'، 'أبو زيد'.

: اإلرهاصات األوىل للقراءات الفلسفية املعاصرة-1

ثلت يف تيارات يبدأ فهم تبلور القراءات الفلسفية املعاصرة للقرآن الكرمي بالعودة إىل إرهاصاا األوىل، اليت مت

خمتلفة حاولت جتديد قراءة النص القرآين يف القرن العشرين، وهي اليت تنعت بالعلمانية وتضم جمموعة من

) بأفكار الغرب القائمة على احلرية يف 1973التيارات كاللربالية اليت تشبع أصحاا من أمثال طه حسني(ت

، واملاركسية اليت محل رايتها جمموعة من الفالسفة جوهرها وجعلوها دعائم أساسية لقراءة النص القرآين

تأثروا بتطور الفكر الفلسفي نتسمية هذه القراءات بالفلسفية املعاصرة، ألن جل روادها هم من مفكري وفالسفة العرب املعاصرين الذي فضلنا

املعاصر وما أفرزه من مناهج كالسميولوجيا والتفكيك ...ا عند املتكلمني واملتصوفة والفالسفة اليت استلهم منها خمتلف هذا ال يعىن إنكار حماولة جتديد فهم القرآن الكرمي يف قراءاته الكالسيكية والسيم ∗∗

التطور احلاصل يف دعاة القراءات املعاصرة آرائهم، لكن القراءات احلداثية أواملعاصرة ميزا اجلوهرية هي االستعانة باملناهج املعاصرة اليت تولدت عن

ا جديدا ومعاصر لنا اليوم.العلوم اإلنسانية واالجتماعية، واليت تريد فهمها فهمه فهم

Page 114: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

115

والعلماء الذي تأثروا بالرياح املاركسية يف فهم معاين القرآن الكرمي، مثل: 'الطيب تيزيين'، و'صادق جالل

العظم'، والذين اعتمدوا املناهج الديالكتيكية وأسس املادية التارخيية يف التعامل مع خمتلف مضامينه، وهم

عوا إىل تطبيق املناهج الغربية اجلديدة، واإليديولوجية املاركسية اليت أصبحت من أهم القراءات بدورهم س

املعتمدة يف فهم التراث....فهذه القراءات اليت انتهجها خمتلف مفكري العرب اعتربت عند الكثريين نقيضا

مشارا الغربية ونزعتها للخطاب السلفي واألصويل وامتدادا للخطاب االستشراقي السالف الذكر، حسب

املتحررة من سلطة التراث والسلف، وهي اليت ارتبطت "برتعة 'التعامل املرن مع النص الديين' بطريقة يشعر

معها ب'حتقق ذوام' من خالل ممارسة عقلية 'يروا' 'متحررة واعية'، وجالبة لفهوم وأنساق وزوايا نالليرباليو

شرنقة'النصية املغلقة' اليت يرمون ا خصومهم من السلفيني وغريهم من جديدة للنص، لينعتقوا بذلك من

، إذن ستكون قراءة النص القرآين عند الليرباليني واملاركسيني على حد سواء، ذات فهم متميز )1(املؤدجلني"

أو يتسم باملرونة تلك اليت جتعله يفهم يف إطار أفكار وتصورات القارئ، حبيث يوظف ذاته وحيقق وجودها

أو خيضع لفهم واحد وثابت كما ورد عند قيضفيها على النص، فاحتا فيه أفاقا ورؤى جديدة، جتعله غري منغل

السلفيني، و ميكن اعتبار تصورام رد فعل عليهم، تنحوا حنو اإلبداع واحلداثة والنقد، برؤى نظرية وأدوات

ج الغرب، وهم يعربون عن بداية حمتشمة يف منهجية جديدة تكون يف الغالب إن مل نقل يف جمملها من إنتا

الدعوة إىل الربط بني اآلليات املعاصرة يف قراءة النصوص أي مناهج وعلوم اإلنسان واتمع، حبيث اهتموا

بإعادة النظر يف التراث اإلسالمي يف جممله، و بقراءته وفق مناهج وطرق مستوحاة من ثقافة خارجة عن بيئته،

حب كتاب "يف الشعر اجلاهلي" 'طه حسني' الذي حاول نقل جمموعة من اآلليات الغربية ولعل أهم رواده صا

يف فهم النصوص إىل التراث اإلسالمي وإىل القرآن الكرمي حتديدا بعد تأثره باالستشراق ونزعته الفللوجية

قضية الشعر اجلاهلي الوضعية، وأمهها الشك الديكاريت، املنهج التارخيي، واملنهج املقارن يف إطار دراسته ل

1 .141، ص2008، 1، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان ط-اغتيال اإلبداع يف ثقافاتنا العربية-السلفية والليربالية لربيدي عبد اهللا،ا

Page 115: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

116

حاول تقويض مقولة:"الشعر ديوان العرب"، باعتباره ال يصور احلياة العربية اليت ال كماومسألة االنتحال فيه،

لشعر، والعكس غري الصحيح، لتدرك حسب نظره إال يف إطار القرآن الكرمي، الذي جيب أن يكون هو املفسر

اجز القداسة يف النص القرآين مبقارنته مع النص آخر يف ثقافة قد حاول تكسري ح هوبعرض هذه املسألة فإن

ملضامينه، وأسس لالستفادة من العلوم اجلديدة ةالعربية وهو الشعر اجلاهلي، كما أنه مهد للدراسة التارخيي

ثابة وتاريخ األديان املقارنة واألنثربولوجيا، وبالتايل فهو مب يواملناهج املستحدثة يف عصره كالنقد التارخي

املؤسس لألرضية لتطور اآلليات اجلديدة يف فهم النص القرآين، بالرغم من انتقاد املتأخرين هلا من أمثال ابن نيب

وأركون والسيما يف تأثره باالستشراق، وميكن القول أن املالمح األوىل لتطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص

شرين عند الكثري من رواد الفكر العريب املعاصر، بعد التأثر القرآين تبلورت يف النصف األول من القرن الع

بالتطور احلاصل يف مناهج النقد األديب والعلوم ككل، وهي ما ترتب عنها الرؤى املعاصرة مع القراءة احلداثية

تني اليت أرست دعائم القراءة اجلديدة للقرآن الكرمي يف النصف الثاين من القرن العشرين، معتمدة على عملي

أساسيتني، األوىل هي نقد القراءات الكالسيكية وآلياا، والثاين تأسيس لقراءات حداثية وجديدة .

:الكالسيكية للقرآن الكرميالقراءات نقد -2

تقوم على النقد، ، جيعلنا ندرك أالمشاريع الكربى لرواد اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآينإن العودة ل

"أصبح نقد اخلطاب الديين مطلبا حيث ذهب 'أبو زيد' إىل أنه قد نقد اخلطاب الديين على وجه التحديد،

والسيما ذلك الذي يتعلق باخلطاب الديين اإلسالمي وبالقراءات املقدمة ،)1(معرفيا ملحا بالنسبة للباحثني "

ل أن تكون دعوة لتطبيق املناهج اجلديدة يف قبه ل القراءات املعاصرة ، حيث أن- القرآن الكرمي- لنصه األصلي

خطاب ديين جديد يتخذ طابعا نقديا وتعرب عن، املطبقة يف قراءتهللمناهج الكالسيكية نقدا الذعا ، متثل فهمه

حني "يعترب األدبيات التارخيية الكالسيكية اليت تتحدث عن اإلسالم، تطرح لنا األمور بطريقة مل تعد مقبولة

1 .83، مصدر سابق، ص - بني املعرفة العلمية واخلوف من التكفري-التجديد والتحرمي والتأويل أبو زيد نصر حامد ،

Page 116: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

117

املفكر املعاصر، حيث أضاف العلم جمموعة من األدوات اجلديدة يف البحث واتسعت أرضية العلوم من قبل

وه ،، وبالتايل ميكن القول أن تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآين)1(لتشمل عددا مذهال من املناهج"

املعاصرة للقرآن الكرمي أحدثت قطيعة لكن هل القراءات الفلسفية ،ثورة على اآلليات الكالسيكية يف جوهرها

مع كل اآلليات والرؤى الكالسيكية اليت كانت متداولة يف حقله؟

ميكن فهم الرؤية النقدية اليت قدمها رواد اآلليات املعاصرة للقراءات الكالسيكية وأدواا يف جمال فهم النص

القرآين من زاويتني:

اا: نظرة إجيابية للقراءة الكالسيكية وآلي-أ

فإننا ال نستطيع إنكار ارتباطها باالنتصار للقراءات املعاصرة للقرآن الكرمي،طابع النقدي الالرغم من على

واإلشادة بنمط من القراءات الكالسيكية للقرآن الكرمي والعمل على إحيائها، جتلى يف دعوة جلزء من التراث

يف إحياء آراء ومناهج املتكلمني واملتصوفة والفالسفةين إىل رواد تطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآ

وتعترب آليات التأويل عند املتكلمني واملتصوفة والفالسفة مقابل رفض ونقد آراء رجال الدين ومناهجهم،

باملعتزلة بصفتهم أصحاب نظرية واعدة يف جمال 'أركون'أشاد حيث ، منطلقا جوهريا لبناء قراءام احلداثية

وجعلهما منطلقا ملنهجه التأويلي، 'ابن عريب'و'القاضي عبد اجلبار 'على 'أبو زيد'فهم القرآن الكرمي، وأثىن

عن رشدية جديدة يف فهمه ملختلف املسائل املتعلقة بالقرآن الكرمي، وبالتايل ميكن القول أن 'اجلابري'وعرب

لنقدية تعترب إحياء وتطويرا آلراء ومناهج املتكلمني والفالسفة واملتصوفة يف التعامل مع القرآن الكرمي وجهتهم ا

عن طريق االستفادة من املناهج والعلوم اجلديدة .

1 .202عبد اهلادي عبد الرمحن، سلطة النص، قراءات يف توظيف النص الديين، مرجع سابق، ص

Page 117: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

118

يف فهمه يف اجلانب الفلسفي والعقالين فقد أثىن خمتلف الفالسفة املهتمني بالقرآن الكرمي يف الفترة الراهنة، ب

سببا لتخلف العرب يف العصر العباسي، من طرف خمتلف اجلهات مبا فيها الرمسية هوأداعتربوا ، وراثنات

"أغلب املفكرين العرب يتخذون من املعتزلة موقفا إجيابيا، ويعتقدون أن توجهها العقالين و، فيما بعد واملسلمني

زيد جند آرائه "تطويرا ملوقف املعتزلة وأب :نعود إىل، ألننا عندما )1( جدير باإلحياء يف فكرنا العريب املعاصر"

العقالين من النص، وامتدادا ملدرسة الشيخ أمني اخلويل يف تطوير املقترب األديب على املستوى اإلجرائي

ألنه يف نقده ملختلف األسس اليت قام عليها منهج التفسري الكالسيكي ودعوته إىل التأويل ومنهج )2(فقط"

لدراسة اهلرمننوطيقية، لاللغوي القائم على عدم متييز النص املقدس عن النصوص البشرية و إخضاعه التحليل

حسب معتزليا معاصرا كما يقول البعض، وذلك 'زيد وأب'عل من هذا ما جيتأسيس يف أرضية الفكر االعتزايل، ي

جوهرية يف فهم املضامني النص سعيه احلثيث إىل االنتصار للعقل دون حدود، واعتماد آلية التأويل كوسيلة

انطالقا من مسألة خلق القرآن "اليت أسس هلا أهل االعتزال،واليت كانت منطلقا أليب زيد يف خلع فكرة القداسة

على لغة القرآن الكرمي، وإضفاء صفة التارخيية عليه.

لق كما غسياج الدوغمائي امل، جنده بدوره قد سعى إىل حترير اخلطاب القرآين من ال'أركون'وعندما نعود إىل

يسميه، من منطلق إحياء أراء املعتزلة حول نظرية خلق القرآن حتديدا، حني أشاد ا وصرح بأنه:"ينبغي

منوذجا هاعتربيوذلك ألا )3(االعتراف بأن منهجية املعتزلة كانت حتتوي على إمكانية نظرية كامنة وواعدة"

نظرهوإزالة اخلطوط احلمراء عن اخلطاب القرآين، وأهل االعتزال يف لفتح جانب من املمنوع التفكري فيه،

"كانوا قد أحسوا باحلاجة إىل دمج كالم اهللا يف نسيج التاريخ، إذا ما استعاد الفكر اإلسالمي اليوم هذه الفكرة

ل حدب فإنه عندئذ سوف ميتلك الوسائل الكفيلة مبواجهة املشاكل اليت تنثال على الفكر املعاصر من ك

1ي وعابد اجلابري، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة سامل أمحد حممد، إشكالية التراث يف الفكر العريب املعاصر، دراسة نقدية مقارنة بني: حسن حنف

.351، ص2010، 1مصر، ط2 .160، 1،2011القيام عمر حسن، أدبية النص القرآين، املعهد العاملي للفكر اإلسالمي، ط

3 .11أركون حممد، القرآن من التفسري املوروث إىل حتليل اخلطاب الديين، مصدر سابق، ص

Page 118: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

119

، هذه الرؤية جتعلنا ندرك فكرة التارخيية اليت تعترب منطلق )1(وصوب مبصداقية أكرب وإبتكارية أقوى وأعظم

أركون وغريه من رواد القراءات احلداثية يف فهم اخلطاب القرآين جتد بذورها عند املعتزلة، وهي فكرة طموحة

ة مشاكلنا الراهنة، وبالتايل ميكن القول أن منهج باإلمكان استشرافها يف تأسيس فكر مبدع وفعال يف معاجل

املعتزلة، مبا يتأسس عليه من عقالنية وحرية خارج أسوار التقديس يعترب منطلقا لدعوته إىل تطبيق اآلليات

املعاصرة فيما بعد.

شدية يف مجيع أما اجلابري فهو بدوره ظل "طيلة حياته العلمية يدافع عن القول الرشدي ويتمثل الروح الر

قد قضى وهو يقول قوال يف القرآن الكرمي، فإن ذلك كان، جبهة ما، - رمحه اهللا- كتاباته، وهو إن كان

اخنراطا يف قول رشدي كان يدخل يف مشاريع فيلسوف قرطبة اليت تركها معلقة ومل يسعفه الزمن يف إكماهلا

ن الكرمي يعترب تكملة ملسرية ابن رشد وقراءة ، إذن فمشروع اجلابري يف دراسة وفهم القرآ)2(وتتميمها"

جديدة ألرائه حول منهج فهمه الذي يتحرك يف إطار عالقة التكامل بني الشريعة واحلكمة، ألنه حينما ينتصر

للربهان على حساب البيان والعرفان، فإنه يريد أن يقول بلغة ابن رشد أن القياس الرب هاين أقوى وأوثق

اخلطاب القرآين الذي يفهم وفق بنية تدرك يف إطار العالقة املنطقية بني املقدمات والنتائج. األقيسة يف جمال فهم

املعتزلة –املتكلمني حولمن خالل هذه النظرة اإلجيابية عند رواد اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين

ال تقتصر على نقل القرآن الكرمي،مشاريعهم اجلديدة يف قراءة و الفالسفة واملتصوفة، ندرك أن - حتديدا

أبو 'بقدر ما هي إحياء ملناهج هؤالء يف قالب جديد كما يظهر يف التأويل عند ،املناهج الغربية بصورة حرفية

عند رواد القراءات املعاصرة رؤى جديدة تتجاوز منطلقات أال توجد ، لكن 'اجلابري'والقياس عند 'زيد

ية؟لقراءات الكالسيكورؤى ومناهج ا

1 .82المي قراءة العلمية، مصدر سابق، صأركون حممد، الفكر اإلس

2 .12، ص2011، 1جداول، بريوت لبنان، ط - دراسات متباينة- ورشاشن إبراهيم وآخرون، اجلابري

Page 119: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

120

نظرة سلبية للقراءة الكالسيكية وآلياا: -ب

رغم انتصار رواد تطبيق اآلليات املعاصرة يف جمال النص القرآين آلراء ومناهج الفالسفة بتوجهام املختلفة،

فإننا ال نستطيع إنكار املهمة الكربى اليت قاموا ا يف نقد اخلطاب الديين الكالسيكي ، كما يظهر يف خمتلف

ؤلفام، والذي جتسد على وجه اخلصوص يف نقد القراءة الكالسيكية وآلياا يف فهم النص القرآين، الذي م

يظهر يف العناصر التالية:

: نقد القداسة والتعايل وإهدار تارخيية النص-أ

لى الوحي بالرغم مما تثريه املسألة من حساسية وخطورة فإن نقد فكرة القداسة اليت يضفيها املسلمون ع

تعترب نقطة االنطالق يف نقد اآلليات الكالسيكية يف فهم النص القرآين عند أنصار اآلليات اجلديدة يف ،القرآين

الذي أسست له القراءات التراثية ،نقد التصور املتعايل وامليتافيزيقي و الغييب للوحي القرآين وتتجلى يففهمه،

اليت هيمنت على الثقافة العربية اإلسالمية ،خلطابات األصوليةورسخته يف أذهان املاليني من املسلمني ا

وأسست لفهم جيمد النص القرآين يف" فكر ال زماين وال تارخيي ألنه تفكري يف نص مقدس، تفكري خارج

يترتب عنه ما ميكن أن )1(الزمن، ال ينال منه الزمن، مهما حدث يف تاريخ البشر من تغريات وأحوال"

نسميه بالقراءة الثابتة الواحدة املطابقة املطلقة املبنية على قداسة النص تتنكر للتاريخ والواقع وتعدد القراءات

أن اخلطاب الديين الكالسيكي حينما يذهب إىل أن الوحي القرآين ظاهرة 'أبو زيد'وتعدد املعىن، إذ اعترب

بالسياق الذي وجد فيه الذي ميكن أن يؤول أو يفهم على منواله، ألنه متعالية، فإنه يتجاهل ربطه

حبيث يبني أن )2(جيعل"النصوص الدينية نصوصا مفارقة ملا سواها من النصوص اللغوية مفارقة تامة أو شبه تامة"

ط بسياقها مصدرها اإلهلي الذي يستند إليه هؤالء يف تربير تعاليه ال يلغي إطالقا كونه نصوصا لغوية ترتب

الزماين واملكاين الذي يهدره هؤالء، والذي ميكن أن تفهم أسباب الرتول على حقيقتها يف إطاره وعلى منواله،

1 .120، 2005، 1املركز الثقايف العريب، ط-الثقافة العربية يف عامل متحول- أومليل علي، سؤال الثقافة

2 .92، ص 2000، 4قة، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ططأبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقي

Page 120: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

121

وعدم احترام السياق التارخيي واالجتماعي عند املفسرين الكالسيكيني هو ما يبعدهم عن التفسري العلمي

معضلة اخلطاب الديين الكالسيكي تكمن يف إهدار البعد أن 'أبو زيد'يبني واملوضوعي للنص الديين، وبالتايل

اآلين، وبني النصوص األصلية واليت - االجتهاد الفكري-التارخيي والوقوع " يف وهم التطابق بني املعىن اإلنساين

تنتمي من حيث لغتها على األقل إىل املاضي. وهو وهم يؤدي إىل مشكالت خطرية على مستوى العقيدي، ال

ا اخلطاب الديين. يؤدى التوحيد بني الفكر والدين إىل التوحيد مباشرة بني اإلنساين واإلهلي، وإضفاء ينتبه هل

أن اخلطاب الديين الكالسيكي ال تكمن مشكلته يف 'أبو زيد'هنا يبني و )1(القداسة على اإلنساين و الزماين"،

زمانه، بل معضلته وإهداره البعد التارخيي فقط والذي هو ضروري لفهم النص يف سياقه أو حسب مكانه

الكربى أنه يزعم لنفسه القدرة على الوصول إىل القصد اإلهلي، وينتهي إىل تقديس اإلنساين حتت ستار تقديس

القداسة اليت يقول ا هي قداسة مزيفة تقحم فيها النصوص األصلية على رأسها القرآن اإلهلي، وبالتايل حىت

ومن هذه النقطة نفسها ينطلق أركون كذلك يف زحزحة فكرة القداسة اليت أضفيت على النصوص الكرمي،

ثال نقد فكرة البشرية حتت ستار تعبريها عن معاين النصوص األصلية وجتسيدها آلليات فهمها، وعلى سبيل امل

اعتبار مجلة القوانني اليت أسس هلا الشافعي من خالل علم أصول الفقه ثابتة ومطلقة، ألا يف نظره جتعل القرآن

كمنطلق آلليات )∗(الكرمي جمموعة نصية مغلقة على ذاا، جتسد ما مساه بالسيادة العليا املطلقة املؤسسة

يف شكل صيغ وقوالب تيولوجية وأحكام ،ني بقوة يف يومنا هذاومناهج قراءته، مازالت حاضرة عند املسلم

مسبقة مجاعية تقطع النصوص عن بيئتها األصلية والراهنة، ويكون من خالهلا "مؤلف الرسالة قد ساهم يف

سجن العقل اإلسالمي داخل أسوار منهجية معينة سوف متارس دورها على هيئة إستراتيجية إللغاء التارخيية"

1 .55، ص2007، 3أبو زيد نصر حامد ، نقد اخلطاب الديين، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط

∗حني تقدم قوانني جاهزة وصارمة يؤكد 'أركون' أن املوضوع الرئيسي لرسالة 'الشافعي' هو أسس السيادة العليا أو املشروعية األوىل يف اإلسالم،

وملزمة وإجبارية من أجل النجاة والفوز كما رسخها فيما بعد جمموع من السلطات البشرية، خلفاء وقضاة وفقهاء، يف فرض هيمنتهم ومترير

خطابام وفق قراءة حمددة للنصوص الدينية تقوم على تلك القوانني اليت أرساها الشافعي.

Page 121: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

122

حني أسس موع قوانني أصبح يفهم ا القرآن الكرمي بالدرجة األوىل، يف صورة متعالية ومقدسة وذلك )1(

مرتهة عن التغريات الزمنية واألحوال التارخيية، يصبح من خالهلا ترتيال عموديا من فوق على تاريخ البشر

القداسة إىل إخراج النص األرضي ال يدين بشيء له بل يدرجه ضمن صريورة الزمن األخروي، وتنتهي هذه

.القرآين من الدراسة العلمية اليت تعترب املطلب األول للداعني الستثمار آليات الفهم املعاصرة يف ميدانه

ال ينبغي التسليم "أن املنهج القومي للوصول إىل هذه املعارف إىل أنه 'صادق جالل العظم' ما يذهب إليهك

والقناعات هو الرجوع إىل نصوص معينة تعترب نصوص مقدسة أو مرتلة. أو الرجوع إىل كتابات احلكماء

والعلماء الذين درسوا هذه النصوص وشرحوها . أما تربير العلمية بأسرها فيستند إىل اإلميان أو الثقة العمياء

مة مصدر هذه النصوص وعصمته من اخلطأ. ومن نافلة القول أن نردد أن الطريقة العلمية يف الوصول إىل حبك

معارفنا وقناعاتنا عن طبيعة الكون ونشأته وعن اإلنسان وتارخيه تتناىف متاما مع هذا املنهج اإلتباعي السائد يف

نص القرآين ويعيب عليها طريقة تعاملها مع النص هنا يشري إىل مجلة الدراسات املتبعة يف حقل الو، )2(الدين"

اليت تتأسس على قداسته وتبجيله كمنطلق لقراءته، وفق قناعات راسخة تلك الديين على وجه اخلصوص،

وإميان ال يتزعزع جتعل فهمه فهما غائيا موجها للوراء وليس إىل األمام تبني أن مجيع احلقائق اليت تتعلق مبصري

الدنيا واآلخرة كشفت مرة واحدة عند نزول القرآن الكرمي يكفي العودة إليها كأحكام وحياة اإلنسان يف

أزلية قطعية يقينية ثابتة يف قراءة النص بعيدا عن املالحظة واالستدالل واملنطق والنقد املوضوعي ملضامينه

سبقية اإلسالم يف ومعطياته، بل يؤكد أا حتمل أحيانا تناقضات حسب مثال السيد قطب الذي يفاخر بأ

تأسيس املنهج العلمي ورفضه لنتائج العلم يف الوقت نفسه، وذلك تبعا ملا حيمله من معتقدات راسخة ترفض

إىل أنه "ال 'العظم'نظرية التطور العضوي، وعلم النفس الفرويدي، والنظريات املاركسية، وتبعا لذلك يصل

ائما من تفاسري وشروح، وشروح لشروح الشروح، إن عجب إذن إن وجدنا التاريخ الفكري للدين يتألف د

1 .74، ص 1996، 6ية الفكر العريب اإلسالمي، مركز اإلمناء القومي مع املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان طأركون حممد، تارخي

2 .16- 15، ص2003، 9جالل العظم ، نقد الفكر الديين، دار الطليعة، بريوت لبنان، طصادق

Page 122: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

123

الروح العلمية بعيدة كل البعد عن هذا املنطق وهذه النظرة الدينية، ألن العلم ال يعترف بوجود نصوص ال

بدوره إىل ضرورة الربط بني النص القرآين 'اجلابري'، ويشري )1(ختضع للنقد املوضوعي والدراسة اجلدية "

عندما يبحث يف ترتيب جديد للرتول يقوم ويتأسس على التطابق بني "مسار الترتيل ومسرية ، والتاريخوالواقع

أي يكون مراعيا للوقائع املصاحبة ملسرية الدعوة احملمدية حسب حدوثها وحسب تسلسلها املنطقي 2الدعوة"

، تيب توقيفا عند البعضوهنا يزحزح القداسة اليت تعترب ذلك التر والتارخيي يف ترتيب سور القرآن الكرمي،

دفاعا مصطنعا، تقدس من خالهلا أفكارها بذريعة تلك الفكرة تدافع عن ويشري إىل أن خمتلف هذه املواقف

للتفاسري نقديةنظرة وانتهى هنا إىلمتجاهلة الواقع والتاريخ وهو ما جيعلها ال جتدي نفعا، هو ذاته، تقديسه

ة مصطنعة، وتفتقر إىل أهم ركائز الروح العلمية وهي الدراسة الواقعية الكالسيكية تبني أا تعتمد على قداس

والتارخيية يف إطار التعايل وهو ما جيعلها غري جمدية ال يف فهم مناسب وال يف فهم فعال من شأنه التحديث

مبا ،الكالسيكية للوحي بدوره إىل نقد النظرة التبجيليةحنفي' حسن 'ذهب املوقف ويف نفس هذا، والتطور

"من التاريخ إىل ما يف رؤيتها للوحي تنطلق فيها تلك اليت وردت عند املتكلمني والفالسفة حبيث يؤكد أا

)3(وراء التاريخ كما حدث يف علم الكالم عند جعل موضوع الوحي الذات والصفات واألمساء واألفعال"

وهو بذلك يرى أن تعامل ، ي حسب حتققه يف التاريخويثين على علم األصول باعتباره يصف الوح

متجها ألعلى متنكرا لعالقته ،املتكلمني والفالسفة الكالسيكيني مع النص القرآين مادام متنكرا للتاريخ والواقع

مل خيتلف عن علماء الدين يف تقديس الوحي وينتهي إىل أنه يبقى ،مع مطالب اإلنسان بالبحث يف اإلهليات

اإلنسان الذي البد أن يرتبط به، وهنا تكون زحزحة القداسة وإضفاء التارخيية واقع عن مهوم وحياة و بعيدا

ةآليات الفهم املعاصر ينطلق منها رواد ام األوىل واملنطلقات الكربى، اليت واألنسنة على النص القرآين هي املهم

1 .16املرجع نفسه، ص

2حسب ترتيب الرتول، القسم األول، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت لبنان، التفسري الواضح- اجلابري حممد عابد، فهم القرآن الكرمي

.17ص3 .22، ص2004، 1حسن حنفي، من النص إىل الواقع، مركز الكتاب للنشر القاهرة مصر، ط

Page 123: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

124

م املقارنة بني األديان، والدراسات البنيوية واأللسنية عن طريق النقد التارخيي، وعل النص القرآين، يف جتديد فهم

.إخل.والتفكيكية..

:نقد الدراسة األسلوبية والبالغية -ب

، هي امتالكها آلليات وأدوات يناملعاصر عربأهم نقطة مت فيها نقد القراءات الكالسيكية من فالسفة ال

التطور احلاصل يف للسور واآليات متجاهلة أثر الدراسة اللغوية األسلوبية البالغية حسب اكتفائها بضعيفة،

أن الظروف 'مالك بن نيب'، إذ يؤكد يف قرائتها ميادين العلوم من جهة وعلى مستوى الوقائع من جهة أخرى

)1(كر احلديث،"املستجدة "تقضي بتعديل منهج التفسري القدمي تعديال يناسب يف حكمة وروية مقتضيات الف

املنهج القدمي املعتمد يف قراءة القرآن الكرمي، ليس مناسبا للتطور العقلي للشباب اليوم، باكتفائه أنباعتبار

بالدراسة األسلوبية اللغوية، اليت ال يستسيغها الشباب اليوم حني تستويل عليهم األفكار الدراجة، ويوضح ذلك

عرف تطورا ومل يعد ثابتا أو مقتصرا على اللغة كما كان يف صدر باإلشارة إىل قضية اإلعجاز ، الذي

اإلسالم، وإمنا "أصبح املسلم مضطرا إىل أن يتناوله يف صورة أخرى، بوسائل أخرى، فهو يتناول اآلية من

ات ، وهنا إشارة ضمنية إىل قصور اآللي)2(حيث تركيبها النفسي املوضوعي، أكثر مما يتناوهلا من ناحية العبارة"

اللغوية اليت تعتمدها القراءات الكالسيكية ألا ال تتماشى مع التطورات احلاصلة ومل جتد نفعا اليوم يف مجيع

القراءات املعتمدة عليها، مبا فيها اإلصالحية اليت محلت راية التجديد دون أن جتدد املنهج، فعندما نعود إىل

ار اإلصالحي، وهو حممد عبده جنده على الرغم من عودته إىل أحد أهم رواد القراءات التجديدية يف جمال التي

العقل وأفكار املعتزلة، وربط التفسري بالعلم بأحوال البشر، فإن تفسريه ظل يقوم على املعطى اللغوي

واإلحاطة باألساليب األدبية الرفيعة، ألن الشيخ من خالله "مل يأل جهدا يف سبيل االرتقاء بالذوق األديب،

1 .57بن نيب مالك ،الظاهرة القرآنية، مصدر سابق، ص

2 .67املصدر نفسه، ص

Page 124: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

125

، وحىت " )1(ه من أوشاب الزخرفة اللغوية، اليت كبلت طرائق التفكري واإلبداع يف العصور املتأخرة" وختليص

هذا املنهج فكان مهه خر تفسري الشيخ "رشيد رضا" الذي اتبع فيه إمامه الشيخ حممد عبده، فلم يصنع هو اآل

، أن ظاهرة التحدي 'مالك بن نيب' يؤكد، وبالتايل )2(أن خيلع على هذا املنهج القدمي طبعة عقل اجلديد"

اللغوي اليت اختذا خمتلف التفسريات امللحقة بالقرآن الكرمي ماضيا وراهنا آلية جوهرية يف فهمه ويف بناء ما

حسب انتهاء التذوق الفطري اللغوي الذي كان )3(" قد انتهت وانتهى زماا ومكاا،" ،مسي باإلعجاز

سائدا عند اإلنسان يف اجلاهلية، والبد من جتديد فهمه وفق مستجدات اليوم وعن طريق املناهج املعاصرة اليت

يف هذه النقطة جنده بدوره يؤكد على قصور 'أركون'وعندما نعود إىل وفرا العلوم اإلنسانية واالجتماعية،

مبفردها يف فهم كالم اهللا يف الفكر السلفي على وجه اخلصوص، وذلك عندما يعتقد "بإمكانية اآلليات اللغوية

فك لغز اللغة الدينية (كالم اهللا بالذات) أو تفسريها وفهمها إذا ما سيطرنا على النحو العريب وعلم املفردات

الفكر جيهل بطبيعة احلال أن كل والبالغة وعلم املعىن: أي خمتلف العلوم اخلاصة باللغة العربية. إن هذا

، ألن الفقيه "ال ينظر )4(مستويات التحليل اللغوي هذه تعتمد على نظرية الروابط املعتمدة بني اللغة والفكر"

إىل اخلطاب القرآين بكل تعقيده اللغوي واألديب والسمانيت (الداليل). وجند أن دور ااز والرمز واألسطورة

من قبل النقد العريب املبتدئ إىل نوع من البالغة االعجازية املوجهة إلناء املعىن احلريف إما أنه مقلص وخمتزل

واإلار، وإما أنه حمي ائيا من قبل الفقيه التيولوجي ملصلحة املساواة بني املدلوالت القرآنية وبني املفاهيم

هنا تكون )5(تارخيي متعدد اجلوانب وغزير." األخالقية القانونية أو املعرفية التيولوجية اخلاصة بواقع اجتماعي

حني جتعل من األوىل مبثابة ،الدراسة األسلوبية متجاهلة للعالقة بني اللغة والتاريخ والفكر يف حتديد املدلوالت

1 .26القرآين، مرجع سابق، ص القيام عمر حسن، أدبية النص

2 .58بن نيب مالك، الظاهرة القرآنية، مصدر سابق، ص

3 .110عبد اهلادي عبد الرمحن، سلطة النص قراءات يف توظيف النص الديين، مرجع سابق، ص

4 .24أركون حممد، تارخيية الفكر العريب اإلسالمي، مصدر سابق، ص

5 .79املصدر نفسه، ص

Page 125: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

126

آليات وقوالب جامدة مقدسة ال تتأثر بالعنصرين الثاين والثالث، وهو ما جيعلها تشكل عقبة ابستيمولوجية يف

إضفاء القدسية على اللغة العربية أو اللسان العريب كآلية ، مترتبة عن اين احلقيقية للنصوص القرآنيةفهم املع

على آليات الفهم املعاصرة.، نفس املوقف يذهب اعترب عائقا جوهريا أمام انفتاحهواليت تلفهم القرآن الكرمي

تعامل البيانيني أو الفقهاء مع القرآن الكرمي أن يف دراسته لبنية العقل العريب، حني يؤكد على 'اجلابري'إليه

لغة النحو، –يفتقر إىل الربط بني اللغة والفكر، ويبني أنه "رغم أن أسالفنا البيانيني قد صنعوا لغات خاصة م

إال أم مل يكونوا قادرين على جعل ممارستهم اللغوية اخلالقة هذه موضوع - لغة الفقه، لغة علم الكالم، إخل

، وهنا يكون )1(" للفظعلى ا عىنري ليستخلصوا منها النتيجة احملتومة: أولوية التفكري على التعبري، أولوية املتفك

وربطها مبناهج التحليل البنيوي ،جتديد املنهج بتجاوز اعتبار اللغة اإلهلية يف القرآن الكرمي ظاهرة مقدسة

والتحليل النفسي خاصة.

ت الكالسيكية: نقد اإليديولوجي يف القراءا-ج

هي أهم ما - اإليديولوجي واملعريف-إىل أن ثنائية إن مل نقل معركة، فلسفية املعاصرةيذهب رواد القراءات ال

حتكم يف قراءة النص القرآين عند العلماء الكالسيكيني، إذ يعرب املعريف يف نظرهم عن منط من الفهم املوضوعي

ق اإليديولوجي الذي يقف حجر عثرة أمام بلوغه يف جمال فهم القرآن الغائب أو املغيب بفعل عائهو والعلمي،

البد من الكشف عن قناعه وأالعيبه عند املفسرين التقليديني من جهة وحسب عالقته بالراهن اليوم من ،الكرمي

"السور أن فهم النص القرآين وقع يف السياج الدوغمائي املغلق الذي يعترب مبثابة 'أركون'جهة أخرى، إذ يؤكد

املسيج باألسالك الشائكة للعقيدة الرمسية، بالتايل فال ميكن أن اخلروج منه ما أن تدخله أو تندمج فيه، ويصبح

يطلب من املؤمنني التقليديني اخلضوع الذي )2(العقل فيه خاضعا للتراث األرثوذوكسي أو الرمسي املقدس"

العقلية وقداسة النص املنبثق منه كفكرة زائفة ترسخ يف أذهام، اللنظام السياسي واالجتماعي يف كونه مقدس

1 .104، ص 2007، 8بد، بنية العقل العريب، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت لبنان، طاجلابري حممد عا

2 .233أركون حممد ، قضايا يف نقد العقل الديين، كيف نفهم اإلسالم اليوم؟،مصدر سابق، ص

Page 126: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

127

هي من يسيج العقل حسب "ما يقبله التراث 'أركون'األرثوذوكسية اليت كرسها اخلطاب الرمسي حسب

الرمسي املقدس وخيلع عليه القدسية بواسطة استخدام هيبة النصوص التأسيسية والسلف الصاحل والشخصيات

، يف نفس االجتاه )1(ى املنمذجة مثاليا بواسطة تقنيات اإلحلاق والضم وبسط املشروعية عليها" الرمزية الكرب

أن فهم الدين مبا فيه اإلسالم "بطبيعة عقائده احملددة ثابت ساكن يعيش يف احلقائق 'صادق جالل العظم'يرى

ر امليتافيزيقي والغييب لألوضاع األزلية وينظر إىل الوراء ليستلهم مهده ولذلك كان يشكل دائما التربي

االجتماعية واالقتصادية والسياسية القائمة، وكان دائما، وال يزال يشكل أحسن قلعة ضد الذين يبذلون اجلهود

لتغيري هذه األوضاع تغيريا ثوريا" حبيث يبني أن النظرة القداسية التبجيلية للدين واليت بدون شك تتأسس على

كما جتلت يف اخلطابات السلفية على وجه اخلصوص متثل إيديولوجية عند املسلمني، يةقداسة النصوص القرآن

املرتبطة باالستعمار اجلديد الذي تقوده أمريكا واإلسالمي رمسية للقوى الرجعية املتخلفة يف الوطن العريب

األديان وبواسطة ويضرب مثال على ذلك السعودية وأندونيسيا والباكستان، ليصل إىل أن اإلسالم كغريه من

مؤسساته ويف إطار قداسة تعاليمه املصطنعة من قداسة نصوصه ما هي إال تربير لألنظمة املختلفة وعلى رأسها

تتم أدجلة النص اامللكية يف ممارستها يف شىت امليادين للهيمنة من احلاكم أو امللك على الرعية وإخضاعها، كم

اليت جيعلها السياق وسيلة غري حمايدة جتعل للنصوص مبا فيها النص القرآين يف إطار اللغة 'زيد وأب'القرآين عند

لغة خاصة أو ثانوية، تطرح من خالهلا عقيدة جديدة أو باألحرى إيديولوجية جديدة يتشكل فهم النص يف

تبتعد عن )2( إطارها، مما جيعله "ينحاز يف النهاية أليديولوجية هلا بذورها أو إرهاصاا اجلنينية يف الثقافة"

احلقيقة اليت يصبوا إليها القارئ يف النص، كما ميكن أن نفهم حضور اإليديولوجي يف قراءة النص القرآين، من

بني التراث العريب اإلسالمي واأليديولوجي، حبيث يذهب إىل أن تكوين 'اجلابري'خالل العالقة اليت يقيمها

يولوجي عميق يتجلى حسب موضوعنا، يف وجود ترسبات إىل يومنا هذا حيمل جانب إيد ،وتراكم التراث

1 .233املصدر نفسه، ص

2 .100أبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص

Page 127: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

128

إيديولوجية عميقة يف خمتلف التفاسري امللحقة بالنصوص القرآنية حني كانت تؤدي وظائف سياسية واجتماعية

تربر ا الواقع وتعلو على ظروفه باسم القداسة والتعايل، واليت أصبح مبوجبها فهم القرآن كمحور للتراث

، يف هذه اإلطار ندرك أن املناهج الكالسيكية )1(غري معاصر لنفسه، غري معاصر ألهله" اإلسالمي "تراث

باسم الوظائف ،كآليات مؤسسة للتراث اإلسالمي تبين وتؤسس ألدجلة فهم النص القرآين يف التفاسري املكرسة

دراسة الواقعية اليت أدا يف خدمة اخلطاب الرمسي على وجه اخلصوص، و هو ما يترتب عنه افتقارها لل

املوضوعية الرتيهة يف فهم القرآن الكرمي، إذن إشكالية العالقة بني هذا األخري الذي ميثل املقدس، واخلطاب

اإلسالمي الذي ميثل ما تبلغه آليات فهمه حوله من تفسري وتأويل، "هي إشكالية عريقة يف تراثنا العريب

ندما اجتمع الصحابة النتخاب خليفة رسول اهللا، إىل عصرنا اإلسالمي، ومتتد جذورها منذ سقيفة بين ساعدة ع

الراهن الذي يشهد سعيا مكثفا من قبل األنظمة العربية لتوظيف املقدس ملصلحتها يف حماولة إلضفاء الشرعية

مهمة جوهرية آلليات الفهم املعاصرة وعلى ،تعرية البعد اإليديولوجي للقراءات الكالسيكيةف، )2(عليها"

إضافة إىل التنقيب فيها باألركيولوجياالتفكيك الذي يسعى الستنطاق الالمنطوق يف اخلطابات، رأسها

. )3(ا "الكتشاف حدود املسافة بني النص املقدس واخلطاب الذي ينشأ حوله" ...األنثربولوجياو

: نقد املناهج اإلستشراقية-د

عند البعض بأم مستشرقني جدد، إال أم املعاصرةفلسفية على الرغم مما يوصف به رواد القراءات ال

اإليديولوجية، األغراض ذاتهوا نقد الذعا للمناهج االستشراقية واعتربوها من قبيل املناهج الكالسيكية وج

يف قراءة انهجيا مضعفو اقصورإىل أن أحباث املستشرقني تعاين )∗(حيث ذهب أركون تعاين قصورا منهجيا،

1 .31ص .1991، 1املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طاجلابري حممد عابد، التراث واحلداثة،

2 .105ص ، 2006، 1املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طتركي علي الربيعو، احلركات اإلسالمية يف منظور اخلطاب العريب املعاصر،

3 .106املرجع نفسه، ص

∗ ستشرقني يف الفصل الثالث.سنفصل نقد أركون للم

Page 128: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

129

'حسن حنفي' نقدكما الفقهاء، نصوص وقراءاتالنصوص القرآنية والتراثية ككل باكتفاء كتابام على

بلوغ املعىن احملدد هلا ال تستطيع قيقة الظاهرة حلجمرد تشويه امبينا أ ،نقدا دقيقا ومفصالمناهج املستشرقني

الفصم بني مصدر الظاهرة الفكرية، وهو النص يف النص الديين، ألنه "بعد أن يقوم املنهج التارخيي مبهمة

الديين، وبني هذه الظاهرة نفسها مرجعا إياها إىل مصدر تارخيي حمض، وبعد أن يقوم املنهج التحليلي مبهمة

تفتيت الظاهرة الفكرية إىل عناصر وعوامل تارخيية تكون موضوعا اصطناعيا يعادل الظاهرة الفكرية مدعيا

عنها، وبعد أن يقوم املنهج االسقاطي مبهمة تفسري الظاهرة الفكرية ابتداء من الصور الذهنية متثيال هلا أو بديال

املماثلة أو املخالفة واليت ليس هلا إال وجود ذهين خالص يف نفس املستشرق، يقوم منهج األثر والتأثر باملهمة

هنا حيصي عيوب جمموع و )1(موا"الباقية وهي القضاء التام على ما تبقى من الظاهرة مفرغا إياها من مض

املناهج اليت يعتمدها املستشرقون يف التعامل مع النص القرآين، مبينا أن نزعتها التارخيية جتعلها حتيد عن مدلول

تقضي على الظاهرة وتبتعد عن الدراسة املوضوعية اليت ،األصل يف شكل أفكار مصطنعة من وحي الذات

يف اللغة العربية، جتعلهم يفقدون الشرط أول لفهم مضامني السور واآليات ن املستشرقو و عدم حتكم ،دعيهات

هو آليات اللسان العريب، إضافة إىل ذلك عدم انتمائهم لثقافة وبيئة املسلمني حبكم أصوهلم اليهودية واملسيحية،

كما يطمحون له أو جتعلهم جيهلون مقوماا الكربى اليت تعترب شرطا لفهم القرآن الكرمي بصورة موضوعية

يذهب يف نفس هذا املوقف،يؤسسون له، كما أم خيفون أغراضا إيديولوجية تكرس املركزية األوربية،

إىل أن املستشرقني بصدد تعاملهم مع التراث اإلسالمي، يعتمدون مناهج ثالثة، املنهج التارخيي القائم 'اجلابري'

على النظرة الشمولية واليت تعترب الفكر اإلسالمي امتدادا مشوها لليونان كربط النحو باملنطق والفقه بالقانون

الذي يرد بدوره فروع الثقافة اإلسالمية إىل أصول الروماين، واملنهج الفيلولوجي القائم على النظرة التجزيئية

يونانية أو هندو أوروبية، واملنهج الذاتوي القائم على التعاطف مع بعض الشخصيات اإلسالمية الكربى،

1 .92، مصدر سابق، ص-موقفنا من التراث القدمي-حسن حنفي، التراث والتجديد

Page 129: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

130

ينتهي إىل أن وجبهاوالذي هو على الرغم من ذلك يبقى وفيا ملرجعه األصلي، أي املركزية األوروبية، ومب

يف مجيع األحوال مرتبطني بذات اإلطار الذي كانوا يعملون داخله هم وزمالئهم مؤرخو : "ظلوا املستشرقني

الفكر األورويب، إطار املركزية األوروبية: يفكرون بوحي من معطياته، من حاجاته واجنازاته، من جناحاته

مي كموضوع خارجي يف وبالتايل يعاجلون القرآن الكر )1(وإخفاقاته، وبالتايل يربطون به كل شيء يف تراثنا"

إطار أفكار خارجة ومستقلة عنه يؤطرها تاريخ أوربا وحاضرها، وهذا ما جيعل االستشراق وأتباعه من العرب

يعتمدون على مناهج تابعة يغيب فيها روح اإلبداع تدور يف فلك املركزية األوروبية اليت تعرقل بلوغها فهمها

. علميا وموضوعيا للنص القرآين والتراث ككل

نقد عدم مواكبة معطيات احلداثة وغياب روح اإلبداع يف املناهج الكالسيكية: -ه

يف مهامجة أنصار االكتفاء ،املعاصرةالفلسفية تعترب هذه النقطة أهم النقاط اليت ينطلق منها رواد القراءات

ذلك إىل أن هاجسهم القرآين ماضيا وراهنا على وجه اخلصوص، ويرجع نصباآلليات الكالسيكية يف فهم ال

اجلوهري يف الثورة على آليات الفهم القدمية هو البحث يف كيفية إخراج املسلمني من مأزق التخلف إىل

مصاف احلداثة يف إطار فهم جديد ومبدع للنصوص التأسيسية للتراث وعلى رأسها القرآن الكرمي، إذ باسم

بون عليها التقليد والتكرار وغياب التجديد والفعالية هذه املهمة يسعون إىل نقد املناهج الكالسيكية ويعي

" أن ما مييز الثقافة العربية منذ عصر التدوين إىل اليوم هو أن احلركة 'اجلابري'وروح اإلبداع، حبيث يبني

داخلها ال تتجسم يف إنتاج اجلديد، بل يف إعادة إنتاج القدمي، وقد تطورت عملية اإلنتاج هذه منذ القرن

الذي يدعوا إىل ،)2(إىل تكلس وتقوقع واجترار، فساد فيها ما سبق أن عربنا عنه بالفهم التراثي للتراث" السابع

،التخلي عنه عن طريق التحرر من الرواسب التراثية يف التعامل مع التراث ككل مبا فيه قراءة النص القرآين

اآلليات الكالسيكية وعلى رأسها القياس النحوي الفقهي الكالمي يف صورته اآللية الالعلمية اليت تربط وجتاوز

1 .28اجلابري حممد عابد، التراث واحلداثة، مرجع سابق، ص

2 .15املرجع نفسه، ص

Page 130: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

131

جزء جبزء دون االستفادة من القراءة البنيوية االبستمولوجية اليت من شأا أن تضفي على فهمه الطابع العلمي

ن مواكبة التقدم العلمي عند أنصار املناهج واملوضوعي، وهنا يدعوا إىل جتاوز هذا الفهم الذي ظل بعيدا ع

الكالسيكية قدميا وراهنا، ويبني أنه منوذج لصورة تقليدية توجد بوضوح عند خمتلف املشتغلني بفهم القرآن

الكرمي واإلسالم ككل، كاملثقفني املتخرجني جبامعات األزهر والقرويني والزيتونة، الذين يعتمدون مناهج

يف فهم النص القرآين، واليت جتعل نظرم له تفتقر إىل املناهج اجلديدة ويسلكون تستنسخ جتارب السابقني

منهجا تقليديا تكراريا استنساخيا يعاين من "آفتني اثنتني: غياب الروح النقدية وفقدان النظرة التارخيية. وطبيعي

املنهج السلفي القائم على كما يظهر يف )1(" - التراث يكرر نفسه–واحلالة هذه، أن يكون إنتاج هؤالء هو

متجيد املاضي واالنفعال به دون التفاعل معه يف التعامل مع النص وفق املستجدات املنهجية وحسب عالقته

بالراهن، يف نفس هذا اإلطار "مل يتحرج حسن حنفي من إدراج القرآن ضمن الكتب املقدسة اليت ينبغي

نصار التفسري الكالسيكي يتحججون بأن اهللا تعاىل حفظ القرآن ويرى أن أ )2(إخضاعها ملناهج النقد التارخيي"

من التغيري والتبديل، باالستناد إىل قوله يف اآلية التاسعة من سورة احلجر:"إنا حنن نزلنا الذكر وإنه له حلافظون"،

رفة، وهي ذريعة من أجل عدم إخضاعه للنقد التارخيي، تكون عدمية اجلدوى حني تؤسس لنظرية الهوتية ص

أن الرؤية العلمية للظاهرة الدينية 'العظم'تفهم اآلية يف غري معناها وال مقاصدها، و يؤكد ورب من النقد،

اإلسالمية ال تتجسد إال يف أرض حمايدة عن املعتقدات الذاتية وتكون علمانية وعلمية صارمة وال ميكن أن

"ما مل يصبح املنهج العلمي التارخيي النقدي هو رائدنا يف نفهم خمتلف قضايا الدين الواردة يف القرآن الكرمي ،

.)3(دراسة الظاهرة الدينية بصورة عامة"

1 .26املصدر نفسه، ص

2 .152القيام عمر حسن، أدبية النص القرآين، مرجع سابق، ص

3 .46صادق جالل العظم، نقد الفكر الديين، مرجع سابق، ص

Page 131: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

132

يف قراءة النص القرآين، أا متثل حمطة لآلليات الكالسيكية بعد تفصيل هذه النظرة النقديةنستطيع القول

يات املعاصرة للفهم، حيث مت فيها نقد القراءات حامسة ومرحلة انتقالية لتأسيس قراءة جديدة له تطبق فيها اآلل

وقد قامت يف ، الكالسيكية املقدمة للنص القرآين لكي تكون مقدمة ملشاريع ستقرأ النص القرآين ذاته فيما بعد

والثناء على مناهجها املتمثلة يف املعتزلة والفالسفة ككلبالقراءات اليت وجدت عند ةشادعلى اإل جوهرها

اليت قامت على منهج التفسري لفقهاء واألصولينيلقراءات ايف مقابل نقدها ى وجه اخلصوص،التأويل عل

والتفسري باملأثور خصوصا، و بالتايل قد تبلور نقد عام للعقل اإلسالمي الكالسيكي مت من خالله نقد القراءات

ة اإليديولوجي، غياب روح الكالسيكية للقرآن الكرمي، يظهر يف جوانب خمتلفة، أمهها ميش العقل، غلب

اإلبداع وهيمنة التقليد، عدم مواكبة شروط احلداثة...، وغريها من العوائق اليت يكون جتاوزها والتحرر منها

شرطا أوليا لتطبيق اآلليات اجلديدة يف قراءة القرآن الكرمي عند روادها، ومنطلقا لتأسيس قراءة جديدة له.

:املعاصرة وتأسيسهاتبلور القراءات الفلسفية -3

تتجسد القراءات املعاصرة للنص القرآين يف قراءة املتأخرين له، ولكن ليس الفقهاء أو علماء الدين الذي

حاولوا جتديد عملية قراءته على وظلوا أوفياء لآلليات الكالسيكية، بل الفالسفة حتديدا ألنه ثاروا عليها

د فيما أصبح يطلق عليه القراءات احلداثية للقرآن الكرمي، وهي مستوى الفهم واملنهج يف الوقت نفسه، جتس

تلك القراءات املتداولة يف الفترة املتأخرة يف حقل دراسة وفهم القرآن الكرمي مستفيدة من التطورات العلمية

ادت العامل واملنهجية الناجتة عن التطورات يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية من جهة، ومتأثرة باألوضاع اليت س

يف الفترة املتأخرة على املستويات السياسية واالجتماعية والثقافية واالقتصادية من جهة أخرى، واليت غايتها

مواكبة قطار احلداثة عن طريق فهمه فهما معاصرا لنا وفعاال يف مواجهة حتديات الراهن.

وة جمموعة من الفالسفة املعاصرين املشتغلني إذن تقوم عملية قراءة القرآن الكرمي يف الفترة املتأخرة، على دع

على اخلطاب القرآين، إىل اعتماد آليات فهم النصوص املعاصرة تلك اليت استعملت يف قراءة النصوص البشرية

Page 132: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

133

عند،شالير ماخر، ويف النصوص البشرية - العهد القدمي واجلديد–بأنواعها املختلفة، ونصوص الكتب املقدسة

) و فوكو، ديريدا ، وريكور ...ونقلها إىل جمال النص القرآين، وذلك 1900يتشه (تمبختلف أنوعها عند ن

بطرحها مجلة إشكاليات مل تطرح من قبل يف ميدانه، أمهها: أشكلة مفهومه ومفهوم الوحي، أنسنة النص

...وغريها من القرآين، نقد التعايل والقداسة، تارخيية النص القرآين، نقد اإليديولوجي ونصرة االبستيمولوجي

املسائل اليت مل تطرح من قبل حول القرآن الكرمي،وال مناص .من العودة إىل آراء خمتلف املشتغلني باخلطاب

من )∗(القرآين كابن نيب ،اجلابري، حنفي، وأبو زيد ، أركون، املرزوقي... يف يومنا هذا، بعرض موقفهم العام

لفهم املعاصرة.، أو اإلطالع على تصور هم العام للمناهج املناسبة مسألة العالقة بني النص القرآين و آليات ا

لفهمه يف ظل املستجدات الواقعية والفكرية.

يف الفترة املعاصرة تعددت اختصاصات املهتمني بقراءة القرآن الكرمي، فهي مل تقتصر على ذوي التكوين

جتماعية فقط، من أمثال: أبو زيد واجلابري وأركون، الفلسفي احملض أومن املتخصصني يف العلوم اإلنسانية واال

بل وجدت بدايات أوىل هلا عند متخصصني يف العلوم الدقيقة واهلندسة، الذين حالوا جتديد الكثري من املسائل

املتعلقة بالنص القرآين وعلى رأسها مسألة اإلعجاز البالغي واألسلويب، كما جتسد عند 'مالك بن نيب' يف كتابه

هرة القرآنية' الذي بني فيه كيفية استخدام منهج املقارنة بني األديان، يف قراءته لسورة يوسف كما 'الظا

وجدت يف العهد القدمي وكما وردت يف القرآن الكرمي، وعند 'حممد شحرور' يف كتابه 'الكتاب والقرآن:

اإلهلي والنسبية يف فهمه اإلنساين، قراءة معاصرة' الذي بني فيه، مجع القرآن الكرمي بني اإلطالقية يف حمتواه

مبينا أنه "ال يعد تراثا وإمنا التراث هو الفهم اإلنساين النسيب له. واعتمد الباحث يف قراءته لكتاب اهللا على

املنهج اللغوي أليب علي الفارسي واملتمثل باإلمامني ابن جين وعبد القاهر اجلرجاين، وعلى آخر ما توصلت إليه

جني الذين املوقف العام لرواد اآلليات املعاصرة من عالقتها بالقرآن الكرمي، حاولنا أن نعرضه هنا بصورة جمملة دون تفصيل وخاصة بالنسبة للنموذ

وع إىل بعض دعاة تطبيق آليات الفهم املعاصرة يف فهم النص القرآين، ، كما أننا حاولنا الرج-أبو زيد–أركون -سنسهب فيها يف الفصول الالحقة

حسب أمهيتهم يف إثراء حبثنا وإنارة دروب موضوعنا.

Page 133: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

134

ال حتتوي –مبا فيها اللسان العريب –ت احلديثة من نتائج على رأسها أن كل األلسن اإلنسانية علوم اللسانيا

وبذلك يذهب )1(خاصية الترادف بل إن الكلمة إما أن لك عرب التطور التارخيي أو حتمل معىن جديد"

نسبية فهمه. الباحث إىل أن القرآن الكرمي يؤول وال يفسر، وهنا يكمن إعجازه يف ثبات حمتواه و

اهتمامات 'شحرور' و'ابن نيب' بالقرآن الكرمي يف الفترة املعاصرة، ستكون أرضية ألحد أكرب رواد آليات

الفهم املعاصرة اليت ظهرت مؤخرا كنتائج للتقدم األحباث يف العلوم االجتماعية واإلنسانية يف قراءة النص

اهلما من اهلندسة إىل القرآن الكرمي، واصفا حماوالتيهما يف القرآين، منطلقا من نقدمها حني يعيب عليهما انتق

قراءة القرآن الكرمي، بالسطحية واالفتقار إىل العدة املفاهيمية واملنهجية الكافية واملناسبة، إنه 'حممد أركون'

الذي جعل حمور أحباثه إرساء مشروع قراءة جديدة لنص القرآين من منطلق زحزحة هالة القداسة اليت ظل

، والشيء نفسه بالنسبة 'لنصر حامد أبو )∗(يتمتع ا مركزا على التفكيك كآلية مركزية لتحقيق هذه املهمة

زيد'، الذي طرح مواقف جريئة ال تقل أمهية عن سالفه يف الدعوة إىل استخدام آليات القراءة اجلديدة وعلى

.)∗∗(لنص القرآينرأسها اهلمينوطيقاو السميوطيقا يف إطار تصوره اجلديد ملفهوم ا

أما عندما نعود إىل 'اجلابري' جنده بدوره قد طرح آراء جديدة حول موضوع القراءاة احلداثية للقرآن الكرمي

واستخدام آليات التحليل البنيوي والتارخيي يف فهمه، رغم أنه ظل يف خمتلف مواقفه وفيا للرؤى واألدوات

توج قراءته اجلديدة للقرآن الكرمي بتفسري خاص له مل يقدمه أقرانه من الفالسفة، ، حيث)∗∗∗(الكالسيكية

1 .202، ص2003البنا مجال، تفسريا لقرآن الكرمي عند القدامى واحملدثني، دار الفكر اإلسالمي، القاهرة مصر، د ط،

∗بني آليات الفهم املعاصرة والنص القرآين، فضلنا أن خنصص هلا فصال كامال حسب غناها وثرائها يف فهم نظرا ألمهية آراء 'أركون'حول الربط

وطرح موضوعنا، أين تظهر يف مشروع متنوع وطموح جيعل النص القرآين حقال جلميع اآلليات اجلديدة.∗∗

طيات موضوعنا وعلى رأسها مفهوم النص القرآين الذي يعترب الشطر التصور اجلديد ملفهوم النص القرآين ذو أمهية كبرية يف فهم الكثري من مع

األول لعنوان األطروحة لذلك آثرنا أن نعرض مواقف 'أبو زيد' حول خمتلف املسائل املتعلقة مبوضوعنا يف فصل خاص بدوره حىت نتوسع يف

موضوعنا أكثر.∗∗∗

وأدوات القراءة املعاصرة بدرجة كبرية مقارنة مع 'أركون'، حبيث يركز على إن 'اجلابري' ال تتضح عنده مسألة الربط بني النص القرآين

التراث الرؤى الكالسيكية يف املفاهيم وحىت األدوات أحيانا حني يستعني مبراجع عربية بالدرجة األوىل تظهر يف كتب التراث والتفسري املأثور يف

املتعلقة بأدوات الفهم.كتفاسري 'الطربي' أكثر من اعتماده على الكتب األجنبية

Page 134: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

135

بدأه بإعداد أرضية جتسدت يف "مدخل إىل القرآن الكرمي" خاص بالتعريف به وحميط نشأته ومسار تكوينه

لقرآن إضافة إىل موضوعات أخرى، مث انتقل إىل التفسري ذاته وطرحه يف ثالث أقسام حتت عنوان "فهم ا

" حاول من خالهلما بيان أن تنجيم القرآن الكرمي يعرب عن -التفسري الواضح حسب ترتيب الرتول–احلكيم

اتسلسل منطقي، يربط بني تسلسل نزول القرآن الكرمي وتسلسل الوقائع، حسب مراحل يفهم يف ثناياه

بوة واأللوهية والربوبية، اليت بني أا اخلطاب القرآين، وتتحكم يف ترتيب الرتول والتفسري، و أوهلا مرحلة الن

ارتبطت مبجموعة من السور األوىل كالعلق واملدثر...، مث مرحلة البعث واجلزاء ويوم القيامة اليت بدورها تتالت

فيها جمموعة من السور كالقارعة مث الزلزلة فالقيامة...مث املرحلة الثالثة اليت بني فيها تسلسل السور املعربة عن

الشرك وتسفيه عبادة األصنام كصورة ص مث األعراف فاجلن... ، ويف القسم الثاين قدم ثالث مراحل إبطال

أخرى تابعة للمراحل السابقة، أي املرحلة الرابعة وهي مرحلة الصدع باألمر واالتصال بالقبائل مع سورة

وأهله يف شعب أيب طالب وهجرة احلجر مث األنعام فالصفات...واملرحلة اخلامسة اليت بني فيها حصار النيب

املسلمني إىل احلبشة وقدمها فيها سور الزمر مث غافر ففصلت...واملرحلة السادسة اليت بني أا تتعلق مبرحلة ما

بعد احلصار: مواصلة االتصال بالقبائل واالستعداد للهجرة إىل املدينة وعرض فيها سور نوح والذاريات

دث اجلابري عن القرآن املدين بدءا من سورة البقرة إىل غاية سورة النصر، والغاشية...يف القسم السادس حت

وبذلك رتب القرآن الكرمي ترتيبا جديدا حملل بنيته الكلية وفاق القرآن املكي والقرآن املدين.

ويف إطار اآلليات اليت يعتمد عليها 'اجلابري' يف قراءة النص القرآين، فإنه يرسي دعائمها حسب رؤية

متميزة جتمع بني ما هو ديين منبثقا من اطالعه على املأثور، وبني ما هو فلسفي مستمد من تكوينه واجتاهه،

ينهل منها منهجه، منها ما جتد جذورها يف وتقوم على إعادة ترتيب الرتول، مستعينا مبشارب فكرية متنوعة

التراث العقالين الرشدي، ومنها ما تتأسس على أفكار الفلسفة الغربية املعاصرة وعلى رأسها فلسفة فوكو

والفلسفة البنيوية ككل، وبناءا على ذلك تكون آليات فهمه للتراث ذات صلة وطيدة باآلليات اليت يعتمدها

Page 135: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

136

وتكمن يف ثالث خطوات منهجية أساسية، األوىل هي املعاجلة البنيوية أو بدراسة شبكة يف قراءة النص القرآين،

العالقات القائمة بني أجزائه يف املرحلتني املكية واملدنية ، الثانية هي التحليل التارخيي الذي اعتمد فيه على

من سورة 11قوله تعاىل يف اآلية وضع النص يف إطاره التارخيي واالجتماعي والسياسي مثل قراءة آية املرياث يف

يبدأ يف قراءة حميطه االجتماعي اخلاص، أي النساء: "للذكر مثل حظ األنثيني"، إذ بصدد فهمه هلذه آلية "

حياول جعله معاصرا لنفسه،وحميطه االجتماعي هو اتمع القبلي وتوازناته حيث امللكية املشاعية، مبعىن أن

لفرد، والعالقة بني القبائل رعوية هي عالقة نزاع حول املراعي. أما املالحظة الثانية امللكية كانت للقبيلة وليس ل

أي يف إطار ) 1( "فهي أن املصاهرة بني القبائل العربية هي مصاهرة خارجية: فالزواج بذي القرىب (احملارم)ممنوع

احمليط االجتماعي القبلي يفهم اجلابري خلفيات احلكم الشرعي القاضي بعدم املساواة بني الرجل واملرأة يف

املرياث، واليت جوهرها احلفاظ على العالقات الطيبة وتفادي اخلصومات بني القبائل لقيام اتمعات القدمية

يعكر صفوها إذا كانت هناك مساواة يف اإلرث عندما يقوم على على امللكية القبلية و اليت من شأن الزواج أن

املصاهرة خارج القبلية، الثالثة متثل الطرح التوظيف اإليديولوجي الذي يتحدد عمله يف "دراسة خمتلف

النص القرآين خاصة من أجل خدمة اخلطاب الرمسي، إذن عندما يقرأ )2(التوظيفات اليت خضع هلا النص"

يعود إىل جمموع - فهم القرآن احلكيم حسب ترتيب الرتول –رآن الكرمي يف تفسريه اجلديد 'اجلابري' الق

السور واآليات القرآنية من جهة، وجمموع الوقائع وجزئياا املتزامنة معها، ويقرأمها يف تسلسلها املنطقي أي

نطلق من بنية القرآن تسلسل السور واآليات يالزم تسلسل ألحداث ميكن أن ترتب مبوجبها، وهو بذلك ي

الكرمي ويفهمها وفق حتليل تارخيي لسياق السور أو الوقائع اليت نزلت فيها من أجل غاية هو ختليصها من

األدجلة اليت حلقت ا وحتقيق فهم موضوعي هلا، خيلصها من النظرة التراثية للتراث اليت تقطعها عن جذورها

راهن من جهة أخرى . وأصوهلا من جهة، و عن متغريات ومستجدات ال

1 .224، مرجع سابق. ص-قراءات يف توظيف النص الديين -عبد اهلادي عبد الرمحن، سلطة النص

2 .45، ص 2007، 2بغورة الزواوي، ميشال فوكو يف الفكر العريب املعاصر، دار الطليعة، بريوت لبنان، ط

Page 136: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

137

من 'حسن حنفي'لنص القرآين عند معاصرة لقراءة تبلور فهم أن نميكن أن إضافة إىل الفالسفة السابقني

عمله على جتديد آلياته، املتمثلة يف علوم القرآن و جتديد علم أصول الفقه باالستعانة باملنهج خالل

اجلماهري، وذلك ألن "الظاهرة الفكرية ظاهرة حية الفينومينولوجي الذي مفاده أن النص خمزون نفسي يف

بالنسبة للنص نفسه، باعتباره موقفا إنسانيا يف أصله أو بالنسبة لشعور املفكر الذي تعيش فيه ظاهرة أو بالنسبة

للبيئة الثقافية الداخلية واخلارجية اليت يعمل املفكر ا، هلا أو ضدها ففي علم أصول الفقه مثال حتول النص

الديين إىل حكم شرعي عن طريق القياس، وحتول الوحي كله إىل منهج، ويف علم أصول الدين حتول النص إىل

معىن عن طريق الفهم أو التفسري، ويف التصوف حتول النص إىل سلوك خلقي عن طريق الزهد والرياضة

يات كونية وتصورات العامل من الروحية، ويف الفلسفة حتول النص إىل نظرة للكون وتصور للعامل الحتواء نظر

، وذا نفهم مسألة قراءه النص كإشكالية جوهرية يف الفكر العريب املعاصر تبلورت عند )1(بيئة ثقافية أخرى

)حبيث يصبح هذا األخري من خالل القراءة ظاهرة فكرية يشتغل ص'حسن حنفي' من خالل ثنائية (الفكر والن

هلا النص إىل أشكال متعددة بتعدد العلوم العقلية، يكون النص القرآين من املفكر يف إطارها و حيول من خال

خالهلا يف أصول الفقه متجسد يف أحكام الشرعية عن طريق القياس، ويف أصول الدين متجسدا يف معىن الوحي

أن كله، ويف التصوف متجسدا يف السلوكات اخللقية، ويف الفلسفة متجسدا يف نظرة تأملية حول الكون، أي

النص القرآين ال ميكن أن يقرأ قراءة واحدة حيتكرها علما معينا بل هو أرضية لقراءات متنوعة ومتباينة.

نطوق أو املال تتعلق بقراءة لرتول الوحي القرآين، أن القراءة منذ الفترة األوىل أما عند 'املرزوقي' فإنه يؤكد

هذه ويبني أن فكار،أ نفس من خلجات وجيول فيها من ولكنها فعل تأملي وتعبري عن ما خيتلج يف ،املكتوب

ويفهم يف إطارها قوله "ما أنا بقارئ"، وهدفه من ذلك ،احلالة تنطبق على النيب صلى اهللا عليه وسلم كذلك

هو بيان أن القراءة احلقيقية للقرآن الكرمي وجب أن تعتمد على التأمل والتدبر وتستعني بآليات التحليل

1 .167- 166صدر سابق، ص، م-موقفنا من التراث القدمي-حسن حنفي، التراث والتجديد

Page 137: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

138

كل من يقرأ القرآن "الفلسفي من تعقل واستدالل وبرهان يف آياته الكونية والنصية على حد سواء، ألن

الكرمي بعني فاحصة سيجد فيه أمرين مهمني مها أصل كل تفلسف يف األديان وقيمتني أساسيتني...األمر

ياته سواء أكانت خملوقاته الطبيعية األول: التحرر من الوسطاء املعروفني بني املؤمن وربه واالتصال املباشر بآ

والتارخيية أو نصوصه اليت بلغها رسله واليت هي آيات من الدرجة الثانية ألا حتدد املوقف من اآليات اليت من

الدرجة األوىل يف القيم اخلمس ذوقا ورزقا ونظرا وعمال ووجودا...األمر الثاين: اعتماد التأمل العقلي بعد هذا

مسألتني كان األوصياء يف الدين يعتربوا حكرا عليهم قتال للبحث العقلي وحصرا للعلم يف التحرر يف أهم

حسب هذا التصور يكون التدبر والتأمل والتفلسف يف اآليات بعيد عن تدخل الوسطاء ، )1("مضغ السنن النقلية

أساس القراءة الصحيحة هلا.

يف الفترة املعاصرة، ال ميكن تغاضي النظر عن أحد كبار وبصدد احلديث عن إشكالية القراءة يف النص القرآين

الذي قدم تصورا دقيقا ملسألة قراءة النص القرآين عرب التاريخ، - يف الغرب- املفكرين يف الضفة األخرى

رأى أن "قراءة الذي ،وفعاليتها اليوم، بأسلوب سهل وبسيط يستحق وقفة خاصة، إنه املفكر 'روجي غارودي'

ميكنها أن تكون حرفية. فمنذ أن يتجلى يف اللغة النوعية ويف الشروط اخلاصة لعصر الترتيل مبدأ القرآن ال

العمل، فإن من الضروري استخالص املبدأ احلي من احلرف امليت.

فال القرآن الكرمي وال السنة شرعا يف املطلق. إما أدليا بإجابة إهلية، ولكنها دائما تارخيية ومشخصة، عن

مؤكدا أنه من الضروري جتاوز القراءات احلرفية الالهوتية ،)2(جمتمع أقل تعقيدا من جمتمعنا" مشكالت

النص القرآين بتارخييةوطابعها الدوغمائي وتعاليها عن مشكالت ومستجدات العصر، حلسب قراءة تقر

وانفتاحه وتعدد دالالته ومرونته وإمكانية فهمه باملنجزات العلمية اجلديدة.

1 .52ص ،2006، 1ط بريوت لبنان، املرزوقي أبو يعرب، فلسفة الدين من منظور إسالمي، دار اهلادي،

2 .115، ص 1996، 1غارودي روجيه، اإلسالم، تر: وجيه سعيد، دار الفارايب، بريوت لبنان، ط

Page 138: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

139

بعد عرض هذه النماذج من القراءات املعاصرة للقرآن الكرمي، ندرك أا قامت على إحداث القطيعة مع

قراءة الفالسفة له بأصنافهم املختلفة، وعملت على نقد وقراءات الفقهاء ورجال الدين له، وانتصرت آلراء

األحادية والنهائية واملطابقة وجتاوز منهجي التفسري والتأويل الكالسيكي، واخلروج من فكرة القراءة

والصحيحة ومن دائرة احتكار النص، وجعله منفتحا ومتعدد الدالالت، يقرأ مبناهج خمتلفة بنيوية وظواهرية

وتأويلية وتفكيكية، منطلقة من عالقة النص بالتاريخ والواقع بعيدا عن اعتبارات التعايل والغيب والقداسة.

ن إشكالية قراءة النص القرآين، تكمن يف تعدد القراءات املنتهجة يف فهمه عرب يف األخري ميكن اإلشارة إىل أ

التاريخ، وقد كانت ذات أثر كبري على تطور أدوات فهمه، وميكن تتبع مسار هذه اإلشكالية وأثرها على

تطور آليات فهمه وفق تسلسل مرحلي عرف :

ق بلحظة تشكله كمصحف أو كتاب من جهة أوال: زرع البذور األوىل إلشكالية قراءة النص، تتعل -

واختالف الصحابة حول مضامينه من جهة أخرى، ترتب عنها ظهور علوم القرآن الكرمي ومنهجي التفسري

والتأويل كأدوات أولية لفهمه.

ثانيا: نضج تلك البذور وتبلور إشكالية القراءة بوضوح مع ظهور الفرق األوىل: سنة وشيعة -

ا حول فهم النص، مث مع املذاهب الفقهية اليت أصبحت آليات قراءة النص فيها تنحو حنو وخوارج...واختالفه

التنوع عند الفقهاء بعد عصر الصحابة بعد تشكل نوعي التفسري : باملأثور و بالرأي.

عرفت يف ثالثا: تبلور اهتمام املباحث الفلسفية والكالمية والصوفية بالنص القرآين يف العصر الوسيط، اليت -

ظلها آليات فهمه تطورا واضحا مع إيالء أمهية للتأويل على التفسري، يف إطار إشكالية الظاهر والباطن.

رابعا: ظهور قراءات سلفية وإصالحية وأخرى استشراقية يف العصر احلديث امتدت إىل غاية الفترة –

ريات، ومت فيها مواصلة مسرية االهتمام املعاصرة، قامت دعوا على جتديد فهم القرآن الكرمي طبقا للمتغ

مبنهجي التفسري والتأويل، مع تبلور املناهج الفللوجية والتارخيية لدى املستشرقني يف جمال قراءة النص القرآين.

Page 139: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

140

خامسا: ميالد القراءات احلداثية اليت ارتبطت بتطبيق أدوات القراءة املعاصرة يف فهم النص القرآين، حيث -

تشمة مع القراءات اللربالية واملاركسية للقرآن الكرمي، مث تطورت يف الفترة املتأخرة يف النصف عرفت بدايات حم

الثاين من القرن العشرين إىل الدعوة إىل استثمار أدوات الفهم املعاصر املستخدمة يف قراءة النصوص األدبية

ة العرب املتأخرين، وعلى رأسهم والدينية األخرى كاللسانيات والسيميائيات والتفكيكيات ...مع فالسف

'أركون' و'أبو زيد'، فكيف ميكن إدراك املالمح الكربى إلشكالية العالقة بني آليات الفهم املعاصر والنص

القرآين عند هذين املفكرين؟.

Page 140: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

النص القرآين وآليات الفهم املعاصر عند 'حممدأركون'الفصل الثالث:

توطئة

.أشكلة مفهوم الوحي القرآيناملبحث األول:

.نقد املناهج التقليدية وتأسيس اإلسالميات التطبيقيةاملبحث الثاين:

.تطبيق آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآينالثالث: املبحث

Page 141: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

142

الفصل الثالث: النص القرآين وآليات الفهم املعاصر عند 'حممدأركون'.

خبصوص herméneutique"جند يف اللحظة الراهنة لإلسالم املعاصر أنه من املستحيل عمليا فتح مناقشة للنقد التارخيي أو حىت منا قشة تأويلية

). 51القرآن"(أركون، الفكر اإلسالمي، ص

توطئة:

إن احلديث عن إشكالية العالقة بني آليات الفهم املعاصر والنص القرآين حتديدا، جيد صدى كبريا يف أحباث

الكرمي، ومؤلفات أحد املفكرين الكبار، الذين أرقهم رفض إقحام األدوات واملناهج املعاصرة يف فهم القرآن

فأخذوا على عاتقهم حتقيق ذلك يف شكل مشاريع طموحة مازالت قيد التأسيس، إنه الراحل مؤخرا املفكر

اجلزائري واإلسالمي الكبري 'حممد أركون'، الذي كان هاجسه حتطيم كل ما اعترب من قبيل املستحيل يف فهم

يف مسرية فكرية ثرية وزاخرة باإلبداع واإلنتاج، التراث ويف التعامل مع النص القرآين حتديدا، وعرب عن ذلك

، مصرحا بأننا: "نعرف )∗(واليت على الرغم من أنه ال حيب احلديث عنها بالكتابة عن شخصه وسريته الذاتية

∗'حامد مل يترك لنا 'أركون' مؤلفا خاصا بسريته الذاتية، وال حيبذ التحدث عنها ال يف منت وال يف هوامش مؤلفاته كما يبدوا يف مؤلفات نصر

أبو زيد' ، وهو ما جيعل من الصعب الكالم عن سريته الذاتية أو التعريف بفيلسوف ومفكر عظيم من طرازه واإلحاطة بأفكاره، وميكن عرض ريته يف عجالة بالعودة إىل ما أشار إليه مترجم كتابه األنسنة واإلسالم، 'حممد عرب'، الذي رأى انه باحث ومؤرخ وواحد من أكرب أساتذةمس

، ولد عام 1968منذ حصوله على درجة الدكتوراه من اجلامعة ذاا عام -3باريس –الفكر عموما والفكر اإلسالمي خصوصا، يف جامعة السربون ، يف بلدة تاويرت ميمون آيت يين مبنطقة القبائل، وانتقل مع عائلته إىل بلدة عني األربعاء بعني متوشنت حيث درس يف مدرستها االبتدائية1928

اريس، وبدأ يف بوأكمل دراسته الثانوية يف مدينة وهران، مث ابتدأ دراسته اجلامعية بكلية الفلسفة جبامعة اجلزائر، وأمتها بعد ذلك يف جامعة السربون ا مجيعا، إضافة من بعدها على الفور التدريس يف فرنسا، فهو مزدوج الثقافة متعدد اللغات: جييد الفرنسية والعربية واإلجنليزية واألمازيغية وحياضر

، له عدة 2010سنة إىل ذلك هو صاحب مشروع ضخم يقوم من خالله بنقد العقل اإلسالمي، ظل ينشط بعد تقاعده إىل غاية ان وافته املنية مؤلفات ومقاالت.

مع وال ميكن إنكار دور احلياة الصعبة اليت عاشها 'أركون' يف بلورة أفكاره، حيث ورد يف جملة 'حوار مع' يف العدد اخلامس املخصص للحوارحول املؤثرات الشخصية يف بناء ، بعض األسرار الشخصية اليت يرويها عن نفسه يف رده على سؤال 'حسن العرفاوي' 1995أركون الصادر سنة

سخرية عمله ومشروعه الفكري، منها قوله "عندما أقول إن أصويل االجتماعية متواضعة فأنا ال أيف متاما باحلقيقة. اذكر رعيب اليومي يف مواجهة من احللف تعشش فيه هذه احلشرات أصدقائي اجلارحة وهم يتسلون باإلشارة إىل عنقي األمحر من لسع البق والرباغيث، فقد كنت أنام على حصري

الصغرية، وللحد من تكاثر القمل كان علي أن أحلق رأسي كل أسبوع، وكم كانت الغرية متلؤين عندما أرى رفاقي الفرنسيني وشعرهم يت ترعرع يف كنفها هو )، هذا مشهد من املشاهد اليت يوضح فيها 'أركون' احلالة املزرية ال8ص األشقر"(جملة:حوار مع، حوار مع حممد أركون،

سالمي وخمتلف اجلزائريني يف عهد االستعمار، ليبني أا بلورت لديه هامشية اجتماعية وثقافية كان هلا دورا كبريا يف االشتغال على الفكر اإلذ طابعا اجتماعيا وثقافيا، عن وبالتحديد االهتمام بالتفكيك ملختلف مكوناته واكتشاف عوائق تطوره يف جوانبها املختلفة والسيما تلك اليت تتخ

راث وعلى طريق االستفادة من آليات الفهم املعاصرة وعلى رأسها األنثربولوجيا التارخيية اليت حاول االستفادة منها يف فهم خمتلف معطيات الت رأسه النص القرآين.

Page 142: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

143

بصورة منظمة األنا متاما، مربرا ذلك باملوضوعية، وبقوة ما مترنت على هذا كيف أن اخلطاب اجلامعي يستبعد

، فإنه صاحب شخصية متميزة، )1(حىت أيام املدرسة الثانوية، صرت عاجزا أن أحتدث عن حيايت الشخصية "

تباه الكثري املفكرين تظهر يف خملفاته الفكرية املتنوعة والثرية واململوءة باآلراء اجلريئة والعميقة، اليت استرعت ان

ركز فيها على نقد )∗(نقد وجتاوزا...، حيث ترك مؤلفات متنوعة ومتعددة ترمجة وتعليقا، دراسة وحتليال،

العقل اإلسالمي، وباخلصوص آليات القراءة الكالسيكية للقرآن الكرمي وللتراث ككل، مؤكدا على ضرورة

م االجتماعية واإلنسانية من مناهج وآليات، داعيا إىل نقلها من االستفادة من ما أفرزه التقدم احلاصل يف العلو

اجلديد إىل جمال النص القرآين، هذا والنصوص البشرية والدينية اليت طبقت فيها، كنصوص العهدين القدمي

األخري اعتربه مماثال ملا مساه بالتفكري اإلسالمي الذي يشتغل عليه، إذ يصرح يف رده على سؤال حول مدلول

الفكر اإلسالمي لديه، قائال: "عندما أقول 'فكر إسالمي' فإين أعين الفكر الذي ينحدر أساسا من القرآن

، وهذا ما يبني أن طرح أركون للفكر اإلسالمي ككل، يفهم يف جوهره يف إطار فهم نظرته إىل )2(والسنة"

النص القرآين .

ملناهج واآلليات اجلديدة من فهم النصوص املختلفة تدور نظرة أركون حول النص القرآين، يف إطار نقل ا

اليت ترعرعت يف كنفها وانتهجت يف أرضيتها إىل جمال النص القرآين وتطبيقها يف فهمه، هو ما يعترب عنده مبثابة

مشروع قراءة جديدة له، تعترب جزءا من مشروعه الضخم، والذي جوهره حتليل ونقد اخلطاب الديين يف دياناته

1 Entretien avec Mohammed Arkoum , propos recueillis par Hassan Arfaoui, institut du monde arabe, revue mars n- 5-

année 1995, p 7 . ∗ديين مؤلفات 'أركون' كثرية ومتعددة ألفها باللغة الفرنسية، ترجم معظمها 'هاشم صاحل' إىل اللغة العربية، تصب يف جوهرها يف نقد اخلطاب ال

الدوغمائي، كما يظهر يف مؤلفات: تارخيية الفكر العريب اإلسالمي، الفكر العريب، ونقد العقل اإلسالمي، من حيث رؤامها ومناهجهما وطابعهما سالم الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد،الفكر األصويل واستحالة التأصيل، من االجتهاد إىل نقد العقل اإلسالمي، قضايا يف نقد العقل الديين، اإل

رساء دعائم مناهج قراءة جديدة للتراث والنص األصلي املؤسس له وهو القرآن الكرمي واالنغالق الالهويت... ودف من ناحية أخرى إىل إين، وربط اإلسالم مبعطيات احلداثة كما يظهر يف مؤلفات: أين هو الفكر اإلسالمي املعاصر؟ القرآن من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الدي

قراءة يف -منة...، و ميكن القول باختصار أن مؤلفات 'أركون' جديرة بدراسة مفردة عنواا اإلسالم,أوروبا, الغرب رهانات املعىن وإرادات اهلي لكثرا وغزارة مضامينها وعالقتها بواقعنا وواقع العامل اليوم.- مؤلفات أركون

2 .85، ص 1989، 69-68حممد رفرايف، حوار البدايات مع حممد أركون، جملة الفكر العريب املعاصر، مركز اإلمناء القومي، عدد

Page 143: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

144

الثالث: اليهودية واملسيحية واإلسالم، ولكنه على الرغم من ذلك يعطي األولوية للدين اإلسالمي، الكربى

حماوال قراءة النص األساسي واجلوهري الذي يقوم عليه، بأدوات وآليات جديدة متثل العدة املعرفية واملنهجية

أحل على دراستها وتدريسها وامتالكها كشرط اليت وفرا العلوم اإلنسانية واالجتماعية يف الفترة املتأخرة، اليت

لبناء فهم علمي وموضوعي للتراث ككل، وعلى األخص النص األصلي املؤسس له عند املسلمني املتمثل يف

النص القرآين، لغاية كربى وهي اخلروج من براثن التخلف ومواكبة مقتضيات احلداثة يف األمة اإلسالمية،

إال بتجاوز تراكمات وترسبات القراءة املؤدجلة له يف خمتلف العصور من طرف تلك اليت ال تتحقق يف نظره

القراءات الكالسيكية.

فقد كان وال يزال النص القرآين يف نظر 'أركون' حباجة إىل فهم علمي موضوعي وفعال يف الوقت نفسه،

لغريب يف الفترة املعاصرة وقطع ا من استثمار اآلليات واملناهج اجلديدة اليت توصل إليها الفكر ا احيقق انطالق

أشواط كبرية يف قراءة النصوص وعلى رأسها نصوص الكتاب املقدس يف الفترة املتأخرة، إذ ينتقد اآلليات

الكالسيكية اليت انتهجت يف فهمه يف شقيها: املنهج الفللوجي االستشراقي الذي تبلور فيما يسميه اإلسالميات

والتأويل يف االجتهاد الكالسيكي املمثل يف عمل الفقهاء واألصوليني وخمتلف الكالسيكية، ومنهجي التفسري

رجال الدين املسلمني، ويلح على جتاوزمها حلساب تأسيس مشروع جديد ال يقف عند حد التنظري بل يطمح

وبالتايل إىل التطبيق يف فهم خمتلف سور وآيات القرآن الكرمي، جسده فيما أطلق عليه باإلسالميات التطبيقية،

يقوم مشروع 'أركون' يف قراءة القرآن الكرمي على أشكلة مسألة الوحي ونقد آليات القراءة الكالسيكية

وتأسيس قراءة جديدة تقوم على االستفادة من املناهج املعاصرة.

Page 144: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

145

: القرآينالوحي املبحث األول: أشكلة مفهوم

من مقومات مشروع 'أركون' يف تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآين، أشكلة مفهوم الوحي أي

اعتبار مفهومه مسألة حمرية تتطلب فهما وحتديدا، ميكن وضعها على حمك الدراسة والنقاش، بعيدا عن التصور

نحصرا فيما هو مقدس وغييب ومطابق التقليدي واملتوارث الذي كان وال يزال حييط به، ذلك الذي جيعله م

ملا ورد يف املصحف القرآين، حيث سعى إىل ربط الوحي القرآين مبفهوم جديد، يكون منطلقا وأساسا

املنجزات العلمية واملعرفية يف الفترة الراهنة يف ميادين ة علىمتفتح ة لنصوصه تكونجديد إلرساء دعائم قراءة

وص، ويعترب احلجر األساسي ملشروعه املتمثل يف جتديد آليات ومناهج م النصالعلوم اإلنسانية يف جمال فه

فهم النص القرآين يف إطار االستفادة من الطفرة العلمية واملنهجية احلاصلة يف الفترة املتأخرة من القرن العشرين

همة قام بعملني لغاية إخراجه من السياج الدوغمائي الذي ظل يفهم يف إطاره، ومن أجل إجناز هذه امل

األول: نقد املفهوم الكالسيكي للوحي، الثاين: تأسيس مفهوم جديد له. ،متكاملني

نقد 'أركون' مجلة التصورات ، يف إطار أشكلة الوحي القرآيننقد املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين: -أ

ا يلي:الكالسيكية امللحقة به، وقام بفحصها ومناقشتها يف مجلة من النقاط، أمهها م

وما ورد يف النص القرآين املدون يف اللوح احملفوظ، القرآين كما هو موجود بني الوحي نقد فكرة املساواة -

أوسع - مبا فيه مفهوم الوحي القرآين - ، حيث يؤكد 'أركون' أن مفهوم الوحي ككليف املصحف الرمسي

مستويني، يرفض املسلمون التمييز - ديداحت-وأمشل مما ورد يف النصوص املدونة حوله، ألن للوحي القرآين

بينهما ، األول يتعلق بالوحي القرآين يف العامل العلوي، ميثل "كالم إهلي أزيل ال ائي حمفوظ يف أم

، والثاين يتعلق به يف العامل األرضي وميثل "اجلزء املتجلي واملرئي واملمكن التعبري عنه لغويا واملمكن )1(الكتاب"

، هذا التمييز حسب 'أركون'مغيب ألنه "عمليا مشطوب أو غائب عن التصور الشائع عن القرآن )2(قراءته"

1 .22، مصدر سابق، ص -من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين- أركون حممد، القرآن

2 املصدر نفسه.

Page 145: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

146

ويضيف 'أركون' أن)1(بصفته كالم اهللا، والوحي، والكتاب املقدس، والشريعة اإلهلية يف وقت واحد"

ناك الكثري من ، والسيما إن كانت هاملصحف الرمسيالتفاصيل الكلية للوحي أوسع من املعطى واملضمون يف

بعد انغالق الفكر وذلك، والفنون....، واليت متثل التراث الشفهي غري املكتوب نصوصه الوقائع غري مدونة يف

املدون يف اإلطار التقليدي منذ القدمي و إىل يومنا هذا، الرمسي املصحف العثماين وحصر الوحي يفاإلسالمي

مرتبطا بقراءة ال هويته أرثوذوكسية، تتجاهل القراءة مبوجبه أصبح ضيق وحمدود، نطاقحمصورا يف الذي جعله

التارخيية له يف خمتلف املذاهب سنية أو شيعية، وغريها من املذاهب اليت مارست تأثريا كبريا يف تشكيل الفكر

اإلسالمي ماضيا وحاضرا.

مال، الرتباط هذه التصورات كامال شا خطابا إهليا متعاليا مقدسانقد فكرة اعتبار النصوص القرآنية، متثل -

ألن "الوحي كمصدر لتأسيس النظام الشرعي والقيم األخالقية املتشكلة ،إيديولوجيةالهوتية باعتبارات

واملفروضة من قبل الفقهاء مبساعدة سلطة الدولة فإنه قد أصبح حاليا مستهلكاً ومتجاوزاً من قبل الفكر

القرآين الذي يقوم على خلع املشروعية للوحي املؤدجلم التقليدي املفهو أي أن)2(احلديث والثورات احلديثة"

، وكشف أالعيبه يف إخفاء احلقيقةوتفكيكه و بدراسته، ه مع التطور العلميوزللسلطة قد آن األوان لتجا

عرقل الدراسة ألا تلكامل والشامل والنهائي والصحيح، ل الوحي القرآين كنموذجفكرة وذلك بتحليل ونقد

املوضوعية والعلمية للوحي باسم فكرة القداسة واحتكار احلقيقة.

أو قبل النقاشتال كمسلمات مسبقة، للناس واملطلق قد فكرة الوحي الذي يقدم الدين احلق والنهائي ن -

رضي 'عفانعثمان بن 'يف مصحف ائي مجع وضبط يف ظل خالفة الكرمي املدون القرآن أي اعتبار، األشكلة

، فعلى الرغم من كونه اهللا عنه، حمفوظ عن ظهر قلب، وهو الوحيد املتلو واملقروء واملشروح من قبل املسلمني

النموذج الوحيد مسلما يهاجم بقوة الفكرة القائلة أن أي دين مبا فيه اإلسالم جيب أن ال يؤسس على فكرة

1 املصدر نفسه.

2 .93، 2006، 3أركون حممد، أين هو الفكر اإلسالمي املعاصر، تر: هاشم صاحل، دار الساقي، بريوت لبنان، ط

Page 146: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

147

للناس احلقيقة املطلقة الثابتة األزلية املتعالية على كل الذي يقصي ويهمش كل من خيالفه، بذريعة أنه يقدم

تنطبق بالدرجة األوىل على اإلسالم الذي ، ومما الشك فيه أن تصورات 'أركون' بل ومقاصدهأنواع احلقيقة

أسس ملا مساها باملكانة الالهوتية للوحي، واليت جعلته عند املسلمني "على مدى قرون وقرون املصدر األعلى

كالم هللا اخلاص بذاته أزيل ال ائي غري خملوق، ميثل آخر وحي الكرمي اعتبار القرآن ،أي )1(ئي حليام" والنها

يعوض كل ما سبقه من ديانات، ويصحح التحريف الذي حلق بالتوراة واإلجنيل، وحيتوى على مجيع األجوبة

واألبدية، كما أنه شامل وكامل ويليب كل والتعليمات واملعايري اليت حيتاجها البشر يف تدبري حيام الدنيوية

بالرغم من أن نقده غري مقبول عند ينتقده هو ماهذا التصور وحاجات املؤمنني وجييب على تساؤالم،

حبجة مساسه بقداسة الوحي والطعن فيه. قد يبدوا سلبيا ويرفض من أطراف خمتلفة وفئات كبرية الكثريين، و

من الذي ه، وهوحترمي كل دراسة أو حتليل نقدي ملضامينللوحي الذي يقوم على نقد التصور األرذوكسي -

باملستحيل التفكري فيه 'أركون'يقع يف دائرة ما يسميه ، حني جيعلهشأنه أن يطمس الكثري من احلقائق املتعلقة به

ما كان قد نطق به من يف التراث اإلسالمي والذي حيدد مقصوده "يف املكانة األرثوذكسية الالهوتية للوحي ك

قبل النيب ومجع فورا أو الحقا يف املصحف الرمسي حتت إشراف اخلليفة عثمان بن عفان، ال ميكن أن يكون

أن الوحي يف الفترة الالحقة لرتوله، حسب هذا التصور يؤكد، )2(موضوعا للدراسة أو مادة للتحري النقدي"

قرآن يف القرن احلادي عشر للميالد ارتبط عند املسلمني وبالضبط منذ تشكيل املصحف العثماين وتدوين ال

، و استعمال هذا املصطلح "ال يعين به طبعا اعتناق املذهب متنع الدراسة العلمية له مبكانة أرثوذكسية

األرثوذكسي املسيحي، كما ال يعين به االجتاه الصحيح واملستقيم باملعىن املسيحي دائما، بل يعين به اآللية

1 .11، مصدر سابق، ص - التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديينمن -أركون حممد ، القرآن

2 .12املصدر نفسه، ص

Page 147: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

148

الصلبة واملنغلقة على ذاا أو املخطئة واملكفرة لآلخرين، وقد وسعه أركون ليشمل كل جماالت املعرفة الفكرية

. ) 1(املنغلقة أو املتمركزة حول ذاا مثل املاركسية األرثوذكسية واللسانيات األرثوذكسية...اخل"

، حسب التحول احلاصل يف مفهومه مبطنة،اعتبارات إيديولوجية نقد التصور الكالسيكي للوحي املبين على-

عن هذا التحول: "وهكذا مت حتويل كالم اهللا املتمثل ينطقه الشخص ذاته وبصفته أزليا، أبديا، 'أركون'يقول

متعاليا، ال ائيا وغري قابل لالستنفاد من قبل أي جهد بشري، إىل كتاب عادي نلمسه باليد وحتسمه، ونفتحه

ت عينه مبلكة ال هويتيه بصفته كتابات مقدسة، وشرعا مقدسا، وأخالقا مقدسة، ونقرؤه ولكنه يتمتع يف الوق

.)2(ومعرفة متعالية أو ختلع التعايل على األشياء"

هنا يصف أركون كيفية حتويل كتاب عظيم وهو القرآن الكرمي ككتاب أزيل، أبدي، متعايل، ال ائي ال

سالمي الكالسيكي ذام، إىل كتاب عادي أو مصحف تدركه عقول البشر، كما يعتقد أنصار الفكر اإل

يلمس باليد ويقرأ داخل أسوار ومهية ويتخذ مطية للدعوة إىل الشرائع واألخالق املقدسة واملعارف املتعالية اليت

تمعات ا يف قد ال متت إىل الواقع بصلة، حيث مت هذا التحويل نتيجة لظروف السياسية والثقافية واالجتماعية

جدار منيعا حيول دون تقدم الفكر اإلسالمي وتأسيس دراسة تزالكانت وال وهي مابية واإلسالمية، العر

ورؤية علمية وموضوعية للقرآن الكرمي، حتت قناع احلقائق اإلهلية معصومة واملقدسة والعقائدية اليت يتضمنها

الوحي واليت ختفى مضمونا إيديولوجيا متعدد األبعاد.

كانت وال زالت أسسا - الوحي القرآين خصوصا- بادئ اليت تؤسس الفهم الكالسيكي للوحيامل أهم هذه

ثابتة، جتعل من الوحي ظاهرة متعالية فوق تارخيية يف شكل فكرة راسخة يف أذهان أغلب املسلمني إن مل نقل

زحزحتها عند أركون؟ كلهم، باعتبارها منوذج اإلميان الصحيح والكامل عند ماليني املسلمني، فما السبيل إىل

.176ص 2005، 1الفجاري خمتار، نقد العقل اإلسالمي عند حممد أركون، دار الطليعة، بريوت لبنان ط1

2 .26، مصدر سابق، ص -من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين- أركون حممد، القرآن

Page 148: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

149

أن يقدم تصورا علميا موضوعيا حوله أم أن بإمكانهوما البديل الذي يراه مناسبا لفهم حقيقة الوحي؟ وهل

أفكاره تبقى تصورات نابعة من ذاته املتشبعة بالثقافة الغربية؟

مل يقف 'أركون' عند نقد التصورات الكالسيكية للوحي القرآين، تأسيس مفهوم جديد للوحي القرآين: -ب

بل سعى إىل تأسيس مفاهيم وتصورات جديدة له، مستعينا بآليات الفهم املعاصر للنصوص، وأمهها ما يلي:

والقرآن كظاهرة شاملة ومعقدة على وجود هوة شاسعة بني الوحي استعان 'أركون' باملنهج األلسين، ليؤكد -

رضي هللا عنه بعد حرق املصاحف األخرى، 'عثمان بن عفان'كمصحف مدون بصورة رمسية يف عهد الكرمي

يقول:"من الناحية األلسنية أو اللغوية ميكن القول بأن القرآن عبارة عن مدونة منتهية و مفتوحة من العبارات

عن طريق النص الذي ثبت حرفيا أو واملنطوقات املكتوبة باللغة العربية. وهو مدونة ال ميكن أن نصل إليها إال

كتابيا بعد القرن الرابع اهلجري/العاشر امليالدي.إن كلية النص املثَبت على هذا النحو كانت قد عوملت

، حيث يرى أن املفهوم املناسب له كمصحف هو املدونة الكربى، )1(بوصفها كتابا واحدا أو عمال مطلقا"

وز النص املثبت وتفهم يف إطار أشكلة الكل الذي يتضمنه ويعترب أوسع مدونة مفتوحة متعددة الدالالت تتجا

منه أال وهو الوحي.

استعان بالتاريخ والنقد التارخيي واملقارنة بني األديان والتفكيك إلرساء مفهوم جديد للوحي القرآين، يتسم -

العودة إىل اللحظة األوىل له من ميكن ظاهرة حني يعتربه وبصفة الشمولية، التارخييةبصفة املوضوعية العلمية وب

أجل البحث يف اجلذور األوىل والتفاصيل املشكلة للخطاب القرآين يف مهده األول، وباخلصوص تلك التفاصيل

يف نصوصه الكرمي املهمشة واملستبعدة، حيث يريد أن يبين فهما أمشل وأعمق للوحي مما يقدمه القرآن

حبة له يف فترة نزوله، وبتحليل كل املعطيات الواردة حول ظاهرة الوحي يف اجلاهزة، بتحليل الوقائع املصا

.مفهومها الشامل بالرجوع إىل التصورات املتعلقة ا يف الديانات السماوية األخرى وهي اليهودية واملسيحية

1 .114-113املصدر نفسه، ص

Page 149: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

150

من شأنه أن ، وذلك ما لوحيبتحليل فينومنولوجي للتحديد األرثوذكسي لاستعان بالفينومنولوجيا، حني قام -

يطلعنا على التصورات اليت نسجها الفكر اإلسالمي الكالسيكي حول الوحي، وميكننا من اإلطالع على مجلة

قال األسس اليت تقوم عليها، إذ تنطلق من عبارتني شائعتني اليوم، وهي قول املسلم يف بداية كل سورة أو آية:

دون أي جمال للمناقشة والبحث حول تأليف النص أو املكانة ا بقوله صدق هللا العظيم دائما،إائهمهللا تعاىل، و

اإلهلية ملضمونة املستشهد به بصورة عفوية وتلقائية يف معظم األحيان، حيث كثريا ما يكون االستشهاد غري

متناسب مع الظروف، ويركز أركون على كيفية التعامل مع الوحي القرآين يف الفترة املعاصرة، ويؤكد طغيان

الدمياغوجي الشعبوي عليها، وذلك عندما احنصر االهتمام به عند فئات غري متمكنة أو متحكمة، التدين

وأصبح يف متناول املؤمنني األميني الذي ال يعرفون القراءة والكتابة، ويقولون للناس ماهي املبادئ اليت جيب

اإلميان ا أو رفضها.

باالستعانة مبعطيات ،والسيميائي حول اخلطاب القرآين يف فهم الوحيمعطيات التحليل األلسين استفاد من -

علمية معاصرة عن طريق ما يسميه املقترح االستكشايف التايل: "ما كان قد قيل وعلم وفسر وعيش عليه بصفته

اعية الوحي يف السياقات اليهودية واملسيحية واإلسالمية ينبغي أن يدرس أو يقارب منهجيا بصفته تركيبة اجتم

لغوية مدعمة من قبل العصبيات التارخيية املشتركة واإلحساس باالنتماء إىل تاريخ النجاة املشترك لدى اجلميع "

)1( .

من خالل هذا املقترح الذي يدعوا إليه"أركون" يف فهم ظاهرة الوحي، نالحظ أنه يدعوا إىل استكشاف

واملسيحية واإلسالم، تعتمد على املقارنة املنهجية بني هذه وقراءة جديدة للوحي يف مفهومه الشامل يف اليهودية

الديانات قبل كل شيء، وإزالة النظرة الالهوتية اليت ظلت تتعلق به يف اخلطاب القرآين على وجه اخلصوص،

را حيث يرى أن الفهم األمثل له يكمن يف إثارة املشاكل اللغوية والسيميائية والتارخيية واألنثربولوجية اليت أثا

1 .21املصدر نفسه، ص

Page 150: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

151

النصوص القرآنية حوله، بدل األحكام الالهوتية اليت تفتقر إىل متييز التمييز بني املستويني من الوحي: األول

جيعل من القرآن كالما إهليا أزليا ال ائيا، والثاين جيعل منه جزءا متجليا ومرئيا باإلمكان التعبري عنه لغويا

الفكر اإلسالمي التقليدي، باستثناء نظرية املعتزلة اليت قالت خبلق وقراءته، فهذا التمييز هو الغائب األكرب يف

القرآن وميزت بني املستويني، لكنها عرفت احنسارا وتراجعا، يف مقابل سيادة الرؤى اليت وجدت معها واليت

تؤسس جعلت من القرآن كالما إهليا وشريعة يف وقت واحد، رغم أن أحد أهم املبادئ اليت تقوم عليها آرائها

للفصل بينهما حني تربط الوحي مبا هو متعايل والشريعة مبا هو واقعي وملموس.

يبني 'أركون' أن الوحي يفهم يف ظل اعتبار اخلطاب القرآين خطابا نبويا، من منطلق أن هناك إستراجتيتني -

قة هلا بأي شيء على الرغم من أن هلما أهدافا مضادة "تسجنان اخلطاب القرآين داخل خصوصية مطلقة ال عال

آخر. أوالمها إستراجتية املسلمني الذين قرؤوه بصفته كالم اهللا ذاته، منطوقا به صوتيا (ولكن ليس قواعديا أو

معنويا أو أسلوبيا) من قبل النيب. وثانيهما إستراتيجية غري املسلمني وباألخص يهود ومسيحي املدينة الذين

ي حاول حتريف الوحي 'احلقيقي' الذي تلقاه أنبياء إسرائيل والذي جتسد رأوا فيه تشبيها كاذبا للنيب نفسه الذ

وهاتني اإلستراجتيتني جيب جتاوزمها حسب أركون ألما مفروضتني من قبل أنظمة )1(بعدئذ بيسوع املسيح."

الذي الهوتية مغلقة يف الفكر اإلسالمي والغريب على حد سواء، وذلك بالتحليل األلسين للخطاب الديين، ذلك

أي أن اخلطاب القرآين عند ) 2(جيعلنا نستخلص "بعض اخلصائص اللغوية ملا كنا قد دعوناه بالوظيفة النبوية"

أركون يعترب جزء من ظاهرة الوحي يف مفهومها الشامل وال يفهم إال يف إطار جماهلا الكلي.

نطلق من حتليله الشامل وليس يف ندرك أنه ا '، أركون' طرحهاكما ي مفهوم الوحيأشكلة من خالل حتليل

إطار الوحي القرآين ككتاب منعزل عن الكتب السماوية األخرى، كما اعتمد على نقد مفهومه الكالسيكي

أكد أن مفهوم الوحي القرآين على وجه التحديد أمشل وأوسع و، الكرمي القائم على املساواة بينه وبني القرآن

1 .87أركون حممد، أين هو الفكر اإلسالمي املعاصر؟ مصدر سابق، ص

2 .87املصدر نفسه، ص

Page 151: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

152

املصحف الرمسي املتداول أو الرمسي املدون يف عهد عثمان بن عفان رضي من حيث األفاق والرؤية مما يتضمنه

يرفض اعتباره ظاهرة متعالية فوق واهللا عنه، ومن ناحية أخرى ينتقد فكرة الوحي الكامل الصحيح الوحيد،

نت تارخيية ال ميكن أن تكون موضوعا للدراسة أو مادة للبحث والنقد، كما يهاجم النظرة التبجيلية اليت كا

وال زالت حتيط به إىل أقصى احلدود، ويرى أا كرست العتبارات إيديولوجية بقنوات متعددة أمهها املدارس

قد تبدو هذه التصورات على درجة ، وواملساجد اليت أوقعت وأسرت الوحي داخل دائرة املستحيل التفكري فيه

، هو انطالقه من 'أركون'دد دراستها عند من اخلطورة وحتتاج إىل جرأة كبرية يف التصريح، لكن ما يهم بص

ازحزحة صفة القداسة اليت كانت والزالت مالزمة ملفهوم الوحي، وهدفه األمسى جعله ظاهرة تارخيية وخطاب

احلفر يف طبقاته العميقة وحتليله واكتشاف جذوره بعيدا عن بللتحليل والدراسة، ميكن أن يفكك وحيلل قابال

يف نظرهم الذي جيمع املدون الكتاب القرآين بسلطة املكتوب فقط، والسيما إن كان املسلمون يقرنون الوحي

حيتم على كل باحث يسعى إىل اكتشاف األول، جزءا من رغم أن الثاين يف نظره يعتربكل ما ورد فيه،

أبعاده األنثربولوجية حسبالوقائع املصاحبة له ما حييط به من حتليل كتفاء بالنص املدون وم االحقيقته إىل عد

والنفسية واالجتماعية والسياسية.

يف حتديد احلقيقة الوحي كظاهرة تارخيية وخطاب موجه إىل 'أركون'املفهوم اجلديد الذي يؤسس له إذن

يف النصوص املوجودة يف املصحف القرآين فقط، وال ما هو مدونيف ا اال ميثل ما هو مدونجيعله اإلنسان،

الكتب السماوية األخرى كالتوراة واإلجنيل، بل يتجاوز ذلك إىل كل ما هو معيش أو غري مكتوب أو حمكي

بتجاوز املناهج أو غري حمكي من وقائع مصاحبة له، واليت ميكن أن تفهم النصوص اليت بني أيدينا يف إطارها

وباخلصوص الوحي القرآين، ، ولذلك جيب إعادة اكتشاف ظاهرة الوحي يكية اليت مل تعر االهتمام هلاالكالس

الذي يسميه 'أركون'باالستفادة من منجزات العلوم اإلنسانية واالجتماعية يف فهمه، وهذا هو املنطلق ملشروع

لتصورها للوحي القرآين إىل نقد أركون باإلسالميات التطبيقية كثورة على اإلسالميات الكالسيكية اليت أشرنا

Page 152: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

153

همالزمتني لكانتا والزالتا ثورة على القداسة والتعايل كخاصيتني والذي قام يف جوهره على ال، يف هذا العنصر

ىل يومنا هذا، واليت تكون يف إلنظرية خلق القرآن عند املعتزلة 'أمحد بن حنبل'منذ نقد اإلمام أي منذ القدمي

أمام فهم ى االعتبارات اإليديولوجية املترتبة عنهما، واليت كانت وال تزال عوائق وحواجزجوهرها ثورة عل

،القرآين على وجه اخلصوص، والسيما إن كان مجلة الفقهاء واألوصياء عليه اليوم نصموضوعي وشامل لل

ستفادة منها ويكتفون يتنكرون ملنجزات الفكر الغريب يف ميدان العلوم اإلنسانية واالجتماعية، ويرفضون اال

ضرورة التفكري يف إعادة النظر من 'أركون'كما يرى وال مفروأصول الفقه الكالسيكية، الكرمي بعلوم القرآن

فيها واالستفادة من اآلليات اجلديدة يف التعامل مع النص القرآين لكي نواكب التطور احلاصل يف البحث

العلمي يف ميادين قراءة النصوص باستثمار منجزات العلوم اإلنسانية يف الفترة األخرية .

Page 153: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

154

الثاين: نقد املناهج التقليدية وتأسيس اإلسالميات التطبيقية. املبحث

تأثر 'أركون' حلال املناهج الكالسيكية نتيجة للتطور احلاصل يف آليات قراءة النصوص يف الفترة املتأخرة،

تقليدية املطبقة يف قراءة النص القرآين، فسعى يف إطار حتليل ونقد العقل اإلسالمي إىل نقد خمتلف املناهج ال

باإلسالميات التطبيقية كمشروع مساه لينتقل بعد ذلك إىل تأسيس ما املستخدمة يف قراءة القرآن الكرمي،

متعدد املناهج والطرق، مت فيه وضع اللبنة األوىل للعالقة بني النص القرآين ومبدع، جديد ،عمليعلمي و

يدفعنا إىل ، املفاهيمي واملنهجي هحسب تشعبوآليات الفهم املعاصر، هذا املسار الذي من الصعب تتبعه

التساؤل: كيف انتقل أركون من نقد املناهج التقليدية إىل تأسيس اإلسالميات التطبيقية؟

نقد املناهج التقليدية:-1

يتأسس نقد املناهج التقليدية عند 'أركون'، على ثالث حمطات:

: نقد العقل اإلسالمي-أ

ل اإلسالمي' بديال للعقل العريب كما قال به 'اجلابري'، وجعله حمورا تدور يف اختذ 'أركون' مصطلح 'العق

عقل عريب متميز فلكه كل املناهج الكالسيكية، واال عليه بالتحليل والنقد والتفكيك، حيث رفض وجود

اليت تتحكم أن املسلمني "مجيعا حمكومني بنفس املسلمات الالهوتيةمؤكدا ...عن عقل إيراين أو باكستاين

وهي اليت كانت واملطلق، القداسة والتعايل واإلميان الصحيح وهي، )1(بالعقل وطريقة اشتغاله وتسيريه"

ومازالت تتحكم يف العقل اإلسالمي وحتيطه بسياج دوغمائي منيع، يقيد الفكر اإلسالمي وحيول دون تقدم

بالتايل"فتح العقليات املغلقة منذ زمن طويل، ينبغي األحباث يف جمال قراءة النص القرآين على وجه اخلصوص، و

1 .10، ص 2010، 1أركون حممد، اهلوامل والشوامل حول اإلسالم املعاصر، تر: هاشم صاحل، دار الطليعة، بريوت لبنان، ط

Page 154: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

155

وذلك ألن قراءته وفهمه عرب التاريخ والسيما من ، )1(أن يبدئ بفتح ورشة كبرية عن الدراسات القرآنية"

الفقهاء واملفسرين، قد لعبت الدور احلاسم يف توسع وانتشار فكرة التعارض بني العلوم الدينية والعقلية، والبد

من نقد هذه الفكرة وجتاوزها عن طريق جتديد فهم النص القرآين بإخراجه من سياج القداسة، وفتح ورشة

فكرية أو علمية حوله يف بلدان العامل العريب واإلسالمي، مهمتها القصوى هي التحرر من العقل الالهويت عن

ثربولوجيا واملنهجية األلسنية والتفكيكية. طريق تطبيق اآلليات اجلديدة يف فهمه وعلى رأسها علم التاريخ واألن

يما خيص فجمموعة من "املبادئ الالهوتية املشتركة لدى مجيع املسلمني 'أركون'ميثل هذا العقل الالهويت عند

وتظهر يف شكل مسلمات ال تناقش، منها اعتبار الوحي القرآين آخر وحي ميثل كالم اهللا األزيل )2(الوحي"

، حيتوي مجيع األجوبة والتعليمات اليت واإلجنيللوق، يصحح التحريف الذي حلق بالتوراة والنهائي غري املخ

حيتاجها البشر يف حيام الدينية والدنيوية، حمفوظ ومدون بني دفيت املصحف بشكل كامل ودقيق وصحيح،

اليت أكد أا "رسخت يف ،، وغريها من املبادئ الالهوتية...ميثل الشرع الذي أمر اهللا املؤمنني إتباعه حبذافريه

وكأنه يريد أن يقول أا قد انتقلت إىل )3(عقول املسلمني "نتيجة سريورة تارخيية طويلة من التعليم والتلقني"

املسلمني يف شكل مسلمات مفروضة من طرف مؤسسات خمتلفة كاملساجد واملؤسسات التعليمية املختلفة على

وفترة ما على خالف ما كان سائدا يف الفترة األوىل للوحي ،ل فيهاعقول املسلمني دون أي مناقشة أو جدا

قبل القرن اخلامس حتديدا، وال سبيل إىل االنعتاق منها يف نظره، إال بتطوير البحث األكادميي والعلمي والسيما

رها وعلى يف قراءة النصوص التأسيسية، عن طريق االستفادة من العلوم واملناهج املعاصرة يف فهمها وفك أسرا

رأسها القرآن الكرمي واليت تنتهي بتأسيس قراءة موازية لتلك القراءات املتراكمة واملكدسة يف املؤسسات الدينية

خصوصا ميكن االستفادة منها يف مواكبة معطيات احلداثة يف الفترة املعاصرة.

1 .58حممد، قضايا يف نقد العقل الديين، مصدر سابق، ص أركون .18، مصدر سابق، ص -من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين-أركون حممد، القرآن 2 .20املصدر نفسه، ص 3

Page 155: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

156

)∗(سميه بالعقل الدوغمائي إن املهمة القصوى للبحث العلمي الراهن يف نظر 'أركون'، هي التحرر من ما ي

الذي كان وال يزال ميثل السمة األبرز للعقل اإلسالمي ماضيا وحاضرا، وإرساء دعائم عقل نقدي يفك العقال

يف شكل عقائد موروثة وتعاليم ثابتة ال ) ∗∗(اإلبستيمية واالبستيمولوجية اليت فرضتها األرثوذوكسية اإلسالمية

تناقش متثل اإلسالم الكامل واإلميان الصحيح، وهي مسلمات أطرت خمتلف أحباث العلماء و املفسرين

الكالسيكيني و املؤرخني حول اإلسالم ككل، حبيث "ال تزال تلك املسلمات املعرفية الضمنية تؤثر تأثريا كبريا

تاريخ ما يسمونه 'اإلسالم' دون أن مييزوا بني ما فرضه العقل الدوغمائي على على كتابة املسلمني اليوم ل

تصورام للماضي البعيد والقريب وبني ما يفتحه اخلطاب القرآين من أفاق متجددة للتفكري والتأويل واملعاين

تية وأرثوذوكسية ، أي جعلت العقل اإلسالمي اليوم يقبع يف مسلمات الهو)1(االحتمالية واإلبداعات الرمزية"

تتأسس عليها خمتلف املؤلفات يف تاريخ اإلسالم وقراءة القرآن الكرمي، ويفتقر إىل التمييز بني ما فرضه العقل

الدوغمائي وما فتحه اخلطاب القرآين من أفاق جديدة للفكر واإلبداع والتطور يف شىت امليادين.

: نقد مناهج اإلسالميات الكالسيكية -ب

ون' مناهج اإلسالميات الكالسيكية اليت متثل آليات املستشرقني يف قراءة التراث اإلسالمي، ينتقد 'أرك

وبالتحديد املنهج الفللوجي الذي كان أهم مناهجهم يف حتقيق وقراءة النصوص، معرفا يف البداية االستشراق

دراسة اإلسالم هي يف بأنه يعرب عن "خطاب غريب حول اإلسالم... اخلطاب الذي يهدف إىل العقالنية يف

∗ائد وأغلق ما كان مفتوحا، العقل الدوغمائي عند 'أركون' ليس ظاهرة خاصة بالعقل اإلسالمي، بل هو عقل بالقوة أطر خمتلف الديانات والعق

وحول ما ميكن التفكري فيه إىل املمنوع التفكري فيه، وهو ما نتج عنه توجيه قسري للفكر حنو ما يسمح أو جيب التفكري أو يف حدوده.∗∗

دئ حمددة لإلميان توجد األرثوذوكسية عند 'أركون' يف شكل أحكام مسبقة وأطر ومقوالت جاهزة ثابتة ويقينية توجد يف عقل املسلم، كمبا يف الصحيح ومتثل الفهم الصحيح والنهائي لإلسالم الذي يرفض مبوجبه كل رؤية جديدة أو قراءة مغايرة ملضامينه، رسختها املؤلفات املنتشرة

وهي يف نظره أكثر انتشار خمتلف أحناء العامل اإلسالمي يف شكل أدبيات تراثية تتعلق باإلسالم النضايل، الوعظي، الدوغمائي، ذي األهداف الشعبية، تقدم صورة وتأثريا يف العامل اإلسالمي بل وحىت العامل الغريب، حبيث متلئ رفوف املكتبات ا يف شىت األحناء واألقطار، يف مقابل قلة الكتب اليت

تعطي األولوية للتحليل التفكيكي، تارخيية وعلمية وموضوعية عن اإلسالم والقرآن الكرمي فهي يف نظره قليلة ألا متثل تلك الكتب اليت راري واإليضاحي، والنقدي عن كل أنظمة العقائد والالعقائد، وعن كل التركيبات الالهوتية، والتفسريية، والتشريعية املوروثة عن التراث التك

الطويل. .7أركون حممد، قضايا يف نقد العقل الديين، مصدر سابق، ص1

Page 156: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

157

أي جمموعة من األحباث والدراسات نشأت يف بيئة غربية وطبقت يف بيئة شرقية )1(الواقع من اختراع غريب"

إسالمية، مما جيعلها تتعامل مع التراث اإلسالمي ومع النص القرآين حتديدا، بآليات مؤطرة بأفكارها وتوجهاا،

هلا ولرتعتها املركزية األوربية، و يرفض املبالغة يف احلديث عنها أو يلوجو'أركون' ال يركز على النقد اإليديو

يرفض الرأي القائل أن كل ما جاء من املستشرقني يعترب معاديا لإلسالم، مؤكدا على أولوية النقد اإلجيايب أو

اخلصوص، العلمي ألفكارهم ومناهجهم، مركزا على قصور أدوات قراءم للنص، النص القرآين على وجه

فهما خطيا له تؤسسيف النصوص املكتوبة، و -الوحي القرآين حتديدا- الوحي ختتزل وعلى تلك نظرة اليت

حيصر معانيه ومقاصده يف مستوى البنية اللغوية هلا.

على النصوص املكتوبة يف التراث اإلسالمي دون حتليلها بآليات الفهم االستشراق نتقد 'أركون' اعتماد ي

: "جند أن االستشراق احلديث قد اتبع الطريق السهل املتمثل مبجرد نقل النصوص ، مصرحا أننااملعاصر

اإلسالمية القدمية إىل اللغات األوربية احلديثة دون أن حيللها من أجل تعرية فرضياا الضمنية ويكشف عن

ة يف البيئات العلمية األوربية على طاب السائدبنيتها املفهومية واملصطالحية، ومل يطبق حىت اآلن منهجية نقد اخل

النصوص املكتوبة باللغات اإلسالمية ويف مقدمتها اللغة العربية، وحىت مفهوم اإليديولوجيا الذي يطغى على

األدبيات اإلسالمية والعربية احلالية ال حيظى بالتحليل واالهتمام من قبل الباحثني مسلمني كانوا أو مستشرقني"

الشفهي وغري املدون الذي صاحب ميالد النص القرآين دون أن يدون، يف نظره ال يتحدثون ألموذلك )2(

اخليال قي عالقته بالتصور وكملكة للمعرفة مرتبطة بالعقل "وقدم املسلمون واملستشرقون معا تصورا وال عن

ون اخليال واملتخيل يف خاصا عن الفكر اإلسالمي مغموسا بشكل كلي مبفهوم العقل والعقالنية، وراحوا يرم

دائرة اخلطأ والوهم واخلرافة واالحنراف.وراحوا يعتقدون أن عمليات االنبهار والزخرفة وااز اخلالب هي

1 .51ريب اإلسالمي، مصدر سابق، ص أركون حممد، تارخية الفكر الع

2، 1990: مركز اإلمناء القومي، بريوت لبنان 2، ط1986: اليونسكو، باريس 1تر: هاشم صاحل، ط ،أركون حممد، اإلسالم واألخالق والسياسة

.8ص

Page 157: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

158

أشياء مقصورة على األدب باملعىن الفين للكلمة (شعر، حكايات، روايات) ولكنها معدومة متاما من ساحة

ند العرب مبا هو لغوي وليس مبا هو فكري، ويعتربه جينح إىل جعله وهنا ينتهي إىل ارتباط اخليال ع )1(الفكر"

.مماثال للوهم واالحنراف

االهتمام يوقعهم يف ،دراسة الوحي عند املستشرقني يفاالقتصار على ما هو مكتوب إذن يبني 'أركون' أن

، وذلك ألن هعطياتمفهم االختزال والتقصري يفوالسطحية بالبنية اللغوية للنصوص فقط، وهي ما توقعهم يف

الذي و ،الذي كان له قسطا كبريا يف صناعة املخيال ،بواسطة النصوص فقط يسقط دور الشفهي هافهم

كار تلك اليتالرؤية املثالية لتاريخ األفوحسب نهج فقه اللغة، متتجاهله تلك الدراسات بسبب اقتصارها على

اليت تتضمن احلقائق كمعطيات موضوعية ،رد يف النصوصتنطلق من املطابقة بني ما يتضمنه الوحي مع ما و

عنها يف اآليات والسور قائمة بذاا، وميكن أن تستخرج من ثنايا التعبريات واألساليب اللغويةجاهزة و

ال ختتلف عن الفكر اإلسالمي الكالسيكي الذي تنتقده، فهي بدورها 'أركون'، وهذه النظرة حسب القرآنية

ال تستطيع ألا تقع خارج الدراسة النقدية الفعالة للعقل اإلسالمي، ،خيضعها للنقد وينعتها باألرثوذوكسية

بالبحث يف، خاصة عندما تكتفي النصوص كشف العالقة املوجودة بني الوقائع املصاحبة لظاهرة الوحي و

اكتشاف مدى تفاعل املسلم عرب التاريخ كما ال ميكنها أن تصل إىل، تها لفهم ظاهرة الوحي القرآينولغ تهابني

يرتبط بشروط نفسية واجتماعية وروحية الذي ه،منذ الوهلة األوىل للوحي مع النصوص املقدسة املوجودة في

حني يركزون ،فكار يتشبث به املستشرقونيتعارض مع وجود تاريخ خطي لألمعه توجهه يف فهمه والتعامل

باقتصارهم على النقل من النصوص القدمية دون أن يبحثوا يف ،على األصول النظرية األوىل للفكر اإلسالمي

الكرمي يف نظر لقرآنل االستشراقية لقراءة اوبالتايل األسس الفكرية واالجتماعية والسياسية اليت أنتجتها،

متضامنة مع املاضي بإفراطها يف نهج الفللوجي القائم على حتقيق النصوص، تبقى'أركون'، باعتمادها امل

1 ، ص نفسها. املصدر نفسه

Page 158: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

159

فهم النصوص، يف آلليات املعاصرة لاستغالل النصوص القدمية وليست متضامنة مع الصورة اجلديدة للمعرفة و

هم أمشل للوحي لبناء ف ،يف عدم االستفادة من معطيات العلوم اإلنسانية ،وبذلك تتقاطع مع الفكر الكالسيكي

املتنكر للعالقة املتبادلة بني اخلطييتجاوز الوظيفة التارخيية التوثيقية اليت يربطوا بنصوصه ويرفض مساره

إزالة هالة القداسة اليت أضيفت إىل النصوص ونستطيعيال ، وبالتايل األفكار والوقائع اليت تنتجها وتصنعها

القرآين. خلارجية اليت حتيط بالنصوص املكتوبة يف تشكل ظاهرة الوحيما داموا يتجاهلون املعطيات ا .املكتوبة

انطالقا مما سبق ميكن القول أن إسهامات املستشرقني يف فهم النص القرآين برؤية 'أركون'، تعاين قصورا

قه هي منهجيا و ال تواكب املناهج اجلديدة وحتديات البحث العلمي املعاصر، وقد جعل املهمة امللقاة على عات

أن جيعل االستشراق يلحق "بركب التجديد املنهجي واملفهومي الذي حصل يف ربع القرن املاضي، فال يعقل

أن يظل منغلقا على نفسه وراضيا مبنهجية القرن التاسع عشر ورافضا االنفتاح على الثورة املنهجية

، وهنا يتبني أن نقده للمستشرقني )1(يوم" واالبستمولوجية اليت شهدا العلوم اإلنسانية منذ الستينات وحىت ال

حموره املنهج وليس الغايات فقط، ألم حسب نظره يستمرون مع بعض االستثناءات القليلة "يف جتاهل

املكتسبات اإلجيابية لعلوم اإلنسان واتمع وعدم الثقة ا حبجة أا متثل'زيا وموضة عابرة' . إم يرفضون فتح

أي أم مل يستفيدوا من آليات الفهم )2(ابستمولوجية خبصوص ممارسام ومناهجهم العلمية بالذات" مناقشة

اجلديدة يف قراءة النصوص، ومن ناحية أخرى البد من اإلقرار أن أحباثهم سيستفيد منها 'أركون' ليس يف

لك عن طريق االستفادة من التحرر من القراءة االعتقادية للقرآن الكرمي فحسب، بل يف جمال املنهج وذ

منهجهم التارخيي، معتربا إياهم أم أول من طبقوه بكل منهجياته وإشكالياته وتقنياته يف التحقيق النقدي مع

النصوص واملخطوطات، لكنه يؤكد يف الوقت نفسه أم فشلوا يف مهمتهم وهي فهم موضوعي لإلسالم

، ما داموا يكتفون بتطبيق املنهجية الفللوجية اليت اشتهروا ا، والنصوص املؤسسة له وعلى رأسها القرآن الكرمي

1 .130أركون حممد، قضايا يف نقد العقل الديين، مصدر سابق، ص

2 .253حممد، تارخيية الفكر العريب اإلسالمي، مصدر سابق، ص أركون

Page 159: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

160

بعيدا عن اإلشكاليات واملفاهيم واملناهج اليت اقتضتها الظروف اجلديدة، واليت حتمت جتاوزها إىل املناهج

ئع مادية واآلليات اجلديدة اليت افتقروا إليها يف حتقيق النصوص. اليت ال ميكن أن تكون وقائع أو حتيل إىل وقا

ملموسة تكتفي بالدراسة الوضعية بقدر ما حتمل عبقا روحانيا، يكون املنهج الفللوجي والوضعي قاصرا عن

إدراكه، وذلك الكتفائه بالنصوص املدونة اليت مل كل ما حييط ا املتمثل يف: الشفهي غري املكتوب،

غوية كالشعائر واملوسيقى...وغري ذلك من الظواهر اليت املؤلفات غري رمسية أو متثيلية، األنظمة السيميائية غري الل

حتيط بالنصوص املدونة وعلى رأسها القرآن الكرمي الذي اعتربه أركون ظاهرة وخطابا، وليس نصا مدونا

يكفي املنهج التارخيي الفللوجي املعتمد على كتبات املفسرين والفقهاء كالطربي، واملؤطر بالرتعة املركزية

يت ال ينكرها أركون على الرغم من عدم التركيز عليها من أجل بناء فهم مناسب وفعال له، وبالتايل األوربية ال

ينتقد أركون مناهج املستشرقني يف التعامل مع النصوص التأسيسية وعلى رأسها القرآن الكرمي حسب ثالث

طي لألفكار، وجتاهل املقاربة مستويات وهي:"التمسك بالبنية الداخلية للنصوص فقط، والتشبث بالتاريخ اخل

ويف جمال القرآن الكرمي يؤكد 'أركون' وذلك ألا تستنطق النصوص من خالهلا قراءا اللغوية، )1(االناسية"

يف صياغة أصحاا دور يتجاهليف فهمه مضافة على نصوص القراءات االستشراقية له، اعتماد كذلك أن

ال ينبغي أن يعامل بوصفه نصا بل بوصفه فعال تواصليا وأن خيضع لشروط " الكرمي يف نظرهاملعىن، والقرآن

أي كخطاب كما أشرنا سالفا، وتقوم على النظر إليه حسب تطور أو تقدم لألفكار ) 2(القراءة التواصلية"

وليس حسب أسسها العميقة، وتفتقر إىل املقاربة اإلناسية حسب خضوعها لسلطة املكتوب يف قراءة النص

آين والنصوص املضافة إليه بالدرجة األوىل مهملة ما أحاط به من ظروف مؤسسة وثقافة منتجة. القر

1 .25الفجاري خمتار، نقد العقل اإلسالمي عند حممد أركون، مرجع سابق، ص

2 .26املرجع نفسه، ص

Page 160: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

161

: االجتهاد التقليديمناهج نقد -ج

يقول 'أركون': "االنتقال من مرحلة االجتهاد الكالسيكي إىل مرحلة نقد العقل اإلسالمي ينبغي أن يصمم

، وهو بذلك يؤكد أن دراسة وفهم )1(ويصور على أساس أنه امتداد لالجتهاد الكالسيكي وإنضاج له"

قل اإلسالمي، لذلك حاول احلفر االجتهاد الكالسيكي يعترب مبثابة خطوة أولية البد منها للقيام بنقد الع

والتنقيب يف أسسه ومناهجه، ونقد اآلليات اليت اعتمدها يف قراءة النص القرآين نقدا موسعا، منطلقا من الثورة

على املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين الذي يتأسس عليه، ذلك الذي يربطه مبسلمات الهوتية تبجيلية خترجه

لغة مثالية متعالية مطلقة بعيدة عن كل ما بشري وأرضي كما أشرنا إليه سابقا، عن إطار التاريخ، وحيصره يف

ومبوجب تلك التصورات يكون صلب النقد املوجه من طرف 'أركون' للمفسرين الكالسيكيني مركزاً على

النموذج جتاهلهم التفاعل بني اللغة والفكر كأساس لفهم وقراءة القرآن الكرمي، ومن أجل بيان ذلك أشار إىل

احلنبلي و تشبثه بالقراءة احلرفية خلطاب الوحي، بعيدا عن القراءة اازية للنصوص القرآنية والسيما إن كان قد

عمل على مواجهتها كما وجدت عند املعتزلة ودخل يف معركة معها، يصرح أنه قد "كان املذهب احلنبلي قد

م اهللا، غري عابئ بانعكاسات هذا املوقف على قضية فرض يف اإلسالم الرفض القاطع لكل تفسري جمازي لكال

أي أنه يهمل املوقف الفلسفي )2(أخرى أكثر كونية وعمومية، وأقصد ا مسألة التداخل بني اللغة والفكر"

الذي جيعل املعىن ينشأ من التفاعل بني اللغة والفكر حلساب موقف أصويل يفصل بينهما، حني يكرس لفهم

حدود املمكن التفكري فيه يف شكل قواعد تأسر قراءته يف حدود مواضيع معينة، ترفض كل ما القرآن الكرمي يف

خيرج عنها، وذا تغلق الكثري من القضايا املتعلقة بكالم اهللا يف دائرة املستحيل التفكري فيه، كما هو احلال مع

القراءة اازية لنصوصه اليت بني أركون مناقشات املعتزلة حول خمتلف القضايا املتعلقة بالقرآن الكرمي عن طريق

1 .20، ص 1992، 2أركون حممد، من االجتهاد إىل نقد العقل اإلسالمي، تر: هاشم صاحل، دار الساقي، بريوت لبنان، ط

2 .14، مصدر سابق، ص - من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين-أركون حممد، القرآن

Page 161: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

162

منها لكي يكون ممثال للمعتزلة اليوم يف مواجهة املخلصني دأا نظرية واعدة وأدت يف مهدها، وبالتايل سيستفي

للحنبلية وغريهم من املؤمنني "الذين تربوا على لغة جوهرانية مثالية، وسيظلون خملصني أو متعلقني ا ما داموا

أي رواد اخلطابات األصولية اليت تدعي )1(وا بعد االستخدام النقدي والتحليلي والتفكيكي للغة"مل يكتشف

الفهم احلريف للنص القرآين، واليت كانت مبثابة قطيعة مع التطور احلاصل يف الثقافة العربية اإلسالمية الذي بلغ

وذوكسية تستبعد العلوم الدنيوية وعلى أوجه يف القرن الرابع اهلجري/ العاشر امليالدي، مؤسسة بذلك ألرث

رأسها الفلسفة يف فهم اإلسالم و القرآن الكرمي حتديدا، بسيادة منطني من العلماء حيتكران الفهم الصحيح

واملناسب والنهائي للنص، ومها "منط الفقيه الذي حيفظ عن ظهر قلب ويعيد إنتاج الكتب املدرسية للفقه دون

ي...مث منط الشيخ أو املرابط حبسب لغة أهل املغرب، وهذا الوحيد الذي يعرف أن أي ابتكار أو جتديد عقل

يكتب تعويذة أو حجابا، ويشرف على تنشيط مجعية دينية من املؤمنني، ويؤدي الصلوات الشعائرية، ويسهر

الذين كانا حبسب هذين النمطني )2(على احلفاظ على احلد األدىن من التواصل مع الفرائض القانونية لإلسالم"

وال يزاال يهيمنان على احتكار فهم النص القرآين تأسس منذ القدمي ما يسميه 'أركون' بالسياج الدوغمائي

املغلق الذي ميكن أن نفهمه يف إطار النص القرآين، أنه يؤسس لفهم ثابت وائي له يأسر احلقيقة يف مقوالته

هللا بالذات، ألن اهللا تلفظ به وركبه باللغة العربية، ويقتصر دور وتوجهاته، اليت تعترب القرآن الكرمي "هو كالم ا

حممد يف هذه العملية يف النطق والتوصيل إىل البشر. وهذا الوحي النهائي واألخري يقول كل شيء عن العامل،

ن يكون واإلنسان، والتاريخ، والعامل اآلخر، واملعىن الكلي والنهائي لألشياء، وكل ما سيكتشفه العقل الحقا ل

صحيحا أو صاحلا مؤكدا إذا مل يكن مستندا بشكل دقيق وصحيح إىل أحد تعاليم اهللا أو إىل امتداداته لدى

أي أن االجتهاد الكالسيكي حصر فهم النص القرآين يف رؤية أصولية تراثية تكتفي باالستنباط اللغوي )3(النيب"

1 .24املصدر نفسه، ص

2 .8، مصدر سابق، ص-نقد واجتهاد-أركون حممد، الفكر اإلسالمي

3 .9املصدر نفسه، ص

Page 162: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

163

سست يف إطار ما يعرف بأصول الفقه الذي وضع من النصوص دون استخدام التجديد املعنوي واملفهومي، تأ

قواعد وقوانني ثابتة زادت من مساكة السياج الدوغمائي، حني أصبحت النموذج الذي يأسر فهم النص يف

منهج ثابت وواحد ال جيوز بل وميتنع اخلروج عن إطاره، بلغ ذروته يف تفسريات ابن تيمية الذي أسس ملوقف

ج عن املذهب احلنبلي، مارس تأثريا واسعا يف تشكيل تيارات أصولية حتتكر إمياين متصلب يرفض كل ما خر

فهم النص القرآين، وتبدع وتكفر كل من خرج عن أفكارها وقواعدها، وبالتايل ينتهي أركون إىل نقد

أراد االجتهاد التقليدي من خالل وقوعه يف األرثوذوكسية ، اليت جتعل فهم الفقهاء واألصوليني هو املوافق ملا

أن يقوله النص األصلي وهو النهائي والوحيد والصحيح وما عداه زيغ واحنراف، ترتب عنه وقوع التفسريات

الكالسيكية من ناحية أخرى يف سياج دوغمائي منيع، ال سبيل إىل التحرر منه، إال بتجديد فهم التراث و على

للنصوص التأسيسية بالدرجة األوىل، وعلى رأسها رأسه النص القرآين، باالستفادة من آليات القراءة املعاصرة

املنهج التفكيكي الذي يفتح باب البحث يف املستحيل التفكري فيه ويتحر ر من أسر وسياج املمكن التفكري

املكرس له من طرف املفسرين الالهوتيني التقليديني، والذي يظل إىل يومنا هذا حاجزا منيعا مينع من استشراف

وعلمية وموضوعية له.دراسة عقالنية

يركز 'أركون' يف نقده لالجتهاد التقليدي وآلياته، على نقد هيمنة اجلانب اإليديولوجي يف تأسيسه وطرحه

لإلسالم ككل ويف فهمه للقرآن الكرمي، يذهب إىل أن "يف اإلسالم التفسري التقليدي واملمارسات األخالقية

رآن والتجربة الدينية اليت عناها النيب إىل مجلة من التعاريف، ومن القانونية السياسية حولت بصورة سريعة الق

وذلك انطالقا من فهمه للقرآن الكرمي واحلديث حسب أطر ) (1القواعد اجلامدة، ومن السلوكيات الضاغطة"

مجلة من احلدود فرضها االجتهاد حمددة وثابتة تتميز بالقطعية واإلطالقية واجلمود وروح اهليمنة مشكلة يف

القدمي ما بعد القرن اخلامس امليالد على وجه اخلصوص على العقل اإلسالمي متعاونا ومتضامنا مع السلطة،

1 Mohammed Arkoun et Louis Gardet, l’Islam hier et demain , éditions Buchet /Chastel Paris France , P 140.

Page 163: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

164

ف و" كما هو معرعنه أنه: يقول ،اخلطاب الرمسي مرتبة عن تضامنه مع إيديولوجيةأنه مبطن خبلفيات ليبني

ية للعقل اإلسالمي والنتائج املعرفية واألخالقية والروحية والسياسية لتضامنه ومطبق يسمح برسم احلدود املعرف

اولت على دار اإلسالم منذ دالكربى اليت تلعائالت الدائم إىل يومنا هذا مع األنظمة السياسية املركزية مثل: ا

سالمي فقط، فهو تضامن مل يكن مرتبطا باملثال اإلالوهنا أيضا، هذا الشكل من ،م661حكم األمويني سنة

سياسية والقانونية يف مجيع األزمنة، وهذه يوحييل إىل حقيقة تارخيية وأنثربولوجة حتضر يف مجيع األنظمة السويس

عتماد على نظام خطايب للحقيقة يطالب ويراقب االجل أن يطاع القانون، فانه حيتاج إىل أمن احلقيقة هي:

االجتهاد التقليدي جمسدا يف نشاط الفقهاء مل يكن مستقال عن األنظمة مبعىن أن )1(بالنظام السياسي القائم

السياسية واألسر احلاكمة يف الدول اإلسالمية بل كان يشتغل يف إطارها بصورة دائمة وال يستطيع التحرك إىل

حمددة يف يف إطار ما يريده النظام القائم، وهو بذلك يرسم حدودا معرفية للعقل اإلسالمي وينتهي إىل نتائج

وتبتعد عن النظرة العلمية والسيما يف قراءة النص القرآين وفهمه. تمجيع امليادين ختضع لإليديولوجيا

حسب أن هذا األخري يبنيه من منطلق ،ؤسس على االجتهاد التقليدياملالقانون 'أركون' تبعا ملا سبق ينتقد

وجيب مطلقا وائيا يتمتع بالصحة الدائمة يكونعة شريالمد من ليتذرع بأنه مست ،تضامنه مع اخلطاب الرمسي

واستمر إىل غاية الفترة الراهنة، كما ظهر عند األمويني، ا قراطية قدميويف دول تي وقد جتسد، اخلضوع له

مازالوا إىل يومنا هذا "يطالبون به اليوم كممارسة معرفية اليت تضمن دائما منهج الفعالية باعتبار املسلمون

كالنحو العريب، كأمر مسلم به يغطي علوما دينية ثانوية يستخدمها رجل القانون العقالنية للقانون والصحة

ومن هذا ،وجملدات القرآن واحلديث والسرية والتفسري وكتابة التاريخ واجلغرافيا، ومنهجية القانون والهوتية

اجلذرية هلذه العلوم املؤرخة يف العصور م اليوم بعدم املراجعة ألنفساملنطلق يسمح رجال القانون واملفتون

1Mohammed Arkoun, Humanisme et Islam –combats et propositions, Editions –barzakh-, Alger, Algérie 2007, P 231-232 .

Page 164: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

165

وذلك ألا تعرب عن ما يريده النص األصلي حسب روادها وميكن االكتفاء باآلليات (1)" الوسطى

الكالسيكية املمثلة يف علوم اللغة واحلديث والتفسري...واملوروثة لبناء خمتلف األحكام املؤسسة على قوانني

مضطرة إىل االحنياز كانت ومازالت السلطة الرمسية تتمتع بالصحة املطلقة وال تقبل النقاش، ومن ناحية أخرى

خمتلف الدعوات إىل االجتهاد جمرد متارين بالغية وها مرتبطة بتطبيق القانون اإلهلي يتللمذاهب ما دامت شرع

هلم وحدهم. ااالجتهاد متاح والتبجيل والقداسة للفقهاء الذين يبقى همني فيها التمجيدي

فأركون ينتقد االجتهاد التقليدي الذي مثل فعالية العقل يف الفكر اإلسالمي الكالسيكي، ويرفض تصوراته

املختلفة حول ظاهرة الوحي اليت بثها وسط اجلماهري مبؤساساته املختلفة كاملساجد وغريها، يف شكل معتقدات

رضها يكون مصريه التكفري، وهي مجلة التصورات املقدسة واملبجلة له بثها علماء الدين راسخة كل من يعا

والفقهاء خبطب اجلمعة واملواعظ والدروس يف خمتلف املناسبات وبشىت الوسائل، وهي تلك اليت تعترب الوحي

وث علمية أو معاجلته متضمنا لكل احلقائق تفهم يف إطار نصوصه وحدها، وال حيتاج إىل حب يبقى دائماالقرآين

كإشكالية فلسفية، ومهما كان هذا التصور صحيحا يف اعتبار الوحي القرآين األخري والكامل حسب عقل كل

مسلم معتقد به، إال أن املعضلة تكمن يف مجلة املعطيات اليت أحلقها البشر به حتت ستار القداسة، وأمهها

ية ال يدركها إال مجلة من البشر املميزون عن غريهم، وهم وحدهم االعتقاد أن املعاين الواردة يف النصوص اإلهل

من يتوصل إىل احلقائق واليقينيات املوجودة فيها بتوفيق من اهللا تعاىل، وهم الفقهاء ومؤسسو املدارس األصولية

يل الكربى الذين أسروا التفكري اإلسالمي داخل قواعد ثابتة هي وحدها كفيلة بفهم معطيات الوحي يف جما

الشريعة والعقيدة على حد سواء حسب نظر علماء الدين الذين ما فتئوا يرفضون املعطيات اجلديدة اليت

توصلت إليها العلوم اإلنسانية واالجتماعية يف فهم مسألة الوحي ما عدا فئة قليلة اليت حتترم املوقف الفلسفي

سي للوحي كظاهرة متعالية مقدسة، حتتكر والعلمي، حيث يقبع هؤالء يف جمال التصور الالهويت األرثوذوك

1Ibid. p234-235.

Page 165: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

166

فهمها فئة من البشر هم علماء الدين وحدهم، الذين يبلغون األوامر والنواهي للجماهري الذين عليهم الطاعة

والوالء لتفسريام، حبيث تصبح نصوصهم اليت حفظها التراث يف مرتبة الوحي هي الوحيدة الوصية عنه وعن

فهمه.

ن' لكل من العقل اإلسالمي، واإلسالميات الكالسيكية واالجتهاد التقليدي من خالل نقد 'أركو

ومناهجهما، ندرك أن مشروعه يف قراءة القرآن الكرمي نقدي بامتياز، حسب ثورته على السياج الدوغمائي

ليات واألرثوذكسية الذين كان وال زال العقل اإلسالمي رهينا هلما، ومن منطلق نقده ملختلف املناهج و اآل

الكالسيكية يف شقيها املنهج الفللوجي االستشراقي املمثلة يف اإلسالميات التقليدية ومناهج التفسري التقليدية

اليت ظلت يمن على قراءة النص القرآين، بفرض قراءة ثابتة حمددة تعتمد اآلليات الكالسيكية املتمثلة يف علوم

لقرآن الكرمي خارج سياق األحداث وبعيدا عن تغري على مستوى القرآن وعلوم اللغة العربية حتديدا، وتقرأ ا

تسترها بقناع القداسة ويف إطار ال حصر هلا، ةإيديولوجي خلفيات ختفيوالوقائع والعلوم على حد سواء،

هذه األوليات هي ما ، طلوب من املسلماإلميان امل واملطلق والنهائي والصحيح املؤدي إىلتعايل امل الفهم

يف الفكر اخلطوط احلمراءجتاوز ما ميكن أن نطلق عليه تحرر من كل القيود واوال البشدة حم 'أركون'ا هامجهم

هو ما مساه اليت انتهت به إىل تأسيس مشروع مازال يف بدايته، قطع فيه األشواط األوىل، ، اإلسالمي

؟ وكيف جسدت العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصرة؟ فما املقصود ا باإلسالميات التطبيقية

اإلسالميات التطبيقية:-2

تعرب اإلسالميات التطبيقية عن صلب العالقة بني آليات الفهم املعاصر والنص القرآين، ألا ترتبط بتطبيق

منهجي متعدد يقترحه علينا العلوم واملناهج املعاصرة يف قراءته، وهي مبثابة "مشروع فكري ذو طموح

واحلديث والسرية والنصوص املفسرة القرآنأركون إلعادة قراءة التراث اإلسالمي قراءة علمية مبا فيها

Page 166: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

167

، و تفهم بادئا ذي بدئ يف إطار كيفية تعامله مع التراث كأرضية نكتشف من خالله أزمة املنهج )1(الكربى"

ميدانه ويف حقل النص القرآين الذي يعترب حموره ومركزه، وتبني حاجة يف الدراسات أو القراءات املتداولة يف

الذي نقدي ال إذ هي تكملة للجانب الفكر والواقع إىل جتديده لكي يكون مناسبا للمعطيات واملستجدات،

تتجاوز ما " جديدة رؤية منهجية كنص القرآين، ألا القراءات الكالسيكية لل سلف ذكره عند 'أركون' حول

وقعت فيه الدراسات االستشراقية من التعسف حبكم خضوعها للمركزية األوربية من ناحية وللعقالنية

" وتعمل من ناحية أخرى على التحرر من السياج الدوغمائي الذي وقع فيه )2(الديكارتية من ناحية أخرى

سب العناصر التالية:االجتهاد التقليدي وأتباعه، وميكن أن نفهم طبيعتها كمصطلح جديد، ح

نشأة اإلسالميات التطبيقية:-أ

يصرح 'أركون' أنه توصل إىل مفهوم اإلسالميات التطبيقية، بعد احتكاكه وتأثره بأحباث روجيه باستيد

)3("الذي حاول أن جيعل األنثربولوجيا تتعدى الوصف إىل النظر يف آثار األوصاف على اتمعات املدروسة

اليت استلهم منها األنثربولوجيا التطبيقية وأرسى ا دعائم علم اإلسالم املطبق، وعن ظروف ظهورها أكد أا

تريد أن تصحح وضعا قائما، أي أن هناك حالة يعيشها العقل اإلسالمي اقتضت ظهورها، أمهها بقاءه أسريا

هما فيما سلف، وحاجته يف ظل التطور العلمي لإلسالميات الكالسيكية واالجتهاد التقليدي الذين أشرنا إلي

وآليات الفهم إىل جتديد وسائل فهمه وفهم نصوصه املؤسسة له وعلى رأسه القرآن الكرمي، إذن يذهب

'أركون' إىل أن هناك أوضاع جديدة اقتضت ظهور اإلسالميات التطبيقية وهي واقع املسلمني اليوم الذي

للمحتوى املوضوعي للرسالة القرآنية ولفكر العلماء املؤسسني للتراث تبلورت عنه "احلاجة إىل فهم أفضل

احلي تربز نفسها اآلن ليس عند األقلية من اخلاصة، كما كان عليه يف املاضي، وإمنا أيضا عند اجلماهري الشعبية

.24، ص 2011، 1عبد ايد وآخرون، قراءات يف مشروع حممد أركون الفكري، منتدى املعارف، بريوت لبنان، ط خليقي1

2 .247الفجاري خمتار، من تأويلية املعىن إىل تأويلية الفهم يف الفكر العريب املعاصر، مرجع سابق، ص

3 .10ناشرون، بريوت لبنان، ص مسرحي فارح، احلداثة يف فكر حممد أركون، الدار العربية للعلوم

Page 167: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

168

تطلبه اخلاصة ألن واقع املسلمني اليوم يفرض توجه عملي يف فهم الرسالة القرآنية)1(اليت تتزايد باستمرار"

والعامة لفهم خمتلف املسائل املطروحة، وذلك بالعودة إىل جممل األسئلة املطروحة يف الشارع اإلسالمي ولدى

خمتلف الناس بفئام املختلفة يف حيام اليومية، واليت من دون شك مل جتد صدى يف الدراسات الكالسيكية

ي مل يأبه له الفكر اإلسالمي حني "يستمر يف االرتكاز وإىل ومناهجها، وتطور العلوم واملناهج يف الغرب الذ

القرون الوسطى وذلك ألنه خيلط بني األسطوري والتارخيي، مث -ابستيمي- حد كبري، على املسلمات املعرفية

يقوم بعملية تكريس دوغمائية للقيم األخالقية والدينية، وتأكيد تيولوجي لتفوقية املؤمن على غري املؤمن،

-معنويا–سلم على غري املسلم وتقديس اللغة. مث التركيز على قدسية املعىن املرسل من قبل اهللا ووحدانيته وامل

... إن اإلسالميات التطبيقية تنطلق هنا أيضا من هذه الصعوبات الفلسفية والتيولوجية اليت تصطدم ا كل

ما بآية قرآنية أو حبديث نبوي كدليل قطعي التأمالت القوية والعادية. عندما جند مسلما يستشهد يف حمادثة

أي أن اإلسالميات التطبيقية ظهرت كثورة على وضع يعيشه املسلمون اليوم ذلك الذي )2(على حماجته"

يعشش يف ذهن املسلم أفكارا تفتقر إىل الفعالية عندما جتعل اإلسالم والقرآن الكرمي حتديدا خاص باملسلم،

العربية مقدسة، وأفكاره قطعية وائية.. وتبعده عن الواقع العملي والعلمي يتفوق به على غريه، لغته

ومقتضيات ومستجدات عصر احلداثة، وارتبطت اإلسالميات التطبيقية كذلك بالصراع بني األديان كوضع

معاصر حيث تأسست يف ظل املقارنة بني األديان وجعل القرآن الكرمي كغريه من الكتب السماوية التوراة

اإلجنيل متضامنا مع املناهج واآلليات املعاصرة.و

إن تبلور اإلسالميات التطبيقية عند 'أركون' هي نتيجة للمستجدات على مستوى الواقع من جهة، وعلى

مستوى العلم من جهة أخرى، اليت اقتضت دراسة اإلسالم على وجه العموم، ونصه احملوري أال وهو القرآن

خطو اخلطوات ا مت اليت اآلليات املعاصرة وعلى رأسها األنثربولوجيا الدينية، الكرمي على وجه اخلصوص، ب

1 .55أركون حممد، تارخيية الفكر العريب اإلسالمي، مصدر سابق، ص

2 .55املصدر نفسه، ص

Page 168: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

169

األوىل لتجديد فهم النص القرآين، حيث كانت احلاجة إىل جتديد فهمه ماضيا وراهنا أهم ظروف ظهور

ي جاءت مناهج املستشرقني على حد سواء، فهواإلسالميات التطبيقية إضافة إىل نقائص االجتهاد التقليدي

لتصحح وضع قائم يكرس أتبعاهم، الذين على الرغم من سعيهم إىل جتديد مفاهيم ومناهج قراءة النص القرآين

مل يستفيدوا من اآلليات السالفة الذكر، إذن باختصار ميكن القول أن ظروف ظهور اإلسالميات التطبيقية

م املعاصرة، فما حقيقتها؟ وكيف جسدت ذلك؟ هي احلاجة امللحة إىل الربط بني النص القرآين وآليات الفه

: نفهم حقيقة اإلسالميات التطبيقية عند 'أركون' من زاويتني: مفهوم اإلسالميات التطبيقية-ب

: "تدرس اإلسالم ضمن منظورين متكاملني: من حيث وظيفتها-1

خاري واهلجومي الطويل الذي كفعالية علمية داخلية للفكر اإلسالمي، ذلك تريد أن تستبدل بالتراث االفت-

ميز موقف اإلسالم من الديانات األخرى، املوقف املقارن...

كفعالية علمية متضامنة مع الفكر املعاصر كله. إن اإلسالميات التطبيقية تدرس اإلسالم ضمن منظور -

رة يف عملية قراءة املسامهة العامة لألنثربولوجيا الدينية كنت قد اخنرطت ضمن هذا املنظور املزدوج منذ فت

.)1(القرآن"

من خالل هذين التصورين تكون اإلسالميات التطبيقية مبثابة آليات ومناهج لدراسة اإلسالم ككل ووسيلة

إلعادة قراءة نصه احملوري أال وهو النص القرآين بآليات الفهم املعاصر، بإخضاعه "حملك النقد التارخيي املقارن،

حيث )،2(ي، وللتأمل الفلسفي املتعلق بإنتاج املعىن وتوسعاته وحتوالته وإدامه"وللتحليل األلسين التفكيك

تدرسه بطريقة جديدة تتخذ طابعا علميا وعمليا ، متثل ثورة على الفهم التراثي له حتدث قطيعة معه، بقطع

لى الديانات الصلة مع النمط السائد يف قراءته ذلك الذي يتأسس يف إطار متجيد اإلسالم واهلجوم ع

1 .56املصدر نفسه، ص

2 املصدر نفسه.

Page 169: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

170

األخرى، حلساب قراءته يف سياق مقارنة علمية موضوعية بني ديانات مستقلة عن عقيدة الباحث، وتكون

كذلك مستفيدة من منجزات وآليات الفهم املعاصرة وعلى رأسها األنثربولوجيا الدينية يف قراءة النص القرآين.

ممارسة علمية متعددة االختصاصات، وهذا ناتج عن اهتماماا املعاصرة (فهي : هي"من حيث طبيعتها -2

تريد أن تكون متضامنة مع جناحات الفكر املعاصر وخماطره) واملتطلبات اخلاصة مبوضوع دراستها. لقد

ون ارتبطت ظاهرة اإلسالم منذ نشأا بكالم أصبح نصا، وهذا يعين أنه ينبغي على عامل اإلسالميات أن يك

خمتصا باأللسانيات بشكل كامل، وليس فقط متطفال على أحد أنواعها يف الوقت ذاته، فإن اإلسالم كظاهرة

دينية ال ميكن لنا ن نقلصه (خنتزله) إىل جمرد نظام من األفكار اردة، املتمتعة حبياة خاصة كاجلواهر اجلامدة.

تنفصم: العامل النفساين فاإلسالم، كأي دين آخر، هو جسد مؤلف من عدة عوامل ال

والبسيكولوجي(الفردي واجلماعي) والعامل التارخيي (تطور اتمعات اإلسالمية) والعامل السوسيولوجي (أي

حمل اإلسالم ضمن 'نظام العمل التارخيي' لكل جمتمع وانعكاس ضمري هذه اتمعات على اإلسالم كدين)

اإلسالميات التطبيقية هي االستفادة من آليات الفهم ن ني أهنا يب، )1(فكر)."-أدب-والعامل الثقايف (فن

املعاصرة وتطبيقها يف فهم اإلسالم وقراءة النص القرآين على وجه اخلصوص، ألا البديل املقدم عن

حلساب تطبيقالقرآن الكرمي لإلسالميات الكالسيكية مثَل ثورة على املناهج الكالسيكية املنتهجة يف فهم

واألنثربولوجية وعلى رأسها الدراسة األلسنية والتفكيكية اليت تبلورت يف الفترة املتأخرة وم واملناهجأصناف العل

أركون تطبيق خمتلف العلوم اإلنسانية واالجتماعية واملناهج املعاصرة يف فهم فهي املنطلق الذي جيسد فيه ...،

.اخلطاب القرآين

طفرة معرفية نا فيهما حقيقة اإلسالميات التطبيقية، ندرك أا مبثابة بناء على املنظورين السابقني الذين طرح

إيديولوجية الرفض والتكفري اليت نسبها البعض إىل قراءاته اجلديدة، تريد جتاوز ،حدثت يف اخلطاب الديين

1 .57املصدر نفسه، ص

Page 170: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

171

نفس التارخيي" "تعاليم اللسانيات والسيميائيات واألنثربولوجيا والسوسيولوجيا الدينية والثقافية وعلم ال تضم

، من أجل تأسيس قراءة موضوعية وعلمية لنصوصه تتماشى جلة البحر القرآين وتسعى إىل إقحامها )1(

ومعطيات احلداثة.

مهام اإلسالميات التطبيقية: -ج

كان اهلدف النهائي لإلسالميات هو خلق الظروف املالئمة ملمارسة فكر اإلسالمي ملايصرح أركون أنه:"

ثولوجيات البالية، وحمررا من اإليديولوجيات الناشئة حديثا، فإننا ي، واملTabous)( احملرمات العتيقةحمرر من

تمعات اإلسالمية. اسلوب الذي عوجلت به هذه املشاكل يف األسوف ننطلق من مشاكل احلاضرة، ومن

حوهلا مسائل عملية، ووسائل، واختيارات حندد بذلك، نوعني أو قطبني من االهتمامات اليت تتموضع

مرحلية، وأهداف ائية، مها: القطب الذي يدعوه العرب "بالتراث" والذي ما انفك الوعي العريب اإلسالمي

-زمن السلف- الزمن املليء بالوحي(حىت يوم، واملدعو أحيانا بالعصر التأسيسي )ادعائه أو(عن احلنني إليه

. )2(" داثةمث قطب احل )نماذجال

حسب هذا التصريح تكمن املهام األساسية لإلسالميات التطبيقية يف خلق ظروف مالئمة لفكر إسالمي

جديد أي أن هدفها تغيري وضع كان وال زال سائدا، إنه وضع كان وال يزال يسود الثقافة العربية اإلسالمية،

سياسية واجتماعية وحىت اقتصادية ، جعل أمتنا تتخبط وإن كان ثقافيا وفكريا بالدرجة األوىل فإن له إفرازات

يف غياهب التخلف وتعجز عن ركب احلداثة، يف جمال موضوعنا ميكن القول أنه الفهم الكالسيكي وآلياته يف

جمال النص القرآين الذي هو قطب الرحى يف املشروع األركوين، فمهمة اإلسالميات التطبيقية إرساء دعائم

القرآين، يكون متحررا ومنعتقا من السياج الدوغمائي، بقدرته على اقتحام مناطق حيرم فهم جديد للنص

. 7، مصدر سابق، ص - من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين–أركون حممد، القرآن 1

2 .58، مصدر سابق ،ص -قراءة علمية-أركون حممد، تارخيية الفكر اإلسالمي

Page 171: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

172

التفكري فيها أو تقع يف نطاق املمنوع التفكري فيه، ومن األسطرة والتعايل األدجلة كصفات سلبية هيمنت على

ميات التطبيقية هو تكملة الفهم العام للقرآن الكرمي منذ القرن اخلامس اهلجري، إذن فاال األول لإلسال

النقص الثقايف لإلسالميات الكالسيكية وجتاوز االجتهاد التقليدي يف ميدان التراث، دورها اجلوهري هو تأمل

احلالة الراهنة للبلدان العربية اإلسالمية واليت حمورها النقص يف الدمج والتفاعل اإلجيايب بني معطيات التراث

ميها آلليات ووسائل فهم املسألة عن طريق التفحص التارخيي والسويولوجي ومقتضيات احلداثة، وذلك بتقد

والفلسفي، وجتاوز البحث. )اللغوي(واألثنولوجي واأللسين

كما يؤكد 'أركون' أن مهمة اإلسالميات التطبيقية، هي فتح جمال املنسي والالمفكر فيه واملهمل واملهمش

ة املؤلفات اليت تنساها املؤرخون واملدونون بفعل البتر التارخيي، ومما واملقصى واملسكوت عنه، ويثري فيه مسأل

الشك فيه أنه هنا يريد فتح باب موصد بإحكام إيديولوجي حسب تصوره يظهر يف جمال القرآن الكرمي يف

آن النسخ األخرى اليت تبلورت يف وجوده األول، و اليت رميت يف حبر النسيان املفتعل بفرض نسخة واحدة للقر

الكرمي منذ القرن الرابع ، وهدفها "طرح املشاكل اليت طمست أو رميت يف ساحة املستحيل التفكري فيه من

قبل اإلسالم الرمسي منذ األمويني، نقصد بذلك مسألة تاريخ النص القرآين وتشكله، تاريخ جمموعات احلديث

ة الوحي، مث مسألة حتريف الكتب املقدسة النبوي، مث الشروط التارخيية والثقافية لتشكل الشريعة، مث مسأل

معاد السابقة على القرآن، مث مسألة التعايل اخلاص باآليات التشريعية يف القرآن، مث مسألة القرآن خملوق هو أم

)"أي غري خملوق( خلقه هنا يتبني أن النص القرآين هو حمور إشكالية الالمفكر فيه الذي تم به اإلسالميات )1(

ة، ألن اهتمامتها تنصب " على مواضيع مل يفكر فيها من قبل، أو مستحيل التفكري فيها كمسألة تارخيية التطبيقي

، أي أا تفتح مناطق جديدة يف فهمها للتراث ويف تعاملها مع )2(النص القرآين، وتشكله ومسألة الوحي "

، حتطم من خالهلا ما ةإيديولوجيالنص القرآين، وهي يف جوهرها تلك اليت مهشت واستبعدت بفعل عوامل

1 .19أركون حممد، الفكر اإلسالمي، نقد واجتهاد، مصدر سابق، ص .25خليقي عبد ايد وآخرون، قراءات يف مشروع حممد أركون الفكري، مرجع سابق، ص 2

Page 172: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

173

يسميه أركون باملستحيل التفكري فيه، وهي تلك املواضيع اليت اعتربت وال تزال خطا أمحرا أي ال ميكن

مناقشتها واليت تدخل يف معظمها يف قداسة وتعايل اخلطاب القرآين وفصله عن البشري والتارخيي والثقايف.

إطار دراستها للحاضر، ملهمتني أساسيتني كرس هلما املؤرخ واملفكر كما "تتصدى اإلسالميات التطبيقية يف

التراث عندما تسعى إىل العودة يف معطياته املختلفة انطالقا )1(العريب جهدا كبريا ومها دراسة التراث واحلداثة"

لراهنة، حيث من النصوص املؤسسة له كالنص القرآين واحلديث وصوال إىل التفسريات امللحقة به يف الفترة ا

تدرس خمتلف اجلوانب املكونة له دون قيود أو حدود، أما احلداثة فتكمن يف أن غايتها هي إقامة روابط حية

معه، طبقا الستفادا من املناهج واآلليات املعاصرة يف الفهم وحماولة نقلها إىل فهم التراث اإلسالمي ككل

األدوات واآلليات اليت أصبح 'أركون' مبوجبها يتبع والنص القرآين على وجه اخلصوص، فهي تقدم جمموع

"املنهجية املتعددة االختصاصات اليت تستفيد من خمتلف منجزات العلوم اإلنسانية، كاأللسنية وعلم االجتماع

وعلم النفس واألنثربولوجيا، والتحليالت الفلسفية اجلديدة، كالتفكيك عند جاك دريدا والتحليل

ليس يف فهم التراث الذي خلفته القراءات املختلفة للقرآن ولإلسالم )2( يل فوكو"األركيويلوجي عند ميش

ككل، بل للنص القرآين ذاته الذي يعترب حمور مهمتها يف إرساء فهم عميق ودقيق له.

اإلسالميات التطبيقية، ندرك أا بصورة أخرى تطبيق آليات الفهم بعد إلقاء هذه النظرة املقتضبة على

ملعاصر يف قراءة النص القرآين، متثل ثورة على اإلسالميات الكالسيكية واالجتهاد التقليدي وآلياما، وهي ا

احلفر والتنقيب بال رقيب يف كل ما يتعلق بالوحي القرآين، ألا تعرب عن دراسة أركيولوجية ال تبايل باملمنوع

راسة تطبيقية لإلسالم ولنص املؤسس له وهو وتقتحم جلة املنسي واملهمش يف ميدانه، وهي فهم عملي ود

القرآن الكرمي، تكمن مهامها الكربى يف إرساء دعائم حبث مميز يف فهم اإلسالم والقرآن الكرمي، يتسم بأنه:

حر وعملي أي منعتق من اإليديولوجيا وحمايث للتاريخ والواقع، وثوري جديد أي خمالف ملا هو سائد ومرسخ

1 .68صر، مرجع سابق، ص بغورة الزواوي ، ميشيل فوكو يف الفكر العريب املعا

2 .69-68املرجع نفسه، ص

Page 173: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

174

ت افتخارية وتبجيلية وميثولوجية، دقيق وعميق أي أنه يستعمل آليات علمية دقيقة يف يف األذهان من تصورا

القراءة لكن يف الوقت نفسها ال تكتفي بالسطحية بل تغوص يف أعماق الظواهر الدينية، وباختصار ميكن القول

منهجية هي علم، هي أن إلسالميات التطبيقية ثورة منهجية يف حقل فهم النص القرآين، ألا " بقدر ما

األنثربولوجية باعتبارها قراءة لغوية تدخل –كذلك، ...منهجية متعددة اجلوانب جتمع بني القراءة التارخيية

األدبية وهي قراءة مزدوجة : عمودية من حيث معامل التاريخ يف احلسبان، والقراءة األلسنية السيميائية

تركيزها على بنية النص والتفاعل معه، وأفقية من حيث كوا تشري إىل التناص احلاصل بني النص القرآين

ونصوص أخرى سابقة له. كما أن هذه املنهجية تستخدم املنهج املقارن داخل ما أمساه أركون بالفضاء

دف القيام بنقد جذري جلميع أشكال العقلنة، تطال الديانات التوحيدية الثالث اجلغرايف التارخيي املتوسطي،

، وبالتايل فاإلسالميات )1(من منظور "الزمان الطويل"، وذلك عرب خلخلة التابوهات واختراقها دف جتاوزها"

تقوم على تطبيق التطبيقية متثل ثورة على املناهج الكالسيكية يف فهم النص القرآين على وجه اخلصوص،

خمتلف آليات الفهم املعاصرة يف قراءته وفهمه، فكيف طبقها أركون يف ميدانه؟

.28خليقي عبد ايد وآخرون، قراءات يف مشروع حممد أركون الفكري، مرجع سابق، ص 1

Page 174: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

175

املبحث الثالث: تطبيق آليات الفهم املعاصرة يف قراءة النص القرآين.

د 'أركون'، يعرب عن مشروع بعيد املدى ال يزال يف بدايته، تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي عن

يطمح أن حيمل مشعله بعد وفاته األجيال الالحقة يف الدول اإلسالمية، اليت يرثي حلال العلوم اإلنسانية

واالجتماعية فيها، ملحا على تكوين النشء فيها يف الكثري من املناسبات، يقول: "أحل على التكوين العلمي

ري لألجيال الطالعة يف البلدان اإلسالمية وأعطيها األمهية القصوى. ملاذا؟ ألنين اكتشفت أن مستوى والفك

، )1(التعليم الثانوي واجلامعي بعيدا جدا عما جيب أن يكون عليه خاصة فيما يتعلق بعلوم اإلنسان واتمع"

ااآلليات املعاصرة من حيث مصطلحا ملاذا هذا اإلحلاح؟ ألنه هو من ميكن اجليل الالحق من التحكم يف

وتقنياا وإكمال مهمة ال تزال يف بدايتها وهي تطبيقها يف قراءة النص القرآين، ألن ما "فعله أركون، خبصوص

النص القرآين، هو أنه خاض جتربة علمية ومعرفية غري مكتملة العدة رغم تزوده بكل ما ميكن أن يقع يف طريقه

، ولكن هذا احلكم ال يعين أن أركون مل يلق )2(نهجيات التفكيك، وتقنيات التفكيك" من أدوات احلفر، وم

نظرة شاملة وموسعة على العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصرة، بل ميكن القول دون مبالغة أن

فادة منها كانت األكثر اهتمامه ذه املسألة كان األكثر شساعة واتساعا مقارنة مع أقرانه، ألن حماولته االست

غنا وثراء، على مستوى التنوع والتعدد املنهجي من ناحية، وعلى مستوى التطبيق املباشر للمناهج واآلليات يف

فهم سور قرآنية خمتلفة من ناحية أخرى، ففيما تكمن آليات فهم النص القرآين عند أركون؟ وكيف استعرضها

لقرآنية؟يف قراءة سورة الفاحتة كنموذج للنصوص ا

آليات الفهم والنص القرآين:-1

متيز تطبيق آليات الفهم املعاصر عند 'أركون' يف جمال قراءة النص القرآين، بالتشعب والتفرع، حيث أحل

على تطبيق مجيع آليات نقد النصوص وخمتلف العلوم اإلنسانية واالجتماعية كما وجدت يف الفترة املعاصرة يف

1 .8أركون حممد، القرآن، مصدر سابق، ص

2 .84مرجع سابق، ص - املفكر والباحث واإلنسان-قانصو وجيه وآخرون، حممد أركون

Page 175: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

176

وبلور من خالهلا مجلة من القراءات املؤطرة ب "تعاليم اللسانيات والسيميائيات فهم اخلطاب القرآين،

وأمهها ما يلي: )1(واألنثربولوجيا والسوسيولوجيا الدينية والثقافية وعلم النفس التارخيي"

القراءة التفكيكية للنص القرآين:-أ

السيميائية والدراسات األلسنية 'أركون' باستعان ، إىل قراءة تفكيكية للنص القرآين من أجل الوصول

املسكوت عنه واملهمش واملنسي عن كشف ال وذلك ألن غايتها القصوى هي ،واالنثربولوجية والتارخيية

وبالتراث اإلسالمي ككل، الذي طبق فيه " قراءة ه ،بحول خمتلف املسائل املتعلقة واملمنوع التفكري فيه

تقوم )2(حاولت األرثوذكسية تغطيتها يف حماولة ملصادرة التاريخ كله لصاحلها" تفكيكية تكتشف تعدديته اليت

والسميائية والتارخيية على تضافر جمموع آليات الفهم املعاصر يف قراءته وأمهها الدراسة االلسنية

فحسب، بل واألنثربولوجية...، اليت كانت غايتها ليس تفكيك ما خلفته قراءات النص القرآين عرب التاريخ

تفكيك هو ذاته كنص تأسيسي وحموري.

ن الكرمي حتديدا، آالباحثني الكالسيكيني املتعاملني مع التراث والقر عند 'أركون' هو ما كان ينقصالتفكيك و

ون كل جهودهم يف مجع الوقائع واألخبار دون أي حتليل تفكيكي يف حني اآلخرين ذفن"يست ألموذلك

أم كانوا يفتقرون يف نظره إىل يأ)3(على أمهية األهداف النظرية والتفكيكية النقدية" تأكيداليستميتون يف

تفكيك النصوص باكتفائهم جبمعها ، وقد جعل هدفه األمسى "من قراءة القرآن ليس تعومي املعىن، وال إعادة

املعىن بالبحث عن أصوله وتبيان االعتبار إىل الظاهرة املعجزة اليت ميثلها الوحي القرآين، وإمنا هدفه تفكيك

، أي البحث يف أصول القرآن الكرمي وكيفية تشكله وإنتاجه كخطاب، وبالتايل "أركون هو )4(كيفية إنتاجه"

1 .7، مصدر سابق، ص -من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين- القرآنأركون حممد ،

2 .112أبو زيد نصر حامد، اخلطاب والتأويل، مصدر سابق، ص

3 .88أركون حممد، الفكر اإلسالمي قراءة العلمية، مصدر سابق، ص

4 .120حرب علي ، املمنوع واملمتنع، مرجع سابق، ص

Page 176: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

177

، إذ يفكك التصورات الالهوتية )1(أبرز مفككي النص القرآين، والعقل الالهويت الذي جسده أو انبىن عليه."

يه وقداسته والهوتيته وحياول إحياء جممل املواقف واالعتراضات اليت طمست يف امللحقة تلك اليت تتعلق بتعال

فئات قريش ه منعهد النبوة حوله، تلك اليت تتعلق باملصاحف احملروقة واملصحف الرمسي وموقف املشركني من

واليهود واوس.

األلسنية: -ة القراءة السيميائي- ب

للنص القرآين، تلك اليت دف إىل فهم اللحظة اللغوية اليت األلسنية –السيميائية يقصد 'أركون' بالقراءة

تبلور فيها النص القرآين من حيث مكوناا ودورها يف تشكل الدالالت احلافة واخلفية، واليت تتضمن آليتني أو

أي بعد رة املتأخرة من القرن العشرينفتال يف الذين بدأ االشتغال ما منهجني مها: األلسين والسيميائي،

استفادته من التطور احلاصل يف مناهج النقد األديب، الذي عرف ازدهارا كبريا يف النصف الثاين من القرن

آين "لقد شرعت يف تطبيق إشكاليات ومناهج اللسانيات والسيميائيات لتحليل اخلطاب القر :يقول العشرين،

على رأسها خمتلفة ور وآيات قرآنيةس قراءة يف وذلك بتوظيفهما )2(منذ أوائل السبعينات من القرن املاضي "

..، من أجل جتاوز التفسري األرثوذوكسي له ذلك املؤسس على القراءة احلرفية ة والكهففاحت اليتسور

لدالالت احلافة أو احمليطة اليت حتيط بفهمه ملضامينه، وبناء قراءة جديدة له ترتكز على البحث فيما مساه با

، السميائية للنص القرآين-وخمتلف املعاين املتولدة عنها، وبصورة عامة يصرح 'أركون' أن القراءة االلسنية

دف إىل "إبراز الصفات اللسانية واللغوية وآالت العرض واالستقالل واإلقناع والتبليغ واملقاصد املعنوية

، تلك اليت دف إىل حترير القرآن الكرمي من هالة القداسة وسياج )∗) (3(يته اخلطاب النبوي" اخلاصة مبا أمس

اإليديولوجيا ودوغما احلقيقة واحتكار النص، حسب ما تقدمه هاتني القراءتني له.

1 .120املرجع نفسه، ص

2 .5مصدر سابق، ص - من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين-ون حممد ، القرآن أرك

3 .5املصدر نفسه، ص

Page 177: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

178

القراءة السميائية:-أوال:

يقدم لنا فرصة ذهبية لكي منارس تدريبا منهجيا ممتازا يهدف إىل فهم كل الذي" ترتبط بالتحليل السيميائي

، أو بالسميولوجيا اليت توفر أهم آليات فهم النص القرآين )1(املستويات اليت يتشكل املعىن أو يتولد من خالهلا"

ه، حتديد مكونات للغة السيميائية يفاحلاسم دور يف مستويات خمتلفة يتشكل يف إطارها املعىن، وذلك حسب ال

حداث األبنية على أسس سلسلة متسلسلة من مواليت مفادها أن "كل وحدة نصية من وحدات اخلطاب القرآين

وهذه األحداث هي: .يه دراماتيكية أو مسرحية مثريةبناملركبة على هيئة

.كما أو يبلغ رسالةحاهللا يطلق - 1

ستماع إىل رسالته والبعض يستمعون إليها ولكنهم بعض اللذين توجه اهللا إهلم باخلطاب يرفضون اال - 2

يف العبادة واحلياة اليومية إتباعهاوالبعض يقبل الرسالة بصفتها معرفة، ولكنهم يرفضون ،يرفضون اإلميان ا

.م حزب اهللاإبعض األشخاص امللهمني جيدا يقبلون بالرسالة متاما. وهؤالء هم املؤمنون، ،فقط

فأ املؤمنون عن طريق النجاة يف دار اآلخرة، ويعاقب اسوف جييء ال حمالة. وعندئذ سوف يكيوم احلساب - 3

حتيل إىل هي ما هذه املقومات الثالثة ، )2(املصري" بئسالعصاة وينبذون من قبل اهللا، ويكون مصريهم جهنم و

.البنية والسيميائية والداللة للخطاب القرآين يف جممله

وفونتانا غرمياس للمتفرنسني–إىل االستعانة بقواميس لغوية خاصة باملصطلحات يدعونا 'أركون' كما

لألجنلوفونيني من أجل تعلم أجبديات املنهج السيميولوجي، الذي جيعلنا ندرك البنية السيمائية املوجودة يف

صية، ترتيلية اخلطاب القرآين أي البنية الداللية املوجه ملختلف أمناط اخلطاب كما توجد فيه، سردية قص

∗يائية اخلطاب النبوي يرتبط عند 'أركون' بكل النصوص اموعة يف العهد القدمي واألناجيل والقرآن، أي أنه يصطلح على البنية اللغوية والسيم

والعقائدي هلا، كنظرة جتسدت منذ القدمي أي قبل النظرة الالهوتية، ولكن مهشت وطمست حلساب التصور للنصوص بعيدا عن الفهم الالهويت الالهويت.

1 .6، مصدر سابق، ص-من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين- أركون حممد، القرآن

2 .35املصدر نفسه، ص

Page 178: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

179

تسبيحية، تشريعية، إقناعية، جدلية صراعية، استهزائية...هذه املصطلحات اليت نعتها 'أركون' باجلافة والصعبة،

رأى أنه متثل بديال للمصطلحات الالهوتية، وال مناص من الرجوع إليها لفهم ملعىن اخلاص بكل سورة أو آية

. - الوحدة النصية كما مساها–

)1(د أن القرآن عند 'أركون' قد "أحدث جتديدا معنويا سيمانتيا عن طريق استخدام ااز"وهنا من املؤك

وذلك ألن العودة إىل ااز الوارد فيه، جيعلنا ندرك رمزية اللغة الدينية وانفتاحها الداليل الالحمدود، فهو يفهم

–مستقبل –وسيط –النص القرآين على مستوى البنية الكلية للغة القرآنية من جهة مكوناا: مرسل سيميائية

تأويل، وباخلصوص من جهة أا حتول العامل إىل عالمات كلية متجزئة إىل عالمات فرعية هي اآليات، –مجاعة

آين، وفهم مكوناته من ألفاظ وعبارات و وفق املقاربة السيميائية ميكن العودة إىل األصول األوىل للخطاب القر

القرآنية بصورة جديدة تتجاوز القراءة األسلوبية الكالسيكية وخاصة عندما متزج عملها بالتحليل األلسين،

فما طبيعة القراءة األلسنية للقرآن الكرمي؟

ثانيا: القراءة األلسنية:

اللحظة األوىل اليت تشكل فيها النص القرآين من حيث لغته يبني 'أركون' أمهية املقاربة اللسانية يف استعادة

وما حتمله من أمساء وألفاظ وأفعال وحروف وبىن صرفية وحنوية، ويؤكد أا مازلت يف بدايتها وأا تتميز

بالتشعب والتنوع، لذلك أشار إىل أنه يأخذ منها ما يفيده يف جمال القرآن الكرمي من أجل تفادي الربط

في بينهما، يقول:"أين أحاول أن أرى كيف يشتغل النص القرآين وكيف ميارس آليته وكيف يولد آثارا التعس

للمعىن (أي املعاين والدالالت)، وكيف يولد تشكيال معينا للوعي،..يف الواقع أنه فيما خيص القرآن ينبغي أن

ىل التمييز بني الكالم كظاهرة فردية هنا يبدوا تأثره ب'دوسوسري ' ودعوته إ )2(ندرس الكالم وليس اللغة"

1 .118نصر حامد ، اخلطاب والتأويل، مصدر سابق، ص أبوزيد

2 .230، مصدر سابق، ص-أركون حممد، الفكر اإلسالمي قراءة علمية

Page 179: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

180

خيلقه الفرد، واللغة كظاهرة اجتماعية مستقلة عن األفراد وتفرض نفسها عليهم، يف جمال القرآن الكرمي هدف

األلسنية بيان كيف تتولد املعاين من كلماته على وجه التحديد.

لالهوتية واإليديولوجية اللتان ظلتا يمان يؤكد 'أركون' أن غاية التحليل األلسين هو التخلص من النظرتني ا

على فهم النص القرآين، نتيجته هي استخالص بعض اخلصائص املشتركة للوظيفة النبوية اليت يعترب القرآن

الكرمي يف إطارها خطابا نبويا، يفهم يف إطار مجلة من اخلصائص حيققها التحليل األلسين واليت تقوم على

بني األشخاص(أو الضمائر) داخل اجلملة الواحدة أو النص الواحد(آية واحدة أو دراسة:" بنية العالقات

جمموعة من اآليات). التركيبة اازية للخطاب الديين. الزمكانية األسطورية (أي البنية األسطورية للزمان

ة أو السيميانتية (أي واملكان يف القرآن مثال أو يف اخلطابات الدينية األخرى). املنظور األخروي للقيم املعنوي

.)1(مضمون اآليات الدينية مقابلة هلا بشكلها وطريقة صياغتها البيانية)"

واعتمد 'أركون' بصورة كبرية على األلسنية يف التمييز بني الشفوي واملدون يف الوحي القرآين، حيث ينتقل

لساين التداويل وخيضعه لدراسة أدبية تداولية إىل "محل النص القرآين املقدس األول من جماله الالهويت إىل اال ا

إذ إن تأسيس التصور الذي يفصل بني القرآن واملصحف يؤدي إىل ضرورة اعتبار القرآن احلقيقي هو القرآن

كلمة قرآن ويرى أا ال تعين الكتابة، وبذلك أراد أن يؤسس كذلكيفكك و )2(الشفهي وليس املدون"

ظ يف القرآن منذ وجوده األول مع النيب صلى اهللا عليه وسلم. لدراسة خاصة لكيفية التلف

مرحلة منهجية أولية ضرورية قبل عندهميثل لفهم النص القرآين، ألنه التحليل األلسين كما ينطلق 'أركون' من

. فهو وهذه املنهجية تذكر باملشروطية اللغوية للنص، مبا يف ذلك نص الوحي". لهالقيام بأي تفسري أو تأويل

نه خاضع أكما ،مكتوب بلغة بشرية معنية، وخاضع إلكراهاا النحوية والصرفية واللفظية والبالغية

1 .87أركون حممد، أين هو الفكر اإلسالمي املعاصر، مصدر سابق، ص

2 .126الفجاري خمتار، نقد العقل اإلسالمي عند أركون، مرجع سابق، ص

Page 180: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

181

حسب عدة ه، كما يفهم التحليل االلسين عند)1("لإلكراهات السوسيولوجية والثقافية للبيئة اليت ظهر فيها

حيث يهتم بدراسة صائغات اخلطاب املستوى األول هو التحليل النحوي أو القواعديمستويات، "

كشبكة الضمائر والعالقات فيما بينها، واألمساء واألفعال، والنظم واإليقاع، والنموذج الفاعلي - ومشكالته

وهي ضرورية يف قراءة النص القرآين ألا هي اليت تفسر آليات االشتغال النحوية واملعنوية لذلك - أو العاملي..

يل اللغوي النحوي، ثالثة جوانب كربى يف خطاب القرآين، هي تركيبته اازية، وبنيته تحلالالنص. يضاف إىل

.)2(" السيميائية أو الداللية، وتداخليته النصانية مع النصوص األخرى املقدسة

يعرب التحليل السيميائي واأللسين عن خطوتني جوهريتني لقراءة النص القرآين، اليت تسمح للباحث فيه التحرر

من هالة القداسة اليت ظلت حتيط به، واألحكام الالهوتية واملسبقة اليت حتيط بفهمه، من أجل مقاربته لغويا على

أوسع احلدود، عن طريق استبعاد اللغة األرثوكسية واخلروج من السياج الدوغمائي والتحرر من أدجلة الفهم،

لف الدالالت اليت تنتهي إليها عندما تقرأ القرآن حلساب لغة منفتحة على مجيع مظاهر اللغة اإلنسانية وخمت

السيميائية تنظر للنص القرآين كنص لغوي مؤلف من كلمات أي –كعالمات، باختصار الدراسة األلسنية

حروف وأمساء وأفعال ومن تركيبات لغوية وحنوية وبالغية وعالمات تقرأه مثل النصوص األخرى بعيدا عن

هالة القداسة .

األنثربولوجية:- القراءة التارخيية -ج

االنثربولوجية يف فهم النص القرآين، عن طريق العودة إىل الوقائع -يستعني 'أركون' بالقراءة التارخيية

االجتماعية والثقافية والسياسية...اليت صاحبت بل وسامهت يف تشكله األول، ويرى أا الشرط األول لتحقيق

له بعيد عن األدجلة وهالة القداسة، وذلك حسب منهجه احلفري اهلادف إىل التنقيب يف الطبقة فهم موضوعي

1 .115، ص2011، 1قراءات يف مشروع حممد أركون الفكري، منتدى املعارف، بريوت لبنان، طاألندلسي حممد وآخرون،

2 .115املرجع نفسه، ص

Page 181: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

182

األوىل اليت تشكل غور وأرضية ال مفر من اكتشافها إلدراك الترسبات الناجتة عنها فيما بعد، وهي مهمة

تتجلى يف قراءتني متكاملتني:

أوال:القراءة التارخيية:

، وذلك ألن التاريخ كآلية لفهم )1(يصرح 'أركون' يف الكثري من املناسبات: "أنا مؤرخ قبل أن أكون فيلسوفا"

خمتلف حيثيات اخلطاب القرآين، يعترب أهم األدوات املستخدمة عنده يف فهم خمتلف أسرار النص القرآين من

من أمثال فوريه الذي يعتربه مؤرخا وليس جهة والنصوص املضافة له من جهة أخرى، إذ يشيد بعمل املؤرخني

فيلسوفا، الذي تبني عنده أن " الثورة الفرنسية حدث تارخيي معقد جدا ومؤثر جدا ولد تأويالت وتفسريات

شديدة التعدد واالختالف...، ميكن أن نقارن هذا الوضع مبا حصل عندنا للنص القرآين ذاته. فالنص القرآين

ألدبيات التأويلية منذ ظهوره وحىت اليوم، أي طوال عدة قرون من السنني. قد ولد عشرات التفاسري وا

وتراكم التأويالت يف كلتا اجلهتني يشبه تراكم احلدث التأسيسي األول، إىل احلدث التدشيين يف طراوته

حتجبه عن وطزاجته األولية إال إذا اخترقنا كل الطبقات اجليولوجية املتراصة، كل األدبيات التفسريية اليت

وهنا يؤكد أن الثورة الفرنسية تثري وضعا مماثال ملا حصل للقرآن الكرمي عندما تكون حادثا معقدا )2(أنظارنا"

ومتشابكا يثري تعدد التأويالت، وهذا التماثل يبني أن القرآن حادثة تارخيية يفهم كنص أول تأسيسي ويف إطار

داث مرتبطة مبقتضيات وحاجات اجتماعية وسياسية كل النصوص الالحقة له حسب تسلسل زمين وكأح

وثقافية، جيب تعريتها والكشف عنها وهي من اختصاص املؤرخ وليس الفيلسوف ألن "الفيلسوف جييء فيما

بعد جييء لكي يستنتج النتائج العامة من العمل التارخيي والنتائج التجريبية احملسوسة اليت توصل إليها املؤرخ"

كمؤرخ قبل أن ' بإدراك وظيفة املشتغل عليه أركون'هم التاريخ كآلية لفهم النص القرآين عند ، إذن يبدأ ف)3(

1 .231أركون حممد، الفكر اإلسالمي نقد واجتهاد، مصدر سابق، ص

2 .232املصدر نفسه، ص

3 .233املصدر نفسه، ص

Page 182: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

183

ألنه من ناحية أخرى ال يأخذ ،يتضمن تفاصيل من الصعب حصرها أو حتديدها هذا املوقفيكون فيلسوفا،

نص القرآين والنقد التارخيي التاريخ مبفهومه الشائع كتجميع للوثائق و احلوادث بقدر ما يهتم بأشكلة تارخيية ال

كنهج لفهمه.

أن أهم صفة أصبحت ملحقة بالقرآن الكرمي عند خمتلف املشتغلني بالقراءة - إضافة إىل ما سبق ميكن القول

، وهي إذا ما كانت تربط فهمه بعلم )∗(اجلديدة للنص القرآين، وعلى رأسهم 'أركون' هي القول بتارخييته

ا عند فيلسوفنا تطرحه يف إطار جديد، يتجاوز مفهومه التقليدي الذي جيعله جتميعا التاريخ كآلية جوهرية فإ

لوقائع وأحداث أو جمرد تاريخ اقتصادي إىل التاريخ اجلديد الذي توصلت إليه مدرسة احلوليات الفرنسية،

قوم على والذي ميكن القول أنه دراسة حفرية أركيولوجية للتراث تستمد أسسها من 'ميشال فوكو'، ت

( التفريق"بني تاريخ األفكار الذي يقوم على السرد، وتاريخ األنساق الفكرية الذي يقوم على املشكليات"

حبيث يدعوا إىل العودة إىل احلفر يف كل طبقات تشكل هذا الكم اهلائل من التراث اإلسالمي، مركزا على )1

حي مؤكدا أنه ينبغي "علينا أن خنترق بدءا من الطبقة األوىل اليت تشكل فيها اخلطاب القرآين، أي زمن الو

الطبقات الرسوبية للخيال اإلسالمي املتشكل خالل القرون اهلجرية األربعة األوىل - املعارف املتجمعة يف اإلتقان

. كما انطلق من تأسيس نظرة تارخيية للقرآن الكرمي، تتعامل معه كوقائع )2(من أجل أن نصل إىل زمن الوحي"

لت يف إطار األحوال التارخيية اليت نزل فيها واليت تتجاوز قداسته، تتضمن كل التفاصيل وأحداث تشك

املتعلقة به مبا فيها مواقف الرافضني له، حبيث يقول "أن اخلطاب القرآين قد صيغ (أو ركب) لغويا بصفته جهدا

ملعارضني املكيني كانوا يرفضونه ذاتيا مبذوال لرفع نفسه إىل مستوى كلمة اهللا املوحى ا، هذا يف حني أن ا

∗فات األخرى اليت احلقت به، كالقول بواقعيته ونسبيته، كما أا أساس فهمه كحدث وظاهرة القول بتارخيية النص القرآين تترتب عنها خمتلف الص

يركزها بل ويشترطها خمتلف دعاة اآلليات املعاصرة يف قراءته.1 .69بغورة الزواوي، ميشال فوكو يف الفكر العريب املعاصر، مرجع سابق، ص

2 .257در سابق، ص أركون حممد، الفكر اإلسالمي ، قراءة علمية، مص

Page 183: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

184

، أي أنه )1(بوصفه كذبا، أو اختراعا شيطانيا يرمي إىل تدمري التقاليد، والعقائد، والنظام االجتماعي السائد"

نظر للقرآن كخطاب كمرحلة تارخيية متعددة الوشائج، يبني أركون أا مرفوضة من طرف األرثوذوكسية

للمرحلة األوىل، وباخلصوص اليت تشكل فيها املصحف حبيث يرى أا عرفت اإلسالمية اليت ترفض كل أشكلة

نزع صفة التارخيية عن زمن الوحي وعن زمن مجع وتثبيت املصحف عندما حددت وأطرت من طرف اجلهاز

الرمسي الذي جيش جمموعة من العلماء بألوام املختلفة فقهاء وحمدثني ومفسرين و كتاب تاريخ....

على القرآن الكرمي، تعرب عن نقلة نوعية يف التعامل معه 'أركون'التارخيية كسمة جوهرية يضفيها وصفة

كوحي أو كخطاب يتجاوز حدود املدون يف النص، ألا تعود بنا للحظة احلامسة اليت تشكلت فيها نصوصه و

قتضيها املناهج املعاصرة من جتعلنا ندرك النصوص األخرى املضافة هلا، فهي ضرورة ابستيمولوجية ومنهجية ت

، يعين القبول بتطبيق )باملعىن الفلسفي(أجل تطبيقها يف القرآن الكرمي، ألن أي "معاجلة التارخيية بشكل جدي

، )2(القرارات املنهجية واألبستمولوجية التالية على القرآن، وعلى ما كنت قد أمسيته بالتراث اإلسالمي الكلي"

تلك القرارات يفصلها يف جمموعة من القرارات املنهجية املهمة جدا يف قراءة النص القرآين مترتبة عن إحلاق

صفة التارخيية به، وهي اليت سنحاول تلخيصها نظرا التساعها، إذ يترتب عن إضفاء صفة التارخيية على للوحي

ومعاصرا، منها إعادة اكتشاف اللحظة األوىل، القرآين العديد من املسائل املهمة لفهمه فهمها موضوعيا

وتفحص نقدي للفترة التأسيسية أي القرن األول اهلجري، وكشف خبايا التيولوجيات القدمية وما ما ختفيه من

إيديولوجيات، وفتح أفاق حبث حر ومتفتح يتجاوز امليثولوجي واملتعايل، والنهائي والثابت يف فهم القرآن

إطار األحداث املرحلية والظروف املصاحبة واليت تعترب املنطلق األول لربطه باآلليات الكرمي حلساب فهمه يف

.21أركون حممد، القرآن من التفسري املوروث إىل حتليل اخلطاب الديين، مصدر سابق، ص1

2 .120، مصدر سابق، ص -قراءة علمية-أركون حممد، الفكر اإلسالمي

Page 184: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

185

اجلديدة "كتاريخ األديان واألديان املقارنة، وعلم االجتماع واألنثربولوجيا الدينية والبسيكولوجيا االجتماعية،

. )1(والتحليل النفسي واأللسنيات"

رتبط بصفة التارخيية امللحقة بالقرآن الكرمي، تفهم يف سياق ما يسميه إن اآلليات السالفة الذكر واليت ت

الذي اعترب احلديث عنه كمنهج مناسب لقراءة النص القرآين أصبح أمرا ضروريا بالنقد التارخيي'أركون'

لكشف الالمفكر فيه واملسكوت عنه، رغم أنه كان وال يزال يالقي الكثري من الرفض واالستهجان والردود

السلبية، ألن "النقد التارخيي املطبق على القرآن واحلديث والفقه، والذي طبق سابقا على الشعر اجلاهلي

واخلالفة كان قد أثار، وال زال يثري حىت اآلن ردود فعل عنيفة من قبل اتمع الذي يشعر أنه مهدد يف حقائقه

ات حساسية وخطورة يف جمال القرآن الكرمي ألنه حيدد أي أن هذا املنهج أكثر اآللي )2(املطلقة وقيمه احملورية"

خمتلف الرؤى املؤدجلة حوله تلك اليت تتحرك يف جمال املطلق واملتعايل والفوق تارخيي يف فهمه، وحياول عن

طريق النقد التارخيي للنص القرآين، "إعادة كتابة قصة تشكله، أي نقد القصة الرمسية اليت رسخها التراث

أي العودة لقضية تدوين املصحف منذ العهد العثماين وما أحاط ا من ظواهر ، باالستناد ) 3(" األرثوذكسي

غلى الوثائق اليت يعسر العثور عليها حسب حساسية املوضوع وخطورته.

ثانيا:القراءة األنثربولوجية:

مشروعه املسمى باإلسالميات التطبيقية اليت "تدرس بقراءة النص القرآين يف األنثربولوجيا 'أركون 'يربط

حمل رفض واعتراض من طرف ويبني أا، )4(اإلسالم ضمن منظور املسامهة العامة لألنثربولوجيا الدينية"

"أين أريد أن أختزل كالم اهللا إىل جمرد -الالهوتيني واألرذوكسيني، ناطقا بامسهم مبينا أم يتذرعون ويزعمون

1 .121املصدر نفسه، ص

2 .119، ص 1996الفكر اإلسالمي قراءة علمية، مركز اإلمناء القومي، بريوت لبنان، مصدر سابق، أركون حممد ،

3 .260، ص 2011، 1كيحل مصطفى، األنسنة والتأويل يف فكر حممد أركون، منشورات االختالف، دار اآلمان الرباط، املغرب، ط

4 .56املصدر نفسه، ص

Page 185: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

186

أي أا تناىف وقداسة وغيبية النص القرآين وتسعى إىل ) 1(نثربولوجي، مهدد باإلغراء الوضعي" مشروع أ

تقوم يف جوهرها على ،عدة منهجية أفرزها التطور احلاصل يف العلوم اإلنسانية واملناهج املعاصرة وهي، أنسنته

رة تقبل التحري النقدي والتحليل العلمي نقد وحتليل الوقائع التراثية والنظر إىل اخلطاب الديين والقرآين كظاه

، أي ظاهرة أنثربولوجية تعرب عن واقع ثقايف )2("حادث لساين ثقايف ديين"أي تشتغل على القرآن الكرمي ك

والذي ميثل ما عرف باجلاهلية، عن الفكر العامل 'ليفي شترواس'إنساين يفصل بني مرحلة الفكر املتوحش بتعبري

.اليت تعرب عن مرحلة ما بعد اجلاهلية حتمل معتقدات وطقوس وشعائر وشرائع وقيم جديدةأو الثقافة العاملة

للقرآن الكرمي مفاهيم جديدة وعلى رأسها احلدث القرآين والظاهرة القرآنية كمفهومني ن'يقدمأركوو'

يصرح أركون أنه:"ينبغي أن خنرج الظاهرة القرآنية من عزلتها مناسبني لربطه بالدراسات األنثربولوجية

وندجمها داخل الدراسة املقارنة ليس فقط لألديان التوحيدية الثالثة، وإمنا داخل األنثربولوجيا التارخيية للظاهرة

ايف ملا الثق -التارخيي اجلغرايف–الدينية كما سادت يف حوض البحر املتوسط، وأقصد بذلك النطاق اجلغرايف

هنا يؤكد أركون على أمهية األنثربولوجيا التارخيية يف فهم القرآن )3(ميكن أن ندعوه مؤقتا باال املتوسطي"

الكرمي، مبينا أن مسائله ميكن أن تقرأ حىت يف إطار الثقافات الشرقية القدمية حسب دراسة أنثربولوجية تطلعنا

من يف القرآن الكرمي، كما هو احلال مع قصة الطوفان اليت وجدت على املقاربة بني عناصرها املختلفة وما تض

يف ملحمة جلجامش، واملسائل املتعلقة بالتوحيد الواردة يف الديانات الشرقية القدمية ويف اليهودية، وال يقف

القرآن التطبيق وذلك بالعودة إىل قراءة خمتلف سور النظر وعند حد التنظري بل يلجأ إىل اجلمع بني 'أركون'

اليت قرأ ا عدة سور قرآنية كالفاحتة. الكرمي باألدوات املعاصرة وعلى رأسها االنثربولوجيا التارخيية والدينية

1 .111، مصدر سابق، ص -وروث إىل حتليل اخلطاب الديينمن التفسري امل–أركون حممد، القرآن

2 - Arkoun Mohamed , pensée arabe, La pensée Arabe Presse Universitaires de France , première édition, 1975, p7 .

3 .73، اخلطاب األصويل واستحالة التأصيل، مصدر سابق، ص حممدأركون

Page 186: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

187

تتنوع يف عناصرها وتأثريها على الوسط أو البيئة كظاهرة تدرس اإلسالم ويرى 'أركون' أن األنثربولوجيا

منا كيفية التعامل مع الثقافات األخرى، بروح متفتحة ومتفهمة، العربية اإلسالمية، كما أا متثل علما"يعل

وضرورة تفضيل املعىن على القوة أو السلطة، مث تفضيل السلم على العنف، واملعرفة املنرية على اجلهل املؤسس

يف، وننفتح نقر بالتنوع الثقا نصبح من وهنا من شأا أن جتعلنا نصل إىل قراءة للقرآن الكرمي، )1(أو املؤسسايت

، ملواجهة ظواهر التطرف واإلسالموفوبيا... على اآلخر، ونبين عالقات مبنية على التسامح واحلوار املتبادل

يف فهم النص كل واحدة هلا أمهيتها اخلاصة يف نظر 'أركون' أنواع من األنثربولوجيات كما أن هناك

راسة كل األديان وتقيم مقارنات فيما بينها من أجل األنثربولوجية الدينية وهي اليت تعىن بد-،وأمهها: القرآين

بعدها األثربولوجي أي البعد معرفة النقاط املشتركة فيما بينها، أي أا تقوم على فهم الظاهرة الدينية يف

"حترر التيولوجيات والفلسفات من اإلنساين العام، وهي كذلك أحد العلوم اإلنسانية واالجتماعية اليت

وهو جيعلها تربط النص )2(م احملصورة بدين واحد، ومبسار تارخيي واحد وبقدر طائفي واحد"اجترارها للقي

تعىن بدراسة كل الثقافات واألنثربولوجية الثقافية و القرآين بالنصوص األخرى يف إطار الربط بني الديانات،

أن منهجيتها هي األصلح وتقيم مقارنات فيما بينها من أجل معرفة األواصر اليت جتمع بينها، واليت يبني

لالستخدام اليوم، ألا "تدرس مجيع الثقافات البشرية وتقارن بينها، رافضة تفصيل إحدامها على األخرى

وهنا متكننا من فهم البعد الثقايف العام واخلاص للنصوص القرآنية كما أشار إليه أبو زيد. )3(بشكل مسبق"

"املنهجية األنثربولوجية ال تم فقط بالوقائع واألمساء واألحداث اليت إضافة إىل ما سبق يؤكد 'أركون' أن

حتصل يف وضح النهار، وإمنا تم أيضا باجلوانب الغامضة واملخفية من تاريخ املقارن األديان، والثقافات

جلة والتقديس، واحلضارات، إا تم بالوظائف الرمزية، وعمليات اإلبداع اازي، واألسطرة، واملخاتلة، واألد

1 6التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين، مصدر سابق ص أركون حممد، القرآن من .46أركون حممد، من فيصل التفرقة إىل فصل املقال، أين هو الفكر اإلسالمي املعاصر ، مصدر سابق، ص2

3 .5أركون حممد، قضايا يف نقد العقل الديين، كيف نفهم اإلسالم اليوم، مصدر سابق، ص

Page 187: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

188

إدراك حقيقة الوحي القرآين وما حلقه من ظواهر األسطرة يف ها، وهنا ميكن االستفادة من )1(والتعايل"

واألدجلة...وكل ما أضافه أو أضفاه اإلنسان عليه.

ءة عند 'أركون'، ندرك أا متيزت بالتنوع والتعدد عنده يف جمال قرااملعاصر من خالل استعراض آليات الفهم

النص القرآين، وهي إن كان التفكيك حمورها كطريقة القتحام جمال املمنوع التفكري فه واملهمش واملنسي يف

جمال النص القرآين، فإا جتعله يشتغل يف إطار حقل ذو ثراء وغنا منهجي يستعصي التحديد والوصف، ألنه

بولوجيا وعلم النفس وعلم االجتماع وحتليل يأخذ من مناهج األلسنيات والسيميائيات وعلوم التاريخ واألنثر

من ااخلطاب...، ويلٌم شتاا من أجل إرساء دعائم دراسة حفرية أركيولوجية للخطاب القرآين، استفاده

تشربه وتكوينه العميق يف علوم اإلنسان واتمع، واستطاع من خالهلا تقدميا قراءة وفهما جديدا للكثري من

.السور واآليات القرآنية

قراءة 'أركون' لسورة الفاحتة: -2

"كنت قد حاولت يف سابق تقدمي ألسنية و سيميائية داللية لسورة الفاحتة لكي أبني بالضبط :يقول أركون

ند عليه التفكري اإلسالمي الكالسيكي وبني تقطيعة االبتسمية احلاصلة بني الفكر الضمين الذي يسلامدى

وحسب هذا ) 2(القارات اجلديدة للداللة واملعىن اليت يتيح لنا استكشافها علم األلسنيات والسميئيات احلديثة"

غابت أو غُيبت عن اهتمامه قارات جديدة التصريح فقد عمل على جتاوز الفهم الكالسيكي هلا، باكتشاف

والتارخيية واالنثربولوجية من زاوية أخرى. ية والسيميائيةاأللسن بواسطة الدراسة

1 .214املصدر نفسه، ص

2 .88املصدر نفسه، ص

Page 188: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

189

أركون'، إىل تقدمي قراءة جديدة لسورة الفاحتة باعتماد املنهجني األلسين والسيميائي، الدراسة فقد سعى '

الذي )1(التارخيية، واملقاربة األنثربولوجية، يف كتابه 'القرآن من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين'

يستعرض فيه املسألة بوضوح، مقدما منوذجا ومشروعا جديدا لفهمها .

يقوم هذا املشروع على اكتشاف جمموع اللحظات اليت تشكل فيها اخلطاب القرآين يف سورة الفاحتة كما

يلي:

: يقوم حتديدها على مجلة من املصطلحات األلسنية يف فهم السورة، أمهها مفهوم العامل األلسنية )∗∗∗∗(اللحظة-أ

–actant - املتعلق مبحدث الفعل أو الفاعل يف الواقع، والغاية منه إدراك تبادل األدوار يف اآليات بني اهللا كعامل

ومرسل إليه، وتقوم كذلك -expéditeur–واملرسل - -objet–أول واإلنسان كعامل ثاين،إضافة إىل املوضوع

أنتم.. املشكلة -هم - حنن -أنت–هو-أنا –على معرفة الضمائر يف السورة وبنية العالقات القائمة بينها

للخطاب القرآين يف سورة الفاحتة، وقد عرض حمطاا الكربى يف النقاط التالية:

سورة معرفة غري نكرة، وقد عاد إليها أركون : متثل مجلة الكلمات الواردة يف الأوال: احملددات واملعرفات

لتحليل اخلطاب معتمدا عليها يف معرفة طبيعة املتكلم، حيث راح يدرس وظيفة التعريف يف قراءته لسورة

الفاحتة سواء أكان ب'أل' أو باإلضافة، ليبني دوره يف حتديد مقاصدها، مشريا إىل أن السورة تتميز باحتوائها

، ومتثل مجيع األمساء املعرفة، سواء أكانت مصادر أو أمساء الفاعل واملفعول به أو الصفات املعرفاتعلى

االمسية، وهو ما يعين أن املتكلم معروف متاما أو قابال ألن يعرف، وذلك إما بواسطة أل التعريف وإما بواسطة

1 .144إىل ص 124، مصدر سابق، من ص- من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين - أركون حممد، القرآن

∗للتعبري عن عنايته بالواقع أو اشتغاله كمؤرخ للوقائع املصاحبة لتشكل النص القرآين يف السورة املراد دراستها هنا اللحظةاستعان أركون مبصطلح

جية اليت اخلطاب القرآين ككل، وذلك بالرجوع إىل فترة التشكل وفهمها انطالقا من مكوناا يف شىت املستويات اللغوية والتارخيية واألنثربولو ويفم يف ككائن حي أو كخطاب حي يفه -سورة الفاحتة هنا–تبىن عليها سورة الفاحتة، فهي تعرب عن رغبة أركون اجلاحمة يف دراسة النص األصلي

ي الذي إطار العالقة بني جمموعة من الفاعلني، وعن طريق تنقيته من الشوائب اإليديولوجية اليت حلقت به، ويف إطار حتريره من السياج الدوغمائ حلق به، ومن أجل حتقيق مهمة نقله من القداسة إىل الدراسة ومن التبجيل إىل التحليل.

Page 189: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

190

مجيع التحديدات مسبوقة بكلمة ، كما يبني أن باستثناء احلمد، الصراط، املغضوب والضالني،-كلمة تعريفية

اهللا أو مقادة من قبلها، وهي كلمة حتتل مكانة مركزية وأساسية من حيث املعىن، على الرغم من أا مل ترد

كفاعل حنوي إال مرة واحدة : أنعمت، إضافة إىل ذلك بني أن اهللا تعاىل حمدد يف آن معا من قبل أداة التعريف

اليت تشكل أيضا حتديدات وصفية، كما أن أداة - الرمحن الرحيم مالك–ل أل ومن قبل سلسلة أمساء البد

التعريف الواردة يف عناصر اآلية هلا وظيفة التصنيف يف التراكيب اللغوية كمفاهيم أو أشخاص حمددين بدقة من

ستعملة يف قبل املتكلم وقابلني للتحديد من قبل املخاطب عندما يصبح بدوره قائال أو متكلما، واإلضافة امل

خمتلف اآليات تعرب عن تفاعل حنوي بني املضاف واملضاف إليه على مستوى املعىن وليس املبىن فقط، وهنا يتبني

دور التحليل األلسين يف كشف دور املعرفات يف بيان حقيقة املتكلم يف سورة الفاحتة وأثر ذلك على املعىن .

لسورة الفاحتة ببيان دور الضمائر كصنف آخر من احملددات حتليله األلسين 'أركون': يواصل ثانيا: الضمائر

بلغة األلسنيات مبينا من -اإلنسان–والثاين -اهللا–العاملني األول –يضاف إىل املعرفات، حيث حيلل دور

خالهلما طبيعة األدوار وتبادالا يف اخلطاب القرآين، دارسا خمتلف املشاكل اليت يطرحها علينا وجودها يف

النص، ألا ذات عالقة وطيدة باملتكلم ومؤلف النص، إذ بني فيها أنه يالحظ وجود ضمري زائد مثل فهم

يف صيغة املفرد، قد استخدم مرتني مع أداة الفصل إيا: إياك نعبد، وإياك نستعني، األول للداللة ضمري املخاطب

ونة، واملرسل إليه املقصود هنا هو اهللا، الذي على من تتوجه إليه العبادة، والثاين للداللة على من نطلب منه املع

يصبح بدوره يف األخري فاعال حنويا يف أنعمت واهدنا، كما يبني أن املتضادة الثانية: أنعمت عليهم، وغري

(ت)ح به يف احلالة األوىل عن طريق ضمري املخاطباملغضوب عليهم، تبني لنا أن الفاعل النحوي مصر

و املعترف به كفاعل لألفضال أو النعم املمنوحة لبعض املخلوقني، أما يف احلالة الثانية فه تاملستخدم يف أنعم

فيبني لنا أن الفاعل النحوي املفروض من قبل السياق ال ميكن أن يكون إال اهللا أيضا، لكنه مضمر أو جمهول

موجود حنن مصرح به ميثل: انتهى إىل عبارة على صيغة اهول، بعد ذلك ينتقل أركون إىل حتليل ضمري آخر

Page 190: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

191

أنا' ضمنية وضرورية مصحوبة بقيمتني: أنا وأنت، أنا - يف نعبد، نستعني، اهدنا، مبينا أن حنن تعرب عن 'ال

وهم، مشريا إىل أن االرتباط بني النحن وأنت يف النص جيعل قيمتها املعنوية يف االرتباط بني أنت وهم، هذا

كلمني سواء أكانوا حاضرين أثناء التالوة الشعائرية أو كانوا متكلمني ممكنني األخري ميثل مجيع القائلني أو املت

الذين عندما يلفظون النص ليس بإمكام أن يفلتوا من القيم املعنوية املالزمة أو احملايثة لقراءته، وبعد التحليل

من الضروري ضبط دور للضمائر ينتهي أركون إىل أنه ال توجد يف النص أية عالمة تدل على هوية املؤلف و

الضمائر يف اآليات ملعرفة مكونات اخلطاب وأصناف العالقة بني املرسل واملرسل إليه أو املرسل إليهم.

طبيعة األفعال يف سورة الفاحتة ليبني أا قليلة باملقارنة مع 'أركون': بعد حتليل الضمائر حيلل ثالثا: األفعال

مبينا أن صيغة املضارع تدل على التوتر الذي يبذله العامل الثاين -ونستعنينعبد - الضمائر، فعلني يف املضارع

ويعكس جهد دائم لسد الفجوة بني املتكلم وهو اإلنسان الذي ال حول - اهللا–اجتاه العامل األول - اإلنسان–

بل كل فعل، له وال قوة، وخمَاطب حمدد يستوجب العبادة، وهو ما دلت عليه كلمة إياك اليت استعملت مرتني ق

إياك نستعني، مث فعل األمر اهدنا الذي جاء بعد الفعلني املضارعني، وهو ما يوضح حسب أركون -إياك نعبد

االسترحام املوجود ضمنيا يف نعبد ونستعني، والفعل الوحيد الذي جاء على صيغة املاضي هو الفعل: أنعمت

حصلت ومتت ال رجعة فيها ألا مرتبطة بسيد أي اهللا ويدل على حالة1ألن فاعله النحوي هو العامل رقم

مستقل فهي ال تدل على توتر مع الفاعل، ويف األفعال يهتم أركون يف إطار التحليل األلسين بتحليل التضاد

الكائن بني الفعلني املاضي واملضارع من أجل معرفة دور العاملني ومكانتهما والعالقة بينهما.

من خالل دراستها العودة إىل األمساء األصلية واألخرى 'أركون': حياول سمرابعا:األمساء والتحويل إىل ا

احملولة يف السورة، من أجل حتديد ما يسميه بتيبولوجيا املعىن أي علم أنواع ومناذج األساليب اليت يستخدمها

والصرفية ، أي اخلطاب القرآين، األوىل عندما نعود إىل جذرها املعنوي ال جندها ختضع للتمفصالت املنطقية

اله، محد، رب، يوم، دين، صراط، أما األخرى تكون مشتقة مثل: - كلمات بدائية أصلية وهي: اسم، أل

Page 191: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

192

عالَمني، رمحان، رحيم، وبعد حتديدها بني تعذر قيام مهمتني يطلبهما البحث العلمي و التحليل األلسين

مساء األصلية مها: دراسة بناها االيتمولوجية كعمليتني إلدراك دور املتكلم، وفتح فضاء جديد للمعىن يف األ

العربية األصلية أوال، وإقامة التحوالت املعنوية اليت طرأت عليها داخل النظام اللفظي املستخدم من قبل اللغة

القرآنية، بينما يسهل جتسيد ذلك يف عمليات التحويل إىل اسم أي اللجوء إىل كلمات مزدوجة كاملصادر اليت

فاعل أو مفعول به، مثل: الضالني كاسم فاعل ميكن أن خنتار هلا اسم فعلي الذين يضلون الصراط. تكون أمساء

تقطيع وتوزيع سورة الفاحتة إىل: 'أركون': حياول من خالهلا خامسا:البنيات النحوية يف سورة الفاحتة

- 4ياك نستعني إياك نعبد وإ- 3احلمد هللا - 2بسم اهللا - 1أربع وحدات للقراءة القاعدية هي: -

اهدنا الصراط املستقيم.

مالك يوم الدين -3الرمحن الرحيم - 2رب العاملني -1الرمحن الرحيم -1سبع لفظات إخبارية: -

وال الضالني. - 3غري املغضوب عليهم -2صراط الذين أنعمت عليهم - 1

النواة/ والعبارة - من خالل التقطيع يبني لنا 'أركون' أنه يرتكز على التمييز النحوي املقام عادة بني العبارة

وكيفية -اهللا–التوسع، ويبني لنا كذلك أننا من خالله نستطيع أن ندرك الدور النحوي للفاعل املقصود بكلمة

اإلسالمية تؤكد على الصحة األلسنية هلذا التقطيع حني التوسع املعنوي له، حيث يشري إىل أن املمارسة الدينية

تبني أن العبارتني النواتني األوليني تتم تالوما يف مناسبات كثرية من دون توسعهما املعنوي مثل قول املسلم

ربع النويات األ–وقوله يف ايته احلمد هللا، وينتهي يف هذا املقام إىل أن العبارات - بسم اهللا–يف بداية األكل

حيتوي على مجيع الفاعلني أو الذي -le modèle actiantiel–حتتوي يف آن معا على النموذج العاملي

الشخصيات األساسية يف اخلطاب القرآين: الفاعل، املوضوع، املٌرسل، املرسل إليه، املعارضون، األنصار أو

املساعدون.

Page 192: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

193

أمهية التشديد واإليقاع والنغم واملدة...، ليبني بعد : يتساءل 'أركون' يف البداية عنسادسا:النظم واإليقاع

ذلك دور نظرية النظم األلسنية يف دراسة طبيعة العالقة القائمة بني علم النحو والنربة، مؤكدا أننا حنن العرب

منتلك أدبيات غنية وغزيرة يف جمال النظم القرآين كما ظهر يف أعمال عبد القاهر اجلرجاين، ولكن ما تزال

تفتقر إىل الدراسة باملناهج احلديثة، مبينا أنه لن خياطر بتطبيقها يف سورة الفاحتة وكأنه جيعلها أفاقا للبحث،

- متناوبة مع قافية (إين) عاملني - الرحيم، املستقيم- مكتفيا بالتنبيه إىل مالحظة بسيطة مفادها وجود قافية (إمي)

وجود وحدات صوتية صغرى 'فونيمات'، ووجود ميم الضالني يف سورة الفاحتة مع اإلشارة إىل-نستعني

مرات.5مرات، ها 5مرة، عني 12مرة، نون 12مرة، الم 15

بعد هذا التفصيل الذي بني فيه 'أركون' بإسهاب كيفية إعداد حتليل ألسين أو لغوي لسورة الفاحتة، ندرك أنه

، ويقرأها )1(ا وعلى كافة ممكنات املعىن" يالحظ "أن كلمات سورة الفاحتة تتميز بانفتاح على ذرى واسعة جد

باستخدام مصطلحات ألسنية دقيقة وخمتصرة ومعاصرة سعى من خالهلا إىل جتاوز التيولوجيا الكالسيكية

ومناهجها ليس يف قراءة سورة الفاحتة فحسب، بل يف قراءة كل اخلطاب القرآين، ولكن رغم ذلك أكد

، أال وهو استعادة مجيع التفاسري والقراءات الكالسيكية اليت أثارا أركون أن حالة الفاحتة تقتضي عمل آخر

يف يف إطار عندهمن أجل حتديد نقاط االختالف بينها وبني القراءة املعاصرة، وهذا الطريق ال جيد مقوماته

أركون ال تقل أمهية القيام بإعادة قراءة الكتب املقدسة املختلفة، بغية اكتشاف اللحظة التارخيية اليت هي يف نظر

عن اللحظة األلسنية يف قراءة سورة الفاحتة، ففيم تتمثل يا ترى؟

:اللحظة التارخيية-ب

لسورة الفاحتة، ويشري من خالهلا إىل عن عملية تابعة للتحليل اللغوي األلسين والسميائي 'أركون'تعرب عند

لزوم إعداد مؤلفا ضخما جيمع خمتلف القراءات اليت أثارا هذه السورة، منذ بداية التفسري اإلسالمي إىل اليوم،

1 .186، ص 2010د أركون، منشورات الزمن، الدار البيضاء املغرب، د ط، بوعود أمحد، الظاهرة القرآنية عند حمم

Page 193: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

194

يكون مصحوبا بعمل طويل من اجلرد والفرز، يقوم به فريق كامل من الباحثني، ومن أجل إرساء بداية

ا تبدأ باختيار التفسري الكبري لفخر الدين الرازي للقرآن الكرمي كنقطة انطالق، لتدشني هذا البحث ارتأى أ

نظرا لتمتع هذا العامل بقدرة هائلة على اجلمع بني التفسريات، حيث مجع تفسريه حسب نظره، أهم ما أنتجه

ما يقول، صفحة حسب99اجلهد التفسريي خالل القرون اهلجرية الستة األوىل وخصص للفاحتة وحدها

)∗(وبالتايل قد اعتمد 'أركون' على املنهج التارخيي يف دراسة السورة الفاحتة عن طريق العودة إىل تفسري الرازي

املعروف ب'مفاتيح الغيب'، نظرا لكونه مادة جامعة ملختلف التفسريات الكالسيكية األوىل، ولكنه أراد من

نص –والنص الثاين - السورة–بني النص األول األصلي خالله أن يعتمد طريقة أخرى تقوم على املقارنة

لكشف خمتلف الشفرات أو القوانني املتحكمة يف قراءته لسورة، أي أنه حيلل اخلطاب القرآين يف - التفسري

سورة الفاحتة من منطلق نظرة الرازي له حسب جمموعة من األنساق أو الشفرات اليت خضع هلا تفسري الرازي

وهي:

لغوي: بني من خالله أركون أن الرازي على غرار األصوليني، بدأ من مقدمات لغوية مسهبة النسق ال-

وغزيرة، وأنه منه خالله يسعى إىل كشف القانون أو الشفرة اليت تتيح لنا أن نفرز املعطيات اللغوية املختلطة

غالبا باآلراء املختلفة أو املتعددة للتفسري.

املبادئ الالهوتية، والعقائد اإلميانية، والطقوس والشعائر اليت تتحكم بالفكر النسق الديين: يشكل مجلة -

وبالتايل باخلطاب، وتوجهه يف وجهة معينة.

النسق الرمزي: ويتم من خالله تتبع خيال املفسر الذي يصاحبه يف قراءة النص القرآين من خالل حتديد وفك -

جمموع الرموز اليت يعتمد عليها.

∗ - 138القرآن من التفسري املوروث إىل نقد اخلطب الديين ص –فخر الدين الرازي كما عرفه مترجم 'أركون' 'هاشم صاحل' يف هوامش كتاب

ر حىت وصل إىل اهلند، ويف كل مدينة كان خيوض جمادالت عنيفة مع م يف الري وتلقى فيها علومه األوىل مث سافر إىل األمصا1209- 1149ولد سنة ق الذي املعتزلة ومع أتباع املذاهب الفقهية والكالمية األخرى، كان مقتنعا بأشعريته، وإن كان متأثرا بابن سينا ...كان يقف على مفترق الطر

لية، والفلسفية التابعى السينوية.جيمع بني التيارات الفكرية يف عصره، أي األشعرية الغزالية، واملعتز

Page 194: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

195

: يتميز بغناه وثرائه عند الرازي، ألنه جيمع خالصة العلم العريب كطريق لبلوغ املعىن، من خالله النسق الثقايف-

ميكن كشف مستويات الثقافة العربية واللحظات اليت يتحول فيها النسق الثقايف إىل إيديولوجي.

ق السابقة، تتالقى حوله لكي النسق التأويلي أو الباطين: هو األهم من وجهة نظر املفسر ألنه غاية كل األنسا-

حتصل املعىن األخري للنص القرآين.

بعد عرض تلخيص هلذه األنساق اليت طرحها 'أركون' كمحددات كربى لفهم طبيعة العالقة بني النص

مل يفصل فيها سورة الفاحتة ذاا، وال نظرة 'الرازي' - تفسري الرازي–األصلي اخلطاب القرآين والنص املفسر

ما يبدو بل أشار إىل طرح عام يف شكل أنساق تتحكم يف قراءة اخلطاب القرآين عند 'الرازي'، عن حوهلا ك

طريق بيان خمتلف الشفرات املتحكمة يف تفسريه ككل، وهدفه األمسى من ذلك بيان دور جمموعة من

رمز والعالمة، وبني التداخالت بني نقاط متعارضة يف حتديد املعىن، تظهر : بني األصلي والثقايف، وبني ال

التربية الفكرية واإليديولوجيا، وبني اللغة املثالية واللغة العقالنية املركزة على ذاا، يف فهم اخلطاب القرآين ويف

سورة الفاحتة عند الرازي حتديد، وهو مبوجب ذلك كعادته يف خمتلف مؤلفاته يريد فتح أفاق للبحث يف النص

وكونه مازال خيطوا خطواته األوىل، وكأنه منبه للجيل الصاعد على أمهية القرآين نظرا لشساعة مشروعه

إكمال مشروعه يف استغالل أمهية استثمار آليات الفهم املعاصرة وحمفزا عليها يف أشكاهلا املختلفة أكثر مما هو

فصل يف كيفية مطبق هلا، لكون مشروعه مازال يف البداية كما قلنا يف مناسبات شىت، فهو إذن مل يسهب أو ي

فهم اللحظة التارخيية اليت وجدت فيها سورة الفاحتة، فإىل أي مدى طبق ذلك يف دراسته للحظة األنثربولوجية

هلا؟

:اللحظة األنثربولوجية-ج

كعادته أركون بصدد حديثه عن القراءة األنثربولوجية لسورة الفاحتة ميهد هلا ببيان صعوبات ومعوقات

املهيمنة عرب التاريخ واليت حالت دون تطبيقها يف تعائق الدوغمائيات و اإليديولوجيا تطبيقها، وعلى رأسها

Page 195: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

196

مجيع الديانات التوحيدية وليس يف اإلسالم أو قراءة القرآن الكرمي حتديدا، ولكنه دائما يركزا على التخلف

والسيما إن كانت علما وأداة الكبري الذي ال زال يتخبط فيه فهم اإلسالم والقرآن الكرمي بآلية األنثربولوجيا

جوهرية عنده تضم خمتلف اآلليات املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي كالنظرية البنيوية والتحليل النفسي

املقاربة واالجتماعي والتارخيي... ، وبعد هذا التمهيد طرح كيفية فهم اللحظة األنثربولوجية لسورة الفاحتة أو

لتساؤل عن مدى وجود مرجعيات بدائية كاحلياة واملوت والزمن واحلب والقيمة يف إطار ا، هلا االنثربولوجية

واالمتالك واملقدس والعنف، اليت نعتها باألصل البدائي الذي ميثل الذرى القصوى للوجود تتداخل فيما بينها

لتحوالت يدرك وحتيلنا إىل مسألة الكينونة والوجود وفيها يتشكل املعىن وينبين وينهدم ويتقلص ...أي خيضع

معناها يف إطار فهم اللغة الرمزية اليت هي مسة اللغة القرآنية اليت ال تكون حرفية كما يروج له يف التفسريات

الكالسيكية، وذلك نظرا هليمنة األسطوري واازي واخليايل عليها.

يف جمال قراءة سورة هانظرة مغايرة للقراءة الكالسيكية التبجيلية هلا، بل ومتمردة علي إن 'أركون' أسس

النظر إىل "أن مفردات الفاحتة وبناها النحوية عامة جدا، ومتفتحة على كافة ممكنات املعىن،تقوم على الفاحتة،

حبيث .)1(إىل درجة أما متارسان دورمها كحقل رمزي تنبثق وتسقط عليه خمتلف أنواع التحديدات واملعاين"

وتقوم على أولوية الرمزي ءة األنثربولوجية حتمل معان متدفقة وغري حمصورةيبني أن سورة الفاحتة وفق القرا

ميكن أن تفهم يف إطارها خمتلف عقائد وطقوس وشعائر و ،واألسطوري واخليايل واازي على العقلي املغلق

أصولية وأخالق وثقافات اتمع، دون أن تكون خطابا مقننا وال غنوصيا، أي ال ميكن ربط معانيها بقواعد

ثابتة وال مبادئ عرفانية بل بأحوال تارخيية وثقافية وواقعية اجتماعية جتسدت يف ثقافات خمتلف الشعوب،

ويشري إىل أن حمددات القراءة الكونية ظهرت منذ القدمي، تتجلي يف قراءة آيات سور الفاحتة كما يلي:

1 .143، مصدر سابق، ص - من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين-أركون حممد، القرآن

Page 196: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

197

"احلمد هللا رب العاملني: هذا التعبري حييلنا إىل علم األصول األنطولوجية واملنهجية للمعرفة(يدعى علم -

األصول يف اللغة اإلسالمية الكالسيكية).

مالك يوم الدين: حييلنا إىل علم األخرويات،(أي جمموع العقائد املتعلقة بالعامل اآلخر كالبعث).-

وس والشعائر.إياك نعبد: حييلنا إىل الطق-

اهدنا الصراط املستقيم: حييلنا إىل علم األخالق.-

الذين أنعمت عليهم: حييلنا إىل علم النبوة.-

غري املغضوب عليهم: حييلنا إىل التاريخ الروحي للبشرية: موضوعات رمزانية الشر املعاجلة يف -

نبياءها فعاقبها اهللا على القصص املتعلقة بالشعوب أو األقوام القدمية (وهي الشعوب اليت عصت أ

.)1("ذلك)

ما يسميه أركون بتفصيل هذه املعاين العامة اليت تتضمنها آيات الفاحتة كما أشار إليها األقدميني، يعارض

مفتوحة منذ القدمي على معان متعددة، بالتفسري األرذوكسي السائد حوهلا، ويبني أا وفق املقاربة األثربولوجية

تقرأ يف إطار الثقافات الكونية ويف ظل احترام خاصية الثقافة يف التنوع والتعدد، مشريا كذلك إىل أن عبارة

املغضوب عليه وال الضالني، اليت تفهم يف إطار اللعنة على اليهود والضالل للنصارى، دف "إىل تأجيج

أي أا ال تتضمن تفسريا إقصائيا )2(ولكن ليس إال حتديد هذا اإلحساس وتثبيته" اإلحساس باخلطيئة والذنب،

.للطوائف غري اإلسالمية، بقدر ما دف إىل حتسيسها وتنبيهها بالذنب

هذه بعض اخلطوات اليت اعتمد عليها 'أركون' يف دراسة سورة الفاحتة، واليت تنطلق من رفض التفسري

ه وجتاوزه، كما تبىن على أولوية حتليل حلظة التأسيس والتشكل اليت خضعت هلا النصوص الكالسيكي هلا و نقد

القرآنية السالفة الذكر، يف شىت املستويات األلسنية والتارخيية واألنثربولوجية ...، وهي ما يترتب عنها أن

1 .143 -142املصدر نفسه، ص

2 .144املصدر نفسه، ص

Page 197: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

198

ة ماسة إىل مشروع يهدف اخلطاب القرآين بطابعه الرمزي واملنفتح على مجيع الدالالت كان وال يزال يف حاج

إىل إخراجه من السياج الدوغمائي املغلق إىل دراسة جديدة تضعه يف سياق تفكري علمي وموضوعي ال ميكن

أن حيقق إال يف إطار االستفادة من آليات الفهم اجلديدة.

د راءة القرآن الكرمي عنتطبيق اآلليات املعاصرة يف ق إن أهم النقاط اليت ميكن التوصل إليها بصدد حديثنا عن

أو يف خطواته األوىل، ميكن فهمه يف بدايته مازال، أنه يف خمتلف النقاط اليت أثرناها، يعرب عن مشروع 'أركون'

على التفكيك كآلية حمورية لقراءة اخلطاب القرآين واستنطاق املهمش همن زوايتني، األوىل تبني اعتماد

واملمننوع التفكري فيه يف ميدانه لكن دون فصله عن املناهج األخرى اليت يتشعب والالحمكي واملنسي واملقموع

السيميائية والدراسة - ويتعمق فيها بدورها ألا مبثابات منطلقات وآليات للتفكيك كالدراسة األلسنية

د يف تفاسري يف إعداد تفسري قرآين جديد، جتس هالتارخيية للنص القرآين، الثانية تبني شروع-األنثربولوجية

متنوعة للسور واآليات القرآنية يف حلة جديدة تستفيد من أدوات القراءة املعاصرة، كما بينا ذلك يف قراءته

لسورة الفاحتة.

يف آخر هذا الفصل نصل إىل جمموعة من النتائج وهي:

اهرة الوحي يف أشكلة مفهوم الوحي القرآين والدعوة إىل دراسته الشاملة يف إطار ظ'أركون' بقيامه ب-

الديانات السماوية الثالث، عرب عن اللبنة األوىل يف تطبيق آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآين،

إلزالة جمموع احلوائل اليت تقف دون تطبيقها يف ميدانه باسم القداسة يف إطار األرثوذكسية والسياج

الدوغمائي املغلق.

يكون قد أرسى دعائم التقليدية وتأسيس اإلسالميات التطبيقية، 'أركون' بذهابه إىل نقد املناهج -

مشروع علمي كبري، جيمع بني النقد والتأسيس، واهلدم والبناء، والنظر والتطبيق، وذلك بإعداد دراسة

نقدية حتليلية للمناهج الكالسيكية وآلياا، مث جتاوزها وتقدمي البديل املناسب هلا جسده يف اإلسالميات

Page 198: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

199

بيقية اليت تعترب مبثابة مشروع طموح ما زال يف بدايته، ميكن أن تكمل مسريته األجيال، اليت مهمتها التط

القصوى التحكم والتمكن من علوم اإلنسان واتمع إن أردت أن تصل إىل قراءة علمية وفعالة للنص

القرآين.

ة الفاحتة بني توظيف مباشر ومفصل 'أركون' بقيامه بدراسات تطبيقية على السور القرآنية ومنها سور-

موع اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين، ميكن أن يطبق يف قراءة كل القرآن الكرمي.

وصفوة القول أن 'أركون' باشتغاله على النص القرآين وأدوات الفهم املعاصر، يكون قد عرب عن مشروع

جتاوز الكثري من الطابوهات والترسبات اجلرأة تقوم على طموح حيمل ثالث صفات: اجلرأة والنقد واالنفتاح،

الكثري من احلساسية واخلطورة غري مبال بانتقادات رجال الدين، إا مسألة حتمل التراثية من أجل املغامرة يف

أشكلة الوحي القرآين و تقدمي قراءة جديدة لنصوصه، أما النقد فيتعلق بكونه ينقد بشدة خمتلف التصورات

سالمية الكالسيكية للوحي القرآين وآليات قراءا لنصوصه، حماوال كشف قصورها املفاهيمي واملنهجي، اإل

وبالنسبة لالنفتاح يكمن يف أنه عرب عن مشروع حيمل خاصية االنفتاح وحماربة االنغالق يف شىت امليادين،

ة من املكتسبات العلمية واملنهجية والذي يظهر على وجه اخلصوص يف االنفتاح على علوم اآلخرين واالستفاد

اليت عرفها الفكر البشري يف القرن العشرين يف قراءة النص القرآين، ويف االنفتاح على الديانات األخرى

ودراسة اإلسالم يف إطار ظاهرة الوحي يف مفهومها الشامل، وذلك ألن "هاجس التعايش بني اخلطابات الدينية

العلمي ألركون واخلطاب الديين اإلسالمي السائد واملسيطر من جهة أخرى، الثالثة من جهة، وبني اخلطاب

هو الذي حيرك خطاب أركون داخل تلك الدائرة: التحليل العلمي طبقا ملنهجيات العلوم املعاصرة واحلفاظ يف

د' هو هذا اهلاجس حسب 'أبو زي)1(الوقت نفسه على القوة الرمزية القادرة على بعث احلركة وإنعاش الروح"

1 .125أبو زيد نصر حامد، اخلطاب والتأويل، مصدر سابق، ص

Page 199: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

200

مبثابة احملرك اجلوهري لتطبيق آليات القراءة املعاصرة يف فهم النص القرآين عند 'أركون'، فكيف جتاوزه وما

طبيعة القراءة اجلديدة اليت قدمها للنص القرآين؟

Page 200: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

النص القرآين وآليات الفهم املعاصر عند 'نصر حامد أبو زيد'.الفصل الرابع :

توطئة

.زيد'ماهية النص القرآين عند 'نصر حامد أبو املبحث األول :

.اهلرمينوطيقا والنص القرآيناملبحث الثاين:

.السميائيات والنص القرآيناملبحث الثالث:

Page 201: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

202

الفصل الرابع :النص القرآين وآليات الفهم املعاصر عند 'نصر حامد أبو زيد'.

"مل تتوقف أبدا عملية مفاوضة املعىن القرآين بطرق وأساليب ومناهج شىت منذ أواخر القرن التاسع عشر حىت اآلن" (أبو زيد، التجديد

)244والتحرمي والتأويل، ص

توطئة:

انطالقا من إدراكه لألمهية البالغة اليت يكتسيها النص القرآين يف بناء حضارتنا العربية اإلسالمية، جعل

، هاجسه احملوري االشتغال على طرح وفهم خمتلف )∗(الفيلسوف العريب املعاصر 'نصر حامد أبو زيد'

تخراج معاين ومدلوالت نصوصه بشىت املسائل املتعلقة، لعل أمهها البحث عن قراءة جديدة له تقوم على اس

اآلليات واملناهج اليت ترتبت عن التقدم العلمي يف الفترة املعاصرة، وذلك ب"إعادة ربط الدراسات القرآنية

مبجال الدراسات األدبية والنقدية بعد أن انفصلت عنها يف الوعي احلديث واملعاصر نتيجة لعوامل كثرية أدت

فأبو زيد يشيد مبناهج النقد األديب ويؤكد أن )1(اث ومناهج الدرس العلمي" إىل الفصل بني حمتوى التر

التراث والنص القرآين حتديدا، ميكن أن يقرأ مبختلف آليات الفهم املعاصر وعلى رأسها اهلرمينوطيقا، اليت

يومنا هذا، أكد أا طرحت إشكالية قراءته ومعضلة تفسريه منذ القدمي وعرب خمتلف العصور و إىل غاية

∗نصر حامد أبو زيد' مفكر متميز ومشهور يف أحباثه حول موضوع النص القرآين وعالقته بآليات القراءة اجلديدة، حتدث عن سريته الذاتية '

وتأسيس اإليديولوجية الوسطية'، الذين يظهر فيهما بصورة بصورة غري مباشرة يف خمتلف مؤلفاته، على رأسها 'التفكري يف زمن التكفري' و'الشافعي غري مباشرة الترابط الوثيق بني فلسفته وحياته، حني أسهب فيهما يف عرض حماكمته ومعركته مع الفقهاء على وجه اخلصوص، وهنا قد يكون

ها، إال أن بعض التفاصيل املعربة عن مباشرة عن معربا عن مرحلة تؤرخ حملنة عناها كأسالفه من الفالسفة لذلك حيبذ عرضها وإعادة عرضشخصه، هي ما وجدناها يف جوابه على سؤال خاص مبنشئه، خالل احلوار الذي أجراه معه املركز الثقايف العريب، كما هو معروض يف آخر

كتاب 'اخلطاب والتأويل'، الذي حاولنا التلخيص منه بعض حمطات مسرية الرجل كما يلي:ر حامد فيلسوف يتأسى بكل من كانت الفلسفة وآرائه اجلريئة مصدر اضطهاده كاحلالج، ابن عريب...ولد ألبوين فقريين يف قرية أبو زيد نص

انتصار احللفاء على –م، قال أن اسم نصر اختاره له أبوه تيمنا بإحدى االنتصارين 1943فقرية تسمى قحافة مبدينة طنطا املصرية يف العاشر من يوليو . روي أنه وقريته قد كانوا دائمي التفاعل مع واقعهم السياسي واالجتماعي والثقايف، كثورة يوليو وصدامها مع اإلخوان فيما -ر أو العكساحملو

، وقد تعلم كأطفال مصر القراءة 14بعد، وبني ترعرعه يف كنف أزمات أسرية وكونه أكرب إخوته الذكور جعله يتحمل املسؤولية منذ سنه على بة وحفظ القرآن يف الثامنة من عمره، كما عرض مسريته الدراسية اليت أهم حمطاا،التحاقه مبدرسة العبيدية االبتدائية بطنطا، و حصولهوالكتا

تاز، بتقدير مم 1972، وخترجه من قسم اللغة العربية سنة 1960قسم الالسلكي سنة –، وعلى دبلوم املدارس الثانوية الصناعية 1957اإلعدادية سنة الوقت والذي ترتب عنه تعيينه معيدا باجلامعة وانتقاله إىل السلك األكادميي، وهنا من دون شك يكون قد بدأ مرحلة جديدة كانت منحة وحمنة يف

لية والرجعية نفسه، غنية باملواقف اجلريئة واملؤلفات املتنوعة تصب يف معظمها يف دراسة التراث ومسائل التأويل ومواجهة ونقد اخلطابات األصو رمحه اهللا. 2010والتكفريية والدعوة إىل جتديد اخلطاب الديين، وقد ظل فيلسوفنا على هذه املواقف إىل أن وفاته املنية: سنة

1 .18مصدر سابق، ص ، -دراسة يف علوم القرآن - نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص

Page 202: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

203

وبالتايل هي أساس فهم خمتلف الرؤى حول النص القرآين، وآلياته يف الفترة الكالسيكية وأدوات فهمه اليوم

يف الوقت نفسه.

ويطرح 'أبو زيد' إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر بوضوح، قائال:"هل تطبيق املناهج

مؤكدا أن ذلك مشروع ومطلوب، انطالقا من أن "املسلمون األوائل )1(عه؟"الغربية على القرآن يتناقض م

كتأثرهم بكتايب )2(العظام أنتجوا نظريام اللغوية يف فهم إعجاز القرآن يف سياق تأثرهم بثقافات العامل"

الذهب وأن تزن الشعر واخلطابة ألرسطو، واستنادا إىل أن املنهج جمرد وسيلة أو "هو ميزان ميكن أن تزن به

أي أن املنهج مشترك وعام ينطبق على النص )3(به القطن أيضا، األمهية ليست يف املوزون وإمنا يف امليزان"

القرآين وغريه من النصوص، وهنا يكون تطبيق املناهج الغربية على النص القرآين ال حرج فيه، بل هو مطلوب

وضروري حسب فيلسوفنا.

النص واخلطاب القرآين حتديدا، ظل يعتمد حبال متينا يربط فيه املاضي بالراهن، إذن اهتمام 'أبو زيد' ب

والسيما يف أدوات قراءته، يشتغل يف إطار اجلمع بني ما هو تراثي وما هو معاصر، ومل يكتف فيها

ألخرية باهلرمينوطيقا بل مجع عدة آليات جديدة أخرى وأمهها الدراسة األلسنية، والدراسة السيميائية، هذه ا

جعلته يقدم الكثري من القراءات اجلديدة للكثري من النصوص القرآنية والسيما تلك اليت تفهمه كعالمات، وهو

الذي يعتربه أبو زيد ذاته، مغامرة يف حقل الدراسات القرآنية من منظور علم السميوطيقا، وهذا من دون شك

ص القرآين جتسد يف آيات خمتلفة هي ما سنحاول أن يعكس الدور الكبري الذي لعبه املفكر يف جتديد فهم الن

نعرج عليها يف آخر هذا الفصل، إذن سنتساءل هنا: ما املقصود مباهية النص القرآين عند أبو زيد؟ وما عالقته

السميوطيقا كآليتني جديدتني سعى إىل تطبيقهما يف قراءته؟وبكل من اهلرمينوطيقا

1، 2002، معهد غوته، 75غادامر والتراث العريب اإلسالمي، جملة 'فكر وفن'، العدد أمحد حسو وشتيفان فايدنر، حوار مع نصر حامد أبو زيد،

.62ص 2 .، ص نفسهااملرجع نفسه

3 ، ص نفسها.املرجع نفسه

Page 203: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

204

رآين عند 'نصر حامد أبو زيد'.املبحث األول : ماهية النص الق

انطالقا من سعيه إلخراج النص القرآين من دائرة القداسة إىل حميط الدراسة، ومن حميط اإلميان الساذج القائم

على التبجيل إىل جمال اإلميان املصحوب بالعلم والتحليل، أكد 'أبو زيد' أن مهمته األوىل كباحث يف مسألة

ميدانه، هي البحث يف ماهية القرآن كنص لغوي ال تتعارض معه مناهج النقد األديب تطبيق املناهج املعاصرة يف

منهج - املتأخرة، وال تنتهك اإلميان مبصدره اإلهلي يف الوقت نفسه، ألنه "ال تعارض بني تطبيق املنهج اللغوي

املناهج املعاصرة يف فهم ، فالشرط األول لتطبيق )1(على القرآن وبني اإلميان مبصدره اإلهلي" - حتليل النصوص

النص القرآين عند 'أبو زيد'، هو البحث يف ماهية النص وربط تصور الوحي القرآين بالواقع وجتديد فهمه يف

إطار الثقافة العربية.

أبو زيد': "هناك سؤال ميكن أن يتبادر إىل ذهن القارئ عن أمهية': يقول )∗(؟ملاذا البحث يف ماهية النص - 1

هذا البحث الدائم املستمر عن مفهوم النص... واإلجابة عن هذا السؤال قد تبدوا بسيطة إىل حد السذاجة،

لكنها حتدد اهلدف الذي نسعى إليه مجيعا يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية، رغم تعدد االختصاصات وتنوع

اإلسالمية يف جانبها التراثي املداخل واملناهج. اهلدف هو الكشف عن بعض خصائص الثقافة العربية

، حسب هذا القول هناك الكثري من األسرار تقف )2(والتارخيي، سعيا ملزيد من الفهم لواقعنا الثقايف املعاصر"

وراء قول 'أبو زيد' مبفهوم النص، لعل أمهها أمهيته يف بناء الثقافة العربية اإلسالمية ومركزيته يف وجودها

مركز الدائرة، يعد الكشف عن مفهوم -وال يزال–يف ثقافة احتل النص الديين، فيها ماضيا وراهنا، ألن "

أمناط النصوص -أو ملعظم–النص، كشفا عن آليات إنتاج املعرفة، مبا أن النص الديين صار النص املولد لكل

يات فهمه، اليت هو كشف عن آلف النص والنص القرآين حتديدا عنده ، فكش)3(اليت ختتزهلا الذاكرة/الثقافة"

1 .28املصدر نفسه، ص

∗ أشرنا إىل القرآن نصا يف الفصل األول، لذلك فضلنا أن نركز اآلن على أسباب القول بذلك.

2 .149ص ، 2000، 4، املركز الثقايف العريب، بريو لبنان، ط-إرادة املعرفة وإرادة اهليمنة- النص والسلطة واحلقيقةنصر حامد أبو زيد،

3 املصدر نفسه.

Page 204: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

205

تولدت عنها خمتلف النصوص األخرى، سواء أكانت كالسيكية، ألنه ميثل منطلقا إلعادة جتديد اآلليات

، يف فهمه ألن "البحث يف هذا املفهوم وبلورته وصياغته ال ميكن أن يتم مبعزل - علوم القرآن–الكالسيكية

قبة. إن موقف اخلطاب الديين املعاصر من 'علوم القرآن' عن إعادة قراءة 'علوم القرآن' قراءة جديدة باحثة من

ومن 'علوم احلديث' كذلك هو موقف الترديد والتكرار، إذ يتصور كثري من علمائنا أن هذين النمطني من

فهو )1(العلوم يقعان يف دائرة العلوم اليت 'نضجت واحترقت' حىت مل يعد فيها للخلف ما يضيقه إىل السلف"

قراءة علوم القرآن يف ضوء الثقافة العربية، وهذه العلوم بدورها من أهم شروط تطبيق أدوات منطلق إلعادة

الفهم املعاصرة يف قراءته، وهو ما جيعل البحث يف مفهوم النص أساس البحث يف عالقته باآلليات ومناهج

هوم 'النص' ليس يف فهمه املعاصرة، وذلك ألنه املسوغ للقول بأنه جمرد نص لغوي أي أن "البحث عن مف

، ال يفهم يف إطار التصورات اليت جتعل النص )2(وطبيعته بوصفه نصا لغويا" حقيقته إال حبثا عن ماهية 'القرآن'

متعاليا على الواقع، ومنفصال عنه بل يف إطار النظر إليه كمجرد نص لغوي يفهم يف سياق تفاعله مع الواقع،

- لعربية اإلسالمية، وبالتايل الدافع اجلوهري للقول مباهية النص هو وحسب تبلوره يف ثقافاتنا وحضاراتنا ا

، "قد نزل - جدلية النص والواقع–البحث يف مفهوم النص يف إطار ربطه بالواقع أو جعله يفهم يف سياق

مستجيبا حلاجات الواقع وحركته املتطورة خالل فترة زادت على العشرين عاما. ومع تغري حركة الواقع

تظل العالقة بني الوحي والواقع عالقة جدلية يتغري فيها معىن النص ويتجدد - بعد انقطاع الوحي- وتطوره

، أي يفهم وفق جدلية النص والواقع ماضيا وراهنا، ويقبل جتديد فهمه وآلياته يف )3(بتغري معطيات الواقع"

ضوء مشكالت العصر .

1 .11نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص مصدر سابق، ص

2 .10، املصدر نفسه، ص

3 .16، ص 2003، 5املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط -الدين ابن عريبدراسة يف تأويل القرآن عند حمي - نصر حامد أبو زيد، فلسفة التأويل

Page 205: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

206

الوحي القرآين وجدلية النص والواقع:-2

'أبو زيد' من أن: "مفهوم 'الوحي' هو املفهوم املركزي للنص عن ذاته حيث يشري إىل نفسه ذا االسم انطلق

يف كثري من املواضع. وإذا كان مثة أمساء أخرى للنص وردت ا اإلشارة مثل القرآن والذكر والكتاب فإن

)1(اء قبل تشكل النص أم بعد تشكله"اسم 'الوحي' ميكن أن يستوعبها مجيعا بوصفه مفهوما داال يف الثقافة سو

غري مفارقة الواقع، لذلك فهو "يسعى جهده إىل ظاهرة ثقافية أي أن ماهية الوحي هي كونه نصا، وهو

تقويض مفهوم النص كوحي مفارق موجود على حنو أزيل خطي يف اللوح احملفوظ، أو كمعطى مفروض بقوة

ا لقوانينه، ليحل حمله مفهوما آخر قوامه أن القرآن نص لغوي إهلية يسبق الواقع ويشكل وثبا عليه وجتاوز

القائم على قداسته للوحي القرآين، ينطلق من النقد الالذع للتصور الكالسيكي ، وهو بذلك )2(ومنتج ثقايف"

وتعاليه عن ما هو بشري، ويؤسس ملفهوم جديد له يعتربه ظاهرة غري متعالية تتشكل يف ظل الثقافة البشرية

دف إىل فهمها وحل مشاكلهاو.

اإلعالم كمحدد عام ينطبق على ومن أجل بيان عالقة الوحي أو النص بالواقع، انطلق 'أبو زيد' من مفهوم

واإلعالم حيقق )3(خفيا سريا" -رسالة- يكون" عالقة اتصال بني طرفني تتضمن إعالما حني الوحي القرآين،

يترتب ما وهو ، اقي كطريف لعملية الوحي تؤدي إىل التفاهم بينهمتلاالتصال بشفرة مشتركة بني املرسل وامل

عنه أن الوحي عملية اتصال يف جوهرها ال ختتلف عن عمليات االتصال األخرى يف بنيتها ومكوناا من حيث

عاما متغلغال يف الثقافة العربية وليس غريبا عنها بأي شكل من وهو ما جيعلها مفهوما ،املرسل واملتلقي والشفرة

ول الوحي موجود يف اللغة العربية ويف الشعر العريب ويف القرآن بنفس املعىن أو حاألشكال ألن هذا التصور

- عملية اتصال كما توضحه خمتلف اآليات واألمثلة اليت وظفها سوءا كان يف اللغة العادية يعرب عن املدلول،

1 .31، مصدر سابق، ص-دراسة يف علوم القرآن- أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص

2 .206حرب علي، نقد النص، مصدر سابق، ص

3 .32 -31، مصدر سابق،-أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص دراسة يف علوم القرآن

Page 206: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

207

طريف الوحي يف عملية االتصال يف أنن فقط يف كمي فيه واالختالفالكرمي، القرآن لغة أو يف- الشعر والنثر

حاالت االتصال بني احليوانات أو ال ينتميان إىل مرتبة وجودية واحدة كما هو احلال يف مثالالكرمي القرآن

ال خيتلف عن ره يقوم على املعرفة بالغيب،بني البشر بعضهم بعضا، فاالتصال يف الوحي القرآين باعتبا

معرفة الغيب أساسها وأشكال أخرى من التواصل كانت موجودة يف الواقع العريب االتصال بني البشر واجلن،

اليت متثل إحدى طرائق الوحيبدورها صلى اهللا عليه وسلم كما يؤكد أن الرؤية الصادقة عند النيب واملستور،

العرافة والكهانة، ال ختتلف عن االتصال يفالتصال بعوامل أخرى يف جمال اة العربية اإلسالمية من الثقاف تعترب

ثقايف وأا ذات أساس ،ظاهرة واقعية تقبل الفهم وليست متعالية أو مفارقة وكل هذا جيعل الوحي القرآين

جزءا من مفاهيم الثقافة السائدة ، "بل كانتعليها مستجدة أو طارئة كانت مبوجبه يف الثقافة العربية وغري

.)1(ونابعة من مواضعاا وتصوراا"

والتصور الثقايف للوحي القرآين، قد اعتمد عليه 'أبو زيد' يف نقد تلك التصورات الكالسيكية اليت تفصل

حفظ القرآن من اللوح احملفوظ ' عليه السالمجربيلبينه وبني الواقع، كما هو احلال مع التصور القائل أن '

والسيما ذلك هحلل داللته ونتائجه املترتبة عن ، حيثونزل به لفظا على سيدنا حممد صلى اهللا عليه وسلم

، بصفته أهم التفاسري املوروثة هانتقد ، حيثالرأي الذي ينتهي إىل وجود خطي سابق للنص يف اللوح احملفوظ

وذلك ألنه )2("إهدار جدلية العالقة بني النص والواقع الثقايف" هايترتب عنحول الوحي و كيفية نزوله

إذن وجودا سابقا على الواقع ومستقال عنه، ويعتربه كتابا موجودا بصورة أزلية، الكرمي يتصور وجود القرآن

قايف ، يهمل الطابع الثالكثريين عند هذا الرأي الذي طغى على الفكر اإلسالمي الكالسيكي، ويتواصل اليوم

الوقائع ه يف ظل ينعكس سلبا على فهم وهو ما ، وحيول دون التعامل مع نصه الكرمي كنص لغوي، للوحي

اليوم. املستجدة

1 .43ر نفسه، صاملصد

2 .42املصدر نفسه، ص

Page 207: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

208

والوحي القرآين نصل إىل أنه حول مفهوم الوحي 'أبو زيد'حسب هذا التحليل جلملة اآلراء اليت قدمها

يدعوا إىل ما يلي:

للوحي ألنه "تصور أقل ما يقال عنه اآلن أنه تصور يعزل 'النص' عن سياق جتاوز التصور الكالسيكي -

ظروفه املوضوعية والتارخيية حبيث يتباعد عن كطبيعته األصلية بوصفه نصا لغويا، وحيوله إىل شيء له قداسته

أي يتجاهل سياق جدلية العالقة بني الوحي القرآين والواقع واملستويني التارخيي والناسويت له. )1( بوصفه شيئا"

مستبعدا بذلك كل احلموالت الالهوتية أو -نصا لغويا-بوصفه يرجع إليه ،بناء تعريف جديدا للقرآن الكرمي -

إىل حترير مفهومه من األسطرة وبذلك يدعوا )2( األسطورية والغيبية مثل وحي إهلي أو قدسي أو نبوي"

واألدجلة والتعايل.

مشروعا خصبا النتهاج آليات جديدة تقدمها العلوم اإلنسانية النظرة للوحي القرآين باعتباره نصا، يعكس -

"إذا كان منهج التحليل يف قراءة نصوصه، وميثل مطلبا ملحا للفكر الديين يف خمتلف عصوره، ألنه اليوم

، فإنه ميثل ضرورة ال -الوحي-ممكنا للمرحلة التأسيسية ولظاهرة -النقد-ماعي، وأهم أدواته التارخيي االجت

-الدين- بديل عنها للفكر الديين يف عصوره املختلفة، فالفكر الديين يف التحليل األخري هو خطاب إنساين عن

تطور الفكر الديين مرهونف )3(اليت يتضمنها الوحي" - التشريعات-و- األخالق-و - العقائد–حياول أن يصوغ

بالعودة إىل املرحلة التأسيسية للنص القرآين أال وهي مرحلة الوحي لكن يف إطار تصورات وأفكار وواقع

اإلنسان حوله، وليس مبعزل عن الظروف التارخيية واالجتماعية، ويف ظل ذلك ميكن تطبيق آلية النقد والتحليل

م مضمونه.فهالتارخيي واالجتماعي كمنهج معاصر يف

1 .12، مصدر سابق، ص -دراسة يف علوم القرآن- أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص

2 .207حرب علي، نقد النص، مصدر سابق، ص

3 .74، ص2010، 1أبو زيد نصر حامد ، التجديد والتحرمي والتأويل،مصدر سابق ط

Page 208: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

209

ليست يف احلقيقة أنشطة مفارقة اليت حدثت فيه، ألا " عمليات التفسري والتأويلمفهوم النص يعترب شرطا ل-

لبنية النصوص، إذ أا تتفاعل إنسانيا وتارخييا مع النص، حبيث يكون احلديث عن النص اخلام ومها يتصوره

لواقع عالقته اجلدلية مع ا أي تقرأ النص يف ضوء ، )1( البعض، يف حماولة لنفي اإلنساين وعزله عن اإلهلي"

.وحسب عالقته مع اإلنسان ومتغرياته

:ماهية النص وجتديد فهمه -3

انطالقا من العالقة اجلدلية اليت تربط بني الوحي القرآين أو النص مع الواقع، واليت تبلور مبوجبها جتديد

مفهومهما ونقلها من املستوى الالهويت إىل املستوى الناسويت، نكتشف عند 'أبو زيد' وجود عملني متالزمني

ي ومها:لتجديد فهمه، ترتبا عن القول مباهية الوحي القرآين كنص لغو

: يتعلق بتجديد علوم القرآن الكرمي وذلك، مبراعاة سياق فهمها حسب حتديات الراهن، اليت مل تعد األول-

تقتصر على اجلمع والتأليف خوفا من الضياع كما وجدت عند مؤسسيها 'الزركشي' و'السيوطي'يف القرن

المربيالية العاملية من جهة، والقوى السابع اهلجري، بل املطلوب هو ربطها مع مستجدات الراهن، كهيمنة ا

الرجعية يف فهم اخلطاب الديين من جهة أخرى، ببناء فهم علمي جديد هلا، يعترب عملية مكملة للبحث يف

مفهوم النص، وأرضية لربطه مبناهج النقد األديب املعاصر.

هي جتديد النظرة إىل املتلقي األول األرضية األوىل اليت قام عليها جتديد علوم القرآن الكرمي عند 'أبو زيد'،

للنص وفهم مجلة العالقات اليت أقامها مع الواقع يف الفترة األوىل لتشكل النص، حبيث نقد خمتلف التصورات

الكالسيكية اليت مهشت املتلقي حلساب التركيز على املرسل، و سعى إىل إعادة االعتبار للمتلقي ورأى "أن

، وذه الصورة يفهمه اخلطاب الديين املعاصر الذي يعرب عن ديالكتيك )2(تلقي"القرآن الكرمي يركز على امل

صاعد يبدأ من احلسي والواقعي يف دراسة أسباب الرتول واملكي واملدين...ليصل إىل ما هو خفي أي "ينطلق

1 .76، ص -علوم القرآن دراسة يف-أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص

2 .2012، 1احلسن مصطفى، النص والتراث، قراءة حتليلية يف فكر نصر حامد أبو زيد، الشبكة العربية لألحباث والنشر، بريوت لبنان، ط

Page 209: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

210

لسياسية والثقافية، من حقائق الواقع إىل النص، وهذه احلقائق هي األبنية االقتصادية واالجتماعية والسياسية وا

.)1(وحال املتلقي األول للنص (النيب صلى اهللا عليه وسلم) وحال املخاطبني"

–بناء على ماسبق قام 'أبو زيد' بالعودة إىل خمتلف احملطات اليت كونت مسار حياة الرسول صلى اهللا عليه

د كل حتويل يف شخصية النيب إىل ، لغاية واحدة هو بيان أنه إنسان كغريه من البشر ونق-متلقي ومبلغ الوحي

شخصية متعالية ومفارقة هلموم حميطها، دف نقد التحويل اآلخر املترتب عن ذلك أال وهو "حتويل النص من

هنا يكون النص القرآين رسالة أو )2(توجهه إىل املخاطب واملخاطبني لكي يكون نصا داال على املتكلم"

قائله وهو اهللا تعاىل، وذلك باالنطالق من القول أن مبلغه بشر عادي خطابا موجها للناس وليس داال على

وابن واقع عاش وترعرع فيه، للنص املرتل عليه عالقة وطيدة مبختلف متغريات الواقع ومعطيات البيئة العربية

والفقر اليت ولد يف كنفها، حيث يرتبط بالظواهر املختلفة اليت عاش فيها نبينا صلى اهللا عليه وسلم كاليتم

واخللوة والتحنف...وغريها من الوقائع املصاحبة لفترة تشكل الوحي، اليت هي من دون شك ذات صلة وطيدة

بالنص القرآين.

وباالنطالق من الوقائع املصاحبة لسرية النيب صلى اهللا عليه وسلم كأساس لقراءة جديدة لعلوم القرآن الكرمي،

يف إطار واحد وهو عالقة النص بالواقع، يف -على تنوعها واختالفها- سعى 'أبو زيد'إىل فهم تلك العلوم

سياق اعتبار الوحي القرآين ظاهرة غري مفارقة للواقع، ونظرا التساع وتنوع هذه العلوم عند فيلسوفنا سنقتصر

على ذكر البعض منها كما عاجلها يف سياق جدلية النص والواقع، ومنها'علم املكي واملدين' الذي يعكس

التفاصيل العامة لثمرة تفاعل النص مع الواقع احلي التارخيي، انتقد 'أبو زيد' كيفية تعامل علماء القرآن الكرمي

)∗(معها، والسيما معايريهم يف تصنيفهامبينا أن "معيار التصنيف جيب أن يستند إىل الواقع من جهة وإىل

1 .93املرجع نفسه، ص

2 .59مصدر سابق، ص -دراسة يف علوم القرآن-أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص

∗املكي ما نزل –كي واملدين كما وردت يف علوم القرآن الكالسيكية عند 'الزركشي' و'السيوطي' خاصة، تتمثل يف املكان معايري التصنيف يف امل

املكي ما وقع خطابا ألهل مكة واملدين ما وقع خطابا –واملكي نزل قبل اهلجرة واملدين ما نزل بعدها، ويف املخاطبني –مبكة واملدين ما نزل باملدينة

Page 210: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

211

النص من جهة أخرى، إىل الواقع من حيث أن حركة النص ارتبطت حبركته، وإىل النص من حيث مضمونه

بناء على ذلك يؤكد أن التفرقة بني )1(وبنائه، ذلك أن حركة النص يف الواقع تنطبع آثارها يف جانيب النص"

مع الواقع احلي، ناقدا كل التصورات املكي واملدين تقوم على أساس اعتبار أن كليهما يعرب عن منط من التفاعل

الكالسيكية اليت ال تراعي ذلك يف تصنيفهما ، وكنموذج لذلك يؤكد أمهية حدث اهلجرة يف التفرقة بينهما

يف الواقع وحسب مضمون النص يف الوقت نفسه، مبينا أن اهلجرة ليست جمرد انتقال من مكان ملكان، وإمنا

لتني تارخييتني فاصلتني يف الوحي، األوىل تعرب عن املرحلة املكية اصطلح عليها تعرب عن ضرورة التمييز بني مرح

باإلنذار وتقوم على حتريك الوعي إلدراك الفساد يف األرض والدعوة إىل النهوض من أجل تغيريه، والثانية تعرب

يد، وهنا ينتهي إىل أن للمعيار عن املرحلة املدنية اصطلح عليها بالرسالة اليت تعين بناء إيديولوجية اتمع اجلد

الزمين أمهية ال تقل عن املعيار املكاين يف التمييز بني املكي واملدين وال جيب إمهاهلا، ألنه سامها يف تشكيل النص

ويعترب أساس فهمه اليوم، ويترتب عن املعيار الزمين كذلك معيار األسلوب الذي بني من خالله يتبني أن

عتمد على التأثري وهو ما جعل أسلوا يتميز بالتركيز وقوة الوقع حسب ما يتطلبه أسلوب السور املكية ا

اإلنذار، يف حني أن أسلوب السور املدنية اعتمد على خماطبة املتلقي وهو ما جعل أسلوا يتميز بنقل املعلومات

قة بني املكي واملدين، والذي حسب ما تتطلبه الرسالة، وحسب طرح 'أبو زيد' هلذه النموذج أو املعيار يف التفر

تصب يف إطاره خمتلف املعايري األخرى، فإن أهم فكرة لديه هو بيان أن التحول من املكي إىل املدين هو حتول

على مستوى الواقع والنص يف جوهره، وهو ما يؤكد تارخيية النص القرآين وفق جدلية عالقته بالواقع.

زيد' أكثر يف طرحه لعلم أسباب الرتول وقراءته اجلديدة له، إذ تتضح تلك اجلدلية السابقة عند 'أبو

باإلضافة إىل علم املكي واملدين قد أكد ضرورة القراءة اجلديدة لعلم أسباب الرتول يف ضوء جدلية النص

كما تقوم على التأكد من الروايات والترجيح بينهما يف حتديدمها -املكية السور القصار واملدنية السور الطوال–ينة، ويف الطول والقصر ألهل املد

.وهي عند أبو زيد كانت ومازلت مسائل خالفية حتتاج إىل دراسة جديدة، وهي ما يسعى إىل فهمها يف إطار جدلية العالقة بني النص والواقع1 .77، مصدر سابق، ص -دراسة يف علوم القرآن - مفهوم النصأبو زيد نصر حامد،

Page 211: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

212

ز تلك والواقع، باعتباره أهم العلوم الدالة والكاشفة عن عالقة النص بالواقع وحواره معه، ألن هذا العلم يتجاو

العموميات اليت طرحتها تلك العالقة يف التفرقة بني املكي واملدين إىل البحث يف مجلة التفاصيل اليت حتددها،

ألنه "يزودنا من خالل احلقائق اليت يطرحها علينا مبادة جديدة ترى النص استجابة للواقع تأييدا أو رفضا

، ومن ناحية أخرى يعترب 'أبو زيد' "ظاهرة النسخ اليت )1(وتؤكد عالقة 'احلوار' و'اجلدل' بني النص والواقع"

بل هي يف نظره تكمل )2( أقر العلماء حبدوثها يف النص أكرب دليل على جدلية العالقة بني الوحي والواقع"

أسباب الرتول يف الربط بني النص والواقع، وميكن أن تشترك معها يف قضية واحدة وتعرب عن نوع واحد من

م القرآن يدرك عند أبو زيد يف إطار الربط بني النص القرآين والواقع.أنواع علو

: يتعلق العمل الثاين بعد القراءة اجلديدة لعلوم القرآن الكرمي عند 'أبو زيد'، بالقراءة اجلديدة ملقاصد الثاين

مهوم العصر الشريعة يف إطار جتديد عمل األصوليني، ألا "تسترشد مبنهج علماء األصول، ولكن يف إطار

الذي نعيش فيه، وملواجهة املشكالت اليت متثل عقبة أمام حتقيق وعي علمي جديد. وككل قراءة جديدة من

حق املشروع املقترح لقراءتنا أن يضيف إىل منهجيات القراءات السابقة ما أحدثته املنهجيات املنهجيات

، حيث عاد 'أبو زيد' إىل آليات )3(اللة اللغوية"احلديثة من انشغال مبستويات الداللة اليت تتجاوز حدود الد

األصوليني يف قراءة النصوص التشريعية، والسيما مسألة الكلي واجلزئي، مؤكدا أن أهم ما توصلوا إليه هو

، ولكن حلل وانتقد - حفظ الدين والنفس والعقل واملال والعرض–املقاصد اليت صاغها اإلمام 'الشاطيب'

م للنصوص ألا تدور يف حدود علوم اللغة والبالغة التقليديني، قراءا شغلت بالداللة اللغوية، وكانت آليا

وهاجسها مرتبطا باستنباط الكلي من اجلزئي، مهملة السياق أو اللحظة التارخيية للوحي، لذلك أكد على

للنص اإلسالمي يف سياق ضرورة جتاوزها بإرساء دعائم قراءة جديدة "تدخل يف بؤرة اهتمامها الداللة الكلية

1 .97املصدر نفسه، ص

2 .117املصدر نفسه، ص

3 .202نصر حامد أبو زيد، اخلطاب والتأويل، مصدر سابق، ص

Page 212: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

213

تفاعله اجلزئي والكلي مع الواقع االجتماعي، والتارخيي،وبعبارة أخرى حتاول القراءة اجلديدة مبنهجياا

أي تتناول النص يف أبعاده الثالثة العقيدية والتشريعية و )1(املعاصرة أن تتناول النص اإلسالمي يف كليته"

نت عليه عند أسالفنا، باالستفادة من املناهج املعاصرة وعلى رأسها الصوفية دون جتزيئها على خالف ما كا

منهج التحليل اللغوي القائم على ماهية الوحي القرآين كنص يفهم حسب تفاعله مع الواقع والتاريخ، واليت

، اليت رأى 'أبو زيد' أا تستوعب العقل واحلرية والعدلجتعله اليوم يفهم يف إطار مبادئ ثالثة جديدة وهي

املقاصد الكلية كما حددها الشاطيب، ألن هذه األخرية تبدوا جزئية هلا، وهنا ينتهي إىل "أن دراسة النصوص

وتأويلها، من خالل املبادئ الكلية الثالث، ميكن أن يكون هاديا، لصقل مزيد من آليات االجتهاد تضاف إىل

لينا من تراثنا الفكري. وال خوف على عقائدنا وديننا من تلك املنهجية آليات االجتهاد اليت وصلت إ

يتضح هنا جتديد أليات األصوليني عمل ال مفر منه )2(وإجراءات حتليلها، وإمنا اخلوف من اجلمود والتقليد"

جلعل النص القرآين مواكبا لكل العصور حسب ما ينفتح عليه من دالالت صاحلة لكل عصر ومصر.

لقراءة 'أبو زيد' اجلديدة اليت قدمها أبو زيد آلليات العلماء الكالسيكني، املتمثلة يف علوم القرآن الكرمي، تبعا

وآليات علماء األصول، ندرك أنه يدعوا إىل جتديدها يف إطار ماهية النص كمحدد حلقيقة الوحي القرآين، أي

ة من اآلليات املعاصرة يف التعامل مع النص القرآين، فهمها يف سياق جدلية العالقة النص والواقع، وباالستفاد

بتوظيف "بعض األدوات املنهجية احلديثة، مثل علم الداللة والنقد التارخيي والتأويلية وهي مناهج ليست مألوفة

. )3(يف السياق التقليدي للدراسات القرآنية يف العامل اإلسالمي" -بل ومرفوضة–

لية ماهية الوحي القرآين، ندرك أن وصفه بالنص عند 'أبو زيد'،هو مسايرة من خالل البحث يف إشكا

حيث "مل يكن القدماء يشريون إىل القرآن واحلديث باسم النصوص، كما نفعل يف ،لهللتصور املعاصر و اجلديد

1 .203املصدر نفسه، ص

2 .208املصدر نفسه، ص

3 .198مصدر سابق، ص -بني املعرفة العلمية واخلوف من التكفري– نصر حامد أبوزيد، التجديد والتحرمي والتأويل

Page 213: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

214

لى النص اللغة املعاصرة، بل كانوا يف العادة يستخدمون دواال أخرى كالكتاب والترتيل والقرآن للداللة ع

، ويترتب عنه جتديد النظرة الكالسيكية له، تلك اليت تعتربه متعاليا ومفارقا للواقع، غيبيا ومقدسا )1(القرآين"

خمتلفا عن النصوص األخرى متاما، حلساب تأسيس نظرة جديدة له، تفهمه يف إطار جدلية عالقته مع الواقع

قراءة بتجديد آلياته النه يف نظر 'أبو زيد'ضرورة إعادة كمعطى ثقايف مثل استجابة للوقائع، وهو ما يترتب ع

الكالسيكية وربطه اآلليات املعاصرة اليت تفهمه كحركة ديناميكية مع التاريخ والواقع، فهذه النظرة األخرية

فاد هي ما انطلق منها 'أبو زيد' يف الربط بني النص القرآين وأدوات الفهم املعاصرة، وأمهها اللسانيات اليت است

–منها يف بناء العالقة اجلدلية بني النص والواقع يف إطار اعتباره منتجا ثقافيا، حيث يف إطار الفصل بني الدال

يبني "أن النصوص تستمد مرجعيتها من اللغة والثقافة، لكنها يف الوقت - تصور ذهين-واملدلول -تصور لفظي

بني أبو زيد أن القرآن الكرمي من هذا النوع من نفسه تؤثر فيهما، ورمبا استطاعت إعادة إنتاجهما، وي

وهذا ما جيعله متعدد الدالالت كما تبينه كل من )2(النصوص، أي اليت تؤثر يف اللغة وتعيد تشكيل الثقافة"

اهلرمنوطيقا والسميوطيقا، فكيف ينظر إليهما 'أبو زيد'؟ وكيف يوظفهما يف التعامل مع النص القرآين؟

1 . 93، ص 2007، 3نصر حامد أبو زيد، نقد اخلطاب الديين، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط

2 .76، 75ص ،قراءة حتليلية يف فكر نصر حامد أبو زيد، مرجع سابق- احلسن مصطفى، النص والتراث،

Page 214: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

215

املبحث الثاين: اهلرمينوطيقا والنص القرآين:

إن احلديث عن آليات القراءة اجلديدة يف ميدان فهم النص القرآين عند 'أبو زيد'، يرتبط بصورة وثيقة

ربطه لغاية واحدة وهيأن قراءته اجلديدة للقرآن الكرمي تقوم على اعتباره نصا لغويا، حيثباهلرمينوطيقا،

فضل 'أبو زيد'يف الفكر الغريب املعاصر عرب مراحل خمتلفة، تتبلوراليت هج ألنسب لقراءته، اهلرمينوطيقا كمنب

عند شلري -اهلرمينوطيقا- "بدأت يقول:النص القرآين، املعاصر فهم الآليات ان يعرج عليها قبل أن جيعلها أهم

إىل وضع نظرية - يف طورها األخري–بالبحث يف القوانني واملعايري اليت تؤدي إىل تفسري صحيح وانتهت - ماخر

يف –يف تفسري النصوص األدبية. ولكنها يف البداية وتطورها املعاصر فتحت آفاقا جديدة من النظر، أمهها

لفت االنتباه إىل دور املفسر ، أو املتلقي يف تفسري العمل األديب والنص عموما. وتعد اهلرمنوطيقا - تقديرنا

هلا من خالل منظور جديل مادي، نقطة بدء أصيلة للنظر إىل عالقة املفسر بالنص اجلدلية عند جادامر بعد تعد

ال يف النصوص األدبية، ونظرية األدب، فحسب، بل يف إعادة النظر حول تفسري القرآن منذ أقدم عصوره

للنص القرآين. ومن - من خالل ظروفه-وحىت اآلن، لنرى كيف اختلفت الرؤى، ومدى تأثري كل عصر

آخر نستطيع أن نكشف عن موقف االجتاهات املعاصرة من تفسري النص القرآين، ونرى داللة تعدد جانب

على موقف املفسر من واقعه املعاصر، أيا كان إدعاء املوضوعية الذي -النص الديين واألديب معا–التفسريات

.)1(يدعيه ذلك املفسر أو ذاك"

أمربتو إيكو: "ال أظن أنه من قبيل املسؤولية الذهاب إىل أنه على ضوء النص السابق، وانطالقا من مقولة

من دون أن يطرح مع ذلك مسألة أسسه هميكن أحيانا أن يتقدم حبث علمي أشواطا كبرية يف اكتشافات

1 .49حامد ، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر سابق، ص أبو زيد نصر

Page 215: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

216

، ندرك أن البحث يف اهلرمينوطيقا كآلية معاصرة لفهم النص القرآين على غرار اآلليات األخرى، )1(الفلسفية"

اقتحامه ما مل ننقب عن أرضيته وأسسه، وهذا ما يريد إثارته 'أبو زيد' يف نصه هذا، لغاية أخرى هو ال ميكن

بيان دورها وأمهيتها يف فهم النص القرآين، فكيف تطورت اهلرمينوطيقا يف نظره؟ وما دورها يف فهم النص

القرآين؟

ن حيث نشأا كمنهج يف الغرب، ومن من أجل البحث يف هذه اإلشكالية، سنتتبع رحلة اهلرمينوطيقا م

حيث تطبيقها يف تراثنا لكي ننهي مسارها بتأويلية جديدة يتطلع إليها 'أبو زيد' يف جمال فهم النص القرآين

اليوم :

رحلة تطور اهلرمينوطيقا يف الغرب:-1

'أبو زيد' من اكتشاف رحلة ال مناص لنا إذا أردنا أن نفهم حقيقة اهلرمينوطيقا وعالقتها بالنص القرآين، عند

تطورها، واليت جتسدت عنده يف العودة إىل اكتشاف خمتلف األفكار اليت أثارا منذ وجودها الكالسيكي مع

-'شلري ماخر' إىل غاية تبلورها كنظرية يف التفسري، حسب إثارا إلشكالية قراءة النص أو معضلة تفسريه

، سواء أكان تارخييا أو دينيا، اليت هي من دون شك ذات عالقة وطيدة ، بأنواعه املختلفة-عالقة املفسر بالنص

بالتعامل مع النص القرآين، إذن فاهلرمينوطيقا كمنهج عرفت منعرجات ومنعطفات، كشف أطوارها من شأنه

مية أن ينري خمتلف الدروب املتعلقة بعالقتها بالنص القرآين، والسيما إن كانت يف عالقتها به متثل مسألة قد

وجديدة يف الوقت نفسه، ألا من اآلليات اجلديدة املستخدمة يف قراءته، ولكن يف الوقت نفسه تعترب ذات

وجود قدمي يف تراثنا ويف التعامل مع النص القرآين حتديدا.

يشري يشري 'أبو زيد'يف البداية إىل أن اهلرمينوطيقا كمصطلح "بدأ استخدامه يف دوائر الدراسات الالهوتية ل

وهي ذا )2(" - الكتاب املقدس–إىل جمموعة القواعد واملعايري اليت جيب أن يتبعها املفسر لفهم النص الديين

1 .34، ص 2005، 1إيكو إمربتو ، السيميائية وفلسفة اللغة، تر: أمحد الصمعي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط

2 .13أبو زيد نصر حامد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر سابق، ص

Page 216: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

217

املعىن ختتلف يف نظره عن التفسري على حنو ما يذهب البعض، بربطها بتلك األحباث اليت ظهرت يف "املرحلة

، )1(والكتب املقدسة والقانون وعرفت بالتفسري" القدمية والوسيطية حيث مت التركيز على تأويل األساطري

)، كما أا انتقلت يف الفترة املعاصرة من التطبيق Exgesisوذلك ألا ترتبط بنظرية التفسري وليس التفسري (

يف الالهوت لتشمل كافة العلوم اإلنسانية، إذ أصبحت نظرية لتفسري النصوص األدبية مبا فيها النصوص الدينية

الذي ينتمي إليها. -النص القرآين حتديدا–

إن البحث يف مسار اهلرمينوطيقا 'عند أبو زيد'، يتأسس على الفكرة اجلوهرية اليت حيملها عنها، أال وهي

اعتبارها آلية للقراءة جتمع بني القدم واجلدة، واليت عرضها بإلقاء نظرة تارخيية على تطورها منطلقا من

لري ماخر' كممثل للموقف الكالسيكي يف ميداا، وكأب للهرمينوطيقا باعتباره أحباث املفكر األملاين 'ش

املمهد ألحباث الفالسفة الالحقني يف ميداا كدليت وغادامر... ، وهنا بدون شك ال يفضل العودة إىل

راجع إىل ، و قد يكون هذا التأريخ أو التحقيب باالنطالق من هذا الفيلسوف،)∗(األحباث األوىل يف ميداا

أن هو أول من جعلها علما قائما بذاته، "حيث يعود له الفضل يف أنه نقل املصطلح من دائرة االستخدام

، وقد أرسى دعائم "تأويلية جتمع )2(الالهويت ليكون علما أو فنا لعملية الفهم وشروطها يف حتليل النصوص"

أن يقوم على قواعد أساسية، ألنه لكي يكون األدب والقانون والنصوص املقدسة واعتقد أن التأويل جيب

، فتأويلية شلري )3(الفهم منتجا، فإن القراءة تكون موجهة بفعل التأويل، لذا فإن الفهم يشترط التأويل"

ماخر حسب 'أبو زيد' تؤكد أن النص وسيط لغوي ينقل فكر املؤلف إىل القارئ، كلما ابتعد عنا وعن

1 .110، ص2005، 1دار الطليعة بريوت، ط - نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة-اللغةبغورة الزواوي، الفلسفة و

∗بول بدأ 'أبو زيد' عرض وشرح مسار اهلرمينوطيقا منذ القرن عشر مع أحباث 'شلري ماخر' يف ميداا إىل غاية تبلورها كنظرية يف التفسري مع

لفكر القدمي والوسيط يف أسطورة هرمس وأحباث أفالطون وفيلون وأوغسطني....ريكور وهريش وبييت، ومل يطرحها كما وجدت يف ا2 .20، ص 2005، 7أبو زيد نصر حامد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، املركز الثقايف العريب، ط

3 .112مرجع سابق، ص - نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة-بغورة الزواوي، الفلسفة واللغة

Page 217: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

218

تفسريه الذي ال خمرج منه إال عن طريق اهلرمينوطيقا اليت تصبح قواعد أو سياقه أصبح غامضا يطرح مأزق

علما قائم بذاته ال مفر لنا من انتهاجه يف الفهم للقضاء على سوء الفهم الناتج عن تباعد النص عن سياقه.

طيقا مع 'ويلهلم بعد تأويلية 'شلري ماخر'، أشار 'أبو زيد' إىل املنعرج السيكولوجي وامليتودولوجي للهرمينو

الذي أسس لتأويلية تقوم على رؤية سيكولوجية للفهم وأعطى ملصطلح التأويل "محولة جديدة )∗(ديلتاي'

، مبينا أن هذا الفيلسوف نظر إليها مبنظور ميتودلوجي )1(تتعلق بوضع القواعد الكلية لفهم النصوص"

بيعية اليت ختضع للتفسري، والعلوم التارخيية واإلنسانية بالدرجة األوىل، حني ميز العلوم اإلنسانية عن العلوم الط

∗(اليت تسمى بعلوم الروح وختضع للفهم، وذلك ردا على الوضعيني *

الذين وحدوا بينهما، ويف هذا اإلطار )

اعترب اهلرمنوطيقا تقوم على شيء مشترك بني املتلقي والنص األديب' هو جتربة احلياة' اليت وإن كانت ذاتية عند

ملتلقي هي موضوعية يف النص، وعملية الفهم اليت هي مهمتها األساسية تتجسد يف معايشة التجربة اليت يعرب ا

عنها النص، و للقيام بعملية التأويل عنده ينبغي "االعتماد على املعطيات التارخيية والفلسفية والواقعية والنظر

اتب، وأن يكون القصد هو فهم البنية النفسية، إىل أجزاء النص يف كليته، والبحث يف الذات املبدعة للك

، ويوجه 'أبو زيد' نقدا إجيابيا )2(باعتبارها ناجتة عن إرادتنا وسلوكنا احليوي وجتربتنا أو بنيتنا النفسية الكلية"

لتأويلية ديلتاي مبينا أا على الرغم من قيامها على إهدار ذاتية املبدع حلساب جتربة احلياة الذي يوحد بني

جتربة مبدع وجتربة مبد آخر، إال أنه" لفتنا إىل دور املفسر اإلجيايب لعملية فهم النص والتفسري، وهو دور ظل

. )3( غائبا عن جمال الدراسات األدبية"

∗، من رواد فلسفة احلياة، يعترب من رواد اهلرمينوطيقا وصاحب التفرقة بني علوم الطبيعة وعلوم الروح، ورائد الربط 1833سوف أملاين ولد سنة فيل

.1911بني الفلسفة والتاريخ كذلك،اهتمت مؤلفاته: ببناء العامل التارخيي يف العلوم الروحية، تويف سنة1 14، ص 1992، 1يلة عند ريكور، دار تينمل للطباعة والنشر ، مراكش املغرب، طبن حسن حسن ، النظرية التأول

∗مل، آمنوا بأن اخلالص الوحيد لتأخر العلوم اإلنسانية، هو اللحاق بركب الفالسفة الوضعيني من أمثال: أوغست كونت، وجون ستيورات *

سه العلوم الطبيعية يف تطبيق املنهج التجرييب، توخيا للقانون واملوضوعية وقد رد عليهم ديلتاي رافضا كل من الوضعية ورافضا يف الوقت نف امليتافيزيقا.

2 .14ع سابق، ص بن حسن حسن، النظرية التأوليلة عند ريكور، مرج

3 .30أبو زيد نصر حامد ، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر سابق، ص

Page 218: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

219

الوجودي -يواصل 'أبو زيد' طرح مسرية اهلرمينوطيقا، بالعودة إىل عرض املنحى الفلسفي

مبينا أنه صاحب ظاهرية هرمينوطيقية، حسب تأثره )∗∗(ه عند مارتن هيدجر الذي متيزت ب -والفينومونولوجي

بظاهرية هورسل اليت جتعله يتجاوز التصور اإليديولوجي للوجود الذي تدرك حقيقته حني يكشف عن ذاته،

للوجود تدرك أشيائه من خالل وانطالقا من أن مهمته وغايته يف كتاب الوجود والزمن قد أقام هرمينوطيقا

جتلياا وتكشفاا املستمرة، كما أنه أسس للهرمينوطيقا الوجودية، من خالل قيامه بنقل التأويل من

االبستمولوجيا إىل األنطولوجيا، كما رأى أن فهم النص "يقوم على التوتر بني االنكشاف والوضوح من

الفهم هي السعي لكشف الغامض واملستتر من خالل جهة، واالستتار والغموض من جهة أخرى، ومهمة

الواضح واملكشوف، اكتشاف ما مل يقله النص من خالل ما يقوله بالفعل، وهذا الفهم للغامض واملستتر يتم

)،فتأويلية 'هيدجر' تقوم على الترابط بني الفهم والوجود، 1من خالل احلوار الذي يقيمه املتلقي مع النص" (

تصور خاص للغة يقوم على أا "تتجاوز كوا جمرد أداة نتحدث ا، فنحن نتحدث وتفهم يف إطار

بفضل قدرة اللغة على التحدث بذاا...مهمتنا هي أن نتيح للغة أن تتحدث، أن نتيح للغة أن تكون لغة، أي

ب اإلنصات واللغة تتحدث عند 'هيدجر' و جي )2(أن تفصح عن ماهيتها كلغة يف فعل الكالم أو التحدث"

هلا وذلك بوصفها قوال، و القول أوسع من الكالم يوجد كذلك فيما تسكت عنه أو الذي مل يقال بعد ألن

الكالم يعرب عن ما يقال ويسمع، يف حني أن "القول ال يوجد يف الكالم الذي يقال، وإمنا أيضا يف الكالم

قابل لإلظهار، فإن ذلك يعين أن ماهية اللغة عند الذي ال يقال، أي الذي يبقى يف الالحتجب باعتباره سرا غري

∗∗يف فريابورغ اليت درس فيها الفلسفة على يد أستاذه 'هوسرل'، حيث تأثر بأفكاره 1889فيلسوف أملاين من أكرب ممثلي الوجودية ولد يف عام

، وتعترب فلسته من أكرب الفلسفات الغربية املعاصرة قامت على نقد امليتافيزيقا الغربية 1976-يف سنةوأهدى له أهم كتبه وهو 'الوجود والزمان' تومن حيث اهتمامها بالوجود وتغييبها للموجود، وتقوم مهمتها الكربى على فهم الوجود الذي وجب أن يكون جوهر دراساا، أو كما يقول

"، فأفكار هيدجر تقوم -هي إيضاح معىن الوجود - هيدجر–) "مهمة الفيلسوف يف نظره 599 'عبد الرمحن بدوي' يف موسوعته الفلسفية (ص على االهتمام بوجود اإلنسان املشخص وفهمه مبسائل الكينونة واللغة اليت نعتها بأا بيت اإلنسان.

1 .36أبو زيد نصر حامد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر سايق، ص

2 .32، ص2002، مقاالت يف ماهية اللغة وفلسفة التأويل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة مصر، د ط، سعيد توفيق

Page 219: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

220

وهي من حيدد ماهية اإلنسان عندما يكون ) 1(هيدجر ال تكمن يف جمرد الكالم املنطوق، وإمنا يف القول"

قادرا على التحدث ا حتدد هويته وجتعله حيقق حالة احلضور، إذن هرمينوطيقا هيدجر هي هرمينوطيقا

فلسفية.

مؤكدا أنه بدوره بني أن معضلة الفهم هي )∗(دجر' عرج طرح أبو زيد على تأويلية جورج جادامربعد 'هي

معضلة وجودية، أقام تارخيا نقديا هلا حسب طرح خمتلف أفكار روادها، حيث أسس التأويلية الفلسفية تعود

لعلوم، تتجاوز إطار املنهج إىل عمق الفلسفات الكالسيكية األوىل، وتبني أن احلقيقة هي مسألة خارجة عن ا

العلمي املنظم، واليت تتجلى يف الفلسفة والتاريخ والفن، وهي مسألة هرمينوطيقية يف جوهرها ميكن اكتشافها

يف تاريخ اهلرمينوطيقا اليت رأى أن بذورها األوىل تكمن يف التأويل الرمزي الذي ظهر عند السفسطائيني ويف

ل بأن التأويل "بدأ يف املسيحية يف عصر أباء الكنيسة، وخصوصا عند قراءة قصائد هومريوس أي أنه قا

القديس أوغسطني يف كتابه العقيدة املسيحية وقال إن نواة التفسري القدمي هي مشكلة التأويل الرمزي. وجنده

ت وبني أا يف العصر احلديث ارتبطت مبحاوال )2(عند السفسطائية ويف تفسري قصائد هومريوس امللحمية"

شلري ماخر مؤسس التفسري الالهويت ودلتاي الذي طبقه على التاريخ، وجعله أساسا للفهم يف علوم الروح، مث

هيدجر الذي جعله مسألة فينومينولوجية ووجودية، "ويف إثر هيدجر ومتأثرا ا كل التأثر جعل جدامر مجاع

حيث جعل اهلرمينوطيقا مبثابة مشكلة )3(ري" فلسفته يف التفسري، والتوسع خصوصا يف فهم مسألة اللغة والتفس

فلسفية معقدة جتمع بني معطيات فينومنولوجية استمدها من هوسرل وخاصة يف جمال الشعور باأللفة يف العامل

اليت ترتبط بفكرة التعايش أو الشعور بالشيء الظواهرية، وأخرى وجودية باعتبار أن مشكلة اهلرمينوطيقا على

"هي ليست فقط مشكلة منهجية العلوم اإلنسانية، وليست مشكلة املناقشات احلاصلة حد تعبري غدامري

1 .36-35املرجع نفسه ص

∗ فيلسوف أملاين من أكرب رواد اهلرمينوطبقا املعاصرة ومؤرخيها، أهم مؤلفاته كتاب 'حقيقة ومنهج'.

2 .102، ص 1996، 1ؤسسة العربية للدراسات والنشر، بريوت لبنان، طبدوي عبد الرمحن، ملحق موسوعة الفلسفة، امل

3 .102املرجع نفسه، ص

Page 220: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

221

حول الطرق العلمية للتفكري وللفالسفة فحسب، ولكنها كذلك مشكلة اإلنسان، مشكلة تربز يف إمكانات

هو اعتبارها اجتاها عاما يف الفهم، يتأسس فالتوجه العام الذي تنطلق منه اهلرمينوطيقا الغادمرية) (1الوجود"

على الترابط بني ثالث مفاهيم "التفسري والفهم واحلوار، وذلك ألن "التفسري هو دائما حماولة لتجاوز حالة من

االغتراب نستشعرها إزاء موضوع ما لكونه غري مفهوم لنا، وبالتايل ال نشعر بنوع من األلفة والتواصل مع"

يت ترومها هي أن "تسعى إىل تسكني اإلنسان يف عامله وجتاوز اغترابه ، وميكن القول بوجه عام ، والغاية ال)2(

كانت حماولة إلدماج الفينومينولوجية -احلقيقة واملنهج-أن اهلرمينوطيقا الغادمرية على حنو ما تبلورت يف

نومينولوجية لدى هايدجر املهتمة بتفسري اهلوسرلية املتأخرة املهتمة بعامل اإلنسان املعاش، مع اهلرمينوطيقا الفي

، وهذا التصور الغادماري للهرمينوطيقا هو ما يستعني به )3(الوجود اإلنساين يف صلته احلميمية بالوجود العام"

املشتغلون على النص القرآين وعلى رأسهم أبو زيد الذي يتخذها وسيلة لبناء تأويله له عن طريق التحرر من

اهه والتعايش معه يف إطار جعله من مألوف ومعهود العرب على خالف ما هو سائد. حالة االغتراب اجت

يف آخر حمطات اهلرمينوطيقا، عاد 'أبو زيد' إىل مجلة من املقارنات فيما بني روادها قائال: "يف مواجهة

عاصر حول اهلرمينوطيقا، هرمنوطيقية جادامر اجلدلية اليت ال تم باملنهج، كان املنهج هو رد الفعل يف اجلدل امل

وإذا كان شلري ماخر قد تعامل مع اهلرمينوطيقا باعتبارها علما أو فنا يصوغ قواعد وقوانني تعصمنا من سوء

الفهم، وإذا كان ديلثي قد أقام اهلرمينوطيقا على أساس أا خاصية مميزة لإلنسانيات يف مواجهة املناهج

وبول ريكور وهريش، األول يف Bettiرمنيوطيقا املعاصرين مثل: بييت فإن مفكري اهل- الوصفية للعلوم الطبيعية

إيطاليا، والثاين يف فرنسا، والثالث يف الواليات املتحدة األمريكية، يسعون إلقامة نظرية موضوعية يف التفسري"

رها يف الفترة هنا يتبني أن 'أبو زيد' يركز على أمهية اهلرمينوطيقا كآلية أو كمنهج يف التفسري يف تطو ) 4(

1 H.G.Gadamer, l’art de comprendre, Herméneutique et tradition philosophique, tra :mariana simon , Editions Aubier

montagne 13 , Quai de Conti 75006 Paris France 2007 . P 40 2 .11، ص1997املشروع القومي للترمجة، -أنظر مقدمة املترجم: سعيد توفيق لكتاب: غادمري جتلي اجلميل، الس األعلى للثقافة العربية

3 .12املرجع نفسه، ص

4 .44أبو زيد نصر حامد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر سابق، ص

Page 221: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

222

املعاصرة، وجتاوزها على وجه اخلصوص لألساس الفلسفي الذي قامت عليه فيما سبق، حني أصبحت نظرية

للتفسري عند رواد اهلرمينوطيقا يف الفترة املتأخرة، من أمثال 'بييت' يف إيطاليا، و'بول ريكور' يف فرنسا،

إىل رأي 'شلري ماخر' الذي جعلها منهجا لتفسري و'هريش' يف الواليات املتحدة، أي أم حالوا العودة

النصوص.

تبعا ملا سبق وضح لنا 'أبو زيد' تصورات هؤالء باستعراض أفكار هم حول جعل اهلرمينوطيقا نظرية يف

التفسري، حيث بني أن كل من 'هريش' و'بييت' جعال اهلرمينوطيقا جمال لدراسة املعاين يف النص للوصول إىل

الذي أسس لتأويلية )∗(عي له باالستعانة باملنهج الفلللوجي، إال أنه ركَز على أفكار بول ريكورتفسري موضو

متفتحة على العلوم اإلنسانية وأمهها األنثربولوجيا حني دف إىل اإلمساك باإلنسان يف خمتلف عناصره

على خمتلف التأويالت وكذا كعارف وفاعل ومنفعل، انطالقا من "وضع نظرية للفهم من خالل ممارسة النقد

)1(رسم حدودها واستيعاب ما هو مكتشف من تكوينية الكائن فيها"وانطالقا تركيز 'أبو زيد' على ،

اهلرمنوطيقا كنظرية يف التفسري، فإن 'بول ريكور' يف نظره قد اهتم بتفسري الرموز، حيث حاول أن يقدم معنا

كما قام جعل غاية اهلرمينوطيقا تفسري الرموز يف النصوص اللغوية، جديدا للرمز يعتربه معربا عن اللغة، وحني

. مبينا أا من خالل تركيزها على البنية تغفل معضلة املعاين الكامنة والسيما تلك اليت )∗∗(بنقد النظرية البنيوية

تقف وراء األساطري حيث أن املنهج البنائي ال يستطيع كشف معاين خمتلف الرموز، إضافة إىل ذلك من دون

أمهية النظر إىل شك النظر إىل اللغة كخطاب كان له صدى على أفكار 'أبو زيد' والسيما يف تأكيده على

النص القرآين كخطاب، ألن "إجنازات علم اللغة األساسية تم باللغة من حيث هي بنية ونسق، ال من

∗، اهتم بفلسفة اللغة وقضايا اهلرمنوطيقا واعتبار اللغة خطابا، حيث وضع مشروع تأويلي ضخم مجع بني 1913فيلسوف فرنسي معاصر ولد سنة

الثقافة ظريات خمتلف أفكار االجتاهات الفلسفية احلديثة كالبنيوية والوجودية والتأويلية واملاركسية والتحليل النفسي والتفكيك والتحليل اللغوي ون .2005واللغة وأنثربولوجيا الدين من أهم مؤلفاته: التأويل وفائض املعىن تويف سنة

1 15بن حسن حسن، النظرية التأوليلة عند ريكور، مرجع سابق، ص

∗∗عند البنويني حول للغة إضافة إىل ما أورده أبو زيد يف نقد ريكور للبنويني، تبني لنا من خالل خمتلف أفكاره أنه يبني أن هناك نظرة مغلقة

شياء يف تتأسس خاصة عند 'دوسوسري' يف النظر إىل اللغة حسب ما حتمله من عالقة داخلية وعلى رأسها العالقة بني الدال واملدلول دور ربطها باألاليت تفصلها وجتعلها مستقلة عن العامل اخلارج، أي أا تشكل عاملا خاصا ا وليس واسطة بني اللغة واألشياء اليت تضفيها البنيوية على اللغة تلك

اخلارجي ومنفصلة عن األشياء.

Page 222: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

223

)1(حيث هي مستعملة" هنا يؤكد 'ريكور'أن اللغة ال تؤدي وظيفتها إال إذا درسناها كما هي مستعملة ومن ،

الفهم والتأويل يف اللغة تعترب من أهم اإلجنازات اليت حيث هي خطابا، فإجنازات وإجنازاته فيما خيص آليات

جاءت ما بعد البنيوية مت مبوجبها نقد أسسها والنظر إىل اللغة كخطاب أي حسب العالقات اليت تقيمها مع

العامل اخلارجي، وهذا التصور من دون شك ضروري لفهم النص القرآين، وذلك ألن خمتلف رواد اآلليات

على التعامل معه كخطاب نظرا ألمهية هذا األخري يف إرساء التفاعل بني اللغة والواقع واليت املعاصرة يلحون

تنتهي إىل العالقة بني الواقعة واملعىن كجوهر حمدد للتأويل عند ريكور، وتفهم يف ظله الكثري من األسرار حول

فهم وقراءة النص القرآين كخطاب متعني يف التاريخ ويف الواقع.

ل عرض مسرية اهلرمينوطيقا كما طرحها 'أبو زيد'، ندرك أا بدأت من التفسري وانتهت إىل من خال

التفسري، بدأت عند 'شلري ماخر' بالبحث يف القوانني العامة للتفسري الصحيح، وانتهت مع 'بول ريكور'

ملناهج يف إرساء دعائم و'هريش' و'بييت' إىل كوا نظرية يف التفسري، تستفيد من خمتلف العلوم اإلنسانية وا

نظرية قائمة بذاا يف جمال التفسري ال ميكن أن تطبق يف نص دون استثناء بل يف كل النصوص مبا فيها النص

القرآين، كما أا من ناحية أخرى لفتت االنتباه إىل دور املفسر يف التعامل مع النص وهذا من شأنه فتح أفاق

ينوطيقا 'جادامر' بعد تعدهلا من خالل منظور جديل مادي، تكون جديدة حول دور املفسر، والسيما هرم

منطلقا هاما الكتشاف عالقة املفسر بالنص وخاصة يف تراثنا الديين حول تفسري القرآن منذ أقدم عصوره

وحىت اآلن، وبالتايل اهلرمينوطيقا هي باألساس عند 'أبو زيد' منهج نابع من مفهوم النص ميثل أهم آليات

حمورها عالقة املفسر بالنص بغض النظر عن نوعه وطبيعته، جيب االستعانة ا لقراءة التراث، وقراءة قراءته،

نصه احملوري خاصة.

1 .25، ص2003، 1ريكور بول ، نظرية التأويل اخلطاب وفائض املعىن، تر: سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط

Page 223: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

224

:رحلة تأصيل اهلرمينوطيقا يف قراءةالنص القرآين-2

انطالقا من حتليل وشرح اهلرمينوطيقا كما سلف عرضه عند 'أبو زيد'، ندر ك أا مثلت عنده أهم

ليات اليت اكتشفها يف التراث الغريب، سيصول وجيول ا يف فهم القراءات الكالسيكية للقرآن الكرمي، حيث اآل

اعتمد عليها كآلية معاصرة يف قراءة خمتلف القراءات املقدمة للنص القرآين، وهذا التصور يوحي بوجود نظرة

التراث وجيمعها عنصرين: النص القرآين خاصة لديه حول مسار العالقة بني اهلرمينوطيقا والنص القرآين،

التفسريي والتـأويلي، التراث األصيل والفهم املعاصر، آليات الفهم الكالسيكي وآليات الفهم املعاصر.

ومأزق تفسري النص فمن أجل التأسيس لتأويلية جديدة ، يتحدث 'أبو زيد' عن ما يسميه باهلرمينوطيقا

يف الفترة احلديثة االقرآين، وحياول يف إطاره فهم األصول األوىل هلا يف فهم النص القرآين قدميا وامتدادا

واملعاصرة، حيث جسد مسرية خاصة للتأويل، تنطلق من شكله الكالسيكي وتصل إىل ما مساه بتأويلية

االنتقال من مفهوم النص إىل اعتباره خطابا، وبالتايل ال مناص رتبة عن تإنسانوية تبلورت مع النقلة النوعية امل

، فكيف تكون )∗(من العودة إىل التراث لفهم طبيعة العالقة بني اهلرمينوطيقا والنص القرآين ماضيا وراهنا

؟ للهرمينوطيقا أرضية صلبة يف تراثنا العريب اإلسالمي، ألحباث 'أبو زيد' املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي

ميكن كشف خبايا هذا السؤال، بتتبع طرح 'أبو زيد' إلشكالية التأويل يف الفترتني الكالسيكية واملعاصرة،

ولكن حسب عالقتهما باهلرمينوطيقا املعاصرة كما يلي:

عاد من خالهلا إىل اجلذور األوىل للتأويل، وحبث يف عالقته إشكالية التأويل يف الفترة الكالسيكية: -أ

بالتأويل املعاصر، حيث بني أنه كان موجودا ومهما جدا يف التعامل مع النص يف مجيع الفترات ومنذ عهد

∗عودة إىل التراث وفهمه فهما معاصرا، حيث حاول قراءة أو استنطاق يركز أبو زيد يف خمتلف أحباثه املتعلقة بالتأويل يف القرآن الكرمي، على ال

طه حسني... من أجل فهم -اخلويل–حممد عبده - وابن عريب -املعتزلة–راهين للرؤى القدمية واحلديثة واملعاصرة حوله، وذلك بالعودة إىل آراءيف قراءة النص -القرآين، و البحث يف بواكري وجود اهلرمينوطيقا يف تراثنا خمتلف املسائل املتعلقة براهن وأفاق العالقة بني اهلرمينوطيقا والنص

له دون شك أثر ا عميقا يف فهم حقيقة تعاملها اليوم مع النص القرآين. -القرآين حتديدا

Page 224: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

225

الصحابة مع 'ابن عباس'، عرف منعرجا حامسا مع ظهور التفسري بالرأي كمقابل للتفسري باألثر، مبينا أن

، ما تزال تدور -األثر أم الرأي-بني هذين االجتاهني طرح مأزقا ومعضلة يف التعامل مع النص القرآين اخلالف

يف فلكه إشكالية قراءة النص، وذلك ألن "اختالف مناهج املفسرين يف العصر احلديث فيما يتصل بتفسري

كما كانت يف - ى اإلعالميالنص القرآين ما تزال تدور حول هذين احملورين وإن تكن الغلبة على املستو

، هذا األخري من دون شك بتعلق بالتفسري باألثر، الذي كان )1(املاضي ألصحاب املنهج التارخيي املوضوعي"

وال زال مهيمنا، رغم أنه يتجاهل اعتبار كل مفسر أن تفسريه هو التفسري الصحيح والنهائي الذي بلغ

البد من مراعاا حسب ما يذهب إليه فيلسوفنا وهي العالقة املفهوم املوضوعي للنص، وهنا تطرح إشكالية

"وهي اإلشكالية اليت حتاول - صاحب التفسري–والناقد -النص القرآين–والنص -املؤلف–بني القصد

حتليلها واإلسهام يف النظر إليها نظرة جديدة تزيل - أو التأويلية إذا شئنا استخدام مصطلح عريب- اهلرمينوطيقا

أي أنه هنا من الضروري عدم )2(بعض صعوبات فهمها، وبالتايل تؤسس العالقة بينها على أساس جديد"

فسه، وهذا ال يتحقق إال يف التوحيد بني النص بتركيبته اللغوية و قصد املؤلف وتفسري املؤلف للنص والنص ن

إطار االستفادة من اهلرمينوطيقا إلضفاء شكل جديد على العالقة بني األطراف السالفة الذكر، جتسد منذ

القدمي يف تعدد وتنوع التأويالت يف حقل النص القرآين.

والصوفية، التني تبلور جتسدت التأويالت القدمية عند 'أبو زيد'، يف أنواع خمتلفة أمهها: التأويالت الكالمية

فيهما تنوعا يف العالقة بني املفسر والنص، جسدمها يف كتابني أساسني من مؤلفاته، عرض فيهما زبدة آرائه

دراسة يف تأويل القرآن عند –حول التأويل الكالسيكي يف شكل معاصر، األول هو: 'االجتاه العقلي يف التفسري

دراسة يف تأويل القرآن عند حمي الدين ابن عريب.–التأويل ' أما الثاين فهو ' فلسفة- املعتزلة

1 .16أبو زيد نصر حامد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، مصدر سابق، ص

2 .17-16املصدر نفسه، ص

Page 225: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

226

يف ثنايا الكتاب األول: سعى إىل التأصيل للهرمينوطيقا يف قراءة النص القرآين يف الفكر االعتزايل، حني

طرح إشكالية التأويل وأسسه، كاستجابة لظروف تارخيية وبيئية، سياسية واجتماعية جاء هذا الفكر استجابة

، وهو ما يعزز نظريته اليت تؤسس فهم النص وفق جدلية النص والواقع، اليت كانت هدفه يف قراءة هذا )∗(ا هل

الفكر ودفاعه عن نزعته يف عقلنة الوحي واعتباره رمزا للتنوير يف اإلسالم، حيث بني فيها أن خمتلف مقومات

، وقوهلم بااز كأداة الرئيسية للتأويل )∗∗(و أسس املعتزلة يف التأويل، كتقسيم القرآن إىل حمكم ومتشابه

يتدخل حني يعجز التحليل اللغوي عن بيان وجه التجاوز يف العبارة، و يتعلق بفهم النص ب"القرينة العقلية،

ووسيلة لرفع التناقض بني الظاهر والباطن، وفق )1( اليت اعتربوها أشد داللة من القرينة اللفظية املتصلة بالكالم"

، وهدف 'أبو - التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، املرتلة بني املرتلتني، الوعد والوعيد - ل اخلمسة للفكر األصو

هو بيان الوجود القدمي للهرمينوطيقا يف الفكر -زيد' من الرجوع إىل التأويل املعتزيل والدفاع عنه والثناء عليه

له وفق ظروف اقتضت عصرهم . اإلسالميي من منطلق تأكيد مرونة النص القرآين حسب تأوي

أما يف ثنايا الكتاب الثاين: فقد اهتم بالتأصيل باهلرمينوطيقا يف قراءة القرآن الكرمي يف التراث الصويف، جتسد

نظرة متميزة حول تأويل قدمت يف اشتغاله على قراءة خمتلف أفكار الشيخ ابن عريب حول النص القرآين، اليت

، وذلك ألن "تأويل ابن عريب عند 'أبو زيد' ذات أمهية كربى يف مسار اهلرمينوطيقا يف تراثناتعترب وفهم النص

للقرآن ال يترك شاردة وال واردة بدءا من احلروف املقطعة يف أوائل السور وانتهاء إىل قضية املصري اإلنساين يف

العبادات وأحكام الشريعة، وقضية اجلرب اآلخرة ثوابا وعقابا مرورا بقصص األنبياء وداللتها الرمزية، وتأويل

∗الشيعة والسنة واخلوارج واملرجئة، هي اليت تولد عنها الفكر االعتزايل كما يبدو يف مسألة القدر خاصة، –فات العقائدية بني الفرق الكالمية اخلال

وهي على صلة وثيقة بواقع املسلمني وما عرفه من تغريات على املستوى السياسي خاصة، حيث تبلورت منذ حدوث مشكلة اخلالفة، وبلغت ا يف العهد األموي، ويف ظله نبتت وترعرعت أفكار املعتزلة و قوهلم باألصول اخلمسة اليت تعترب املنطلقات الكربى للـتأويل عندهم.أوجه

∗∗ا لفهكان للمعتزلة تقسيما خاصا للمحكم واملتشابه يف القرآن الكرمي، يقوم على أن ما يعضد آرائهم وأصوهلم اخلمسة يعترب حمكما، أما ما خيا

اىل.فيعترب متشاا وجب تأويله والعمل بباطنه، كما هو حال مع اآليات القرآنية اليت ختالف مبدأ التوحيد وما يتضمنه من ترتيه للبارئ تع1 .245ص ،2007، 6دراسة يف قضية ااز يف القرآن عند املعتزلة، املركز الثقايف العريب، ط-أبو زيد نصر حامد، االجتاه العقلي يف التفسري،

Page 226: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

227

إذن قد قدم الشيخ نظرة خاصة لتأويل اآليات القرآنية )1(واالختيار والترتيه والتشبيه واإلحكام والتشابه"

تتعلق بقضايا العقيدة والشريعة والوجود واإلنسان، يتساءل الكثريون: ما سر االهتمام ا عند 'أبو زيد'اليوم

ن عصره وتعلقها بفترة األندلس؟رغم ابتعادها ع

بالرجوع إىل كتاب آخر ألفه 'أبو زيد' حول الشيخ ابن عريب، وهو كتاب "هكذا تكلم ابن عريب" تتضح

الكثري من األسرار حول السؤال السابق، إذ أكد وجود تالزم بني اهتمامه باهلرمينوطيقا كمنهج غريب وقراءة

جنزت قراءة 'الفتوحات' ويف الوقت نفسه قرأت 'فلسفة التأويل' أفكار ابن عريب، يقول: "يف سنتني أ

hermeneutics عند فالسفة الغرب من 'أورجني' حىت 'جادامر'، وكان ذلك مثمرا يف تعميق وعيي بالقضايا

هنا يروي فيلسوفنا حكاية اهتمامه املزدوج )2(اليت ميكن أن تفصح عنها كتابات الشيخ من منظور معاصر"

ار ابن عريب يف الفتوحات وبني اهلرمينوطيقا كمنهج معاصر، ومن دون شك سيكون هنا النص بني أفك

القرآين هو العامل املشترك وسر املزاوجة بني االهتمامني، ألنه هو النص الذي قرأ بتأويل متميز عند الشيخ له

اطن املؤسس على الذوق حضور يف املاضي والراهن، حسب قراءته القرآن الكرمي وفق إشكالية الظاهر والب

الذي اقتضته ظروف جديدة تبلورت يف بالد األندلس، وحسب ما أثارته أفكار الشيخ من تداعيات خمتلفة

بلغت ذروا يف الفترة املعاصرة، جتسدت يف مواقف مهامجة ومكفرة وأخرى مدافعة ومساندة ألفكار الرجل،

، واليت وجد فيها 'أبو زيد'مالذا )∗(واألصولية هلاجتلت على وجه اخلصوص يف رفض من التيارات السلفية

خصبا للرد عليها اليوم عن طريق الدفاع املستميت عن أفكار ابن عريب، و أثىن عليها مبينا أا تعرب عن معني

فكري ال ينضب ذو صلة وثيقة بواقعنا اليومي ترتب عنه حاجة ملحة الستدعائها يف فهم راهننا، وذلك ألن

1 .258،مصدر سابق، ص -دراسة يف تأويل القرآن عند حمي الدين ابن عريب- أبو زيد نصر حامد، فلسفة التأويل

2 .12، ص 2006، ،3أبو زيد نصر حامد ، هكذا تكلم ابن عريب، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط

∗يذكرين "أنين يف أحد األيام التقيت بأحد األشخاص الذي يعترب نفسه أكثر فهما للدين احلديث عن قصة ابن عريب مع التيار السلفي يف جمتمعنا،

حيث ما فتئوا يسألونه عن خمتلف -أي يؤمنون بأفكاره–باعتباره وفيا للمنهج السلفي كما يعتقد هو أو كما يعتقد الناس الذين يعيشون معه أمل تعلم نقد ابن تيمية له؟" ، وهذه القصة هي ما بينت يل أن اهلم األكرب الذي محله أبو زيد يف القضايا الدينية، فقال يل ملاذا تقرأ كتب هذا الشيخ دراسة ابن عريب إمنا حلضوره يف واقعنا بقوة اليوم.

Page 227: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

228

يف كل الثقافات ضروري ميثل مطلبا، لعلنا جند يف جتربته، - مع غريه من أعالم الروحانية- ابن عريب "استدعاء

هذا اإلهلام من دون شك وثيق الصلة مع البحث )1(ويف جتارم، ما ميكن أن ميثل مصدرا لإلهلام يف عاملنا"

العتماد عليه يف فهم الكثري من مسائلنا عن متنفس للهرمينوطيقا يف النص القرآين يف اخلطاب الصويف، ميكن ا

وقضيانا اليوم والسيما تلك اليت تتعلق باخلطاب الديين.

من خالل تعرض 'أبو زيد' ملعضلة التأويل يف الفترة الكالسيكية، نتوصل إىل إنه ال ينظر إيل التأويل مبنظور

تكوينه اهلرمينوطيقي الغريب، وتكوينه تراثي فقط، وال بنظرة معاصرة مقطوعة الصلة بالتراث، بل يزاوج بني

التراثي اجلامع بني أحباث املتكلمني واملتصوفة الذين حاول باهتمامه التأصيل للهرمينوطيقا املعاصرة يف تراثنا،

وتأكيد جدلية النص والواقع من منطلق أن املعتزلة " كانوا أصحاب موقف من الواقع حياولون صياغة موقفهم

ال حياول أن يصوغ موقفا واضحا من الواقع بل - على العكس من ذلك–ن ابن عريب صياغة دينية و أ

، ويف )2(األحرى القول أنه حياول أن يفسر الواقع على ما هو عليه ويضفي عليه مسحة من اجلمال ختفي قبحه"

، واإلشارة إىل كلتا احلالتني يريد أن يفتح أفاق رحبة للهرمنوطيقا يف قراءة التراث ويف قراءة النص القرآين

تنوع العالقات اليت يقيمها القارئ أو املفسر مع النص، من أجل تفنيد نظرية القراءة الواحدة املطابقة وأحادية

املعىن، ودحض اآلراء األصولية واملتطرفة الرافضة إلدخال اهلرمنوطيقا يف قراءة النص القرآين، رغم أن هلا

فهم النص منذ القدمي، واستمر ت إىل يومنا هذا، ومبوجب ذلك جذور عميقة يف تراثنا تبلورت يف مأزق

يصرح 'أبو زيد' أن ما " يؤكد قضيتنا الرئيسية ونظرتنا إىل معضلة التأويل وتصورنا ال خلطرها يف الفكر الديين

، فاهلدف من )3(القدمي، فحسب، بل يف ثقافتنا املعاصرة بشكل خاص ويف معضلة املعرفة بوجه خاص"

اهتمامه بقضية التأويل ال يقف "عند حدود التراث بكل ما حيمله هذا التراث من قيمة، بل ميتد هذا املغزى إىل

1 .28أبو زيد نصر حامد، هكذا تكلم ابن عريب، مصدر سابق، ص

2 .36أبو زيد نصر حامد، فلسفة التأويل، ص

3 .24املصدر نفسه، ص

Page 228: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

229

الواقع الراهن الذي نعيش فيه مجيعا، فالنص الديين بكل ما حيمله من تراث تفسريي واقع متعني يف حياتنا

وفق مواقف متباينة ومتعارضة من -تفسرييا-اقع، كما يتشكل اليومية، ويف ثقافتنا املعاصرة، يشكل حركة الو

أي تأصيل اهلرمينوطيقا يف التراث، ليس هدفه اجترار وتكرار املاضي بل غايته إكمال مهمة )1(هذا الواقع"

األسالف التأويلية واستلهام جتارم يف فهم الواقع الراهن وعالقة النص القرآين يف إطار تأويلية حديثة

رة.ومعاص

إشكالية التأويل يف الفترة احلديثة واملعاصرة: -ب

يواصل 'أبو زيد' طرح مسرية العالقة بني اهلرمينوطيقا والنص القرآين، بالعودة إىل كيفية تبلورها يف الفترة

احلديثة واملعاصرة، باإلشارة إىل دور الشيخ 'حممد عبده' يف تأويل النص اهلادف إىل جتاوز االحنطاط

كود الذي عرفه املسلمون يف عصره، مث االنتقال إىل أتباعه من رواد التنوير واالنعتاق من سلطة الرؤية والر

وعلى رأسهم الشيخ 'مصطفى عبد الرازق' - مؤسسة األزهر–األصولية املغلقة اليت جسدا املؤسسات الدينية

ته املعاصرة ومنطلقا هلا، والسيما آراء و'طه حسني' و'الشيخ أمني اخلويل'، متخذا هؤالء سندا قويا لتأويلي

مكمال ملنهجه اللغوي يف قراءة القرآن حيث عد نفسه الشيخ أمني اخلويل الذي اعتربه أبو زيد أستاذا له

الكرمي.

يعيش يف اية القرن ، الذي كان يف نظره معتزليا)∗(فقد عاد 'أبو زيد' إىل ما طرحه الشيخ 'حممد عبده'

التاسع عشر ، مبينا أن مقصده األمسى هو تنوير العقل اإلسالمي وإكمال مسرية التأويل كما وردت عند

لفتح داللة النص من خالل -علما املعاين والبيان–املعتزلة حبيث رجع إىل خمتلف" أدوات التأويل االعتزالية

1 .16املصدر نفسه، ص

∗) يف كونه رائدا من أرواد التنوير اإلسالمي يف عصر االحنطاط، وشيخا من شيوخ اإلصالح الذي كان حسب 1905 - 1849الشيخ حممد عبده (

و منطلق ومرجع وه -أمني اخلويل-، ومدرسة اخللف -رشيد رضا-أستاذا لتالميذ من املدرستني، مدرسة السلف -ما يذهب إليه 'أبو زيد'- ضروري لفهم تأويل القرآن الكرمي يف تراثنا احلديث واملعاصر

Page 229: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

230

ئم تأويل يوفق "بني العقل واملعطيات العقيدة اإلسالمية من جهة، ومع ، منطلقا يف إرساء دعا)1(املنطوق الثابت"

، و يقوم على "املنهج اللغوي والفين، ألن هذا األخري هو األداة )2(منجزات احلضارة الغربية من جهة أخرى"

السياق ،ألنه يتأسس على مرجعيتني: اللغة يف)3(والوسيلة اليت بدوا ال ميكن الوصول إىل اهلدف واملقصد

التارخيي لتداوهلا يف مرحلة الرتول، والعامل من حيث القوانني احملركة له طبيعيا واجتماعيا يف سريورته يف

بني أثر يف تأويلية 'أبو زيد' لكونه جيمعيف التفسري نتج عنهما منهج خاص التاريخ، هاتني املرجعيتني

ويفهمه يف سياق العالقة اجلدلية بني النص ومتغريات واقع ،الكرمي القرآنيف فهم الدراسة األدبية واالجتماعية

القرن التاسع عشر .

وأشاد مبختلف أفكاره والسيما تلك اليت تتعلق مبنهجه يف تفسري )∗(كما تأثر 'أبو زيد'، بالشيخ 'أمني اخلويل'

القرآن الكرمي، ككتاب العربية األكرب، حيث أثىن على منهج التفسري األديب له، الذي يركز "على معاين

س ما اآليات القرآنية اليت تؤديها ألفاظها العربية املبينة كما يفهمها أهل العربية يف عهد نزول القرآن...التما

من إحياءات أدبية وفنية لصوغ معجز بالغته...التماس اإلحياءات األدبية اليت تنشر - أي القرآين–للفظ والنظم

ويقوم كذلك على التفسري حسب موضوعات اآليات والسور وتدبر تأثري املفردات )4(عبريها بالغة القرآن"

االهتمام بعلم األساليب الذي واإلسالمية، أو االصطالحات القرآنية على النفس واحلياة وأهداف الرسالة

يصبح عنده أداة للكشف عن أسرار مجال األسلوب القرآين وما ميارسه من تأثري نفسي على القارئ، إذن

اهتمام 'أبو زيد' مبنهج اخلويل التأويلي راجع إىل كونه رائدا للمنهج للغوي التأويلي وقطب من أقطاب

1 .160أبو زيد نصر حامد، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق، ص

2 .30، ص1992، 2طهاري حممد، مفهوم اإلصالح بني مجال الدين األفغاين وحممد عبده، املؤسسة الوطنية للكتاب، اجلزائر، ط

3 158يد نصر حامد، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق ص أبو ز

∗) أديب ومفكر مصري، ورائد من رواد التجديد يف الفكر املعاصر، يصرح 'أبو زيد' يف الكثري من 1966 -1895الشيخ أمني اخلويل (

، وكثريا ما يثري املواقف الرافضة والناقدة ملنهجه وأفكاره كما املناسبات، بأنه من أتباعه وتالمذته املخلصني ألفكاره، واملكملني ملنهجه يف التأويل تبلورت رجال الدين السلفيني، والسيما تلك اليت تتعلق مبنهجه التأويلي اجلديد.

4 .88، ص 2002اجلويين مصطفى الصاوي، التفسري األديب للنص القرآين، منشأة معارف اإلسكندرية مصر، دط،

Page 230: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

231

إىل 'علي عبد الرازق' و'طه حسني'، مهد لنقلة نوعية يف الربط النص القرآين مدرسة اخللف يف التأويل إضافة

باألدوات املعاصرة، يقول أبو زيد:" لعل تطوير منهج اخلويل وفقا إلجنازات املعرفة املتنامية يف جمال العلوم

هذه )1(ت القرآنية " اإلنسانية، خاصة األلسنية والتأويلية، أن متثل جتاوزا حلالة الركود يف جمال الدراسا

املنجزات احملددة ملنهج اخلويل هي ما سيكمل أبو زيد مسريا فيما بعد.

إذن مسار التأويل أو رحلة اهلرمينوطيقا يف النص القرآين كما طرحها أبو زيد، يبني لنا أا ذات أصول

الكالسيكي الذي تبلور منذ ضاربة يف أعماق تراثنا على الرغم من مشارا الغربية، جتسدت يف التأويل

االختالف بني مدرسيت أهل األثر والرأي، والتأويالت الكالمية و الصوفية...، اليت عكست جدلية النص

القرآين والواقع، وقد عاد إليها 'أبو زيد' ليستشرف أفق تأويلية جديدا مستفيدا من التقدم احلاصل يف املناهج

عية من ناحية أخرى. والعلوم، ومواكبا للمستجدات الواق

حنو هرمينوطيقا جديدة للنص القرآين عند 'أبو زيد': -3

إن التأويلية اجلديدة اليت دعا إليها 'أبو زيد'، ال تعرب عن قطيعة مع التأويالت الكالسيكية للقرآن الكرمي، بل

هي نتيجة حتمية لالنتقال من التعامل مع النص القرآين بوصفه نصا إىل التعامل معه بوصفه خطابا كما أشرنا

أو من خالل طفرة عبقرية، بل هي نتيجة تراكم قراءات إليه سابقا، و " هذه النقلة مل حتدث يف يوم وليلة،

وخربات وتأمالت، واألهم من ذلك أا مثرة من مثار اخنراط يف حوارات ومشاريع حبثية. وهي نقلة نابعة يف

أي أا ذات أرضية تراثية متثل رحلة ) 2(األساس من الدراسة النقدية املتأملة لتاريخ التفسري ومناهجه وحديثا"

ملة هلا للبحث عن تأصيل نظري للهرمينوطيقا يف التراث التأويلي .مك

يرتبط إرساء دعائم تأويلية جديدة ومتفتحة عند 'أبو زيد' بتجديد البحث يف ماهية الوحي القرآين، واعتباره

'بول خطابا، وهو هنا من دون شك متأثر بتقدم األحباث العلمية يف اللغة وآليات الفهم، والسيما أفكار

1 .192زيد نصر حامد، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق، ص أبو

2 املصدر نفسه.

Page 231: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

232

ريكور' اليت تقوم على فهم النص يف حدود اخلطاب، وتنتقد الرؤى اليت مهشت اخلطاب واليت تبلورت على

وجه اخلصوص يف االجتاه البنيوي الذي ظل ينظر إليها كبنية ونسق متجاهال كوا واقعة واستعماال، حيث

ات علم اللغة األساسية تم باللغة من يقول بول ريكور:" بقي اخلطاب إشكالية عندنا اليوم، فذلك ألن إجناز

، )1(حيث هي بنية ونسق، ال من حيث مستعملة، لذلك ستكون مهمتنا إنقاذ اخلطاب من منفاه اهلامشي"

ففكرة رد االعتبار للخطاب هنا هي ما فكر فيها أبو زيد يف جمال آخر وهو النص القرآين، حسب عالقته

اجلدلية مع الواقع.

ه وأطروحته اجلوهرية املدافعة عن أنسنة الوحي، سعى إىل إرساء دعائم تأويلية حية ففي إطار نظرت

ومنفتحة، تنطلق من "قيمة تعيد وصل معىن القرآن بسؤال 'معىن احلياة' فالقرآن مليء باحلوار والسجال

قبل انبثاقه، ولكن واملناظرة والرفض والقبول، ليس فقط مع أو ضد املعايري والثقافات وأمناط السلوك السابقة

، أي أن هناك أصناف خمتلفة من اخلطابات يف القرآن الكرمي )2(مع معايريه هو ومع تأكيداته هو ومع أحكامه"

تظهر يف البىن السجالية واحلوارية، إدراكها من شأنه أن جيعلنا نفهم صلته باحلياة، وأن ميكننا من تطور قراءتنا

جلة ، وذلك ألن "التعامل مع القرآن بوصفه جمرد نص هو مصدر الرتاع، وقد يقدم اإلنسانية له البعيدة عن األد

، فالرؤى )3(لنا منهج التعامل مع القرآن بوصفه خطابا جماال خمتلفا قد يساعدنا يف تطوير منهجية إنسانوية"

اوزها وفتح أفق الكالسيكية كالكالمية يف تعاملها مع القرآن الكرمي كنص اختذته مطية للرتاع، والبد من جت

رؤية كونية إنسانية للقرآن الكرمي، تعرب عن نقلة فهمه ال نرومها إىل إذا تعاملنا معه كخطاب.

1 .24ريكور بول، نظرية التأويل اخلطاب وفائض املعىن، مصدر سابق، ص

2 .215أبوزيد نصر حامد، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق ، ص

3 .216املصدر نفسه، ص

Page 232: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

233

، )∗(من أجل التعامل مع القرآن الكرمي كخطاب، ينتقد 'أبو زيد' النظرة اليت تؤكد أنه ميثل خطابا أحاديا

رآن ال ميثل خطابا 'أحادي' الصوت، بل هو خطاب متعدد حيث يعود إىل بعض اآليات القرآنية ليؤكد أن "الق

، مبينا أن املتكلم بالقرآن خارج )1(األصوات بامتياز، مبعىن أن ضمري املتكلم ال يشري دائما إىل 'املقدس' "

السياق السردي احلكائي وصوت املقدس، ال يعرب عنه دائما بضمري املتكلم 'أنا' بل هناك حضور آخر للضمري

'هو' والضمري 'أنت' يف تشكيل البنية القرآنية، ويربر ذلك املوقف باإلشارة إىل أن صوت املقدس يف الغائب

مؤكدا أن حضور هذا - قل- اهللا أحد، اهللا الصمد" غائب وراء الفعل هوقوله تعاىل يف سورة اإلخالص:"قل

الت بأن القائل ليس هو األخري طاغ يف كل سور القرآن الكرمي، وأن الغياب لصوت املقدس خيلق احتما

بالضبط الصوت اإلهلي بقدر ما هو الصوت املمثل للمقدس أي أن القائل يطلب من حممد صلى اهللا عليه وسلم

إىل اآليات اخلمس من سورة 'أبو زيد'. إضافة إىل سورة اإلخالص يعود -اهللا تعاىل–أن يقول عن املقدس

- 3-اقرأ وربك األكرم - 2-خلق اإلنسان من علق - 1-يف قوله تعاىل: "اقرأ باسم ربك الذي خلق 'العلق'

" ليؤكد أن املخاطب هو حممد صلى اهللا عليه وسلم، بينما -5- علم اإلنسان ما مل يعلم - 4-الذي علم بالقلم

ا الرب، كما يضيف صوت املتكلم هو صوت امللك ليقدم له مواصفات الرب، وضمري الغائب هو املمثل هلذ

إىل النموذجني السابقني منوذج سورة الفاحتة مبينا أن املتكلم فيها هو اإلنسان بينما يشار إىل اهللا بضمري الغائب

" وبضمري املخاطب يف باقي - 3- ملك يوم الدين - 2-رب العاملني -1- يف اآليات الثالث األوىل" احلمد هللا

صراط الذين أنعمت عليهم غري املغضوب - 6- اهدنا الصراط املستقيم - 4-اآليات:" إياك نعبد وإياك نستعني

" أي أن يف هذه اآليات اخلطاب موجه من اإلنسان إىل اهللا وهي تعترب مبثابة ابتهاالت -7- عليهم وال الضالني

مي أو أدعية، على حسب هذه النماذج الثالثة يريد أبو زيد بيان تنوع وتعدد أشكال اخلطاب يف القرآن الكر

∗) -ص-أنت (الرسول–ينتقد' أبو زيد' نظرة 'أركون' للقرآن كخطاب أحادي أي حيمل جمال وحيد للتواصل وفق بنية حنوية واحدة، أنا املتكلم

وأنتم 'مجاعة املؤمنني' مؤكدا أنه إن كانت هذه البنية حاضرة يف منط اخلطاب فهي ليست الوحيدة يف كل اخلطاب القرآين. –1 .218، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق، ص أبوزيد نصر حامد

Page 233: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

234

اإلنسان، ومن النظر فهم وإدراك دور طبيعة التغري -النيب–حسب تنوع العالقات بني أطرافه الثالثة اهللا

اهللا أحايني أخرى كما بد يف اآليات األخرية -اإلنسان أحيانا أخرى -احلاصل يف دور املخاطب النيب أحيانا

من سورة الفاحتة.

ر إىل القرآن الكرمي كخطاب هو إدراك أنه ذو بنية سجالية حوارية إن اهلدف األمسى عند 'أبو زيد' من النظ

مع أطراف خمتلفة، إذا أولنا اخلطاب القرآين يف حدودها ميكن تكوين تأويل جديد له يكون مناسبا لعصره

وبادرة لفتح قراءة جديدة له اليوم، ويكمن ذلك يف كشف البىن السجالية اليت حيتويها، بكشف طبيعته

ية مع املشركني، و مع املؤمنني، ومع للنصارى واليهود ...اليت تكون منطلقا لتأويله له وفق جدلية احلوار

العالقة بني النص والواقع.

ميكن اإلشارة إىل هذا املنهج التأويلي املبين على االنتقال من النص إىل اخلطاب، وفق كشف البنية السجالية

منوذجني من النصوص القرآنية وبيان كيفية تأويل أبو زيد هلا كما يلي:للقرآن الكرمي، عن طريق العودة إىل

النموذج األول يتعلق بتأويله لسورة الكافرون كخطاب موجه للمشركني يف قوله تعاىل:"قل يا أيها الكافرون -

دون ما وال أنتم عاب - 4- وال أنا عابد ما عبدمت -3- وال أنتم عابدون ما أعبد - 2-ال أعبد ما تعبدون -1-

"-6- لكم دينكم ويل ديين - 5- أعبد

من منظور اخلطاب، يف إطار ما مساه بالطبيعة احلوارية للخطاب 'أبو زيد'وهذه السورة يريد أن يؤوهلا

القرآين، وبالتحديد يف احلوار والسجال مع املشركني، الذي جتسد يف عباريت "فإن قالوا...فقل" مبينا أن هذه

قرآن املكي، تبني وجود سجال بني حممد صلى اهللا عليه وسلم والكافرون، يظهر يف السورة كنموذج لل

أنا، ويرتبط بواقعة وهي إاء حالة من التفاوض –التمايز واالنفصال عنهم، ويعتمد على استبدال الضمائر أنتم

م، حيث يعكس أصر فيها مشركوا مكة على االعتراف التام من جانب الرسول صلى اهللا عليه وسلم بآهلته

اخلطاب القرآين يف السورة حسب ما يذهب إليه أبو زيد حالة حوار آن هلا أن تتوقف بسبب العجز عن

Page 234: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

235

التفاوض، وبتوقف احلوار يبدأ السجال أي تبادل االامات، أي أن السورة تعرب عن سجال بني خطابني

عن تأويلية 'أبو زيد'ملنظور يعربنقيضني خطاب املشركني وخطاب الرسول صلى اهللا عليه وسلم، وذا ا

جديدة يف شىت أصناف النصوص القرآنية املوجهة إىل املشركني مبينا دورها يف تطوير نظرية اإلعجاز البالغي

واألسلويب بالتحدي على اإلتيان مبثل القرآن للمشركني يف آيات قرآنية خمتلفة، وهو ما يؤكد األمهية القصوى

القرآن كخطاب . اليت تكتسيها النظرة إىل

من سورة املائدة كخطاب موجه للمؤمنني، عن طريق قراءة جديدة 5و4النموذج الثاين يرتبط بتأويله لآليتني -

: "يسألونك ماذا أحل هلم قل احلَ - أحلت لكم الطيبات–ملسألة الزواج املختلط على ضوء فهم خاص لعبارة

لمون مما علَمكم اهللا فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم لكم الطَيبات وما علَمتم من اجلوارح مكَلبني تع

اليوم أحلَ لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم - 4-اهللا عليه واتقوا اهللا إن اهللا سريع احلساب

وطعامكم حلُ هلم واحملصنات من املؤمنات واحملصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن

ن محصنني غري مسافحني وال متخذي أخدان ومن يكفر باإلميان فقد حبط عمله وهو يف اآلخرة من أٌجوره

" و يف هاتني اآليتني يريد أبو زيد أن يفهمها يف إطار اخلطاب، دون تأويل اآليتني بصورة كاملة - 5- اخلاسرين

لكتابية، ويقوم هذا الفهم على ولكن باعتماد مسألة مركزية ذات عالقة وطيدة باآليتني وهي زواج املسلم با

قراءة مدلول اآليتني يف ضوء خطاب يف سياق احلوار مع املؤمنني على غرار سورة الكافرون اليت تدخل يف

سياق احلوار مع املشركني، ولكن هذا املدلول على ضوء قضية زواج املسلم من الكتابية، كما بني ذلك يف

، أردنا أن نعرب عنها يف شكل معامل وخطوات تعرب عن تأويل مميز )1(كتابه "التجديد والتحرمي والتأويل"

للقرآن الكرمي يدخل يف إطار اعتباره ذو بنية سجالية، بني من خالهلا 'أبوزيد' مبا يلي:

1 .230إىل ص 224أبو زيد نصر حامد ، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق من ص

Page 235: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

236

قام بتقدمي قراءة جديدة لآليتني تقوم على البحث عن مسألة ال يقدم فيها القرآن الكرمي إجابة حمددة بل -

تلفة ترتبط ا هاتني اآليتني، و تقوم على منط بنيته احلوارية مع املؤمنني، أال وهي مسألة زواج إجابات خم

املسلم من الكتابية لكي حيلل اإلجابات الواردة حوهلا من منظور اخلطاب الذي تقدمه اآليتني، حيث يؤكد أن

ونك: عن اخلمر وامليسر، عن السجال، يظهر يف صيغة يسأل–اآليتني تدخالن يف منط آخر من احلوار

اليتامى...ويلحق بإجابة أو إجابات متعددة على أساسها مت صياغة األوضاع الفقهية القانونية للمسلمني،

ويفهمهما طبقا حلالة منوذجية وهي زواج املسلم من الكتابية توجد فيها إجابات خمتلفة خبصوص حكمها،

ية تأويل النص، يف إطار اعتبار اإلجابات ختتلف باختالف السياق حاول حتليلها بعمق من أجل التأكيد على أمه

الثقايف واالجتماعي، و يف إطار اخلطاب وليس من منظور النص.

أكد على أن سياق احلكم يستلهم من آييت سورة املائدة، على الرغم من أنه غري وارد فيهما، حيث ذهب -

يسألونك ماذا أحل هلم - هو سياق اجلواب يف اآلية عن سؤال : إىل أن سياق جتويز زواج املسلم من الكتابية،

، فاإلجابة املعربة عن أكل الصيد تبعتها بشارة كلية 5بإحالل الطيبات اليت وردت يف اآلية - 4الوارد يف اآلية

ة عن املشاركة يف الطعام والزواج بني املسلمني و أهل الكتاب، "ومعىن ذلك أن حكم زواج املسلم من الكتابي

فحسب هذا التصور يعترب 'أبو زيد' حكم )1(يقع حتت إطار الطيبات اليت تبدأ بإحالل املشاركة يف الطعام"

الزواج من الكتابية جائزا.

قام بتحليل ونقد مواقف الفقهاء خبصوص حكم زواج املسلم من الكتابية بالتحرمي املبنية على النص ازء -

من 221، واليت مفادها أن اآلية (*)فه نصا 'قانونيا' ال يقبل تعدد األحكاموالتعامل مع القرآن الكرمي بوص

سورة البقرة يف قوله تعاىل: "وال تنكحوا املشركات حىت يؤمن وألمة مؤمنة خري من مشركة ولو أعجبتكم وال

ر واهللا يدعوا تنكحوا املشركني حىت يؤمنوا ولعبد مؤمن خري من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إىل النا

1 .226املصدر نفسه، ص

Page 236: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

237

إىل اجلنة واملغفرة بإذنه ويبني آياته للناس لعلهم يتذكرون" قد بينت حترمي الزواج املختلط حسب قاعدتني

األوىل تكون مبوجبها البقرة العام الذي مت ختصيصه بآية املائدة أي أن زواج املسلم يعترب ختصيصا للتحرمي العام

الثانية مفادها أن حكم آية البقرة بالتحرمي نسخ حكم آية املائدة خبصوص زواج املشركات يف سورة البقرة، و

باجلواز، حني حيذر القرآن من نكاح املشركات واملشركني من طرف املؤمنني واملؤمنات وفق مبدأ األفضلية

يا للمؤمنني مهما كانت درجتهم ومقامهم، وبالتايل يتوصل أبو زيد تعاملوا مع القرآن الكرمي بوصفه نصا قانون

ال يقبل تعدد األحكام وهو ما جيب جتاوزه عند النظر إليه كخطاب.

قدم حكما جديدا حيلل زواج املسلم من الكتابية، استنادا إىل أنه يقع حتت الطيبات اليت تبدأ بإحالل مشاركة -

حكم الفقهاء السالف ذكره عن طريق التعامل الكتابيني يف الطعام مث مشاركتهم يف الزواج، وهو ما جتاوز به

مع القرآن بوصفه خطابا، من منطلق أن هذا األخري ينقلنا إىل أفق أرحب من موقفهم، حيث من منظوره يتبني

أن أقدمية ترتيل سورة البقرة ينفي أن تكون ناسخة أي أا هناك أسبقية للخطاب الناسخ وهذا غري معقول،

بقرة ينتمي إىل منط آخر خيتلف عن نوعه يف سورة املائدة، إنه يقع يف صنف التباعد كما أن خطاب آية ال

واالنفصال عن املشركني الذي أسسته سورة الكافرون على خالف اآلية الواردة يف املائدة اليت تصنف يف

م" وجواا التعايش مع أهل الكتاب يف املدينة حيث أن سياقها "يسألونك ماذا أحل هل–سياق خطاب التحاور

الذي يبدأ ب:أحلَ لكم الطيبات وما علَمتم من اجلوارح إىل آخر اآلية، ليتواصل يف اآلية اخلامسة بإعالن

شديد الداللة "اليوم أحل لكم الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حلٌ هلم" وينتقل فيما

ح بالزواج من احملصنات من أهل الكتاب، إذن اخلطاب بعد إىل طيبات التعايش االجتماعي املتمثل يف السما

عن الطيبات اليت أحلت للمسلمني حنو ما يذهب إليه أبو زيد هو إجابة عن سؤال نشأ يف بيئة جديدة اختلط

فيها املسلمون باليهود يف املدينة، وهو ما جيعلها تعرب عن معامل حياة جديدة مشتركة أمهها املشاركة يف الطعام

Page 237: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

238

، وهو ما جيعله يربر احلكم زواج املسلم من الكتابية يف إطار التعامل مع القرآن كخطاب حسب والزواج

السياق والواقع الذي تبلور فيه النص.

طرح أفاق النظرة إىل ،على منظوره 'أبو زيد'، يواصل - إحالل زواج املسلم من الكتابية- بعد بناء احلكم-

يعترب تابعا لإلجابة باإلجياب على السؤال األول، والذي القرآن الكرمي كخطاب، يف إطار سؤال آخر

قائما على مبدأ عدم التساوي، أي على جواز زواج الذكر - بني الكتايب واملسلم–مفاده:"هل يظل التعايش

املسلم من األنثى الكتابية دون جواز زواج األنثى املسلمة من الذكر الكتايب؟ وهل تتحقق املعايشة االجتماعية

وذا السؤال يريد أن يوسع )1(لة يف ظل عدم التساوي هذا؟ بني الذكر واألنثى يف حقوق الزواج؟" الكام

جمال التأويل ليثريه يف سياق موضوع حقوق اإلنسان واملساواة بني الرجل واملرأة، ويطرح املسألة دائما من

ه موجه للذكور يف كل الشؤون منظور حتليل اخلطاب، حيث حيلل اخلطاب القرآين يف هذا الصدد، مؤكدا أن

مقتضيات واقع وزمن الرتول الذي ميثل جماال ثقافيا ذكوريا، وهو ما يبني واالجتماعية مؤكدا أن ذلك يتماشى

أن أبو زيد حريص على ثقافية النص القرآين وجدله مع الواقع ويف إطارمها تتحدد تأويليته، وهذا ما جيعله

خبصوص قضية راهنة وهي املساواة بني الرجل واملرأة يبحث فيها عن موقع كعادته حياول اخلروج عن املألوف

قضية الزواج املختلط، حتديدا األنثى املسلمة بالذكر الكتايب، وهنا يعود إىل مسألة أخرى وهي األصل والفرع

رأة على قدم يف اخلطاب القرآين، منطلقا من أن القرآن الكرمي يف اال التعبدي وجزائه خياطب الرجل وامل

املساواة وهو من ميثل األصل، بينما يف اال االجتماعي حيث ال يعرب عن تلك املساواة يعترب اخلطاب القرآين

جمرد فرع، ويتعني علينا أن مند حكم األصل على الفرع أي ننقل املساواة يف التعبد والثواب إىل املساواة يف

نثى املسلمة من الذكر الكتاب مثل حق الذكر املسلم يف زواج اتمع، واليت يترتب عنها جواز زواج األ

الكتابية أي أنه من منظور اخلطاب ذلك ممكن، ألنه قلب لكل التصورات اليت بلورها الفقهاء يف التحرمي

1 .228أبو زيد نصر حامد ، التجديد والتحرمي والتأويل، مصدر سابق ، ص

Page 238: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

239

ودحض لدالئلهم القائمة على ذريعة ديد احلرية الدينية للمسلمة اليت ختتار كتابيا على خالف الرجل الذي ال

د حريته وحجة إتباع األبناء لدين آبائهم بطريقة آلية مما يهدد دين أبناء املسلم، هاتني احلجتني اليت د

بيان أن الوضع الذي توجد فيه املرأة اليوم خيتلف عن مايريد من خالهل ،يف إطار واحد 'أبو زيد'يدحضهما

تلف املسائل مبا فيها مسألة الزواج وضعها زمن نزول اآليات والبد من مراعاته لتأويل وفهم النص يف خم

املختلط، الذي يبىن يف نظره على مسألة حرية الفرد مهما كان ذكرا أو أنثى، وفق ما يقر به القرآن الكرمي

من سورة البقرة:" ال إكراه يف الدين"، وبالتايل تأويل أبو زيد للنصوص القرآنية 256ذاته، طبقا ملا ورد يف اآلية

أو الشريعة كما أثاره املثال السالف ذكره، يبني أن سياق اخلطاب هو من حيدد فهمه وفق يف جمال العقيدة

جدلية النص والواقع.

من خالل النموذجني السابقني فإن أبو زيد يدعونا إىل إعادة التفكري جمددا يف التراث ويف معىن القرآن الكرمي

أال وهي فهمه وتأويله يف لتعامل مع النص القرآينمن منظور اخلطاب، حيث يؤكد نقطة جديدة وهامة يف ا

إطار اعتباره أسئلة جتيب على الواقع وجتمع بني أطراف خمتلفة توجد بينها عالقات سجالية، إذ يدعوا إىل

ضرورة االستفادة من البنية احلوارية والسجالية للنص القرآين يف بناء ترتيب جديد له أي ترتيب الرتول حسب

ب القرآين، و حتديد أنواع السجاالت احلاصلة يف السور القرآنية مع املشركني واملؤمنني وأصناف حتليل اخلطا

الفئات املختلفة اليت يوجه اخلطاب إليها من أجل فهمه، كما يعتمد على مراعاة التغري احلاصل بني اخلطاب

يف الدعوة إىل فهم القرآن وغايتهود، واخلطاب والعالقة بينهما، كما هو احلال مع املؤمنني أو املشركني أو اليه

أينما -إرساء دعائم منهج تأويلي جديد، حيث يذهب إىل أنه جيب على املسلمني" يالكرمي كخطاب ه

التقدم خطوة ابعد يف هذه العملية من أجل اجناز منهج تأويلي ناجز، وذلك ليكونوا مشاركني نشطني - كانوا

تفرض عليهم يف صياغة معىن حيام، يف العصر الذي يعيشون فيه، بدل أن يظلوا متلقني سلبيني للمعاين اليت

Page 239: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

240

، وبالتايل العالقة بني اهلرمينوطيقا والنص القرآين يؤصل هلا يف تراثنا من )1(بالقهر واالنصياع من هنا أو هناك"

ال يكتف هأجل بيان مشروعيتها اليوم يف إرساء دعائم تأويلية جديدة تتماشى والوضع الراهن للمسلمني، ولكن

خمتلف مؤلفاته وجيعلها آليته احملورية يف قراءة النص القرآين، بل يفتح أفاق رغم أنه يعتمد عليها يف باهلرمينوطقا

جديدة الستعمال السيميوطيقا فهمه، فما طبيعة العالقة بني السيميوطيقا والنص القرآين عند 'أبو زيد'؟

1 .244املصدر نفسه، ص

Page 240: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

241

:املبحث الثالث: السميائيات والنص القرآين

زيد' بصدد طرحه ملسألة العالقة بني آليات الفهم املعاصر والتراث اإلسالمي على مل يقتصر اهتمام 'أبو

على الرغم من اهتمامه الشديد -القرآن الكرمي–االستفادة من اهلرمينوطيقا كآلية وحيدة يف قراءة نصه األصلي

ا وأشار إليها يف بدورها من أهم اآلليات اليت أشاد - كما حيلوا له تسميتها- ا، بل كانت السميوطيقا

خمتلف آرائه حول جتديد آليات فهم النص القرآين، حيث يصرح أن قراءة القرآن الكرمي كعالمات "يعد من

، هذه املغامرة كما وصفها )1(جانب آخر مغامرة يف حقل الدراسات القرآنية من منظور علم السيميوطيقا "

حيث ردود الفعل من اخلطابات األصولية هي من دون شك داللة على خطورة املوضوع والسيما من

والرجعية اليت تؤرقه وتقض مضجعه حني ترفض إدخاهلا كآلية يف فهم الكرمي، لكن على الرغم من األثر السليب

لتلك الوجهة املعارضة والناقدة، فإننا عندما نقرأ تأثريها على فيلسوفنا من وجهة أخرى، ندرك أنه باإلمكان

آلرائه اجلريئة واجلديدة يف جمال التعامل مع النص القرآين، ومنطلقا للمغامرة يف إطار )∗(اعتبارها دافعا قويا

البحث العلمي، اليت هي ليست من قبيل اهلوى والتلذذ يف البحث عن موضوع جديد وغري مطروق يف النص

ية التلقي أو لنقل يف عملية القرآين، "بل لتلك املغامرة أساسها املنهجي يف بنية النص القرآين من جهة، ويف عمل

، إذن فاملغامرة اليت يريد خوضها 'أبو زيد' )2('التمثل' اليت ينخرط فيها القارئ املسلم للنص من جهة أخرى"

1 .213مد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص أبو زيد نصر حا

∗ئقا آلرائه عندما نعود إىل مؤلفات 'أبو زيد' املختلفة ندرك أنه غالبا ما يوظف فيها، معركته مع الفقهاء ورجال األزهر وهو ما يؤكد أا ليست عا

باره شعارا ملختلف أحباثه حول التراث والنص القرآين.بل حافزا هلا، يف إطارها محل لواء 'التفكري للرد على التكفري' الذي ميكن اعت2 .217أبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص

Page 241: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

242

يف جمال استخدام آلية الدراسة السيميولوجية يف قراءة النص القرآين، تعرب عن أفق رحب يف البحث يف عالقته

كذلك عن رحلة استكشافية يف جلة البحر القرآين ستكون من دون شك ممتعة، بآليات الفهم املعاصر، وتعرب

فكيف خيوض 'أبو زيد' غمار هذه املغامرة؟

مفهوم النص والسميولوجيا:-1

أدركنا وحنن نبحث يف طرح 'أبو زيد' للعالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر، احلضور القوي

يف خمتلف آرائه يف طرح املوضوع، حيث اكتشفنا شيئا آخر حوله يكمن - كما سلف حتديده-ملفهوم النص

يبني أن النص "هو مصطلح من استفادته من علم العالمات، حيث -أي النص- يف استلهامه هذا املصطلح

-يستخدم يف جمالني معرفيني متداخلني: مها جمال علم 'حتليل اخلطاب' وجمال 'علم العالمات' أو السميوطيقا

من جهة أخرى. يف جمال علم العالمات يتسع مفهوم مصطلح 'النص' ليشمل كل نسق -السيميولوجيا أحيانا

إنتاج معىن كلي. ويف ظل هذا املفهوم يندرج النص اللغوي كما من العالمات اللغوية وغري اللغوية يؤدي إىل

تندرج النصوص غري اللغوية، كاالحتفاالت والشعائر واألزياء ومائدة الطعام ونافذة العرض، هذا فضال عن

الفنون السمعية والبصرية كاملوسيقى والتمثال واللوحة الفنية والكاركتري..إخل. لكن مصطلح 'النص' يف علم

طاب يقتصر فقط على كل نسق من العالمات اللغوية يؤدي إىل إنتاج معىن كلي. ويظل التداخل بني االني اخل

قائما، وهو مبثابة العالقة بني الكل واجلزء، ذلك أن علم -السميوطيقا وعلم حتليل اخلطاب–املشار إليهما

.)1(زءا منه" هو العلم األمشل الذي يعترب علم اخلطاب ج - السميوطيقا - العالمات

هنا يبني 'أبو زيد' أن البحث يف مفهوم النص الذي جعله منطلقا وحمورا ألحباثه يف جمال طرحه ملاهية النص

القرآين، جيد صداه يف منهجي السميولوجيا و حتليل اخلطاب، ولكن يشري إىل أنه إذا كان حتليل اخلطاب جزءا

كعلم شامل يتضمنه، فإن النص إذن هو مصطلح يف كال االني يستخدم يف السميولوجيا من السميولوجيا

1 .22-21أبو زيد نصر حامد، اإلمام الشافعي وتأسيس اإليديولوجية الوسطية، مصدر سابق، ص

Page 242: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

243

عندما يطلق على العالمات بنوعيها اللغوي وغري اللغوي يف حالة إنتاجه للمعىن، ويستفيد هنا من السيميائيات

س العالمة بل الداللة اليت تؤدي يف قراءة النص القرآين من منطلق أا جتعل منه عالمات دالة، ألن املهم عنده لي

إليها هي بؤرة اهتمامه وتركيزه، ويف هذا اإلطار يتفق مع النظرة اخلاصة اليت تضفيها السميائيات على

النصوص، تلك اليت تقوم على أن "كل النصوص كيفما كانت مواد تعبريها، جيب النظر إليها باعتبارها إجراءا

إذ ما يهمها إنتاج املعىن أو الداللة من العالمات بأنواعها املختلفة لغوية )1(رة"دالليا ال جتميعا لعالمات متناف

وغري لغوية يف إطار عالقة التفاعل مع بعضها البعض داخل النص الواحد، وليس النظر إليها كعالمات متنافرة

تستقل عن بعضها البعض.

و زيد'، هي إخراجه من أسر التفسري الكالسيكي، والغاية من دراسة النص القرآين دراسة سيميولوجية عند 'أب

ذلك الذي جعله نصا ثابتا مجدته الشروح والتفسريات اليت توالت عليه حىت القرن اخلامس اهلجري، وجتاوز

آلياا يف التكرار واالستنساخ واإلسهاب واإلطناب،إذ أن هدفها تكسري طابو حترمي القراءة اجلديدة للقرآن

ألوىل، و إعادة اكتشاف القراءات التراثية للقرآن الكرمي من منظور جديد هو علم العالمات، الكرمي بالدرجة ا

وعلى وجه اخلصوص القراءات الصوفية كما جتسد يف أفكار 'ابن عريب' اليت حتظى باألمهية القصوى عنده ملا هلا

فهومه الشامل عندما يفهم من صلة يف بيان جتليات الكالم اإلهلي أو النص القرآين على مستوى الوجود مب

كعالمات دالة على كل ما يوجد يف الكون.

: السمطقة والنص القرآين-2

مصطلح السمطقة الذي يعرب عن عملية 'أبو زيد'عن طبيعة العالقة بني السميولوجيا والنص القرآين، يصطنع

إىل نسق من العالمات غري لغوي، إذ "تنقل اللغة من جمال 'املواضعة' إىل جمال االستدالل العقلي، أي حتوهلا

األساس يف العالمات اللغوية قيام داللتها على العرف واملواضعة، وليس من الضروري أن يكون كذلك يف

1 .10ص بنكراد سعيد، السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاا، مرجع سابق،

Page 243: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

244

هنا يتبني أن السمطقة تعرب عن لغة جديدة ال تتحدد فيها الداللة على أساس )1(العالمات السميوطيقية"

على أساس االستدالل العقلي أي خترج عن إطار ما هو لغوي التواضع واالصطالح الذي تعرف به، بل

لتكتشف ما وراء اللغوي من دالالت حتيل إليها العالمات، وهناك "شيء شبيه ذا تصنعه لغة النص القرآين

مات باللغة العربية، إا تتعامل معها وا تعامال بالغيا فتنقلها من وظيفتها الداللية اإلبالغية وحتوهلا إىل عال

حتيل إىل معان ودالالت معقولة. ودائما ما تلجأ لغة النص يف سياق هذا التحويل إىل حفز املتلقي على 'التعقل'

و'التذكر' و'التفكر' و'التدبر' ويف هذا احلفز ما يؤكد عملية التحويل من النظام اللغوي إىل النظام السميوطيقي"

وا عالمات دالة تظهر يف دعوته إىل الذين يتلقونه وحتفيزهم أي أن النص القرآين يتعامل مع اللغة يف ك )2(

من سورة النساء،"أفال يتدبرون القرآن 72على تعقله وتدبره و تفكره يف آيات عديدة منها قوله تعاىل يف اآلية

رآن، وناهيا ولو كان من عند غري اهللا لوجدوا فيه اختالفا كثريا" هنا خياطب اهللا تعاىل الناس "آمرا هلم بتدبر الق

هلم عن اإلعراض عنه، وعن تفهم معانيه احملكمة، وألفاظه البليغة وخمربا هلم أنه ال اختالف فيه وال اضطراب

، وهذا التدبر الذي أكده خمتلف الفقهاء، هو )3(وال تعارض، ألنه ترتيل من حكيم محيد، فهو حق من حق"

ورة العمل القراءة البعيدة للنص القرآين، تلك اليت ترتبط احلافز اجلوهري عند 'أبو زيد' يف الدعوة إىل ضر

بأويل األلباب القادرين على استخراج ما حتيل إليه العالمات الواردة يف خمتلف اآليات بعيدا عن القراءة احلرفية

ملا تبديه اللغة واليت تبلورت عند الكثري من الفقهاء والسيما من أصحاب املنهج الظاهري.

أن يستفيد من السيميائيات يف - حسب ما يذهب إليه 'أبو زيد'- قي أو القارئ املسلم، وجب عليه إن املتل

متثُل تلك العالمات دون التوقف عند العالمة ذاا، أي وجب أن ينتقل مباشرة من العالمة إىل ما تدل عليه من

ألديب يف فهم القرآن الكرمي، يقترب معقول، وهو ما جيعلنا ندرك أنه على الرغم من اهتمامه باللغة واملنهج ا

1 .218-217أبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص .218املصدر نفسه، ص 23 .489ص1ابن كثري، تفسري القرآن العظيم، مصدر سابق، ج

Page 244: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

245

تقترب من مسألة املعىن وقواعد التفكري أكثر من مسائل ، حبيث الفالسفةأكثر من السميولوجيا كما يتصورها

أو بجث يف األصول األولية النبثاق املعىن، ' هلا كبورسحسب هذا التصور أقرب لتصور ' اللسان واملبىن، فهي

مهما كان نوع العالمة وشكلها، تشتغل طرقا استداللية يتم مبوجبها احلصول على دالالت وتداوهلا اعتبارها

يف القرآن الكرمي يف إطار ما يوحي إليه األسلوب القرآين من معقوالت، حني تكون العالمات املوجودة فيه

ى، اليت تدرك من خالل جعل وصفا للعامل يف تفاصيله ومكوناته... والشيء نفسه بالنسبة للمسائل األخر

عالمات القرآن دالة تدرك بالتعقل وبصورة غري مباشرة، إذن املهم يف ربط القرآن بعلم العالمات ليس العالمة

، ويؤكد أبو زيد أن مفهوم العالمة يف القرآن الكرمي ال يقف تعينها بل ما توحي أو تنتهي إليه من مدلوال

إىل كل ذلك باإلضافة إىل إشارته - وآيات–اوزمها حني "يشري الدال 'آية' عند حدود الكون والتاريخ، بل يتج

)1(إىل 'وحدات' النص القرآين من جهة، وإىل 'احلدود واألحكام' الشرعية اليت أتى ا النص من جهة أخرى"

وهو حسب هذا التصور يبني أن نظام العالمات يف النص متعدد يف تعبريه عن الكون واألحكام ولكنه

يستوعب يف إطار مرجعية واحدة وهي النص القرآين، وهنا ينتهي إىل ضرورة إزالة الفروق بني القراءة

والتأمل، وبني الفهم والتعبد،من منطلق تالفيها يف جمال العالقة بني العامل والنص من جهة، وبني النص

واألحكام من جهة أخرى يف إطار النظر إىل القرآن الكرمي كعالمات.

ن النظر إىل القرآن الكرمي كعالمات عند 'أبو زيد'، يتيح للمسلم أن يستغين عن القراءات اليت تريد احتكار إ

فهم النص، ويرى الكالم اإلهلي متجليا يف العامل أو الوجود كالما إهليا غري ملفوظ، ومهمة البحث هنا هي

عامل كله إىل جمموعة من العالمات املوحدة الداللة، "الكشف عن اآللية أو اآلليات اليت حيول النص القرآين ا ال

أي البحث عن كيفية االنتقال من اللغة األصل أو املعاين احلرفية واملباشرة )2(أو ذات البؤرة الداللية الوحيدة"

اللغة إىل املعاين العقلية أو املدلوالت اليت توحي ا األلفاظ كعالمات، وهي ما متثل االنتقال من نظام عالمات

1 .218املصدر نفسه، ص

2 .219أبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص

Page 245: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

246

إىل نظام العالمات السميوطيقية اليت يعرب عنها النص القرآين يف جماالت متنوعة ومتعددة، واليت تتيح لنا إدراك

الدور اجلوهري للنص القرآين يف صياغة املفاهيم النظرية والفلسفية عن اللغة والداللة اليت تبلورت يف الفترة

تلك اليت تتعلق بعلم العالمات اليت ال ترتبط بأحباث أبو قراط أو الالحقة مبا فيها الفترة املعاصرة، والسيما

بل هلا أرضية صلبة يف القرآن الكرمي تبدأ من )∗(كما أرخ هلا الفكر الغريب –املنطق األرسطي والرواقي فحسب

تتبع وجود كلمة عالمة يف القرآن الكرمي، فكيف يؤصل أبو زيد للعالمة يف القرآن الكرمي؟

: الكرمي ومفهوم العالمة القرآن-3

يؤصل 'أبو زيد' لكلمة العالمة يف القرآن الكرمي بالبحث االشتقاقي والداليل هلذه الكلمة يف القرآن الكرمي،

حسب عالقتها مبفردات أخرى يتواتر ذكرها فيه بصيغ خمتلفة وهي: علم وعامل، يقول: " 'العامل' و'العلم'

تنتمي إىل جذر لغوي واحد هو "ع ل م". ومن الطبيعي أن يكون -والد -و'العالمة' ثالث مفردات لغوية

بني الدوال الثالث عالقة داللية يف بنية اللغة األم. لكن الذي يعنينا هنا هو تتبع العالقة يف االستخدام القرآين.

له تعاىل: وسنالحظ على فور أن الدال 'عالمة' ورد يف القرآن مرة واحدة فقط يف صيغة اجلمع وذلك يف قو

(وألقى يف األرض رواسي أن متيد بكم وأارا وسبال لعلكم تدون، وعالمات وبالنجم هم يهتدون) النحل:

وتفهم يف سياق -علم–، هنا يبني أن العالمة يف جمال القرآن الكرمي ترد يف أصلها اللغوي إىل كلمة )1(." 15

اللغة العربية الذين يردان إىل جذرها اللغوي نفسه، وبعد ذلك العالقة الداللية بينها وبني كلميت العامل والعلم يف

يبحث عن موقع كل دال يف القرآن الكرمي، ليؤكد أن الدال أو لفظ 'العالمة' ورد يف القرآن مرة واحدة كما

من سورة النحل، ويرتبط حسب وروده يف اآلية بكلمة اهلداية، ألن النجوم مبثابة 15يظهر ذلك يف اآلية

ات يهتدي ا الناس يف سريهم ليال، بينما يبني ورود دال 'العلم' يف القرآن الذي يرتبط باملعرفة عدة عالم

جماهد وقتادة -مرات، وورد أيضا مبعىن العالمة كما تذهب إىل ذلك بعض التفسريات اليت قرأت علم بالفتح

∗ بأحباث 'أمربتو إيكو' على وجه اخلصوص، تلك اليت تؤكد أن السيميائيات جتد جذورها يف املنطق األرسطي والرواقي.يتعلق الفكر الغريب هنا

1 .220أبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص

Page 246: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

247

عة فال متترن ا واتبعون هذا للسا علممن سورة الزخرف يف قوله تعلى:" وإنه ل61يف اآلية - والضاحك

صراط مستقيم"، وينتهي إىل لفظ'عامل' مبينا غيابه يف صورة املفرد و وروده يف صيغة اجلمع 'عاملني' ومضافا

إليه يف أغلب احلاالت منقبا كعادته عن داللة ذلك لريبطها مبحاولة النص القرآين جتاوز اجلزئي إىل الكلي يف

حتليلها يف قراءته 'أبو زيد'املني بصورة دائمة ومطلقة، هذه العالقة هي ما حياول الداللة، وبيان خضوع الع

وجود عالقة داللية بني العامل والعلم، تتأسس اليت بني فيها للنص القرآين االفتتاحي أال وهو سورة العلق،

تضمن ربطا أوليا بني تقرآن الكرمي يف نظره مبثابة بطاقة تعريف بال فهذه السورةمنها العالقة بني العامل والعالمة،

فهوم 'العاملني' يف عالقة املفعولية للرب الذي يعترب داال يف تضمنها مل، تتجلى -عامل علم وعالمة- العناصر الثالثة

مضاف إىل ضمري املخاطب يف سياق سورة العلق فقط، وتضمنت من ناحية أخرى العالقة املضمرة بني العامل

تفصح عن نفسها يف بنية النص القرآين يف صورته الكلية عندما حتيل العلم كله بسمائه والعالمة، ويؤكد أا

وأرضه وكواكبه وبنباته وحيوانه ومجاده إىل آيات وعالمات، تظهر يف منطني األوىل يكون ا القرآن الكرمي

األمم الغابرة وصراع األنبياء مبثابة عالمات تتعلق بالعامل والكون، والثانية ترتبط بالتاريخ عندما تتعلق بقصص

مع أقوامهم بني احلق والباطل وبني اإلميان والكفر من جهة أخرى، وهذين النمطني ينتهيان بدورمها إىل منطني

من البشر، أحدمها يقدر على قراءة تلك العالمات ويستدل ا على وجود اخلالق ويهتدي ا إىل اإلميان ويفوز

لذي يعجز عن تلك القراءة ويكذب ما مطالب به من إميان ويكون مصريه اخليبة يف اآلخرة، وثانيهما هو ا

أن ننظر للكون كعالمات -الذي علمنا- هو املعلم - رب العاملني–والعذاب، وبالتايل فاهللا سبحانه وتعاىل

أبو زيد حتيل إليها اآليات البينات، تلكم هي العالقة اليت تظهر يف خمتلف النصوص القرآنية اليت قرأها

كعالمات.

سيميائية النص القرآين:-4

Page 247: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

248

النصوص القرآنية كعالمات، بالعودة إىل سور وآيات قرآنية متنوعة لبيان كيفية استخدام 'أبو زيد'يقرأ

وحتويلها إىل عالمات، حيث انطلق من سورة العلق اليت بني أا تؤصل -اللغة العربية–لغتها الدينية للغة األم

ميكن إدراك على وملفهوم العالمة يف القرآن الكرمي وفق بنيته الكلية أي يف خمتلف النصوص القرآنية الالحقة،

يائية ملختلف سور القرآن الكرمي ضوء عالماا املعربة عن قيمة العلم، وعظمة اخلالق وربوبيته... الطبيعة السيم

وآياته، ومنها اآليات األوىل من سورة الرمحن اليت تكرر "خلق اإلنسان" و"علمه البيان" أي تكرر عملييت اخللق

والتعليم وتربط بينهما وتعطي األسبقية لتعليم القرآن على كليت العمليتني التني سلف ذكرمها يف سورة العلق،

' هذا املوقف دف بيان وجود توازي بني بدايات سورة الرمحن وسورة العلق ميتد يف اآلية وهنا حيلل 'أبو زيد

اليت تتكرر يف السورة إحدى وثالثني مرة "فبأي آالء ربكما تكذبان" وهي جعلها حمور قراءته السيميائية

ه "املتلقي إىل عدم االستغراق للسورة اليت يفهمها فيلسوفنا يف إطار حتليله للخطاب الوارد فيها، على أا توج

واالنشغال بالنعم يف ذاا، أي عدم االستغراق يف جانبها النفعي، بقدر ما عليه أن ينشغل ا مبا هي داللة على

أو بعضها يف السورة. تسجد خلالقها ومبدعها - وجود احلي الباقي الدائم اخلالد، وإذا كانت هذه النعم بذاا

جاوز تلك النعم إىل االستغراق يف املنعم، ألا ليست يف احلقيقة سوى عالمات وآيات فاألحرى باإلنسان أن يت

هنا النعم الواردة يف السورة واليت هي موجهة لإلنسان، وجب لإلنسان أن ال يستغرق فيها )1(للداللة عليه"

دات مادية آنية زائلة ويف طلبها بل وجب عليها أن يتدبرها ويقرأها كعالمات، فتفىن يف ذهن اإلنسان كموجو

حلساب جتلي املدلول احملتجب من ورائها وهو البارئ تعاىل، إا عالمات للقراءة والتدبر والتفكر كآليات

للتعامل مع النص دعت إليها آيات شىت، هذه العمليات ترتبط كذلك بتأمل وصف النعيم املطول مقارنة مع

آليات من سورة الرمحن، الذي يربطه أبو زيد بدوره مبا وصف العذاب والتحدي والتهديد الوارد يف بعض ا

ورد يف سورة العلق خبصوص اإلنسان الطاغي املكذب الذي يتلقى الوعيد بطريقة مماثلة ملا ورد يف سورة

1 .237-236املصدر نفسه، ص

Page 248: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

249

الرمحن، وهو ما جيعله ينتهي إىل أن هناك جتاوب بني السورتني على مستويات شىت، جيعل من سورة الرمحن

إىل عالمات"، وهو ما يفتح أفاق جديدة عند - املضمرة يف سورة العقل–لنعم واآلالء منوذجا لتحويل ا

فيلسوفنا لكشف البنية السيميائية الكلية للنص القرآين تعتمد على استخدام اللغة الدينية للغة األم وحتويلها إىل

نظر أبو زيد بتحويل عالمات اليت يكتشفها من ناحية أخرى يف العودة إىل سورة القمر اليت قامت يف

األحداث التارخيية إىل عالمات دالة، وهي حسب نظرته اليت تؤسس العالمة على البنية الكلية للنص القرآين،

بيان للمضمر واملختصر يف سورة الرمحن تقع يف سياق حتويل القرآن إىل عالمات للتذكري لألمم الغابرة وعاقبة

تعرب عند فيلسوفنا عن عالمات كونية ترتبط خبلق السموات ذلك، إضافة إىل ذلك سورة النحل بدورها

واألرض وخلق اإلنسان، بعيدا عن تفصيل هذا السور اليت ال يتسع هلا املقام، ميكن القول يف األخري أن أبو زيد

عنده يريد قراءة القرآن الكرمي كعالمات دالة يف مستويات خمتلفة تنتهي إىل أن النص القرآين بلغته السيميائية

يقرأ بالتدبر وباالنتقال من اللغة الدينية إىل لغة العالمات تدرك الكثري من خباياه وأسراره، وهو يف جوهره ذو

طبيعة سيميائية تتنوع فيه مستويات العالمات، اليت تظهر يف أشكال متنوعة ومتعددة وترتبط بسياق اخلطاب

هذا السياق هو ما جيعل أبو زيد يراعي املقارنة بني النصوص القرآين إن كان وعيدا وديدا أم وعدا وترغيبا،

القرآنية بالبحث يف طبيعة العالقة بني اآليات ذات السياق الواحد، معتمدا على حتليل ثالثة مستويات للخطاب

القرآين، األول منها يتعلق بالنصوص اليت تدل على خلق السموات واألرض، والثاين يرتبط باآليات اليت تدل

على خلق اإلنسان، والثالث يبحث يف املوازاة بني القرآن والوجود، ويف إطار حتليل هذه املستويات الثالثة

والبحث يف النصوص القرآنية احملددة هلا كعالمات اتبع أبو زيد مجلة من اخلطوات، حيث عاد إىل خمتلف

عند الطربي وإخوان الصفا –تراثية هلا اآليات اليت ترتبط ا، ورجع من ناحية أخرى إىل بعض التفسريات ال

، كما حبث يف سياقها وقارن بني النصوص اليت تبحث يف املسألة الواحدة والعالقات الرابطة بينها - وابن عريب

من أجل إدراك النسق الداليل اجلامع هلا، سنحاول العودة إىل مستوى واحد منها وهو املستوى الثالث الذي

Page 249: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

250

نة رائعة صور فيها القرآن الكرمي كعالمات يف إطار عالقة التكافؤ املنطقي اليت أقامها طرح فيه فيلسوفنا أيقو

بني القرآن الكرمي والوجود، وقد اعتمدنا عليه نظرا التضاح الرؤية اجلديدة حول علم العالمات يف القرآن

عاداته بصدد حبثه عن العالقة بني الكرمي باملقارنة مع املستويني األول والثاين الذين حاوال أبو زيد من خالهلما ك

اهلرمينوطيقا والنص القرآين كما سلف طرحه، أن يؤصل لعلم السميولوجيا يف تراثنا والسيما من خالل عودته

إىل التراث الصويف وقراءات الشيخ حمي الدين ابن عريب لآليات القرآنية حتديدا، حيث يستشهد به أبو زيد

ىت، والسيما يف مقام اعتبار النص القرآين عالمات تدل على الوجود يف ويعتمد على أقواله يف مقامات ش

يف إطار البحث عن عملية اخللق -اإلنسان–والعامل األصغر -السماوات واألرض–وحدته بني العامل األكرب

قائمة هلما عن طريق الكلمة، إذن قد انطلق أبو زيد من التراث سواء أكان صوفيا أواعتزاليا ليؤسس لنظرته ال

على فهم القرآن الكرمي يكون يف إطار وحدة الداللة بني النص والعامل، واليت تظهر على وجه اخلصوص يف

جعل العامل كلمات غري ملفوظة أو لغة خاصة ينطقها النص القرآين كعالمات .

عند أبو زيد، أساس إن التوازي بني العامل ككلمات غري ملفوظة والقرآن ككلمات إهلية ال حد وال اية هلا

فهمه للنص القرآين كعالمات، حيث انطلق من أن الكون كله لغة أو نسق من العالمات، وأن القرآن الكرمي

بأنه "كلمة منه" هو الذي جيعل كلمات اهللا ال ائية ال ميكن ألي مداد أن - "عيسى عليه السالم–بوصفه

- ريب لنفذ قبل أن تنفذ كلمات ريب ولو جئنا مبثله مددا" يستوعب تسجيلها:"قل لو كان البحر مدادا لكلمات

و"لو أن ما يف األرض من شجرة أقالم والبحر ميده من بعده سبعة أحبر ما نفذت كلمات - 109الكهف:

هكذا فال مداد وال أقالم، ولو كانت حبار العامل وأشجاره، قادرة على أن تستوعب - 27لقمان:- اهللا"

، وهنا يؤكد أن القرآن الكرمي من خالل كلماته وعباراته، حيول العامل إىل )1(ابة"كلمات اهللا تسجيال وكت

1 .259املصدر نفسه، ص

Page 250: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

251

عالمات دالة على مدلوالت ال حصر هلا تفهم يف سياق اآلية املرتبط بالداللة على القدرة اإلهلية أو التهديد

والوعيد.

ومن أجل بيان كيف حيول القرآن الكرمي من خالل ألفاظه وعبارته العامل إىل عالمات، يعود أبو زيد إىل عدة

أمثلة، منها مدلول توظيف كلمة 'اجلبال' يف النصوص القرآين حسب سياقات متنوعة ومتعددة، كما هو احلال

عالمات دالة على القدرة اإلهلية من جهة، وعلى والذي يتبني من خالله أا متثل )∗(يف وصفه للجبال بالرواسي

النعم اإلهلية من جهة أخرى، ميكن أن نفهمها يف سياق املنن والنعم اليت أنعم ا اهللا على اإلنسان، حني تكون

الرواسي اليت تثبت األرض أو األكنان اليت حتمي اإلنسان من هجري الصحراي فيتخذ منه بيوتا، طبقا لقوله

من سورة النحل:" واهللا جعل لكم مما خلق ظالال وجعل لكم من اجلبال أكنانا وجعل لكم 81آلية تعاىل يف ا

سرابيل تقيكم احلر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" فاجلبال هنا إضافة إىل

عم اليت أنعم ا اهللا على وغريمها مما ذكر يف اآليات األخرى، عالمات تقع يف سياق الن لالظالل و السرابي

خملوقاته، من ناحية أخرى يعود أبو زيد إىل فهم اجلبال يف سياق التهديد والوعيد بالعودة إىل سياقاا يف آيات

من سورة احلشر:"لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا 21خمتلفة، منها ورودها يف قوله تعاىل يف اآلية

ك األمثال نضرا للناس لعلهم يتفكرون" هنا تتبني مكانة القرآن الكرمي وحض متصدعا من خشية اهللا وتل

اإلنسان على خشية اهللا املترتبة عن قراءته وتدبره، كيف ال وأن اجلبال من خشية اهللا تتصدع لو أن هذا القرآن

اء يف الفعل جعل، من سورة األعراف "جعله دكا وخر موسى صعقا" هنا اهل43أنزل عليها، وورودها يف اآلية

تعود على اجلبل الذي بفعل جتلي سبحانه وتعاىل له بعد طلب سيدنا موسى عليه السالم رؤيته، أصبح دكا أي

∗أن رواسيمن سورة لقمان يف قوله: "خلق السموات واألرض بغري عمد تروا وألقى يف األرض 10وصف اهللا تعاىل اجلبال بالرواسي يف اآلية

قى يف متيد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كرمي" حيث ورد يف تفسري ابن كثري أن قوله تعاىل:"وأل تها لئال تضطرب بأهلها على وجه املاء.األرض رواسي" يعين اجلبال أرست األرض وثقل

Page 251: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

252

)∗(ترابا، وسقط سيدنا موسى مغشيا عليه من عظمة ما رأى كما ورد يف تفسري ابن عباس هلا،ويورد أبو ."

، يف أن سيدنا موسى طلب من ربه أن يظهر له طبقا لطلب زيد تأويل هذه اآلية يف سياق التهديد والوعيد

قومه، عندما قالوا له "أرنا اهللا جهرة" فأخذم الصاعقة هلول ما طلبوا، وهنا يكون دك اجلبال عالمة ليس على

عظمة اخلالق وأنعمه فقط بقدر ما هي عالمة على هول الطلب وتوعد أصحابه بالعقاب، كما تكون من ناحية

مة على املسؤولية الكربى واألمر اجللل الذي محله اإلنسان خبالفته يف األرض طبقا لقوله تعاىل يف أخرى عال

فأبني أن حيملنها وأشفقن منها اجلبال من سورة األحزاب،"إنا عرضنا األمانة على السموات واألرض و72اآلية

كعالمات تدل على قرب النهاية، ومحلها اإلنسان إنه كان ظلوما جهوال"، يضيف إىل ذلك قراءة اجلبال

من سورة القارعة: "وتكون اجلبال كالعهن 5واقتراب يوم احلساب وحتقق الوعيد يف قوله تعاىل يف اآلية

وهنا بدورها فهي عالمة )1(املنفوش" أي "صارت كأا الصوف املنفوش الذي قد شرع يف الذهاب والتمزق"

التهديد والوعيد الذي يتجه به اخلالق إىل املخلوقني العصاة ألوامره، على هول املشهد يوم القيامة تقع يف سياق

دعوة للمتلقي لتخيلها حىت تنطبع يف وعيه - العهن -الدك–وهي حسب أوصافها السابقة يف القرآن الكرمي

والتام هلا.كموجودات طبيعية دالة على القوة اخلالقة القاهرة اليت جيب على اإلنسان اخلنوع واخلضوع املطلق

يواصل 'أبو زيد' قراءة املوجودات الطبيعية كعالمات كما وردت يف النص القرآين يف سياقتها املختلفة،

القدرة، الوعد، الوعيد...باالنتقال إىل أشكال أخرى منها غري اجلبال، كالليل والنهار يف قوله تعاىل يف اآلية

مبصرة لتبتغوا فضال من آية النهاروجعلنا آية الليلني فمحونا من سورة اإلسراء، "وجعلنا الليل والنهار آيت12

ربكم ولتعلموا عدد السنني واحلساب وكل شيء فصلناه تفصيال" هنا يكون كل من الليل والنهار آيتني

بآيات أخرى هي بدوره مسخرة للبشر، و هي الشمس اليت جعلها اهللا نظرهمسخرتني لإلنسان وترتبطان يف

∗بن عكرمة عن ابن عباس يف قوله تعاىل:"فلما جتلى هنا عدنا إىل 'ابن كثري' الذي روى يف 'تفسري للقرآن العظيم' خبصوص هذه اآلية: قال السدي

ربه للجبل" قال: ما جتلى منه إال قدر اخلنصر، "جعله دكا" قال: ترابا، وخر موسى صعقا: مغشيا عليه " روه ابن جرير.1 .2065، ص4ابن كثري، تفسري القرآن العظيم، مصدر سابق، ج

Page 252: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

253

يف السماء ميثالن عالمات يهتدي ا اإلنسان - مصابيح –والنجوم -النور–لنهار املبصرة، والقمر ضياءا وآية ا

فيعرف طريقه يف الصحراء، وبعد النظر إىل هذه اآليات كعالمات ال يقف عند تأويلها يف سياق النعم، بل

هذه اآليات يفهم مدلوهلا يف يريد فهمها يف سياق دعوة اإلنسان إىل الطاعة والسجود، ألنه يبني أن خمتلف

من سورة فصلت: " ومن آياته الليل والنهار 37سياق نفي األلوهة عن الظواهر الكونية، كما ورد يف اآلية

والشمس والقمر ال تسجدوا للشمس وال للقمر واسجدوا هللا الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون"، هذه اآلية

ملسلمني، يف إطار هذا اآلية يبني أبو زيد حتول الشمس والقمر والنجوم اليت ترفق بالسجدة أثناء تالوا عند ا

إىل عالمات دالة على وجود اهللا وقدرته حسب مدلول خاص وهو نفي األلوهة عنها، أي أا أمارات جيب

من سورة البقرة يف قوله 116السجود خلالقها بدل السجود هلا كما تربزه اآليات األخرى مثل اآلية

:"وقالوا اختذ اهللا ولدا سبحانه بل له ما يف السموات واألرض كله قانتون" أي مصلون ومطيعون، تعاىل

وجاءت اآلية لترد على املشركني واليهود لتؤكد أن هللا "ملك السموات واألرض ومن فيهن، وهو املتصرف

بيد له وملك له" فيهم وهو خالقهم رازقهم ومقدرهم ومسخرهم ومسريهم ومصرفهم كيف يشاء، واجلميع ع

خضوع اإلنسان الذي هو املقصود، الذي ال يدرك 'أبو زيد'أي خاضعون له مما يترتب عنه حسب تصور )1(

إال إدراكها كأشياء ساجدة وخاضعة هلا لكي تكون عالمات على الطاعة واخلضوع هللا وحده ال شريك له

من سورة 50و49ة السالفة قوله تعاىل يف اآليتني وال خملوقاته اليت بدورها تسجد له، يضيف أبو زيد إىل اآلي

وهللا -48- النحل:"أومل يروا إىل ما خلق اهللا من شيء يتفيأ ظالله على اليمني والشمائل سجدا هللا وهم داخرون

" ومها اللتني يهدف إليهما -49-يسجد ما يف السموات وما يف األرض من دابة واملالئكة وهم ال يستكربون

توظيفها يف سياق فهم القرآن الكرمي كعالمات، إىل نفي األلوهة عنهما بإدراك سجودها هللا بدورمها من خالل

وحده، حيث خيرب اهللا تعلى فيهما عن "عظمته وجالله وكربيائه الذي خضع له كل شيء، ودانت له األشياء

1 .152املصدر نفسه، ص

Page 253: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

254

ا وحيواناأن كل ما له ظل يتفيأ ومكلَفوها من اإلنس واجلن واملالئكة، فأخرب اواملخلوقات بأسرها مجادا

أي أن كل ما يف الكون هو خالقه )1(ذات اليمني وذات الشمال، أي بكرة وعشيا فإنه ساجد بظله هللا تعاىل"

خاضع وساجد له وليس إهلا كما اعتقد البعض، والشمس والقمر والنجوم وخمتلف الظواهر الكونية تسبح

بو زيد' من مقام األلوهة الذي كانت تتمتع به عند بعض خبالقها وتسجد له، لذلك جيب زحزحتها يف نظر 'أ

األقوام من الصابئة وعبدة الكواكب، إىل اعتبارها عالمات دالة على موجود أعلى مطلق ال يدرك باحلواس وال

باألبصار، وهو ما عربت عنه يف نظر فيلسوفنا قصة سيدنا إبراهيم، اليت كانت مبثابة متثيل رمزي، يرفض أن

هر الطبيعة آهلة ويعتربها أمارات تدل على وجود إله أعظم وداللة على سقوط ذرائع املشركني كما تكون ظوا

من سورة األنعام يف قوله تعاىل:"فلَما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ريب 79إىل76وردت يف اآليات من

فلَما أفَل قال لئن مل يهديين ريب فلَما رءا القمر بازغا قال هذا ريب - 76 - فلما أفَل قال ال أحب اآلفلني

فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ريب هذا أكرب فلما أفلت قال يا قوم إين - 77 -ألكونن من القوم الضالني

إين وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض حنيفا وما أنا من املشركني"، يف - 78-بريء مما تشركون

، رأى سيدنا -جن–يتبني أنه الليل عندما يغشى األشياء ويسترها هذه اآليات كما ورد يف تفسري ابن كثري

كوكبا أي جنما، اعتباره ربه لكن سرعان ما ذهب وغاب، قال ال أحب اآلفلني أي - عليه السالم - إبراهيم

أي املنري الطالع اعتربه هو الرب لكن سرعان ما أفل هو - بازغا–األشياء اليت تزول، وملا رأى القمر طالعا

اهلداية، فيترتب عن ذلك رؤيته للشمس كجرم أكرب جعلته -عليه السالم - بدوره، وهنا يطلب سيدنا إبراهيم

يعتقد أا هي الرب بدورها لكن سرعان ما تأفل هي كذلك، وهنا ينتهي به املطاف إىل اإلقرار أنه خيلص دينه

عن رحلة معرفية بدايتها اهللا سبحانه وتعاىل الذي يساعد 'أبو زيد'ويفرد عبادته هللا وحده، وهو ما يعرب عند

على اكتشاف طبيعة الوجود بوصفه عالمة أو جمموعة من العالمات حتيل - عليه السالم–سيدنا إبراهيم

1 .1034صدر نفسه،ص امل

Page 254: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

255

الواحدة إىل األخرى وفق حركة تصاعدية وصوال إىل الداللة الكلية وهي وجود اهللا تعاىل وضرورة عبادته

شريك له. والسجود له وحده ال

من خالل كذلك يتم عند 'أبو زيد' احلديث عن الظواهر الكونية املوظفة يف القرآن الكرمي كعالمات، و

بيان أن هناك حكمة وعالمة ترتبط بتوظيفها يف القرآن الكرمي وبأمهيتها عند اهللا، قد ترتبط حبكم أا كانت

حيث يواصل قراءا دائما يف ضوء اعتبارها مدلوال على موضوعات للتأليه والعبادة عند الكثري من األقوام،

نفي األلوهة عن الظواهر الكونية، حني يبني أا على الرغم من أمهيتها وعظمتها عند اهللا كما تظهر يف قسمه

تعاىل ا، مثل الشمس والقمر والنجوم الذين أقسم اهللا م يف آيات خمتلفة، بالشمس والقمر يف قوله يف اآلية

من سورة 1" وبالنجم يف قوله يف اآلية - 2-والقمر إذا تالها - 1-من سورة الشمس:"والشمس وضحاها2و1

النجم: "والنجم إذا هوى" ومبواقع النجوم يف قوله:"وإنه لقسم لو تعلمون عظيم"، إال أن تلك األوصاف اليت

إىل آيات أخرى تؤكد أن كذلك تلحقها ا اآليات ليست عالمات على قوا وألوهيتها، ولبيان ذلك يعود

يقرأ العالمات يف القرآن يف سياق بنيته الكلية يف إطار الترابط بني العالمات يف آيات متنوعة من سور خمتلفة،

تظهر يف مثال الشمس والقمر والنجوم يف آيات أخرى تؤكد أن مصريها االضمحالل والزوال واالنطفاء

وإذا النجوم - 1-من سورة التكوير "إذا الشمس كورت2و1 يف اآلية واألفول، كما هو احلال يف قوله تعاىل

انكدرت" وهنا كما ورد يف تفسري ابن كثري، "قال علي بن أيب طلحة عن ابن عباس "إذا الشمس كورت":

يعين أظلمت. وقال العويف عنه: ذهبت. وقال جماهد اضمحلت وذهبت...وقوله تعاىل: وإذا النجوم انكدرت

فحسب هذا التفسري الشمس تظلم ويذهب ضوءها وتضمحل وتذهب عن األنظار، وتتناثر )1(أي تناثرت"

يف - بيان تعرض الظواهر الكونية للزوال–النجوم وتتغري، ويضيف أبو زيد آيات أخرى تقع يف نفس السياق

سف وخ- 7- من سورة القمر:"فإذا برق البصر 9و8و7رجوعه إىل آيات أخرى منها قوله تعاىل يف اآليات

1 .1994املصدر نفسه، ص

Page 255: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

256

واليت بني من خالهلا أن خسف الشمس والقضاء على ثنائية الليل -9- ومجع الشمس والقمر - 8-القمر

والنهار وما يرتبط ما من الوجود اإلنساين هو املدلول الوارد فيها، وهذا ما ال خيتلف كثريا مع تفسري ابن

ع وحتار وتذل من شدة األهوال ومن عظم ما كثري لتلك اآليات، والذي مفاده "األبصار تنبهر يوم القيامة وختش

نشاهده يوم القيامة من األمور.وقوله تعاىل:"وخسف القمر "أي ذهب ضوءه "ومجع الشمس والقمر" قال

حيث ننتهي هنا إىل أن الشمس والقمر والنجوم هي آيلة للزوال يوم القيامة كما تدل على ) 1(جماهد كورا"

ا عند اهللا تعاىل وقسمه ا، وهو ما جيعل أبو زيد يعتربها عالمات متعددة ذلك اآليات على الرغم من مكانته

وخمتلفة وإن قرأها يف سياق واحد يتضح يف نفي األلوهة عنها وهنا قد يكون وفيا لنظرته القائمة على هناك

الكواكب عالقة جدلية بالنص والقرآين والواقع يفهم ويؤول يف سياقه، الذي يبدوا هنا أنه الرد على عبدة

واملشركني والصابئة واملنجمني الذين اعترضوا دعوة الرسول صلى اهللا عليه وسلم رافضني عبادة اهللا الواحد

والعابدين للكواكب والنجوم.

قد يكون مرتبطا باهلرمينوطيقا اليت هلا النصيب األوفر يف 'أبو زيد'ولكن السياق السالف ذكره عندما يطرحه

ذكره، بينما فهم دالالت الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم واجلبال واألار عندما أحباثه كما أسلفنا

النص القرآين يف وتوسع جمال تأويلعلىعلم العالمات يطرحها يف إطار السميوطيقا، تفتح أفاقا جديدة

الت الليل والنهار "تتعدد دال أيحيث تتعدد دالالت الظواهر الطبيعية كعالمات يف القرآن الكرمي، ميدانه،

عالمات للنفع فهيوالشمس والقمر والنجوم، فكذلك هي عالمات يهتدي ا اإلنسان يف طريقه وسريه،

واهلداية، ليال وارا، وهي من جانب آخر عالمات على قدرة اخلالق الواحد الذي يسخر هذه اآليات نعمة

ينة مجالية، وهي من جانب رابع خطر حييق لإلنسان أو يسخرها لتهديده ووعيده، وهي من جانب ثالث ز

، فقراءة الظواهر الطبيعية: الليل والنهار )2(بالشياطني الذين يسترقون السمع لنقل أسرار الكهنة إىل السماء"

1 .1970املصدر نفسه، ص

2 .262أبو زيد نصر حامد، النص والسلطة واحلقيقة، مصدر سابق، ص

Page 256: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

257

والشمس والقمر والنجوم واجلبال واألار ،كألفاظ مذكورة يف النص القرآين بصيغ شىت ويف سياقات خمتلفة

الالا يف إطار فهمها كعالمات كونية ككلمات إهلية جيب على املتلقي هلا أن يفتح ا يؤكد على تعددية د

أفاق للمعرفة ال حتدها حدود، ألا كلها عالمات للتأمل والنظر واالعتبار على مستويني القرآن الكرمي كألفاظ

مكتوبة والوجود الكبري وما حيمله من أشياء توازي تلك األلفاظ.

، ندرك أا تعكس أمهية 'أبو زيد'ثنا عن العالقة بني علم العالمات والنص القرآين عند يف ختام حب

'آية'السميولوجيا الكربى يف فهم النص القرآين، وتفتح أفاقا واسعة الستثمارها يف بناء قراءة فعالة له، ولفظ

الذي يطلق على العبارة القرآنية ويتكرر فيها وثيق الصلة بعلم العالمات ، ألنه على حنو ما ورد يف لسان

، كما أنه يتكرر يف النصوص القرآنية، كما هو احلال يف اآليات التالية:" ومن آياته أن )1(العرب "اآلية: العالمة"

ته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ومن آيا - 20-خلقكم من تراب، مث إذا أنتم بشر تنتشرون

ومن آياته خلق السموات واألرض - 21- وجعل بينكم مودة ورمحة إن يف ذلك آليات لقوم يتفكرون

ومن آياته مناكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من - 22- واختالف ألسنتكم وألوانكم إن يف ذلك آليات للعاملني

ومن آياته يريكم الربق خوفا وطمعا ويرتل من السماء ماء - 23- عونفضله إن يف ذلك آليات لقوم يسم

ومن آياته أن تقوم السماء واألرض بأمره مث - 24-فيحي به األرض بعد موا إن يف ذلك آليات لقوم يعقلون

يف هذه اآليات ندرك أن اهللا جعل الكون آيات دالة )2("-25-إذا دعاكم دعوة من األرض إذا أنتم خترجون

عظمته وقدرته ترتبط باخللق من التراب، واخللق من جنس الذكر أنثى يسكن إليها، وخلق السماوات على

واألرض واللغات وألون الناس بأشكال ال حتصى وال تعد، وجعل النوم بالليل والنهار، ورؤية الربق، وقيام

لة إىل مناذج ملخلوقات ال السماء واألرض بأمره، وكلها آيات أي عالمات على قدرة اهللا، وما هذه األمث

حتصى وال تعد كلها أمارات على قدرته وعظمته تعاىل، تدرك عندما نتدبر ألفاظ القرآن كعالمات هلا ما

1 .57، ص 8ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج

من سورة الروم.25إلى ا�ية 20قرآن كريم، من ا�ية 2

Page 257: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

258

يف -آية–يقابلها يف الوجود من عالمات كونية ذات مدلوالت متنوعة وخمتلفة، وهذه األمهية اليت حيملها الدال

اه يف عالقة السميوطيقا بالنص القرآين عند أبو زيد، عن نظرية واعدة تعرب على حنو ما اكتشفن القرآن إمنا

ت المازالت يف بدايتها تعكس أعلى درجات النظر والتدبر التفكر وغري ذلك من عالمات العقلنة اليت ما ز

ثري من غائبة يف التعامل مع القرآن الكرمي يف اخلطاب اإلسالمي، ومن شأنه السيميولوجيا اليت ينبذها يف الك

األحيان كعلم أجنيب أن تفتح له أفاقا جديدة هو يف حاجة ماسة إليها اليوم.

يف آخر هذا الفصل اخلاص بالنص القرآين وآليات الفهم املعاصر عند 'نصر حامد أبو زيد'، ندرك أنه صاحب

مسرية ثرية ورائدة يف التعامل مع املوضوع، قامت على ما يلي:

والتأويل، حيث أرسى دعائم دراسة تأويلية جديدة للنص القرآين "تنتقل من الداللة البحث يف ثنائية النص -

اللغوية للنص إىل تأويل النص الديين...وتنتقل الدراسة من التأويل يف القرآن إىل النص يف تعريفه املعاصر

انت تلك العالمات كسلسلة من العالمات املنتظمة يف نسق من العالقات تنتج معىن كليا حيمل رسالة سواء أك

نصا لغويا، الكرمي يعتربه للقرآن اجديد ا، وبالتايل أسس تصور)1(باللغة أي األلفاظ وبأي إشارات أخرى"

يقوم على تأويله تأويال معاصرا يستفيد من اللسانيات واهلرمينوطيقا ،ربطه بنمط جديد من الفهميو

والسميوطيقا.

البحث يف ماهية النص القرآين كأرضية ومنطلق حني يعتربها أساس تطبيق اآلليات اجلديدة يف ميدانه، -

وجوهرها اعتبار القرآن الكرمي نصا لغويا مركزيا يف حضارتنا العربية اإلسالمية وجزءا من الثقافة العربية

ع ويفهم يف سياق جتديد مفهوم الوحي وتراثنا اإلسالمي يتشكل يف إطار جدلية العالقة بني النص والواق

القرآين كظاهرة غري متعالية أو مفارقة للواقع تزحزح من القداسة إىل الدراسة العلمية.

1 .495، ص 2009لقاهرة، مصر، د ط، حسن حنفي، حوار األجيال، املكتب املصري للمطبوعات، ا

Page 258: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

259

اعتبار اهلرمينوطيقا آلية حمورية يف قراءة النص القرآين، ميكن التأصيل هلا بصورة عميقة يف تراثنا اإلسالمي -

هلا مث يف آراء أهل الرأي مث يف آراء املعتزلة 'بن عباس'من استعمال الصحايب بالبحث يف تواجدها فيه انطالقا

واملتصوفة وامتدادات تلك اآلراء يف الفترة احلديثة إىل غاية الدعوة إىل تأويلية إنسانوية متفتحة تنفتح على

خمتلف املناهج يف قراءة النص القرآين الكرمي وتنظر إليه كخطاب.

وجيا من األدوات الطموحة يف فهم النص القرآين، أسست لقراءته كعالمات وهي اعتبار السيميول -

يف قراءته للنص القرآين -ابن عريب حتديدا–بدورها متأصلة يف تراثنا يف نظره والسيما يف أحباث املتصوفة

االستفادة منها كمواز للوجود يف مستوياته املختلفة، فهي مبثابة نظرية واعدة يف فهم القرآن كعالمات ميكن

يف فهم خمتلف مسائل العقيدة والشريعة يف ظل األوضاع املاضية والراهنة.

يف األخري ميكن القول أن ' أبو زيد'، صاحب آراء جديدة تنري الكثري من دروب موضوعنا تقوم يف جوهرها

اجلديدة يف النص، ولكن ال على النقد والرد على اخلطابات األصولية والرجعية الرافضة لتطبيق آليات القراءة

تكتفي بالنقد عندما تسعى إىل تأسيس مشروع طموح يقوم على التأصيل والتطبيق لكل من اهلرمينوطيقا

والسميوطيقا يف فهم النص القرآين، هذا املشروع بدوره يستمد قيمته من تداعياته اليت ال نبالغ إن قلنا أا يف

ية للنص القرآين، هي األكثر إثارة باملقارنة مع أقرانه من طرحوا هذا مشروع 'أبو زيد' يف بناء قراءة حداث

يف فهم النص القرآين عند 'أبو زيد' وخمتلف دعاا اليوم؟اآلليات املعاصرة تطبيق تداعياتاملوضوع، فما

Page 259: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

260

Page 260: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

261

Page 261: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

الفصل اخلامس: تداعيات تطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين.

توطئة

.تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآينلرؤية نقدية املبحث األول:

.إبداع موصول يف قراءة النص القرآين عند 'طه عبد الرمحن': حنو املبحث الثاين

.لربط بني النص القرآين وأدوات الفهم املعاصرل:رؤية استشرافية املبحث الثالث

Page 262: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

261

الفصل اخلامس: تداعيات تطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين.

، بل ال ضري يف أن يتعرض النص القرآين مبوجب أشكاله التعبريية إىل بعض ما تتعرض له النصوص البشرية من تأويالت متنوعة وحتليالت متفاوتة"

ضمون ، وهي األصل فيها ويتصدر هذه املضامني املواستنتاجات متضاربة، لكن ليست اآليات القرآنية جمرد أشكال التعبريية، وإمنا مضامني تبليغية

.)199" (طه عبد الرمحن، روح احلداثة، ص العقدي

توطئة:

ال ميكن بناء دراسة فعالة وهادفة للعالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر، ما مل نتطرق إىل تداعيات

تلك ، نظرا لصلةللقرآن الكرمي أو احلداثية يف خمتلف القراءات املعاصرة ذه اآلليات اجلديدة ه تطبيق

، )∗∗(وانعكاساا على واقع املسلمني راهنا ومستقبال)∗(التداعيات بواقع التعامل مع اخلطاب القرآين اليوم

يف إطار املتأخرة فهمال أدواتخمتلف الفالسفة املعاصرين إىل فهم النص القرآين ب اتأفرزت دعو حيث

من جهات خمتلفة كالفقهاء ردود فعل حادة وانتقادات الذعة، له، تأسيسهم ملا تسمى بالقراءات احلداثية

والعلماء وحىت الفالسفة أحيانا، ومن جوانب خمتلفة كأرضيتها، وتبيئتها، ومفاهيمها، وكيفية تطبيقتها،

...مساسها بقداسة النص، قيامها على االنتقاد دون االعتقاد

يف طرح موضوعنا، ألا ذات صلة مباشرة مبستقبل حباجة إىل اإلثارةهذه االنتقادات ،من دون شك و

نظرة جديدة دعا حيث تعرب عن ردود فعل حادة على تطبيق أدوات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآين،

جتسدت فيما ،هز عرش اخلطاب الديين الكالسيكي زلزاال مثلتإليها رواد القراءات احلداثية للقرآن الكرمي

يد على واقع التعامل اخلطاب القرآين اليوم ال يزال يمن عليه استخدام اآلليات الكالسيكية كأدوات استخراج معانيه ومضامينه، وهناك جم شد ∗

نصار اآلليات الكالسيكية يف قراءته ورواد األدوات كل احملاوالت الداعية إىل استخدام األدوات املعاصرة يف فهمه، يتجسد يف املعركة طاحنة بني أهو املعاصرة يف فهمه، الذي انعكس على الواقع العام للمسلمني يف ظل تبلور صراعات حادة بني تيارات خمتلفة، واحدة أصولية ورجعية ترفض ما

واقفها املشدودة إىل العصر وما حدث فيه من تطورات عصري يف التعامل مع النص الذي ميكن اعتباره هو حمور الصراع، وأخرى علمانية تتمسك مب على مستوى العلم والواقع يف فهم القرآن الكرمي.

معه ال ميكن إنكار أن واقع املسلمني اليوم تسوده صراعات شىت وفتنا وصلت إىل حد االقتتال، يعترب تأويل النص مركزها ملا ترتب عن التعامل ∗∗وهو جعل آخرون يرفعون سالح جتديد فهم النص وآليات قراءته وفق -ختلف، إرهاب...–العامل اإلسالمي من تطور سليب يف الوقائع يف

املستجدات قوبل بالرفض والتهجم الشديد لدرجة تكفري وسفك دماء هؤالء اددين.

Page 263: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

262

وانتقادات وتكفري وحترمي...حاق بآراء وأفكار دعاة استخدام آليات الفهم املعاصر يف فهم تداعيات أثارته من

الدينية بل يف املؤسسات ،يف املؤلفات اليت تنبذها وترفضها يف حسبومل تظهر تلك الردود النص القرآين،

واجلماهريية بات الرمسية وليس من طرف اخلطابات الدينية والفقهية بل حىت من اخلطا كذلك، ووسائل اإلعالم

حسن 'و 'اجلابريو' 'أبو زيد'و 'أركون'اليت االت بالنقد الالذع على رؤى روادها من أمثال ،)∗(واألكادميية

.، لدرجة اام هؤالء بالردة واملروق عن الدين'...حنفي

انعكاساا على الراهن وحسب إفرازاا إذن من دون شك تستحق هذه الوقفة النقدية التفصيل والتحليل،

يف جانبيه الواقعي والعلمي، ولذلك سنفصلها يف العناصر التالية: - خصوصا- العريب واإلسالمي

،نطرح فيها نقائص ونقائض القراءات احلداثية: تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآينلرؤية نقدية - 1

.خدام آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآين مركزين فيها على معوقات ونقائص دعواا إىل است

: أردنا من خالله أن نعود إىل نقد أحد 'طه عبد الرمحن'يف قراءة النص القرآين عند موصول إبداع حنو - 2

الذي قدم رؤية جديدة 'منوذج طه عبد الرمحن'، باعتماد للقرآن الكرمي املشتغلني بالفلسفة للقراءات احلداثية

وفيا ملا هو كالسيكي ومواكبا ملا هو معاصر، وجامعا بني كان أنهوالسيما ،يستحق االكتشاف اخاص اونقد

العقدي.، النقدي والفلسفي والديين والنقلي، العقلي

: أردنا أن نثري فيها تطلعات جديدة للربط بني القرآن الكرمي وأدوات الفهم املعاصرة رؤية استشرافية - 3

لكرمي وأدوات الفهم املعاصرة، بفتح جمال ربط هذه األخرية بالنص القرآين على أفق أرحب للربط بني القرآن ا

وأوسع، باالستناد على آراء باحثني معاصرين فتحوا مسالك جديدة لالستفادة من املناهج املعاصرة يف قراءة

النص القرآين بصورة أكثر عقالنية وفعالية.

دم األدوات املعاصرة يف فهم النص القرآين.عقدت ندوات وملتقيات يف كليات الشريعة املختلفة، حتذر من خطر القراءة احلداثية اليت تستخ ∗

Page 264: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

263

ليات املعاصرة يف قراءة النص القرآين.تطبيق اآللملبحث األول: رؤية نقدية ا

، إن نقل آليات القراءة املعاصرة إىل جمال القرآن الكرمي، لقي نقدا الذعا من طرف الكثري من رجال الدين

اهلرمينوطيقا والتحليل البنيوي والدراسة السيميائية واألنثربولوجية الذين رفضوا رفضا شديدا إقحام كل من

حبجة متايز هذا األخري عن النصوص اليت طبقت فيها، وبذريعة مساسها ، يف فهم النص القرآين والتفكيكية...

'أركون'روادها من أمثال إذ هامجوا بقوة آراء، بقداسته وانتهاكها حلرمته و عدم مالئمتها للغته وبيئته...

حمل قراءة النص القرآين،ما جعل تطبيق اآلليات املعاصرة يف، وهو ' و'اجلابري' و'حنفي'...أبو زيد'و

االنتقادات اليت وجهت إىل دفعنا إىل التساؤل: ما هي ي، ونقد الذع حيمل الكثري من اإلثارة مؤاخذات خمتلفة

نقلها من النصوص البشرية إىل النص القرآين ال يعترب؟ أالكرمي استخدام املناهج اجلديدة يف قراءة القرآندعاة

؟ أال تنتهي إىل اإلساءة كنص ديين موحى به هومميزات هالسيما إن كان يهمل خصائصحمفوفا باملخاطر واملزالق و

إليه باعتباره نصا إهليا مرتها عن التحريف والغفلة والنسيان إذا كانت ال متيزه عن النصوص البشرية اليت توجد

فيها تلك الصفات ال حمالة؟

قراءة النص القرآين، على مجلة مؤاخذات أحلقها رجال تقوم الرؤية النقدية لتطبيق أدوات الفهم املعاصرة يف

الدين على وجه اخلصوص بالقراءة احلداثية أو الفلسفية املعاصرة للقرآن الكرمي وأمهها:

نقد األرضية أو املنطلقات اليت اعتمدا القراءات املعاصرة: -1

قراءة النص القرآين هو يئة أرضية كما الحظنا سابقا فإن الشرط األول لتطبيق اآلليات املعاصرة يف

مفاهيمية جديدة خاصة ومتميزة حول الوحي القرآين، ترتب عنها اعتبار القرآن الكرمي نصا عاديا وظاهرة

وخطابا، وعدم وجود متايز بني وبني غريه من النصوص الدينية والبشرية، إضافة إىل القول بتارخييته وأنسنته...،

ولكن هذه األرضية اجلديدة لقيت نقدا شديدا من ، ق آليات الفهم املعاصرة يف فهمهلتطبي كمنطلقات جوهرية

Page 265: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

264

أهم النقاط طرف الكثري من النقاد، وتعترب اليوم أهم معوقات تطبيق املناهج املعاصرة يف قراءة النص القرآين، و

عدة زوايا هي: على قراءة القرآن الكرمي بأدوات الفهم املعاصرة مناليت أمطرت وابال من النقد

لقي رواد القراءات املعاصرة تصور القرآن الكرمي ظاهرةً عند خمتلفظاهرة: الكرمي بالالقرآن نقد وصف - أ

"يوهم القارئ بأن األمر يتعلق بكتاب عادي من بني الكتب اليت أدرج نقدا شديدا من أطراف خمتلفة، ألنه

احلقيقة إذ شتان بني كالم اهللا وكالم البشر شتان بني موضوعاا يف تلك الظاهرة، وليس األمر كذلك يف

، - طبيعية أوبشرية- الكون يفتلف عن الظواهر األخرى اليت حتدث خيال حيث جيعله )1(الوحي وحماولة الفهم"

فهي متثل وصفا ال يتناسب مع الوحي القرآين عند الكثريين، باعتباره من أنباء الغيب كما جاء يف القرآن

وغريه القرآينالوحي يكون مسوغا لعدم التمييز بني وتنكر لغيبية الوحي القرآين، الظاهرة قد يصطلح ومالكرمي

الظاهرة قد تؤديفكرة كما بدا يف تصورات 'ابن نيب'، وأركون'.... كما أن من الظواهر الطبيعية والكونية

اهدا وهذا ال يتناسب مع الوحي، يف صناعة أحداث ميكن مالحظتها ومش تدخل الرسول البشر يف الوحيإىل

وبالتايل جعل القرآن الكرمي ظاهرة كشرط جوهري إلخضاعه إىل األدوات املعاصرة، يترتب عنه املساس

بقداسته وغيبيته وتعاليه يف إطار ضمه إىل جمموع الظواهر الكونية األخرى وعدم متييزه عنها من دون شك

.سيكون غري مقبول من الكثري من األطراف

نقد ربط الوحي القرآين باإلهلام والرؤى الصادقة: لقي ربط الوحي القرآين باإلهلام والرؤيا عند رواد - ب

اآلليات العاصرة نقدا شديدا، ألنه امتداد ملا ذهب إليه املستشرقون، حيث أن اعتباره عند بعض الفالسفة مثل:

يتلقاه النيب يف القلب مث حيوله إىل رسالة لغوية، مستندا يف ضربا من اإلهلام والرؤيا الصادقة من قبيل 'أبو زيد'

اليت روت أن الرسول صلى اهللا عليه وسلم كان يتلقى الرؤيا الصادقة يف بداية 'عائشة'ذلك على آراء السيدة

ن ، ص البكاري عبد السالم والصديق بوعالم، الشبه االستشراقية يف كتاب ملدخل إىل القرآن الكرمي، الدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت لبنا 1

29- 30

Page 266: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

265

ميثل تصور لقي نقدا شديدا وردود فعل حادة، ألنه يرتل الوحي من السماء إىل األرض ويزحزح الوحي،

ه.قداست

جعل النص القرآين مماثال لغريه من النصوص هو عدم التمييز بني القرآن الكرمي والنصوص البشرية: نقد- ب

بني القرآن بدوره أهم شرط تطبيق آليات القراءة املعاصرة، كاهلرمينوطيقا والسميوطيقا...، لكن هذا اخللط

قد يكون سلبيا وغري مراع غري دينية وغريه من النصوص سواء أكانت دينية ملحقة أو فلسفية وأدبية

وحطت من عصفت بآراء رواد اآلليات املعاصرة وهو ما أثار زوبعة نقدية ،خلصوصياته يف نظر الكثريين

من أهم اآلراء اليت لقيت النقد الالذع يف ، وجلعل القرآن نصا كباقي النصوص شأا، حمورها الرفض الشديد

مؤكدا أنه جزء من الثقافة العربية وال ،نتقد تصور األسالف للوحي القرآيناالذي 'أبو زيد' هذه النقطة، آراء

"هذا مفهوم للوحي ميكن أن جنده يف الشعر كما جنده يف القرآن نفسه" خيتلف عن اإلهلام يف الشعر...مصرحا:

تعويضه بأمساء ب، وصمن النص غري خمالف ملا ألفه البشراليت تصب يف جعل النص القرآين ، وآراء 'أركون')1(

)2(" 'اخلطاب النبوي'النص الرمسي املغلق ' 'املدونة النصية التأسيسية'" نقدا كبريا كقوله: أثارت أخرى،

، لكي جيعلها مثل العبارات البشرية، )3(لآليات القرآنية 'العبارات النصية القرآنية'مصطلح واستخدامه

القداسة اليت يلحقها املسلمون بالقرآن صفة ضرب و حزحة يظهر يف ز هنا يكون مقصودا وهدفه يف ذلك

يدعوا إىل جتريده عن صفات األلوهية والتعايل ورفض اختزاله يف املصحف، وهذه تصورات تثري كما الكرمي،

الكثري من االستغراب، والسيما عندما تقوم على وجود هوة شاسعة بني الوحي والقرآن كمصحف مدون

وبصورة عامة جتاهل الكثري عثمان بن عفان رضي هللا عنه بعد حرق املصاحف األخرى، بصورة رمسية يف عهد

من رواد القراءات احلداثية لتعايل الوحي القرآين الذي ترتب عنه جعل النص غري خمتلف عن النصوص البشرية،

.32أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص، مصدر سابق، ص 1 .149، 148 واستحالة التأصيل، مصدر سابق، ص أركون حممد، الفكر األصويل 2 .138املصدر نفسه، ص 3

Page 267: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

266

خصوصيات هو جتاهل خلصوصياته، يترتب عنه وجود أرضية هشة لتطبيق أدوات القراءة يف فهمه، مل

.املوضوع حلساب أولوية املنهج

عندما نرجع إىل األرضية اليت تتحرك فيها الدعوة إىل التطبيق عدم التمييز بني الديانات واألقوام:نقد - ج

بالتراث الكلي يسمىاآلليات املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي عند خمتلف روادها، جندها تتحرك يف إطار ما

تتنكر خلصوصياته واختالفه عن حيث يف ما يعرف عندهم بالظاهرة الدينية، الكرمي وتسعى إىل قراءة القرآن

، حبيث تنتهي إىل جعل "القرآن نصا دينيا مثل أي نص ديين آخر توحيديا كان أم وثنيا" ...اإلجنيلو التوراة

، منها قوله: " إن بنية امليثاق يف القرآن كما قي التوراة يف عدة تصرحيات 'أركون'، وهو ما يظهر عند )1(

، حبيث يتعامل مع )2(واإلجنيل متثل اإلطار والطريق اإلجباري من أجل حتقيق شروط النجاة يف اآلخرة"

الديانات والسيما السماوية منها، على أا تشترك يف املنطلقات، واملرجعيات، واألهداف، ومبوجب ذلك ال

يدعو إىل حتقيق نفس القطيعة و، يف قراءته املسلمني والنصارى واليهودديانات كل من مييز بني

االبستيمولوجية اليت أحدثتها أوربا مع العقل الالهويت يف العصور الوسطى، كسبيل لتحقيق النهضة واحلداثة،

حني ال يستطيع أحدنا يف وكأن هناك جتانس بني اإلسالم والديانات األخرى، واملسلمني واألقوام اآلخرين

بدوره أثناء 'اجلابريكما أن ' انكار اختالفها واختالف ديانتها والكتب املؤسس هلا على وجه التحديد،

حديثه عن الوحي القرآين يقيم يف الكثري من املناسبات مقارنات بينه وبني النصوص الواردة يف التوراة واإلجنيل

يف عرضه لقصة آدم وإبليس اليت اعتمد عليها يف قراءة سورة دون مراعاة كوا حمرفة، كما هو احلال

حيث يصرح أن " 'املدخل إىل القرآن الكرمي'من كتاب 293األعراف، كما يتجلي يف تعليقه يف آخر الصفحة

اسم إبليس مل يرد يف التوراة بل ورد اسم احلية أو التنني فهي اليت أغوت حواء باألكل من الشجرة احملرمة، أما

األناجيل فقد ورد اسم إبليس أو الشيطان على أنه هو احلية ذاا، على أين مل أعثر يف التوراة واألناجيل على يف

.183طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 1 .83أركون حممد، أين هو الفكر اإلسالمي املعاصر، مصدر سابق، ص 2

Page 268: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

267

وبالتايل يعتمد عليها كأا تصورات متماثلة ويتحاشى التصريح )1(ما يشبه قصة أمر املالئكة بالسجود آلدم"

ببشريتها أو حتريفها.

انطالقا من العالقة بني عامل الغيب سطورة وعدم متييزه عن ظواهر الكهانة والشعر: وصف القرآن باألنقد -د

وعامل الشهادة اليت يتأسس عليها القرآن الكرمي، ينطلق رواد القراءات املعاصرة يف بنائها على عالقة مماثلة لليت

، ذو بنية أسطورية متعالية، ومما أن النص القرآين 'أركون'يقيمها الناس العاديون مع العامل اآلخر، إذ يرى

وقد لقيت نقدا شديدا حىت وإن ربطها بالقصص الشك فيه أن هذه الفكرة استقاها من الفكر األورويب،

يف جمال القصص عن مفهوم األسطورة يف تصورها الغريب، كقصة إهلية خيتلف الكرمي ألن القرآن القرآين،

فيحلل ظاهريت الشعر والكهانة والنبوة وكأا 'أبو زيد'أبطاهلا اآلهلة وأنصاف اآلهلة تعرب عن واقع معني، أما

بوة والكهانة بني أن كالها تعرب عن االتصال بني البشر والعامل اآلخر، حيث يقارن بني النيظواهر متماثلة، ل

يتخذ هذه حيث ليؤكد أن كالمها عملية اتصال بني مستويني وجوديني خمتلفني يؤديان إىل معرفة بالغيب،

ومما الشك فيه أنه هناك اختالف ،املقاربة للدفاع عن موقفه يف أنسنة الوحي وجعله ظاهرة ثقافية غري متعالية

بدوره 'اجلابري'ا ورد يف النصوص املرتلة، وأخريا عميق بني الوحي الذي هو ليس بقول شاعر أو كاهن كم

.'أركون'حني ينفي عن القصص القرآين التارخيية هو بدوره ال مييزه عن األسطورة اليت قال ا

ىل القول بتارخيية النص القرآين، إيذهب خمتلف رواد القراءات املعاصرة :النص القرآين القول بتارخييةنقد - ه

'أركون'لظواهر التارخيية األخرى، إذ يرى اجمموعة من احلوادث والوقائع، تدخل يف إطار وباعتباره حدثا أو

بغريه من الديانات الكرمي القرآن من خالله ، يربط هشامل لجديد وأنه مؤرخ ممتاز للوحي ويبحث يف تاريخ

جيعل تعددها منطلقا كما أشرنا سالفا، ويطرح مسألة القراءات دون تفريقها عن النص القرآين األصلي حني

وحتدث من ناحية أخرى )2(هو من سعى إىل "التوفيق بني خمتلف نسخ النص القرآين 'الطربي'لتعدده، ويبني أن

.293اجلابري حممد عابد، املدخل إىل القرآن الكرمي، مصدر سابق، ص 1 .152، ص - من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين-حممد، القرآن أركون 2

Page 269: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

268

عن أسباب الرتول وبني أا هي من تعكس تارخيية النص القرآين وتفهم اآليات حسب الوقائع، لينتهي أن

كليا، ملاذا؟ ألا تنتمي إىل السياقات اجلديدة املبلورة من بعض املفسرين فيما بعد جعلوها "مضللة وخادعة

فهي يف نظره تتماشى وفق ) 1(أجل تلبية حاجات الذاكرة اجلماعية (املدعوة بالتراث احلي) لكل فرقة إسالمية

إيديولوجية املفسرين، وينتهي مبوجب ذلك إىل رفض أفكارهم واإلحلاح إىل العودة إىل الفترة األوىل للوحي،

وإعادة اكتشافها بالتركيز على املهمش وغري املدون أو الشفهي الذي يعكس حقائق مبعدة تعسفا، جتعل

فيلسوفنا يتشكك حىت يف النص األصلي وهو املصحف، وهنا تكون إعادة البحث يف الوقائع باسم التارخيية

متردا على القداسة والتعايل كمميزات جوهرية للوحي القرآين.

تكون التارخيية عنده حتتوي الكثري من التذبذب واالضطراب، وتبقى وفية للرؤية التجزيئية اليت 'اجلابري'أما

بني وقائع غري تارخيية متثل القصص القرآين، وأخرى تارخيية تتعلق بالدعوة احملمدية، فيهاتتميز ا، إذ يفرق

آن، ونثبتهما ألحداث الدعوة احملمدية اليت " جيعلنا ننفي التارخيية والصدق عن قصص القرفإنه وذا التفريق

)2(يستقيم منهجا علميا بل ال جيوز شرعا" ال-حفظتها السرية

يف اعتماد آليات الفهم املعاصرة القراءات املعاصرة األرضية اليت انطلقت منها هذه بعض اخلصائص اليت ميزت

نص ال خيتلف عن النصوص البشرية من التعامل مع القرآن كظاهرة ال ختتلف عن الظواهر األخرى، وك يف

تعترب يف نظر خمتلف رجال جهة والنصوص الدينية احملرفة خيضع لتاريخ احلوادث وغريها من اخلصائص اليت

كالم اهللا الذي أنزله "متس القرآن كوحي إهلي ميثل الدين وحىت بعض الفالسفة من أمثال 'طه عبد الرمحن'،

سلم باللفظ واملعىن، بواسطة جربيل، املتعبد بتالوته، وإعجاز اخللق عن اإلتيان على نبيه حممد صلى اهللا عليه و

مبثل أقصر سورة منه، املنقول إلينا نقال متواترا وهو كالم اهللا مرتل غري خملوق، منذ بدأ وإليه يعود، وهو

.37املصدر نفسه، ص 1 .270عبد السالم البكاري، وبوعالم الصديق، الشبه االستشراقية يف كتاب املدخل إىل القرآن الكرمي، مرجع سابق، ص 2

Page 270: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

269

الكتاب النهائي ، ويعترب )1(مكتوب يف املصاحف، حمفوظ يف الصدور، مقروء باأللسنة، مسموع باآلذان"

، وقد يبدوا أن هذا والشامل للحقائق املرته عن الغفلة والنسيان دستور املسلمني يف حيام الدنيوية واألخروية

التصور غري مناسب للدراسة العلمية وجيب جتاوزه لتحقيقها، ولكن جيب عدم التذرع بذلك للدمج التام

.ف النقادللقرآن الكرمي فيما هو طبيعي وبشري يف نظر خمتل

غري واضحة األبعاد واملقاصد: للقراءات املعاصرة الذي جيعلها شكايلنقد الطابع اإل -2

طرح األسئلة املختلفة يرتكزون على هارواد يعترب نقاد تطبيق اآلليات املعاصرة يف ميدان النص القرآين، أن

م ومامقاصد البحث فيها، ال حول القرآن الكرمي دون أي حدود، وال مهم األجوبة عليها والتدليل فيها و

، هذا ما جيعلهم أفكارهم كثريا ما تكون نتائجها وال فعاليتها يف الواقع املناقشة واإلثارة والنقد العندهم

مما جيعلهم هم، والنقد وسيلتهم املثلى، وال يهمهم االعتقاد واإلميانلتشكيك هو منهجفاجعجعة دون طحني،

علن يف أكثر من مرة يف معرض حبثه وحديثه عن مشروعه الفكري أنه ال " ي 'أركون'، فبدون هدف وغاية

عنده يقدم براهني قاطعة على املسائل اليت يعاجلها وال يعطي حلوال أخرية للمشكالت اليت ينظر فيها، بل األمر

فيكثر من األسئلة، 'اجلابري'أما )2(ال يتعدى إثارة النقاش أو شق طرق للبحث طويل وتقدمي فرضيات للعمل"

ويكثر الروايات واإلجابات والتأويالت تصل على حد اخللط وحتري القارئ، وكثريا ما ينتهي إىل رأي مرجح

بصدد حديثه عن نزول اآليات وترتيبها مشككا فيما هو )3(..."جحن نعتقد....حنن نروذايت حينما يصرح "حن

مأثور ، ومن هنا "أال تؤدي طريقته يف الشك مع ترك الباب مفتوحا للتأويالت غالبا وعدم اجلزم جبواب

صحيح إىل تشكيك املسلمني يف عقيدم وغريهم يف املصدر األول لإلسالم: القرآن الكرمي، وكذلك يف السنة

بدوره يلح على البحث يف أسئلة متعددة غري واضحة األبعاد واملعامل منها:ما مفهوم 'أبو زيد'، و)4(النبوية"

.11دربالة إسالم حممود، موسوعة علوم القرآن، مرجع سابق، ص 1 .81حرب علي، نقد النص، مصدر سابق، ص 2 .153اجلابري حممد عابد، املدخل إىل القرآن الكرمي، مصدر سابق، ص 3 .62البكاري عبد السالم والصديق بوعالم، الشبه االستشراقية يف املدخل إىل القرآن الكرمي، مرجع سابق، ص 4

Page 271: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

270

بعلوم اللغة وآراء ويستعنيالوحي القرآين؟ ما مفهوم النص؟ ما هو اإلسالم؟ ما عالقة العروبة باإلسالم؟

بة حمددة، إذ يبني من ناحية أا املستشرقني يف حتليلها مشككا يف مواقف التراث منها، و ال ينتهي فيها إىل إجا

تفهم يف إطار مفهوم النص الذي يعترب القرآن الكرمي ظاهرة ثقافية، ويصرح من ناحية أخرى بأن "البحث يف

لبحث علمي يف مفهوم النص ال يزعم اإلجابة على كل هذه اهلموم والتصدي هلا تصديا شامال، ولكنه بداية

يعود إىل 'مجال البنا'وبالتايل فهو حسب املفكر )1(جمال لقول جديد"جمال شائك يبدوا أنه مل يعد فيه

"ديكارت وفكرة الشك وقد تأثر بصوره مباشرة كأستاذ لألدب العريب بالدكتور طه حسني الذي يعتربه دون

باعتباره متشككا يف معطيات التراث، وطارحا ألسئلة تصل إىل طريقة الالأدريني ).2(مواربة مثله األعلى"

هقراء الكرمي يف نظر الكثريين الرافضني للحقيقة، وبعد حتليل هذه اآلراء ميكن القول أن قراءات هؤالء للقرآن

، وغايتها إشكالية هدفها التشكيك، متحججة بأنه طريق اليقني، ال تستقر على سؤال حمدد واضح وهادف

. ري لكل شيء مبا فيها الدراسة العلميةاالنتقاد ال االعتقاد فهي تفتقر إىل املقصد واهلدف الذي هو ضرو

:أثورالتقليد والقطيعة مع املذاتية والنتقائية واال نقد متيز القراءات املعاصرة بصفات -3

القراءة عندما نعود إىل آراء رواد تطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين، ندرك أم اعتمدوا على

آراء املتكلمني خيتارون م يف خمتلف أفكارهم كما الحظنا يف الفصول السابقة، وذلك أل ،االنتقائية للتراث

والعقلنة والتنوير اإلسالمي، ويف الكرمي ناسبة للقرآناملصحيحة الناهج املفكار و األ هيوالفالسفة على أا

منوذجا واعتربيألصوليني واألفكار واملناهج الكالسيكية اليت وجدت عند الفقهاء وا ونقدتنيمقابل ذلك

للدوغمائية واإليديولوجية، وتذهب إىل أبعد من ذلك حني تعتربها غري صحيحة وغري مناسبة وسببا للركود

والتخلف الذي يعانيه املسلمون، وهذا ما جيعلها ال ختلوا من الذاتية واالنتقائية والتقليد حني تقوم على

زلة والفالسفة كابن رشد واملتصوفة كابن عريب يف التعامل مع القرآن الكرمي االستلهام من آراء املتكلمني كاملعت

.23، مصدر سابق، ص أبو زيد نصر حامد، مفهوم النص دراسة يف علوم القرآن 1 .221ص القاهرة مصر، د ط، ،دار الفكر اإلسالميالبنا مجال، تفسري القرآن الكرمي بني القدامى واحملدثني، 2

Page 272: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

271

وتدافع عنها يف مقابل نقد ورفض اآلراء املعارضة هلا، حيث يشيد خمتلف رواد القراءات املعاصرة من أمثال

قفهم ا، بقراءة هؤالء للسور واآليات القرآنية، ويدعمون خمتلف موا '...اجلابري'و 'أبو زيد'و 'أركون'

وينتصرون هلا على أا هي الصواب، ويدافعون عنها بقوة على أا العلم املهمش واملقصى بصورة تعسفية يف

التراث الكالسيكي، بينما يشددون اللهجة على قراءة أصحاب املأثور وأتباع السلف كابن حنبل وابن تيمية

حممد 'ن دعاة القراءات املعاصرة حسب الدكتور وحىت أصحاب الوسطية كالشافعي و الغزايل، ألن الكثري م

"يسيئون الظن حبجة اإلسالم الغزايل، ويزعمون أنه كان رجعيا، مثل جناية على الفلسفة ∗)1931'(وعمارة

، حبيث )1(العقالنية..بينما يدعون أن ابن رشد كان قمة الفلسفة والعقالنية بل وايتها يف التاريخ احلضاري"

يف خمتلف مواقفهم، وينتقدون بشدة أصحاب املنهج األثري املقتدي باألسالف والتابعني يهامجون أفكارهم

تراثا يعرب عن قراءة مؤدجلة للقرآن الكرمي، مرة ينعتوم بأم من مكرسي أفكارهم متثل وتابعيهم، ويعتربون

والذي بني فيه هيمنة 'كونأر'اخلطاب الرمسي، ومرة يرون أم من مؤسسي السياج الدوغمائي املغلق مبفهوم

رجل الدين على حساب قمع واستبعاد الفيلسوف منذ القرن اخلامس اهلجري، والذي جتسد حسب نظره يف

انتصار منطني مها " منط الفقيه الذي حيفظ عن ظهر قلب ويعيد إنتاج الكتب املدرسية للفقه دون أي ابتكار أو

غة أهل املغرب وهذا الرجل األخري يكتفي بكونه يعرف أنه يقرأ جتديد عقلي...مث منط الشيخ أو املرابط بل

ويكتب من بني السكان األميني يف القرية وهو الوحيد الذي يعرف أن يكتب تعويذة أو حجابا، ويشرف على

، هنا يكون الفقيه أو الرجل الدين هو صاحب )2(تنشيط مجعية دينية من املؤمنني، ويؤدي الصلوات الشعائرية"

بينما يكون الفيلسوف املهمش واملستبعد صاحب ،ء والتخلف والتقوقع الذي عرفه ويعرفه املسلمونالبال

د يعترب حممد عمارة من أهم نقاد تطبيق آليات الفهم املعاصرة يف تطبيق النص القرآين، وأهم املهامجني لروادها، وهو مفكر مصري معاصر ول ∗

م حقق عدة أعمال كمؤلفات الطهطاوي واألفغاين وحممد عبده والكواكيب....كما له عدة مؤلفات حول اإلسالم وأعالم 1931مصر سنة بريف الفكر اإلسالمي.

.82، ص 2006، 1عمارة حممد، قراءة النص الديين بني التأويل الغريب والتأويل اإلسالمي، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة مصر ، ط 1 .8، ص 1998، 3، دار الساقي، بريوت لبنان، ط -نقد واجتهاد -أركون حممد، الفكر اإلسالمي 2

Page 273: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

272

، فقراءة الفقهاء يكون احلكم عليها السلب، على خالف الكرمي التنوير وينطبق ذلك بقوة على قراءة القرآن

القراءات املعاصرة، جندها تنتصر فعندما نطالع ونقرأ خمتلف كتب وأحباث ومقاالت رواد ، قراءة الفالسفة له

ألصحاب التفسري بالرأي يف شكله الفلسفي كاملعتزلة، ابن عريب، وابن رشد... و تعتقد دائما أن القراءات

، به التأويلية للقرآن اليت كانت ثائرة على قراءات الفقهاء واألصوليني هي الصواب الذي وجب أن حيتذى

حني 'أركون'قهاء يف جمال فهم وقراءة النص القرآين، كما هو احلال مع وينقدون يف غالب األحيان قراءة الف

ألنه كان من أصحاب املأثور يف قوله عنه أنه "انتقى وانتخب وحذف ونظم معلوماته طبقا 'الطربي'ينتقد

ي ويرى أن بالكبري ألنه من أصحاب التفسري بالرأ 'الرازي'ويف مقابل ذلك يصف )1(ملواقفه السياسية والدينية"

، كما يشيد بنظرية املعتزلة يف قوله: " )2(تفسريه " يشهد على عمق ديين وثقافة علمية وفلسفية قل نظريها"

ويقصد هنا نظرية القول خبلق )3(ينبغي االعتراف بأن منهجية املعتزلة كانت حتتوي إمكان نظرية كامنة وواعدة"

القرآن كإشكالية تدخل حسب تصوره فيما يسميه باملمنوع التفكري رغم تبين احلطاب الرمسي هلا، والذي مل

ينقده يف القول ا ومل يصرح باضطهاده للحنابلة كعادته، بل يسعى يف خطه عند ذمه موقف احلنابلة واصفا

اخلطاب الرمسي وفرضه فيما بعد تغري اجتاه اخلالفة، متغاضيا عن الفنت حجتهم باملبدأ الالهويت الذي كرس له

واالنزالقات املترتبة عن نظرية املعتزلة، كما يثين على ابن عريب يف قوله "أنا أفكر بالطبع باحلرية اخلالقة

ابن 'و 'ابن حجر العسقالين'و 'الشافعي'يف مقابل قدحه يف آراء الفقهاء من أمثال )4(لشخص كابن عريب"

دائما على نفس اخلط، حبيث يرى أا جعلت املعرفة للحقائق الدينية تقوم على جمرد الدراسة اللغوية 'تيمية

للنصوص القرآنية، وفرضت قوانني ثابتة الستخراج األحكام يف شكل رسائل حمددة أسست سياجا منيعا

ملغلق الذي أسس له األسالف، وسار على بالسياج الدوغمائي ا يأسر فيه الفكر اإلسالمي هو ما يسميه

.151، مصدر سابق، ص - من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين-أركون حممد، القرآن 1 .152املصدر نفسه، ص 2 .11املصدر نفسه، ص 3 .76أركون حممد، الفكر األصويل واستحالة التأصيل، مصدر سابق، ص 4

Page 274: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

273

جهم التابعون نفس مسارهم، واستمر إىل يومنا هذا، وهو سبب نكبة املسلمني الفكرية ومنبع نشوء التعصب

املذهيب والفكري الناتج عن التقنني الفقهي الذي أرسى دعائمه مؤسس علم أصول الفقه ورسالته وهو

من الفقهاء يف إرساء دعائم قواعد ثابتة انتهجها املسلمون لقرون وإىل ، الذي يتحامل عليه كغريه'الشافعي'

يومنا يف هذا يف التعامل مع القرآن الكرمي اعتربها سببا لقمع التنوير والعقالنية.

راءه النص القرآين، حبيث قيثين على أصحاب الرأي والعقل يف بدوره، جنده 'أبو زيد'أما عندما نرجع إىل

، وينعتهم بأصحاب التأويل ه)104'(تجماهد'و ه)115'(تابن عباس'الصحابة وعلى رأسهم يستشهد ببعض

والرتعة العقلية بل وجيعلهم حىت من املعتزلة ليبني أن أفكارهم ليست بدعة كما ادعى البعض بل وجدت يف

اهد يف اجلدل عهد الرسول صلى اهللا عليه وسلم، يف جداهلم مع أصحاب الديانات األخرى، حبيث يبني دور جم

العقائدى والفحص العقلي لألشياء، لينتهي" أن كل ذلك يقربه من املعتزلة أكثر مما يباعده عنهم، وتأويالته

فهو هنا جيعل املعتزلة منوذجا للتنوير يف العهدين األموي )1(الكثرية آليات القرآن تتفق مع التأويالت االعتزالية"

والعباسي املنغلقني فكريا يف نظره، ويقرب الصحابة منهم وليس العكس، ويتعصب لتأويلهم تعصبا متزايدا

ويدافع عنه 'حمي الدين ابن عريب'يقصي من خالله أصحاب التفسري باملأثور، كما سيتعصب فيما بعد للشيخ

يصرح بأنه يتوىل مهمة إنصافه ضد أعداءه الذين يعتربهم أعداء النظر العقلي واحلقيقة، ويف مقابل يف كتبه أو

الذين )∗(ذلك يقدح يف آراء الفقهاء واألصوليني الذين ال يوافقون اجتاهه، كاألشعري والغزايل والشافعي

هذا املقام، فصال كامال بصورة جنده يكرر يف مؤلفني خمتلفني يف كماوصفهم برواد اإليديولوجية الوسطية،

حرفية، مها ' الشافعي وتأسيس اإليديولوجية الوسطية' و ' التفكري يف زمن التفكري'، يف قوله "كثريا من اللغط

أثري حول عقيدة املؤلف، إىل حد االام بالردة، مستنبط ظاهريا من قراءة ...الوطيس" فهذا االقتباس مش له

.97أبو زيد نصر حامد، االجتاه العقلي يف التفسري، دراسة يف قضية ااز يف القرآن عند املعتزلة، مصدر سابق، ص 1ه، ألنه على الرغم مما ترتب عن ذلك من وصفه ميكن أن نعترب نقد 'أبو زيد' للشافعي ليس حمنة ونقمة عليه، بقدر ما كان منحة ونعمة ل ∗

هرته بالتكفري والردة فقد استفاد منه يف شهرته وألف عدة مؤلفات خبصوصه دارت خمتلفها حول سريته الذاتية وحمنته مع الفقهاء، أفادته يف ش وذيوع صيته أكثر مما أضرت به كما يعتقد البعض.

Page 275: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

274

ألا ورد يف كتابني خمتلفني وبصورة طبق األصل، وهو ما يدل على أن كثرة إنتاجه ال ) 1(مبصدرين متابنني

عنوان 'أبو زيد'مهما يعكس تغيري و، يف بعض احلاالت ، بقدر ما تكون تشهريا لهدائما تعين كثرة إبداعه

لواجب أن ال تصل إىل إال أنه من ا ،ا مبوضوعهما املطروحماحلفاظ على نفس املعلومات، عالقتهمع الكتابني

إضافة إىل ذلك يلجأ مثل ،هذا احلجم، الذي ميثل إطنابا وتكرار معربا عن نوع من التشهري بالذات املبالغ فيه

، ويذكر دائما األئمة كعبد - كآراء الشافعي–نقد اآلراء اليت تثري الزوابع إىلالكثري من املفكرين املعاصرين

لمس أثناء نقده هلا أنه مطيته للشهرة نة كاألزهر بشكل يهامجها فيه، والصبور شاهني، واملؤسسات الديني

أكثر من غاية أخرى، وذلك ألنه يعتمد على العرض والسرد ألحداثه وحمنه أكثر من أفكاره يف الكثري من

املناسبات، فهو ينتقي ما يتعارض معها من التراث، ويرفض ما يؤيدها ويعضد أفكارها هلدف ال خيلو من

سابات شخصية مع الفقهاء. ح

،صاحب رؤية انتقائية يف التعامل مع التراث اإلسالمي ،فهو بدوره يعترب يف نظر الكثري من النقاد 'اجلابري'أما

تنطلق من فصله بني املعقول والالمعقول والرفع من قيمة األول على الثاين، وجتعله خيتار ما يناسب دعوته إىل

العقالنية كأفكار املعتزلة وفلسفة ابن رشد يف معاجلة خمتلف املسائل املتعلقة بالقرآن الكرمي، إذ "يشرح الفكر

ويذهب يف رؤيته االصطفائية يف )2(بني الشريعة والعقل" املعتزيل ويعتربه منوذج التفكري املتنور الذي دمج

دراسة التراث إىل أبعد احلدود باملقارنة مع الفالسفة السابقني عندما خيتار حىت من تراث الفالسفة ما يشاء،

، وحيكم عليه بآرائه، معليا من قيمة الربهان دائما حاطا من شأن العرفان، منتصرا آلراء الفالسفة العقالنيني

ألنه كان حماربا للفالسفة ويعترب شكه ال أدريا غري منهجي، 'الغزايل'منتقدا للرجال الصوفيني، إذ ينقد

وصاحب تداخل تلفيقي والتقاء صدامي بني البيان الربهان والعرفان تولدت عنه أزمته الروحية، إذ يصرح بأنه

أبو زيد نصر -./، 196إىل ص 121، من ص1995، 1كفري ضد اجلهل والزيف واخلرافة، سينا للنشر، طأبو زيد نصر حامد، التفكري يف زمن الت 1

.82إىل ص9املركز الثقايف العريب، من ص 2007، 1حامد، د س، الشافعي وتأسيس اإليديولوجية الوسطية، ط .130، ص2009العراب دمشق سوريا، د ط، بنية وبناء دراسة نقدية ملشروع اجلابري، دار - زهرة أمحد علي، العقل العريب 2

Page 276: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

275

جيسم حلظة التجديد يف نفس 'ابن رشد'...فإن إذا كان "جيسم حلظة األزمة يف الثقافة العربية اإلسالمية،

ليس ابستيمولوجيا كما يدعي بل أداة 'جورج طرابيشي'الثقافة" وهذا ما يبني أنه منهجه حسب ما يرى

إيديولوجية للتمييز واالستبعاد إن مل نقل إصدار األحكام اإلدانة واإلقامة اجلربية يف الغيتوات واحلبائس

يف نظره إىل اختزال العقل اإلسالمي يف إطار ضيق جدا، واستبعاد قطاعات واسعة من إذ ينتهي )1(املعرفية"

"التراث ال ميكن إنكار فعاليتها، ووقوعه يف نزعة تشطريية تعترب "العرفان رجس رجيم، والربهان خري عميم

للتراث والقرآن الكرمي تتحرك يف أرضية فلسفية معينة لعلها الفلسفة وإذا كان كذلك فالبد أن تكون قرائته)2(

فقط. املزخرف بالعقالنية الرشدية واالجتاه السين

هذه بعض االعتبارات جتعل نعت أفكار وآراء رواد القراءات باملعاصرة باجلديدة واملبدعة والعلمية، حكما

خيدم اجتاهاها وغايتها وتنقد واجم ما يتعارض مع يستحق املراجعة، ألا كانت تصطفي من التراث ما

منطلقاا، فقد كانت وفية لآلراء الكالسيكية للمتكلمني كاملعتزلة والفالسفة كابن رشد وبعض املتصوفة

قراءة الفقهاء وعلماء الدين له املعارضني هلم على كابن عريب يف التعامل مع القرآن الكرمي، ناقدة ومتمردة

، مما جيعلها قراءة انتقائية ختتار من املوروث ما يناسبها وخيدم توجهها احملدد الذي يثور ...بن تيميةكالغزايل وا

وينتصر إىل ما هو توفيقي الذي ال غىن لنا عنه يف التعامل مع نص كالقرآن، على ما هو توقيفي ومأثور

و ما جيعل دعوم الستخدام على الرغم من أنه جمرد جمهود بشري، وه وفلسفي بشري يف أغلب األحيان

اآلليات املعاصرة تتحرك يف إطار النظرة األحادية وال ختلوا من اإليديولوجية واالنتقائية ألا يف صلبها ال

حتركها نوايا علمية وقواعد ابستيمولوجية بقدر ما مهها األكرب هو االنتصار على اخلطاب الديين، فنحن بصدد

ة والصوفية والرشدية للقرآن الكرمي مثال، ال ميكن اعتبارها منوذجا للقراءات تفكيكنا للقراءات االعتزالي

.التنويرية ألا ختفي بطانة إيديولوجية عميقة

.77، ص 1993، 1طرابيشي جورج ، مذحبة التراث يف الثقافة العربية املعاصرة، دار الساقي، بريوت لبنان، ط 1 .83املرجع نفسه، ص 2

Page 277: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

276

ورغم قيام القراءات املعاصرة على القراءات الفلسفية للقرآن الكرمي، كالمية أو صوفية فإا تؤكد على

احلداثة، حيث تتأسس مجلة آراء روادها الداعية إىل تطبيق اسم التطلع إىلب أثورضرورة القطيعة مع امل

أدوات الفهم املعاصر يف جمال قراءة النص القرآين على القطيعة مع املوروث عن السلف والصحابة والعلماء

القدماء وجتاوزه، حسب أرضيتها اليت تشتغل فيها وهي احلداثة الغربية اليت قامت على الثورة والتمرد على

قدس املسيحي من أجل إرساء مبادئ العقل واحلرية واألنسنة دون حدود، وهي ما تلقى نقدا الذعا من امل

أطراف خمتلفة لكوا تقوم على "القطيعة املعرفية مع املوروث، مع املقدس الديين، وثوابت القيم، وما أمجعت

هي تتنكر ملا ورد يف األثر وما أمجع عليه ، ف)1(عليه الفطر السليمة من مشاعر وحقائق تتعلق بالتراث وبالتاريخ"

الصحابة والتابعون وتابيعهم وعلماء األمة يف شىت العصور، وهو ما يتناقض مع احلقائق الواردة يف النص

القرآين، إذن حسب ما يذهب إليه 'حممد عمارة' رواد القراءات املعاصرة يؤمنون باحلداثة بديال للدين، حني

قد جعلت –ف االنتصار للغريزي والدنيوي، ألن "احلداثة أصبحت دينا للحداثيني يثورون على املقدس د

ففلسفة احلياة اليت وردت عند 'نيتشه' وأتباعه هي الرافد )2(اجلسد األنثوي العاري أقدم معبود ألقدم الديانات"

ود متذرعة بالفهم العلمي الذي يسقي به رواد القراءات احلداثية آرائهم املبطنة بطلب الدنيا وشهواا دون حد

واملوضوعي للقرآن الكرمي واإلسالم ككل، إذ هي يف جوهرها بعيدة عن العقيدة والشريعة، وبالتايل النظر يف

عقيدة - القرآن الكرمي مبناهج غربية يقوم على "قطيعة معرفية كربى مع موروث األمة..ومع موروثها الديين

وذلك ألن "الذين ينظرون إىل فكرنا اإلسالمي مبناهج الفكر الغريب ال )3(على وجه اخلصوص" - وشريعة وقيما

ألا ) 4(يتصورون عالقة وفاق واتفاق أو تكامل بني اكتمال الدين وبني جتديده وبني السلفية وبني التجديد"

وكسية اليت كانت ظلوا أوفياء لبيئتها األوربية القائمة اليت أكدت على أن تلك املناهج تعترب ثورة على األروثوذ

.23، ص 2007، 2عمارة حممد، مستقبلنا بني التجديد اإلسالمي واحلداثة الغربية، مكتبة الشروق الدولية، ط 1 .34نفسه، ص صدر امل 2 نفسه. صدرامل- 3 .13ص ،املصدر نفسه 4

Page 278: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

277

سائدة يف الغرب و قامت على الوقوف عند األصول ورفض التجديد، وجتاهلوا أن "منهجنا اإلسالمي،

بوسطيته اجلامعة، مل يعرف ولن يعرف هذه الثنائية االنشطارية اليت تقيم التقابل والتضاد بني 'اكتمال

).1(الدين..والسلفية' وبني االجتهاد فيه..والتجديد له'"

:أفكار املستشرقنيالقراءات املعاصرة بتأثر نقد -4

ال نبالغ إن قلنا أن مركز نقد تطبيق اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآين، هو اعتبار أصحاا من أتباع

)2(ميثلون "الكتاب الغربيني الذين يكتبون عن الفكر اإلسالمي وعن احلضارة اإلسالمية" املستشرقني، الذين

كانوا ذوي صدى كبري على أفكار 'أركون' و'أبو زيد' و'اجلابري'...، إذ شبهة االستشراق هي والذين

رؤية - الشبه االستشراقية يف كتاب مدخل إىل القرآن الكرمي–األقرب إىل هؤالء كما ظهر مؤخرا يف كتاب

)∗(نقدية آراء اليت ينطلق منها معظم الذي كان مبثابة منوذج للمؤلَفات اليت عاجلت األرضية االستشراقية .

تعتمد على أفكارهم بصورة مفرطة حبجة حياديتها ، حنيرواد القراءات املعاصرة حول القرآن الكرمي

وموضوعيتها، لدرجة أصبحت تستشهد ا حىت يف قراءة النصوص األصلية والتشكيك يف نظرة املأثور هلا،

حيث "يعيد أركون مستوى هد م يف العديد من املواقف،يف أكثر من مناسبة، ويتش 'أركون'حبيث يشيد م

التحديد املركزي اإلثين األوريب وهو يعيد نفسه على هذا النحو دون أي مناقشة تارخيية أو نقدية، ويبين

اإلغريقي القدمي واألوريب صاحب –أركون أسطورته هذه على استمرارية العقل الغريب وتأرخيية يف العقلني

وهذه القضية تقوم على أساس تبعية الشرق بأمجعه، القدمي والوسيط، األدىن واألقصى معا ألنه - احلداثة اآلن

.املصدر نفسه 1 .168، ص 2009، 9دمشق سوريا، ط–مع دار الفكر -بريوت لبنان-ابن نيب مالك، القضايا الكربى، دار الفكر املعاصر 2، قدموا فيه نقدا 2009' صادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون يف طبعته األوىل سنة هو كتاب للباحثني 'عبد السالم البكاري' و'الصديق بوعالم ∗

هو من دون الذعا للجابري يف خمتلف احملطات اليت اعتمد عليها يف التعامل مع القرآن الكرمي مؤكدين أا ذات أرضية استشراقية ومليئة باألخطاء ووجية اليت اعتمد عليها يف التعامل مع النص وعلى رأسها املعاجلة البنيوية الناتج عن ضعف فهمه شك ما يؤكد ضعف استخدام األدوات االبستيمول

للتراث وما حيمله حول النص القرآين حسب ما يذهب إليه هؤالء.

Page 279: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

278

إذن يتكأ 'أركون' بقوة على آراء املستشرقني ومركزية أوربا يف احلضارة ،)1(يعمل خارج منطق العقل"

شراق قد اهتم بشكل واسع يف "ال ميكن إنكار أن االست اإلنسانية منذ عهد اإلغريق إىل يومنا هذا، مصرحا أنه

("اإلسالمي –إعادة تنشيط الفكر العريب ،يبني دور االستشراق يف تنشيط الفكر العريبهنا قد يبدوا لنا أنه ، )2

باإليديولوجي يف الكثري من موقفهم لكنه يف الواقع ال يشيد بالعلماء واملفكرين الذين ردوا عليه حني يصف

وحىت إن بدا ناقدا هلم وملناهجهم يف بعض ، بتصورات ومناهج املستشرقني املناسبات، إضافة إىل إشادته

نقدا ليس موجها فهو يرتكز بالتحديد حول منهجهم الفللوجي، هلم حقيقة النقد الذي يقدمه األحيان، فإن

ب افت ونقص آرائهم يرجع يف نظره إىل أا حصرت "اهتمامها للمستشرقني يف ذام بل للفقهاء، ألن سب

، وهو ما يبني أن سبب نقده هلا هو )3(بدراسة اإلسالم من خالل كتابات الفقهاء املتطلبة من قبل املؤمنني"

واإلسالم من مدونات الفقهاء على أا صحيحة يف حني أا غري ذلك، الكرمي اعتمادها على فهم القرآن

حىت يف ما يستندون يف تربير مواقفهم و اكثري ،رواد القراءات املعاصرةه وغريه من هى واألمر من ذلك أنواألد

يها بشكل غري القدح يف مآثر السلف واالتكاء علمع ، القرآنية على آراء املستشرقني شرح بعض النصوص

يف أكثر من اأشاد حيثا، إعطائها مصداقية علمية أكثر، حبجة حياديتها وموضوعيتهحمايد يقوم على

كما ، على آراء املستشرقني -يف عدة أمثلة-بدوره بصدد طرحه ملنهجه التأويلي، يتكأ 'أبو زيدو 'مناسبة،

إمنا يستمده منمن أهل االعتزال من منطلق دعوته إىل التأويل، 'جماهد'الصحايب هو احلال يف موقفه القائل بأن

'اجلابري'و، )4(ليعده جولد تسيهر رائدا هلم يف مسائل كثرية يف التأويل"" حىت :مصرحاشهادة مستشرق

بدوره يف شرح الكثري من اخلصائص املتعلقة بالوحي القرآين، كما هو ء املستشرقنييستند على آراكذلك

التنوير للطباعة والنشر -يف املنظومتني الفكرية لنصر حامد أبو زيد وحممدأركون -مناف عالء هاشم، ابيستمولوجيا النص بني التأويل والتأصيل 1

.166، ص 2011والتوزيع ،د ط، .54أركون حممد، تارخيية الفكر العريب اإلسالمي، مصدر سابق، ص 2 .52املرجع نفسه، ص 3 .97أبو زيد نصر حامد، االجتاه العقلي يف التفسري، مصدر سابق ، ص 4

Page 280: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

279

بعض احلال يف النبوة اليت رأى أا ليست من معهود العرب مستشهدا بآراء بعض املستشرقني، يف قوله"ارتأى

وهو يدل على الرائي قارئ (nabi)املستشرقني أن لفظ النيب يف االصطالح اإلسالمي مأخوذ من العربية نايب

رغم أن العودة إىل لغة وثقافة العرب ال ختلو من هذه الكلمة اليت ترتبط عندهم بعدة كلمات)1(املستقبل

الرتفاع.ابن سيده النبو العلو واالرتفاع، وقد نبا. ، إذ متثل "النبوة: اجلفوة، والنبوة:اإلقامة، والنبوة:اورؤى

، وبالتايل ملاذا القول بأا غريبة عن الثقافة العربية، واالتكاء على )2(والنبوة والنباوة والنيب:ما ارتفع من األرض"

آلراء آراء املستشرقني يف فهمها؟، من خالل هذه اآلراء ميكن أن ننتهي إال أن وفاء رواد القراءات املعاصرة

املستشرقني قد يتجاوز احلدود، ويكون نابعا من تكوينهم الغريب، وخيفي أغراضا إيديولوجية كإرضاء اآلخر

وحماربة األصولية وغريها أكثر منها األغراض العلمية اليت يدعوا.

: يف قراءة النص القرآين تطبيق املناهج الغربية نقد-5

لنقاط السالفة الذكر، ألن تطبيق اتعترب هذه النقطة أهم النقاط يف موضوعنا لكنها يف جوهرها مترتبة عن

أدوات القراءة يف فهم النص القرآين ال يكون إال بأرضية ومرجعيات سلف حتديدها، وهي ما حالت يف نظر

ت الفهم اجلديدة يف إدراك معاين الكثريين إىل تأويالت عبثية وتفكيكات مدمرة، عندما طبقت خمتلف آليا

إىل آراء السلف هم ميكن إنكار عودة بعضال رواد القراءات املعاصرة إىل آراء القرآن الكرمي، فعندما

والصحابة واملفسرين والتابعني وما توصلوا إليه من علوم القرآن وعلوم اللغة وحماولة ربطها بالتاريخ احلي

ل املنهج، لكن جندهم يتأثرون إىل حد بعيد مبؤسسي املناهج الغربية، وتفعيلها حسب يف العصر يف جما

كالبنيوية واهلرمينوطيقا الغربية مناهجلل يعطون األولويةكدوسوسري ونيتشه ودريدا ودولوز وميشال فوكو، و

وصحيحة بل على أا مالئمة والسميائية والتفكيكية والدراسة األركيولوجية حبذافريها يف قراءة القرآن الكرمي

، منكرين ومتنكرين لألرضية اليت ومنت وترعرعت فيها وطبيعة النصوص اليت طبقت فيها، وهو ما ومطلقة

.114ابق، ص اجلابري حممد عابد، املدخل إىل القرآن الكرمي، مصدر س 1 .727ابن منظور مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم، مرجع سابق ، ص 2

Page 281: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

280

ذلك "الذي ينقل كل هذا العبث الغريب، الذي صنعته اهلرمينوطيقا الغربية '، حممد عمارة' متثل قي نظرجيعلها

نه جمرد ناقل ومقلد، حذوك النعل بالنعل..وال عالقة هلا مع اليهودية والنصرانية إىل امليدان اإلسالمي ..أي أ

من مناهج تبني أم ينهلون الكرمي، ألن خمتلف أفكار رواد القراءات املعاصرة للقرآن )1( بأي فقه أو إبداع"

ودون حتقيق شروط التبيئة أو احترام اال التداويل كما يرى 'طه عبد بنهم وشغف ودون حتفظالغرب

أفرزه تقدم العلوم اإلنسانية واالجتماعية والفلسفات حني ينقلون إىل ميدان القرآن الكرمي كل ما، الرمحن'

املعاصرة من آليات ومناهج قراءة النصوص اليت أبدعها الفكر البشري يف الفترة الراهنة وحياولون تطبيقها يف

وهنا تطرح مما جيعلهم مقلدين ال مبدعني، أو باألحرى إسقاطها اآليل عليه، والتراث اإلسالمي نصوصهقراءة

خمتلف رواد تطبيق املناهج املعاصرة مشروعية وأسس وغايات نقل املفاهيم وتبيئتها يف غري حقلها األصلي عند

مفهوم االبستيمي وهو النظام املعريف 'أركون'و 'اجلابري'، وكمثال ذلك ينقل كل من يف قراءة النص

ول يف فترة ما لتحليل بعض فترات التفكري اإلسالمي من حقل اخلطاب الفلسفي والفكري املشترك بني العق

بالتحديد، إىل اخلطاب اإلسالمي أو القرآين حتديدا رغم االختالف يف طبيعة 'ميشال فوكو'الغريب عند

طبيعة وأسسهما، اليت جتعل الكثري من الباحثني يتساءل الكثري من الباحثني عن مدى اخلطابني يف مرجعيتهما

ومشروعية وفعالية وقواعد التوظيف والنقل للكم اهلائل من املفاهيم واملناهج من حقل إىل حقل عند رواد

القراءات املعاصرة من أمثال اجلابري كاالبستيمي واخلطاب والسلطة، ليبينوا أا يف غالبها " مفردات ليست

هنا كيف ميكن االتفاق عليها يف حتليل اخلطاب القرآين ، و)2(دقيقة وال متفقا عليها وال ميكن أن تكون بريئة"

الذي يتباين يف سياقه عن اخلطابات اليت طبقت فيها؟ والبد أن تطرح مسألة تبيئة املفاهيم واملناهج اليت تعترب

لب القراءات املعاصرة للقرآن الكرمي من حيث مشروعيتها وفعاليتها، حيث ال خيلوا نقلها من حقلها األصلي

.77عمارة حممد، قراءة النص الديين، مرجع سابق، ص 1مطاع صفدي، مرجع سابق، ص -فتحي التريكي -حممد أركون-بغورة الزواوي، ميشال فوكو يف الفكر العريب املعاصر، حممد عابد اجلابري 2

49.

Page 282: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

281

االعتبارات اإليديولوجية، وال وحقل خطاب آخر كالقرآن الكرمي من مزالق عدم املشروعية والالجدوى إىل

ميكن أن تسلم من مة فصلها عن السياق الثقايف واالجتماعي والسياسي والديين الذي نشأت فيه، وبالتايل ال

العلمية واملوضوعية الذي يتبجح به خيلوا أن يكون نقلها تعسفيا وحتكميا من حقل إىل حقل يفتقر إىل طابع

، ويف هذا الصدد ميكن أن نشري إىل نتائج تطبيق التفكيك كنموذج ألدوات الفهم املعاصر رواد القراءة املعاصرة

:)1(على النص القرآين كما حددها 'قاسم شعيب' يف كتابه 'حترير العقل اإلسالمي' يف النقاط التالية

ىل موت مصدره، ألنه يعترب منشئه ليس له وجود سابق عليه، ميوت بعد إجنازه، تفكيك النص القرآين ينتهي إ-

كما يينكرون ألهدافه ومقاصده حني يركزون على ما يقرأ من النص وحده ويتجاهلون مقصد مؤلفه.

تفكيك النص القرآين يعين وجود النص من خالل قرائه، حبلول قارئه مكان مؤلفه أو منتجه، ويترتب عنه أن -

كتاب مشتت ومفرق للجماعات وليس موحدا للناس واملؤمنني به، ألن قارئه هو احملدد ملعناه الكرمي قرآن ال

الذي ينتهي إىل هناك قراءات ال حصر هلا للقرآن الكرمي.

يتحول القرآن الكرمي عن طريق التفكيك باسم تنوع قراءاته إىل فوضى يف املعاين والدالالت، وهو ما جيعله -

شكال متناقضة تتجاهل الوحدة اليت تتمحور حوهلا معانيه.يقرأ يف أ

التفكيك يترتب عنه غياب العالقة بني اهللا تعاىل كمنتج للنص القرآين والقارئ له، حبيث ميكن أن يفهمه من -

يؤمن بالقرآن ومن ال يؤمن به حسب هواه ووفق ما يراه.

ربط النص القرآين بالنصوص األخرى وقراءته يف إطار جعله متفاعال معها كما يشترطه التفكيك، ينتهي إىل -

اإلقرار أنه استفاد منها وبل من أعراف وأشعار وحكم وعادات ورؤى متفاوته ومتناقضة بني قراءه...وهذا

يتناقض مع طبيعته واختالفه عنها.

.46-45، من ص 2007، 1اسم شعيب، حترير العقل اإلسالمي، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طق 1

Page 283: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

282

ح من الطبيعي القول عندها إن القرآن ليس صادرا عن اهللا بل نتاج عقلية بناء على هذا العنصر األخري "يصب

جبارة للنيب صلى اهللا عليه وسلم استطاع من خالهلا االستفادة من كل التراث السابق وإخراجه يف منظومة

القرآن عقيدية وأيديولوجية حمكمة. وهذا ما يقوله الكثري ممن يدعون إىل تطبيق مناهج العلوم اإلنسانيةعلى

. )1(سواء كان ذلك تصرحيا أو تلميحا"

ننتهي من خالل هذه الوجهة النقدية للقراءات املعاصرة أا قراءات مقلدة وليست مبدعة كما يبدوا لروادها

بل تريد أن تقلده تقلد الغرب يف األخذ باملناهج اجلديدة واألدهى واألمر أا الوكما حيلوا للبعض تسميتها،

مماثلة لتلك األرضية اليت تبلورت فيها عند الغرب أي كثورة على العقلية القروسطية اليت تقبع فيها يف أرضية

تريد إعادة ثورة أوربا عليه عندنا حنن اآلن يف ، اتمعات اإلسالمية بدورها كأا مسرية من الالهوت املسيحي

طه ' جمال قراءة النص الديين، أو كما بني القرن العشرين واليت جوهرها الثورة على كل ما هو كالسيكي يف

أا تسعى إىل أن حتقق "قطيعة معرفية بينها وبني ما ميكن أن نطلق عليه اسم القراءات التراثية، 'عبد الرمحن

وهذه على نوعني أحدمها القراءات التأسيسية وهي اليت قام ا املتقدمون، مفسرين كانوا او فقهاء أو متكلمني

لثاين القراءات التجديدية وهي اليت قام ا املتأخرون سلفيني إصالحيني أو سلفيني أصوليني أو أو صوفية وا

هنا ميكن أن نشري أن قراءة الفالسفة املعاصرين ال تقطع صلتها مع كل القراءات التراثية )2(إسالميني علميني"

تطبيق املناهج املعاصرة هم وتتأثر م يف تدافع عنالذين قراءات املتكلمني والفالسفة وبعض املتصوفة والسيما

على الرغم من فهي إذن، ولكن تريد القطع مع قراءات الفقهاء وعلماء الدين وهذا غري مكن وغري موضوعي

أا جتعل النقد صلب مهمتها وليس االعتقاد، فهي ال تنفصل بصورة مطلقة عن االعتقاد مبصداقية وعلمية

لقراءات التراثية تسعى من خالهلا إىل التمرد وإحداث القطيعة مع قراءة الفقهاء ومآثر وعقالنية نوعا معينا من ا

السلف من علماء الدين على وجه التحديد، وبالتايل أليست قراءة هؤالء الرواد وعلى رأسهم أركون وأبو

.46املرجع نفسه ص 1 .176طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 2

Page 284: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

283

جعيات لتدعم آرائها؟ اصطفائية ختتار ما يناسبها من التراث وما يناسبها من مناهج وما يناسبها من مر ..زيد

ما هو نقلي ولو كان حساب أليست ذات إيديولوجية تنتصر ملا هو عقلي ولو كان استشراقيا مغرضا على

مأثورا؟ ا وقيفيتو

خذات اليت ميكن إحلاقها برواد القراءات اميكن القول أنه ال يتسع اال لذكر مجلة املؤيف ختام هذا املبحث

وميكن اختصارها ، اعتبارها عوائق وحدودا لتطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة النصواليت ميكن ،احلداثية

بصورة شاملة يف النقاط التالية:

، الذي جيب أن حيظى باألولوية على -القرآن الكرمي- االفتقار إىل أرضية مناسبة خلصوصيات املوضوع - 1

املنهج وهو اآلليات املطبقة يف ميدانه.

قد ال تناسبه، ص األصلي وهو القرآن الكرمي بالتشكيك فيه، إضفاء مسميات جديدة لهانتقادها الن - 2

نفي غيبيته والقول بتارخييته.وعلى رأسها انتهاك قداسته وتعمل على

تسويتها بني القرآن الكرمي والنصوص الدينية األخرى احملرفة الواردة يف التوراة واإلجنيل. - 3

و النصوص البشرية كالفلسفية واألدبية والقول بثقافيته ولغويته.تسويتها بني القرآن الكرمي- 4

وفهم القرآن الكرمي، نابعة من أسسها غربية ةمصادر استشراقية وغربية ككل يف قراء ها علىاعتماد - 5

.على الثقافة العربية اليت نشأ فيها، وخادمة ألغراض وإيديلوجيات مبطنة وأجنبية

ونقد وومسها بالصفات السلبية فقط، لقرآن الكرميقراءة ا الفقهاء وعلماء الدين يف تها الكلية آلراءمهامج - 6

أسسها واعتبارها منوذجا للتعصب واإليديولوجية، ومنطلقا للتخلف.

لقرآن الكرمي، بل متثل منوذجا لفهمه العلمي املوضوعي، ومنطلقا فهم ااملناسبة ل الوحيدة اعتبار قراءا هي - 7

ضة املسلمني. حلداثة و

Page 285: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

284

وكطرق كاملة وموثوقة ال تقبل الشك الذي مورس على إخضاع القرآن الكرمي للمناهج اجلديدة تعسفا - 8

، ودون مراعاة أصوهلا الغربية، و دون النص القرآين ومل ميارس على تلك اآلليات رغم أا جمرد إبداعات بشرية

. السلبية على القرآن الكرمي عاة إنعكسااا، ودون مراحترام شروط تبيئتها

م باألجوبة، متارس النقد يف توال تتثري التساؤاليف كوا ، عدم وضوح املقاصد واألهداف اليت تبتغيها - 9

ميدانه دون أي حدود أو خطوط محراء.

قد ختتلف بني رواد القراءة املعاصرة، لكن ميكن اعتبارها املؤاخذات العامة اليت يتحرك فيها هذه األحكام

يترتب عنه أننا ننتهي إىل ، وحنن بتحديدها ال عند أبرز روادها القرآن الكرمي تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة

ال حيث علوم اإلنسانية واملناهج اجلديدة، ال بأدوات الفهم اجلديدة اليت أنتجتها رفض ربط فهم النص القرآين

حماربة اإليديولوجية والسعي حنو املوضوعية العلمية ميكن أن ننكر الدور الذي لعبه رواد القراءات املعاصرة يف

دحض الكثري من آرائهم املسيئة للقرآن الكرمي، ونقد يف قراءة القرآن الكرمي، بل حىت الدور الذي لعبته يف

'طه حسني'لتصورات 'أركون'و 'ابن نيب'تنبيه على خطورة أفكارهم، كما يظهر ذلك يف نقد كل أتباعهم وال

يف هذا الصدد "ومن العجيب أن 'ابن نيب'، يف كتابه الشعر اجلاهلي، حبيث يقول املستشرقني ءاملستمدة من آرا

ها جامعات الغرب، وأصدق نذكر ما تتمتع هذه األفكار احلمقاء من جماملة والسيما يف مصر عندما تصدر

مثال على ذلك وبال جدال الفرض الذي وضعه املستشرق مرجليوث عن الشعر اجلاهلي، فقد نشر هذا الفرض

نشر طه حسني كتابه املشهور يف 1926يف إحدى االت االستشراقية، ويف خالل عام 1925يف يوليو عام

تبعية أفكار بعض قادة الثقافة العربية احلديثة لألساتذة الشعر اجلاهلي، فهذا التسلسل التارخيي معرب متاما عن

"أنه قدم تنازالت مسرفة لصاحل الغرب تارة، االستشراق ، ويف نفس هذا االجتاه يقول أركون عن)1(الغربيني"

واد إجيابية بعض األفكار والردود اليت قدمها رإنكار ، وبالتايل ال ميكن (2)ولصاحل العاطفة الدينية تارة أخرى"

.56ابن نيب مالك، الظاهرة القرآنية، مصدر سابق، ص 1

2 Arkoun Mohammed , 1975 La pensée Arabe Presse Universitaires de France , première édition, p 105-106.

Page 286: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

285

القراءات املعاصرة يف الرد على تصورات املستشرقني، وجيب اإلقرار كذلك أن مواقفهم كانت سبيال أمثال

لبيان قابلية النص القرآين الستيعاب املناهج العلمية ومسايرة الوقائع، وما حماوالت قراءته باملناهج املعاصرة إال

اد القراءات املعاصرة، فعلى الرغم من املؤاخذات اليت نتيجة إلدراك أمهيته ماضيا وحاضرا ومستقبال عند رو

وجهت هلم، ميكن اعتبارها سبيال للبحث يف أفق جديد لالستفادة من املستجدات العلمية واملنهجية يكون

مراعيا خلصوصيات وشروط املوضوع اليت أمهلها هؤالء يف نظر الكثريين وحماربا للتقليد لألسالف واستلهام

ي، والتقليد للغربيني واألخذ مبناهجهم دون نقد ومتحيص، هذا ما أدركه وأكد عليه املفكر 'طه آليام كما ه

عبد الرمحن' الذي قدم رؤية نقدية دقيقة من شأا أن تنري الكثري من النقاط اليت أثرناها يف هذا النقد العام، فما

صرة وآلياا يف التعامل مع النص القرآين؟ وإىل أي طبيعة الرؤية النقدية اليت قدمها هذا الفيلسوف للقراءات املعا

مدى استطاع هذا األخري تأسيس رؤية جديدة حول قراءة النص القرآين؟ وهل بإمكاا ترشيد استخدام

املناهج وجتاوز املؤاخذات اليت ترتبت عنها كما سلف ذكرها؟

.'طه عبد الرمحن'يف قراءة النص القرآين عند موصول إبداع حنو حث الثاين: املب

Page 287: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

286

إن احلديث عن التداعيات اليت ترتبت عن ظهور القراءات املعاصرة للقرآن الكرمي، يرتبط بصورة كبرية باملفكر

الذي يكتسي نقده لرواد القراءات احلداثية أمهية كربى لعدة أسباب، ،)∗( املغريب املعاصر 'طه عبد الرمحن'

على خلفية فلسفية ومنطقية وليس على اخللفيات الدينية والقناعات االعتقادية، جتسدت يف حمورها قيامه

استعانته بآليات فلسفية ومنطقية يف الرد عليهم بطريقة خاصة، تذكرنا بطريقة 'أبو حامد الغزايل' يف رفض

بدوره يؤسس خمتلف آرائه ، حيث أن 'طه عبد الرمحن' )∗∗(التقليد والبحث عن اليقني و الرد على الفالسفة

، كما يظهر يف مستعينا باللغة واملنطق على رفض التقليد، وعرض مواقف اخلصوم وحتليلها مث الرد عليها ونقدها

تقليد األقدمني وتقليد املتأخرين، ونقده ملا مساه خبطط دعاة تطبيق اآلليات املعاصرة يف نقده للتقليد بنوعيه:

ه جتاوزها وتقدمي البديل الذي يراه مناسبا لفهمه. قراءة القرآن الكرمي وحماولت

وما الحظناه وحنن نقرأ أفكار 'طه عبد الرمحن' هو تركيزه على نقد النمط الثاين من املقلدين أي مقلدة

املتأخرين، وهو ما جعلنا نستفيد منه يف مواصلة مشوار الرؤية النقدية اليت طرحناها يف املبحث السابق لكن يف

ديد، يقوم على إظهار النقد املفصل آلراء ومواقف رواد القراءات احلداثية يف جمال التعامل مع النص شكل ج

القرآين وفق آراء الفيلسوف بقراءة ملختلف أفكاره حول قراءة النص القرآين يف كتابه 'روح احلداثة' على وجه

يل الذي قدمه هلا كتأسيس لقراءة جديدة اخلصوص، فما طبيعة النقد الذي وجهه للقراءات احلديثة؟ وما البد

للقرآن الكرمي؟

باجلديدة باملغرب، اهتم باملنطق واألخالق وفلسفة اللغة، وبالعقل املؤيد كطريق للحقيقة بدل 1944فيلسوف مغريب معاصر من مواليد سنة ∗

يد ق، جتدالعقلني املسدد وارد الذين نقدمها، كما اهتم بنقد دعاة احلداثة مستشرفا مشروع حداثة إسالمية، له عدة مؤلفات أمهها: سؤال األخالثية يف فهم املنهج يف تقومي التراث، روح احلداثة...وقد اعتمدنا آرائه يف موضوعنا نظرا ألمهيتها الكربى يف تفصل ونقد آراء رواد القراءات احلدا

يتوخى قراءة النص القرآين والسيما تلك اليت تتعلق باستخدام أدوات الفهم اجلديدة يف ميدانه، كما أنه من ناحية أخرى ال يقف عند النقد بل إبداعية جديدة للقرآن الكرمي حتترم اال التداويل اإلسالمي.

د قامت طريقة 'أبو حامد الغزايل' يف البحث عن اليقني، على رفض التقليد واإلطالع على مذاهب وعلوم عصره، أما يف الرد على الفالسفة، فق ∗∗سفة' مث الرد عليها وبيان أغاليطهم ومثالبهم، كما ظهر يف كتابه 'افت الفالسفة'، هو اعتمد على عرض مواقفهم كما ظهر يف كتابه 'مقاصد الفال

نفس املسلك سلكه 'طه عبد الرمحن' يف نقد رواد القراءات املعاصرة، حيث يعرض خمتلف خططهم وآرائهم مث يعقب عليها مبينا آفاا، وقد ما يزيده شهرة وأمهية. عكس ذلك عنده معرفة واسعة باملنقود الذي ينتقده وهو

Page 288: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

287

نقد طه عبد الرمحن للقراءات املعاصرة: -1

للقراءات املعاصرة للقرآن الكرمي، يرتبط بصورة وثيقة مبختلف اآلراء 'طه عبد الرمحن'إن النقد الذي قدمه

ضعت هلا آليات الفهم املعاصر يف ميدان قراءة اليت أشرنا إليها يف الفصلني السابقني وخمتلف التطبيقات اليت خ

النص القرآين عند الكثري من الفالسفة، سواء تلك اليت تعلقت بأرضيتها أو تلك اليت ارتبطت مبمارسة املناهج

يف فهمه، لذلك فضلنا طرحه يف هذا املقام على الرغم من أنه ليس سوى تفصيال أكثر دقة ملا ورد يف املبحث

كذلك أولوية إثارته من كونه أرضية للبديل الذي يهمنا أكثر هنا، وهو البحث عن سبيل أمثل السابق، وترجع

إلرساء دعائم قراءة جديدة للنص القرآين حتترم خصوصياته يف الوقت نفسه، لعلنا ندرك عنده سبال أخرى

دفنا يف هذه احملطة املا قبل لترشيد استخدام أدوات الفهم املعاصرة يف قراءة النص القرآين، اليت متثل غايتنا وه

أخرية يف حبثتا، إذن كيف ينقد طه عبد الرمحن القراءات املعاصرة للقرآن الكرمي؟

يربط 'طه عبد الرمحن' نقده للقراءات املعاصرة للقرآن الكرمي بعدة أوجه، حدد طابعها العام يف ارتباطها بواقع

دينا قراءات للقرآن ينسبها أصحاا إىل احلداثة، لكنها ليست ح احلداثة، حيث " أننا جند بني أيرواحلداثة ال

هنا ينقد )1( تطبيقا مباشرا لروح احلداثة، وإمنا تقليدا لتطبيق سابق هو التطبيق الغريب املتمثل يف واقع احلداثة"

للقرآن الكرمي بناء على التفرقة بني مصطلحني، األول هو روح احلداثة ويتمثل يف مجلة القيم القراءات احلداثية

واملبادئ من شأا أن تنهض باتمعات يف أي زمان وأي مكان، والثاين هو واقع احلداثة ويتمثل يف حتقق تلك

فعل القطيعة مع خمتلف عناصر القيم يف زمان خمصوص ومكان خمصوص جتسد يف احلداثة الغربية اليت حتققت ب

التخلف الذي عاشه الغرب يف املرحلة القروسطية، وهنا الضري يكون يف اعتبار هذا النمط من احلداثة منوذجا

كونيا وجب أن حتذو حذوه كل اتمعات لكي تركب قطار احلداثة مبا فيها اتمعات اإلسالمية، اليت دعاها

.175، مصدر سابق، ص -املدخل إىل تأسيس حداثة إسالمية -طه عبد الرمحن، روح احلداثة 1

Page 289: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

288

ا كشرط للحداثة، ترتب عنه وقوع دعاة احلداثة يف التقليد الذي نبذوه الكثريون إىل قطع الصلة مع تراثه

وحاربوه خبصوص تقليد األسالف واملتقدمني، يف تقليد أخطر وأشنع إنه تقليد الغرب واملتأخرين.

تقليد الغرب حسب 'طه عبد الرمحن'، جعل خمتلف رواد القراءات املعاصرة القرآن الكرمي العرب، ومن منطلق

هلم التداويل القائم على التقديس، يؤسسون لقداسة أخرى بديلة للمقدس الديين، أال وهي قداسة األقوال جما

الفلسفية األوربية، فمما الشك فيه "أن رسوخ قدسية القول القرآين يف اال التداويل العريب سهل على

ان قد نشأ على هذه القدسية الدينية املتفلسف العريب تقبل هذا املسلك حيال القول الفلسفي األصلي، فلما ك

وأشرب قلبه ا، جاز أن ينقلها، من حيث يشعر أو ال يشعر، إىل ما ال جتب له من األقوال ويتعامل مع هذه

، هنا ميكن القول أن رواد القراءات املعاصرة أضفوا قداسة )1(األقوال غري الدينية كما يتعامل مع القول الديين"

ألوربية ومناهجها دون التعرض هلا بالنقد والتحليل الذين يؤكدون عليه يف النص القرآين على أفكار الفلسفة ا

ذاته، وهم بذلك مقلدين أو مترمجني ألفكار غريهم يغيب عنه اإلبداع .

والقراءات املعاصرة حسب طه عبد الرمحن'، تقوم على التقليد للغرب وتفتقر لروح اإلبداع، ألن روادها

ت للقرآن تقطع صلتها بالتفاسري السابقة، طامعني يف أن يفتحوا عهدا تفسرييا جديدا، ولئن "جاءوا بقراءا

سلمنا بأن هذه القراءات تتضمن عناصر من االبتكار، فال نسلم بأن هذا االبتكار إبداع حقيقي، ألن من شأن

يدا للغري، ال اجتهادا من اإلبداع احلقيقي أن يكون موصوال وهذا اإلبداع مفصول، إذ قطع صلته بتراثه، تقل

، فقراءام مل ترق إىل مصاف اإلبداع املطلوب يف فهم القرآن )2(الذات، وكل إبداع هنا ال يكون إال بدعة"

الكرمي وإن بدا ابتكارا أو إبداعا كما يدعي أصحابه إال أنه إسقاط أو إقحام ملا هو غريب من مفاهيم ومناهج

ذات، وطامته الكربى تكمن يف تقليده للغرب و قطعه الصلة مع التراث واالنتهاء بعيدة كل البعد عن اجتهاد ال

.119، ص 2009، 2طه عبد الرمحن، احلق العريب يف االختالف الفلسفي، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط 1 .176مصدر سابق، ص –حداثة إسالمية املدخل إىل تأسيس -طه عبد الرمحن، روح احلداثة 2

Page 290: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

289

إىل نتائج متحو خصوصية النص القرآين، أي أنه تقليد سليب يفهم النصوص القرآنية يف سياق بترها عن تراثها

وتارخيها كما فعل الغرب يف قراءته لكتابه املقدس.

اليت انتهجتها )∗(عبد الرمحن' مجلة اخلطط يف كتابه 'روح احلداثة' ومن أجل تفصيل هذا التقليد، يعرض 'طه

حماوالت رواد القراءات املعاصرة يف الربط بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر، وهي :

خطة التأنيس: وتتعلق وجود أنسنة للخطاب القرآين عند رواد القراءات احلداثية، هدفها رفع عائق - 1

يق نقل اآليات القرآنية من الوضع اإلهلي إىل الوضع البشري كسبيل لفهمه فهما جديدا، التقديس عن طر

وتظهر يف حذف عبارات التعظيم املتداولة لدى اجلمهور، تلك اليت تتعلق بتعظيم كتاب اهللا مثل قول: 'القرآن

عامل املسلمني مع القرآن الكرمي الكرمي' و'القرآن احلكيم' و'القرآن املبني'.. كما جتلى عند 'أركون' عندما نقد ت

معتربا أا جمرد فرائض شعائرية -صدق اهللا العظيم- ويف ايتها بقوهلم - قال اهللا تعاىل-بقوهلم يف البداية اآلية

ال جدوى منها تتجسد يف الفعل الذي يقوم به املسلم أثناء قراءة القرآن الكرمي أو االستشهاد به، والذي مفاده

، كما )1(تسبق أي استشهاد عبارة 'قال اهللا تعاىل'، وينبغي أن تنتهي بعبارة 'صدق اهللا العظيم'" أنه "ينبغي أن

تتجلى يف استبدال املصطلحات كالقول بالظاهرة القرآنية واملدونة الكربى بدل القرآن الكرمي واستعمال

ي والكالم اإلنساين كاستعمال آيات مصطلح العبارة بدل اآلية، و التسوية يف رتبة االستشهاد بني الكالم اإلهل

قرآنية وأقوال فلسفية كقرائن يف مرتبة واحدة، واعتماد التفريق بني مستويات خمتلفة يف اخلطاب اإلهلي ال

ختتلف عن بعضها البعض كالوحي والترتيل واملصحف والقرآن الشفوي والقرآن املكتوب، واملماثلة بني القرآن

حني يدعي القارئ احلداثي جتسد كالم اهللا يف القرآن كتجسد كلمة اهللا يف عيسى والنيب عيسى عليه السالم

بن مرمي، وهذه العمليات التأنيسية للخطاب القرآين هي أهم نقطة يؤاخذ عليها القارئ احلداثي يف التعامل مع

منها السياق الثقايف القرآن الكرمي جتعله مثله مثل أي نص بشري آخر، وهذه املماثلة يترتب عنها نتائج سلبية

. 179- 178عرض 'طه عبد الرمحن' خطط القراءات احلداثية للقرآن الكرمي بالتفصيل، يف كتاب 'روح احلداثة' يف ص ∗ .12حممد أركون، القرآن من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين، مصدر سابق، ص 1

Page 291: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

290

للنص القرآين الذي يترتب عنه نسبية النص بعيدا عن مسة اإلطالق اليت وجب أن يوصف ا وجعله إشكاليا

متفتحا على احتماالت وتأويالت ال حدود هلا ومستقال عن مصدره املتعايل ومرتبط بالقارئ اإلنسان وغري

م عوائق إعداد أرضية مناسبة لقداسة النص القرآين وانتهاك مكتمل، وبالتايل األنسنة عند طه عبد الرمحن أه

خصوصياته كما ترتبت عن جعل القرآن الكرمي نصا كباقي النصوص اليت أبدعها البشر، وهذا منتهك لقدسية

النص القرآين.

ميع خطة التعقيل: هي نقطة مهمة أكثر يف موضوعنا، ألا ارتبطت "بالتعامل مع اآليات القرآنية جب-- 2

املنهجيات والنظريات احلديثة...والعلوم اإلنسانية واالجتماعية ومنجزاا، كالتفكيكية عند جاك ديريدا،

، )1(واألركيولوجية عند ميشال فوكو عرب املقارنة اللغوية، اليت تسمح للباحث أن يتحرر من النصوص وهيبتها"

البحث اليت توفرها املنهجيات والنظريات احلديثة حبيث يتضح فيها عالقة اآليات القرآنية بكل وسائل النظر و

أو آليات الفهم املعاصرة، واليت تستهدف يف نظر 'طه عبد الرمحن' رفع عائق الغيبية، وتقوم على مجلة من

العمليات املنهجية اعتمد عليها رواد القراءات املعاصر ة يف التعامل مع النص القرآين، وهي نقد علوم القرآن

ا وسائط متحجرة تصرفنا عن الرجوع إىل النص القرآين يف ذاته، والتوسل باملناهج املقررة يف حني يعتربو

علوم األديان حني يقومون بنقل جمموعة من العلوم تشتغل يف جمال الدين كعلم مقارنة األديان، وعلم تاريخ

ات القرآنية دون التمييز بني وضع األديان...،اليت اتبعت يف حتليل التوراة واإلجنيل ونقلها إىل جمال الدراس

الكتب الدينية ومقتضياا الدينية، والتوسل باملناهج املقررة يف علوم اإلنسان واتمع عن طريق نقلها بأنواعها

املختلفة كاللسانيات والسيميائيات وعلم التاريخ إىل النص القرآين دون إدراك االختالف يف مقتضيات

واستخدام كل النظريات النقدية والفلسفية املستحدثة كاجتاهات حتليل اخلطاب البحث عنده وعند غريه،

والتفكيك دون االكتراث مبآهلا وال بتجاوز بعضها لبعض وال بأفول بعضها، وإطالق سلطة العقل يف التعامل

.213، ص 2011، 1د احلداثة، جداول للنشر والتوزيع، بريوت لبنان، طبوزبرة عبد السالم، طه عبد الرمحن ونق 1

Page 292: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

291

إىل مع النص يترتب عنه أن ال حدود له وال أفاق يستطلعها، وهذه اآلليات حسب طه عبد الرمحن تنتهي

املماثلة بني النص الديين والنصوص الدينية األخرى ترتب عنه جمموعة من النتائج السلبية ترتبط بتغيري مفهوم

الوحي وعدم قبول التصور التقليدي حوله وإخضاعه ملفهوم جديد من إبداع العقل كاعتباره موهبة وغري

ة األخرى كالتوراة واإلجنيل، وعدم اتساق النص ذلك، وباإلقرار بعدم أفضلية القرآن الكرمي على الكتب الديني

القرآين منطقيا وتارخييا، وغلبة االستعارة وااز يف نص القرآين مقارنة مع األدلة والرباهني، وجتاوز اآليات

املصادمة للعقل أواليت ال تتفق معه، وبالتايل التعقيل عند طه عبد الرمحن منطلقه املماثلة بني النصوص الدينية

األخرى والقرآن الكرمي وهذا غري ممكن بل ومنتهك لغيبية النص القرآين يف نظره.

خطة الـتأريخ: وهي تلك اليت تطبق يف نظر 'طه عبد الرمحن' عند رواد القراءات احلداثية، عن طريق وصل - 3

لقول بأن القرآن جاء اآليات بظروف بيئتها وزمنها وسياقاا املختلفة، وتستهدف رفع عائق احلُكمية أو تاليف ا

بأحكام ثابتة وأزلية باعتماد آليات منهجية خمتلفة، أي "تستهدف إطالقية القرآن وحتويلها إىل نسبية ظرفية

، حيث قامت هذه اخلطة، على توظيف املسائل التأرخيية املسلم ا يف تفسري )1(مرتبطة مبكاا وبيئتها وزماا"

مسها الفقهاء والتصريح بتناقضهم أحيانا باسم النقد التارخيي، وتغميض مفهوم القرآن دون مراعاة احلدود اليت ر

"احلكم" الذي ميس بالقيمة التشريعية لآليات، وتقليل عدد آيات األحكام والتفكري يف جتاوزها، وإضفاء

على العقيدة النسبية على آيات األحكام والقول بأا ال حتيل على أسباب نزوهلا، وتعميم الصفة التأرخيية

وينتهي 'طه عبد الرمحن' إىل أن خطة التأريخ تصبح مبوجبها النصوص القرآنية مثل ، بربطها مبستوى العصر

النصوص التارخيية األخرى ويترتب عن ذلك نتائج سلبية يف التعامل مع النص القرآين، تلك اليت تقوم على

وإنزال آيات األحكام إبطال املسلمة القائلة بأن القرآن فيه بيان كل شيء وال يتضمن متام التشريع اإلسالمي،

مرتلة توجيهات ال إلزام معها أي جمرد توصيات وقوانني مدنية، وحصر القرآن يف األخالقيات الباطنية اخلاصة

.213املرجع نفسه، ص 1

Page 293: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

292

أي جمرد نصائح وإرشادات، والدعوة إىل حتديث التدين بالتطلع إىل دين ينسجم مع فلسفة احلداثة، ذه

األدوات املعاصرة يف قراءة النص القرآين تنتهك حكمية النص النتائج تكون التأرخيية ثالث معوقات تطبيق

خمالفة خلصوصيات - واقع احلداثة الغريب–القرآين، و تكمل خطيت التأنيس والتعقيل يف تأسيس مرجعية غربية

النص القرآين وتعترب تقيدا حمضا وليس إبداعا كما يعتقد الكثريون من الفالسفة العرب املعاصرين، وهو ما

ل طه عبد الرمحن ينقدها نقدا الذعا كيف ذلك؟ جع

بيان املعامل الكربى لتعامل رواد القراءات احلداثية يف بناء على اخلطط الثالث اليت استعرضها 'طه عبد الرمحن'

أم جمرد مقلدين بارعني مؤكدا - اإلبداع–فيهم هو إدعائهم هامع النص القرآين، فإن النقطة احملورية اليت ينقد

للغرب مل يستطيعوا حتقيق احلداثة كما حققتها اتمعات الغربية، وال حتقيق املمارسة اإلبداعية اليت يتطلعون

إليها كما يقتضيها الفهم املناسب لآليات والسور القرآنية، ألم نقلوها من أهلها وأقحموها يف فهم أشياء ال

فهم النص الديين القرآين باسم القراءات احلداثية، "وإذا حنن تأملنا هذه القراءات يف متت إليها بصلة جتسدت يف

ضوء هذه احلقيقة، تبني لنا أن أصحاا مل ميارسوا الفعل احلداثي يف إبداعيته، وال انطلقوا من خصوصية

اره وأدواره، ويتجلى تارخيهم، بقدر ما أعادوا إنتاج الفعل احلداثي كما حصل يف تاريخ غريهم، مقلدين أطو

هذا التقليد يف كون خططهم الثالث املذكورة مستمدة من واقع الصراع الذي خاضعه األنواريون يف أوربا مع

هنا عمل )1(رجال الكنيسة، والذي أفضى إىل تقرير مبادئ ثالثة أنزلت مرتلة قوام الواقع احلداثي الغريب."

لثالث يف التعامل مع النص لدى القراءات احلداثية املقلدة، وهي 'طه عبد الرمحن' على كشف مرجعية اخلطط ا

الفعل احلداثي كما حصل يف تاريخ غري تاريخ املسلمني الذي جيب اختاذه مرجعية، إنه تاريخ أوربا يف عصر

تري األنوار الذي عرف ذروة الثورة على الالهوت وقمة الرتعة اإلنسانية مع الفالسفة األنواريني من أمثال فول

الذي اعترب "مهمة املؤرخ أن يفكر يف تاريخ اإلنسانية بوصفه كال يؤلف وحدة، وأن يتساءل عن معىن التاريخ،

.188-189طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 1

Page 294: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

293

لكن اللجوء إىل الوحي ال يؤدي إىل نظرة يف مشول التاريخ، ألنه يقتصر على إتباع دين واحد، كما ال يكشف

حيث أن أسس احلداثة الغربية ميكن )1(عيهم" عن معىن التاريخ، ألن التاريخ يتقوم من أفعال الناس ومسا

تلخيصها يف منطلق فلسفة األنوار يف تقديس اإلنسان بدل تقديس الوحي، وهو الذي بدون شك أطر خمتلف

القراءات احلداثية يف التعامل مع النص القرآين واستلهمت منه خططها الثالثة، حسب ثالثة مبادئ قامت عليها

ع األمر وهي: وجوب االشتغال باإلنسان بدل االشتغال باهللا للتصدي للوصاية الروحية احلداثة الغربية يف واق

للكنيسة منها استلهمت خطة التأنيس، ووجوب التوسل بالعقل بدل الوحي من أجل التصدي للوصاية الثقافية

صاية السياسية للكنيسة منها استلهمت خطة التعقيل، ووجوب التعلق بالدنيا بدل اآلخرة من أجل التصدي للو

للكنيسة منها استلهمت خطة التأريخ، وهنا ندرك حسب ما ينتهي إليه طه عبد الرمحن الدافع إىل افت

"هؤالء القراء على كل ما أنتجه العمل ذه املبادئ األنوارية يف اتمع الغريب من معارف وعلوم ومناهج

رآنية مكررين يف الغالب إنتاج نفس النتائج اليت توصل وآليات ونظريات فيندفعون إىل إسقاطها على اآليات الق

، هنا ندرك نقطة مهمة عند فيلسوفنا تبني أنه ال يدعوا )2(إليها إليها علماء الغرب بصدد التوراة واألناجيل"

إىل استبعاد آليات القراءة املعاصرة عن النص القرآين ولكن هاجسه املركزي هو كيفية إسقاطها على النص

قرآين، تلك اليت يؤكد أا تفقد فعاليتها بل وتكون مسيئة للنص القرآين ما مل تتجاوز التكرار اآليل لنتائج ال

تطبيق علماء الغرب هلا يف نصوص العهد القدمي والعهد اجلديد كما ظهر عند خمتلف رواد القراءات املعاصرة.

بوصول 'طه عبد الرمحن' إىل نقد فكرة اإلسقاط اآليل للمناهج الغربية على النص القرآين، قدم نقدا على غاية

من األمهية حول حيثيات تطبيقها يف فهم القرآن الكرمي، ميكن اعتباره بداية ملشروع ترشيد استخدام املناهج

وص اليت طبقت فيها، حيث ينقد استخدام الغربية يف قراءته كنص إهلي مقدس منفصل أو متميز عن النص

.185، ص 1984، 1، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2بدوي عبد الرمحن، موسوعة الفلسفة، ج 1 .190مصدر سابق، ص طه عبد الرمحن، روح احلداثة، 2

Page 295: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

294

تعكس معوقات )1(آليات الفهم املعاصرة يف فهم النص القرآين، يف ست نقاط عرضها يف كتابه روح احلداثة

تطبيقها يف فهمه كما يلي:

أول النقاط تتعلق بفقدان القدرة على النقد، بني من خالهلا عدم وجود مشروعية إلسقاط أدوات القراءة

عاصرة عند روادها الفتقارها ملعيار تناسبها كوسائل وآليات، على النص القرآين كموضوع وجمال تشتغل يف امل

إطاره، فهي غري حمافظة على إجرائيتها بعد نقلها من مصدرها من جهة، وغري مراعية خلصوصيات النص الذي

مهية هي مشكلة تبيئة أو تنقل إليه من جهة أخرى، وهنا من دون شك يطرح مسألة على غاية من األ

مشروعية توظيف اآلليات اليت تكون "مشروطة بالنجاح ومالئمة املفهوم املنقول مع املنقول إليه...التبيئة وبناء

، وبناء على )2(املرجعية ال يكونان من دون اإلطالع على ظروف ومراحل تشكل املفهوم يف املرجعية واألصل"

األوىل على رواد القراءات احلداثية أن يبحثوا يف شروط التبيئة بتعاطي حتصيل ذلك يبني طه عبد الرمحن أنه من

القدرة على النقد بدل اإلسقاط اآليل للمناهج و احلفاظ على إجرائية األداة املنقولة وخصوصية النص القرآين

الذي تطبق فيه.

طه عبد الرمحن' أن رواد القراءات ثاين النقاط تتعلق بضعف استعمال اآلليات املنقولة، واليت بني فيها '

احلداثية مل حييطوا باألسباب اليت انبنت عليها أدوات القراءة اجلديدة ومل يتمكنوا من ناصية استعماهلا، بدليل

أم يشغبون ببعض املفاهيم كمفهوم االنغالق أو اإلغالق، أو مفهوم التلفظ ...كما أن بعض املناهج يف نظر

وىل لروادها بعدم نقلها إىل حقل النص القرآين مبوجب أن صبغتها العلمية مل تكتمل يف فيلسوفنا كان من األ

أصلها ومازالت يف بداية الطريق وهي ليست راسخة بل مآهلا الزوال والتغيري، وهذا ما يظهر يف تطورها

عترب تطويرا ألحباث يف والثورات واالنقالبات احلاصلة يف ميداا، كما هو احلال يف السيميولوجيا اليت جندها ت

البنيوية عند 'دوسوسري'، أو منهج حتليل اخلطاب الذي ميكن اعتباره ثورة على املنهج البنوي انقلب على

.194إىل ص190طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، من ص 1 .49بغورة الزواوي، ميشيل فوكو يف الفكر العريب املعاصر، مرجع سابق، ص 2

Page 296: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

295

النظر إىل اللغة كنسق وكبنية مغلقة على ذاا حتكمها عالقات داخلية، وهذا ما صرح به بول ريكور يف

بل صارت نظاما - كما يعرب فتنغاشتاين- فها 'صورة حياتية'قوله:" بعبارة وجيزة مل تعد اللغة تعامل بوص

، هذا )1(مكتفيا بذاته ذا عالقات داخلية فقط. وعند هذه النقطة بالضبط ختتفي وظيفة اللغة بوصفها خطابا"

النموذج لالنقالبات والتغريات يف املناهج املعاصرة، إمنا هو دليل على أن آليات الفهم ليست ثابتة بل هي يف

طور قد يكون مآهلا الزوال، وهنا تفقد إمكانية اعتبارها قواعد قائمة بذاا تطبق حبذافريها على النص القرآين ت

وتبني أا هي بدورها حباجة إىل الدراسة واالمتحان.

ثالث النقاط تتعلق بإصرار رواد اآلليات املعاصرة على العمل ا كآليات متجاوزة وحامسة وحتليالت نافذة،

همني كل قراءة خمالفة هلا بالتراثية والتقليدية والسلفية واجلامدة، وأا ختضع للمنقول الذي من الضروري مت

جتاوزه، ولكن هذا التجاوز بغض النظر األحكام والنتائج السلبية اليت أطلقوها على القراءات التراثية، كان من

قتهم االسقاطية للمناهج الغربية على النص القرآين، األول أن يدفع أصحابه يف نظر فيلسوفنا إىل مراجعة طري

والنظر يف مدى فعاليتها أو يف الفوائد اليت جنوها من تطبيقها يف قراءته بدل اإلسقاط اآليل لكل املناهج دون

األخذ بعني االعتبار تأرخييتها ونسبيتها.

عن العجز عن نقدها من جهة، والعجز عن رابع النقاط ارتباطها بتهويل النتائج املتوصل إليها، الذي يترتب

ابتكار ما يضاهيها من ناحية أخرى، حيث تعظم خمتلف املناهج الغربية هي وصانعيها يف عيون روادها يف قراءة

النص القرآين من املسلمني، فيستعرضون أنواعها وأبواا ومستوياا لغاية تضخيم فوائدها التحليلية والنقدية

د 'أركون' الذي يصفها بالطفرة املعرفية قائال: "وهذه الطفرة ال متس العقيدة يف حمتواها وهو ما الحظناه عن

وممارستها، وإمنا حتيلها إىل مستوى أوسع ومنظومة معرفية أكثر تفتحا وأمشل إحاطة مبا أضافته احلداثة العلمية

، فهو على غرار أقرانه من )2(من نظريات وشروح وتأويالت واكتشافات ووسائل إحقاق احلق واحلقيقة"

.30، ص 2003، 1تر: سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، ط-نظرية التأويل اخلطاب وفائض املعىن -ريكور بول 1

.7من التفسري املوروث إىل نقد اخلطاب الديين، مصدر سابق، ص –القرآن -حممد أركون، 2

Page 297: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

296

رواد القراءات احلداثية، يعترب مناهج الغرب وسائل احلق واحلقيقة اليت شكك فيها حىت يف القرآن الكرمي، وهو

ما يعكس التصورات املضخمة هلا عند خمتلف روادها، حيث يومهون القارئ أم بلغوا غاية التحديث

ا حسب ما وصل إليه طه عبد الرمحن ال تعدوا إما أن تكون ترديدا ملا بواسطتها يف قراءة النص القرآين، إال أ

توصل إليه علماء الغرب، وإما أا ترديد ملا توصل إليه علماء اإلسالم، وإما أا بضاعة مزجاة ال ترقى إىل

ا استنتاجات الفريقني، ناهيك عن غموض أفكارهم وركاكة عبارة غالبيتهم، هذه التصورات جتعل فيلسوفن

يبني أن خمتلف رواد القراءات املعاصرة أعطوا املناهج مكانة أكثر من تلك اليت تستحقها وهو الذي يبني لنا

ضرورة متحيصها هي بدورها قبل أن منحص ا يف النص القرآين.

لنص خامس النقاط يتبني من خالهلا االنعكاس السليب لتطبيقات املناهج املعاصرة لدى روادها على ما ورد يف ا

القرآين، ملا يترتب عنها من قلب لترتيب احلقائق اخلاصة بالقرآن الكرمي أو انتهاك خصوصياته اليت وردت يف

علوم القرآن ودراسات األسالف، من منطلق أم أسقطوا األدوات املنقولة على موضوعات مل توضع هلا يف

افها وأحكامها خارج سياق التداول األصل، تلك اليت تتعلق بالنص القرآين، حيث جاءوا بترتيب ألوص

اإلسالمي، وقدموا ما جيب تأخريه منها وأخروا ما جيب تقدميه، وجعلوا األصل فيها فرعا والفرع فيها أصل،

واألدين أعلى واألعلى أدىن، وتتبعوا الشاذ منها وبنو عليه أحكامهم وهو ما يظهر عند أركون يف تركيزه على

ف الرمسي الذي نعته باملدونة واملصحف الرمسي...وغري ذلك من األوصاف اليت املصاحف احملروقة بدل املصح

تقلل من قيمته أحيانا.

سادس النقاط يتبني من خالهلا االنعكاس السليب إلنزال أو إسقاط آليات الفهم املعاصرة، من منطلق تعميم

ة يف اكتشاف اهول واالطالع الشك على كل مستويات النص القرآين، مؤكدا أن آلية التشكيك باسم الرغب

على خبايا النص القرآين هي راية رواد القراءات املعاصرة يف التعامل مع النص القرآين، موضحا أن تلك اآللية

تبدأ باعتماد الشك كمنهج لبلوغ احلقيقة لترتفع فيما بعد إىل اعتباره قانونا شامال يترتب عنه االرتياب يف

Page 298: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

297

ومتام صالحيته، مضيفا أن عدم صالحية نقل آلية التشكيك يفضي إىل نتائج سلبية أصل النص القرآين وقدسيته

تترتب عن تعميمها وهي اضطراب التحليالت والتباس األحكام وتعثر النتائج لدى روادها الذين كان من

لظواهر وال األوىل هلم تأمل وتفحص تلك اآللية ذاا، الذي تقتصر فائدا يف نظر طه عبد الرمحن على جمال ا

ميكن نقلها إىل جمال اآليات القرآنية اليت خترج عن ذلك اال إىل جمال القيم.

من خالل عرض هذه النقاط الستة اليت اتبعها 'طه عبد الرمحن' يف نقد القراءات احلداثية املقلدة، ندرك أا

رواد القراءات احلداثية، حيث تعكس يف مبثابة نقد ملعوقات لتطبيق املناهج املعاصرة يف فهم النص القرآين لدى

أغلب مواقفه ليس قوله بعدم صالحية املناهج يف حد ذاا، ولكن بعدم صالحية نقلها وإسقاطها اآليل على

النص القرآين، ويدعوا إىل ضرورة تفحصها ودراسة أصوهلا النظرية اليت نشأت فيها، ويؤكد ضرورة التحكم

هويل من شأا لدرجة تقديسها واعتبارها املعيار والنموذج لبلوغ احلقائق، إضافة فيها قبل استخدامها وعدم الت

إىل ضرورة احترامها للحقائق الثابتة يف القرآن الكرمي و مراعاا خلصوصياته وقداسته اليت هي من دون شك

اربتهم لفكرة القداسة أفضل من تقديس املناهج الذي وقع فيه رواد القراءات املعاصرة، ألم روم ال بل حم

يف التعامل مع النص القرآين كنص إهلي يستوجب ذلك، قد وقعوا يف قداسة املناهج واآلليات الغربية

كإبداعات بشرية تتناقض مع أمر تقديسها حسب نسبيتها وقصورها وحاجتها الدائمة إىل النقد قبل نقلها إىل

رح طه عبد الرمحن بأنه "يظهر أن قراءة اآليات القرآنية املوضوع الذي تطبق فيه، ونتيجة ملا تقدم كذلك يص

كما مارسها هؤالء هي تقليد صريح ملا أنتجه واقع احلداثة يف اتمع الغريب، متعرضة بذلك آلفات منهجية

خمتلفة، وال ينفع أن يقال أن إبداع هؤالء القراء يتجلى يف كوم قاموا بتطبيق منهجيات ونظريات مل تطبق

قرآن من قبل، ألننا نقول أن هذا التطبيق ال يعدو كونه إسقاطا آليا، واإلسقاط ال إبداع معه، بل إن على ال

ذا احلكم الذي يبدوا قاسيا لكونه حيشر دعاة )1(هذا التقليد جعل قراءم ترجع إىل زمن ما قبل احلداثة"

.193-192طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 1

Page 299: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

298

يدهم الصريح واملعلن للغرب يف قراءة القرآن احلداثة وأساطينها يف زمرة رواد ما قبل احلداثة، مستندا إىل تقل

الكرمي الذي اختذوا جتديد فهمه منطلقا وأرضية للحداثة، والذي يتجسد يف إسقاطهم اآليل للمناهج دون

تكييفها حسب جماهلا اليت يتم تداوهلا فيها، وذا يستخلص طه عبد الرمحن أنه ال إبداع وال جديد يف القراءات

لقرآن الكرمي، ويبني أن تطبيق املناهج املعاصرة يف ميدانه ترتب عنه أفات منهجية يف طبيعتها احلداثية يف فهم ا

أي مثالب يف التطبيق والنقل هلا يف شكل إسقاط آيل يف ميدان النص القرآين أرجع روادها إىل زمن ما قبل

طه عبد الرمحن، بل يريد فتح احلداثة، شدة وقع هذا احلكم على املدعني أم أصحاب احلداثة ال يقف عنده

أفق جديد للحداثة احلقيقة يف العامل اإلسالمي يف إطار ما مساه روح احلداثة، واليت يهمنا بصدد احلديث عنها،

هو البحث يف سؤال كيف تعامل طه عبد الرمحن مع النص القرآين يف إطارها؟ وما البديل الذي سيقدمه لتاليف

تأسيس قراءة جديدة للقرآن الكرمي تكون حداثية مبدعة؟ القراءة احلداثية املقلدة إىل

القراءة اجلديدة للقرآن الكرمي عند 'طه عبد الرمحن':-3

إن ما يتميز به 'طه عبد الرمحن' عن رجال الدين على الرغم من مسايرته ملواقفهم، هو طموحه أو تطلعه مثله

للنص القرآين، حبيث ميكن اعتباره هو كذلك من روادها إىل بناء قراءة جديدة )∗(مثل رواد القراءات احلداثية

قراءة الفالسفة ميزلكن حسب تصور جديد، هو"القراءات احلداثية املبدعة" أي املتحررة من التقليد الذي

احلداثيني اآلخرين، إذن فهو بدوره يريد أن جيعل القراءة اجلديدة للقرآن الكرمي منطلقا للحداثة ولكن ليس

املتداول والشائع بل باعتبارها حداثة إسالمية أصيلة، حيث يصرح "أنه ال دخول للمسلمني إىل مبفهومها

احلداثة إال حبصول قراءة جديدة للقرآن الكرمي، ذلك أن القرآن كما هو معلوم، هو سر وجود األمة املسلمة

ختلف عنه املسلمون اليوم وهنا ندرك بوضوح هاجسه يف ركب قطار احلداثة الذي) 1(وسر صنعها للتاريخ"

عل من كتاب 'روح احلداثة'، أن 'أركون' تفطًن حلداثية القراءة النبوية، لكن قاسها مبقياس الف193يف هامش الصفحة 'طه عبد الرمحن'يبني ∗

داع املوصول.احلداثي الغريب، مما يبني أنه يساير آرائهم يف الثورة على القراءات الكالسيكية املقلدة لألسالف لكن يف إطار خاص يفهم يف إطار اإلب .193طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 1

Page 300: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

299

من منطلق قراءة جديدة للقرآن الكرمي على وجه اخلصوص، لكن عندما يشتغل فيلسوفنا على احلداثة كغاية

لتجديده للقراءة يف القرآن الكرمي، إمنا يربطها مبفهوم جديد يتعلق حبداثة إسالمية وليست احلداثة األوربية اليت

عملت اتمعات األوربية يف صناعته ليكون وليد هذه اتمعات، وليد تعترب مبثابة "مشروع ثقايف طموح

نفسيتها وروحها ووليد كياا املادي، وليد صراعها وسلمها مع الذات واآلخر، وليد معاناا وآماهلا، وليد

خياطب أرضها ومائها، وليد كل شيء فيها، وإذ أردنا اإلمجال نقول: إنه وليدها الشرعي، وإنه يف األساس

فإذا كانت احلداثة األوربية بنت بيئتها فإنه البد من )1(اإلنسان األوريب، لكونه نبع من نفسيته ومنا يف بيئته"

تصور جديد هلا عند طه عبد الرمحن ينبع من داخل اتمعات اليت تطمح إىل ركب قطارها وتكون إبداعية ال

ا النهوض باتمعات اإلسالمية تكون مستمدة من جماهلا اتباعية أي تتبع اعتقادات وافتراضات خاصة من شأ

التداويل، ويف إطارها ميكن تأسيس قراءة جديدة وفعالة للنص القرآين مناسبة للقرآن الكرمي كمحور حلضارتنا

تبار وحمرك تمعاتنا ماضيا وراهنا، باعتباره سر وجود األمة و تارخيها، هنا يتبني أنه يشترك مع أبو زيد يف اع

النص حمور حضارتنا العربية اإلسالمية، إذن ميكننا القول أن القراءة اجلديدة للقرآن الكرمي عند 'طه عبد

الرمحن'، يصبوا من خالهلا مثل 'أركون' و'أبو زيد' و'اجلابري'...إىل احلداثة اليت هي غايته ومقصده يف هذا

، ولكن ال تكون مفصولة عن أصولنا الدينية والتراثية والسيما العقيدية -جتديد قراءة القرآن الكرمي–املقام

منها، كما هي عليه يف اتمعات الغربية اليت أسست حلداثتها باإلبداع املفصول، إذ تكون موصولة ومتفاعلة

)∗(ق تدشني الفعل احلداثي اإلسالمي الثاينمع الدين يف طوره النبوي أو القراءة النبوية للقرآن الكرمي عن طري

والذي ال يتحقق "إال بإحداث قراءة جديدة أخرى جتدد الصلة ذه القراءة النبوية، ومعيار حصول هذا

التجديد هو أن تكون هذه القراءة الثانية قادرة على توريث الطاقة اإلبداعية يف هذا العصر كما أورثتها القراءة

.23، ص 2006، 1دار الفكر ، دمشق سوريا، ط -دراسة يف املشروع الثقايف الغريب–باسم علي خريسان، ما بعد احلداثة 1يف الفعل احلداثي اإلسالمي األول حسب طه عبد الرمحن جتسد يف الوجود ويف التاريخ يف الطور النبوي األول من خالل قراءته للقرآن الكرمي ∗

إطار التفاعل مع الدين.

Page 301: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

300

، وهذه القراءة اجلديدة من دون شك تتحرك يف سياق اال التداويل اإلسالمي الذي )1(ها"احملمدية يف عصر

يكتسي أمهية كربى يف فهم منهج طه عبد الرمحن يف فهم التراث وعلى رأسه القراءة اجلديدة للنص القرآين.

ث، والذي يدخل من دون شك ونظرا ألمهية اال التداويل كمنهج عند 'طه عبد الرمحن' يف التعامل مع الترا

يف قراءته اجلديدة للنص القرآين باعتبارها مرهونة بتأسيس جمال تدوايل إسالمي عريب متميز عن اال التداويل

الغريب ميكن أن يقرأ فيه القرآن الكرمي قراءة فعالة ومبدعة، وحمافظة على خصوصياته يف الوقت نفسه، فضلنا

أن الفعل: "تداول" يف قولنا "من املعروفرفه لغة واصطالحا، يف قوله:" "الرجوع إىل تصوره له، حيث يع

... ومن املعروف كذلك يف أن لفظ ه فيما بينهم"ارو"تداول الناس كذا بينهم" يفيد معىن "تناقله الناس وأد

مما جيعل اال مشتق من الفعل جال جيول، الذي يدل لغة على معىن دار فيكون اال إذن هو موضع الدوران.

املفهوم يشترك مع مفهوم التداول يف معىن النقلة واحلركة فيكون املراد من إضافته إىل التداول هو حتديد مكان

وزمان هذه النقلة أو احلركة نطقا كانت أو حسا، هذا فيما خيص املعىن األصلي للفظ التداول ولفظ اال.

قد أردنا أن يكون موصوال ذا املدلول اللغوي وصال، ألن عىن االصطالحي الذي نستعملها فيه، فاملأما عن

هذا الوصل هو الذي جيعل أوصافه اإلجرائية مألوفة ومقبولة، وينقل إليها اإلنتاجية املوروثة واملبثوثة يف هذا

التداول، عندنا، مىت تعلق باملمارسة التراثية، هو وصف لكل ما كان مظهرا من فعىن األصلي. وعلى هذا، امل

ال، يف سياق هذه امظاهر التواصل والتفاعل بني صانعي التراث من عامة الناس وخاصتهم، كما أن

املمارسة، هو وصف لكل ما كان نطاقا مكانيا و زمانيا حلصول التواصل والتفاعل. فاملقصود ب"جمال

من خالل هذه التصورات )2(تجربة التراثية، هو إذن حمل التواصل والتفاعل بني صانعي التراث الالتداول"، يف

امللحقة عند 'طه عبد الرمحن' مبفهوم اال التداويل، يؤكد أن حقيقته تدرك يف سياق الترابط بني مفهوميه

يدالن يف اللذان "الدوران" و"النقل" يفهوممفهوم التداول يرتبط مب أن اللغوي واالصطالحي، موضحا

.193طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 1 .244، ص2007، 3ن، جتديد املنهج يف تقومي التراث، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان ططه عبد الرمح2

Page 302: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

301

ويدالن يف استخدامهما التجرييب على لناطقني، أو معىن" التواصل"استخدامهما اللغوي، على معىن النقلة بني ا

معىن احلركة بني الفاعلني، أو التفاعل، واليت يترتب عنها أن التداول هو عملية جامعة بني التواصل والتفاعل،

ديدا الذي ومقتضاه اعتبار التداول ما يكون القول فيه موصوال بالفعل يف التعامل مع التراث والنص القرآين حت

يفهم يف إطار جمال تداول إسالمي يتشكل من أصول ثالثة وهي العقيدة واللغة واملعرفة ميكن أن خنضع هلا

املنقوالت األجنبية عن طريق ما يسميه طه عبد الرمحن بالتقريب التداويل، ألنه يف نظره "ال سبيل إىل معرفة

اويل الذي يتميز عن غريه من طرق معاجلة املنقول باستناده إىل املمارسة التراثية بغري الوقوف على التقريب التد

شرائط خمصوصة يفضي عدم استيفائها إىل اإلضرار بوظائف اال التداويل، فضال عن استناده إىل آليات

، ففي إطار اال التداويل تتحرك القراءة اجلديدة للقرآن الكرمي عند طه عبد الرمحن وهو )1(صورية حمددة"

اال التداويل اإلسالمي، وعن طريق التقريب التداويل ميكن إقحام اآلليات املنقولة يف ذلك اال، وباملزواجة

يتجاوز ما كل من القراءات بينهما ينتهي إىل تأسيس قراءة حداثية مبدعة تقوم حسب تصوره على شرطني

التراثية والقراءات احلداثية، األول يتعلق بترشيد التفاعل مع النص القرآين، والثاين يرتبط بتجديد الفعل

احلداثي، لكي حيصل التفاعل بني االنتقاد واالعتقاد املؤدي إىل اإلبداع املوصول، الذي جيسده يف إعادة لطرح

يف شكل جديد يؤدي إىل املزاوجة بني التفاعل الديين والفعل اإلبداعي يف اخلطط خطط القراءات احلداثية

الثالث كما يلي:

اخلطة األوىل تتعلق بالتأنيس املبدع ويريد ا 'طه عبد الرمحن' جتاوز أهم سلبيات تطبيق آليات القراءة

ها كأركون وأبو زيد يف فهم النص القرآين، املعاصرة، تلك اليت تتعلق باألرضية املفاهيمية اليت يعتمد عليها رواد

واليت مفادها ضرورة أنسنة النص القرآين و رفع صفة القدسية عنه كشرط أو منطلق الستخدامها فيه، مبينا أنه

ال يتخلى عن األنسنة ولكن يقدم هلا تصورا جديدا أو إن شئنا تعديال حيافظ من خالله على قداسة القرآن

.273املصدر نفسه، ص 1

Page 303: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

302

ان، يف الوقت نفسه، يبىن هذا التصور اجلديد على مقصد النصوص القرآنية املمثل يف الكرمي ومكانة اإلنس

تكرمي اإلنسان، ويتجسد يف خطة التأنيس املعدلة اليت "هي عبارة عن نقل اآليات القرآنية من وضعها اإلهلي

ته عليها وفق جمموعة مالحظا فيلسوفنابعد عرض هذه اخلطة يبدي و، )1(إىل وضعها البشري، تكرميا لإلنسان"

من العناصر املفصلة كعادته، مبينا أا ال تنطوي على أي إضعاف للتفاعل الديين كشرط للقراءة احلداثية

حيث تقوم على التعامل مع القرآن الكرمي كوحي نزل بلغة اإلنسان العريب وكخطاب موجه لإلنسان، وال

ألا حتافظ على مكانة اإلنسان اليت يتأسس عليها لكن تنطوي من ناحية أخرى على اإلخالل بالفعل احلداثي

ليس بانتزاع سلطته من سلطة اإلله وإمنا مبوافقة إرادته وهدفها ليس فصل اإلنسان عن خالقة بل وصله به

وصال يرفع مكانته وحيقق كرامته، كما أا توصل إىل حتقيق اإلبداع املوصول ألا تشتغل ببيان وجوه تكرمي

يف النص كأصل من األصول القيمية له وجلب ما ينفعه، وينتهي إىل أنه يف إطار التأنيس املبدع تكون اإلنسان

مهمة آليات الفهم الكشف عن مظاهر تكرمي اإلنسان وأسبابه ومواضعه ومراتبه يف اآليات القرآنية، باستخراج

ن ممثال هللا يف األرض، والذي يترتب عنه األدلة اليت تثبت مبدأ االستخالف الوارد فيها اليت يكون فيها اإلنسا

"ال ضري يف أن حسب تصوره إبطال املماثلة اللغوية اليت أقامها التأنيس املقلد، وهنا يؤكد طه عبد الرمحن أنه

يتعرض النص القرآين مبوجب أشكاله التعبريية إىل بعض ما تتعرض له النصوص البشرية من تأويالت متنوعة

ل واستنتاجات متضاربة، لكن ليست اآليات القرآنية جمرد أشكال التعبريية، وإمنا مضامني وحتليالت متفاوتة، ب

)2( "، وهي األصل فيها ويتصدر هذه املضامني املضمون العقدي تبليغيةألن كل آية يف نظره حتمل مضمون

النصوص يكون يف عقدي جيب البحث عنه وفهمه، والذي يترتب عنه أن املماثلة بني النص القرآين وغريه من

األشكال التعبريية ولكن هذه األخرية ال ينبغي الوقوف عندها بصدد قراءته والبد من جتاوزها إىل البحث يف

.197طه عبد الرمحن، روح احلداثة، مصدر سابق، ص 1 .199املصدر نفسه، ص 2

Page 304: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

303

مضامني اآليات العقدية كارتباطها مبفهوم التوحيد والتعايل واإلطالقية وغريها من املسائل املرتبطة بالذات

اإلهلية.

ملبدع، ويريد ا 'طه عبد الرمحن' جتاوز أهم سلبيات تطبيق آليات القراءة اخلطة الثانية تتعلق بالتعقيل ا

املعاصرة، تلك اليت تتعلق مبعوقات استخدام وممارسة املناهج املعاصرة يف فهم النص القرآين املترتبة عن حمو

لكن دون يف فهم النص القرآين -وفق مبدأ التدبر على وجه اخلصوص-غيبيته، حيث يقوم على توسيع العقل

رفع خاصية الغيبية عنه اليت متيزه عن النصوص األخرى، إذ يضع بديال خلطة التعقيل املقلدة خطة التعقيل

املبدعة واليت "هي عبارة عن التعامل مع اآليات القرآنية بكل وسائل النظر والبحث اليت توفرها املنهجيات

دوا أن طه عبد الرمحن يريد ترشيد استخدام املناهج ، هنا يب)1(والنظريات احلديثة، توسيعا لنطاق العقل"

املعاصرة وال ينبذها كعلماء الدين، وهلذا الترشيد أمهية قصوى للباحث فيها، والسيما إن كانت يف اهتمامات

خمتلف الدارسني ما تزال مشاريع يف بداية مشوارها، ولذلك ال مناص من اإلشارة إىل مجلة املالحظات اليت

ه اخلطة واليت بني من خالهلا يف املالحظتني األوىل والثانية، أن التعامل العلمي مع اآليات القرآنية عن يلحقها ذ

طريق التعقيل املبدع، ال يضعف التفاعل الديين وال خيل بالفعل احلداثي معا، يتحقق األول حني يتخلى دعاة

إلسقاط اآليل للمناهج حلساب العمل على الظفر استخدام املناهج املعاصرة يف فهم القرآن الكرمي عن طريقة ا

بأسباب منهجية خمتلفة غايتها استكشاف املقومات واملعامل احملددة للعقل حسب خصوصيات النظرة القرآنية

له، فهو عقل يتجاوز اإلسقاط اآليل إىل التدبر الوارد يف اآليات ويكون من ناحية أخرى عقل القيم ال عقل

تصور القرآين له، أما الثاين فبدوره مرهون ليس بانتزاعه من عامل الغيب بل بتوسيع آفاق النسب كما يقتضي ال

العقل لكي يدرك أسرار التوجهات القيمية لإلنسان واألسباب املوضوعية املتحكمة يف الوقائع، ويضيف طه

اجه من الطور املادي إىل عبد الرمحن أن العقل املوسع يؤدي إىل ارتقاء وتطور الفعل احلداثي املتجسد يف إخر

، ص نفسها.املصدر نفسه 1

Page 305: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

304

طور آخر يزاوج بني املادي والروحي، أما يف املالحظة الثالثة فقد أشار فيلسوفنا أن التعامل مع القرآن الكرمي

وفق خطة التعقيل املبدع يوصل إىل حتقيق اإلبداع املوصول عندما ال يعارض غيبية النص القرآين ويتجاوز

امل مع النصوص الدينية التوراتية واملسيحية عن طريق توسيع العقل يف فهمه اإلبداع املفصول كما وجد يف التع

يف إطار إدراك القيم املرتلة يف النصوص الدينية اليت ينبين عليها الوجود اإلنساين وتأسيسها والتعريف ا

–ن فكرته والدعوة هلا، وبعد عرض هذه املالحظات ينتهي طه عبد الرمحن إىل نتائج كعاداته يدافع ا ع

مقارنا إياه مع التعقيل املقلد،يبدأ هذه املقارنة ببيان أن االهتمام بالعقل يكون أكثر يف خطة -التعقيل املبدع

التعقيل املبدعة مقارنة مع خطة التعقيل املقلدة ألن األوىل على خالف الثانية ال تشتغل على جتاوز الغيبية من

تغل على جلب ما ينفعه وتعمل من ناحية أخرى على دفع ما يضره من منطلق أا تضر بالفكر العقالين بل تش

الغيبية كما يسود يف بعض االعتقادات، مث االنتقال إىل بيان أن التعقيل املبدع أكثر تغلغال يف احلداثة من

عقب من التعقيل املقلد ألنه أكثر عناية بالعقل الذي يوسع استخدامه وفق العمليات املنهجية السالفة اليت تت

خالله كما يرى طه عبد الرمحن مظاهر توسيع العقل يف اآليات القرآنية ومواطنه وأقداره وتستخرج منها

خمتلف األدلة اليت تثبت مبدأ التدبر الذي دعت له، ليصل يف األخري إىل بيان دور التعقيل املبدع يف إبطال

جدت يف التعقيل املقلد من وجهني، األول مفاده أن املماثلة بني النص القرآين والنصوص الدينية األخرى اليت و

العقل يف النص القرآين هو عقل توحيدي يرتقي على العقل املادي بينما العقل يف النصوص الدينية األخرى ذو

طبيعة وثنية ينحط عن العقل املادي والذي يترتب عنهما أن هناك متايز يف العبادات والقصص بينهما حني متثل

سيلة ملمارسة عقل أعلى بينما يف الثاين وسيلة ملمارسة عقل أدىن، الثاين مفاده أن التسليم بالتشابه يف األول و

بني النصوص الدينية كتجليات لوحي واحد والالحق منها يصدق السابق ويهيمن عليه وجب أن يكون النص

محن إىل أن هناك أفضلية هلذا القرآين هو املهيمن على كل أصناف النصوص الدينية، وهنا ينتهي طه عبد الر

النص على سائر النصوص من ناحية دعوته للعقل وإنكار االشتغال بالسحر واخلوض يف األساطري، ومن ناحية

Page 306: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

305

تسديده وتوجيهه يف االرتقاء من العبادة إىل اإلحسان أو بلوغ املعاين من العالمات الكونية اليت هي غاية

احلداثة احلقيقية .

جتاوز سلبيات تطبيق آليات القراءة املعاصرة 'طه عبد الرمحن'ثة تتعلق بالتأريخ املبدع ويريد ا اخلطة الثال

املترتبة يف التأريخ املقلد القائمة على حمو عائق احلكمية، حيث "هي عبارة عن وصل اآليات القرآنية بظروف

حوا حنو ربط النص القرآين بظروف البيئة ، أي أا تن)1(بيئتها وزمنها وسياقاا املختلفة ترسيخا لألخالق"

والسياق الذي نزل فيها ولكن دف حمدد هو ترسيخ أو تثبيت مجلة القيم واملبادئ األخالقية يف شكلها

. عن طريق "طلب أخالقيات تنأى )∗(اجلديد املتجاوز لألخالقيات اليت وضعها الغربيون وأتباعهم من العرب

أي أخالق تتأسس على ) 2(عن السطح الذي وقفت عنده احلداثة وتغوص يف أعماق احلياة وأعماق اإلنسان"

مجلة املعاين الروحية السامية اليت تؤدي إىل فالح اإلنسان يف العاجل واآلجل وال تقتصر على القيم اهلادفة إىل

شك أا مبثوثة يف خمتلف اآليات القرآنية وإلدراكها وفهم عالقتها باحلياة النجاح الدنيوي فقط ، ومن دون

الدنيوية واألخروية لإلنسان صلة وطيدة خبطة التأريخ املبدع حني تفهم اآليات يف إطار وصلها بسياقها مع

به: مراعاة جتدده كمنطلق لتجديد القيم، وهو ما يوضحه 'طه عبد الرمحن' حسب ثالث مالحظات يلحقها

أوهلا التأكيد على أن وصل النصوص القرآنية بالظرف والسياق الذي وجدت فيه ال يضعف التفاعل الديين

معها يف شيء من منطلق أن خمتلف الظروف والسياقات اليت وردت هي مبثابة التحقق األول واألمثل للمقاصد

ن جتدد حتقق القيم واإلميان ا يف والقيم اليت توجد فيها والذي يترتب عنه أنه كلما جتددت وتغريت أمك

الوقت نفسه وهو الشيء يبني لنا أن اآليات القرآنية حمفوظة حبفظ قيمها يف مجيع األزمنة وخمتلف األطوار،

وثانيها بيان أن ذلك الوصل ال يضر بالفعل احلداثي من منطلق أن التاريخ يستعيد اعتباره يف إطار احلكمية

.202املصدر نفسه، ص 1ودافع عنها مقلدم من العرب حسب نظر طه عبد الرمحن، هي أخالقيات السطح وضعت من أجل دفع أسباب األخالق اليت وضعها الغربيون ∗

الشر واألذى الذي حلقهم من جراء احلداثة. .26، ص 2006، 3طه عبد الرمحن، سؤال األخالق مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية، املركز الثقايف العريب، ط2

Page 307: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

306

احلداثيني من خالل فهم مضمون آية احلكم بتجاوز ما يبديه ظاهر التشريع إىل وليس مبحوها كما يظهر عند

ما يرمي إليه هذا األخري من ختليق للسلوك املترتب وفق ربط آية احلكم بوجهني، وجه قانوين ووجه أخالقي

ا، ثالثها مفادها أن مع اإلقرار بتبعية األول للثاين الذي يترتب عنه أن األحكام تقدر بقدر األخالق اليت تورثه

الوصل يوصل إىل حتقيق اإلبداع املوصول عندما ال ينشغل برفع عائق احلكمية من اآليات القرآنية ويتجه إىل

بيان وجوه ترسيخ األخالق فيه الذي يعترب غاية للدعوة احملمدية وهو ما يلزم عنه أن الوصل الظريف والسياقي

فصوال كما هو احلال يف خطة التأريخ املقلد، وبناء على هذه من اإلبداع هو ما يكون موصوال وليس م

املالحظات يتوصل طه عبد الرمحن أن خطة التأريخ املبدع مقارنة مع التاريخ املقلد تؤدي إىل االنشغال

بالسلوك يف احلياة حني تعمل على جلب ما ينفعه وليس درء ما يضره كما تصبوا إليه، كما أنه أكثر تغلغال يف

ثة من التاريخ املقلد حسب عنايته بالسلوك الدنيوي الذي هو مبدأ احلداثة، وينتهي كذلك إىل أن التأريخ احلدا

املبدع غايته كشف أشكال التخليق ومواضعه ومناذجه ودرجاته يف النصوص القرآنية حني تستخرج منها

ن األحداث التارخيية الواردة يف اآليات خمتلف األدلة اليت تثبت مبدأ االعتبار اليت حتض عليه وتدعوا إليه وذلك أ

ليست وقائع موضوعية حمددة بأسباب كما يتوهم احلداثيون عندما يستعملون النقد التارخيي يف حتليلها ولكن

هي وقائع موجهة ملقاصد ولقيم خمصوصة عندما يدركها اإلنسان بإمكانه أن يتخذها موجها حلياته يف خمتلف

نه كذلك حسب طه عبد الرمحن إبطال املماثلة بني النص القرآين والنصوص ااالت، وهو ما يترتب ع

التارخيية األخرى، ألنه مبثابة النص اخلامت كما يسميه ميتد إىل ما بعد زمن نزوله حيث البد من اإلقرار أن كل

املاضي الوارد زمن يليه هو زمنه بإمكاننا أن نقرأه يف إطاره، وبالتايل ال يتوقف فهمه على استخراج معطيات

فيه ولكن بالبحث فيه عن عالمات احلاضر الذي يربطنا مبجرياته واستشرفات املستقبل الذي يوجهنا حنوه

وجيعلنا نتطلع إليه، والسيما حينما ندرك ما تضمنته اآليات القرآنية من قيم وأخالق ال يغري منها الزمن شيئا

ه. بل هي اليت تغريه وحتدد مساره وتقف وراء أحداث

Page 308: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

307

حول القراءات احلداثية حسب ما قدمها يف كتابه 'روح 'طه عبد الرمحن'من خالل استعراضنا ألفكار

احلداثة' مع بعض التفصيالت فيها أحيانا، ندرك أا تنري الكثري من املسالك والدروب حول إشكالية العالقة

مثل يف املماثلة بني النص القرآين و غريه من بني النص القرآين وأدوات الفهم املعاصرة، والسيما مأزقها املت

النصوص الدينية والبشرية على حد سواء، والذي ميكن اعتباره دون منازع احملرك األول لثورة الفقهاء ورجال

يف جمال حديثه هالدين ضد إقحام األدوات املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي، وقد فضلنا العودة إىل كل تصورات

املقلدة وطموحه ألخرى مبدعة، ألا ختضع لتسلسل منطقي ال ميكن نزع أحد مقدماته أو عن القراءات

والذي جاء بعنوان 'القراءة احلداثية للقرآن - كتاب روح احلداثة- نتائجه، كما بدا يف الفصل الرابع من

ثية املقلدة كما واإلبداع املوصول'، ولكن رغم ذلك ندرك أن حموره فكرة واحدة هي نقد القراءات احلدا

وجدت عند 'أركون' و'أبو زيد'...حسب أرضيتها وأسباا األوىل على وجه اخلصوص، والعمل على جتاوزها

ببناء قراءة حداثية مبدعة تنطلق من أرضية إسالمية وتاريخ خاص باملسلمني، وقد جتلى هذا النقد على وجه

ملتمثلة يف: خطة التأنيس وخطة التعقيل وخطة التأريخ اخلصوص يف استعراض خطط القراءات احلداثية املقلدة ا

وانعكاستها السلبية على النص القرآين املتمثلة يف انتهاك قدسيته وغيبيته وحكميته، ومما الشك فيه أن خطة

التعقيل هي األقرب إىل موضوعنا ألا تتعلق مبثالب استخدام املناهج املعاصرة يف فهم النص القرآين واملتمثلة يف

جوهره يف جوهرها يف املماثلة بينه وبني النصوص األخرى ولكن ال ميكن تصور هذه اخلطة منفصلة عن

اخلطتني األخريني لذلك فضلنا تقدميها مجيعا و االقتصار على خطة واحدة إخالل بتركيبها ومعانيها، ومن

على تقدمي تصورات أخرى هلا ناحية أخرى هذه اخلطط بنقد طه عبد الرمحن هلا فإنه مل يتجاوزها بل عمل

متحدثا عن التأنيس املبدع والتعقيل املبدع والتأريخ املبدع الذي جيعل قراءة القرآن ذات مقاصد ثالث تكرمي

اإلنسان، وتوسيع العقل وترسيخ األخالق، وهي تؤدي إىل اإلبداع احلقيقي يف قراءة القرآن الكرمي وفق جماله

وصول الذي هو املطلوب اآلن، وما نستخلصه من آراء 'طه عبد الرمحن' يف التداويل وعن طريق اإلبداع امل

Page 309: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

308

جمال قراءته اإلبداعية للنص القرآين، هو أنه يدفعنا إىل التفكري يف قراءة جديدة له لكن مراعية خلصوصياته،

م دفاعا مستميتا وجتمع بني العلم والعمل واإلميان والتعقل، ألنه مل يغيب العقل كما يبدوا لنا، بقدر ما يقد

"عن توسيع العقل وعدم تضييع أفاقه، كما دعا إىل ربطه باجلانب العملي وتقييده بالغايات واملقاصد السامية،

وهذا من شأنه أن حيد من جتريد العقل وحيول دون تعريته من القيم حبيث يصري قاعا صفصفا، فيكون لتسيبه

تطيع القول أن تقدمي قراءات جديدة كتعقل لبنية القرآن الكرمي ، وهنا نس)1(األثر الوخيم على النظر والعمل"

أمر مطلوب عند 'طه عبد الرمحن'، لكن على شرط أن تكون مصحوبة بالعمل ومرتبطة بقيم سامية ومتطلعة

لغايات مثلى تدور يف فلك العقيدة والشريعة كما يطلبهما اإلسالم.

اءة جديدة ومبدعة للنص القرآين تثري فينا مجلة من التساؤالت، ولكن قراءة أفكار 'طه عبد الرمحن' حول قر

هل نستطيع إخضاع القرآن الكرمي للمناهج املعاصرة دون املساس خبصوصياته ومقاصده أم نبدع مناهج

جديدة ومناسبة له؟ أمل يكتف 'طه عبد الرمحن' بالتنظري لقراءته اإلبداعية للقرآن الكرمي فقط دون أن يقدم

طبيقية على السور القرآنية جيسد فيها هذه القراءة اإلبداعية اليت يقول ا؟ ملاذا يستفيد من خطط أمثلة ت

أال يدل هذا أنه بدوره متأثر بتصورات - مبدع–القراءات احلداثية بأنواعها الثالثة ويضيف إليها فقط كلمة

متأثرا هو بدوره مبفاهيم ومناهج ومناهج الغرب يف قراءة نصوصهم بل وحبداثتهم املترتبة عنها؟ وإن كان

الغرب ملاذا خيشى إقحامها يف قراءة النص القرآين؟

إن أفكار 'طه عبد الرمحن' تبقى بدورها مبثابة مشروع قيد التأسيس، يقوم على جتاوز قطائع القراءات احلداثية

مهيتها القصوى تكون يف مع التراث وفكها من أسر التقليد الذي ختبطت يف غياهبه، ومما الشك فيها أن أ

ترشيد استخدام املناهج واآلليات املستخدمة يف فهم النصوص وليس العمل على تالفيها كما بدا يف الكثري من

أفكار فيلسوفنا، واليت ترتكز يف جوهرها على البحث عن أرضية جديدة هلا تكون مالئمة للقرآن الكرمي

.53، ص 2009، 1، مركز احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي، بريوت لبنان، ط-قراءة يف مشروعه الفكري-مشروح، طه عبد الرمحن ابراهيم 1

Page 310: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

309

لفهم املعاصر أو تقدمي بدائل هلا تضاهيها علمية وفعالية هي املهمة بالدرجة األوىل، إن هذا ترشيد تطبيق آليات ا

اليت يناط إسنادها لكل باحث يف حقل القرآن الكرمي، هذا ما جيعلنا ننتهي إىل أنه من الصعب جدا احلكم على

تشرافا فشل أي قراءة مقدمة للنص القرآين ما مل نقدم البديل الفعلي واألمثل هلا، الذي يبقى من دون شك اس

وطموحا.

Page 311: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

310

: للربط بني النص القرآين وأدوات الفهم املعاصرة رؤية استشرافيةاملبحث الثالث:

إن التطلع إىل الرؤية االستشرافية كتتويج لبحثنا يف إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصرة،

ديدة للقرآن الكرمي، لكن هدفنا األمسى ومقصدنا األسىن يف اجلقراءة معايري الال نسعى من خالله إىل بيان

طرحه، هو بيان تطلعات وطموحات وأفاق رحبة ميكن أن تفتحها لنا املناهج املعاصرة يف جمال التعامل مع

بعاد النص القرآين، وغايتنا املثلى هنا اإلشارة إىل رؤية ذات فعالية تتجاوز النقد السليب اهلادف إىل است

استخدام خمتلف األدوات املعاصرة يف فهم النص القرآين، كما جتسد يف القراءات احلداثية اليت ال مفر من

يف فهم النص القرآينوآليات الفهم املعاصرة الرجوع إليها كمشاريع ملموسة وفعلية لفهم طبيعة العالقة بني

رغم ني من براثن التخلف وتركبهم قطار احلداثة، فظل عدم وجود مشاريع مقابلة هلا إمكاا أن تنتشل املسلم

، فإن جيب اإلقرار أا جمرد مشاريع مازالت يف البداية وال ميكن اجلزم هاالنقد الالذع الذي وجه آلراء رواد

حنو اعتبارها مشاريع قيد التأسيس واإلجناز، وهو ما يدل أا بإمكاا أن تنحوابفشلها، ألن خمتلف آراءهم

ليست جمرد نظريات مت تأسيسها وبنائها هي وورؤى للنقد البناء، أفاق للبحث العلمي وفرضيات للدراسة تفتح

أو قواعد ثابتة لقراءة النص القرآين مت حتديدها وبلورا، كما أن خمتلف النتائج اليت انتهى إليها روادها ليست

ال حدود له وال يكون مسيئا أو منتهكا جلملة سلبية يف جمملها، إذ ميكن استشرافها يف فتح أفاق حبث علمي

اخلصوصيات اليت وجب أن حتترم بصدد قراءة النص القرآين باعتبارها متيزه عن غريه من النصوص كوحي من

إىل ماذا ميكن التطلع يف طرح فناحية، و ال متنع استخدام آليات الفهم املعاصرة يف ميدانه من ناحية أخرى،

آليات الفهم املعاصرة والنص القرآين؟إشكالية العالقة بني

العالقة بني طرحه إلشكالية بصدد ،إدراكها توخى الباحثميكن البحث يف األفاق و التطلعات اليت ي

أدوات الفهم املعاصرة وقراءة النص القرآين عدة جوانب أمهها:

Page 312: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

311

يف خمتلف القراءات احلداثية التطلع إىل البحث عن مفهوم جديد مناسب للقرآن الكرمي: من خالل حبثنا - أ

وانتقاداا، ندرك أن استشراف جناحها يكمن يف يئة أرضية مناسبة لتطبيق املناهج املعاصرة تكون مناسبة

لتصور القرآن الكرمي كوحي إهلي يف الوقت نفسه، فقد بينت خمتلف رؤى رواد تطبيق آليات الفهم املعاصرة

حيث "تبدو مهمة املعاصرين أساسا يف ، القرآين مفهوم جديد للوحيتأسيس يف فهم النص القرآين، أمهية

إعطاء معىن جديد يساير ما وصل إليه العقل اإلنساين، وتطورات حياته من غري مساس باجلانب الغييب للنص

تطبيق مناهج الفهم ل كخطوة أوىل لحظة انطالق ال مفر من اكتشافها ك )1(القرآين املطلوب اإلميان به"

، ولكن هذه اخلطوة على الرغم من اهودات اليت بذلت فيها لدى املعاصرة يف قراءة وفهم النص القرآين

القراءات احلداثية، ال تزال يف حاجة إىل تأسيس مفهوم مناسب خلصوصيات النص القرآين ومواكب ملعطيات

تميزا يف الوقت نفسه عن النصوص العلم اجلديدة تلك اليت جتعل الوحي القرآين نصا وظاهرة وخطابا لكن م

األخرى دينية أو بشرية، حبيث ال تكون مسيئة للقرآن الكرمي كما بدا للبعض إن حنن استشرفنا جمال آخرا

لطرحها يراعي خصوصيات النص القرآين وحيترم قداسته وغيبيته وحكميته كما رأى طه عبد الرمحن الذي

ية كصفات ميكن أن تلحق بالنص القرآين لكن حسب جماله حاول احلديث عن األنسنة والتعقيل والتأرخي

التداويل اإلسالمي، إن أفق البحث عن مفهوم القرآن الكرمي يرتبط بأشكلة مفهومه كما جسده 'اجلابري' يف

وكما تبني يف أحباث 'أركون' حول مفهوم ) 2("هل حيتاج القرآن إىل تعريف؟ سؤال مشروع متاما" قوله:

'أبو زيد' على مفهوم النص، وأفكار ' بن نيب' حول الظاهرة القرآنية...من الضروري أن الوحي، وتصورات

يكون منفتحا على مجيع التصورات مبا فيها تلك اليت توجد عند العامة كتصورها هلا كمصحف وآداة

للتربك...وعند املسلمني ككتاب ائي ومطلق وشامل...ونظرة اآلخرين له من املسيحيني واليهود

والبوذيني...هي بدورها وجب أن تطرح وتدرس بدورها....وبعد اإلشارة إىل هذه التصورات منيز بينها وبني

أحمد(بوعود،(الهرمينوطيقا(والنص(القرآني،(مقاربة(تأويلية(مقارنة(Jفهوم(Fنسان(0ي(القرآن(الكريم،(أطروحة(دكتوراه(0ي(.داب،(1

.2012-2011كلية(.داب(والعلوم(Fنسانية،((ظهر(اJهراز(فاس(اJغرب،(السنة(الدراسية((جامعة(فاس .17اجلابري حممد عابد، املدخل إىل القرآن الكرمي، مصدر سابق، ص 2

Page 313: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

312

التعامل مع القرآن كنص للقراءة وكخطاب حيلل بأدوات الفهم املعاصرة، هذه املفاهيم طرحها اجلابري

ريف بالدقيق باملوضوع بدليل وأركون وأبو زيد...لكم مازالت يف حاجة إىل الضبط ألا مل ترق إىل التع

تعترب شرطا لتطبيق -القرآن الكرمي–تضارا وتنوعها وتناقضها أحيانا، ومن املعروف أن املعرفة باملوضوع

املنهج يف ميدانه بصورة صحيحة، تبعا للفرضية االبتسمولوجية طبيعة املوضوع حتدد طبيعة املنهج، ولكن أراء

القرآن الكرمي ركزت على املنهج أكثر من املوضوع على الرغم من قيامها على رواد اآلليات املعاصرة يف قراءة

مثل مناسبة مفهوم -أشكلة مفهوم القرآن الكرمي ألا قامت خلفيات تتمثل يف جعل املوضوع مناسبا للمنهج

عن طريق ومن املفروض أن حيدث العكس –القرآن الكرمي للتفكيك عند أركون أو للهرمينوطيقا عند أبو زيد

التطلع إىل البحث يف املفهوم مستقال عن املنهج أي جعل املنهج مناسبا للموضوع وليس العكس حبيث يكون

مستمدا منه حمترما خلصوصياته، وقد بدا يف حماوالت 'اجلابري' الذي قدم مجلة من التعريفات للوحي القرآين

ربة الوحي ليست من التجارب اليت ميكن أن يألفها " جت وللقرآن الكرمي حتديدا حتترم خصوصياته عند قوله بأن

اإلنسان بسهولة. إا بالتعريف جتربة من مستوى فوق املستوى البشري، وحممد بن عبد اهللا واحد من البشر

صيبه ت اعادي امتلقي الوحي بشر هاعتبار على الرغم منأنه الذي بني من خالله )1(يعتريه ما يعتري البشر"

إال أنه يفصل الوحي عن ما هو مألوف أو وقوله بالظاهرة القرآنية، اليت تصيب الناس اآلخريننفس الظواهر

أشكلتهال حياول و يعتربه ظاهرة متعالية عن كل ما هو بشري وفه، كما قال سالفه 'أبو زيد' العرب معهود

واألحاديث النبوي آنية مبعطيات اآليات القر ولكن على طريقة خاصة تتأثر زيد، وأب على طريقة أركون و

وتستفيد يف الوقت نفسه باملناهج املعاصرة وعلى رأسها املنهج البنيوي، وهي رؤية ال نريد ، ورؤى األسالف

من خالهلا أن ننتصر آلراء اجلابري ولكن لبيان إمكانية جعلها منطلقا إلرساء دعائم نظرة جديدة للقرآن الكرمي

تزم خصوصياته ال خصوصيات النصوص األخرى املوجودة يف التوراة كأرضية لتطبيق املناهج املعاصرة تل

.106املصدر نفسه، ص 1

Page 314: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

313

واإلجنيل، نعتقد أا هي الشرط األول والرهان املطلوب اآلن للحديث عن أي جناح لتطبيق املناهج املعاصرة يف

سس ميدانه يف إطار البحث العلمي املوضوعي والفعال خارج التنظري ارد والتأسيس الفارغ الذي ينطلق املؤ

لقرآن الكرمي من القرآن ذاته هو معاصر لعلى إشكاليات تدور يف حلقة مفرغة، نعتقد أن البحث يف مفهوم

بعيدا عن مفهوم الوحي الشامل واملصاحف احملروقة وجمال اعتباره جزءا من الثقافة العربية لكن دون املطلوب

ثمره يف فهم واقعه وحل مشاكله .االستبعاد لفكرة التعامل معه كخطاب موجه إىل متلق بشري يست

التطلع إىل إعداد حبوث خاصة حول أمهية النص القرآين: يتبع البحث يف مفهوم القرآن الكرمي البحث يف - ب

أمهيته يف حياتنا السياسية واالجتماعية والثقافية والدينية، لكن بصورة جديدة تقوم على استثمار أدوات الفهم

يما حني تسعى إىل تنقيته من شوائب اإليديولوجيا اليت محلَتها له تصورات البشر حىت املعاصرة يف بنائها، والس

تبني أمهيته الدنيوية واألخروية لنا بصورة موضوعية وهادفة، فبحثنا فيها يف موضوعنا هذا جعلنا ندرك أن هناك

جهة الراهن واستشراف أمهية جيب إيالئها للقرآن الكرمي تقوم على اعتباره حمور فهم التراث وأساس موا

ط حتقلل من أمهيته أو تال املستقبل، وتبني لنا من ناحية أخرى أن استخدام أدوات القراءة املعاصرة يف ميدانه

، ألن جمرد افت كبار الفالسفة حني جتعله مماثال لغريه من النصوص كما يبدوا يف االعتقاد السطحي من شأنه

جيب البحث إمنا هو صورة تعكس مكانته السامية يف جمتمعاتنا بل ويف العامل قراءته، املعاصرين على تطبيقها يف

القرآن الكرمي مبثابة املثال البارز على أن القراءة بأن رأىفعندما نعود إىل علي حرب جنده قد فيها بشكل دائم،

وهنا يشري بصورة ضمنية على )1("هو من أكثر النصوص حثا على القراءة واستدعاًء هلا" اختالف ونظرة أحادية

إشكالية قراءته يف خمتلف العصور ، وأنه على غاية من األمهية جسدا طرحاألخرىأمهيته على النصوص

وهي كلها دليل على دوره الفعال يف شىت واألزمنة ويف ميادين الفقه وعلم الكالم والفلسفة والتصوف...

ب األول كشرط فهم لتراثنا اإلسالمي، لذلك فاستخدام أدوات العصور وأن البحث فيه ويف مسائله هو املطلو

.6حرب علي، نقد احلقيقة، مرجع سابق، ص 1

Page 315: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

314

املعاصرة يف قراءة النص القرآين من شأنه أن يكشف لنا أمهيته ودوره اليت من الضروري أن تطرح يف أحباث

جديدة تقوم على القراءة املقاصدية له بعيدا عن التنظري املفرغ.

ال تزال يف بداية صرة: مبا أن اآلليات املعاصرة يف فهم النصوص، التطلع إىل التحكم يف أدوات القراءة املعا- ج

للتمكن منها قبل نقلها إىل خاصة، ، والبد هلا من أحباث وملتقيات وورشات على املستوى األكادمييمشوارها

طريق التحكم يف ناصيتها واخضاعها للمجال التداويل أنه عن 'طه عبد الرمحن'كما اشترط ف، القرآن الكرمي

ميكن بناء قراءة مبدعة للنص القرآين، فالبد من تنويع األحباث العلمية يف ميادين السميولوجيا اإلسالمي

والتفكيك...وكل أدوات القراءة ودراستها دراسة جادة ومعمقة تقوم يف جوهرها على البحث يف أصوهلا

رهان ط لتبيئتها يف النص القرآين كوكيفية تطورها وفعاليتها يف فهم النصوص املطبقة فيها، والبحث عن شرو

يف الوقت غري مغلق له صوصياته و خل يف شكل جديد وفعال يكون مراعيا يف ميدانه، هالتطبيق ال مفر منه

والتطلع إىل استثماره يف مواجهة حتديات الراهن وأفاق املستقبل.باب النقاش والسؤال عننفسه

يف مواكبة املستجدات: رغم اآلليات املعاصرة يف فهم النص القرآينآراء رواد تطبيق التطلع إىل استثمار - د

النقد والرفض املوجه لدعاة الربط بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصرة، فال ميكن إنكار تضمن آرائهم يف

ي كظواهر فهم النص القرآين، ألفكار ذات فعالية يف مواجهة املستجدات اليت يعيشها العاملني العريب واإلسالم

اإلسالموفوبيا والتطرف...، ولذلك البد من استثمار مواقفهم يف فهمها، والسيما تلك اليت تتخذ طابعا

سلبية كلها كما يذهب رجال الدين، بل هي فهي ليست ،إجيابيا يف فهم النص القرآين فهم مواكبا وفعاال

له، منها يف استشراف قراءة موضوعية نظرة جديدة باإلمكان االستفادة ى فهم القرآن الكرميتضفي عل

أن أي دراسة حني أشار إىل 'أبو زيد' كما ذهب إليهوالسيما تلك اليت تنظر إليه كخطاب وتعبري عن وقائع

إن يف الدراسات –للنص القرآين "ال تضع يف اعتبارها إعادة االعتبار لطبيعته األصلية احلية بوصفه "خطابا"

Page 316: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

315

فالتأويلية احلية هي من )1(لن يستطيع أن تنتج "تأويلية حية ومنفتحة" -يف احلياة اليومية األكادميية أو يف تداوله

والنص القرآين عند أبو زيد واليت ميكننا أهم األفاق اليت ميكن التطلع إليها بصدد دراسة العالقة بني اهلرمينوطيقا

فهم مستجدات واقعنا وعالج خمتلف أزماتنا، ألا مبثابة " السعي إىل تأسيس "تأويلية حية" مفتوحة، ضد

تأويالت "السلطوية" و"الكليانية"، ينطلق من حقيقة فحواها أن تأويل القرآن هو يف حقيقته سعي لصياغة

ا حقا جادين يف سعينا لتحرير الفكر الديين من سلطة القهر والقوة، سياسية كانت أم "معىن احلياة". وإذا كن

اجتماعية أم دينية، من اجل إعادة احلق يف صياغة املعىن الديين للمؤمنني، فال سبيل أمامنا إال حماولة بلورة

أمة يهيمن عليها التفكري الديين ، فبما أننا نعيش يف )2(منهجية تأويلية تقبل تأويل غريها وتبين عليه أو تعارضه

وحيتل فيها النص القرآين املركز فإننا يف حاجة إىل ربطه بتأويل مناسب ملستجدات احلية تنطلق من النظر إليه

ذان ال يزالن الطابع املميز للتعامل مع النص القرآين يف لكخطاب بعيدا عن الدوغمائية والتعايل على الواقع ال

جيدي نفعا يف أمة مازالت تفتش عن احلداثة يف ظل بلوغ األمم األخرى مرتبة ما بعد جمتمعاتنا والذي ال

احلداثة.، و الربط بني النص والواقع والسيما يف إطار القول بتارخييته أساس بناء نقاش علمي وفعال للنص

ال عبد القادر صاحل القرآين حنن حباجة إليه لكي نستثمره يف ركوب قطار احلداثة، ألنه كما يذهب الباحث نض

"بدون ربط النصوص الدينية مبختلف مصادرها يف اتمع الذي خاطبته، وبدون االعتراف بتارخيية هذه

النصوص سنظل ندور يف نقاش بزنطي ال طائل حتته ولن نلحق بركب احلضارة وسنبقى على هامشه عرضة

على النص الذي البد أن ينظر إليه فحسب الباحث القداسة هي من إضفاء البشر )3(للسطو والسيطرة"

كخطاب كما بني أركون وأبو زيد أنه ذو عالقة حية مع الواقع، وقد بني ذلك بأمثلة هامة من الراهن اليومي

- تدل على أمهية فكر أبو زيد وقيمة التأويلية يف التعامل مع النص باعتباره قد استقاها منه كما يصرح يف كتابه

.215ني املعرفة العلمية واخلوف من التكفري، مصدر سابق، ص أبو زيد نصر حامد، التجديد والتحرمي والتأويل ب 1 .215. املصدر نفسه، ص 2 .204، ص2006، 1دار الطليعة بريوت لبنان، ط -بني النص والواقع-نضال عبد القادر صاحل، املأزق يف الفكر الديين، 3

Page 317: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

316

:" يقدم لنا نصر حامد أبو زيد صورة عن املأزق الذي يقع فيه رموز اخلطاب الديين - املأزق يف الفكر الديين

مبينا أم على الرغم من أم مل يصرحوا بثورم على الالهوت ) 1(حني يواجهون حبقائق الواقع والتاريخ"

ا يف مواقفهم ويبينون وباحلرية يف الفهم وباستخدام أدوات القراءة املعاصرة كالنقد التارخيي، فإم يؤكدو

حاجة اإلسالم هلا يف الراهن واملستقبل، كما هو احلال مع الشيخ يوسف القرضاوي وفتوته بالقول "إنه جيوز

ه وغريه من علماء اليت بينت أن )2(للمرأة غري املسلمة اليت حتولت إىل اإلسالم أن تبقي زواجها من غري املسلم"

وبالتارخيية على الرغم من عدم تسليمه ما، ومع موقف الشيخ الطنطاوي بالتحديات اجلديدةون متأثر الدين

وأمثلة أخرى تعكس اجلدل يف )3(من موضوع األقباط واجلزية الذي "قال إن اجلزية كانت ممارسة تارخيية"

–الفتوى كما هو احلال مع مثال تويل املرأة ملنصب الرئاسة يف الدول اإلسالمية الذي طالب شيخ األزهر

من خالله جممع البحوث اإلسالمية بفتوى جتيزه رغم خمالفته إلمجاع املسلمني، وهنا حسب -طنطاوي

الباحث "مطالبة تدل حبد ذاا على االعتراف الضمين حبقيقة تارخيية النصوص الدينية وإن مل يعترف بذلك

'أبو زيد'اليوم لنا استشراف أفكار ، بعد هذه األمثلة احلية نتساءل أال حيق )4(ممثلو ورموز الفكر الديين"

وتعديلها حسب ...القائلة بتارخيية النص القرآين لفهم الكثري من املستجدات أو النوازل بلغة الفقهاء'أركون'و

خصوصيات النص القرآين عن طريق ربطها باملفاهيم وباملناهج املعاصرة ولكن بتجاوز أرضيتها اخلاصة ا إىل

.للقرآن الكرمي؟ربطها بأرضية مناسبة

التطلع إىل استخدام آليات الفهم املعاصرة يف قراءة النصوص املضافة إىل النص القرآين: ال نبالغ إن قلنا أنه - د

من األوىل استخدام آليات الفهم املعاصرة يف قراءة النصوص املضافة للقرآن الكرمي قبل استخدامها فيه هو يف

يف قراءته باسم القراءة وميارس ا سلطة متنوعة األشكاله ل من حيتكر فهمكانت وال تزاذاته، ألا هي اليت

.206املرجع نفسه، ص 1 املرجع نفسه. 2 .207املرجع نفسه، ص 3 فسه.املرجع ن 4

Page 318: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

317

كما جتسد يف نصوص املتكلمني والفقهاء والفالسفة اليت احتكرت منذ القدمي املطابقة والصحيحة والنهائية،

كشف أال عيبها وجانبها من الضروري ومعىن حمددا كرس له أتباعه وما فتئوا يدافعون عنه إىل يومنا هذا،

ليس يف نصوص وطوره األول،ه التفتيش يف جذورواإليديولوجي قبل االنتقال إىل القرآن الكرمي يف ذاته

الفقهاء فقط بل حىت يف نصوص املعتزلة وابن عريب وابن رشد وكل الفالسفة اليت كثريا ما يتغاضى عنها أبو

ال نبالغ إن قلنا أن آراء رواد ف اء عقالنيتها وتنويريتها، زيد وأركون واجلابري حني يثنون عليه حتت غط

القراءات املعاصرة يف التعامل مع النص القرآين، تكون ذات أمهية كربى حني ترتبط بالبحث يف النصوص

املضافة إىل النص القرآين، وأن االهتمام بقراءة تلك النصوص بأدوات القراءة املعاصرة أوىل من تطبيق هذه

كما أشرنا سالفا جند 'أركون'يف حد ذاته، فإذا عدنا إىل أحباث -القرآن الكرمي- على النص األصلي األخرية

أا ارتبطت بالنص األصلي عن طريق كشف املسكوت واملهمش يف ميدانه، والشيء نفسه بالنسبة ألبو زيد

ى وفعالية طرح قضايا كهذه، نتساءل ما جدوفاهتمامه مبفهوم النص كمركز للحضارة العربية اإلسالمية، لكن

مع املفكر بوزيد بومدين: هل ميكن القول أن احلضارة العربية اإلسالمية مل كذلك نتساءل ومن ناحية أخرى

يف ظاهره حيافظ على النص األصلي - مؤول–تقم على النص فقط بل أيضا على التأويل؟ أي إنتاج نص آخر

تحرر منه، حياول التجاوز أو اخلروج أو حىت اهلدم مبا تتيحه لغة الذي حلقه التأويل ولكن يف عمقه الباطين م

هذا النص من إمكانات لغوية كمجازيتها اليت تسمح بالتعدد يف الفهم وبتجدد يف املعىن تلحقه الذات

مي فالنصوص املضافة إىل النص القرآين هي اليت يمن بقوة على الساحة العربية واإلسالمية منذ القد )1(املؤولة"

إىل يومنا هذا، وتكرس هذه اهليمنة بتوظيفها أو احتكارها للنص األصلي يدعي أصحاا إدراك املعىن املطابق

والصحيح والنهائي يف إطار احترم ظاهر النص خيفي باطن يتجاوزه بل ويهدمه ومن دون شك أنه هو النية

داسته وتبطن العمل على انتهاكها يف الوقت والقصد والغاية يتحرك يف أرضية إيديولوجية خصبة تظهر احترام ق

.31دراسة يف املنهج التأويلي عند شلري ماخر وديلتاي، مرجع سابق، ص –بومدين بوزيد، الفهم والنص 1

Page 319: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

318

على املعريف حال دون قراءة تأويلية -بل ميكن القول انتصار اإليديولوجي- نفسه، اليت ترتب عنها تداخل

متجاوزة ومبدعة حسب فيلسوفنا، اليت دفعته إىل التساؤل من جديد:"هل معىن هذا ينبغي الذهاب إىل الدعوة

يتم العجز عن هذه القراءة اإلبداعية؟ أم ينبغي الذهاب إىل العكس، وهو البقاء إىل التحرر من النص حني

داخل سياج النص كسجن اختياري؟، أم إىل قراءة جديدة ال ترن للواقع وال تقع حتت سطوة العقل العريب

ندما تطرح يف هذه األسئلة أكد فيلسوفنا أا ع )1(بل تعيش أزمنتها الثالثة مستلهمة حضارا وهويتها؟"

جمال ثنائية، التجديد أو التقليد، اإلسالم واحلداثة...قد ختلق كسال فكريا حيول دون حبث نظري عميق يف

تراثنا وثقافتنا ودون تقدمي إجابات إبداعية تنتشلنا من التكرار والتقليد واالغتراب، وهنا ينتهي إىل ضرورة

ل مضاعف وهو تأويل التأويل حني صرح بأنه: "ميكن القول االهتمام بالتراث والنصوص املضافة يف إطار عم

أن فهم تفكرينا العريب اإلسالمي املعاصر وكشف عوائقه االبستمولوجية يبدأ من فهم أرضيته التراثية الضخمة

املشكلة بفعل قراءات متعددة عرب السنني للنص القرآين املشكل للحضارة العربية اإلسالمية، والفهم هذا أيضا

ولكنه فهم جديد يعتمد منهجيات معاصرة تتحول على يد بعض الكتاب - أي تأويل للتأويل-قراءة لقراءة هو

العرب أحيانا إىل ميكانيكية تقتل القراءة يف حد ذاا، أي تعيق ذاتا قارئة وتطمس جوانب أكثر إضاءة وقابلية

أن تفعيل وتطوير استخدام 'بوزيد بومدين' وعليه يؤكد الباحث )2(اإلسالمي" - للحياة معنا من التراث العريب

أدوات القراءة املعاصرة يف فهم القرآن الكرمي، جيد أرضيته يف التراث وزمن التأويل الذي هو أوىل من زمن

الترتيل من حيث حاجته إىل القراءة وإعادة التشكيل، بعيدا عن التكرار والتقليد عن طريق االستفادة من

تستلهم بعيدة عن االستنساخ والنقل احلريف هلا، حني تكون وجب أن املعاصرة اليت بدورهاالتأويلية الغربية

ـأرضية إلقامة تأويلية فلسفية عربية ذات خصوصية حضارية متميزة، مدخلها وأساسها متابعة مسار إشكالية

رآين يراعي قراءة النص القرآين عرب التاريخ، فهي من دون شك تفتح أفق جديد للربط بني النص الق

.32 - 31املرجع نفسه، ص1

.32املرجع نفسه، ص 2

Page 320: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

319

أولوية قراءة - خصوصياته وخصوصيات تراثنا وينفتح على مناهج الغرب يف الوقت نفسه، ويف هذا اإلطار دائما

نصل إىل نتيجة هامة مع الباحث عمارة الناصر وهي أنه من الضروري أن " يشتغل - النصوص املضافة

لتفسري ويعمل على نزع احلماية من املعىن املأخوذ العمل اهلرمينوطيقي على فك رموز اللغة اليت يشتغل ا نص ا

كمعادل ملعىن النص الديين، وذا جند إمكانية اقتحام الفهم املشبع بالوعي التارخيي والذايت لعامل النص الديين

تق فاملهمة امللقاة على عا )1(جيب أن متر عرب اقتحام النصوص ااورة له يف املعىن واملتباعدة عنه يف اللفظ"

اهلرمينوطيقا اليت أهم آليات الفهم املعاصرة للنص القرآين، هي االشتغال على النصوص املوازية له، اليت اعتربت

نفسها ممثال له وأمينا على ما حييل إليه من معاين يف إطار التطابق بني ما يوجد يف النص البشري و ما ورد يف

ت مضى القتحام النصوص ااورة، من أجل كشف النص اإلهلي، واحلاجة ملحة اليوم أكثر من أي وق

خلفياا يف أدجلة فهم النص القرآين، الذي ظلت حتتكره مكرسة أصنافا خمتلفة من اهليمنة مل جين منها اتمع

اإلسالمي إىل التقوقع واالحنطاط الذين ال سبيل إىل جتاوزمها إال بكشف طبيعة العالقة اليت أقامتها الذات يف

مع لغة النص عرب تارخيي التفسري والتأويل، واليت آلياا اليوم إرساء دعائم "حوار مفتوح بني الفلسفة التعامل

املعاصرة والتراث العريب اإلسالمي يف صميمه األساس أي يف إنتاج املعىن املطور عن فهم وتفسري لغة القرآن

ت وبني التارخيي واملقدس وبني الوعي وعاملها، فعرب احلوار تنشأ توازنات بني وجود اللغة ووجود الذا

)2(والالوعي، وهي التوازنات اليت يراهن على حتقيقها تأويل مفتوح على عامل النص وعامله الداخلي أيضا"

ملعاصرة وعلى رأسها التأويلية، هو البحث يف االختالل احلاصل افالرهان األكرب يف قراءة النص القرآين باآلليات

ة القرآن الكرمي والذات القارئة له، وبني التارخيي احملايث واملقدس املتعايل، وجتاوزه إىل خلق يف العالقة بني لغ

توازن بينهما عن طريق تأويل على عامل النص وعامله الداخلي.

، 2007، 1الدار العربية للعلوم ناشرون، دار الفارايب ط-الغربية والتأويل العريب اإلسالمي مقاربات يف اهلرمينوطيقا- عمارة ناصر، اللغة والتأويل 1

.206ص .207املرجع نفسه، ص 2

Page 321: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

320

اهلاجس نعتقد أن تقوم على عالقة تفاعلية بني آليات الفهم الكالسيكية واملعاصرة: قراءة التطلع إىل- ه

تطرحه إشكالية العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر والذي من شأنه أن جيعل ي املركزي الذ

للبحث يف إمكانية للتوفيق بني املناهج الكالسيكية التطلع يف ، يكمن البحث فيها أكثر جناعة وفعالية

واملعاصرة يف جمال قراءتنا للنص القرآين بصورة تقوم على تفاعلها وتبادل منافعها لغاية واحدة هي إدراك

-النص القرآين وآليات الفهم املعاصرة–فعاليتها اليت تفتقدها اليوم، فنحن بصدد البحث يف موضوعنا املتناول

على رح عام للمسألة من حيث أرضيتها وتطورها عرب التاريخ وتبلورها عند أبرز أقطاا وتداعياا، قمنا بط

أن نستشرفه مستقبال يف ذلك اإلطار أي بعد التمكن من املناهج املعاصرة والتحكم يف ناصيتها بلغة 'طه عبد

تاج إىل سنني طويلة من احلفر والبحث الرمحن' وبعد التمكن من التراث وقراءة املناهج الكالسيكية اليت حت

نطمح إىل إجياد عالقة هادفة بينهما ألننا كثريا ما الحظنا أن قراءة العلماء اليوم للقرآن الكرمي ال ،والتنقيب

تزال كالسيكية وسطحية جدا تفتقر إىل منجزات علم النفس وعلم االجتماع واألنثربولوجيا وكل أدوات

ها بعيدة جدا عن الفعالية اليت كانت حتققها يف األزمنة املاضية السيما يف العصر الذهيب الفهم اجلديدة مما جيعل

للحضارة اإلسالمية الذي احتكت فيه مبختلف العلوم واستفادت من املنطق كآلية للقراءة، ومثال على ذلك

الكالسيكي مع عندما نتحدث عن الفتوى ندرك أا أهم مشكالت العصر ما زالت تدور يف فلك التعامل

النص القرآين الذي يبقى مهيمنا عليها ألسباب متعددة وبعيد كل البعد عن االستفادة من التطورات احلاصلة

وهنا ال تكون القطيعة مع األدوات الكالسيكية هي ادية يف قراءة النص -الواقعي والعلمي- على املستويني

هم املعاصرة هو احلل ادي لبناء قراءة إبداعية للقرآن الكرمي القرآين لكن تفعيلها وتطويرها مبساعدة آليات الف

ختدم اإلنسان يف بعده العاملي.

نرى أنه "ال مناص من بلوغ قراءة : انطالقا من احملطة السابقة،قراءة عاملية كونية للنص القرآين التطلع إىل- و

وأصول وحتكم يف منهج التفسري، ومعطيات حقيقية للنصوص القرآنية إال بااللتحام بني علوم الدين من فقه

Page 322: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

321

وآليات التفكري الفلسفي من مناهج كالتأويل والتفكيك وخمتلف منجزات العلوم اإلنسانية واالجتماعية من

القراءة ف)1(أجل حتقيق اهلدف األمسى للرسالة القرآنية وهو بلوغ قراءة شاملة من شأا أن تبلغ للناس كافة"

وتكون لناس كافة وليس ألمة بعينها وهي األمة اإلسالميةل ةمي هي اليت تكون موجهاحلقيقية للقرآن الكر

بفهمه كرسالة معربة عن العامل أمجع، ألن ما يعلمنا إياه القرآن على حنو ما يقول غارودي: "إمنا هو رؤيا للعامل

نامجة عن وحدة اخلالق، تسهم كل نظرية علمية وكل اكتشاف حلقيقة جديدة يف انتشار خالق: وحدة العامل ال

سببها األول وغايتها النهائية، تبعية كل ظاهرات الطبيعة وأقدار الناس مجيعهم يف هذا العامل الواحد، نظام

الطبيعة ومعىن حياتنا داخل هذه الوحدة وهذه التبعية حيث ال يوجد شيء باملصادفة وحيث لكل شيء معىن

م ويف ظل العوملة من الضروري احلديث عن القراءة املواكبة العاملية واليو، )2(انبثاق اجلديد على حنو مستمر"

اليت تعرب عن عاملية النص القرآين ورسالته للناس كافة، هو بالضبط ما يطمح إليه الفالسفة وهو يف نظرنا أكرب

لقرآن ا اليت يتحدث عنهاالكونية رهان يفرض علينا اليوم، لذلك من الضروري اليوم الرجوع إىل القراءة

تلك اليت دف إىل خدمة اإلنسان يف بعده العاملي، حني تدعوه إىل الوحدة والتعاون واحترم حقوق الكرمي

اإلنسان واحلوار مع الديانات األخرى ونبذ التطرف... لالستفادة منها يف قراءة الكثري من املسائل واملستجدات

وبيا... اليت أصبحت تلحق باإلسالم وال مناص إىل املتعلقة بواقعنا اليوم كظواهر اإلرهاب واإلسالموف

مواجهتها من قراءة جديدة للقرآن الكرمي يف ظل ما حيمله من قيم التسامح واحترام اآلخر واحترام املرأة...،

إذن رهان القراءة الكونية للقرآن الكرمي هو من أكرب التحديات اليوم يقوم على الربط بني فهم النص والوقائع

ختالف أنواعها أينما كانت وحيثما وجدت، وهو من دون شك حيتاج إىل االستفادة من آليات الفهم على ا

املعاصرة كالتأويلية والتفكيك والدراسة السيميولوجية...اليت ال تكون هادفة إال إذا اشتغلت يف إطار البحث يف

.2011، ديسمرب 6منشورات جامعة معسكر،العدد-جملة الدراسات والبحوث يف اتمع والتاريخ-محادي هواري وآخرون، املواقف 1 .127ع سابق، ص غارودي روجي، اإلسالم، مرج 2

Page 323: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

322

ويسعى إىل محايتهم و سعادم يف فهم النص القرآين كخطاب موجه للعامل وللناس كافة يرعى مصاحل اجلميع

العاجل واآلجل.

أن نتحدث عن العالقة بني النص القرآين وآليات الفهم املعاصر يف جمال االتصال وصفوة القول أنه إذ أردنا

تطبيق عقالين وموضوعي وفعال جلملة أدوات الفهم يف التعامل مع والتكامل بني الطرفني، البد من استشراف

عن طريق احترام خصوصياته ودون انتهاك قداسته، ولكن يف الوقت نفسه دون التمسك النص القرآين،

بقداسة مؤدجلة ودوغمائية، فمن الضروري اإلميان بأن القرآن الكرمي كتاب إهلي خمتلف عن النصوص األخرى

أنه البد من كما ولكن يف الوقت نفسه اإلميان كذلك بأنه يقبل البحث والتمحيص مبا أتيح لنا من آليات،

االهتمام بالنصوص املوازية له قبل االهتمام به هو يف ذاته والتنقيب يف أصوله، وذلك بالعودة إىل طرح إشكالية

قراءته عرب العصور وكشف إفرازاا اليوم، لكي نكشف أالعيبها يف احتكار معانيه وخططها يف أدجلة النص

ء تأويلية للفهم بدل تأويلية املعىن، وعندما ننتهي من تقصي باسم نظرية املطابقة اليت جيب جتاوزها بإرسا

إشكالية القراءة هن فقط ميكن البدء يف قراءة النص القرآين ذاته، والتفكري يف قراءة عاملية وكونية لنصوصه

حتتضن مجيع األفهام امللحقة به حسب ظروفها ووقائعها اليت وجدت فيها، وتكون مرنة قابلة للتكيف مع

تجدات الراهنة.املس

يف آخر هذا الفصل ندرك أن تداعيات تطبيق آليات الفهم املعاصرة يف قراءة النص القرآين، جتد صداها يف

وأبو زيد واجلابري....من طرف رجال الدين ردود الفعل املختلفة اليت تلقاها رواد القراءات احلداثية كأركون

على وجه اخلصوص، ومن أمثال بعض الفالسفة من أمثال 'طه عبد الرمحن' الذي أشرنا إليه كنموذج، وهذه

الردود قد تتخذ طابعا موضوعيا والسيما حني تطرح عدم التناسب بني مرجعية تلك اآلليات وطبيعة احلقل

هو ما جيعل مستقبل تطبيقها يف ميدانه مرهونا بالبحث عن شروط تبيئتها يف ، و- النص القرآين–املطبقة فيه

Page 324: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

323

حقله، واليت تقوم على شرطني متكاملني: أوهلما اإلطالع عليها هي يف ذاا والتحكم فيها مث تكييفها أو

ى تعديلها طبقا خلصوصيات املوضوع الذي هو من يتحكم يف املنهج وليس العكس، وثانيها هو اإلطالع عل

خصوصيات النص القرآين وقراءة كل ما تعلق به من املأثور عن الرسول صلى اهللا عليه وسلم والصحابة

والسلف والتابعني، مث البحث يف إجياد عالقة بني الشرطني كعمل أويل للربط بينهما، وبالتايل اإلسقاط اآليل

لرمحن' هلا هو مأزقها يف قراءته، والبد للمناهج على فهم النص القرآين، حسب ما الحظناه يف نقد طه 'عبد ا

من جتاوزه عن طريق فك رابطة التقليد يف ميدانه لالجتاه إىل ربطها أو تعديلها وتكييفها حسب جمال جديد

عنها وهو جمال تداويل إسالمي، ولكن اآللية اليت ميكن أن تكيف يها هذه املناهج مع يكون مستقال

عد، وبالتايل جيب التطلع إىل البحث فيها، عن طريق إرساء عمل أوىل خصوصيات النص القرآين مل تتأسس ب

لتطبيقها يف قراءة النصوص املضافة له حىت تكون حمكا هلا ميكننا نقلها إىل النص القرآين، ومن ناحية أخرى

ذ يف بعض البد من اإلقرار أن هناك عوائق كربى أمام تطبيق آليات الفهم املعاصر يف ميدان النص القرآين، تتخ

األحيان طابعا إيديولوجيا ال علميا موضوعيا، وال مفر من كشف ودراسة هذه املعوقات والعمل على تالفيها،

وأخريا ميكن القول أن الغاية النهائية واملثلى لتطبيق أدوات الفهم املعاصرة يف قراءة النص القرآين، حتقق بربطه

ثية واملتطلبات احلداثية، وبني التنظري والفعالية، وبني الكالسيكي بقراءة علمية موضوعية جتمع بني األصول الترا

واملعاصر، وبني االعتقاد واالنتقاد، وتتطلع إىل جعل النص القرآين متعلقا بالناس كافة وموجها للناس أمجعني .

Page 325: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

324

Page 326: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

اخلامتة

Page 327: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

325

:خلامتةا

، جذورهامفاهيمها وحسب ، النص القرآين وآليات الفهم املعاصربنيمن خالل حبثنا يف إشكالية العالقة

، ندرك أا أهم املسائل اليت طرحهاعند خمتلف املشتغلني عليها يف الفكر العريب املعاصر تبلورها وتداعياا

احلداثية للقرآن الكرمي، كقراءة 'أركون' و 'أبو زيد'، تطرح وحتلل يف سياق ما يسمى بالقراءة الفكر هذا

الذين اعتمدنا عليهما كنموذجني، ومن خالل طرحنا هلذه اإلشكالية توصلنا إىل النتائج التالية:

يبدأ بفهم األرضية اليت يهيئها رواد ،النص القرآينقراءة الفهم املعاصر يف آلياتفهم إشكالية تطبيق -

تلك اليت تتعلق باجلانب املفاهيمي على وجه التحديد، أي االشتغال على جتديد ا،هلالقراءات احلداثية

مفهوم القرآن الكرمي وربطه مبفهوم النص كمجال للقراءة، وبالظاهرة اليت تقبل الدراسة العلمية، وباخلطاب

ي القرآين من الوحمفهوم إخراج ويكون ذلك ب لنص والواقع، الذي يقبل التحليل يف سياق العالقة بني ا

يعترب ضروريا أدوات الفهم اجلديدة ب قراءته ،واعتباره خطابا إهليا موجها للبشر ،سياج القداسة وأسر التعايل

شرط ليس ثابتا وواحدا ومطلقا بل يتغري بتغري الظروف واملنطلقات ولكن ب إن كان فهم النص القرآين

وبني النصوص الدينية األخرى والنصوص البشرية عدم اخللط بينه احترام متايزه عن النصوص األخرى فقط

من ناحية أخرى.

تفهم يف سياق العام إلشكالية قراءته، ألا ال ،العالقة بني أدوات الفهم معاصر والنص القرآين إشكالية-

تعرب عن قطيعة بني مرحلتني كالسيكية ومعاصرة كما يبدو لنا، بل تعرب عن تطوير الفالسفة املعاصرون

ء الفالسفة الكالسيكني يف جمال التعامل مع نص القرآين، ألن خمتلف رواد القراءات احلداثية للقرآن ألرا

الكرمي جيدون ضالتهم يف التأويل االعتزايل والصويف، فهم يعربون عن حلقة جديدة من مسار إشكالية

ة جديدة تكمن يف االستفادة من القراءة الطويل، تكون امتدادا آلراء الفالسفة واملتكلمني ولكن يلبسوا حل

التطور احلاصل يف آليات الفهم وقراءة النصوص الناتج عن التقدم احلاصل يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية

Page 328: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

326

ويف املناهج ككل، وبالتايل تطبيق املناهج املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي ليس قطيعة مع اآلراء التراثية بل

ة اليت تعتمد املأثور يف فهم النص القرآين حلساب نصرة القراءات الفلسفية له أو قطيعة مع القراءات الديني

ولكن يف الوقت نفسه ،بالتحديد مناهج الفالسفة يف التعامل معه كتأويل ابن رشد. وتأويل ابن عريب

م منها تأثرت تلك األراء بالتطور احلاصل يف العلوم اإلنسانية ومناهج قراءة النص يف الغرب اليت استله

خمتلف رواد القراءة احلداثية كأركون أرائهم وحاولوا نقلها إىل جمال القرآن الكرمي كما طبقت يف نصوص

العهد القدمي واجلديد ويف نصوص األدبية كما ظهر عند نصر حامد أبو زيد.

ألحداث، وهو ما فهم النص القرآين، ليس ثابتا أو متفقا عليه بل هو متنوع ومتغري طبقا لتغري الوقائع وا-

جيعله يتماشى مع تطور أدوات القراءة والفهم بأنواعها وأصنافها املختلفة.

الربط بني النص القرآين وأدوات القراءة املعاصرة ذات صلة وثيقة بالقراءات احلداثية للقرآن إشكالية-

عل غايته االستفادة الذي ج 'أركون'الكرمي، حبيث تفهم من خالل آراء رواد تلك القراءات وعلى رأسهم

الذي اهتم مبفهوم النص القرآين 'أبو زيد'من الطفرة املعرفية اليت بلغها الغرب يف جمال الوحي القرآين، و

كنص لغوي ميكن أن يقرأ مبناهج النقد األديب، فالقراءات احلداثية مبثابة مشاريع ملموسة وفعلية لتطبيق

الت جمرد حماوالت تركز على النقد أكثر من التأسيس، النقد أدوات القراءة املعاصرة ولكن رغم ذلك ما ز

ملا هو كالسيكي والرد على اخلطابات الرافضة لالستفادة من آليات الفهم املعاصرة، أما التأسيس فما زال

خيطوا خبطى بطيئة رغم تبلور مشاريع أولية لقراءة القرآن بأدوات الفهم املعاصرة كما يظهر يف اإلسالميات

.'اجلابري'يقية عند أركون، ويف التفسري حسب ترتيب الرتول عند التطب

يظهر فيه اهتماما أشد بنقل ،'أركون'تطبيق آليات الفهم املعاصر يف النص القرآين يتخذ طابعا خاصا عند -

، حيث أرسى دعائم مشروع لتطبيق أدوات القراءة املعاصرة يف خمتلف املناهج واالستفادة منها يف عمومها

فهم القرآن الكرمي، ينطلق من أشكلة مفهوم الوحي القرآين وطرحه يف السياق العام لظاهرة الوحي، مث نقد

Page 329: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

327

اإلسالميات الكالسيكية بشقيها االستشراق واالجتهاد التقليدي، مث تأسيس اإلسالميات التطبيقية اليت هي

وتطبيق آلليات القراءة اجلديدة يف حقل النص القرآين على رأسها التفكيك وعلم اإلناسة، نكتشف جتسيد

من خالهلا حماوالت جريئة لكنها يف جوهرها تركز على اآلليات أكثر من تركيزها على النص

وخصوصياته وهو ما جيعلها يف بداية الطريق حتتاج إىل النقد والتسديد.

يف إطار طرحه ملفهوم النص القرآين، بدورها حتمل الكثري من اآلراء اجلريئة تدور يف 'أبو زيد'حماوالت -

، كما تركز على آليتني جديدتني يف التعامل اجوهرها حول أنسنة النص وجعل الوحي القرآين معطى ثقافي

لك اآلليتني يف مع النص القرآين ومها اهلرمينوطيقا والسميوطيقا، وهي حماوالت من شأا أن تبني أمهية ت

قراءة النص القرآين، ولكنها يف الوقت نفسه تكشف حدودمها وعوائقهما.

حبكم طبيعة ولكن صعب نوعا ما، مستحيال ليسالنص القرآين قراءة يف آليات الفهم املعاصر توظيف-

راعاا ، لذلك جناحها مرهون مبهذا النص ومميزاته واختالفه عن النصوص األخرى أدبية وعلمية وفلسفية

خلصوصياته، وجعلها كمناهج هي اخلاضعة له كموضوع وليس العكس.

حماوالت تطبيق آليات القراءة املعاصرة يف قراءة القرآن الكرمي، ما زالت يف إرهاصاا األوىل، ال ميكن -

وضوعي وفعال له بعيد عن سياج القداسة ملمي وعفهم احلكم بفشلها، وعدم جدواها يف بناء

لكن شرط أن تكيف وفق خصوصياته ومعطياته التارخيية ،ا قرائح البشرمحاكته ذينولوجيات الواإليدي

اخلاصة من جهة ومقتضياته العقيدية والتشرعية من جهة أخرى.

يطرح تطبيق أدوات الفهم املعاصر يف حقل النص القرآين، تداعيات من شأا أن تكشف معوقات تطبيق -

ص القرآين، واليت تقوم يف جوهرها على عدم مراعاا خلصوصياته وصفاته املترتبة عن املناهج املعاصرة يف الن

عند رواد القراءة 'طه عبد الرمحن'إسقاطها اآليل عليه بعيدا عن شروط التبيئة، وتطبيقها حسب نظرة

املبدعة اليت هي مبثابة تقليد للغرب يعتمد خطط التأنيس والتعقيل والتأريخ املقلدة وليس يعترب ،احلداثية

Page 330: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

328

تعترب مشروعا من هذا املفكراملطلوبة والضرورية، ولكن رغم ذلك حىت األشكال املبدعة اليت قدمها

مل يبني لنا كيف ترشد آليات الفهم املعاصرة يف فهم النص القرآين. ،املشاريع

هو أفق جيب التطلع ترشيد استخدام آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص هو من أهم ما يطلب اليوم، و-

إليه، ألننا ال خنشى على القرآن الكرمي من املناهج والعكس هو الصحيح، ولكن تطبيقها فقط جيب أن

يكون بصورة مسددة وفق خصوصياته، كما أنه من األوىل أن تطبق يف النصوص املضافة للنص القرآين قبل

ر معىن النص القرآين باسم القراءة املطابقة نقلها إليه هو يف ذاته لكي تكشف أالعيب القراءات يف احتكا

اليت ال وجود هلا يف األصل.

جناح تطبيق آليات الفهم املعاصر يكون مبقتضى فعاليتها يف الربط بني النص القرآين وحتديات الراهن كما -

أدوات هو احلال مع إفرازات العوملة، اإلرهاب، اإلسالموفوبيا، صدام احلضارات...اليت من شأن استخدام

القراءة املعاصرة يف ميدان القرآن الكرمي أن جتعلنا نتجاوزها وذلك حني نتطلع إىل قراءة كونية له ولقيمه

كرسالة تبلغ للناس كافة وختدم مصاحل اإلنسان يف بعده العاملي وتؤدي إىل فالحه يف العاجل واآلجل.

يف بداية مشواره، قراءة النص القرآين ما زاليف األخري ميكن القول أن تطبيق آليات الفهم املعاصر يف

إنشاء مدارس و روادهايف بدايتها يتوخى ال تزال حماوالتميثل مشاريع قيد التأسيس و ألنه يعرب عن

ورشات علمية لتطبيق أدوات الفهم اجلديدة يف قراءة السور واآليات القرآنية، لكن سر جناحه كما نعتقد

كما أبدعها أصحاا بل يكمن يف تكييف ما ميكن تكييفه منها حسب ،ذافريهاحب املناهج هو ليس يف نقل

ألن املوضوع هو من حيدد املنهج وليس ،خصوصيات النص القرآين وإبعاد منها ما يعارضه وال يناسبه

إضافة إىل ذلك البد أن تكون ذات مقصد وهدف يراوح بني الدنيوي واألخروي وال يفصل العكس،

.أعلمواهللا بينهما أبدا،

Page 331: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

329

Page 332: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

330

.1983، 3طدمشق سوريا، ، دار الشام للطباعة، القرآن الكرمي برواية حفص عن عاصم-

قائمة املصادر واملراجع:

باللغة العربية:-أ

املصادر:

ذوي الشأن ديوان املبتدأ واخلرب يف تاريخ العرب والرببر ومن عاصرهم من -املقدمة، عبد الرمحن ابن خلدون - 1

.2004، 1ط ،، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بريوت لبنان- األكرب

دار الفكر تح: حسني بن إبراهيم زهران، ،تفسري القرآن العظيمالفداء احلافظ، وأبالدمشقي ابن كثري - 2

.2008، بريوت لبنان، د ط، للطباعة والنشر والتوزيع

دار تق: مصطفى عبد القادر عطا، ،الربهان يف علوم القرآن اهللا،الزركشي بدر الدين حممد بن عبد - 3

.2005الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بريوت لبنان، دط،

دار ،تح: فواز أمحد زمريل،اإلتقان يف علوم القرآنالسيوطي جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر ، - 4

.2005بريوت لبنان، د ط، ،الكتاب العريب

.2005، 1ط ،، دار ابن حزم، بريوت لبنانإحياء علوم الدينحامد، أبوالغزايل - 5

.1982د ط، ،، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، اجلزائر فصل املقالابن رشد أبو الوليد ، - 6

ابن نيب مالك:-

.1986، طدمشق سوريا، د ،دار الفكر ،، تر: عبد الصبور شاهنيالظاهرة القرآنية - 7

Page 333: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

331

–مع دار الفكر - بريوت لبنان-دار الفكر املعاصرتح وتر: عمر كامل مسقاوي، ، القضايا الكربى - 8

.2009، 9دمشق سوريا، ط

اجلابري حممد عابد:-

.2007، 8ط ،، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت لبنانبنية العقل العريب - 9

.1991، 1لبنان، ط بريوت ، املركز الثقايف العريب،التراث واحلداثة - 10

، مركز دراسات الوحدة العربية، بريوت يف التعريف بالقرآن الكرمي، 1مدخل إىل القرآن الكرمي، ج - 11

.2007، 2لبنان، ط

، القسم األول، مركز دراسات الوحدة التفسري الواضح حسب ترتيب الرتول-القرآن الكرمي فهم- 12

.2008، 1طالعربية، بريوت لبنان،

صر حامد:أبو زيد ن-

.2007، 1بريوت لبنان، ط ،، املركز الثقايف العريبوتأسيس اإليديولوجية الوسطيةاإلمام الشافعي - 13

بريوت لبنان، ، املركز الثقايف العريب،بني املعرفة العلمية واخلوف من التكفريالتجديد والتحرمي والتأويل - 14

.2010، 1ط

.1994، 3املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط ،إشكاليات القراءة وآليات التأويل - 15

.2005، 2، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طاخلطاب والتأويل - 16

. 2000، 4، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طالنص والسلطة واحلقيقة - 17

بريوت ، املركز الثقايف العريب،عتزلةدراسة يف قضية ااز يف القرآن عند امل-،االجتاه العقلي يف التفسري - 18

.2007، 6ط لبنان،

Page 334: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

332

.2006، ،3، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طهكذا تكلم ابن عريب - 19

، 5املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط -دراسة يف تأويل القرآن عند حمي الدين ابن عريب- فلسفة التأويل

2003.

.2005، 6، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، طعلوم القرآندراسة يف مفهوم النص - 20

.2007، 3ط ،، املركز الثقايف العريب، بريوت لبناننقد اخلطاب الديين - 21

أركون حممد:

. 1995، 1دار الساقي، ط ،،تر: هاشم صاحلرهانات املعىن وإرادات اهليمنة، الغرب،أوروبا ،اإلسالم -22

: مركز اإلمناء 2، ط1986: اليونسكو باريس 1هاشم صاحل، ط: تر ،السياسةاإلسالم األخالق و - 23

.1990 لبنان بريوت ،القومي

دار الساقي، ،حنو تاريخ آخر للفكر اإلسالمي، تر: هاشم صاحل ،الفكر األصويل واستحالة التأصيل - 24

.2007، 3ط ،بريوت لبنان

.1998بريوت لبنان، ،دار الساقي، تر: هاشم صاحل، نقد واجتهادالفكر اإلسالمي - 25

. 1996، 2، تر: هاشم صاحل، مركز اإلمناء القومي، بريوت لبنان، طقراءة علمية الفكر اإلسالمي - 26

.2005 ،2، دار الطليعة، بريوت لبنان ، طمن التفسري املوروث إىل حتليل اخلطاب الديين -القرآن - 27

.2010، 1دار الطليعة بريوت لبنان، ط تر: هاشم صاحل، ،اهلوامل والشوامل حول اإلسالم املعاصر - 28

مركز اإلمناء القومي مع املركز الثقايف العريب، تر: هاشم صاحل، تارخيية الفكر العريب اإلسالمي، - 29

.1996، 2ط ،بريوت لبنان

دار الطليعة، ، تر: هاشم صاحل، حنو اخلروج من السياجات الدوغمائية املغلقةحترير الوعي اإلسالمي - 30

.2011، 1بريوت لبنان، ط

Page 335: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

333

، 3، كيف نفهم اإلسالم اليوم، تر: هاشم صاحل، دار الطليعة بريوت، طقضايا يف نقد العقل الديين - 31

2004.

، 1992، 2، تر: هاشم صاحل، دار الساقي، بريوت لبنان، طمن االجتهاد إىل نقد العقل اإلسالمي - 32

.20ص

، تر: هاشم صاحل، دار الساقي املعاصر ،أين هو الفكر اإلسالمي من فيصل التفرقة إىل فصل املقال --33

.2006، 3بريوت لبنان، ط

، 1، تر: أمحد الصمعي، مركز دراسات الوحدة العربية، طالسيميائية وفلسفة اللغةإمربتو إيكو، - 34

2005.

تر: سعيد الغامني، املركز الثقايف العريب، بريوت ،نظرية التأويل اخلطاب وفائض املعىنبول ريكور، - 35

.2003، 1لبنان، ط

حسن حنفي:

، املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع،-موقفنا من التراث القدمي-التراث والتجديد - 36

.2002، 5ط بريوت لبنان،

.2009، املكتب املصري للمطبوعات، القاهرة، مصر، د ط، حوار األجيال - 37

.2004، 1القاهرة مصر، ط ،، مركز الكتاب للنشر1، جمن النص إىل الواقع - 38

طه عبد الرمحن:

.2009، 2ط بريوت لبنان، ، املركز الثقايف العريب،احلق العريب يف االختالف الفلسفي - 39

.2007، 3ط ،بريوت لبنان ، املركز الثقايف العريب،جتديد املنهج يف تقومي التراث -40

.2009، 2املركز الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط روح احلداثة، - 41

Page 336: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

334

، 3ط بريوت لبنان،، املركز الثقايف العريب،سؤال األخالق مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية - 42

2006.

:عمارة حممد

، ، القاهرة مصر، مكتبة الشروق الدوليةقراءة النص الديين بني التأويل الغريب والتأويل اإلسالمي - 43

.2006، 1ط

.2007، 2، مكتبة الشروق الدولية، طمستقبلنا بني التجديد اإلسالمي واحلداثة الغربية - 44

املراجع: -

، مركز احلضارة لتنمية الفكر -قراءة يف مشروعه الفكري-طه عبد الرمحنابراهيم مشروح، -45

.2009، 1اإلسالمي، بريوت لبنان، ط

، دراسة نقدية مقارنة بني: حسن حنفي إشكالية التراث يف الفكر العريب املعاصرأمحد حممد سامل، - 46

.2010، 1ط القاهرة مصر، وعابد اجلابري، رؤية للنشر والتوزيع،

.1969، 10ط ،، دار الكتاب العريب، بريوت لبنانفجر اإلسالمأمحد أمني، - 47

، دار السالم للطباعة والنشر اإلسالمياجتاهات التجديد يف الفكر شريف حممد، إبراهيم - 48

.2008، 1ط ،والتوزيع،االسكندرية مصر

، منتدى املعارف، بريوت قراءات يف مشروع حممد أركون الفكرياألندلسي حممد وآخرون، - 49

.2011، 1لبنان، ط

،كرميالشبه االستشراقية يف كتاب ملدخل إىل القرآن الالبكاري عبد السالم والصديق بوعالم، - 50

.2009، 1، طالدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت لبنان

Page 337: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

335

، دار الفكر اإلسالمي، القاهرة مصر، د ط، تفسريالقرآن الكرمي عند القدامى واحملدثنيالبنا مجال ، - 51

.2003 دت،

العريب،بريوت ، املركز الثقايفالسلفية والليربالية اغتيال اإلبداع يف ثقافاتنا العربية، عبد اهللا الربيدي - 52

.2008، 1لبنان ط

د عني مليلة اجلزائر، ، دار اهلدى،الشيخ عبد احلميد بن باديس، السلفية والتجديدالدراجي حممد، - 53

.2012ط،

، قراءة حتليلية يف فكر نصر حامد أبو زيد، الشبكة العربية لألحباث النص والتراثاحلسن مصطفى، - 54

.2012، 1والنشر، بريوت لبنان، ط

دط، ، مصر،، منشأة معارف اإلسكندريةالتفسري األديب للنص القرآيناجلويين مصطفى الصاوي، - 55

2002.

2008، 1ط ،، دار األندلس اجلديدة للطباعة والنشر، شربا مصر، أصول الفقهاخلضري حممد - 56

جلزائرية، د ت، د ط.، دار الشهاب للطباعة امدخل إىل ظالل القرآناخلالدي صالح عبد الفتاح، - 57

منشورات دار عالء الدين، دمشق سوريا، ، دراسة عن اتمعات البدائية،األثنولوجيااخلطيب حممد، - 58

.2000، 1ط

.2003، 9بريوت لبنان، ط ،، دار الطليعةنقد الفكر الديينالعظم صادق جالل، - 59

.1996، 1ط ،، دار بن حزمعاشورحممد الطاهر بن ، شيخ اجلامع األعظمالغايل بلقاسم، - 60

2007، 1دمشق سورية، ط ،، دار الفرقد-دراسة–صونا للفلسفة والدين املرزوقي أبو يعرب ، - 61

، 1طبريوت لبنان، دار اهلادي، ،فلسفة الدين من منظور الفكر اإلسالمي، أبو يعرب ملرزوقيا - 62

2006.

Page 338: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

336

للنشر والتوزيع، ، بيسانيف املراجع العربية الكرمياملستشرقون والقرآن النملة علي بن براهيم ، - 63

.2010، 1ط بريوت لبنان،

الواليات املتحدة األمريكية، ، املعهد العاملي للفكر اإلسالمي،أدبية النص القرآينالقيام عمر حسن، - 64

.2011، 1ط مكتب التوزيع يف العامل العريب بريوت لبنان،

مع ، عامل الكتاب احلديث،من تأويلية املعىن إىل تأويلية الفهم اإلسالميالفكر العريب الفجاري خمتار، - 65

.2009، 1ط ،جدار الكتاب العاملي، عمان األردن

.2005، 1لبنان ط ت، دار الطليعة، بريونقد العقل اإلسالمي عند حممد أركونالفجاري خمتار، - 66

.1975ة، بريوت لبنان، دط، ، دار النهضة العربينصوص قرآنية، عز الدين مساعيلا - 67

بريوت لبنان، املركز الثقايف العريب،-الثقافة العربية يف عامل متحول-سؤال الثقافة أومليل علي، - -68

.2005، 1ط

.2007، 2، طلبنان ، دار الطليعة بريوتميشال فوكو يف الفكر العريب املعاصر ،بغورة الزواوي - 69

دار الطليعة بريوت -نقد املنعطف اللغوي يف الفلسفة املعاصرة-واللغةالفلسفة بغورة الزواوي، - 70

.2005، 1، طلبنان

الدار العربية ،الفهم والنص، دراسة يف املنهج التأويلي عند شلريماخر وديلتايبومدين بوزيد، - 71

.2008، 1ط بريوت لبنان، للعلوم ناشرون،

، منشورات الزمن، الرباط، املغرب، -حتليل ونقد-الظاهرة القرآنية عند حممد أركونبوعود أمحد، - 72

.2010د ط،

، 1، جداول للنشر والتوزيع، بريوت لبنان، ططه عبد الرمحن ونقد احلداثةبوزبرة عبد السالم، - 73

2011.

Page 339: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

337

.2005، 2سوريا، طالالذقية ، دار احلوار،السيميائيات،مفاهيمها وتطبيقاابنكراد سعيد، - 74

، 1ط ،مراكش املغرب ،، دار تينمل للطباعة والنشرالنظرية التأوليلة عند ريكورحسن، بن حسن - 75

1992.

.، د ط، د ت، اجلزائر، قصر الكتابامليسر يف علوم القرآنتقية عبد الفتاح، - 76

، املركز الثقايف العريب، صراحلركات اإلسالمية يف منظور اخلطاب العريب املعاتركي علي الربيعو، - 77

.2006، 1بريوت لبنان، ط

، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، علم مقارنة األديان عند مفكري اإلسالمتركي إبراهيم، - 78

.2002، 1االسكندرية مصر، ط

دار ال-مقاربات يف اهلرمينوطيقا الغربية والتأويل العريب اإلسالمي-اللغة والتأويلعمارة ناصر، - 79

.2007، 1العربية للعلوم ناشرون، ط

.2003، 1، دار النهضة العربية، بريوت لبنان، طمدخل إىل اهلرمينوطيقاعادل مصطفى، - 80

، منشورات وزارة الثقافة يف االجتاهات الفكرية املعاصرة، من السلفية إىل احلداثةعزام حممد، - 81

.2004اجلمهورية العربية السورية، دط،

.1990، 1لبنان ط ، دار الطليعة بريوت،تيارات يف السيمياءعادل فاخوري، - 82

، سينا للنشر مع االنتشار سلطة النص: قراءات يف توظيف النص الديين عبد اهلادي عبد الرمحن، - 83

.1998، 2ط لندن، بريوت، القاهرة، العريب،

.1996، 1بريوت لبنان، ط ، تر: وجيه سعيد، دار الفارايب،اإلسالمروجيه غارودي، - 84

.2000، 1، دار اهلادي، بريوت لبنان، طاملدرسة التفكيكيةحكيمي حممد رضا، - 85

.2005، 4بريوت لبنان، ط ،، املركز الثقايف العريباملمنوع واملمتنعحرب علي، - 86

Page 340: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

338

.2005، 4ط ،بريوت لبنان ، املركز الثقايف العريب،نقد النصحرب علي، - 87

.2005، 3ط ،، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنانقد احلقيقةنحرب على، - 88

، مركز دراسات الوحدة األصولية العربية املعاصرة بني النص الثابت والواقع املتغريحسني سعد، - 89

.2005، 1العربية، ط

الدار - النقد، احلقيقة، التأويل- ، قراءات يف فكر وفلسفة علي حربمحادي هواري وآخرون، - 90

.2010، 1ط بريوت لبنان، العربية للعلوم ناشرون،

، الدار العربية للعلوم التأويل والترمجة، مقاربات آلليات الفهم والتفسريمحادي هواري وآخرون، - 91

.2009، 1ط بريوت لبنان، ناشرون،

ع، ، دار اإلميان للطبع والنشر والتوزيالعقيدة بني السلف واملتكلمنيحسن بن حممد شبانة، - 92

.2004إسكندرية، مصر د ط،

، منتدى املعارف، بريوت قراءات يف مشروع حممد أركون الفكريخليقي عبد ايد وآخرون، - 93

.2011، 1لبنان، ط

دار الفكر ، دمشق -دراسة يف املشروع الثقايف الغريب–ما بعد احلداثة باسم علي، خريسان - 94

.2006، 1سوريا، ط

، دار العلوم للنشر والتوزيع، القراءات،مفهومه نشأنه مصادره أقسامه ومصادره علمكايف منصور، - 95

.2008د ط، ،عنابة اجلزائر

.2006دار العلوم للنشر، عنابة اجلزائر د ط، ،مناهج املفسرينكايف منصور ، - 96

الرباط، دار اآلمان ،كيحل مصطفى، األنسنة والتأويل يف فكر حممد أركون، منشورات االختالف - 97

.2011، 1املغرب، ط

Page 341: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

339

.2007، 1عمان األردن، ط ، دار النفائس،حماضرات يف علوم القرآنفضل حسن عباس، - 98

، 1. ط، الدار العربية للعلوم ناشرون، بريوت لبناناحلداثة يف فكر حممد أركونفارح مسرحي، - 99

2006.

.2007، 1العريب، بريوت لبنان، ط، املركز الثقايف حترير العقل اإلسالميقاسم شعيب، - 100

، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، علم مقارنة األديان عند مفكري اإلسالمتركي إبراهيم، - 101

.2002، 1االسكندرية مصر، ط

، دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة مصر، د مقاالت يف ماهية اللغة وفلسفة التأويلسعيد توفيق، - 102

.2002ط،

دراسة حتليلية نقدية يف النظريات -فلسفات التأويل إىل نظريات القراءة منشريف عبد الكرمي، - 103

.2007، 1ط بريوت لبنان، ، الدار العربية للعلوم ناشرون،-الغربية احلديثة

.2002، 1ط ،، املركز الثقايف العريب، بريوت لبنانتأويالت وتفكيكاتحممد، شوقي الزين - 104

.2006، 1، دار الطليعة بريوت، لبنان طإسالم الفالسفةي ، لسود منج- 105

.1994د ط، ،، ديوان املطبوعات اجلامعية،اجلزائرالعقيدة والفرق اإلسالميةصربي خدمتلي ، - 106

اليونانية ،اإلسالمية، -يف فلسفة احلضارةصبحي أمحد حممود ، وصفاء عبد السالم جعفر، - 107

.2006، 1دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ط -الغربية

، الدار العربية للعلوم ناشرون، مدخل إىل علم النص وجماالت تطبيقهصبيحي حممد األخضر ، - 108

.2008، 1طبريوت لبنان،

.1994، 2، دار اهلداية، طاالستعارة نشأا وتطورهاحممود السيد شيخون، - 109

Page 342: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

340

يف املنظومتني الفكريتني لنصر حامد أبو ، جيا النص بني التأويل والتأصيلابستمولومناف عالء هاشم، - 110

. 2011، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، د ط، زيد وحممد أركون

بريوت لبنان، ،دار الطليعة -بني النص والواقع-املأزق يف الفكر الديين،نضال عبد القادر صاحل، - 111

.2006، 1ط

، املؤسسة الوطنية للكتاب،فهوم اإلصالح بني مجال الدين األفغاين وحممد عبدهمطهاري حممد، - - 112

.1992، 2ط اجلزائر،

مع دار النور ، دار العراببنية وبناء دراسة نقدية ملشروع اجلابري-العقل العريبزهرة أمحد علي، - 113

.2009دمشق سوريا، د ط،

، مركز دراسات الوحدة العربية، والباحث واإلنسانحممد أركون املفكر وجيه قانصو وآخرون، - 114

.2011 ،1ط ،بريوت لبنان

.2011، 1طبريوت لبنان، ، جداول، اجلابري دراسات متباينةورشاشن ابراهيم وآخرون، - 115

.1986د ط، بريوت لبنان، ،، دار القلمتاريخ الفلسفة احلديثةيوسف كرم، - 116

، تر: علي حاكم صاحل وحسن ناظم، املركز ساسية يف علم اللغة، االجتهات األياكبسون رومان - 117

.2002، 1الثقايف العريب، بريوت لبنان، ط

املوسوعات واملعاجم:

- تر: خليل أمحد خليل، منشورات عويدات بريوت ،موسوعة الالند الفلسفيةأندري الالند، - 118

2001،. 2باريس، ط

.1984، 1املؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط، موسوعة الفلسفةعبد الرمحن، بدوي -119

.1996، 1، املؤسسة العربية للدراسات والنشر، طملحق موسوعة الفلسفةعبد الرمحن، بدوي -120

Page 343: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

341

،تر: حممد حيياتن، الدار العربية للعلوم املصطلحات املفتاحية لتحليل اخلطابدومنيك مانوغونو، - 121

.2008، 1ناشرون، ط

.1959، دار إحياء التراث العريب، 1املوسوعة العربية امليسرة، ج، شفيق غربال - 122

،، دار الكتب العلمية، بريوت لبنانلسان العرب، مجال الدين أبو الفضل حممد بن مكرم ابن منظور - 123

.2005، 1ط

.2006، 1الدار البيضاء املغرب، ط ،، مؤسسة احلسينالتعريفاتالشريف اجلرجاين، - 124

.1993، .1،ط2ج ،، دار الكتب العلمية، بريوت لبناناملعجم املفصل يف األدبالتوجني حممد، - 125

.2007، 1ط ، مكتبة اإلميان، املنصورة مصر،موسوعة علوم القرآنإسالم حممود دربالة، - 126

.1973، 2ط، ، امليزان للنشر والتوزيع، اجلزائرمعجم الفلسفةيعقويب حممود ، - 127

:والدوريات االت

جملة - مقال- املنصف عبد اجلليل، املنهج األنثربولوجي يف دراسة مصادر الفكر اإلسالمي األوىل - 128

-ما وراء اللغة مقاربات ال سلفية يف السلفية-، مركز اإلمناء القومي، بريوت لبنان، الفكر العريب املعاصر

.1989، 69- 68العدد

غادامر والتراث العريب اإلسالمي، جملة ار مع نصر حامد أبو زيد، حوأمحد حسو وشتيفان فايدنر، - 129

.2002، معهد غوته، 75، العدد فكر وفن

منشورات رابطة - بالغة اهلرمينوطيقا األمنوذج احلجاجي ومغالطته-إيقوناتالناصر ، عمارة - 130

.2010، 1سيميا سيدي بلعباس اجلزائر، العدد

، مركز اإلمناء العرب والفكر العاملية علم نقدي أو نقد للعلم، جملة جوليا كريستيفا، السميائي - 131

.1988 ،2العدد، القومي لبنان

Page 344: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

342

جملة الدراسات والبحوث يف -املواقف محادي هواري وآخرون،إشكالية القراءة يف النص القرأين، - 132

.2011، ديسمرب 6منشورات جامعة معسكر،العدد- اتمع والتاريخ

منشورات السميائيات، املنطق والفن،- أيقونات، هواري، سيميائيات املنطق اليوناين، محادي - 133

.2011نوفمرب 2'سيميا' للبحوث السميائية، سيدي بلعباس اجلزائر، العدد

، مركز اإلمناء القومي،الفكر العريب املعاصرحممد رفرايف، حوار البدايات مع حممد أركون، جملة - 134

.1989، 69-68عدد لبنان،

والرسائل: اتاألطروح

، اهلرمينوطيقا والنص القرآين، مقاربة تأولية مقارنة ملفهوم اإلنسان يف القرآن الكرمي، أمحد بوعود- 135

. 2012- س2011أطروحة دكتوراه، جامعة ظهر اهلراز، فاس املغرب،س:

باللغة الفرنسية: -ب

136- Jean Piaget, le structuralisme , presses universitaires de Frances,11 édition , 1996.

137-Arkoun Mohammed , La pensée Arabe Presse Universitaires de France , première

édition, 1975.

-138 Soheib bencheikh el hocine et des autres ; les grandes religions ; ellipses éditeur des

préparation grandes écoles médicine paris France 1995 .

139- Umberto Eco, le signe-histoire et analyse d’un concept, adapte de l’italien par Jean-

Marie klinkenberg , édition , labor, Bruxelles Belgique, 1988.

140-Jacques Berque , Le coran essai de tradition de l’arabe , Sindbad ,1et3 rue feutrier

Paris 18, 1990 .

Page 345: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

343

141-Entretien avec Mohammed Arkoum , propos recueillis par Hassan Arfaoui, institut

du monde arabe, revue mars n- 5-année ,1995.

-142 Mohammed Arkoun et Louis Gardet, l’Islam hier et demain , éditions

Buchet /Chastel Paris France .

-143 Mohammed Arkoun, Humanisme et Islam –combats et propositions, Editions –

barzakh-, Alger, Algérie 2007.

-144 H.G.Gadamer, l’art de comprendre, Herméneutique et tradition philosophique,

tra :mariana simon , Editions Aubier montagne 13 , Quai de Conti 75006 Paris France

2007 .

Page 346: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

.الفهرس

Page 347: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

الفهرس

اإلهداء

كلمة شكر

املقدمة

19.................................................................................مدخل مفاهيمي

الوحي القرآين من القداسة إىل الدراسة.الفصل األول:

28 ................................................................................... توطئة

30 ......................................... املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين- املبحث األول:

30 ............................................................................ مفهوم الوحي

32 ..................................................................... الكرمي وم القرآنمفه

35 ................................................ صفات ومميزات القرآن الكرمي عند املسلمني

41 ............................ آليات الفهم املعاصر وجتديد مفهوم الوحي القرآيناملبحث الثاين:

41 ......................................... مفهوم آليات الفهم املعاصر وعالقتها بالقرآن الكرمي

43 .......................... وأثرها على جتديد مفهوم الوحي القرآين أنواع آليات الفهم املعاصر

61 ..................................... املفهوم الفلسفي املعاصر للوحي القرآينلثالث: املبحث ا

61 .............................................................. الوحي القرآين ظاهرة وحدثا

67 ....................................................................... الوحي القرآين نصا

76 ..................................................................... الوحي القرآين خطابا

: إشكالية قراءة النص القرآين وتطور آليات فهمه.الفصل الثاين

83 ................................................................................. ..توطئة

84 ............................. -املفهوم واألرضية -: إشكالية قراءة النص القرآيناملبحث األول

84 .......................................... معىن إشكالية قراءة النص القرآين؟ وملاذا تطرح؟ ما

88 ....................................... ..األرضية األوىل لطرح إشكالية قراءة النص القرآين-

93 .......................... ةآن الكرمي يف القراءات الكالسيكي: إشكالية قراءة القراملبحث الثاين

93 ............................................................................. تبلور التأويل

95 ............................................................... أنواع القراءات الكالسيكية

96 ....................................................................... القراءات التأسيسية

Page 348: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

106 ................................................................ التأسيسية القراءات ما بعد

114 ............................ : إشكالية قراءة النص القرآين يف القراءات املعاصرةاملبحث الثالث

114 .............................................. اإلرهاصات األوىل للقراءات الفلسفية املعاصرة

116 .................................................... نقد القراءات الكالسيكية للقرآن الكرمي

132 ................................................ تبلور القراءات الفلسفية املعاصرة وتأسيسها

م املعاصر عند 'حممدأركون'النص القرآين وآليات الفهالفصل الثالث:

142 ................................................................................... توطئة

145 ............................................... أشكلة مفهوم الوحي القرآيناملبحث األول:

145 ..................................................... نقد املفهوم الكالسيكي للوحي القرآين

149 ....................................................... تأسيس مفهوم جديد للوحي القرآين

154 ........................... نقد املناهج التقليدية وتأسيس اإلسالميات التطبيقيةاملبحث الثاين:

154 ...................................................................... نقد املناهج التقليدية

166 ..................................................................... اإلسالميات التطبيقية

175 ........................... تطبيق آليات الفهم املعاصر يف قراءة النص القرآيناملبحث الثالث:

175 ............................................................... آليات الفهم والنص القرآين

188 .............................................................. قراءة 'أركون' لسورة الفاحتة

النص القرآين وآليات الفهم املعاصر عند 'نصر حامد أبو زيد'.الفصل الرابع :

202 ................................................................................... توطئة

204 ............................... النص القرآين عند 'نصر حامد أبو زيد' ماهيةاملبحث األول :

204 .............................................................. ملاذا البحث يف ماهية النص؟

206 ....................................................... الوحي القرآين وجدلية النص والواقع

209 ................................................................. ماهية النص وجتديد فهمه

215 ..................................................اهلرمينوطيقا والنص القرآيناملبحث الثاين:

216 ......................................................... رحلة تطور اهلرمينوطيقا يف الغرب

224 ............................................. نص القرآينرحلة تأصيل اهلرمينوطيقا يف قراءةال

231 ......................................... حنو هرمينوطيقا جديدة للنص القرآين عند 'أبو زيد'

241 ................................................ السميائيات والنص القرآيناملبحث الثالث:

242 ............................................................... مفهوم النص والسميولوجيا

Page 349: ﺔﻴﺒﻌﺸﻟﺍ ﺔﻴﻃﺍﺮﻗﻮﳝﺪﻟﺍ ﺔﻳﺮﺋﺍﺰﳉﺍ … · ج ﺽﻮﻔﻳ ﻥﺎﻛ ﻪﻧﺃ ﺲﻜﻌﻳ ﺎﻣ ﻮﻫﻭ ،ﻲﺣﻮﻟﺍ ﻉﺎﻄﻘﻧﻻ

243 .................................................................. السمطقة والنص القرآين

246 ............................................................. القرآن الكرمي ومفهوم العالمة

247 .................................................................... سيميائية النص القرآين

ليات املعاصرة يف فهم النص القرآين.الفصل اخلامس: تداعيات تطبيق اآل

261 ................................................................................... توطئة

263 ................ رؤية نقدية على تطبيق اآلليات املعاصرة يف قراءة النص القرآيناملبحث األول:

263 .................................... نقد األرضية أو املنطلقات اليت اعتمدا القراءات املعاصرة

269 ............ دقاصنقد الطابع اإلشكايل للقراءات املعاصرة الذي جيعلها غري واضحة األبعاد وامل

270 ........... ..أثور نقد متيز القراءات املعاصرة بصفات االنتقائية والذاتية والتقليد والقطيعة مع امل

277 .............................................. نقد تأثر القراءات املعاصرة بأفكار املستشرقني

279 ............................................. نقد تطبيق املناهج الغربية يف قراءة النص القرآين

286. ................ 'طه عبد الرمحن' : حنو إبداع موصول يف قراءة النص القرآين عنداملبحث الثاين

287 .................................................... للقراءات املعاصرة 'طه عبد الرمحن'نقد

298 ......................................... القراءة اجلديدة للقرآن الكرمي عند 'طه عبد الرمحن'

310 ........... نص القرآين وأدوات الفهم املعاصر:رؤية استشرافية على الربط بني الاملبحث الثالث

325 ................................................................................... خلامتةا

330 .................................................................... قائمة املصادر واملراجع

344 ................................................................................ .الفهرس