ghazali.org – a virtual online libraryghazali.org/books/ithaf/Ithaf-vol8.doc · Web viewبسم...

981
لاحد واحد ا ل مد ا ص لرد ا لف له ا مدل ح ل ا ما ي ل س ت م سل ه و" ب ح ص مد وا’له و ح م ا دن ي س ى عل له ى ال صل م و ي ح ر ل ا4 ن م ح ر ل له ا م ال ت* ى لغ ا ق ي ر ط4 ان" ن? وا عد وا ق ف وو دD رس? ى هدى وا ى الد ل و ل ا مد ي ع م ل رمه ا ك ى علل و و ع م ل له ا ض ف ى عل ى الد* * * د د" ج ل ح ا ص وا ل اW لك س د" ي ع مد ح ه جان" ب س مده ح? اد د" ج^ ب ي ر ولا ي غ ت ي لا4 كان ى ما عل و ه و4 وان كلا "ر ا ب ود4 سان تلا ا ق ل ح دD رس ل وا* * * ل ورد و" ب ق ل ك ى ف ها ل? ن ا د ق سد ت اده هD ش لهW ك ريD ش وحده لا له اللا اله ا لا4 ن? هد اD ش? واد لد ل وا4 اج" جل ل ا مات ل| ظ4 ن ع ى ل ج ت و* * وا’دم ا ي ي يD ث ب" ع ى الد د" ج ملا ل ا ض ف م ل ى ا ق ت مي لر ا ا ت ح م ل ا د ي س ل د ا ي س ل وله ا س ده ور" ي ع مدا ح م ا ولان م ا و دن ي س4 ن? هد اD ش? وا* * م سل م و ه لي ع ه و ب ل ع له ى ال صل م ه م و ل ع ىD ث م ووار ه ب" عي ا ه ون" ب ح ص ى ا’له و عل و د" ي ع ه" رن ل4 ن م ل ض ف? ا سد" ح ل روج وا ل ا4 ن ي" ي* * ا هد ف) ب" عدو( رد غ وWدراكلا ى ا عل رى م ق اج ون? ا هدD ش? ل ا ا ى وق ع الدا ل ع ت ح ما د" لان دوام ا" ن4 دومان ما ن لا س و لاه ص* * * * ه" ج حام لام ل اء ي حلا ا" ات ي ك4 ن مD ث ل اD ي ل ع ا" ب ر ل ا4 ن م س م ا ج ل و ا ه و) سد ح ل د وا ق ح ل وا" ث ض غ ل م ا د" ات ي ك( رجD ش* * " ث ي ي اD س4 ن م ه ب ل ع" ث ص و4 وان ض ر ل ا ق ب ح ر4 ن م لهه ال ا ق س ى ل ا ر لغ مد ا ح م4 ن" ب مد ح م ى حامد" ث? ء ا ا ي حلا ا" ث ط ف لام سلا ا* ورد ي و ه" رن غ ت س م ل وادره ا ي لاع ق ح ت ف ب و ه" ب ج ع ل ه ا ب ي عا م رات اD ى اس عل دل ون ه" ب ي ر لغ ه ا| اظ ق ر ا ه وا" ج ل ج ت4 ران ف ع ل ا* * * وه ب ف لار ا رم ا ها ل ا4 ن م ضا ن ق م وه" ب لي وار ا ي? ا كاهD ش م4 ن م " سا ب ي ف م ه" ن عد ت س م ل له ا اه ي م اض ي ح ى ل ا" ث ع را ل ا* * * ر ب د ىء قD ش ل ك ى عل و ه و ث ل ك و ي ه ب ل ع و هلا اله ا لا ر سي ع ل ك ر سي ب ي ى ف ه" ما ن ص ن ع م رˆ طي خ ل ر ا ملا ا ا هد ه ار ى اح" ف له ال" ا ن ي ي ع ت س م* 4 ن م ه" ن عاد ت س ت و م ي ر ك ق ل ح ل ك ى عل ه" ن4 عان تس ت ى الد) م ي ح ر ل ا4 ن م ح ر ل له ا م ال ت( ىل ل عا ب له مه ال ح ر ف ت ض م لل ا ا ق* * وء س ر جد تولا( رح"اء لم ا ا ق م م ه ل م ي ه ما ب م حه ور و ف ع ولا ل ه و ب م حه ور و ف ع ى عل ل ك ت ي ى لا ه الد ل مدل ح لا( م ي م ع د" ت ط ل ك رح"اء4 ن ي" ي4 ن م? و م ل ا ق وف ح لم ا ا ق م م ه ل مD ي ه" ه ون" ب ض غ ه و ون سطلا ا4 ون ف? ب ا ج ل ى اD ش ح ت ى لا? ا)4 ون ف? ب ا ج ل الا ه ا ون سط ه و" ب ض غ@ د ق ف وه ف ع ول مD ش ه و ب م ح وم ر م ع ل را| ظ ن رح"اء ل دم ا ه وق" ان عد4 ون ف ا ج ت ه و ب م ح ر4 ون" جر ب ى ل عا ب وله ب" ف ارهD لاس ه ا ب ل وا وف ج و ارD س? ا)4 ون م ل ع ب لاD ث ي ح4 ن م( هال ملا ى ا عل لا ي ل ق لا ي ل ق م ه د ح? ى ا? ا) اده" ي ع4 درج ي س ى ا الد( ى" ب ض غ ى مب ح ر ث ت س ورد م ه لي عوسلط( 4 ون م ل ع ب لاD ث ي ح4 ن م م ه" ج در ي س سب ا ي^ ي ا ا’ ن" وا ن" ي كد4 ن ب الد4 ان راف غلا ر ا خ ى ا ف ى ل عا ب وله ف ى ل ه ا" ن ه ب ل ا ما" ات ي ح"ي وا)4 ون ه يD س ت ماW رك ي" ن م ه روا( ه ب مW مالك ي ي ده ولا رن ب ما ي ق وس ف ت ل ه ا ب ل ع ا ر ي^ ن ل ما ك ى ه و) وات هD ش ل ا

Transcript of ghazali.org – a virtual online libraryghazali.org/books/ithaf/Ithaf-vol8.doc · Web viewبسم...

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمدلله الفرد الصمد الواحد الاحد * الذى على فضله المعول وعلى كرمه المعتمد * الولى الذى هدى وأرشد * ووفق وأسعد * وأبان طريق الغى والرشد * خلق الانسان ودبر الاكوان وهو على ما كان لا يتغير ولا يتجدد * أحمده سبحانه حمد عبد سلك الواضح الجدد * وتخلى عن ظلمات اللجاج واللدد * وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة تسدد قائلها فى كل قبول ورد * وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله السيد السند * المختار المنتقى المفضل الامجد * الذى بعث نبينا وآدم بين الروح والجسد * أفضل من لربه عبد * وعلى آله وصحبه وتابعيهم ووارثى علومهم صلى الله عليه وعليهم وسلم صلاة وسلاما يدومان بدوام الابد * ما حيعل الداعى وقال أشهد * أوناح قمرى على الادراك وغرد * (وبعد) * فهذا شرح * (كتاب ذم الغضب والحقد والحسد) * وهو الخامس من الربع الثالث من كتاب الاحياء للامام حجة الاسلام قطب الاحياء أبى حامد محمد بن محمد الغزالى سقاه الله من رحيق الرضوان * وصب عليه من شآبيب الغفران يحل جواهر ألفاظه الغريبه * ويدل على اشارات معانيه العجيبه * ويفتح قلاع نوادره المستغربه * ويورد الراغب الى حياض مناهله المستعذبه * مقتبسا من مشكاة أنوار النبوة * مقتنصا من الهام أسرار الفتوة * مستعينا بالله فى اجازة هذا الامر الخطير معتصما به فى تيسير كل عسير * لا اله الا هو عليه توكلت وهو على كل شىء قدير * قال المصنف رحمه الله تعاللى (بسم الله الرحمن الرحيم) الذى يستعان به على كل خلق كريم * ويستعاذ به من كل طبع ذميم (الحمدلله الذى لا يتكل على عفوه ورحمته ولولا عفوه ورحمته ما تم لهم مقام الرجاء (ولا يحذر سوء غضبه وسطوته الا الخائفون) أى لا يخشى الخائفون @ الا سطوته وغضبه وبه ثم لهم مقام الخوف فالمؤمن بين رجاء وخوف واليه الاشاره بقوله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه وقدم الرجاء نظرا لعموم رحمته وشمول عفوه فقد ورد سبقت رحمتى غضبى (الذى استدرج عباده) أى أخذهم قليلا قليلا على الامهال (من حيث لا يعلمون) أشار به الى قوله تعالى فى آخر الاعراف ان الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (وسلط عليهم الشهوات) وهى كل ما تنزع اليه النفوس فيما تريده ولا تتمالك منه (وأمرهم بترك ما يشتهون) واجتناب ما اليه ينزعون (وابتلاهم بالغضب) وهو تغير يحصل عند ثوران دم القلب لارادة الانتقام (وكلفهم كظم الغيظ) أى كفه وستره والغيظ أشد الحمق وكظمه الامساك فى النفس على صفح أو غيظ (فيما يغضبون ثم حفهم بالمكاره) جمع مكروه وهو كل ما فيه قبح أو مشقه وحفهم احاط بهم (واللذات) جمع لذه وههى ادراك الملائم من حيث هو ملائم وقيد الحيثيه للاحتراز من ادراك الملائم من حيث ملاءمته فليس بلذة كالدواء النافع المر فانه ملائم من حيث انه نافع لا من حيث انه لذيذ (وأملى لهم) أى أمهل (لينظر كيف يعملون وامتحن بهم حبهم ليعلم صدقهم فيما يدعون) هل هم صا دقون فى دعوى حبهم أم كاذبون (وعرفهم) على ألسنة رسله الكرام (أنه لا يخفى عليه شىء مما يسرون) أى يخفونه (ويعلنون) أى يظهرونه (وحذرهم) أى خوفهم (بأن يأخذهم بغتة) أى فجأة على غفلة (وهم لا يشعرون) أشار به الى قوله تعالى فاخذتهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (فقال ما ينظرون) أى ما ينتظرون (الا صيحة واحدة) وهى النفخة الاولى ( تأخذهم وهم يخصمون) أى يختصمون فى أحوالهم لا يخطر ببالهم أمر ما (فلا يستطيعون توصية) فى شىء من أمورهم (ولا الى أهلم يرجعون) فيروا حالهم بل يموتون حيث نبعثهم (والصلاة على) سيدنا (محمد رسوله الذى يسير تحت لوائه) يوم القيامة (النبيون) اذ هو صلى الله عليه وسلم قائد جيش الانبياء والمرسلين وبيده لواء الحمد (وعلى آله وأصحابه الائمة) جمع امام وهو كل من يقتدى به (المهديون) جمع مهدى وهو من اهتدى الى طريق الحق بهداية الله تعالى واكتفى به عن الهادين اذ كل مهدى فى نفسه يتصور منه ان يكون هاديا لغيره واما الهادى فقد يهدى غيره ولا يهتدى بنفسه (والسادة المرضيون) أى المقبولون عند الله وقد ثبت رضا الله عنهم بنص القرآن (صلاة يوازى) أى يقابل (عددها عدد ما كان من خلق الله) فيما مضى (وما سيكون) فى الحال والآتى ولا يحيط بعدد ذلك الا من خلقهم (ويحظى ببركتها الاولون) من الامم الماضيه (والآخرن) اللاحقون بهم والحظوة بالضم والكسر رفعة المنزلة (وسلم) تسليما (كثيرا أما بعد فان الغضب شعلة النار) الاضافة بيانيه أى شعلة من نار (اقتبست من نار الله الموقدة) التى أوقدها الله وما أوقده لا يقدر أن يطفئه غيره (التى تطلع) أى تعاو (على الافئدة) أى على أوساط القلوب وتشتمل عليها وتخصيصها بالذكر لان الفؤاد الطف ما فى البدن وأشد تألما أو لانه منشؤ الاعمال القبيحة (وانها لمستكنه) أى المخفيه (فى طى الفؤاد) أى داخل القلب (استكنان الجمر) أى خفاءه (تحت الرماد) وهو اسم لما خمد من النار (ويستخرجها الكبر) المحيط بالكبد (الدفين فى قلب كل جبار عنيد) أى ظالم معاند فالقوة تظهرها والعجز يخفيها (كما يستخرج الحجر النار من الحديد) واصل الكلام كما يستخرج الحديد النار من الحجر والمراد به حجر القداح فاذا ضرب الحديد عليه خرجت النار (وقد انكشف للناظرين بنور اليقين) حقائق الاشياء على ما هى عليها ومن ذلك (ان الانسان ينزع منه عرق الى الشيطان اللعين) يقال نزعه عرق منه اذا جذبه اليه وأشبهه ومنه الخير العرق نزاع وفى لفظ دساس (فمن استفزته نار الغضب) أى استخفته (فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث قال خلقتنى من نار وخلقته من طين) وكذا قوله تعالى وخلق الجان من مارج من نار فمن هنا ظهرت القرابه (فان شأن الطين السكون والوقار) واللصوق الى الارض واذا رمى به الى العلو فلابد له من النزول الى تحت (وشأن النار التلظى) أى التلهب (والاستعار @ والحركة والاضطراب) واذا خليت بنفسها طلبت العلو وهذه أوصاف الطين (ومن نتائج الغضب الحقد) بالكسر وهو الانطواء على العداوة والبغضاء (والحسد) محركة وهو ظلم ذى النعمة بتمنى زوالها وصيرورتها الى الحاسد (وبهما هلك من هلك وفسد من فسد ومقيضها مضغة) صنوبرية (اذا صلحت صلح سائر الجسد) واذا فسدت فسد سائر الجسد وهى القلب كما ورد ذلك فى الخبر (فاذا كان الحقد والحسد والغضب مما يسوق العبد ويجره الى مواطن العطب) أى الهلاك (فما أحوجه الى معرفة معاطبه) أى مهالكه (ومساويه) جمع مسوى أى مواطنه (ليحذر ذلك ويتقيه) أى يتجنب عنه (ويميطه) أى يزيله (عن القلب ان كان) أى وجد (وينفيه) أى يطرده وفى بعض النسخ وينقيه من التنقيه أى يخلصه (ويعالجه ان رسخ فى قلبه ويداويه) بما يقلعه عنه (فان من لا يعرف الشر يقع فيه) وهو من الامثال المشهورة وقد نظمه بعض فقال * عرفت الشر لا للشر لكن لاوقاه * (ومن عرفه فالمعرفة) وحدها (لا تكفيه ما لم يعرف الطريق الذى به يدفع الشر ويقصيه) أى يبعده (ونحن نذكر ذم الغضب وآفات الحقد والحسد فى هذا الكتاب ويجمعها بيان ذمم الغضب) بالاخبار والآثار (ثم بيان حقيقة الغضب) ما هى (ثم بيان ان الغضب هل يمكن ازالة أصله بالرياضة) والتهذيب (أم لا ثم بيان الاسباب المهيجه) أى الباعثة المحركة للغضب (ثم بيان علاج الغضب بعد هيجانه) وتمسكنه منه (ثم بيان فضيلة كظم الغيظ ثم بيان فضيلة الحلم) بالصفح والامساك (ثم بيان القدر الذى به يحوز الانتصار والتشفى به من الكلام ثم القول فى معنى الحقد ونتائجه) أى ما يتولد منه من القبائح (وفضيلة العفو والرفق ثم القول فى ذم الحسد وفى حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب فى ازالته) ودفعه (ثم بيان السبب فى كثرة الحسد بين الامثال والاقران والاخوة وبنى العم والاقارب وتأكده وقلته فى غيرهم وضعفه ثم بيان الدواء الذى به ينفى) أى يطرد (مرض الحسد عن القلب ثم بيان القدر الواجب فى نفى الحسدعن القلب) *(بيان ذم الغضب)* (قال الله تعالى) فى سورة الفتح (اذ جعل الذين كفروا فى قلوبهم الحمية) أى الانفة (حمية الجاهلية) التى تمنع اذعان الخلق (فانزل الله سكينته على رسوله) وعلى المؤمنين (الآية) تمامها والزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شىء عليما (ذم الكفار) يعنى قريش مكة (بما تظاهروا به) فى عدم دخوله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين مكة (من الحمية) أى الانفة (الصادرة عن الغضب) والتهور (بالباطل ومدح المؤمنين بما أنعم عليهم من السكينة) أى الثبات والوقار ففى الصحيح انه صلى الله عليه وسلم لما هم بقتالهم بعثوا اليه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرزا ليسألوه أن يرجع من عامه على أن تخلى له قريش مكة من قابل ثلاثة أيام فاجابهم وكتب لهم كتابا الحديث وفيه قال للكاتب اكتب ما يريدون فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطئوا عليهم فانزل الله السكينة عليهم فتوقروا وحملوا (وروى أبو هريرة) رضى الله عنه (ان رجلا قال يا رسول الله مرنى بعمل وأقلل قال لا تغضب ثم أعاد عليه فقال لا تغضب) رواه البخارى من طريق أبى حصين الاسدى عن أبى صالح عن أبى هريرة أو جابر وقيل عنه عن أبى صالح عن رجل من الصحابة لم يسم وأخرجه الترمذى من طريق أبى حصين أيضا ولفظه جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله علمنى شيئا ولا تكثر على لعلى أعيه قال لا تغضب فردد @ ذلك عليه مرارا كل ذلك يقول لا تغضب وفى رواية أخرى لغير الترمذى قال قلت يارسول الله دلنى على عمل يدخلنى الجنة ولا تكثر على قال لا تغضب ورواه أحمد كذلك من حديث أبى هريرة ورواه أحمد أيضا والبغوى والبارودى وابن قانع وابن حبان والطبرانى والحاكم والضياء من حديث جارية بن قدامة التميمى هكذا رواه من طريق الاحنف عن عمه جارية بن قدامة ان رجلا قال يارسول الله قل لى قولا وأقلل على لعلى أعقله قال لا تغضب فاعاد عليه مرارا كل ذلك يقول لا تغضب وفى رواية لاحمد ان جارية بن قدامة قال سالت النبى صلى الله عليه وسلم فذكره بهذا يغلب على الظن ان السائل هو جارية بن قدامة لكن ذكر الامام أحمد عن يحيى القطان انه قال هكذا قال هشام يعنى ان هشاما ذكر فى الحديث جارية سأل النبى صلى الله عليه وسلم قال يحييى وهم يقولون لم يدرك النبى صلى الله عليه وسلم وكذا قال العجلى وغيره انه تابعى وليس بصحابى ورواه الطبرانى فى الكبير من حديث سفيان بن عبدالله الثقفى ورواه مسدد والمحاملى والضياء من حديث أبى سعيد الخدرى وقيل ان السائل هو أبو الدرداء فقد أخرج الطبرانى من حديثه قال قلت يا رسول الله دلنى على عمل يدخلنى الجنة قال لا تغضب ولك الجنة وسيأتى للمصنف قريبا وأخرج أحمد من طريق الزهرى عن حميد بن عبدالرحمن عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال قلت يارسول الله أوصنى قال لا تغضب قال الرجل فذكرت حين قال النبى صلى الله عليه وسلم ما قال فاذا الغضب يجمع الشر كله ورواه مالك فى الموطا عن الزهرى عن حميد مرسلا وقوله لا تغضب يحتمل أمرين أحدهما أن يكون مراده الامر بالاسباب التى توجب حسن الخلق فان التنفس اذا تخلقت بالاخلاق الجميلة وصارت لها عادة أوجب لها ذلك رفع الغضب عند حصول أسبابه والثانى أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب اذا حصل لك بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به فان الغضب اذا ملك ابن آدم كان كالآمر الناهى له واذا لم يمتثل ما يأمره به غضبه وجاهد نفسه اندفع عنه شر الغضب وربما سكن غضبه وذهب فكأنه حينئذ لم يغضب (وقال ابن عمر) رضى الله عنه (قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قل لى قولا وأقلل لعلى أعقله قال لا تغضب فاعدت ذلك عليه مرتين كل ذلك يرجع الى) ويقول (لا تغضب) قال العراقى رواه أبو يعلى باسناد حسن قلت ورواه أيضا ابن أبى الدنيا فى ذم الغيبة والسياق له فهذا يدل على ان السائل فى حديث أبى هريرة هو ابن عمر (وعن عبدالله بن عمرو) بن العاصى رضى الله عنهما (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال (ماذا يبعدنى) وفى لفظ يباعدنى (من غضب الله قال لا تغضب) هكذا فى النسخ وفى بعضها انه سأل رجل رسول الله فباللفظ الاول أخرجه أحمد فى المسند فعلى هذا السائل هو عبدالله بن عمرو وباللفظ الثانى أخرجه الطبرانى فى مكارم الاخلاق وابن عبدالبر فى التمهيد باسناد حسن قال العراقى قلت وبمثل سياق أحمد أخرجه أيضا ابن أبى الدنيا وابن حبان (وقال ابن مسعود) رضى الله عنه (قال النبى صلى الله عليه وسلم ماتعدون الصرعة) كهمزة (فيكم قلنا الذى لا تصرعه الرجال) أى لا تغلبه فى الصراع بل يصرعهم (قال ليس ذلك) بالصرعة (ولكن الذى يملك نفسه عند الغضب) هو الصرعة رواه مسلم بلفظ ولكنه وقد أوردته مسندا فى مقدمة كتاب العلم (وقال أبو هريرة) رضى الله عنه (قال النبى صلى الله عليه وسلم ليس الشديد) أى القوى (بالصرعة انما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب) رواه البخارى ومسلم ورواه العسكرى فى الامثال بلفظ ليس الشديد الذى يغلب الناس ولكن الشديد الذى يغلب نفسه عند الغضب (وقال ابن عمر) رضى الله عنه (قال النبى صلى الله عليه وسلم من كف غضبه ستر الله عورته) رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب العفو وذم الغضب وفى الصمت وقد تقدم فى آفات اللسان ورواه أيضا بلفظ من كف لسانه ستر الله عورته ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه الحديث (وقال سليمان) بن داود عليهما السلام (يابنى اياك وكثرة الغضب فان كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وعن عكرمة) مولى ابن عباس (فى قوله تعالى وسيدا وحصورا قال السيد الذى لا يغلبه الغضب) @ ورواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقال أبو الدرداء) رضى الله عنه (قلت يا رسول الله دلنى على عمل يدخلنى الجنة قال لا تغضب) قال العراقى رواه ابن أبى الدنيا والطبرانى فى الكبير والاوسط باسناد حسن قلت ولكن بزيادة ولك الجنة وقال المنذرى رواه الطبرانى باسنادين أحدهما رجاله ثقات (وقال يحيى لعيسى عليهما السلام لا تغضب قال لا استطيع ان لا اغضب انما أنا بشر قال لا تقتن مالا قال هذا عسى) ان استطيع عليه رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقال صلى الله عليه وسلم الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصبر) بفتح الصاد وكسر الموحدة دواء معروف (العسل) قال العراقى رواه الطبرانى فى الكبير والبيهقى فى الشعب من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده بسند ضعيف قلت لفظ البيهقى يا معاويه اياك والغضب فان الغضب الخ هكذا رواه ابن عساكر فى التاريخ ورواه الحكيم الترمذى بلفظ لا تغضب يا معاوية بن حيدة فان الغضب الخ (وقال صلى الله عليه وسلم ما غضب أحد الا اشفى على جهنم) قال العراقى رواه البزاروابن عدى من حديث ابن عباس للنار باب لا يدخله الا من شفى غيظه بمعصية الله واسناده ضعيف وتقدم فى آفات اللسان (وقال له) صلى الله عليه وسلم (رجل أى شىء أشد قال غضب الله قال فما يبعدنى من غضب الله قال لا تغضب) قال العراقى رواه أحمد من حديث عبدالله بن عمرو بالشطر الاخير وقد تقدم قبله بستة أحاديث (الآثار قال الحسمن) البصرى رحمه الله تعالى (ياابن آدم كلما غضبت ووثبت يوشك ان تثب وثبة فتقع فى النار) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وعن ذى القرنين) المذكور فى القرآن اسمه الاسكندر وليس هو الذى كان وزيره ارسطاطا ليس وارخ التواريخ وقد غلط فى ذلك جماعة نبه عليه ابن تيمية فى كتاب الفرقان (انه لقى ملكا من الملائكة فقال علمنى علما ازداد به ايمانا ويقينا قال لا تغضب فان الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب فرد الغضب بالكظم) أى بالامساك عنه (وسكنه بالتؤدة) أى السكون والرفق (واياك والعجلة فانك اذا عجلت أخطأت حظك وكن سهلا لينا للقريب والبعيد ولا تكن جبارا عنيدا) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وعن وهب بن منبه) رحمه الله تعالى (ان راهبا كان فى صومعته) يتعبد فيها (فاراد الشيطان ان يضله فلم يستطع فجاءه حتى ناداه فقال افتح لى فلم يجبه) فقال افتح (فانى ان ذهبت) عنك (ندمت) على عدم فتحك (فلم يلتفت) الراهب (اليه فقال انى انا المسيح) اى عيسى عليه السلام (قال الراهب وان كنت المسيح ما اصنع بك اليس قد امرتنا بالعبادة والاجتهاد ووعدتنا القيامة فاوجئتنا اليوم بغير ذلك لم نقبله منك قال فقال انى الشيطان وقد اردت ان أضلك فلم استطع فجئتك لتسألنى عما شئت فاخبرك قال ما أريد ان أسألك عن شىء قال فولى مدبرا فقال الراهب ألا تسمع قال بلى قال فاخبرنى أى اخلاق بنى آدم أهون لك عليهم قال الحدة ان الرجل اذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة) قال أبو نعيم فى الحلية حدثنا أبو بكر الآجرى حدثنا عبدالله بن محمد العطشى حدثنا ابراهيم بن الجنيد حدثنى محمد بن الحسين حدثنا بشر بن أبان حدثنى الحسن بن عبيدالله ابن مسلم القرشى عن وهب بن منبه ان راهبا تخلى فى صومعته فى زمن المسيح عليه السلام فاراده ابليس بكل ديرة فلم يقدر عليه فاتاه تشبها بالمسيح فناداه أيها الراهب اشرف على أكلمك فقال انطلق لشأنك فلست رادا ما مضى من عمرى فقال اشرف على فانا المسيح قال فان كنت المسيح فما اليك من حاجة اليس قد أمرتنا بالعبادة ووعدتنا القيامة انطلق لشأنك فلا حاجة لى فيك قال فانطلق اللعين عنه وتركه وحدثنا أبى حدثنا اسحق بن ابراهيم حدثنا محمد بن سهل حدثنا اسمعيل بن عبدالكريم حدثنى عبدالصمد انه سمع وهب بن منبه يقول ان ابليس اتى راهبا فى صومعته فاستفتح عليه فقال من انت قال انا المسيح فقال الراهب والله لئن كنت ابليس لا أخلو بك ولئن كنت المسيح ما عسيت انى اصنع بك اليوم لقد بلغتنا رسالة @ ربك وقبلنا عنك وشرعت لنا الدين ونحن عليه فاذهب فلست بفاتحك قال له صدقت انا ابليس ولا اريد ضلالتك بعد اليوم ابدا فسلنى عمما بدا لك اخبرك به قال وانت صادق قال لا تسألنى عن شىء الاصدقتك به قال فاخبرنى اى اخلاق بنى آدم اوثق فى أنفسكم أن تضلوه بها قال ثلاثة أشياء الشح والحدة والسكر وأخرج أيضا من طريق أخرى قصة تشبهها وهى من طريق بكار بن عبدالله سمعت وهبا يقول كان رجل عابد اراده الشيطان من قبل الشهوة والرغبة والغضب فلم يستطع له شيأ فساق القصة وفى آخرها قال له الشيطان أفلا تسألنى عما أضل به بنى آدم قال بلى قال فاخبرنى ما أوثق ما فى نفسك ان تضلهم به فقال ثلاثة أخلاق من لم يستطع بشىء منها غلبناه بالشح والحدة والسكر فان الرجل اذا كان شحيحا قللنا ماله فى عينه ورغبناه فى أموال الناس واذا كان حديدا تداورناه بيننا كما يتداور الصبيان الكرة ولو كان يحيى الموتى بدعوته لم نيأس منه فان ما يبنى يهدمه لنا بكلمة واذا سكر اقتدناه الى كل سوء كما ينقاد من أخذ العنز باذنها حيث شاء (وقال خيثمه) بن عبدالرحمن بن أبى سبرة الجعفى الكوفى تابعى ثقة يرسل مات بعد الثمانين روى له الجماعة (الشيطان يقول كيف يغلبنى ابن آدم واذا رضى جئته حتى أكون فى قلبه واذا غضب طرت حتى أكون فى رأسه) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقال) أبو عبدالله (جعفر بن محمد) بن على بن الحسين (الغضب مفتاح كل شر) رواه ابن أبى الدنيا وفى قول بعضهم جماع كل شر أى أن الشرور كلها تنشأ منه وهو يفتح أبوابها (وقال بعض الانصار رأس الحمق الحدة وفائده الغضب ومن رضى بالجهل استغنى عن الحلم الحلم زينة ومنفعة والجهل شين ومضرة والسكون عن جواب الاحمق جوابه) رواه ابن أبى الدنيا وقد روى بعض ذلك من كلام الشافعى رحمه الله تعالى (وقال مجاهد) رحمه الله تعالى (قال ابليس ما اعجزنى بنو آدم فلن يعجزونى فى ثلاث) حالات الاولى (اذا سكر أحدهم أخذنا بخزامه) بالضم اسم الحبل الذى تخزم به الدابه (فقدناه) اى سقناه (حيث شئنا وعمل لنا بما احببنا و) الثانية (اذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم) عليه بعد (و) الثالثة (بخله بما فى يده) من الاموال (وتمنيه بما لا يقدر عليه) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقيل لحكيم ما املك فلانه لنفسه قال اذا لا تذله الشهوة ولا يصرعه الهوى ولا يغلبه الغضب) رواه ابن أبى الدنيا أى فهذه خواص من ملك نفسه (وقال بعضهم اياك والغضب فانه مصيرك الى ذلة الاعتذار) رواه ابن أبى الدنيا وذلك لان الاعتذار لا يخلو من الكذب فهو ذل ففى الخبر اياك وما يعتذر منه وعن ابن عون قال اعتذر رجل عند ابراهيم النخعى فقال قد عذرناك غير معتذر ان الاعتذار يخالطه الكذب وقال مطرف المعاذر مفاجر (وقيل اتقوا الغضب فانه يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل) وهذا قد روى من حديث معاوية بن حيدة القشيرى بلفظ لا تغضب فان الغضب الخ كما تقدم قريبا (وقال عبدالله ابن مسعود) رضى الله عنه (انظروا الى حلم الرجل عند غضبه وأمانته عند طمعه وما علمك بحلمه اذا لم يغضب وما علمك بأمانته اذا لم يطمع) رواه ابن أبى الدنيا (وكتب عمر بن عبدالعزيز) رحمه الله تعالى (الى عامله أن لا تعاقب عند غضبك واذا غضبت على رجل فاحبسه فاذا سكن غضبك فاخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا) قال أبو نعيم فى الخلية حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا ابن مسعود المقدسى حدثنا محمد بن كثير حدثنا الاوزاغى وحدثنا أحمد بن اسحق حدثنا عبدالله بن أبى داود حدثنا على بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن الاوزاغى قال كتب عمر بن عبدالعزيز الى بعض عماله لا تعاقب رجلا لمكان جلسائك ولا تغضب عليه ولا تؤدب أحدا من أهل بيتك الا على قدر ذنبه وان لم يبلغ الا سوطا واحدا (وقال على بن زيد) بن عبدالله بن زهير بن عيدالله بن جدعان التيمى القرشى البصرى وهو المعروف بعلى بن زيد بن جدعان ينسب أبوه الى جد جده ضعيف مات سنة احدى وثلاثين (أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبدالعزيز فأطرق عمر طويلا ثم قال أردت أن يستفزنى الشيطان بعز سلطانى فأنال منك اليوم ما تناله منى غدا) أخرجه أبو نعيم فى الحلية (وقال بعضهم لابنه) وهو يعظه @ (يابنى لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحى فى التنانير المسجورة) أى الموقودة بالحطب (فأقل الناس غضبا أعقلهم) أى أكثرهم عقلا (فان كان للدنيا كان دهاء ومكرا وان كان للآخرة كان علما وحلما) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقد قيل الغضب عدو العقل والغضب غول العقل) رواه ابن أبى الدنيا (وكان عمر رضى الله عنه اذا خطب قال فى خطبته أفلح منكم من حفظ من الهوى والطمع والغضب) رواه ابن أبى الدنيا فى الصمت عن عبدالرحمن بن صالح حدثنا أبو بكر عن عياش قال قال عمر بن الخطاب لا خير فيما دون الصدق من الحديث من يكذب يفجر ومن يفجر يهلك قد أفلح من حفظ من ثلاث الهوى والطمع والغضب (وقال بعضهم من أطاع غضبه وشهوته قاداه الى النار) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقال الحسن) البصرى رحمه الله تعالى (من علامات المسلم) أى الكامل فى اسلامه (قوة فى دين وحزم فى لين وايمان فى يقين وعلم فى حلم وكبس فى رفق واعطاء فى حق وقصد) أى اقتصاد (فى غنى وتجمل فى فاقه) أى حالة فقر (واحسان فى قدرة) أى عند القدرة (وصبر فى شدة لا يغلبه الغضب ولا تجمح به الحمية) أى الانفة (ولا تغلبه شهوة ولا يفضحه بطنه ولا يستخفه حرصه ولا تقصر به نيته ينصر المظلوم ويرحم الضعيف ولا يبخل) بما عنده (ولا يبذر) فى ماله (ولا يسرف ولا يقتر يغفر اذا ظلم ويعفو عن الجاهل) اذا جهل عليه (نفسه منه فى عناء) أى تعب (والناس منه فى رخاء) أى سعة رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب (وقيل لعبدالله بن المبارك) رحمه الله تعالى (أجمل لنا حسن الخلق فى كلمه فقال ترك الغضب) رواه ابن أبى الدنيا وهكذا فسر الامام أحمد واسحق بن راهويه حسن الخلق بترك الغضب وقد روى ذلك مرفوعا أخررجه محمد بن نصر المروزى فى كتاب الصلاة من حديث أبى العلاء ابن الشنحير ان رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقال يارسول الله أى العمل أفضل قال حسن الخلق ثم أتاه عن يمينه فقال يارسول الله اى العمل أفضل فقال حسن الخلق ثم أتاه عن شماله فقال يا رسول الله أى العمل أفضل قال حسن الخلق ثم أتاه من بعده يعنى من خلفه فقال يارسول الله أى العمل أفضل فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك لا تفقه حسن الخلق هو ان لا تغضب ان استطعت وهذا مرسل (وقال نبى من الانبياء) من بنى اسرائيل (لمن معه من يتكفل لى ان لا يغضب ويكون معى فى درجتىويكون بعدى خليفتى فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب أنا أوفى به فلما مات كان فى منزلته بعده وهو ذو الكفل سمى به لانه كفل بالغضب ووفى به) رواه ابن أبى الدنيا ففى ذم الغضب وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم كلهم من طريق عبدالله بن الحرث لكن هذا السياق لابن أبى الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن مجاهد قال لما كبر اليسع قال لو انى استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم فى حياتى حتى أنظر كيف عمل فجمع الناس فقال من يتقبل لى بثلاث استخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب فقام منهم رجل شاب قال نعم فردهم من ذلك اليوم وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنافا ستخلفه قال فجعل ابليس يقول للشياطين عليكم بفلان فاعياهم ذلك فقال دعونى واياه ثم اتاه فى صورة شيخ كبير فقير فاتاه حسين أخذ مضجعه للقائلة وكان لا ينام الليل ولا النهار الا تلك النومة فدق الباب فقال من هذا قال شيخ كبير مظلوم قال فقام ففتح الباب فجعل يقص عليه ويطول فى قصته حتى حضره وقت الرواح وذهبت القائله وقال اذا رحت فائتنى آخذ لك بحقك فانطلق وراح وكان فى مجلسه فجعل ينتظر هل يرى الشيخ فلم يره فقام فلما كان الغد ورجع الى القائله وأخذ مضجعه أتاه فدق الباب فقال مثل ما قال فى الاولى واعتذر له عن المجىء وفعل ذلك ثلاث مرات ثم انه رأى كوة فى البيت فتسور منها فاذا هو فى البيت فاذا هو يدق الباب من داخل فاستيقظ الرجل فقام الى الباب فاذا هو مغلق واذا الرجل معه فى البيت فقال له من أين أتيت فأخبره فعرف انه عدو الله وقال له اعييتنى فى كل شىء ففعلت ما ترى لاغضبك فسماه الله ذا الكفل لانه تكفل بأمر @ فوفى به وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال كان قاض فى بنى اسرائيل فحضره الموت فقال من يقوم مقامى على ان لا يغضب فقال رجل أنا فسمى ذا الكفل فكان ليله جميعا يصلى ثم يصبح صائما فيقضى بين الناس وله سلعة يقيلها وكان كذلك فأتاه الشيطان عند نومته فقال له أصحابه مالك قال انسان مسكين له على رجل حق وقد غلبنى عليه فقالوا كما انت حتى يستيقظ وهو فوق نائم فجعل يصيح عمدا حتى يغضبه فسمع فقال له مالك فذكر له ما قال قال اذهب قل له يعطيك قال قد أبى قال اذهب انت له فذهب ثم أتاه من الغد فقال مالك قال مضيت اليه فلم يرفع بكلامك رأسا قال اذهب اليه فذهب ثم جاء من الغد حين قال فقال له أصحابه اخرج انت لا تدعه ينام فجعل يصيح ويقول من أجل انى مسكين لو كنت غنيا تسمع فقال مالك قال ذهبت اليه فضربنى قال امش حتى أجىء معك فهو ممسك بيده فلما رآه ذهب معه فنثر يده منه فذهب ففر وأخرج أبو سعيد النقاش فى كتاب القضاة عن ابن عباس قال كان نبى لله جمع أمته فقال أيكم يتكفل لى بالقضاء بين أمتى على أن لا يغضب فقام فتى فقال انا يارسول الله فساق الحديث وفيه فأتاه الشيطان نصف النهار وهو نائم فناداه حتى أيقظه فاستعداه وفيه فبعث معه الرسول مرتين أو ثلاثا ثم أخذ الرجل بيده ومشى معه ساعة فلما رأى الشيطان ذلك نزع يده من يده ثم فر فسمى ذا الكفل وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن حجرة الاكبر انه بلغه ان ملكا من ماوك بنى اسرائيل حضرته الوفاة فسساق القصة وفيها فأتاه الشيطان فى صورة رجل وقد تحين مقيله فيمنعه من النوم بالنهار حتى ينام بالليل ففعل ذلك ثلاثا ويقول قد صنعت ما صنعت لعله يغضب فقال له ذو الكفل انطلق فأنا أذهب معك فانطلق فطاف به ثم قال له أتدرى من أنا قال أنا الشيطان تكفلت لصاحبك بأمر فاردت ان تدع بعضه وان الله قد عصمك (وقال وهب بن منبه) رحمه الله تعالى (للكفر أربعة أركان الغضب والشهوة والخرق والطمع) أخرجه أبو نعيم فى الحلية فقال حدثنا صالح المرى عن أبان عن وهب قال قرأت فى الحكمة للكفر أربعة أركان ركن منه الغضب وركن منه الشهوة وركن منه الطمع وركن منه الخرق *(بيان حقيقة الغضب)* (اعلم) هداك الله (ان الله تعالى لما خلق الحيوان معرضا للفساد والموتان) بالضم هو الهلاك الذريع (بأسباب فى داخل بدنه وأسباب خارجة عنه أنعم عليه بما يحميه عن الفساد) أى يحفظه عنه (ويدفع عنه الهلاك الى أجل معلوم) مقدر محتوم (سماه فى كتابه) وهو اللوح المحفوظ (أما السبب الداخل فهو انه ركبه من الرطوبة والحرارة) وجعلهما حافظين لكمالات البدن وكل منهما يوصف بالغريزيه والحرارة الغريزيه حتى السارية فى سائر البدن التى بها النضج والطبخ وسائر الافعال وفى المعدة جزء منها به الهضم المعدى ونقض الفضول وفى الكبد جزء منها وكذا فى العروق وفى القلب معظمها اذ هو معدنها ومستوقدها ومادتها الدم الوارد من الكبد على البطن الايمن من القلب فيتغير فيه الى البخاريه ثم يستحيل الى طبيعة الروح فى البطن الايسر منه ويحصل له مزاج يستعد لقبول التولد وكذا فى سائر الاعضاء ولا جل انها آلة الطبيعة فى افعالها كالجذب والهضم وغير ذلك ينسب اليها كشحدائية البدن ويقال حرارة غريزيه وافلاطون يسميها النار الالهيه ولا يقال بروده غريزيه ولان مركبها اللرطوبة دون اليبوسه يقال رطوبة غريزيه ولا يقال يبوسة غريزيه ثم اختلفوا فيها فقال جالينوس انها الحرارة الاستقهية النارية التى فى البدن وأما الجزء النارى اذا خالط سائر الاستقصاة أفادها طبخا وقواما والتئاما ولم يبلغ فى الكثرة الى حد الاحراق ولا من القلة الى القصور عن الانضاج وانها كما تدفع البارد الوارد على البدن المركب بالمضادة تدفع أيضا الحار الغريب الوارد المركب وقال ارسطو وجمهور المتأخرين أنها حراره سماويه أفيضت على البدن مع فيضان النفس ولكل منهما أدلة ذكرت فى @ مواضعها من كتب الفن (وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة ومضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى تصير أجزاؤها بخارا يتصاعد منها فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء) الموافق (يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق فى الحيوان شهوة تبعثه) أى تحمله (على تناول الغذاء) ولولا تلك الشهوة لما أقدم على تناول الغذاء فهذه فائدة الشهوة فهى (كالموكل به فى جبر ما انكسر وسد ما انثلم ليكون ذلك حافظا له من الهلاك بهذا السبب) ثم ان الرطوبة الغريزية اذا وصل اليها مدد الغذاء تصبروا فيه لحفظ الحرارة الغريزيه فتارة مع حفظها بالزيادة فى النمو وكما فى سن الحداثة وتارة تكون وافية لحفظها فقط كما فى سن الشباب وتارة تكون ناقصة من حفظها نقصانا لا يعتد به غير محسوس كما فى سن الكهولة وتارة نقصانا ظاهرا وهو الى آخر العمر (وأما الاسباب الخارجية التى يتعرض لها الانسان فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التى يقصد بها فافتقر الى قوة وحمية تثور من باطنه فتدفع المهلكات عنه فخلق الله الغضب من النار) كما وردت به الاخبار وسيأتى ذكر بعضها (وغرزه فى الانسان وعجنه بطينته فهما قصد فى غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت) أى ارتفعت (نار الغضب وثارت ثورانا يغلى به دم القلب) كما يغلى الماء فى القدر على النار (وينتشر) ذلك الدم (فى العروق) الاوردة منها والشرايين (ويرتفع الى أعالى البدن) من العروق (كما ترتفع النار وكما يرتفع الماء الذى يغلى فى القدر فذلك ينصب فى الوجه فيحمر الوجه والعين والبشرة لصفائها تحكى لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكى الزجاجة لون ما فيها) ففى حديث أبى سعيد رفعه الا ان الغضب جمرة فى قلب ابن آدم اما رأيتم الى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه وفى مرسل الحسن الغضب جمرة فى قلب الانسان توقد ألا ترى الى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه (وانما ينبسط الدم اذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فان صدر الغضب ممن فوقه) فى الرتبة (وكان معه يأس من الانتقام) منه (تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد الى جوف القلب وصار خوفا ولذلك يصفر اللون) وينخطف (وان كان على نظير يشك فيه تولد منه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب) فاحمراره واصفراره من ترجيح أحد الطرفين على الآخر تارة وتارة واضرابه للتردد (وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب لطلب الانتقام وانما تردد هذه القوة عند ثورانها الى دفع المؤذيات والمهلكات قبل وقوعها والى التشفى والانتقام بعد وقوعها والانتفام فوق هذه القوة وشهوتها وفيه لذتها ولا تسكن الا به ثم ان الناس فى هذه القوة على درجات ثلاث فى أول الفطرة) التى فطروا عليها (من التفريط والافراط والاعتدال اما التفريط ففقد هذه القوة) من أصلها (أو ضعفها وذلك مذموم وهو الذى يقال فيه انه لا حمية له) والحمية الاشارة بقوله ولا خير فى حلم اذا لم يكن له * بوادر تحمى صفوة ان يكدرا (ولذلك قال الشافعى) رضى الله عنه (من استغضب فلم يغضب فهو حمار) أى بليد الطبع جافل أخرجه البيهقى وغيره بأسانيدهم وسيأتى قريبا (فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلا فهو ناقص جدا) مناقض لرتبة الكمال (وقد وصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بالشدة والحمية) فى الدين والصلابة @ (فقال والذين معه أشداء على الكفار) أى أقوياء عليهم يحمون حمى الدين بأنفتهم (وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم) يا أيها النبى (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم والغلظة والشدة) فى الآيتين (من آثار قوة الحمية وهو الغضب) وكذلك فى قوله تعالى فى وصف الصحابة أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين (وأما الافراط فهو ان تغلب هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين وطاعته ولا يبقى للمرء معه بصيرة ونظر فى الامور وفكرة) فيها (ولا اختيار فيها بل يصير فى صورة المضطر) والملجا والمنكره (وسبب غلبته أمور غريزيه) من أصل الخلقة (وأمور اعتياديه) قد اعتاد عليها (فرب انسان هو بالفطرة) الاصلية (مستعد لسرعة الغضب حتى كان صورته فى الفطرة صورة غضبان ويعين على ذلك حرارة مزاج القلب) بان يكون الحارفيه أكثر وهذا هو اعتداله والمزاج كيفية متشابة من تفاعل عناصر متفقة الاجزاء المماسة بحيث تكسسر سورة كل واحد منهما سورة الآخر (لان الغضب من النار كما قال صلى الله عليه وسلم) قال العراقى رواه الترمذى من حديث أبى سعيد بسند ضعيف الغضب جمرة فى قلب ابن آدم ولابى داود من حديث عطية السعدى ان الغضب من الشيطان وان الشيطان خلق من النار فيه ابو وائل القاص واسمه عبدالله بن يحيى قال ابن حبان يروى العجائب ووثقه ابن معين انتهى قلت حديث أبى سعيد رواه أيضا الامام أحمد وحديث عطية السعدى أخرجه أبو داود ومن طريق عروة بن محمد بن عطية بن عروة بن سعد الساعدى عن أبيه عن جده وكذلك رواه الامام أحمد ورواه أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر من طريق أبى ادريس الخولانى من حديث معاوية ابن أبى سفيان ان الغضب من الشيطان والشيطان من النار (فبرودة المزاج تطفئه وتكسر سورته وأما الاسباب الاعتيادية فهو أن يخالط قوما) أى يعاشرهم فيراهم (يتجبحون) أى يفتخرون (بتشفى الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية فيقول الواحد منهم أنا الذى لا أصبر على المكروالمحال) أى المماحله (ولا أحمل من أحد) وفى نسخة من أحد أمرا (ومعناه) عند التأمل (لا عقل لى ولا حلم) فهو لا يدرك هذا المعنى (ثم) لا يستحى حتى (يذكره فى معرض الفخر) والتبجح (بجهله) وسخافة عقله (فمن سمعه) منهم (رسخ فى نفسه حسن الغضب وحب التشبه بالقوم فيقوى به الغضب) ويعتتاد عليه مستحلا له (ومهما اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها) أى التهابها (أعمت صاحبها) عن رؤية الرشد (وأصمته عنه) سماع (كل موعظة) حسنة (فاذا وعظ لم يسمع بل زاده ذلك غضبا) وحنقا على الواعظ (وان استضاء بنور عقله وراجع نفسه) بتأثير الوعظ فيه يوما ما (لم يقدر) على المراجعة (اذ ينطفىء نور العقل وينمحى فى الحال بدخان الغضب) الصاعد من ثوران الدم فى القلب (فان معدن الفكر الدماغ) كما تقدم بيانه فى باب رياضة النفس (ويتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان الى الدماغ مظلم) وسبب اظلامه ثقل الدم وما يتصاعد عن الثقيل لا يخلو عن كدرة وظلمة (يستولى على معادن الفكر) ومخازنه فيغطى عليها ويكدرها (وربما يتعدى الى معادن الحس المشترك فتظلم عيينه حتى لا يرى بعينه) وانما ذلك للكدر الذى خالط نورها (وتسود عليه الدنيا بأسرها) أى بتمامها فلا يرى الا يوادا مخالط بألوان كدرة مختلطة (ويكون دماغه) ساعتئذ (على مثال كهف) فى جبل (أضرب فيه نار وأججت فاسود جوه) من فوق (وحمى مستقرة) من تحت (وامتلأ بالدخان جوانبه) أى أطرافه (وكان فيه سراج ضعيف) فغلب عليه الدخان (فانمحى) أثره (وانطفأ نوره فلا تثبت فيه قدم) لسخونى مستقره (ولا يسمع فيه كلام) لامتلائه بالدخان فيمنع من السماع @(ولاترى فيه صورة ) اظلامه ( ولا يقدر على اطفائه لامن داخل ولا من خارج بل ينبغى أن يصبر الى ان يحترق جميع مايقبل الاحتراق ) ثم بعد ذلك تأكل النار نفسها ان لم تجد ما تأكله ( فكذلك يفعل الغضب بالقلب والدماغ وربما تقوى نار الغضب ) أى تشتد قوتها ( فتفنى ) أى تقاوم ( الرطوبه ) الغريزيه ( التى بها حياه القلب فيموت صاحبه غيظا ) لان حياه القلب انما هى بتعادل كل من الحراره والرطوبه فاذا غلب أحدهما على الآخر كان سبب زوال صفه الحياه عنها فيموت بموت صاحبه ( كما تقوى النار فى الكيف فينشق وتنهد أعاليع على أسافله وذلك لابطال النار مافى جوانبه من القوه الممسكه الجامعة لا جزائه فهذا حال القلب عند الغضب ) فانظر كيف يكون ( وبالحقيقه فالسفينه ) الكائنه ( فى ملتطم الامواج عند اضطراب الرياح ) واختلافها من الجهات ( فى لجه البحر ) أى وسطه ومعظمه ( أحسن حالا وأرجى سلامة من النفس المضطربه غيظا ) المتغيره غضبا ( اذ فى السفينه من يحتال لتسكينها ) وتعديلها ( وتدبيرها ) بطى شراعها أو تثقيل مراسيها ( وينظر لها ويسوبها ) فسعى أن يخف اضطرابها ( وأما القلب فهو صاحب السفينه وقد شقطت حيلته ) وفسد تدبيره ( اذ أعماه الغضب وأصمه ومن آثار هذا الغضب فى الظاهر تغير اللون ) اما الى الاحمرار أو الى الكدر أو الى الصفرة ( وشدة الرعدة ) والاضطراب والرعشان ( فى الاطراف ) كاليد والرجل ( وخروج الافعال عن الترتيب والنظام ) المعهودين ( واضطراب الحركه والكلام حتى يظهر الزبد على الاشداق ) أى اطراف الفم ( وتحمر الاحداق ) والوجنات (وتنقلب المناخر وتستحيل الحلقه ) أى تتغير ( ولو رأى الغضبان فى حال غضبه ) فى المرآه ( فيمح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحاله خلقنه وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره فان الظاهر عنوان الباطن وانما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها الظاهر ثانيا فتغير الظاهر ثمره تغير الباطن فقس المثمر بالثمرة فهذا آثره فى الجسد اما أثره فى السان فانطلاقه بالشتم ) واللعن ( والفحش ) والبذاء ( وقبائح الكلام الذى يستحى منه ذوو العقول ) السليمه ( ويستحى منه قائله عند فثور الغضب ) وسكونه فيتعجب من نفسه ( وذلك مع تخبط واضطراب اللفظ ) قال مورق العجلى ماتكلمت فى غضب قط بما أندم عليه اذا رضيت ( وأما أثره على الاعضاء) الظاهره ( فالضرب ) باليد والرفس بالرجل والمناصاه بالجبهه والمدافعه بالركب ( والتهجم ) على المغضوب عليه ( التمزيق ) لثوبه ( والقتل والجرح عند التمكن ) منه ( من غير مبالاه فان هرب منه المغضوب عليه ) واختفى من عينه ( أوفاته بسبب ) من الاسباب (وعجز عن التشفى ) لغيظه منه ( رجع الغضب على صاحبه فيمزق ثوب نفسه ويلطم نفسه ) بيديه وربما بنعليه ( وقد يضرب بيده على الارض ويعدو عدو الواله السكران والمدهوش المتحير ) الذى لايعى شيأ ( وربما سقط صريعا ) على الارض ( لايطيق العدو والنهوض لشده الغضب ويعتر به مثل الغشيه ) والسكره ( وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعه مثلا على الارض فيكسرها وقد يكسر المائده ) برجله ( اذا غضب عليها ويتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمه ويخاطبها ويقول الى حرسك ) كذا فى النسخ وفى بعضها الى متى منك ( يا كيت وكيت وكأنه يخاطب عاقلا وربما @ رفسته دابه فيرفس الدابه ) كما رفسته ( ويقابلها ) وربما قابلها بعصا أو سلاح ليشقى غيظه بذلك ( وأما أثره فى القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد واضمار السوء والشماته) أى الفرح ( بالمسآت والحزن والسرور والعزم على افشاء السر وهتك الستر والاستهزاء وغير ذلك من القبائح ) والراذئل ( فهذه ثمره الغضب المفرط ) المتجاوز عن الحد (وأما ثمرة الحميه الضعيفه فقله الانفه مما يأنف منه من التعرض للحرم والزوجه والامه ) وكذا ماسواهن من داخل الحجاب ( واحتمال الذل من الاخساء )واللؤماء ( وصغر النفس ) والهمه ( والقماءة وهو أيضا مذموم اذ من ثمراته عدم الغيره على الحرم وهو خنوثه ) تضاد الرجوليه ( قال صلى الله عليه وسلم ان سعد الغيور وأنا أغير من سعد والله أغير منى ) رواه مسلم من حديث أبى هريره وهو متفق عليه من حديث المغير بنحوه وقد تقدم فى كتاب النكاح ( وانما خلقت الغيره لحفظ الانساب ) عن المخالطه ( ولو تسامح الناس بذلك ) وغفلوا عنها ( لا ختلطات الانساب ولذلك قيل كل أمه وضعت الغيره فى رجالها ) فهم يغارون على حرمهم ( وضعت الصيانه فى نسائها ) فهيتعففن فالصيانه فى النساء تابعه لغيره الرجال فاذا لم يغار وارفعت نساؤهم حجاب الحياء ( ومن ضعف الغضب الخور ) محركه ضعف فى القلب ومنه رمح خوار اذا كان لينا سهلا ( والسكوت عند مشاهده المنكرات وقد قال صلى الله عليه وسلم خير أمتى احداؤها ) جمع حديد والمعنى أنشطها وأسرعها الى الخير ( يعنى فى الدين ) أى ان المراد بالحده الصلابه فى الدين وهى تنشأه من غير الايمان حميه للدين لان الحكم اذا نيط بوصف صارعله فيه فخيار أمه الايمان من تزايدت حدته عن تزايد قوة الايمان لاعن كبر وهوى قال العراقى رواه الطبرانى فى الاوسط والبيهقى فى الشعب من حديث على بسند ضعيف وزاد الذين اذا غضبوا رجعوا اهـ قلت ورواه كذلك الديلى وفيه نعيم بن سالم بن قنبر كذاب وقال ابن حبان يضع الحديث ولفظهم خيار أمتى احداؤاهم وقد يشتد على كثيرين الحدة بسوء الخلق والفارق المميزهو الذى ختم به الحديث فالرجوع والصفاء هو الفارق وصاحب الخلق السوء يحقد وصاحب الحده لايحقد والغالب انه لايغضب الا الله ومما يشهد للحديث مارواه أبو يعلى والطبرانى عن ابن عباس رفعه الحده تعترى خيار أمتى وفى مسند الحسن بن سيفان من حديث أبى منصور الفارسى وله صحبه قيل له لولا حده فيك فقال مايسرنى بحدثى كذا و كذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الحدة تعترى خيار أمتى وكذا أخرجه البغوى فى هجر الصحابه وأبو نعيم فى الحليه ولكن رواه المستغفرى فقال عن يزيد بن أبى منصور وكانت له صحبه بدلا عن أبى منصور والاولى أكثر ( وقال تعالى ولا تأخذ كم بهما ) أى بالزانى والزانيه فى حدهما ( رأفه فى دين الله ) أى شده رحمه وهو دليل لذم التفريط ( بل من فقد الغضب عجزعن رياضه نفسه ) وتهذيبها ( اذنتم الرياضه بتسليط الغضب على الشهوه حتى يغضب على نفسه عند الميل الى الشهوات الخسيسه ففقد الغضب ) من أصله ( مذموم وانما المحمود ) الاقتصاد منه وهو ( غضب ينتظر اشاره العقل والدين فينبعث حيث تجب الحميه وينطفئ ) ويقل ( حيث يحسن الحلم وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامه التى كلف الله بها عباده ) وقد تقدم ان المراد بالاستقامه عندهم الوفاء بالعهود ولزوم الصراط المستقيم برعايه حظ الاستواء فى كل أمر دينى ودنيوى ( وهو الوسط الذى وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث فال خير الامور أوساطها ) رواه البيهقى من حديث مطرف مرسلا و رواه الحافظ أبو بكر الجيانى فى الاربعين البلدانيه من حديث على بسند ضعيف وقد تقدم الكلا على ذلك ( فمن مال غضبه الى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيره وخسه النفس فى احتمال الذل وللضم فى غير محله فينبغى ان يعالج نفسه حتى يقوى غضبه ومن مال غضبه @ الى الافراط حتى جره الى التهور واقتحام الفواحش فينبغى ان يعالج نفسه لينقص من سوره الغضب ويقف على الوسط الحق بين الطرفين فهو الصراط المستقيم ) المذكور فى سوره الفاتحة ( وهو أرق من الشعر وأحد من السيف ) أى فى غايه الرقه ونهايه الشده والمجاوز عليه فى خطر عظيم ( فان عجز عند فليطلب القرب منه ) فان القريب من القريب قريب ( وان تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلواكل الميل فتذروها كالمعلقه فليس كل من عجز عن الاتيان بالخير كله ينبغى أن يأتى بالشر كله ولكن ) كما قيل ( بعض الشر أهون من بعض و ) فى معناه ( بعض الخير أرفع من بعض فهذه حقيقه الغضب ودرجاته ) وما يتعلق به *(بيان ان الغضب هل يمكن ازاله أصله بالرياضه أم لا )* (اعلم ) وفقك الله ( انه ظن ظانون انه يتصور محو الغضب بالكليه وزعموا ان الرياضه اليه تتوجه واياه تقصد ) فازالته ممكنه ولا استحاله فيها ( وظن آخرون انه أصلا لايقبل العلاج ) ولا ينمجى بالكليه ( وهذا وأى من يظن ان الخلق ) بالفتح ( وكلاهما لايقبل التغيير ) والتبديل كما تقدم الكلام عليه فى كتاب رياضه النفس ( وكلا الرأيين ضعيف ) لايعول عليه ( بل الحق فيه مانذكره وهو انه مابقى الانسان يحب شيأ ويكره شيأ فلا يخلو من الغيظ ومادام يوافقه شئ ويخالفه آخر فلا بد وأن يحب مايوافقه ويكره مايخالفه والغضب يتبع ذلك فانه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محاله و ) كذلك ( اذا قصد بمكروه غضب لا محاله الا ان مايحبه الانسان ينقسم الى ثلاثه أقسام الاول ماهو ضروره فى حق الكافه ) لا يستغنون عنه بحال ( وهو القوت ) بقدر مايسد جوعه (والمسكن ) بقدر مايستكن فيه فى الشتاء والصيف (و الملبس ) بقدرما يستر عورته ويصح صلاته ( وصحه البدن ) فهذه الاشياء ضروره فى حق الكافه ( فمن قصد بدنه بالضرب والجرح فلابد وان يغضب ) اذ وجب عليه حفظ بدنه الى أن يصح ( وكذلك اذا أخذ ثوبه الذى يستر عورته ) ويصحح به صلاته ( وكذلك اذا أخرج من داره التى هى مسكنه ) أو أخذ من قوته الذى يسد به جوعه ( أو أريق ماؤه الذى هو لعطشه فهذه ضرورات لايخلو الانسان من كراه زوالها) وسلبها ( و) لا يخلو ( من غيظه على من يتعرض لها القسم الثانى ماليس ضرور يالاحد من الخلق كالجاه والمال الكثير والغلمان والدواب بانواعها والحرث والعقارات ( فان هذه الامور صارت محبوبه بالعاده ) المستمره ( والجهل بمقاصد الامور حتى صار الذهب والفضه محبوبين فى أنفسهما فيكنزان ويغضب على من يسرقهما وان كان مستغنيا عنهما فى القوت ) الذى يسد به كلب الجوع ( فهذه الجنس مما يتصور أن ينفك الانسان من أصل الغيظ) المستكن فى القلب ( فاذا كانت له دار زائد على مسكنه ) الذى يأوى اليه ( فهدهما ظالم ) لسبب من الاسباب ( فيجوز أن لايغضب ) على فعله هذا ( اذ يجوز أن يكون بصيرا بامر الدنيا فيزهد فى الزياده على الحاجه فلا يغضب باخذها ) أوهدمها ( فانه لايحب وجودها ولو أحب وجودها لغضب على الضروره باخذها و أكثر غضب الناس على ماهو غير ضرورى كالجاه والصيت ) والشهره ( والتصدر @ فى المجالس ) أى التقدم والارتفاع ( والمباهاه بالعلم فمن غلب هذا الحب عليه فلا محاله يغضب اذا زاحمه مزاحم فى التصدر فى المحافل ) أى مجامع الناس ( ومن لايحب ذلك ولا يبالى لو جلس فى صف النعال )أى الصف الؤخر الذى هو موضع النعال ( فلا يغضب اذا جلس غير فوقه وهذه العادات الرديئه التى أكثرت محاب الانسان ومكارهه فاكثرت غضبه وكلما كانت الارادات والشهوات أكثر كان صاحبها أحط رتبه وأنقص ) مقاما ( لان الحاجه ) التى هى اسم من الاحتياج ( صفه نقص ) فى النسان ( فمهما كثرت ) هذه الصفة ( كثر النقص ) لان النقص من لوازم الحاجه فاذا كثر الملزوم تبعه اللازم لا محاله فى الوصف ( والجاهل أبدا جهده فى حاجاته وفى شهواته وهو لا يدرى انه مستكثر ) بذلك ( حتى ينتهى بعض الجهال بالعادات الرديئه ومخالطه قرناء السوء الى ان يغضب لو قيل له انك لاتحسن اللعب بالطيور ) والحمام وغيره ( واللعب بالشطرنج ) والنرد ومافى معناهما ( ولا تقدر على شرب الخمر الكثير وتناول الطعام الكثير ومايجرى مجراه فى الرذائل ) والمستقحبات ( فالغضب على هذا الحنس ليس بضرورى لان حبه ليس بضرورى ) بل مستغنى عنه ( القسم الثالث مايكون ضرور يافى حق بعض الناس دون البعض كالكتاب ) مثلا (للعالم ) فانه مضطر اليه فى مطالعته ( فيحبه ) محبه الدينار والدرهم عند غيره بل أعظم ومن هذا اقول بعضهم فمحبوبى من الدنيا كتابى * وهل أبصرت محبو بايعار ( فيغضب على من يخرقه ويمزقه ) أو يمحيه أو يوسخ ورقه أو يكب عليه شيأ من الادهان ( وكذلك أدوات الصناعات وآلاتها فى حق المكتسب الذى لايمكنه التوصل الى القوت الابها فان ماهو وسيله الى الضرورى المحبوب يصير ضروريا ومحبوبا وهذا يختلف بالاشخاص ولغا الحب الضرورى ما أشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله من أصبح آمنا فى سريه ) بكسر السين المهمله على الاشهر اى نفسه وروى بفتحها أى فى مسلكه وقيل بفتحتين أى فى منزله ( معافى فى بدنه) وفى روايه فى جسده أى صحيحا بدنه ( وله ) وفى روايه وعنده ( قوت يومه ) أى غداؤه وعشاؤه والذى يحتاج اليه فى يومه ذلك ( فانما حيزت ) بكسر الحاء ( له الدنيا ) أى ضمت وجمعت ( بحذافيرها ) أى باسرها والمعنى من جمع الله له بين عافيه بدنه وأمن قلبه حيث توجه وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامه أهله فقد جمع الله له جميع النعم التى من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها فينبغى ان لا يشتغل يومه ذلك الابشكره بان يستغرقه فى طاعه المنعم لافى معصيته ولا يفتر عن ذكره واليه أشاره بعضهم بقوله اذا ماالقوت يأتى لك والصحه والامن وأصبحت أخا حزن * فلا فارقك الحزن قال العراقى رواه الترمذى وابن ماجه من حديث عبيد الله بن محصن دون قوله بحذافيراها قال الترمذى حسن غريب اهـ قلت ورواه كذلك البخارى فى الادب والطبرانى فى الكبيركلهم من طريق مروان الفزارى عن عبد الرحمن بن أبى شميله عن سلمه بن عبيد الله محصن عن أبيه مرفوعا به قال ابن القطان ولم يصححه الترمذى لان عبد الرحمن لايعرف حاله وفى الميزان قال أحمد سلمه لا أعرفه وليته العقيلى ثم ساق له الخبر وقال روى من حديث أبى الدرداء أيضا باسناد لين وعبد الله بن محصن الانصارى قال الترمذى له صحبه ووقع عند الباوردى عبيد بن محصن غير مضاف وساق هذا الحديث ووقع عند ابراهيم الحربى من هذا الوجه عبد الرحمن بن محصن ( ومن كان بصير بحقائق الامور وسلم له هذه الثلاث يتصور أن لا يغضب فى غيرها فهذه ثلاثه أقسام فلنذكر غايه الرياضه فى كل واحده منهما @ أما القسم الاول فليست الرياضه فيه لينعدم غيظ القلب ) من أصله ( ولكن لكى يقدر على أن لا يطيع الغضب ) بل يكف نفسه عنه ( فلا يستعمله فى الظاهر الاعلى حد يستحبه الشرع ويستحسنه العقل وذلك ممكن بالمجاهده ) والرياضه ( وتكلف الحلم والاحتمال مده ) من الزمان ( حتى يصير الحلم والاحتمال خلقا ) فيه ( راسخا ) بعد ان كان مكلفافا ماقع أصل الغيظ من القلب ( فذلك مقتضى الطبع ) أى يقتضيه الطبع البشرى لا ينفك عنه ( وهو ) أى قعه ( غير ممكن نعم يمكن كسر سورته ) أى شركته (وتضعيفه ) أى توهينه (حتى لا يشتد هيجان الغيظ فى الباطن وينتهى ضعفه ) وكسر قوته ( الى أن لا يظهر أثره فى الوجه ) ولا فى الاطراف وهذا ممكن ( ولكن ذلك شديد جدا ) الامن خفف الله عليه ( وهذا حكم القسم الثالث أيضا لان ماصار ضروريا فى حق الشخص فلا يمنعه من الغيظ استغناء غيره عنه فالرياضه فيه تمنع العمل به وتضعف هجانه فى الباطن حتى لا يشتد التألم بالصبر عليه ) هذا حالالقسم الاول والثالث ( وأما القسم الثانى فيمكن التوصل بالرياضه الى الانفكاك من الغضب عليه اذ يمكن اخراج حبه من القلب ) بنوع من الاعتبار ( وذلك بان يعلم الانسان ان وطنه القبر ومستقره الاخره وانما الدنيا ) دار ممر لا دار مقر بل هى بمنزلة ( معبره يعبر عليها ) ولا يعمرها كما رواه أبو نعيم فى الحليه عن عيسى عليه السلام الدنيا قنطره فاعبروها ولا تعمروها ( ويتزود منها قدر الضرورة ) الداعية ( وماوراء ذلك عليه وبال ) أى ثقل ( فى وطنه ومستقره فيزهد فى الدنيا ) ويرغب عنها ( ويهجر حبها من قلبه ) وفى بعض النسخ ويمحى بدل ويهجر ( ولو كان للانسان كلب لايحبه لم يغضب عليه اذا ضر به غيره ) أى لا يتاثر فى قلبه سئ من ضربه ( فالغضب تبع للحب فالرياضه فى هذا قد تنتهى الى قمع أصل الغضب وهو نادر جدا ) قليل الوقوع ( وقد تنتهى الى المنع من استعمال الغضب و ) من ( العمل بموجبه ) ومقتضاه ( وهو أهون ) بالنسبه الى قمع أصله ( فات قلت الضرورى من القسم الاول التألم بفوات المحتاج اليه ) أى حصول الالم فيه ( دون الغضب فمن له شاة مثلا وهى قوته ) يشرب من لبنها ( فماتت ) عليه ( لا يغضب على أحد وان كان يحصل منه كراهة ) وتألم بمقتضى الطبع ( وليس من ضرورة كل كراهه غضب فالانسان يتألم بالفصد والحجامه ولا يغضب ) بعد ذلك ( على الفصاد والحجام فمن غلب عليه ) نور ( التوحيد ) المطلق الذاتى والفعلى (حتى ) يرى الاشياء كلها من الله تعالى ( فلا يغضب على أحد من خلقه اذ يراهم مسخرين ) مذللين منقادين ( فى قبضه كاالقلم قى يد الكاتب ومن وقع ملك ) من الملوك ( بضرب رقبته ) مثلا ( لم يغضب على القلم ) وأصل التوقيع أثر الكتابه فى الكتاب ومنه استعير التوقيع فى القصص وذلك بان ترفع رقعة لعملك فيها شكايه حال أو قصه فيكتب عليها يكون كذا وكذا فيسمى ذلك توقيعا ( فلا يغضب على من يذبح شانه التى هى قوته كما لا يغضب على موتها ) يحتف أنفها ( اذ يرى الموت والذبح من الله تعالى فيندفع الغضب بغلبه ) نور ( التوحيد ويندفع أيضا بحسن الظن باته وهو ان يرى ان الكل من الله وان الله لايقدر له الا مافيه الخيره وربما تكون الخيره فى جوعه ومرضه وجرحه وقتله فلا يغضب كما لا يغضب على الفصاد ) أو الحجام ( لانه يرى ان الخيره فيه ) مع ظنه انه لا يقدر له الا مافيه الخير ( فنقول هذا على الوجه ) المذكور ( غير @ محال ) فقد يتصور للعبدان يترقى الى هذا المقام ويكشف عن بصيرته فيتساوى عنده الذبح والموت فلا يغضب للذبح كما لايغضب للموت وينكشف له حقيقه الحقائق وعن أسراره الربوبيه وعما ينتج حسن الطن بالله ( ولكن غلبه التوحيد الى هذا الحد انما تكون كالبرق الخاطف يغلب فى أحوال مختطفه ولا يدوم ) ولا يستمر حكمه مع العارف ( ويرجع القلب ) بعد ذلك ( الى الالتفان الى الوسائط رجوعا طبيعيا لا يندفع عنه ) فهو اذا حال لا مقام ( ولو تصور ذلك على الدوام ) والاستمرار ( لبشر لتصور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهو أفضل الخلق أجمعين وأكمل العباد العارفين ( فانه كان يغضب أحيانا حتى تحمر وجنتاه ) رواه مسلم من حديث جابر كان اذا غضب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه وللحاكم كان اذا ذكر الساعه احمرت وجنتاه واشتد غضبه وقد تقدم فى أخلاق النبوة ( حتى قال ) صلى الله عليه وسلم ( اللهم انا بشر أغضب كما يغضب البشر فايما مسلم سببته أو لعنته أو ضربته فاجعلها منى صلاه عليه وزكاة وقربه تقربه بها اليك يوم القيامه ) قال العراقى رواه مسلم من حديث أبى هريره بلفظ اللهم أنا بشر دون قوله أغضب كما يغضب البشر وقال جلدته بدل من ضربته وفى روايه اللهم انما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وأصله متفق عليه وقد تقدم ولمسلم من حديث أنس انما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر ولا بى يعلى من حديث أبى سعيد وأبى هريره أو قال ضربته وفيه محمد بن اسحق رواه بالعنعنه ( وقال عبد الله بن عمرو بن العاص ) بن وائل السهمى القرشى رضى الله عنهما ( اكتب عنك كل ماقلت فى الغضب والرضا فقال اكتب فو الذى بعثنى بالحق مايخرج منه الاوحى يوحى قال العراقى رواه أبو داود بنحوه باسناد صحيح ( فلم يقل ) صلى الله عليه وسلم ( انى لاأغضب ) أى لم ينف عنه الغضب ( ولكن قال ان الغضب لا يخرجنى من الحق أى لا أعمل بموجب الغضب ) ومقتضاه (وغضبت عائشه ) رضى الله عنها ( مرة فقال ) لها ( صلى الله عليه وسلم مالك جاء شيطانك فقالت ومالك شيطان فقال بلى ولكن دعوت الله فأغاننى عليه فاسلم فلا يأمرنى الا بخير ) رواه مسلم فى أواخر كتابه قبل باب صفه الجنه عن هرون بن سعيد الايلى عن ابن وهب عن أبى صخر عن ابن نشيط حدثه ان عروة حدثه ان عائشه زوج النبى صلى اللع عليه وسلم حدثته ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا قالت فغرت عليه فجاء فرأى مامنع فقال مالك ياعائشه أغرت فقلت ومالى لا يغار مثلى على مثلك فقال صلى الله عليه وسلم لقد جاء شيطانك قلت يارسول الله او معى شيطان قال نعم قلت ومع كل انسان قال نعم قلت ومعك يارسول الله قال نعم ولكن ربى أعاننى عليه عليه فأسلم ( قلم يقل ) صلى الله عليه وسلم ( لا شيطان لى وأراد شيطان الغضب لكن قال لايحملنى على الشر) وقد ذكر هذا الحديث وتقدم الكلام عليه ( وقال على كرم الله وجهه كان صلى الله عليه وسلم لا يغضب للدنيا فاذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه لشئ حتى ينتصر له ) رواه الترمذى فى الشمائل وقد تقدم فى أخلاق النبوة ( فكان يغضب على الحق وان كان غضبه لله فهو التفات الى الوسائط على الجمله بل كل من يغضب على يأخذ ضروره قوته وحاجته التى لا بدله فى دينه منهما فانما غضب لله لانه ) داخل فى انتهاك حرمه الله ( فلا يمكن الانفكاك عنه نعم قد يفقد أصل الغيظ فيما هو ضرورى اذا كان القلب مشغولا بضرورى أهم منه فلا يكون للقلب متسع للغضب لا شتغاله بغيره فان استغراق القلب ببعض المهمات يمنع الاحساس بما عداه ) أى فلا يحس به ولا يشعر لغلبة الاستغراق وذلك اذا أخذ بمجامع قلبه وأحاط به احاطه القشر باللب وقد يتصور مع @ بعض الاستغراق الاحساس بغير ماهو فيه ولكن لا يؤثر عنده ( وهذا كما ان سلمان ) الفارسى رضى الله عنه ( لما شتم قال ان خفت موازينى ) أى موازين حسناته ( فانا شر مما تقول وان ثقلت لم يضرنى ماتقول فقد كان ) رضى الله عنه ( همه مصروفا الى الاخر فلم يتأثر قلبه بالشتم ) ولم يبال به ( وكذلك شتم الربيع بن خيثم ) الثورى الكوفى ( فقال ) له (ياهذا قد سمع الله كلامك وان دون الجنه عقبه ) كؤاد ( ان قطعتها لم يضربى ماتقول وان لم أقطعها فأنا شر مما تقول ) أخرجه أبو نعيم فى الحلية ( وسب رجل أبا بكر رضى الله عنه فقال ) له ( ماستر الله عنك أكثر فكأنه ) رضى الله عنه ( كان مشغولا بالنظر فى تقصير نفسه عن أن يتقى الله حق تقاته ويعرفه حق معرفته فلم تغضبه نسبه غيره اياه الى نقصان اذ كان ينظر الى نفسه بعين النقصان وذلك لجلاله قدره ) وعظيم منزلته فى المعرفه (وقالت امرأة لمالك بن دينار ) البصرى ( يامرائى فقال ماعرفنى غيرك ) أخرجه أبو نعيم فى الحلية ( فكأنه كان مشغولا بان ينفى عن نفسه آفه الرياء ومنكرا على نفسه مايلقى الشيطان اليه فلم يغضب لما نسب اليه ) لذلك ( وسب رجل ) عامر بن شراحيل ( الشعبى فقال ان كنت صادقا فغفر الله لى ةان كنت كا ذبا فغفر الله لك ) أخرجه أبو نعيم فى الحليه وقيل لابى يزيد البسطامى لحيتك أفضل أم ذنب الكلب فقال ان مت مؤمنا فلحميتى والا فذنب الكلب فكان همه مشغولا بحسن الخاتمة ( فهذه االاقاويل داله فى الظاهر على انهم لم يغضبوا لاشتغال قلوبهم بمهمات دينهم ويحتمل أن يكون قد أثر ذلك فى قلوبهم ولكنهم لم يشتغلوا به واشتغلوا بما كان هو الاغلب على قلوبهم فاذا اشتغال القلب ببعض المهمات لا يبعد ان يمنع هيجان الغضب عند فوات بعض المحاب فاذا يتصور فقد الغيظ اما باشتغال القلب بمهم ) دينى على وجه الاستغراق ( أو بغلبه نظر التوحيد ) وهذان السببان قد ذكرا ( وسبب ثالث وهو ان يعلم ان الله يحب منه أن لا يغتاظ فتطفئ شده حبه لله غيظه وذلك غير محال فى أحوال نادره ) عزيزه الوقوع فانها تستدعى كمال الحب واستدامه المراقبه ( وقد عرفت بهذا ان طريق الخلاص من نار الغضب محو حب الدنيا من ) لوح (القلب ) لانه من لوازمه ( وذلك بمعرفه آفات الدنيا وغوائلها كما سيأتى فى كتاب ذم الدنيا ومن أخرج حب المزايا ) جمع مزيه ( من القلب تخلص من أكثر أسباب الغضب ومالايمكن محوه ) من لوح القلب (فيمكن كسره وتضعيفه ) وتوهينه ( فيضعف الغضب بسببه ويهون دفعه ) *(بيان الاسباب المهيجه للغضب )*(قد عرفت ان علاج كل عله بحسم مادتها وازاله أسبابها ) التى نشأت منها تلك العله ( فلابد من معرفه أسباب الغضب ) أولا حتى يهتدى لا زالتها ( وقد قال عيسى ليحي عليهما السلام ) وهما ابنا الحماله ( أى غضب أشد قال غضب الله قال فما يقرب غضب الله قال ان تغضب ) وتقدم قريبا بلفظ وما يباعد من غضب الله قال لا تغضب ( قال يحي فما بيدى الغضب وما ينبته قال عيسى ) عليه السلام ( الكبروالفخر والتعزيز والحميه ) رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب ( فالاسباب المهيجه للغضب الزهو @ والعجب والمزح والهزل والتعبير ) أى ذكر عيب الغير ونسبته اليه ( والمماراه أى المخاصمة ( والمضادة والغدر وشده الحرص على فضول المال والجاه وهى باجمعها اخلاق رديئه مذمومه شرعا ولا خلاص عن الغضب بقاء هذه الاسباب فلابد من اواله هذه الاسباب باضدادها ) ونقائضها (فينبغى ان يميت الزهو بالتواضع ) فان الزهو هو الكبر والرفعه والتواضع ضده ( وتميت العجب بالمعرفه بنفسك) بالذل والقصور ( كما سيأتى بيانه فى كتاب الكبر والعجب ويزيل الفخر بانك من جنس عبدك ) الذى تملكه )اذ ) قال الشاعر ( الناس يجمعهم فى الانتساب أب * وانما اختلفوا فى الفضل أشتاتا ) ومثل ذلك قول على رضى الله عنه الناس من جهه التمثيل اكفاء * أبوهم واحد والام حواء فى أبيات ذكرت فى كتاب العلم ( فبنو آدم جنس واحد واثما الفخر بالفضائل ) النفسيه والعلميه والعمليه ( الفخر ) من غير فضيله ( والعجب ) بالنفس (والكبر) على الغير ( أكبر الرذائل وهى رأسها وأصلها ) أى هذه الثلاثه اساس كل رذيله ( فاذا لم تخل عنها فلا فضل لك على غيرك فلم تفتخر وأنت من جنس عبدك من حيث البنيه والنسب والاعضاء الظاهره والباطنه وأما المزح فيزيله بالتشاغل بالمهمات الدينيه التى تستوعب العمر ) وتستغرقه ( وتفضل عنه اذا عرفت ذاك ) ففيها شغل شاغل عن المباسطه والمزاح وغيره ( وأما الهزل ) من القول ( فيزيله بالجد فى طلب الفضائل والاخلاق الحسنه والعلوم الدينيه التى تبلغك الى سعادة الاآخرة ) فالذى يجتهد فى تحصيل مثل هذه لايتفرغ للهزليات ( وأما الهزء فيزيله بالتكرم عن ايذاء الناس ) فلا يؤذيهم ( وبصيانه النفس عن ان يستهزأ بك ) فان من استهزأ بغيره استهزئ به ( وأما التعبير فبالحذر عن قول القميح وصيانه النفس عن مر الجواب ) وفى بع�